مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تذوقي منه قطرة فإنما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا ، وأومى بيده إلى حنجرته يقول : ثلاثا : أفهمت؟ قالت : نعم (١).

وفي أخرى كذلك ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال له رجل : انّ بي أرواح البواسير وليس يوافقني إلّا شرب النبيذ؟ قال : فقال : مالك ولما حرّم الله ورسوله (إلى قوله) : أفأدلك (أدلّك ـ ئل) على ما هو انفع من هذا؟ عليك بالدعاء فإنه شفاء من كل داء ، قال : فقلنا له : فقليله وكثيره حرام؟ قال : نعم فقليله وكثيره حرام (٢).

ورواية معاوية بن عمّار ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام عن الخمر يكتحل منها؟ فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ما جعل الله في حرام (محرم ـ ئل) شفاء (٣).

ورواية مروك بن عبيد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (انه ـ خ) قال : من اكتحل بميل من مسكر كحّله الله بميل من نار (٤).

وفي اخرى انه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن النبيذ يجعل في الدواء؟ قال : لا ينبغي لأحد ان يستشفى بالحرام (٥).

وفي رواية الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن دواء عجن بخمر؟ فقال : ما أحبّ ان انظر إليه ولا أشمّه فكيف أتداوى به؟ (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥ وللحديث صدر وذيل فراجع.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

(٣) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٨.

(٤) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٨.

(٥) الوسائل باب ٢٠ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

(٦) الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

٣٢١

ويجوز عند الضرورة ، التداوي به للعين.

______________________________________________________

هذه الاخبار ـ مع أدلة التحريم الكثيرة الدالة على المبالغة في تحريم المسكر خصوصا الخمر ـ دليل المنع.

ولكن عموم الأكثر وعدم صحّة أكثر الخصوص ـ مع النهي عن الإلقاء إلى التهلكة (١) والأمر بحفظ النفس ودفع الضرر عنها ، مهما أمكن عقلا ونقلا ، كتابا وسنّة وإجماعا ـ يدل على الجواز.

فيمكن حملها على المبالغة في عدم حصول الشفاء في المحرّم بحيث لا يكون الشفاء في الغير الّا نادرا ، أو على عدم جواز الشفاء بالمحرّمات مع إمكان الشفاء بغيرها ، أو على طلب الشفاء والصحّة ، لا حفظ النفس ودفع الضرر.

ويؤيّده ما أشرنا إليه من قبل ، انه شبه للحم الخنزير وشحمه ، وقد جوّز اكله عند الاضطرار بالقرآن والسنّة والإجماع.

فيمكن تجويز التداوي بها مع العلم بحصول الشفاء بها لا بغيرها فتأمّل.

وتجويز حفظ النفس بها والتخليص عن الهلاك ، فيجوز شربها لذلك لا للشفاء ، وحصول البرء من المرض والتلذذ بالصحّة وطلبها ، بل طلب حفظ النفس للأمر به.

وإليه أشار في المختلف ، وقال : والمعتمد جواز شربه عند خوف التلف من العطش والمرض إذا اندفعا به كما اختاره ابن البرّاج.

وأجاب عن احتجاج الشيخ بالاخبار بالحمل على طلب الصحّة ، لا على طلب السلامة ونحن انما نسوّغ شربه في طلب السلامة بحيث لو لم يشربه أو لم يتداو به حصل التلف أما في طلب العافية فلا.

واما الاكتحال فتدل على جوازه ـ مع وجود الخمر في الكحل عند الضرورة

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، البقرة : ١٩٥.

٣٢٢

ويحلّ قتل الحربيّ ، والمرتد ، والزاني المحصن ، والمرأة الحربيّة ، والصبي الحربيّ والتناول منه ، ومن ميتة الآدمي وغيره دون الذمّي ، والمعاهد ، والعبد ، والولد.

______________________________________________________

وعدم العلاج الّا به ـ رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه السّلام في رجل اشتكى عينيه فنعت له بكحل يعجن بالخمر ، فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرا فليكتحل به (١).

هذه مؤيّدة حسنة ، لحمل الاولى في المنع عن اكتحال العين بما فيه الخمر على حال الاختيار والإمكان بغيره.

وكذا يحمل جميع الاخبار ـ في المنع عن التداوي به ـ على التداوي حال الاختيار من وجهين : التشبيه ، والتصريح بالضرورة ، فمع حصول العلم بعدم حفظ النفس والهلاك الّا شربه يمكن تجويز ذلك.

ويحتمل لدفع المرض كذلك خصوصا وجع العين والاكتحال بما فيه الخمر ، فإنه لا منع منه في الكتاب والسنّة المتواترة ، والصحيحة ، مع إمكان تخصيص ما دل على المنع وتأويله كما تقدم.

وكأنه للفرق ـ بين التداوي عن الأمراض بالأكل والشرب المحرّمين وتداوي العين بالاكتحال بما فيه الخمر حيث لا دليل قويّ على المنع عن الاكتحال ووجود الدليل القويّ على الأول ـ اختار المصنّف منع التداوي مطلقا عن الأمراض وجواز الاكتحال مع الضرورة فتأمّل.

قوله : «ويحلّ قتل الحربي والمرتد إلخ» أيّ إذا لم يجد المسلم شيئا أصلا إلّا الآدمي الحيّ يحلّ له قتله والأكل منه مقدار ان لا يموت ان لم يكن معصوم الدم يعني يكون ممن يجوز قتله شرعا في الجملة وان لم يكن جائزا قتله للمضطر حال

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٩.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاختيار ، مثل (١) الحربي الغير المعاهد ، والغير المأمون ، ولو شبهه ، والمرتد الذي وجب قتله ، والزاني المحصن الذي يجب رجمه ، وكذا كلّ من وجب قتله ، مثل المحارب وتارك الصلاة مستحلا وغيرهما.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، فهو دليله مع الاعتبار ، فان (٢) ذلك ممّا جاز قتله ، فإذا دار الأمر بين إهلاكه وإهلاك معصوم الدم فالمختار هو الأول.

واما قتل المرأة الحربيّة والصبي منهم فالمصنف وغيره أجازوا ذلك وان لم يكونا ممن جاز قتلهما ، قبل الاضطرار أصلا ، ولكن ما كان لحرمة روحهم وحياتهم ، ولهذا لم يجب عليهم القصاص ، ولا الدية ، ولا الكفارة ، بل كان المنع حال الاختيار وعدم الضرورة ، كالمنع عن قتل بعض الدواب والهوامّ الغير المأكول من غير ضرورة فجاز عند الضرورة ، لأن الأمر دائر بين قتلهم وبين هلاك معصوم الدم المسلم ، والأول أولى.

ويحتمل العدم ، لما تقدم من عدم جواز قتلهم حال الاختيار فتأمّل.

واما عدم حلّ قتل الذمي والمأمون والمعاهد فلعدم جواز قتلهم ، وكونهم معصومي الدم مثل المسلم وعدم حلّ قتل المملوك لمالكه لكونه معصوم الدم ، فلغيره بالطريق الأولى وكذا لا يجوز قتل الولد بالطريق الأولى.

ولعل ذكر هما لدفع توهم ذلك وجواز قتل من له عليه القصاص بالطريق الأولى. ويمكن جواز قتل الحربيّ لمن اضطر إليه من الذميّين لأنهم معصومو الدم ، بخلاف الحربي فيمكن ان يجوز له ذلك في دين الإسلام.

وكذا يجوز للمضطر المسلم الأكل من ميّت الآدمي.

والظاهر انه مقدم على قتل الآدميّ الذي لا يجوز له قتله ، ويمكن عدم جواز

__________________

(١) مثال لمن لم يكن معصوم الدم.

(٢) بيان للاعتبار العقلي.

٣٢٤

ولو لم يجد الّا نفسه ، قيل يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ ، ان لم يكن الخوف فيه كالخوف في الجوع.

______________________________________________________

طبخه فان الآدمي له حرمة ، ولمّا اضطر إلى الأكل والقتل جازا للضرورة ، واما الطبخ لكسر حرمة الآدميّ الميّت وهتكها مع ثبوت حرمته كحرمة الحيّ فلا يجوز ، نعم لو فرض عدم إمكان أكله إلّا مطبوخا فلا يبعد الجواز.

فروع

(الأول) إذا دار الأمر بين الميّت المسلم وقتل الحربي ففيه تأمّل ، يحتمل تقدم قتل الحربي والأكل منه حفظا لحرمة المسلم الميّت كالحيّ ، واختيار الميّت ، لأن القتل له غير معلوم جوازه وان جاز قتله للإمام عليه السّلام ، ولانه نجس أيضا من غير الموت ، بخلاف المسلم فتأمّل.

(الثاني والثالث) لو وجد المضطرّ : الميتة والحيّ والميّت فالظاهر انه (١) مقدّم على قتل الحيّ ، وعلى الأكل من الميّت أيضا ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو لم يجد الّا نفسه إلخ» ولو لم يجد المضطّر إلّا نفسه ، فان جزم بقطع شي‌ء من عضوه عدم الهلاك ، والتأدي إلى المرض القريب منه ، يجوز القطع من المواضع اللحمة ، مثل الفخذ الذي فرض عدم الهلاك والمرض بقطعه.

ويحتمل الوجوب ، وكذا في جميع صور الجواز ، وان قطع بهما فلا يجوز القطع في الأول ويحتمل أيضا في الثاني ، وكذا مع المساواة.

واما مع رجحان عدم الهلاك ، ففيه احتمالان ، الجواز كما في قطع الآكلة ، وعدمه لانه دفع ضرر بضرر غير مأمون أوله إلى الهلاك ، على انه قد يسهل الله له شيئا حتى لا يموت ، ومعلوم عدم الجواز مع رجحان الهلاك بالسراية.

__________________

(١) يعني أكل الميتة.

٣٢٥

ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه من مالكه ، فان امتنع غصبه ، فان دفعه جاز له قتال المالك.

______________________________________________________

وبالجملة مع تساوي خوف الجوع وخوف السراية لا يقطع من نفسه ، فمع رجحان السراية أولى ، ومع قطع عدم فوتها يقطع ، ومع الرجحان تأمّل.

قوله : «ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه إلخ» إذا وجد المضطرّ طعام الغير ، فان كان الغير محتاجا مثله فلا يجوز الأخذ عنه ظلما ، وهو أحد معاني الباغي ، كما نقلناه عن الكشاف.

بل يمكن عدم جواز الأخذ منه مطلقا ، فإنه موجب لهلاكه ، فهو كإهلاك الغير لا بقاءه ، ولا يجوز له الإعطاء أيضا ، لأنه إهلاك لنفسه ، وإلقاء بيده إلى التهلكة.

ويحتمل جوازه على بعد لقوله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (١) ، أي حاجة.

والظاهر تخصيص الحاجة بما إذا لم يصل إلى الهلاك والتلف ، فتأمّل.

وان كان زائدا عنه وباذلا بلا ثمن فلا كلام ، فيأخذه وجوبا ، وكذا ان بذله بثمن مثله حالّ مقدور بالفعل ، وكذا بمؤجّل مقدور فيأخذ.

والأكل بمقدار ان يدفع الضرر ، وله ان يشبع ان وسع المبذول ذلك ، وان بذله بثمن مؤجل ولكن غير مقدور في ذلك الأجل فله ان يقبل ، ولكن لا يجب عليه البذل الّا حال القدرة.

ولو أعطاه بعوض من غير عقد فيلزمه عوضه ، وان أعطاه من غير ذكر عوض فالظاهر انه بغير عوض ، للأصل والعادة في بذل الطعام للمضطر ويحتمل العوض ،

__________________

(١) الحشر : ٩.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي ان ينظر إلى الحال والقرائن من الطرفين ، والطعام.

ولو ادعى ذكر العوض وأنكره المضطر فالظاهر عدم لزوم العوض حتى يثبت. وان ادعى انه قصده فكذلك ، فإنه ما أظهر وسلّط الشخص على إهلاك ماله فلا عوض له مثل ان يقدّم الطعام إلى الغير فأكله في غير هذه الصورة وينبغي الإعطاء.

ولو أعطاه بأزيد من ثمن المثل ، فنقل عن الشيخ عدم وجوب الزيادة ، وان اشتراه بعقد صحيح بالزيادة دفعا لضرر القتال واحتمال إثارة الفتنة فإنه بمنزلة المكره ، فلا يصح ذلك العقد فيلزمه ثمن مثله في ذلك الزمان ، وقال : ان مع طلبه الزيادة ان أمكن ان يأخذه عنه قهرا ، فيأخذه ولا يلزمه الّا ثمن المثل ولو لم يمكن الّا بالقتال فيقاتله ، ولو قتل يكون هدرا ، ولو قتل المضطر يكون مضمونا ، فان لم يقدر عليه ويقدر على أخذه سرقة أو بحيلة أو بعقد فاسد شرعا أخذه ولا يلزمه أيضا إلّا ثمن المثل.

الظاهر انه على تقدير القدرة على القتال جاز هذا بل يتعين ، فلو ترك حينئذ لم يبعد أن يكون غاصبا وضامنا.

فكلام الشيخ محلّ التأمل لذلك ، ولأن الظاهر قبول ما يطلب المالك مهما كان الّا أن يجحف جدّا وحينئذ أيضا يمكن اللزوم والوجوب مع القدرة ، لأن الناس مسلّطون على أموالهم (١) ، والعقل والنقل دلّا على عدم أخذ مال الغير الّا بطيب نفس منه (٢) ولا اضطرار ، لأن الفرض القدرة ، ويجب عليه حفظ النفس بمهما أمكن من المال وغيره.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ وص ٤٥٧ وج ٢ ص ١٣٨ وج ٣ ص ٢٠٨ طبع مطبعة سيّد الشهداء ـ قم.

(٢) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٢٢٢ وص ١١٣ وج ٢ ص ٢٤٠ وج ٣ ص ٤٧٣.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ان فرض عدم القدرة حالا ومآلا يمكن ذلك ، بل الظاهر حينئذ أيضا وجوب الرضا به وترك القتال والفتنة ، ولكن لا يلزم الزيادة لعدم القدرة ويحتمل ان تكون موقوفة إلى حين القدرة ، فيلزم.

ولكن لا يكلّف بالإعطاء إلّا مع القدرة فيحتمل ان تكون مثل سائر الديون فلا يستثنى له غير مستثنى الديون ويضرب مع الغرماء على تقدير الإفلاس وعدمه ، بل يكون منوطا على قدرة تامّة عرفيّة بحيث لا يضر بحاله ضررا لا يتحمل أمثاله عادة لا حالا ولا مآلا ، وذلك غير بعيد فتأمّل.

وقد قيّد قول الشيخ : (بعدم وجوب الزيادة) بعدم القدرة ، فقيل (١) في الشرح وفي شرح الشرائع ، فلا يبقى حينئذ خلاف معنوي.

ويمكن ان يقول بوجوب الزيادة أيضا مع عدم القدرة من قال بوجوبها حين وجود القدرة كسائر الديون ، والشيخ قال بعدم وجوبها مع عدم القدرة مطلقا فيبقى النزاع معنويا مع التقييد أيضا كما ذكرناه من الاحتمال.

وظاهر المتن هنا التردد حيث ذكر قول المبسوط ولم يرجّح ولم يضعّف فتأمّل. وقوله : (ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه إلخ) ظاهر في وجوب الطلب من مالكه مع حضوره ، فلو كان غائبا فالظاهر ان له أخذه ، وان أمكن اذن الحاكم فهو الأولى ، والّا فينبغي إحضار العدول وتقويمهم إن أمكن ، والّا يقوم على نفسه ، فيأخذ ، فإن طلبه ، فإن أعطاه أخذه ، وقد مرّ البحث في العوض وعدمه.

وان منعه ودفعه عن ذلك جاز له قتاله ، فان قتل أحدهما فكما تقدم ، وان تلف شي‌ء فمنه مضمون ، ومن المالك لا ، لانه يفعل حراما ويقدر على حفظه وحفظ غيره وعدم إتلاف شي‌ء ، ويترك مع القدرة ، والمضطر يفعل واجبا للاضطرار.

__________________

(١) في بعض النسخ : فقيل في الشرح وشرح الشرائع وفي بعضها : فقيل في شرح الشرائع.

٣٢٨

فإن أكله لم يكن للمالك مطالبته بالثمن.

ولو وجد له الثمن وجب دفعه ، فان طلب أزيد من ثمن المثل ، قيل : لا يجب بذل الزيادة ، وان اشتراه بها دفعا لضرر القتال.

ولو اضطر إلى الميتة و (الى ـ خ) طعام الغير ، فان بذله ولو بثمن

______________________________________________________

ويحتمل الضمان ، فان الوجوب لا ينافي الضمان.

وان علم إهلاكه في المقاتلة يحتمل عدم جوازها ، لما تقدم انه إذا انجرّ إبقاءه إلى إهلاك الغير لا يفعل فتأمّل في الفرق.

ولم يظهر وجه قوله : (فإن أكله لم يكن للمالك مطالبته بالثمن) وكيف يحلّ مال الغير بلا عوض بامتناعه وان كان حراما ، نعم الظاهر له الأخذ والأكل ، ولكن ثمن المثل ويمكن ان المراد مع عدم القدرة.

ويؤيّده قوله : (ولو وجد إلخ) والظاهر ان مراده به انه لو وجد الثمن وهو باذل وجب دفعه ، لا بعد الأخذ بالمقاتلة والقهر ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو اضطر إلى الميتة إلخ» لو وجد المضطر طعام الغير والميتة لا غير فان بذله بغير عوض أو بعوض مقدور عليه في الحال أو المآل تعيّن عليه أكل طعام الغير ، فان بذله بالثمن يجب ان يعطيه ويأخذ ولم يتعرّض للميتة ، وهو ظاهر.

ولكن ينبغي تقييد الثمن بما إذا لم يكن زائدا عن المثل أو بعدم الضرر بحاله والإجحاف ، بناء على اختيار احد المذهبين.

ولعلّ تركه يدلّ على عدم التقييد هنا ، فيكون مذهبه في الأوّل أيضا ذلك ، لا مذهب الشيخ ، ولا غيره ممن قال باللزوم ما لم يجحف أو مقيّدا بعدمه ، وتركه للظهور ، فتأمّل.

وان (١) لم يبذل بثمن مقدور ـ سواء بذل ولم يكن مقدورا أو لم يبذل ـ تخيّر

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : (فان بذله إلخ).

٣٢٩

مقدور عليه تعيّن ، والّا تخيّر.

______________________________________________________

المضطر بين قتاله وأخذه بالقهر والغلبة ، أو الحيلة والسرقة على ما قلناه ، وبين أكل الميتة.

والظاهر لزوم العوض على التقادير ، كما مرّ ، ويحتمل العدم بناء على ما تقدم من المصنف.

ثم في هذا التخيير تأمّل خصوصا إذا كان موجبا للفتنة وإهلاك النفس والجرح ، وتضييع المال ، فيمكن تقييده بما إذا لم يؤثر فتنة ، ولكن الظاهر خلافه.

ومع ذلك أيضا محلّ التأمّل ، لأنّه إذا جاز أكل الميتة لا ينبغي حينئذ تجويز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، فإنه حرام اكله والتصرف فيه أيضا.

وان فيه حقّ الناس وحقّ الله ، ويوجب العوض أيضا على الظاهر.

وأنّ تجويز الميتة مصرّح به في القرآن العزيز للمضطرّ ، بخلاف مال الغير.

والحاصل انه ان كان داخلا في المضطر يأكل الميتة لا غير ، والّا لم يجز أكلها ويأكل مال الغير ، فلا معنى للتخيير.

وأيضا قد يقال : ان أكل الميتة مرجوح لتنفر الطبع منه ، والنجاسة والحرمة واحتمال الضرر الذي هو نكتة تحريمها.

وبالجملة نجد في الصورة الأولى رجحان أكل الميتة ، وفي الثانية محتمل لما مرّ ، والضرر مندفع بتجويزه إيّاها ان شاء الله الّا ان تأبى النفس ولا تقبل وحينئذ يرجّح ذلك لدفع الضرر فتأمّل وعلى التقديرين لا يتجاوز القدر المحتاج إليه.

وينبغي ان لا يقصد الّا ذلك وامتثال أمر الله في جميع المحرّمات : الميتة ، ومال الغير ، والمسكر ، وغير ذلك.

فرع

يمكن ترجيح الميتة على المسكر وغيره لما مرّ ، وغيره أيضا عليه ، لانه يزيل

٣٣٠

«فصل»

يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات والفقاع.

______________________________________________________

العقل ، وأدلة تحريمه كثيرة وقد نقل الإجماع على تجويز غيره للمضطر ، بخلاف المسكر ، فإنك قد عرفت ان بعضا لم يجوزه أصلا ، وبعضا يجوّزه في دفع العطش ونحوه لا التداوي الّا الاكتحال ، وهو مذهب المتن ، وبعضا لم يجوز التداوي للعين أيضا.

قوله : «يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها إلخ» تحريم الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات ـ أي ما يوضع فيه الطعام ، مثل السفرة وغيرها ـ هو المشهور.

وتدلّ على تحريم الجلوس عليها صحيحة هارون بن الجهم ، قال : كنا مع أبي عبد الله عليه السّلام بالحيرة حين قدم على أبي جعفر المنصور ، فختن بعض القوّاد ابنا له وصنع طعاما ودعا الناس وكان أبو عبد الله عليه السّلام فيمن دعي ، فبينما (فبينا ـ خ ل) هو على المائدة يأكل ومعه عدّة على المائدة فاستسقى رجل منهم ماء ، فاتي بقدح فيه شراب لهم ، فلما ان صار القدح في يد الرجل قام أبو عبد الله عليه السّلام عن المائدة ، فسئل عن قيامه ، فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر (١).

وفي رواية أخرى : ملعون ملعون من جلس طائعا على مائدة يشرب عليها الخمر (٢).

وتدلّ على تحريم الأكل عليها رواية الجرّاح المدائني ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) لم نعثر إلى الآن عليها في الوسائل وأوردها في الكافي باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر حديث ١ كتاب الأطعمة ص ١٥٦ طبع الأمير بهادري.

(٢) المصدر ذيل الحديث المذكور.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأكل على مائدة يشرب عليها الخمر (١).

فروع

(الأوّل) هل حكم باقي المسكرات كذلك؟ كما ذكره المصنف ، فيمكن ذلك للعلّة.

(الثاني) الفقاع يلحق بها في أكثر العبارات ، لعل الوجه ما تقدم انه خمر في روايات كثيرة (٢).

(الثالث) الظاهر حكم القيام عليها حكم الجلوس ، فان الظاهر ان المراد البعد عن ذلك المجلس وتلك المائدة ، فتأمّل.

(الرابع) هل يحرم الطعام الذي كان عليها ، أو الجلوس حرام أكل أم لا جلس أم لا؟ صريح الصحيحة الثانية أن الجلوس حرام ، ويمكن فهم تحريم الأكل أيضا ، ويؤيده التصريح في الثالثة. وأما تحريم أصل الطعام فلا نعلم ، فيكون كالأكل في آنية الذهب والفضّة يكون الأكل حراما لا المأكول وان أكل فيها ، فيكون فرقا بين المأكول والأكل الحرامين ، مثل المغصوب والنجس ، والأكل الحرام فقط مثل الأكل على المائدة المذكورة ، والأكل في آنيتهما مع احتمال تحريم المأكول أيضا ، فتأمّل ولكن ما دام فيها وفي تلك المائدة ، ويحتمل بعيدا مطلقا.

(الخامس) هل يحرم الجلوس والأكل على تلك المائدة مطلقا؟ أو حال الشرب فقط؟ أو في ذلك الوضع وللمجلس الذي وقع فيه ذلك؟ والأوسط

__________________

(١) الكافي كتاب الأطعمة باب كراهية الأكل على مائدة يشرب عليها الخمر حديث ٢ ص ١٥٦.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ ـ ٢٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧ وباب ٣٨ حديث ٥ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٦.

٣٣٢

ويكره الأكل على الشبع وربما حرم.

______________________________________________________

المتيقن ، والأوّل أحوط ، ولا يبعد قوّة الأخير.

(السادس) هل حكم سائر المحرّمات حتى الغيبة وسباب المؤمن ونحو ذلك حكم الخمر في ذلك؟ الظاهر العدم ، نعم يجب حينئذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراتبهما وتحقق شرائطهما.

ويمكن ان يكون (كون ـ خ ل) علة تحريم الأكل على مائدة الخمر وجوب إظهار الكراهة ، وانه حرام ولا يمكن الجلوس في حال وقوعه ، لانه يفهم الرضا بفعله وحينئذ يعمّ ، فتأمّل.

(السابع) نقل في شرح الشرائع ان العلامة عدا التحريم إلى الاجتماع للهو والفساد ، وعن ابن إدريس انه لا يجوز الأكل من طعام يعصى الله به ، أو عليه ، وقال : ولم نقف على مأخذه ، ويمكن كون المأخذ ما أشرنا إليه (١) ، فتأمّل.

قوله : «ويكره الأكل على الشبع وربما حرم» دليله ، العقل والطبّ ، وربما يحرم إذا ظن الضرر ، ودليله العقل والنقل.

وتدلّ على الكراهة أيضا رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الأكل على الشبع يورث البرص (٢).

ولعل ـ لعدم الصحّة (٣) ، والمبالغة ، والحمل على الاحتمال ، لا على تيقن حصوله كما في استعمال المشمس ـ حملت على الكراهة.

وتدلّ على كراهة كثرة الأكل أخبار كثيرة ، ويفهم منها الكراهة على الشبع أيضا ، مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كثرة الأكل

__________________

(١) من فهم الرضا بذلك الفعل كذا في هامش بعض النسخ.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٨.

(٣) فان سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن عيسى اليقطيني ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست الواسطي عن عبد الله بن سنان.

٣٣٣

والأكل باليسار مع قدرة اليمين.

______________________________________________________

مكروه (١).

وروايته أيضا عنه عليه السّلام ، قال : قال لي : يا أبا محمّد انّ البطن ليطغى من اكله ، وأقرب ما يكون العبد من الله إذا خفّ بطنه ، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه (٢).

ورواية أخرى عنه عليه السّلام ، قال : ان الله يبغض كثرة الأكل (٣).

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال أبو ذر : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا (في ـ خ) يوم القيامة (٤) ، وغيرها.

قوله : «والأكل باليسار مع قدرة اليمين» وكذا الشرب ، بل مطلق استعمال الشمال مع القدرة على اليمين إلّا في الاستنجاء ، للروايات عموما ، ما هو المشهور انه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يحب التيامن في أموره لا التياسر (٥).

ورواية سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الرجل يأكل بشماله أو يشرب بها قال : لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله ولا يتناول بها شيئا (٦).

ومثلها رواية الجراح المدائني (٧).

وخصوصا رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا تأكل

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٥.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٥.

(٣) الوسائل باب ١ مثل حديث ٩ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٠٦.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٠.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٠.

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٩.

(٧) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٢٠.

٣٣٤

والأكل متّكئا.

______________________________________________________

باليسار وأنت تستطيع (١).

وكأنه ـ لعدم الصحّة وعدم القائل ومفهوم ان المقصود هو الكراهة والمبالغة ـ حملت على الكراهة.

قوله : «والأكل متكئا» دليل كراهة الأكل متكئا ترك التأدب بحسب ما يدركه العقل.

وحسنة ابن أبي شعبة الحلبي ، قال : أخبرني أبي انه رأى أبا عبد الله عليه السّلام متربعا وقال : رأيت أبا عبد الله عليه السّلام يأكل متكئا ، قال : وقال : ما أكل رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو متكئ قط (٢).

وكأنّ فعله عليه السّلام لعذر أو لإظهار جوازه وعدم تحريمه.

ويدل عليه فعله عليه السّلام ، ومنع العباد البصري عن ذلك حتى صار ثلاث مرّات ثم قال عليه السّلام : والله ما نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن هذا قط (٣).

ورواية زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ما أكل رسول الله صلّى الله عليه وآله متكئا منذ بعثه الله حتى قبض وكان يأكل أكل (اكلة ـ خ) العبد ويجلس جلسة العبد ، قلت : ولم (ذلك ـ خ)؟ قال : تواضعا لله عزّ وجلّ (٤) ، وهي كثيرة.

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٢٠.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٢.

(٣) عن الفضيل بن يسار قال : كان عباد البصري عند أبي عبد الله عليه السّلام يأكل فوضع أبو عبد الله عليه السّلام يده على الأرض فقال له عباد : أصلحك الله ، اما تعلم ان رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن ذا ، فرفع يده فأكل ثم أعادها أيضا فقال له أيضا فرفعها ثم أكل فأعادها فقال أبو عبد الله عليه السّلام لا والله ما نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن هذا قط. الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٥.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٧ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٤.

٣٣٥

ويستحبّ غسل اليد قبله وبعده (قبل الأكل ـ وبعده خ).

______________________________________________________

قوله : «ويستحب غسل اليد إلخ» دليله ، النظافة المطلوبة عقلا وشرعا ورواية ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة وعوفي من بلوى في جسده (١).

وحسنة أبي حمزة ـ كأنه الثمالي ـ ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال : يا أبا حمزة الوضوء قبل الطعام وبعده يذهبان (يذيبان ـ ئل) الفقر ، قلت : بأبي أنت وأمّي يذهبان؟ قال : يذهبان (يذيبان ـ ئل) والظاهر ان المراد بالوضوء غسل اليد (٢).

ورواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر وإماطة في الغمر (للغمر ـ ئل) عن الثياب ويجلو البصر (٣).

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام من سرّه ان يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه (٤).

ورواية أبي عوف العجلي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : الوضوء قبل الطعام وبعده يزيدان في الرزق (٥).

وروي ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : أوّله ينفي الفقر ، وآخره ينفي الهم (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٤٩ حديث ٥ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤١٤.

(٢) الوسائل باب ٤٩ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٠.

(٣) الوسائل باب ٤٩ حديث ٦ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧٣.

(٤) الوسائل باب ٤٩ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧١.

(٥) الوسائل باب ٤٩ حديث ٢ ـ ٤ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٧١.

(٦) أورد صدرها في باب ٦١ حديث ١ وذيلها في باب ٥٨ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٥ ـ ٤٩٠.

٣٣٦

والتسمية ابتداء على كل لون.

والحمد انتهاء.

______________________________________________________

ودليل استحباب التسمية على كل فعل واضح ، وعلى الطعام بخصوصه روايات.

مثل صحيحة داود بن فرقد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : كيف اسمّي على الطعام؟ فقال : إذا اختلفت الآنية فسمّ على كل إناء ، قلت : فان نسيت ان اسمّي؟ قال : تقول : بسم الله على أوّله وآخره (١).

ولعلّ يريد بكلّ إناء كلّ لون لقوله : (اختلفت) ، ويحتمل مجرّد تعدد الآنية فتأمّل. وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إذا حضرت المائدة وسمّى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين (٢).

وتدل على التسمية أوّلا ، والحمد آخرا ، وغيرها ـ رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا وضعت المائدة حفّتها أربعة أملاك (ملك ـ ئل) ، فإذا قال العبد : بسم الله ، قالت الملائكة : بارك الله عليكم في طعامكم ثم يقولون للشيطان : اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم ، فإذا فرغوا ، فقالوا : الحمد لله ، قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم وأدّوا شكر ربّهم ، وإذا لم يسمّوا ، قالت الملائكة للشيطان : ادن ـ يا فاسق فكل معهم ، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا (ولم يحمدوا ـ فقيه) الله عزّ وجلّ ، قالت الملائكة : قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربّهم (٣)

كأنه يريد بعدم ذكر الله ، الحمد له ، بقرينة المقابلة ، فيفهم ان الحمد يكون بعد رفعها.

__________________

(١) الوسائل باب ٦١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٩٠.

(٢) الوسائل باب ٥٨ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٦.

(٣) الوسائل باب ٥٧ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٢.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الطعام إذا اجتمع اربع خصال فقد تمّ ، إذا كان من حلال وكثرت الأيدي عليه وسمّى في أوّله وحمد الله في آخره (١).

ويدل على ان تسمية واحد على مائدة كافية في تحقق الاستحباب ، صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدمة قال : إذا حضرت المائدة وسمّى رجل منهم أجزأ عنهم أجمعين (٢).

فلعل الساقط تأكده (تأكيده ـ خ ل) فهو الاستحباب الكفائي لا أصله.

وفي الصحيح ، عن كليب الأسدي ـ الممدوح في الجملة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان الرجل المسلم إذا أراد ان يطعم طعاما فأهوى بيده قال : بسم الله والحمد الله ربّ العالمين ، غفر الله عزّ وجلّ له (من ـ ئل) قبل ان تصير للقمة إلى فيه (٣)

ورواية عبد الرحمن العرزمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : من ذكر اسم الله عزّ وجلّ عند طعام أو شراب في أوّله وحمد الله في آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام أبدا (٤).

وفي رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام ، قال : من ذكر اسم الله على الطعام (طعام ـ ئل) لم يسأل عن نعيم ذلك

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٢٢ وفيه ثلاث نقلا من الكافي والمحاسن والخصال ومعاني الأخبار لكن قال : وفيهما وفي الفروع اربع خصال.

(٢) تقدم آنفا هو ذكر موضعها.

(٣) الوسائل باب ٥٦ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٠.

(٤) الوسائل باب ٥٦ حديث ٥ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٨٣. والعرزمي بالعين المهملة المفتوحة ثم الراء المهملة الساكنة ثم الزاي المعجمة المفتوحة ثم الميم والياء. تنقيح المقال ج ١ ص ١٢٢.

٣٣٨

وابتداء المالك وتأخره في الأكل.

وابتداء من على يمينه بالغسل والدور عليهم.

______________________________________________________

(الطعام ابدا) (١).

والاخبار في التسمية والتحميد كثيرة (٢).

قوله : «وابتداء المالك وتأخره في الأكل» دليل استحباب ابتداء المالك بالأكل قبل القوم وتأخره عنهم ، رواية ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أكل مع القوم طعاما كان أول من يضع يده وآخر من يرفعها ليأكل القوم (٣).

وتدل على الأكل مع الضيف ، رواية جميل ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سمعته يقول : ان الزائر إذا زار المزور فأكل معه ألقى عنه الحشمة ، وإذا لم يأكل معه يتقبض (ينقبض ـ خ ل ئل) (٤) قليلا.

ويدل على استحباب الأكل مع الضيف وتأخره عنه ، رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام ان رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا أتاه الضيف أكل معه ولم يرفع يده من الخوان حتى يرفع الضيف (٥).

قوله : «وابتداء من على يمينه إلخ» كان ينبغي ان يقول : ابتداء صاحب الطعام بغسل يده ثم من على يمينه قبل الطعام إلخ ، وبعده يغسل أوّلا من على يساره حتى يتم الدور ويختم به كما في غير هذه العبارة.

وتدل عليه في الجملة ، رواية محمّد بن عجلان ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب ٥٧ حديث ٤ ج ١٦ ص ٤٨٠.

(٢) راجع باب ٥٦ ـ ٥٨ من أبواب آداب المائدة.

(٣) الوسائل باب ٤١ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٦٠.

(٤) الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٦١.

(٥) الوسائل باب ٤١ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٦١.

٣٣٩

وجمع الغسالة في إناء.

______________________________________________________

عليه السّلام ، قال : الوضوء قبل الطعام يبدأ صاحب البيت لئلا يحتشم أحد ، فإذا فرغ من الطعام بدأ بمن على يمين الباب ، حرّا كان أو عبدا (١).

ولكن فيها أنّ ابتداء الغسل بعد الطعام بمن على يمين الباب ، ولم يذكر الابتداء بمن يكون بعد غسل صاحب المنزل قبل الطعام.

ولعلّ المراد باب الموضع الذي جلسوا فيه ، وباليمين يمين الداخل ، فيحتمل في الموضع الذي لا باب له يكون المراد يمين ابتداء المجلس بالنسبة إلى الداخل فيه.

ويدل على تمام ما ذكرناه ـ كما هو المشهور ـ حديث آخر ، قال في الكافي بعد الرواية المتقدمة :

وفي حديث آخر ، يغسل أوّلا ربّ البيت يده ثم يبدأ بمن على يمينه ، وإذا رفع الطعام بدأ بمن على يسار صاحب المنزل ويكون آخر من يغسل يده صاحب المنزل ، لأنه أولى بالصبر على الغمر (٢).

فيمكن حمل الاولى على انه كان صاحب المنزل جالسا عند الباب ويمينها يساره أو على عدم كونه في المجلس ، أو على التخيير.

والظاهر ان المراد بصاحب المنزل هو صاحب الطعام وان كان المنزل لغيره ، أو لا يكون هناك منزل وبيت.

ويحتمل الحقيقة إذا كان صاحب الطعام غريبا ونزيلا في منزل الغير فتأمّل.

واما دليل جمع الغسالة في إناء واحد ، بمعنى ان يغسل الجميع في إناء واحد حتى يجتمع جميع المياه فيه ، رواية عمرو بن ثابت ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ،

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ١ من أبواب آداب المائدة.

(٢) الوسائل باب ٥٠ حديث ٣ ـ ٤ من أبواب آداب المائدة.

٣٤٠