مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وانه احتجّ بعضهم (١) عليه بالإجماع أيضا ، وقال : وهذه وان كان في بعض رجالها كلام الّا ان عمل الكافّة يؤيّدها ، ولا أعلم أحدا خالف فيها ، الّا أنّ المحقق في الشرائع والامام المصنف أورداها بلفظ (قيل) مشعرا بالضعف.

ويمكن ان يكون فيه جهة أصالة عدم الذكاة المعلومة ، فلا يزول بالاختيار المظنون ، ولقوله عليه السّلام : الحلال بيّن (٢).

وهما (٣) ضعيفان ، لأن الأخبار انّما تفيد الظن مع عدم جعل الشارع إيّاه سببا في الحكم ، وقد ثبت الجعل ، وقوله عليه السّلام : (الحلال بيّن) ، معارض بقوله عليه السّلام : الحرام بيّن ، والأصح العمل بالرواية ، بل الإجماع.

وأنت قد عرفت ضعفها ، والإجماع غير معلوم ، وان المصنف افتى هنا بخلاف مضمونها ثم قال : (وقيل) وهو صريح في عدم اختيارها وردّها.

وعرفت أيضا أنّ الاجتناب مختار المصنف فليس العمل بالإجماع ، بل برواية ضعيفة.

وانه يفهم من كلامه أن ليس العمل في هذه المسألة بالظن ، بل باليقين.

وليس كذلك ، إذ على تقدير حجيّة هذه الرواية وصحتها ، ليس العمل الّا

__________________

(١) لم نقف الى الآن على المراد من هذا البعض من هو؟.

(٢) هكذا في النسخ ولكن الحديث هكذا : عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (في حديث) إنّما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله والى رسوله قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، الحديث. الوسائل باب ١٢ حديث ٩ من أبواب آداب القضاء ج ١٨ ص ١١٤.

(٣) يعني الدليلين المذكورين في كلامه من قوله : ويمكن إلى قوله : الحلال بيّن.

٣٠١

ويجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة ، وتركه أفضل.

______________________________________________________

بالظن ، لعل أراد بالظن الحاصل (١) من غير دليل وهنا ظن من الدليل.

وان دليل العمل بالظن يقيني فالعمل ليس بالظن بل باليقين.

وهو جيّد لو كان دليل العمل بهذه الرواية يقينا ، كأنه جعلها داخلة في الروايات الصحيحة الواجب العمل.

وأنّ دليل العمل بالخبر الواحد أو هذا الخبر بخصوصه من جهة التأييد بالإجماع أو نحوه يقيني ، وأنت تعلم ما فيه ، فتأمّل.

قوله : «ويجوز الاستقاء بجلد الميتة إلخ» دليل جواز الاستقاء بجلد الميتة ـ لغير الصلاة ، بل لمطلق ما لا يشترط فيه الطهارة ـ هو الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، والعقل ، وهو أنه يجد حسن ما فيه نفع ولا ضرر ، مع عدم ظهور تحريم جميع الانتفاعات بالميتة كما تقدم مفصلا.

والمذكور في أكثر الأخبار تحريم أكل الميتة.

ووجهه (٢) فيها انه يضعّف البدن ، وآكله يموت فجأة ، ورواية الحسين بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء فأشرب منه وأ توضأ؟ قال : نعم ، وقال : يدبغ فلينتفع به ولا يصلّى فيه (٣) الحديث.

وفي أوائل الفقيه : وسئل الصادق عليه السّلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن ، والماء ، والسمن ما ترى فيه؟ فقال : لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن ، وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها (٤).

وفيهما إشكال لأنهما تدلان على طهارة جلود الميتة ، وجواز استعمالها ولو في

__________________

(١) رد الظن الحاصل من غير دليل خ.

(٢) يعني وجه التحريم في الميتة.

(٣) الوسائل باب ٣٤ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٩.

(٤) أورده في الفقيه باب المياه وطهرها إلخ رقم ١٥ ج ١ ص ١١ طبع مكتبة الصدوق.

٣٠٢

ويحرم استعمال شعر الخنزير ، ومع الضرورة يستعمل ما لا دسم فيه ، ويغسل ما باشره.

______________________________________________________

المشروط بالطهارة ، وهو مخالف للأصول المقرّرة ، والآية (١) في الجملة ، والأخبار الأخر ، فإن الاخبار بعدم الانتفاع بجلد الميتة كثيرة (٢) مع قطع النظر عن النجاسة.

فهذان مع المخالفة ليستا بصحيحتين فتطرحان أو يعمل ببعضهما ، مثل الانتفاع بجلدها للاستقاء لغير المشروط بالطهارة كالصلاة.

وكأنه كذلك فعل الشيخ ومن تابعه مثل المصنف هنا ، أو يكون له رواية أخرى غيرها ، ولا ريب (شك ـ خ) ان ترك الاستقاء به أفضل إن أمكن كما قال المصنّف.

واما تحريم استعمال شعر الخنزير فكأنه لنجاسته ، ونقل في المختلف ، عن ابن إدريس ان اخبار أهل البيت عليهم السّلام متظافرة بذلك ، وما رأيت إلى الآن خبرا واحدا في المنع عن استعمال شعر الخنزير ، فكيف الأخبار المتظافرة لعلها كانت وانعدمت وهو بعيد.

لعله يريد الأخبار الواردة بنجاسة الخنزير (٣) ، وهي شاملة لشعرة فلا يجوز استعماله لأن النجاسة لا يجوز استعمالها إلّا لضرورة ، ويؤيده انه نقل في مقابلة رد مذهب السيّد أن ما لا يحلّ من الخنزير وغيره لا ينجس ، وهو بعيد مع ان النجاسة لا تستلزم لتحريم الاستعمال وهو ظاهر.

والعجب من المصنف هنا انه جوّز استعمال جلد الميتة ولم يجوّز استعمال شعر الخنزير مع عدم الخلاف في نجاسة الميتة ، وعدم ورود خبر في ذلك مع ظاهر

__________________

(١) يعني آية تحريم الميتة مثل قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٦١ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ٦٨٠ وباب ١٣٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٨ وباب ١ وباب ٥٠ وباب ٣٨ من أبواب لباس المصلّي ج ٣ ص ٢٤٩ وص ٣١٠ وص ١٠٧١ وبعض اخبار باب ٦ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٦ وغيرها من الأخبار.

(٣) راجع الوسائل باب ١٣ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠١٧.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الآية والأخبار الكثيرة العامّة الدالين على تحريم جميع الانتفاع بالميتة وخصوص الأخبار في المنع عن جلود الميتة (١) وعدم ذلك في الخنزير ، فإنه ما نهى الّا عن أكل لحمه في الآية (٢) ، وحكم نجاسته ، وورود الأخبار بجواز استعمال شعره.

مثل رواية برد الإسكاف ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني رجل خرّاز (٣) لا يستقيم عملنا الّا بشعر الخنزير نخرز به؟ قال : خذ منه زبرة (وبرة ـ خ) فاجعلها في فخارة وأوقد تحتها حتى يذهب دسمه ثم اعمل به (٤).

وروايته أيضا ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك انا نعمل بشعر الخنزير ، فربما نسي الرجل فصلّى ، وفي يده شي‌ء منه؟ قال : لا ينبغي له ان يصلّي وفي يده شي‌ء منه ، وقال : خذوه فاغسلوه ، فما كان له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه (٥).

ورواية سليمان الإسكاف ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شعر الخنزير نخرز به؟ قال : لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي (٦).

وفي الأولى إشارة إلى الاحتياج ، كأنّه لذلك حملها على حال الضرورة هنا ، ولكنها غير صريحة والحمل بعيد غير ضروريّ وان كانت في الأولى حنّان بن سدير (٧) ، وفي الأخيرتين الاسكافيان المجهولان إلّا أنّهما مؤيّدتان لما تقدّم من

__________________

(١) تقدم آنفا مواضع ذكرها.

(٢) هي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) ، الآية.

(٣) خرزت الجلد خرزا من بابي ضرب وقتل وهو كالخياط للثوب (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٦٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٤.

(٥) الوسائل باب ٦٥ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٤.

(٦) الوسائل باب ٦٥ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٤.

(٧) سندها كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير عن برد الإسكاف.

٣٠٤

ويحرم الأكل من بيت غير من تضمّنته الآية إلّا بإذن (بالاذن ـ خ ل) ، ومن الثمرة والزرع ممّا يمرّ به على رأي.

______________________________________________________

العقل والنقل مع عدم المعارض بخلاف استعمال جلود الميتة.

وكأنّه لذلك عكس في المختلف ، وهو حسن وان كان جواز استعمالهما ممكنا والاجتناب عنهما أحوط.

قوله : «ويحرم الأكل من بيت غير من تضمّنته الآية إلخ» المعلوم من العقل والنقل عدم جواز التصرف في مال الغير إلّا باذنه وطيب نفسه منه.

وقد يستثنى (استثنى ـ خ) منه أمور (الأوّل) ما تضمنته آية النور (١) وهي صريحة في جواز الأكل من بيت من تضمنته الآية من غير شرط.

والظاهر ، الاشتراط بعدم العلم ـ ويحتمل عدم الظن القوي أيضا ـ بعدم رضاهم ونهيهم فان الظاهر ـ مع العلم ، بل مع الظن أيضا بعدم الرضا والنهي ـ لا يجوز ، للجمع بينها وبين سائر الأدلة ، وهو ظاهر.

وقد اشترط ابن إدريس دخول البيت بإذنهم ، ونقل عن البعض شرط كون ما يؤكل ممّا يخشى فساده.

وهو غير ظاهر ، للأصل وظاهر عموم الآية ، فلا يقيّد الحكم بالمخشى تلفه ولا بإذن الدخول كما هو ظاهر الآية والأكثر.

ويحتمل أن يكون إليه أيضا أشار المصنف بقوله : (على رأي) يعني يجوز الأكل من غير قيد ـ الّا قيد الكراهة ، والنهي ، للعقل والنقل ـ على رأي ، فيكون

__________________

(١) الآية الشريفة (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، النور : ٦١.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الرأي قيدا للمسألتين يفهم ذلك من الشرح.

قال : والأصحّ عدم التقييد بالمخشى تلفه ، وعدم التقييد بالاذن النطقي ، بل يكفي شاهد الحال.

واما التقييد بعدم الكراهيّة فجيّد بمعنى انه لو نهى عن الأكل حرم وكذا لو علم أو غلب على ظنّه الكراهة (الكراهيّة ـ خ ل).

قوله (١) : (بل يكفي) يشعر بأنه لا بدّ من العلم بالاذن ، ولو بشاهد الحال.

والظاهر انه ليس بشرط ، فالظاهر جواز الأكل ما لم يعلم أو يظن بالنهي (النهي ـ خ ل) للآية.

وبه يشعر قوله : (واما التقييد إلخ) ، فإن ظاهره انه لا يقيّد بشي‌ء إلّا ذلك ، فيجوز أكل النفاس من الأطعمة والأشربة المعتادة وغيرها لما مرّ ، مع احتمال التقييد بالمعتادة ، وهو غير بعيد ، لانصراف الأدلة الى ذلك ، والاجتناب أحوط وأيضا لا يتجاوز عن الأكل العادي فتأمّل.

ثمّ انّه يحتمل عدم الخصوصيّة بالبيت ، فيجوز الأكل من مالهم من غير البيت أيضا.

والظاهر الاختصاص الّا ان يعلم الإذن ، وحينئذ يبيح من ذلك الوجه ، لا من الآية الّا ان يكون في موضع كالبيت.

ويعلم من الآية الشريفة جواز التصرف في مال من تضمنته إذا كان انقص لمفهوم الموافقة ، مثل الجلوس في بيتهم ، والصلاة فيها ، بل في فروشهم ، بل الصلاة في لباسهم والتوضؤ بمائهم الذي علم كونه انقص ونحو ذلك ، فافهم فان القرآن كنز.

__________________

(١) يعني قول الشارح رحمه الله.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(الثاني) إعطاء المرأة من بيت زوجها شيئا للمساكين حتى الإدام لرواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ؟) قال : هؤلاء الّذين سمّى الله عزّ وجلّ في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه ، فأما ما خلا ذلك من الطعام فلا (١) وفي الطريق موسى بن بكر (٢).

والدلالة أيضا غير واضحة فلا ينبغي العمل مع مخالفتها للقواعد بل ظاهر آية جواز الأكل في البيوت أيضا.

ويدلّ على ان المراد من الصديق هو الّذي يفهم ظاهرا ، صحيحة محمَّد الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام (إلى قوله) : ما يعني بقوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ؟) قال : هو والله الرجل يدخل بيت صديقه ، فيأكل بغير اذنه (٣).

والظاهر منها اعتبار دخول البيت ، والصداقة العرفيّة ، وقد روي : أن الصديق هو الذي يقدر أن يأخذ من جيبه دراهم ويخرج من غير إذنه (٤) ، يعني يطمئن خاطره بأنه مأذون ، فافهم.

وفي رواية زرارة قال : سألت أحدهما عليهما السّلام (إلى قوله) : قال : ليس

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٢ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٣٤.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن صفوان عن موسى بن بكر ، عن زرارة.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ١ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٤٣٤ والحديث هكذا : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن هذه الآية : ليس عَليكم جُناح (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) إلى آخر الآية قلت : ما يعنى إلخ.

(٤) لم نعثر على هذه الرواية إلى الآن نعم يستفاد ممّا نقله في تفسير البرهان عن تفسير علي بن إبراهيم فراجع ج ٣ من تفسير البرهان ص ١٥٣ عند تفسير هذه الآية الشريفة.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليك جناح ، فيما طعمت أو أكلت ممّا ملكت مفاتحه ما لم تفسده (١).

فتدل على عدم الإفساد ، وهو ظاهر من غيرها أيضا ، فلا يضرّ وجود عبد الله بن بكير (٢).

وقد فسّر (أو ما ملكتم مفاتحه) في حسنة مرسلة ابن أبي عمير ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) قال : الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله ، ويأكل بغير إذنه (٣).

وقد فسّر بالمملوك ، وبصاحب المنزل ، فالكل غير بعيد ، فتأمّل.

ويدل على جواز التصدق من بيت الصديق والزوج رواية جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : للمرأة ان تأكل وان تتصدق ، وللصديق ان يأكل من (في ـ كا) منزل أخيه ويتصدق (٤).

وفي الطريق سهل بن زياد (٥) ، فلا ينبغي إلّا مع العلم أو الظن القوي بعدم الكراهة ويتفاوت بالنسبة إلى الأشخاص والأوقات والأموال فليلحظ ذلك.

(الثالث) أكل الوالد من مال ولده على الاحتمال ، لما في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢٤ حديث ٤ من أبواب آداب المائدة والحديث هكذا : سألت أحدهما عليهما السّلام عن هذه الآية لَيس عليكم جُناح (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) ، الآية فقال : ليس عليك إلخ.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة.

(٣) الوسائل باب ٢٤ حديث ٥ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٣٣٥.

(٤) الوسائل باب ٢٤ حديث ٣ من أبواب آداب المائدة ج ١٦ ص ٣٣٥.

(٥) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن جميل بن درّاج.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : يأكل منه ما شاء من غير سرف ، وقال : في كتاب علي عليه السّلام : ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا باذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وله ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها ، وذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لرجل : أنت ومالك لأبيك (١).

وصحيحة أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لرجل : أنت ومالك لأبيك (٢).

وغير ذلك من الاخبار.

وقيده الشيخ في الاستبصار بالاحتياج للتقييد في بعض الاخبار ، مثل حسنة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه قال : يأكل منه ، فاما الأم فلا تأكل منه الّا قرضا على نفسها (٣).

وأنت تعلم ان هذه لا تصلح للتقييد ، وانه لا يفهم عدم جواز الأخذ إلّا نفقته الواجبة ، لكن قواعدهم تقتضي ذلك ، فتأمّل.

(الرابع) أكل المارّ على ثمرة أو زرع ممّا يمرّ عليه على رأي المصنف هنا وجماعة ، وفي المسألة خلاف سببه اختلاف الروايات ، وذكروا له شروطا ، وقد مرّ البحث عنها في التجارة فتذكر (٤).

ونشير هنا إجمالا إلى الروايات ، فأمّا رواية الحلّ فهي رواية محمّد بن مروان ،

__________________

(١) الوسائل باب ٧٨ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٩٤ وفي الوسائل والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٢) الوسائل باب ٧٨ حديث ٢ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٩٥ وزاد : ثم قال أبو جعفر عليه السّلام : ما أحب (لا تحب ـ خ ل) ان يأخذ من مال ابنه الّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه ان الله لا يحبّ الفساد.

(٣) الوسائل باب ٧٨ حديث ٥ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٩٦.

(٤) لاحظ ج ٨ ص ٢٢٢ من هذا الكتاب.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : أمرّ بالثمرة فآكل منها؟ قال : كل ولا تحمل قلت : جعلت فداك ان التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم ، قال : اشتروا ما ليس لهم (١).

وفيها أبي داود ، محمّد بن مروان (٢) ، والإرسال ، فإنّ أبا داود نقل عن بعض أصحابنا عن محمّد بن مروان.

ومرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن الرجل يمرّ بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له ان يأكل منها من غير اذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال : لا بأس (٣).

هذه مرسلة الّا أنها مرسلة أبي عمير هي عندهم بمنزلة الصحيح ، وقد عرفت ما فيه خصوصا إذا كانت مخالفة للقوانين وظاهر الكتاب والسنّة والإجماع وخصوص بعض الأخبار ، وان كانت مؤيّدة بفتوى الأكثر.

واما رواية المنع ـ مع ما أشرنا إليه من العقل والنقل كتابا وسنّة وإجماعا ـ فمرسلة متروك ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل يمرّ على قراح (٤) الزرع يأخذ منه السنبلة؟ قال : لا ، قلت : أي شي‌ء السنبلة؟ قال : لو كان كلّ من يمرّ به يأخذ منه سنبلة لا يبقى شي‌ء (٥).

وهذه وان كانت في الزرع ، ولكن علّتها تدل على المنع عن الكلّ ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب بيع الثمار ج ١٣ ص ١٤.

(٢) وسندها كما في التهذيب باب بيع الثمار حديث ٢٣ هكذا : الحسين بن سعيد ، عن أبي داود ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن مروان. وقوله قدّس سرّه : أبو داود محمّد بن مروان يعني ان كليهما ضعيفان.

(٣) الوسائل باب ٨ حديث ٣ من أبواب بيع الثمار ج ١٣ ص ١٤.

(٤) المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع اقرحة (مجمع البحرين).

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب بيع الثمار.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يمرّ بالثمرة من النخل ، والزرع ، والكرم ، والشجر ، والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحلّ له ان يتناول منه شيئا ويأكل بغير اذن صاحبه؟ فكيف (وكيف ـ خ) حاله ان نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيّم وليس له؟ وكم الحدّ الذي يسعه ان يتناول منه؟ قال : لا يحلّ له ان يأخذ منه شيئا (١).

وقد حمل هذه الشيخ ومن تابعه في الفتوى على الكراهة ، والأولى تجنّبه.

وهو بعيد عن لفظة (لا يحلّ) مع ان المعارض لا يصلح للمعارضة على ما عرفت.

وحملها أيضا على عدم جواز الأخذ معه ، فان ذلك لا يجوز على وجه.

وهذا أبعد ، لأنه قد وقع السؤال عن الأكل.

ويمكن الحمل على الإفساد أيضا ، وهو أيضا بعيد ، وعلى قصد ذلك ، فان المجوّز يشترط عدم ذلك ، وان كان دليله أعم من ذلك ، وعلى العلم أو الظن بالكراهة من صاحبها.

وهذا الشرط ظاهر وان لم يدلّ دليل على ذلك ، بل ظاهر قوله : (اشتروا ما ليس لهم) (٢) يدل على أنّ مقدار ما يأكله المارّ ليس بمملوك لصاحبه ، ولا يدخل في المبيع ، وهو خلاف الظاهر ، فيردّ الخبر بذلك (٣).

واعلم ان ظاهر كلام المشترط ان شرط جواز الأكل عدم الإفساد وعدم الأخذ أيضا ، والظاهر انه ليس كذلك ، بل الإفساد لا يجوز ، وكذا الأخذ ، لا انه

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٧ من أبواب بيع الثمار ج ١٣ ص ١٥.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٤ كما تقدم يعني في خبر محمّد بن مروان.

(٣) يعني لأجل اشتماله على ما هو خلاف الظاهر فان الظاهر ان التجار الّذين اشتروها ما يكون مالكا لثمرها فقوله عليه السّلام : (اشتروا ما ليس لهم) خلاف ظاهر الاشتراء.

٣١١

الباب الثاني : في الاضطرار

ويباح للمضطر وهو خائف التلف لو لم يتناول أو المرض أو طوله أو عسر علاجه أو الضعف عن مصاحبة الرفقة مع خوف العطب عند التخلف أو عن الركوب المؤدّي إلى الهلاك.

______________________________________________________

معهما لا يجوز الأكل ، بخلاف شرط القصد وعدم الكراهيّة فتأمّل ، ومنه علم حال الضرورة وسيجي‌ء.

قوله : «ويباح للمضطرّ وهو خائف التلف إلخ» أي يحلّ للمضطر ، بل يجب أكل وشرب جميع ما تقدم من المحرّمات حتى الميتة وأبوال الناس ، ولكن قد يكون بينها ترتيب كما سيعلم.

والاضطرار يحصل بخوف التلف ولكن يكون مع الظنّ لا مجرد التوهم والاحتمال وكذا بخوف حصول المرض الذي يكون شاقا لا يتحمّل ويعدّ صاحبه مريضا لا صحيحا أو زيادته أو طوله ، أو بطء برئه ، أو عسر علاجه ونحو ذلك.

ويحصل أيضا بخوف الضعف والعجز بترك التناول عن المشي مع مصاحبة الرفقة الضروريّة بحيث يخاف بدونهم والتخلف عنهم التلف والعطب على نفسه أو على من معه ، بل لا يبعد بخوف تلف ماله المحترم.

وكذا بخوف الضعف والعجز عن الركوب الذي لو لم يكن يؤدّي إلى هلاكه أو من معه أو المال على الاحتمال أو يحصل المرض أو يزيد أو ببطء برئه أو بعسر (يعسر ـ خ) علاجه ونحو ذلك.

وبالجملة جميع ما يخاف معه تلف النفس ، ولا يبعد ان المال المحترم كذلك ، وكذا الأمراض التي يعدّ صاحبها مريضا وناقصا ويحصل لصاحبها الم وطولها وعدم برئها وزيادتها ، بمنزلتها.

٣١٢

تناول كل المحرّمات إلّا الباغي وهو الخارج على الامام (العادل ـ خ) عليه السّلام.

أو العادي وهو قاطع الطريق.

______________________________________________________

وينبغي الملاحظة في ذلك كلّه ، والاحتياط ، فان الدليل هو ظاهر العقل (١) وبعض العمومات ، فلا بدّ من الاقتصار على المعلوم ، وذلك لا يخلو من إشكال وعسر فتأمّل.

وقد استثنى منه الباغي ، وقد فسّر بتفاسير (منها) الخارج على امام زمانه عليه السّلام فلا يترخّص بالأكل ، بل يجب عليه أن لا يأكل ويترك نفسه حتى يموت.

(ومنها) الآخذ عن مضطرّ مثله بأن يكون لمضطرّ آخر شي‌ء يسدّ رمقه يأخذه منه وسيجي‌ء هذا ، وذلك غير جائز ، بل يترك نفسه حتى يموت ولا يميت الغير ويحيي نفسه كما تقرّر أن لا تقيّة في الدماء (٢) ، فإنه إذا كان ولا بدّ من تلف النفس يكون هو ذلك لا غير.

ومنه (٣) العادي فسّر بقاطع الطريق ، فإنه إذا اضطّر لا يأكل ، بل الموت جوعا خير له من ان يأكل المحرّم ويعيش.

وقيل : الذي يتعدّى ويتجاوز عن مقدار سدّ رمقه.

وتدل على التفسيرين ، رواية البزنطي عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في قول الله عزّ وجلّ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، قال : الباغي الذي يخرج على الامام ، والعادي الذي يقطع الطريق ، لا تحلّ له الميتة (٤)

__________________

(١) لعل المراد من العقل أصالة البراءة.

(٢) راجع الوسائل باب ٣١ من أبواب الأمر والنهي ج ١١ ص ٤٨٣.

(٣) يعني قد استثنى من المضطر العادي.

(٤) الوسائل باب ٥٦ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٩.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الطريق سهل (١) مع الإرسال ، ولا يضرّ (٢).

وفي رواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في قوله الله عزّ وجلّ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، قال : الباغي باغي الصيد ، والعادي السارق : ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما ان يقصّرا في الصلاة (٣).

فيها دلالة على تحريم الصيد كأنه يريد صيد اللهو.

وعلى عدم الرخصة للسفر المحرّم مطلقا.

وفي رواية عبد العظيم الحسني ، عن أبي جعفر عليه السّلام في معنى قوله عزّ وجلّ (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) ، قال : العادي السارق ، والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله ، ليس لهما ان يأكلا الميتة إذا اضطرا ، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار ، وليس لهما ان يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر (٤).

وهي مقيّدة للرواية الاولى في الصيد ، فتدلّ على جواز التأويل ، وعلى عدم الفرق بين الصلاة والصوم في عدم قصر هما في السفر المعصية فافهم.

وفي طريقها أيضا سهل (٥) والقطع بأبي الحسين المجهول ولا يضرّ.

__________________

(١) فان سندها هكذا كما في الكافي : عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عمن ذكره.

(٢) لعل وجه عدم الضرر كون المرسل ابن أبي نصر البزنطي الذي مراسيله لمسانيده ، فتأمّل.

(٣) الوسائل باب ٥٦ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٨٨.

(٤) الوسائل باب ٥٦ قطعة من حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٨٨.

(٥) سندها كما في التهذيب هكذا : روى أبو الحسين الأسدي عن سهل بن زياد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السّلام وللحديث صدر وذيل فراجع التهذيب.

٣١٤

وإذا جاز الأكل وجب ، ولا يتعدى سدّ الرمق (رمقه ـ خ ل).

الا مع الحاجة الى الشبع كالعاجز عن المشي بدونه مع الاضطرار إلى الرفقة ولو توقّع مباحا قبل رجوع الضرورة حرم الشبع.

______________________________________________________

فإذا جاز الأكل يجب.

ويجب الاقتصار على دفع الضرر المحوج والمجوّز للأكل فيتقصر على سدّ الرمق عند خوف الموت المجوّز.

ولا يشبع إلّا إذا احتاج إليه كالذي يمشي في السفر مع الرفقة واحتاج إلى الشبع ليمشي معهم ، والّا ما يقدر عليه فيتخلّف عنهم ويهلك فيأكل ويشرب حتى يقدر على المشي الضروري المخلص عن الهلاك أو المرض أو غير هما ممّا يجوز له الأكل أو الشرب كما تقدم ، فان كان ما يندفع الّا بالشبع يشبع ، ودليل ذلك كلّه العقل (١) ، والنقل (٢) كتابا وسنّة وإجماعا.

وتدلّ على الجواز ـ مع الاستثناء ـ (٣) الآية الشريفة (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ـ مصبوبا سائلا كالدم في العرق ، لا كالدم في الكبد والطحال ، وقد رخص في دم العروق بعد الذبح.

(أو فسقا) ، عطفا على المنصوب قبله ، سمّى ما أهلّ به لغير الله فسقا لتوغله في باب الفسق ، كأنّ المعنى ما ذبح بذكر اسم غير الله (غير اسم الله ـ خ) أو بترك اسم الله.

(فمن اضطر) ـ ممّن دعته الضرورة إلى أكل شي‌ء من هذه المحرّمات ـ (غير

__________________

(١) الحاكم بتقديم ما هو الأهم وهو حفظ الحياة على ما هو المهم وهو أكل الميتة.

(٢) المتقدم آنفا.

(٣) يعني يدل على حكم المستثنى والمستثنى منه الآية الشريفة.

٣١٥

ويجب التناول للحفظ ، فلو قصد ، التنزه حرم.

ويستبيح كلّ ما لا يؤدي الى قتل معصوم فيحلّ الخمر لإزالة العطش وان حرم التداوي به.

______________________________________________________

باغ) ـ على مضطر آخر مثله تارك لمواساته ـ (ولا عاد) ـ متجاوز قدر حاجته من تناول هكذا فسّر الباغي والعادي في الكشاف.

مع احتمال آخر غير ما نقلناه من أخبارنا.

ولا يخفى ان الآية والاخبار تدلان على جواز تناول هذه المحرّمات كلّها ، وهي الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، بل جميع ما يثبت تحريمها بغيرها للمضطر الّا المستثنى.

وانه نقل في حاشيته (١) ان الترخيص المذكور في قوله : (وقد رخص في دم العروق بعد الذبح) عند أبي حنيفة ، واما عند الشافعي فإنه يحرّم جميع الدماء مسفوحة كانت أو لا.

وأنت تعلم انه المناسب لمذهب الشافعي من تخصيص بعض القرآن ببعض ولو كان كل بعض في مسألة وموضع آخر ، لان القرآن شي‌ء واحد كما نقل عنه في الأصول ، وهنا ينبغي تخصيص الدم المطلق بالمسفوح لحمل المطلق على المقيد ، فتأمّل.

ثم انه لمّا كان حراما وانما يجوزه دفع الضرورة ويجب ان لا يتجاوز الضرورة قالوا : يجب ان يقصد دفع الضرورة ، وان لا يقصد غير ذلك من الشبع والتلذذ ، بل لا يقصد الّا الوجوب وامتثال أمر الشارع بالأكل والشرب لا غيره ليجمع بين الأمر والحفظ ، فلو قصد التنزه والتلذذ حرم.

قوله : «ويستبيح كل ما لا يؤدي إلى قتل معصوم إلخ» هذا تأكيد

__________________

(١) يعني في حاشية الكشاف.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لما سبق ، وتفصيله أنه يجوز للمضطر أكل وتناول كل محرّم لا يؤدّي أخذه وتناوله إلى قتل معصوم الدم حتى الذمي إذا توقّف عليه حفظ النفس المعصومة ، وان ادّى إليه لم يجز لما مرّ.

وكذا يمكن ان يجوز لدفع المرض ، وان يجوز لحفظ النفس ان كان مؤديا إلى مرض لنفس آخر ان علم عدم تأديته إلى التلف.

ويحتمل عدمه إذا كان مؤدّيا إلى مرض مسلم معصوم الدم الّا ان يكون مرضا هيّنا ، مثل وجع رأس وغيره زمانا قليلا أو حمّى سهلة ونحو ذلك.

وان ادّى إلى الجرح والتضرر مثل ان يأخذ من فخذ شخص ليأكل ويسلم عن الهلاك ، فيحتمل جوازه ، فإذا جاز احتمل الوجوب.

وكذا (١) تسليم ذلك الغير ، وعدمه فيجب عليه المنع.

وبالجملة هذه المسألة مجملة ، والظاهر عدم الضرر والإضرار حتى يعلم فتأمّل فيحلّ شرب الخمر ونحوها لا زالة العطش المخوف معه الهلاك أو المرض المتقدم ، على الاحتمال وان (٢) قلنا ان التداوي بالخمر حرام ، فإن ازالة العطش ليست بالتداوي وكذا الإساغة ما غصّ في حلقه ونحو ذلك ، فيحلّ كل ما احتاج إليها ويحصل دفع الضرورة بها.

دليله العقل والنقل ، فان الحرج والضيق منفيّ بهما.

وكذا تجويز أكل الميتة ولحم الخنزير في الآية والاخبار مشعر به.

ويدلّ عليه بخصوصه ما في مرسلة محمّد بن عبد الله ، عن بعض أصحابه ،

__________________

(١) يعني يحتمل جواز تسليم نفسه لقطع فخذه ليسلم الآخر وإذا جاز وجب. ويحتمل عدم وجوبه فحينئذ يجب منع الغير عن قطع فخذه.

(٢) وصليّة يعني لا ملازمة بين حرمة التداوي بالخمر وبين حرمة شربها لازالة العطش فيمكن جواز الثاني ولو مع منع الأوّل.

٣١٧

ولو وجد البول اعتاض به عن الخمر.

______________________________________________________

عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ في بيان وجه تحريم الأشياء ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : لم حرّم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرّم عليهم ، ولا الزهد (زهدا ـ كا) فيما أحلّ لهم ، ولكنه خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّ الله تعالى لهم وأباحهم تفضّلا منه عليهم لمصلحتهم ، وعلم ما يضرهم فنها هم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ اباحه للمضطر فأحلّه له في الوقت الذي لا تقوم بدنه الّا به وأمره ان تناول منه بقدر البلغة لا غير (١).

وفي السند جهالة (٢) لا تضرّ.

وهي صريحة في جواز شرب الخمر وغيرها مع انحصار ما يدفع الضرورة فيه.

ولا يبعد فهم جوازه لدفع المرض أيضا فتأمّل.

وفهم وجوب الأكل والشرب حينئذ.

وانه يجب ان يقتصر على دفع الحاجة.

وان الأوامر والنواهي للمصالح والأغراض فتأمّل.

ومع هذا فقد نقل عن المبسوط عدم جواز دفع الضرورة بالخمر وان لم يمكن الّا به لغلظة تحريمه.

ولو احتاج إلى البول النجس أو الخمر قدّم البول وجعله عوضا عن الخمر

__________________

(١) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة بالطريق الأول عن الكليني رحمه الله ج ١٦ ص ٣١٠.

(٢) سنده كما في الكافي باب علل التحريم هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا عن عمرو بن عثمان ، عن محمّد بن عبد الله عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام. وعدّة من أصحابنا أيضا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن محمّد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أخبرني إلخ.

٣١٨

ولا يجوز التداوي بشي‌ء من الأنبذة ، ولا بشي‌ء من الأدوية معها شي‌ء من المسكر أكلا وشربا.

______________________________________________________

واكتفى به ولم يشرب الخمر.

لعلّ دليل التقديم غلظة حرمة الخمر لتحريمها بالقرآن (١) والاخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة جدّا (٢) ، ولأنه يزيل العقل ، ولهذا يجب الحلّ على شاربه ، وللخلاف في جواز شربها مع انحصار دفع الضرر بها ، ما بخلاف البول في ذلك كله (٣).

ويحتمل عدم الفرق بين الأبوال النجسة كلّها ، ولو اضطرّ الى البول النجس والحرام فالظاهر تقديم الحرام.

قوله : «ولا يجوز التداوي بشي‌ء من الأنبذة إلخ» هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.

اعلم انه قد مرّ في أول الباب تحريم تناول جميع المحرّمات عند الاضطرار ، ومن جملته التداوي بها الّا ان يمنع كون المحرّمات دواء فلا يوجد الاضطرار إلى المحرّمات للتداوي.

ولكن يفهم جواز شرب الخمر وللعطش ونحوه ممّا يخاف هلاكه لو لم يشرب ، بل المرض (٤) وقد صرّح به في قوله : (ويحلّ الخمر لازالة العطش).

ونقل عن المبسوط في المختلف عدم جواز ذلك أيضا ، وانه لا سبيل إلى شربها بوجه من الوجوه ، نعم قد روى التداوي بها للعين ، قال : وقال بعضهم : يحلّ

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ» إلخ ، المائدة : ٩٠. والى قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ» إلخ ، البقرة : ٢١٩ وغير هما من الآيات.

(٢) لاحظ الوسائل ج ١٧ أبواب الأشربة المحرّمة.

(٣) يعني في البول لم ينزل آية واحدة ولا الاخبار الكثيرة ولا يزيل العقل.

(٤) يعني جوازه لأجل خوف المرض لو لم يشربه.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

للمضطر الطعام والشراب ، ويحلّ التداوي.

وبالجملة ، لهم في التداوي بها ، بل بغيرها أيضا من المسكرات ، بل سائر المحرّمات بحث وخلاف ، وظاهر الروايات هو المنع مطلقا وهي كثيرة.

(منها) صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن دواء عجن بالخمر ، فقال : لا والله ما أحبّ ان انظر إليه فكيف أتداوى به؟ انه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير ، فان (وترون ـ خ) أناسا يتداوون به (١).

هذه مخصوصة بالخمر والخنزير ، ويمكن فهم جواز شرب الخمر منها مع الاضطرار ، لانه جعلها مثل لحم الخنزير ، وهو جائز الأكل عند الاضطرار بالآية (٢) والإجماع ، فلا يبعد التداوي أيضا مع الاضطرار فتأمّل فيه.

وحسنة عمر بن أذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه السّلام أسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر سكرَّجة (السكرّجة ـ ئل) (٣) من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة ، انما يريد به الدواء؟ فقال : لا ولا جرعة ، وقال : ان الله عزّ وجلّ لم يجعل في شي‌ء ممّا حرّم دواء ولا شفاء (٤).

والروايات كثيرة (٥) ، وهما أوضحهما سندا ، والباقية ضعيفة.

وفي رواية مسندة قال عليه السّلام لامرأة سألت عن النبيذ للشفاء : لا فلا

__________________

(١) الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٥.

(٢) وهو قوله عليه السّلام (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (إلى قوله تعالى) (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، الآية ، المائدة : ٣.

(٣) هي بضمّ السين والكاف والراء والتشديد ، إناء صغير يؤكل فيه الشي‌ء القليل من الأدم (مجمع البحرين) (٤) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ٢٧٤.

(٥) لاحظ الباب المذكور.

٣٢٠