مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

ومع ظهور الامام لو قصر الربع ووقت التركة ، ففي الشراء نظر.

(الثالث) القتل.

ويمنع القاتل عمدا ظلما ، وفي الخطأ قولان أظهرهما

______________________________________________________

على قدر ما أعتق منه لورثته ، ما لم يعتق منه لأربابه الّذين كاتبوه من ماله (١).

قوله : «ومع ظهور الامام لو قصر إلخ» أي لو خلّف زوج حرّ زوجته المملوكة فقط حال ظهور الامام عليه السّلام ، وقلنا بشراء الزوجة في الجملة ، وبعدم الردّ عليها حينئذ كما هو مذهب المصنف هنا ، والّا فلا شراء بانتفاء الأوّل ويشترى مع انتفاء الثاني قطعا ولم يف الربع الذي نصيب الزوجة بثمنها ، ويفي كلّ التركة بذلك هل تشترى المرأة بما يفي من التركة وتعتق وان كان فاضلا تعطى أم لا؟ بل يكون المال كلّه للإمام عليه السّلام بناء على عدم الشراء إذا لم يف النصيب بالثمن والّا يشترى بعضها ويعتق ذلك وتسعى؟ فيه نظر.

وجه العدم ظاهر ، وهو ان الشراء انما يكون بمال يرثه ويملكه المشتري على تقدير كونه حرّا والفرض هنا عدم الردّ لها وعدم كفاية نصيبها بثمنها.

ووجه ثبوته عموم الدليل وعدم التفصيل ، ولهذا أطلق القائل بشرائها من غير تقييد بصورة يفي نصيبها بثمنها.

وكأنه ضعيف ، إذ الدليل مخصوص بصورة يفي ، وكذا إطلاق قولهم ، لما قلنا من ان الشراء انما يكون بماله على تقدير عتقه ، فينبغي ان لا يكون النظر بناء على القول بعدم الردّ.

ويحتمل ان يكون وجه النظر انه هل لها ردّ أم لا؟ فعلى الأوّل تشترى ، وعلى الثاني لا ، ولكن لا يناسب النظر من المصنف بعد الجزم على المبنى عليه وهو عدم الردّ حينئذ ولا القيد بحال الحضور فتأمّل.

قوله : «ويمنع القاتل عمدا إلخ» قد نقل الإجماع على عدم ارث القاتل

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من موانع الإرث ج ١٧ ص ٤٠٢.

٥٠١

(أقربهما خ ل) المنع من الدية لا التركة.

______________________________________________________

عمدا ظلما.

ومستنده الاخبار ، مع الاعتبار ، مثل صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل قتل امّه؟قال:لا يرثها ويقتل بها صاغرا ، ولا أظن قتله بها كفارة لذنبه (١)

ولا فرق بين الابن والام ، وبين غيرها (هما).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قتل الرجل أباه قتل به ، وان قتله أبوه لم يقتل به ولم يرثه (٢).

ولا فرق بينهما وبين غيرهما ، والاخبار العامّة المحمولة على العمد والظلم لما سيأتي كثيرة فيهما.

وأمّا الخطأ ففيه أقوال ثلاثة ثالثها ، لا يرث عن الدية ويرث عن غيرها.

دليل إرثه مطلقا عموم أدلّة الإرث كتابا وسنّة وإجماعا خرج العامد الظالم بدليله ، وبقي غيره ، وعدم المؤاخذة به لرفعه (٣) عن الأمّة.

ورواية محمّد بن قيس ـ في التهذيب والاستبصار ـ وحسنته في الفقيه ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل قتل امّه ، قال : ان كان خطأ فإن له ميراثه ، وان كان قتلها متعمدا فلا يرثها (٤).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب موانع الميراث ج ١٧ ص ٣٨٩.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب موانع الميراث ج ١٧ ص ٣٨٩.

(٣) إشارة إلى حديث الرفع المعروف : رفع عن أمتي تسعة الخطأ والنسيان إلخ. راجع الوسائل ج ٥ من أبواب الخلل في الصلاة باب ٣٠ حديث ٢ ص ٣٤٥.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٢ واللفظ للتهذيب والاستبصار لا للفقيه.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قتل أمّه أيرثها؟ قال : ان كان خطأ ورثها ، وان كان عمدا لم يرثها (١).

ولم يفرّقوا بين الامّ والولد وغير هما.

ودليل المنع مطلق عموم الاخبار ، مثل رواية جميل بن درّاج ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ولكن يكون الميراث لورثة القاتل (٢)

ورواية أخرى لجميل ـ وهي حسنة في الفقيه ـ عن أحدهما عليهما السّلام في رجل قتل أباه؟ قال : لا يرثه ، فان كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول (٣) ، وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لا ميراث للقاتل (٤).

ورواية فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يقتل الرجل بولده ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده ، ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله وان كان خطأ (٥).

والاخبار العامة والمطلقة في عدم ارث القاتل كثيرة لكنها محمولة على العامد للجمع بينهما وبين الاخبار الدالّة على ارث القاتل خطأ لوجوب حمل العام والمطلق على الخاصّ والمقيّد.

واما رواية الفضيل الدالة على نفي الإرث عن المخطئ أيضا ، فهي ضعيفة بالإرسال ، وبمعلّى بن محمّد ، فإنه رواه في الكافي عن بعض أصحابه (٦) وفي طريقه

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٢.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٩.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٨.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٢.

(٦) سندها كما في الكافي باب ميراث القاتل هكذا : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن حماد بن عثمان ، عن فضيل بن يسار.

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر (١) في التهذيب الإرسال الى (٢) علي بن الحسن فضال ، قال : حدثنا رجل ، عن محمّد بن سنان (٣) ـ وهو كما ترى ـ ومثل هذه لا تصلح للاحتجاج خصوصا مع معارضته بما تقدم.

قال الشيخ ـ بعد نقل رواية محمّد بن قيس ، وصحيحة عبد الله بن سنان الدالّتين على ارث المخطئ مطلقا : ولا ينافي هذين الخبرين ما رواه (وذكر رواية فضيل بن يسار) ثم قال : لأن هذا الخبر مرسل مقطوع الاسناد ، ومع ذلك يحتمل ان يكون الوجه فيه ما كان يقول شيخنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان من انه لا يرث الرجل الرجل إذا قتله خطأ من ديته ، ويرثه ممّا عدا الدية ، والمتعمد انه لا يرثه شيئا لا من الدية ولا من غيرها ، وكان بهذا التأويل يجمع بين الحديثين ، وهذا وجه قريب.

والذي يؤكد هذا التأويل ما رواه محمّد بن احمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر عن أبيه ان عليا عليهم السّلام كان لا يورّث المرأة من دية زوجها شيئا ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئا ولا الاخوة

__________________

(١) سنده في التهذيب باب ميراث القاتل وفي الاستبصار باب ان القاتل خطأ يرث المقتول ج ٤ ص ١٩٣ هكذا : علي بن الحسن بن فضال قال : حدثنا رجل ، عن محمّد بن سنان ، عن حماد بن عثمان.

ورواه محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن حماد بن عثمان ، عن فضيل بن يسار.

(٢) يعني السند الأول كما نقلناه.

(٣) هكذا في النسخ والمناسب ان يقول : الإرسال الى محمّد بن سنان ، والّا فطريق الشيخ رحمه الله في الكتابين الى علي بن الحسن بن فضال ليس فيه إرسال قال في مشيختهما : وما ذكرته في هذا الكتاب ، عن علي بن الحسن بن فضال ، فقد أخبرني به احمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا منه واجازة ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال اللهمّ الّا ان يكون المراد ان الشيخ رحمه الله لا يروي عن علي بن محمّد بن الزبير بلا فصل ، بل هو مرسل لعدم درك الشيخ لابن الزبير.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

من الامّ من الدية شيئا (١) ، قال محمّد بن الحسن : انما حملنا هذا الخبر على هذا المعنى ، لأنّا قد بيّنا فيما تقدم ان كلّ واحد من الزوجين يرث من دية صاحبه إذا لم يكن قاتلا. فلا وجه لهذا الخبر الّا ما قلنا ، والّا بطل الخبر ، ويحتمل ان يكون الخبر خرج على وجه (مخرج ـ خ ل) التقيّة لأن ذلك مذهب العامة (٢).

ولا يخفى ما في هذا الكلام من فهم اختياره أوّلا إرث القاتل خطأ ثم المنع عن الإرث مطلقا مع ما عرفت ما في دليله وحكمه بالإرسال والقطع ثم جعله دليلا للشيخ المفيد ، والحكم بأنه قريب ، وتأييده بضعيفة النوفلي عن السكوني الغير الدالة على ذلك إلّا بتأويلها وحملها على ذلك لما أثبته من ارث كل واحد من الزوجين من دية الآخر ، ومن حكمه بأنه إذا (ان ـ خ ل) لم يفعل ذلك يلزم الابطال مع قوله بعيده : (ويحتمل التقيّة).

وبالجملة مذهب الشيخ المفيد هو ثالث المذاهب ، ودليله ما فهم من الجمع بين الاخبار.

ولكن قد عرفت ان لا دليل على عدم ارث المخطئ من الدية ، بل مطلقا الّا انه يمكن ان يقال : أدلة إثبات الإرث للمخطئ ليست بظاهرة في إثباته من الدية أيضا لكل وارث ، بل ظاهرة في إرث الرجل من انه في الجملة إذا قتلها خطأ.

وان المتبادر من قوله : (ميراثها) و (يرثها) الإرث من الأموال التي كانت لها حال الحياة ، لا الدية التي تثبت بعد الموت.

وأيضا يؤيده ان الدية كأنه من القاتل ، وارثه عنها بعيد وغير مفهوم.

وأيضا ظاهر الآية الدالة على الدية (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (٣) هو تسليم

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٢) الى هنا عبارة الشيخ رحمه الله في التهذيب.

(٣) النساء : ٩٢.

٥٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الدية الى غير القاتل ، من أهل الميّت وان كان المسلّم هو العاقلة (وان كان المعطى العاقلة ـ خ).

وأيضا يؤيّده الاعتبار ، فان العقل يمنع من ارث شخص ممّا يلزم من جنايته.

ويؤيده أيضا ما في صحيحة أبي عبيدة ، في امرأة حامل شربت دواء وهي حامل ولم يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها ، الى ان قال : قلت له : فهي لا ترث ولدها من ديته (مع أبيه ـ كا ـ ئل) ، قال : لا ، لأنها قتلته فلا ترثه (١).

وهي شاملة للعمد والخطأ ، وكالصريحة في نفي ارث القاتل خطأ من الدية مطلقا فيبعد تخصيصها بها فتأمّل.

ورواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : الّا امرأة طلّقت فمات عنها زوجها قبل ان تنقضي عدّتها فإنها ترثه ثم تعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها ، وان توفيت في عدّتها ورثها ، وان قتلت ورث من ديتها ، وان قتل ورثت من ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه (٢).

والمراد ، المطلقة الرجعيّة ، وهو ظاهر ، وظاهرها كون (ما لم يقتل) قيدا للتوريث من الدية وعدم الفرق بين الزوجين وغيرهما.

ويؤيده أيضا ما نقل في الشرح ، عن عمرو بن شعيب ، عن جدّه (وعبد الله بن عمر) أنّ النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم قال : لا يتوارث أهل ملتين شي‌ء ، ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ، ويرث الرجل من مالها ومن ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه ، فان قتل أحدهما صاحبه عمدا فلا يرث من ماله ، ولا من ديته ، ومن قتله خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٢٩٠.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٢٩١.

(٣) في سنن أبي داود ج ٣ ص ١٢٦ (شتّى) بدل (شي‌ء) وهو الصحيح.

٥٠٦

ولو تجرد العمد عن الظلم كالقصاص والحدّ لم يمنع.

______________________________________________________

ثم قال : وهذا نصّ في الباب وذكر الزوجين غير مخصّص إجماعا.

وما رأيتها في أصولنا كأنها عامّية ولا يضرّ.

ثم قال فيه : وهذا القول اختاره أكثر الأصحاب كابن الجنيد ، والمرتضى ، والشيخ نقله عن المفيد رحمه الله ، وهو مذهب أبي الصلاح ، والقاضي ، وابن حمزة ، وابن زهرة ، والفاضل ، والكيدري ، وحسّنه المحقق ، واختاره المصنف في المختلف ، وقرّبه في المتن ، وجوَّده في القواعد ، والمحقق الثاني أيضا.

وبالجملة منع المخطئ عن الإرث مطلقا بعيد ، وارثه من غير الدية قريب ، لان العمومات الدالّة على إرثه مع عدم ظهور شمولها للدية معارضة بالعمومات الدالة على ارث القاتل مطلقا ، والخصوصات التي اقتضت حمل العمومات عليها غير ظاهرة في الإرث عن الدية ، وهي روايتا محمّد وعبد الله ، والأصل عدم الإرث ، والجمع بين الروايات وان كانت ضعيفة في مثل هذا المسألة جيّد ، والتقيّة بعيدة كالطرح ، فإنها طرح في الحقيقة ، فتأمّل.

قوله : «ولو تجرد العمد عن الظلم إلخ» دليله ظاهر ، ويخصّص الأخبار الدالة على المنع بالظلم ، وفي بعضها تصريح بالظلم حيث أوجب فيه القصاص ، وفي بعضها تصريح بأنه إذا كان حقّا يرث.

هل شبيه العمد ملحق به أو بالخطإ؟ فيه خلاف ، اختار في القواعد الأوَّل لعلّ دليله عموم الأخبار الدالة على منع القاتل مطلقا خرج المخطئ لدليله الذي تقدم وبقي الباقي.

فيه تأمّل ، إذ المتبادر من القاتل في الاخبار هو القاتل عمدا فلا يدخل شبهه فيه ، وفي بعضها تصريح (١) بكونه عمدا حيث أوجب فيه القصاص مع عدم سقوط إثمه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٨٩.

٥٠٧

ولو لم يكن سوى القاتل فالميراث للإمام ، ويطالب بالقود أو الدية ولا عفو.

ولا يمنع ولد الولد بجناية أبيه.

______________________________________________________

وعلى تقدير تسليم شموله له ، ففي تخصيص عموم الكتاب والسنّة والإجماع المتواترات بمثل هذه العمومات من الاخبار الآحاد تأمل واضح ، إذ إنما يجوز تخصيص اليقيني بالخبر الواحد الظنّي ـ عند من جوز ـ ، إذا كان خاصا ونصّا ودلالته يقينية لا تقاوم يقينيّتها متن اليقيني.

ويؤيّده اعتبار ان العامد الظالم يستحق ذلك لظلمة وقصده ، وربما يكون قاصدا للإرث فيعمل بخلاف مقتضى غرضه بخلافه ، فعمومها مع عدم (ثبوت ـ خ) المخصّص دليل الثاني.

وكأنّه كذلك اختاره المصنف في التحرير على ما نقله في الشرح فتأمّل.

قوله : «ولو لم يكن سوى القاتل إلخ» وجه كون الإرث للإمام مع عدم وارث غير القاتل ظاهر ممّا تقدم فتذكّر.

واما وجه عدم العفو له عن القاتل الوارث ، بل ويتعين عليه اما القصاص أو الدية مع ثبوته لغيره ، غير ظاهر.

كأنّ لهم دليلا على ذلك من إجماع أو خبر ، وما رأيته والأمر إليه عليه السّلام.

قوله : «ولا يمنع ولد الولد إلخ» إذا قتل شخص أباه وليس وارث غيره وللقاتل ابن ، يرث جدّه المقتول ولا يمنع قتل أبيه وحرمانه من الإرث من إرثه ، لأن القاتل الذي لا يرث بمنزلة العدم ، فلا وارث له الّا ابن ابنه فيحوز المال كلّه مع عدم الشريك وإذا كان معه من يشاركه مثل ابن عمه (١) أو الزوجة أو الأبوين يشاركهم بحصّته ولو كان من يمنعه وان كان بمنزلة أبيه القاتل مثل عمّه لا يرث شيئا.

__________________

(١) هكذا في النسخ فتأمّل في معناه والمراد منه.

٥٠٨

ويرث الدية كلّ مناسب ومسابب ، وفي المتقرب بالأم قولان.

______________________________________________________

وبالجملة ، القاتل بمنزلة العدم فيرث غيره.

وقد كان في بعض الاخبار المتقدمة تصريح بذلك مثل حسنة جميل ـ في الفقيه ـ عن أحدهما عليهما السّلام في رجل قتل أباه. قال : لا يرثه ، فان كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول (١).

قوله : «ويرث الدية كل مناسب إلخ» لعلّ دليل ارث كل وارث مناسب ومسابب الدية هو عموم أدلة الإرث.

ودليله ـ مع استثناء الاخوة من الامّ ـ خصوص الاخبار ، مثل صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في دية المقتول انه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم ، إذا لم يكن على المقتول دين ، إلّا الاخوة والأخوات من الأمّ فإنهم لا يرثون من ديته شيئا (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام : ان الدية يرثها الورثة إلّا الاخوة والأخوات من الأمّ فإنهم لا يرثون من الدية شيئا (٣).

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : الدية يرثها الورثة على فرائض المواريث (الميراث ـ ئل) إلّا الاخوة من الأمّ فإنهم لا يرثون من الدية شيئا (٤).

وضعيفة أبي العبّاس ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته هل للاخوة من الامّ من الدية شي‌ء؟ قال : لا (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٦.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٣.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٣.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٤.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٤.

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا ضعيفة عبيد بن زرارة عنه عليه السّلام ، قال : لا يرث الاخوة من الامّ من الدية شيئا (١).

هذا ـ في غير من يتقرّب بالأمّ أو بالأب فقط ـ موضع وفاق على الظاهر ، وفيه خلاف نقل عن المبسوط وموضع من الخلاف.

وعن ابن إدريس ـ في كتاب الجنايات ـ عدم الفرق بين الدية وغيرها ، فيرثها كلّ من يرث ما عداها لقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢) وسائر عمومات أدلّة الإرث.

هذا على قول من يذهب إلى عدم حجيّة خبر الواحد كابن إدريس أو الى عدم جواز تخصيص الكتاب به كما هو رأي البعض من الأصوليين حسن ، إذ الظاهر ان هذه الاخبار مع كثرتها ما وصلت الى حدّ التواتر ، بل صارت مستفيضة.

واما على قول من يقول بهما كالشيخ والمصنف فلا ، فتوقّف المصنف هنا بعيد ، وفتوى المبسوط وموضع من الخلاف أبعد ، فتأمّل.

الّا ان يخصّص بغير الإخوة والأخوات من الامّ ومن تحتهما مثل الأخوال وأولادهم ان قيل : بفهم حرمانهم من حرمان الإخوة بالطريق الأولى.

ومنه علم قوّة القول الثاني ، وهو توريث كلّ احد غير من يتقرب بالأمّ ، وهو مذهب النهاية ، والقاضي ، والتقي ، وابن زهرة ، والكيدري ، ونجيب الدين ، وابن إدريس في كتاب الميراث ، لما تقدم من الروايات.

ولكن كان أكثرها مخصوصة بالاخوة ، وفي الأوليين أخوات أيضا موجودة ، وذلك كاف ولعلّ غيرهم ممن يتقرّب بالأمّ مثلهم أو يفهم حرمانهم بالطريق الأولى.

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٣٩٤.

(٢) الأنفال : ٧٥.

٥١٠

ولا يرث الزوجان من القصاص ، فإن رضي الورثة بدية العمد ورثا منه.

______________________________________________________

وكأنه لذلك ما نقل الفرق بينهم وان كان مقتضى ظاهر الدليل وهو حرمان الاخوة والأخوات فقط ، وتوريث غيرهم ممن يتقرّب بالأمّ أيضا عملا بعموم الأدلّة ، وخصوصها مع عدم المانع والمعارض ومفهوم الموافقة غير ظاهر وليس بحجة إلّا مع العلم بالعلّة ، ووجودها في الفرع ، وهو غير ظاهر وان كان يغلب على الظن ذلك مؤيّدا بعدم وجود القائل بالفرق على الظاهر فتأمّل واحتط.

ونقل من موضع من الخلاف منع المتقرّب بالأب فقط أيضا ، ووجهه غير ظاهر.

واعلم أن وجود هذه الروايات في حرمان الاخوة والأخوات من غير معارض مع قلّة وجود مثل هذا في مثل هذه المسألة الخلافيّة مؤيّد لحرمانها فتأمّل.

وان الدية بمنزلة مال الميّت بالنسبة إلى الديون والوصايا على ما ذكره الأصحاب.

وتدلّ عليه في الجملة صحيحة يحيى الأزرق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يقتل ويترك دينا وليس له مال فيأخذ أولياؤه الدية ، أعليهم ان يقضوا دينه؟ قال : نعم ، قلت : وان لم يترك شيئا؟ قال : نعم ، إنما أخذوا ديته فعليهم ان يقضوا دينه (١).

كأن الوصيّة مثل الدين ، ولان صرفها في الدين لأنها بحكم ماله فتأمّل.

وهذه تدل على عدم وجوب قضاء الدين عليهم ، ولا على قضائه من مال الميّت واشارة الى ان تصرفاتهم (تصرفهم ـ خ) في المال جائز وماض قبل أداء الدين استوعب أم لا فتأمّل.

قوله : «ولا يرث الزوجان إلخ» لعل دليل عدم توريث الزوجين

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من كتاب الدين ج ١٢ ص ١١١.

٥١١

(الرابع) اللعان.

وهو يقطع الميراث بين المتلاعنين وبين الملاعن وكل من يتقرب به وبين الولد ، فان اعترف به الأب لم يرثه هو ولا من يتقرب به ويرثه الولد.

______________________________________________________

بالقصاص الأصل والإجماع ، يفهم من الشرح الاتفاق عليه ، بل على ارثهما من الدية بعد رضاء الورثة المستحقين للقصاص بها ، وظاهر ممّا تقدم ، فتأمّل.

قوله : «وهو يقطع الميراث إلخ» رابع موانع الإرث اللعان ، وقد مرّ انه يقطع الزوجيّة ويفسخ العقد ، وتحرم الزوجة على الزوج مؤبّدا ، وينتفى عنه الولد ، فلا توارث بين المتلاعنين ، ولا بين الملاعن ومن يتقرّب به ، وبين الولد الذي نفاه ، ولا بين أقاربهما ، وهو ظاهر.

بل لا ينبغي عدّ اللعان من الموانع ، إذ المقصود منه هو الذي يمنع الوارث مع كونه قريبا شرعيّا ، إذ لا يعدّ الطلاق مانعا وهو ظاهر ، وكأنه عدّه باعتبار انه حكم بحسب ظاهر الشرع انه ولده فيكون وارثا فنفاه عنه باللعان فتأمّل ، أو باعتبار انه لو أقرّ به بعده وأكذب نفسه في نفيه يرثه.

ولا يرثه الأب للعانه وكذا الّا يرثه من يتقرّب بالأب.

دليله إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (١) وغيره من أدلة قبول الإقرار ، وعدم قبول الإقرار إذا كان نافعا للمقر ، هكذا قالوا.

وفيه تأمّل ، إذ هذا يصح بالنسبة إلى وجوب النفقة لا بالنسبة إلى الإرث ، فإن أخذ الإرث لا يضره ، انما يضر ورثته ، وهو ظاهر.

والعمدة في الحكم ، هو الإجماع ـ ان كان ـ والنصّ وهو روايات كثيرة.

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٥٧ وج ٣ ص ٤٤٢ والوسائل باب ٣ حديث ٢ من كتاب الإقرار ج ١٦ ص ١١١.

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال ـ في الملاعن ـ : ان أكذب نفسه قبل اللعان ردّت إليه امرأته وضرب الحدّ ، فان لا عن لم يحل له ابدا وان قذف رجل امرأته كان عليه الحدّ ، وان مات ولده ورثه أخواله ، فإن ادعاه أبوه لحق به ، وان مات ورثه الابن ولم يرثه الأب (١).

وما سيأتي في صحيحته أيضا عنه عليه السّلام : (ويرث الابن الأب ولا يرث الأب الابن) (٢) ، وغيرها.

وامّا ان لم يكذب نفسه ويبقى على حاله فيتمّ الأحكام على حالها ، فهو ومن يحصل منه بالنسبة إلى الأمّ ومن يتقرّب بها مثل ما لم يوجد اللعان.

وجهه ظاهر ، وهو أنه بالنسبة إليها يحكم بأنّه ولدها وهي امّه.

ويدلّ عليه أيضا النصوص ، مثل صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي عليه السّلام يقول : إذا مات ابن الملاعنة وله اخوة قسّم ماله على سهام الله تعالى (٣).

الظاهر ان المراد الاخوة من الأمّ أو الأب والامّ ، وصرّح به في الفقيه حيث قال ـ بعد هذه الرواية ـ : يعني الاخوة (اخوة ـ ففيه) لأمّ أو لأب وأمّ فأمّا الإخوة للأب فقط فلا يرثونه ، والإخوة للأب والامّ إنما يرثونه من جهة الأمّ لا من جهة الأب ، وهم والإخوة للامّ في الميراث سواء ، ونعم ما قال.

ورواية موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام : ان ميراث ولد الملاعنة لأمه ، فإن كانت امّه ليست بحيّة (فان لم تكن أمّه حية ـ ئل) فلأقرب الناس الى امّه أخواله (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب الفرائض ج ١٧ ص ٥٥٨.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٥٦.

(٣) الفقيه باب ميراث ابن الملاعنة ج ٤ ص ٣٢٥ طبع مكتبة الصدوق.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٥٦.

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر انه لا يضرّ (موسى) ، وان للأخوال ان لم يكن أقرب منهم مثل الاخوة كما تقدّم : ومثلها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (١).

وما رواه أبو بصير ـ في الصحيح في الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ابن الملاعنة ينسب الى امّه ، ويكون امره وشأنه كلّه إليها (٢).

وصحيحة الحلبي ـ في الفقيه ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها ثم يقول بعد ذلك : الولد ولدي ويكذّب نفسه؟ فقال : اما المرأة فلا ترجع إليه أبدا ، واما الولد فإني أردّه إليه إذا ادّعاه ولا ادع ولده ، وليس له ميراث ، ويرث الابن الأب ، ولا يرث الأب الابن يكون ميراثه لأخواله ، وان دعاه احد ولد الزنا جلد الحدّ. هكذا في الفقيه وزاد في التهذيب والاستبصار ـ بعد قوله : (لأخواله) : فان لم يدّعه أبوه فإن أخواله يرثونه ولا يرثهم (٣).

وهو مخالف لما سبقه من الأخبار والقواعد ، فإنها تقتضي كونه بالنسبة إلى الأمّ ومن يتقرّب بها مثل ما لم يلاعن امّه وهو ظاهر.

ومثله موجود في ضعيفتي أبي بصير ومضمرة الفضيل الضعيفة (٤).

قال في التهذيب : والعمل على ثبوت الموارثة بينهم أحوط وأولى على ما يقتضيه شرع الإسلام.

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٥ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٥٧ ومراد الشارح قدّس سرّه من قوله : (ومثلها) يعني في المعنى لا في اللفظ وإلّا فالفاظه مختلفة.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٨ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٥٥٨.

(٣) أورده في الفقيه باب ميراث ابن الملاعنة رقم ٥٦٩١ ج ٤ ص ٣٢٣ طبع مكتبة الصدوق وفي الوسائل باب ٤ مثل حديث ٧ بالسند الثالث ج ١٧ ص ٥٦٣.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٥ ـ ٦ من أبواب موانع الإرث ج ١٧ ص ٥٦٢.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وغير (١) معلوم القائل بذلك ، الّا انه في الاستبصار قال : لا منافاة بينها ، لان ثبوت الموارثة بينهم انما يكون إذا أقرّ به الوالد بعد انقضاء الملاعنة ، لأنّ عند ذلك تبعد التهمة عن المرأة وتقوى صحّة نسبه فيرث أخواله ويرثونه. والاخبار الأخيرة متناولة لمن لم يقرّ والده به بعد الملاعنة ، فإن عند ذلك التهمة باقية ، فلا يثبت (الموارثة ـ الإستبصار) بل يرثونه ولا يرثهم ، لانه لم يصحّ نسبه ، وقد فصل ذلك (ما قلناه ـ صا) أبو عبد الله عليه السّلام في رواية أبي بصير ، ومحمّد بن مسلم وأبي الصباح الكناني وزيد الشحام ، وانه انما تثبت الموارثة إذا أكذب نفسه (٢).

وقد نقل هذه الاخبار أوّلا (٣) ، ولكنها ضعيفة السند (الاسناد ـ خ ل).

وأنت تعلم ان القاعدة تقتضي التوارث مطلقا ، فلو لم يكن ما في حسنة الحلبي على ما في التهذيب والاستبصار لأمكن ردّ غيرها ، ومع ذلك غير بعيد ردّها أيضا لعدم الصحّة وحملها على الاشتباه ، ولهذا ما نقل ذلك في الفقيه.

ويمكن حملها على الاستحباب أو التقيّة لو كانت ، كما حمل عليها الشيخ صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : ابن الملاعنة ترثه امّه الثلث ، والباقي لإمام المسلمين ، لان جنايته على الإمام (٤).

وصحيحة زرارة ـ على الظاهر ـ عن أبي جعفر عليه السَّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في ابن الملاعنة ترث امّه الثلث والباقي للإمام لأن جنايته على الامام (٥).

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : مخالف لما سبقه.

(٢) الى هنا نقله من الاستبصار وتمامه : وذكر في رواية أبي بصير الأخيرة ، والحلبي معا انه انما لم يثبت ذلك إذا لم يدعه أبوه فكان ذلك دالا على ما قلناه من التفصيل ، وعلى هذا الوجه لا تنافي بينهما على حال الاستبصار ج ٤ باب ولد الملاعنة يرث إلخ ص ١٨١ ـ ١٨٢ طبع الآخوندي.

(٣) لاحظ الاستبصار ـ الباب المذكور ج ٤ ص ١٧٩.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٠.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٠.

٥١٥

وهل يرث المتقرّب بأبيه؟ قيل : نعم ، وفيه نظر ويبقى الإرث ثابتا بين الولد وامه ومن يتقرب بها.

______________________________________________________

وهذا الحمل بعيد ولا ضرورة ، إذ يمكن القول بمضمونهما لصحتهما وعدم المعارض بخصوصه ، والعمومات الدالّة على أن الأمّ ترث جميع مال ولده مع عدم وارث آخر غيرها يمكن تخصيصها بغير أمّ ولد الملاعنة.

والخاصّة ليست بصحيحة ولا صريحة في توريث الامّ جميع مال ولدها من زوجها الملاعن ، مع وجود القائل بمضمونها وهو الصدوق في الفقيه ، لكن خصّصها بحين ظهور الامام عليه السّلام حيث قال ـ بعد رواية موسى بن بكر عن زرارة المتقدمة ـ : قال مصنف هذا الكتاب : متى كان الإمام غائبا كان ميراث ابن الملاعنة لامه ، ومتى كان ظاهرا ، لامّه الثلث والباقي للإمام ، وتصديق ذلك ما رواه الحسن (١). ونقل رواية أبي عبيدة وزرارة المتقدمتين.

وذلك غير بعيد ، ويؤيّده التعليل (٢) ، فان جنايته على الإمام انما يكون مع حضوره عليه السّلام ، وان احتمل كونه كناية عن بيت المال ، فتأمّل.

قوله : «وهل يرث المتقرّب بأبيه إلخ» يعني إذا أكذب الملاعن نفسه وأقرّ بالولد هل يرث الولد من يتقرّب بأبيه مثل اخوته من أبيه وجدّه أم لا بل انما يرث أباه فقط؟ فيه نظر عند المصنف ، وهو ظاهر في توقفه.

ونقل عن أكثر الأصحاب عدم الإرث ، لأنه قد ثبت باللعان عدمه وعدم النسب أيضا وعود إرثه عن أبيه بسبب إقراره ، والاخبار لا تدل على تعديته ، ولهذا فسّر في الاخبار إلحاقه بأبيه وردّه إليه بالإرث منه وعدم حرمانه عنه.

ونقل عن التقى أبي الصلاح إرثه عمن يتقرّب به أيضا ، محتجا بأن الإقرار كالبيّنة ، فكما إذا ثبت النسب بالبيّنة يتعدى فكذا بالإقرار.

__________________

(١) إلى هنا عبارة الفقيه ج ٤ باب ميراث ولد الملاعنة ص ٢٢٣ طبع مكتبة الصدوق.

(٢) يعني في صحيحة زرارة المتقدمة بقوله عليه السّلام : لان جنايته على الامام.

٥١٦

ولو نفى باللعان توأمين توارثا بإخوة الأم ، ولو خلّف ولد الملاعنة أخوين أحدهما لأبويه والآخر لامه تساويا.

______________________________________________________

وفيه منع ظاهر ، على انه ما ثبت النسب هنا بالإقرار أيضا ، بل ثبت مجرد إرثه عنه بالنصّ والإجماع ، ولهذا ما يرثه الأب ، وثبوت سائر أحكام النسب أيضا غير ظاهر ، نعم وجوب إنفاقه عليه غير بعيد.

فتوقف المصنف هنا لتعارض دليلي الطرفين المذكورين ـ كما يفهم من الشرح أيضا ـ غير جيّد.

ونقل فيه عن بعض كتب المصنّف أنه قال فيه : الأقرب انهم ان صدّقوا الأب على اللعان لم يرثهم ولا يرثونه ، وان اكذبوه ورثهم وورثوه.

كأنه مبنيّ على ما تقرر من ان إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، مثل ما قيل في الأب.

وقد عرفت ما فيه ، نعم ان أقرّ هو أيضا بالبنوّة والاخوة لهم مثلا لا يبعد ثبوت التوارث ، بل النسب لما تقرر عندهم من حصوله بإقرار الطرفين العاقلين البالغين الرشيدين ، ولكن علمهم في هذه الصورة لا يخلو عن إشكال فتأمّل وقد مضى شرح الباقي.

قوله : «ولو نفى باللعان توأمين إلخ» يعني إذا نفى شخص ولدين توأمين عن نفسه ولا عن انتفيا عنه معا ، ولكن كلاهما منسوبان الى أمهما وهما ولداها واخوان من الام فقط فيتوارثان بالاخوة ويأخذ كل واحد ميراث الآخر من جهة إخوة الأم ويرثان الام وبالعكس ، وهو ظاهر ممّا سبق.

وكذا قوله : (ولو خلّف ولد الملاعنة) أي إذا مات ولد الملاعنة من الملاعن الذي نفي عنه وثبت نسبه بالنسبة إليها وخلّف أخوين مثلا أحدهما للأب والام والآخر للام فقط ، سواء كان أحد التوأمين أم لا ، يتساويان في الإرث ، لأن كلاهما إخوة الأم فقط ونسبة الأبوّة منقطعة بالفرض ولا اعتبار لها ، ولهذا ما يرثه الأخ للأب فقط ، وان انفرد أو اجتمع مع اخوة الأمّ فقط مثل ما يرثه الأب.

٥١٧

ولو لم يخلّف سوى امّه فلها الثلث تسمية والباقي ردّا.

ولو كان معها ابن فلها السدس ، ولو لم يخلّف وارثا من قبل الام لم يرثه الأب ولا من يتقرّب به ، بل ميراثه للإمام.

واما ولد الزنا فلا يرثه أبواه ولا من يتقرب بهما ، وكذا هو لا

______________________________________________________

قوله : «ولو لم يخلّف سوى امّه إلخ» أي لو مات ولد الملاعنة ولم يخلّف ممن يرثه إلّا أمّة ترثه جميع ما تركه ، الثلث بالتسمية ، والباقي بالردّ ، لما تقرر من القواعد الميراثية.

وفيه إشارة الى ان ليس الباقي للإمام كما هو مقتضى بعض الروايات المتقدمة ومذهب الفقيه ، من ان الباقي ـ مع ظهوره عليه السّلام ـ له ، ومع غيبته لها وقد مرّ مفصلا ومرجحا.

قوله : «ولو كان معها ابن إلخ» إذا خلّف ولد الملاعنة معها ابنه فللأم السدس والباقي للولد ، ولو لم يخلّف وارثا من الامّ ومن يتقرّب بها وولده وزوجته فهو كمن لم يخلّف وارثا أصلا ، وان كان الملاعن أو من يتقرّب به موجودا فإنه بالنسبة إليه أجنبيّ وليس بوارث.

وبالجملة هذا الولد ماله أب ولا من يتقرّب به فوارثه منحصر في الأم ومن يتقرّب بها وولده وزوجته فهو بالنسبة إليهما كسائر أولادها ، فمع وجودها أو وجود من يتقرّب بها يرثانه وبالعكس.

فلو مات ولم يخلّف أحدا منهم فهو كمن لا وارث له ، فميراثه ميراثه ، وقد تقرّر أنه للإمام عليه السّلام.

قوله : «واما ولد الزنا فلا يرثه إلخ» قد تقرّر بالشرع الشريف ان الزنا لا يثبت به النسب لقوله صلّى الله عليه وآله ـ بالطريق العامة (١) والخاصّة ـ : الولد

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ١٣٢ طبع مطبعة سيّد الشهداء ولا حظ ذيله.

٥١٨

يرثهم وانما يرثه الزوجان وأولاده ، ولو (وان ـ خ ل) نزلوا فان فقدوا فالإمام.

______________________________________________________

للفراش وللعاهر الحجر (١) ، فلا أب له ولا أمّ ان كان الزنا بالنسبة إليهما ، فلا يرثه أحدهما ولا يرثهما ولا من يتقرّب بها.

وبالجملة لا نسب له مع احد ، نعم قد يحصل له نسب شرعيّ بالنسبة الى من يحصل منه ويحصل له سبب الإرث بالزوجيّة والولاء ، وهو ظاهر.

فماله وارث ولا مورث نسبيّ الّا الأولاد وان نزلوا ، دون الآباء والاخوة والأخوات والأعمام والأخوال ، وهو ظاهر.

وان كان الزنا بالنسبة إلى أحدهما فقط لم يحصل النسب للزاني ويحصل للآخر ، فهو كولد الملاعنة حينئذ وهو ظاهر.

فلو كان ولد الزنا زوجا وخلّف زوجته فقط أو مع الأولاد فميراثه مثل ما تقدم ، وكذا لو كانت زوجة وخلّفت زوجا أو مع الأولاد.

ولو لم يخلّف الزوجة أو الزوج ولا الأولاد فهو مثل من لا وارث له ، وان كان الزانيان أو من يتقرّب بهما موجودين وحينئذ فميراثه للإمام عليه السّلام كغيره ممن لا يخلف وارثا وهو ظاهر.

وتؤيّده رواية عبد الله بن سنان ـ كأنها صحيحة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته ، فقلت له : جعلت فداك كم دية ولد الزنا؟ قال : يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه ، قلت : فإنه مات وله مال من يرثه؟ قال : الامام عليه السّلام (٢).

لعلّ أنفق عليه ، عليه السّلام أو من بيت المال ، ويمكن المراد بكون ميراثه له ذلك فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ ـ ٤ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٦ ـ ٥٦٧.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٧.

٥١٩

ومن تبرأ عند السلطان من جريرة ولده وميراثه لم يصحّ على رأي.

______________________________________________________

وفي بعض الروايات ما يدل على توريثه لقرابة امّه ، مثل صحيحة يونس ، قال : ميراث ولد الزنا بالقرابة (لقرابته ـ ئل) من قبل امّه على نحو في ميراث ابن الملاعنة (١).

ردّها في الاستبصار بشذوذها وقطعها وحملها على انّه مذهب يونس.

ويمكن حملها على ما كان الزنا بالنسبة الى الرجل فقط دون المرأة مع عدمها ، ويؤيده تشبيهه بولد الملاعنة ، وأمّا غيرها فيردّ أو يؤول إن أمكن فتأمّل.

قوله : «ومن تبرأ عند السلطان إلخ» قد مرّ (٢) في بحث الوصيّة ان الإنسان إذا أوصى بإخراج بعض ولده من الإرث ، وهذه غير تلك ، لان حكم هذه في حال الحياة ، وتلك يظهر حكمه (حكمها ظ) بعد موته فإنه وصيّة.

وهو ان يجي‌ء شخص عند الامام ـ ويحتمل الحاكم مطلقا ـ ويقول : انا بري‌ء من ولدي ومن ضمان جريرته ومن إرثه.

وهل هذا العقد صحيح يترتب عليه أثره من انقطاع النسب وحكمه حتى انه إذا مات لا يرثه وبالعكس أيضا أم لا؟ المشهور لا ، عملا بعموم أدلّة الإرث والنسب ، وان الأمر الذي ثبت بكتاب الله وسنّة رسوله وإجماع الأمّة لا يمكن قطعه بمجرد اشتهاء النفس.

ولهذا ورد في كثير من الاخبار في الشرط الذي يخالف الكتاب : (شرط الله قبل شرطك) (٣) وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ج ١٧ ص ٥٦٨.

(٢) لا يخفى عدم وجود كتاب الوصيّة في هذا الكتاب ولم يشرحها أيضا تلميذه صاحب المدارك في نهاية المرام.

(٣) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب المهور ج ١٥ ص ٢٩ ولاحظ احاديث باقي الباب ولاحظ باب ٦ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٢.

٥٢٠