مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

ويكره أكل ما باشره الجنب والحائض مع التهمة ، ومن لا يتقي النجاسات.

______________________________________________________

تقدّم ولكن الحكم بالطهارة ما دام في الفم ، وإذا خرج فكذلك ما لم يتّصل خارج الفم إلى النجاسة ، مثل الشفة المتنجس بشرب الخمر لوصوله اليه مع العلم ، ومع الاشتباه يحكم بطهارته أيضا.

ويؤيّد طهارة البصاق مع الاشتباه رواية أبي الديلم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل يشرب الخمر فيبزق فأصاب ثوبي من بزاقه؟ فقال : ليس بشي‌ء (١).

ولا يضرّ وجود إسحاق بن عمّار (٢) وجهل أبي الديلم.

وكذا الحكم في جميع ما يخرج من البواطن مثل الدمعة مع الاكتحال بالكحل النجس وهو ظاهر.

هذا مع القول بنجاسة الخمر ، ولا كلام مع القول بالطهارة.

قوله : «ويكره أكل ما باشره إلخ» دليل كراهيّة أكل ما باشره الجنب والحائض المتهمين بالنجاسة هو الاحتياط والتجنب عن المشتبه بالمحرّمات ، ليكون ورعا ، فان تفسير الورع التجنب عن المشتبهات حتى لا يقع في المحرّمات.

وكذا كل متهم بعدم الاجتناب عن النجاسات ، بل عن المحرّمات مطلقا ، مثل الظلمة كالعاشر ، ولا يحكم بالتحريم ، ولا بنجاسة ما بأيديهم وما باشروه.

ولا يجب الاجتناب الّا مع العلم ، لا مع الظن الّا ان يكون من وجه شرعيّ كشاهدي عدل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٨ وباب ٣٥ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٢.

(٢) سند الحديث كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن العباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الديلم.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : يجب مع ظنّ النجاسة مطلقا ، والظاهر هو الأول ، والثاني أحوط في العمل وقد مرّ البحث في ذلك في باب الطهارة أيضا في الحائض المتهمة (١).

وسبب ذكرها (ذكره بخصوصه ـ خ) بخصوصها وجود الرواية في حقها ، واما الجنب وغيره فكأنه للقياس لما ذكر من العلّة ، فالظاهر حينئذ عدم الاختصاص بالأكل ، بل الشرب وسائر ما يشترط فيه الطهارة كذلك مع احتمال الاختصاص بالأكل والشرب ، وهو بعيد. واعلم ان الذي يستفاد من تتبع أقوالهم وأفعالهم عليهم السّلام عدم الاجتناب عن مثل سؤر الجنب ، بل الأظهر في النجاسة منه ، حيث يحكمون بطهارة أواني المشركين مع الاستعمال ويصلّون في الثياب التي هم نسجوها وخيّطوها (٢) أو استعاروها ، وغيرهم من شرّاب الخمر وغيره كما يظهر من الروايات وهو ينافي هذه الكراهة.

فهذا الدليل مدخول ومعارض بذلك فلا يكون الحكم بالكراهة عاما ، ولا يكون هذا الدليل معتبرا ، بل الحكم يكون مخصوصا بموضع النصّ ، وهو انما كان في الحائض ، وقد مرّ مفصّلا (٣).

الّا ان يقال : ان أفعالهم عليهم السّلام ذلك ، وأقوالهم للتسهيل على الناس وان لا يشكل الأمر عليهم (٤) ، مع انهم قد يقال انهم قد يكونون في الخلوة بحالة أخرى لئلا يشكل على الناس ويحصل الغرض من الاجتناب ، الله يعلم.

والاجتناب غير بعيد ، ولكن الوسواس (الاحتياط خ ل) والحكم بنجاسة الناس ، والاجتناب عنهم بحيث يعتقد ان ذلك حسن ليس بجهد ، فلا يفعل.

ثم ان الظاهر ان المراد بالتهمة ما تقدم من عدم الاجتناب عن الحيض

__________________

(١) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٢٩٣.

(٢) هكذا في النسخ ولعلّ الأصوب (خاطوها).

(٣) أشرنا آنفا إلى الموضع المتقدم.

(٤) أي على الناس.

٢٨٢

وسقي الدواب المسكر.

______________________________________________________

والمني وعدم توقي النجاسة مع العلم بذلك أو الظن القويّ حتى يستحبّ الاجتناب ، لا مجرد الوهم والاحتمال.

قوله : «وسقي الدواب المسكر» دليل جواز سقي الدواب المسكر ، بل سائر المحرّمات والمتنجسات هو الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات مع عدم ما يدل على التحريم لعدم التكليف له ولا لصاحبه بعدمه.

ودليل الكراهة ، الاعتبار ، واحتمال ضرره بالحيوان أو يضرّ هو بعد السكر غيره ، واحتمال تأثيره في لحمه ، وتحريمه به ونجاسته كما مرّ إليه الإشارة في شرب البول ولبن الخنزير (١) فتذكّر.

ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه السّلام ، قال : وسألته عن البهيمة البقرة وغيرها تسقى أو تطعم ما لا يحلّ للمسلم أكله أو شربه أيكره ذلك؟ قال : نعم يكره ذلك (٢).

ولا يضرّ ضعف السند باشتراك أبي بصير وعلي بن أبي حمزة (٣) بل بضعفهما ، وجهل الحسن بن علي بن أبي حمزة وأبي عبد الله الرازي.

ورواية غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام ان عليّا (أمير المؤمنين ـ ئل) عليه السّلام كان يكره (كره ـ خ) ان يسقى الدوابّ الخمر (٤).

ولا يضرّ الضعف ب (غياث) ولا يقاس عليه الأطفال ، فإنهم وان لم يكونوا مكلّفين بالفعل ، ولكن يصيرون مكلّفين ويتعوّدون ، والناس مكلّفون بإجراء

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٤ ـ ٢٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٢.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٤٦.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير.

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٤٦.

٢٨٣

والاسلاف في العصير.

______________________________________________________

أحكام المكلّفين عليهم.

ويدل عليه رواية عجلان أبي صالح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : المولود يولد فنسقيه من الخمر؟ فقال : من سقى مولودا مسكرا سقاه الله من الحميم وان غفر له (١).

وروايته أيضا ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : قال الله عزّ وجلّ : من شرب مسكرا أو سقاه صبيّا لا يعقل سقيته من ماء الحميم معذبا أو مغفورا (٢) الحديث.

قوله : «والاسلاف في العصير» قيل : هكذا أطلق الشيخ وتبعه جماعة ، وعلّله بأنه لا يؤمن ان يطلبه صاحبه وقد يغيّر إلى حالة الخمر ، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد وان كان فعل ذلك لم يكن محظورا.

وناقشه ابن إدريس في ذلك وقال : السلف لا يكون إلّا في الذمة ، ولا يكون في العين ، فإذا كان في الذمة لزم تسليم ما في ذمته من العصير من أي موضع كان سواء تغيّر ما عنده إلى حال الخمر أم لم يتغيّر فلا وجه للكراهة.

وأجيب بإمكان أن يريد بالسلف بيع عين مشخّصة يسلّمها إليه في وقت معيّن ، وأطلق عليه السلف مجازا كما ورد (في ـ خ) السلف في شراء الغنم مع المشاهدة أو يحمل على الحقيقة ، ويتعذّر عليه تحصيل العصير عند الأجل لانقلابه كذلك.

ثم قيل : لا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف وقوّة كلام ابن إدريس ولا

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٤٦ وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان أمير المؤمنين عليه السّلام كره إلخ.

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ وتمامه : ومن ترك المسكر ابتغاء مرضاتي أدخلته الجنّة وسقيته من الرحيق المختوم وفعلت به من الكرامة ما فعلت بأوليائي.

٢٨٤

واستيمان من يستحلّ شربه قبل ذهاب ثلثيه على طبخه.

______________________________________________________

يخفى ان الجواب الأول جيّد ، إذ قد يوجد ذلك الإطلاق ، ويؤيد إرادته هنا قوله : (يدا بيد) وانه كلامه ، فله ان يريد ذلك ، وذلك غير عزيز.

على انه قد يكون السلف بالمعنى الحقيقي ، ولكن قد قرّر البائع مع نفسه إعطاء ما عنده ثم يغيّر ذلك فيعسر تحصيل غيره.

ولكن الكراهة حكم شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعيّ ، ومثل هذا لم يصر دليلا ، ولكن هم يحكمون بالكراهة بمثل هذا ، بل أقل منه فتأمّل.

قوله : «واستيمان من يستحلّ شربه إلخ» يدل على الجواز ما تقدم من الأصل وغيره ، وقبول قول المخبر بتطهير وتحلّل ما تحت يده.

ودليل الكراهة الاعتبار ، فإنه لما اعتقد حلّه لا يبعد ان يأخذه قبل ذهاب ثلثيه ، ويخبر بالذهاب.

وقيل : حمل النهي في الخبر على ذلك ، لعدم الصحّة مثل رواية معاوية بن عمار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ، ويقول : قد طبخ على الثلث وانا أعرفه أنه يشربه على النصف فأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال : (خمر ـ يب) لا تشربه. قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ، ولا يستحلّه على النصف يخبرنا ان عنده بختجا على الثلث ، قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، يشرب منه؟ قال : نعم (١).

يفهم ان المدار على الاعتقاد ، لا على الاخبار ، ويعني على الثلث ، الغليان حتى ذهب ثلثاه وبقي الثلث.

قيل في طريق الرواية يونس بن يعقوب (٢) قيل : فطحيّ ، وقيل : ثقة

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٤.

(٢) طريقها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن يونس بن يعقوب ، عن معاوية بن عمّار.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيكون فطحيّا ثقة فتكون موثقة لا صحيحة ، فتصلح دليلا للكراهة.

فيه تأمل ، إذ من يقول : انه ثقة صرّح بصحّة عقيدته ، فلا يمكن الجمع ، على ان المعدّلين أكثر وأرجح.

ولاختلاف قول من قال بفطحيّته.

ولأن الكشي الراوي فطحيّته بطريق مرسل ، قال : إن الفطحيّة ما بقوا على امامة عبد الله حيث قال : قال بامامة عبد الله الأفطح عامّة مشايخ العصابة وفقهائها ومالوا إلى هذه المقالة ، فدخلت عليهم الشبهة لما روي عنهم عليهم السّلام انهم قالوا : الإمامة في أكبر ولد الإمام إذا مضى ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام ولم يكن عنده فيها جواب ، ولما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي ان يظهر من الامام رجع بعضهم أيضا.

ثم ان عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون الّا شاذا ، وقالوا : بامامة أبي الحسن عليه السّلام للخبر الذي روي : أنّ الإمامة لا يكون في الأخوين غير الحسنين ، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته (١).

وبالجملة ، انا ما اعتقد فطحيّة يونس بن يعقوب ، والظاهر انه مقبول.

__________________

(١) الاولى نقل عبارة الكشي ، قال : الفطحيّة هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر بن محمّد ، وسمّوا بذلك لانه قيل : انه كان افطح الرأس ، وقال بعضهم : كان افطح الرجلين ، وقال بعضهم : انهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقول له عبد الله بن فطيح ، والّذين قالوا بإمامته عامّة مشايخ العصابة ، وفقهاؤها مالوا إلى هذه المقالة ، فدخلت عليهم الشبهة ، لما روي عنهم عليهم السّلام انهم قالوا : الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى ، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام ، لم يكن عنده فيها جواب ، ولما ظهر من الأشياء التي لا ينبغي ان يظهر من الامام ثم ان عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما فرجع الباقون إلّا شذاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بإمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام ورجعوا إلى الخبر الذي روي : ان الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام ، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته ، وبعد أن مات ، قال : بإمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام (الكشي ص ١٦٤) طبع بمبئي.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا أكثر ما نسب إلى الفطحيّة ، مثل الحسن بن علي بن فضّال ، بل إسحاق بن عمار من العلماء أيضا.

على أنه يمكن ان يستدلّ عليه بحسنة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : الرجل يهدى إلى البختج من غير أصحابنا ، فقال : ان كان ممن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وان كان ممن لا يستحلّ فاشربه (١).

وجه الدلالة انه يفهم عدم أكله من يد من يستحلّ فلا يستأمن.

ونقل عن الشيخ ، والمصنف ، وولده عدم جواز الاستيمان ، لرواية ابن عمار المتقدمة.

ويمكن كون هذه أيضا حجّة لهم ، ولكن هذه غير صحيحة ، ولا صريحة (لأنه في المستحلّ مطلقا ، ولا يلزم كون المستحلّ قبل ذهاب الثلثين يكون كذلك ، لاحتمال اشتراط النصف أو الثلث فتأمّل ـ خ).

وللقول (٢) في يونس في خبر معاوية (٣) ، وعدم صراحتها ، إذ المقصود كراهة استيمان من يستحلّ العصير قبل ذهاب ثلثيه ، وليس مضمونها كذلك ، وهو ظاهر ، فلا بدّ من الاستنباط والاستخراج منها ، بأنه إذا لم يقبل خبره بأنه ذهب ثلثاه فلا يستأمن ، ويمكن أن يحسن استيمانه ويوكل مع ذلك ، ويقبل خبره ، لانه جعل أمينا فتأمل.

على أن ورود النهي للكراهة كثير جدّا ، والأصل والعمومات وحصر المحرّمات يؤيّد الحمل على الكراهة.

ويؤيّده أيضا عموم صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٣.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : لرواية ابن عمّار المتقدمة. وكذا قوله قدّس سرّه فيما يأتي : (ولما تقرر) إلخ.

(٣) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن يونس بن يعقوب ، عن معاوية بن عمار واعلم انه ليس في بعض النسخ من قوله : (لأنه في المستحل) إلى قوله : أو الثلث.

٢٨٧

والاستشفاء بمياه الجبال الحارّة.

______________________________________________________

عليه السّلام عن البختج ، فقال : إذا كان حلوا يخضّب الإناء ، وقال صاحبه : قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث فاشربه (١).

فإنه أعم ممن يستحلّه قبل ذلك.

وكذاقوله عليه السّلام في حسنة عمر بن يزيد:(وان كان ممن لايستحلّ فاشربه)(٢).

فكأنه لذلك اختاره المصنف هنا والمحقق في الشرائع فتأمّل.

ولما تقرّر من قبول القول بطهارة وحلّ ما تحت يده ، فإذا قبل قوله فلا معنى لتحريم الاستيمان فيحمل النهي على الكراهة للجمع بين الأدلّة.

والظاهر ان مراد القائل بالتحريم هو تحريم شرب ذلك ، ويحتمل نفس الفعل أيضا.

ويؤيّد التحريم انه لا يبعد أنه لما اعتقد حلّه يشربه ويشربه قبل ذلك فتأمّل.

قوله : «والاستشفاء بمياه الجبال الحارّة» دليل كراهته هو الخبر المحمول على الكراهة ، لعدم الصحّة مع قول الجماعة ، وهي رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الاستشفاء بالحماة ، وهي العيون الحارّة التي تكون في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت فإنّها تخرج من فوح (٣) جهنم (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٤.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣٤.

(٣) من فاحت القدر تفيح وتفوح إذا غلت ، شبّه بنار جهنم ، ويحتمل الحقيقة وانه أرسل من نارها إنذارا للجاحدين ، وكفارة لذنوب غيرهم ، ومثله قوله عليه السّلام في وجه النهي من الاستشفاء في المياه الحارّة التي تكون في الجبال يشمّ منها رائحة الكبريت لأنها من فيح جهنّم (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ج ١ ص ١٦٠.

٢٨٨

ولا تحرم الربوبات وان شمّ منها رائحة المسكر.

والخمر إذا انقلبت وان كان بعلاج ، وان كره.

______________________________________________________

ولا يبعد كراهة مطلق الجلوس فيها للعلّة المذكورة إلّا للضرورة.

قوله : «ولا تحرم الربوبات وان شمّ منها رائحة المسكر» دليله ، الأصل ، والعمومات مثل مضمرة الحسن بن محمّد المدائني ، قال : سألته عن السكنجبين والجلّاب وربّ التوت وربّ السفرجل ، وربّ التفاح ، وربّ الرمان فكتب : حلال (١).

ورواية جعفر بن احمد المكفوف ، قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الأول عليه السّلام اسأله عن السكنجبين والجلّاب ، وربّ التوت ، وربّ التفاح (وربّ السفرجل ـ ئل) ، وربّ الرمان؟ فكتب : حلال (٢) ورواية أخرى له مثلها ، وزاد فيها : ربّ السفرجل ـ وبعده ـ : إذا كان الذي يبيعها عارف وهي تباع في أسواقنا ، فكتب : جائز لا بأس بها (٣).

قوله : «والخمر إذا انقلبت إلخ» كأنها معطوفة على فاعل (لا تحرم) أي لا يحرم إذا انقلبت خلّا ، فإنها تظهر وتحلّ إذا صارت خلّا.

ويحتمل تقدير فعل (ويحلّ) فيكون فاعله ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.

والظاهر عدم الخلاف والإشكال فيما إذا انقلبت بنفسها ، لعل دليله الإجماع وعموم أدلّة حلّ الخلّ وبعض الروايات.

مثل رواية عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال :

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٤.

(٢) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.

(٣) الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

سألته ، عن الخمر العتيق (العتيق ـ خ ل) يجعل خلّا قال : لا بأس (١).

هكذا في التهذيب والاستبصار على ما رأيتها.

وفي الكافي الذي أصلها حسنة إلى جميل بن درّاج ، وابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام (٢) فهي حسنة وموثقة (٣) فتأمّل.

وروايته أيضا ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا ، قال : لا بأس (٤).

وروايته أيضا ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال : إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به (٥).

وصحيحة جميل ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا ، فقال : خذها ثم أفسدها. قال علي عليه السّلام : واجعلها خلا (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٩٦ نقلا من الكافي والتهذيب والاستبصار.

(٢) سندها كما في الكافي (باب الخمر يجعل خمرا) هكذا : علي بن إبراهيم : ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، وابن بكير ، عن زرارة.

وفي التهذيب (باب الذبائح والأطعمة إلخ) حديث ٢٣٩ بهذا السند عن جميل بن درّاج عن ابن بكير عن زرارة ولكن جعل (وابن بكير) بدلا عن قوله : (عن ابن بكير) وفي الاستبصار (باب الخمر يصير خلا) كما في الكافي وفي الوسائل أيضا كما في الاستبصار.

(٣) قوله قدّس سرّه : (فهي حسنة) باعتبار السند الأوّل وهو جميل عن زرارة. وقوله قدّس سرّه : (موثقة) باعتبار السند الثاني وهو ابن بكير عن زرارة.

(٤) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٥) الوسائل باب ٣١ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٦) الوسائل باب ٣١ حديث ٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبد العزيز بن المهتدي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السّلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتى يصير خلا قال : لا بأس به (١).

وهي مكاتبة وفي الطريق محمّد (٢) بن عيسى العبيد ولا يضر.

وبعض منها يدل على الحل بعلاج أيضا خصوصا الأخير ، فيحمل على الكراهة ما دل على المنع إذا كان بعلاج.

مثل عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن الخمر يجعل خلّا؟ قال : لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها (٣) (يقلبها ـ خ ل يب).

وهي أيضا موثقة لابن بكير وأبي بصير (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم وأبي بصير وعلي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ؟ فقال : لا الّا ما جاء من قبل نفسه (٥).

حمل الشيخ في كتابيه هذه على الاستحباب ، وقال : لانه يستحب ان يترك الخمر حتى يصير خلا من قبل نفسه ولا يطرح فيه ما يغيّره من الملح وغيره وان فعل لم يكن محظورا ولا كان فاعله مأثوما.

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٢) سنده كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن المهتدي.

(٣) الوسائل باب ٣١ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٤) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير.

(٥) الوسائل باب ٣١ حديث ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

والأول (١) على ما ظن انه صار خلا ولم يكن كذلك.

ويمكن حملها أيضا على الكراهة ، ويكون معناها فيها بأس إذا جعل في الخمر ما يغلبها خلّا وتؤيّده نسخة التهذيب والاستبصار يقلبها بالقاف.

وان كان يغلبها بالغين كما في الكافي فيمكن حملها عليه أيضا.

وعلى انها غلبت عليه بحيث صار من جنس ما يعالج به ، مثل الخلّ واضمحل الخمر بالكليّة وغلب الخلّ ، وتؤيّده نسخة يغلبها بالغين وعليه يحمل ما رواه عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير في الموثق ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الخمر يصنع فيها الشي‌ء حتى تحمض؟ قال : إذا (ان خ ل) كان الشي‌ء الذي وضع فيه (صنع فيها ـ ئل) هو الغالب على ما صنع فلا بأس به (٢).

وردّها في التهذيب ، لأنها شاذة منافية لما تقدم من نجاسة الخمر ورواية زكريّا بن آدم المتقدمة في صبّ قطرة من الخمر على القدر (٣).

وفي الدليل (٤) تأمّل ، فإنه يستلزم عدم الحلّ والطهارة بالعلاج مطلقا.

على أنّها غير صحيحة (٥) ، ودلالتها بالمفهوم ، والثانية (٦) مجملة ليست بصريحة في المنع والتحريم إذا صار خلّا بعلاج.

ولكن هنا اشكال من جهة أن ما يعالج به إذا القي في الخمر فصار نجسا ما يطهره؟ والانقلاب انما يطهر الخمر لا غير.

__________________

(١) يعني صحيحة محمّد بن مسلم وأبي بصير وعلي عن أبي بصير.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٦.

(٣) راجع الوسائل باب ٣٨ حديث ٨ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٦.

(٤) يعني بالدليل ، الدليل الذي استدل به على الحلّ بعلاج وهو خبر عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير.

(٥) يعني موثقة كما تقدم منه قدّس سرّه بقوله : (وهي أيضا موثقة لابن بكير) وقد قدمنا ذكر سندها فراجع.

(٦) يعني صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة فراجع.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن التي تدل على الحلّ أوضح دلالة ، بل أكثر ، فيمكن ان يجاب بأنه تابع مثل الآنية وآلات البئر وآلة ما يعمل به دبسا على القول بالنجاسة على ان النجاسة غير ظاهرة لما عرفت ، فيمكن حملها وطهارتها بالعلاج أيضا.

ولكن ينبغي كون ما يعالج به بحيث لا يضمحلّ الخمر به ، وتصير هي أيضا من جنس ذلك ، ولا يطلق عليه الخمر ، مثل ان يلقى على قطرة من خمر اكرارا من الخلّ وغيره فان ذلك لا يقال له حينئذ العلاج وهو ظاهر ، وسيجي‌ء.

فقد دل الخبر الصحيح وهو خبر عبد العزيز (١) على نفي البأس مع العلاج.

وتؤيّده العمومات والمطلقات الدالّة على الطهارة والحلّ ، سواء كانت بعلاج أم لا كما عرفت.

وتؤيّده الشهرة ، وعدم وجود الخلاف ، وعدم صراحة صحيحة محمّد (٢) في المنع ، مع إمكان الحمل والجمع كما فهمت.

وبالجملة بعد وجود الدليل لا استبعاد في أمثال ذلك ، وهو ظاهر.

الّا ان يتكلّم على الدليل (٣) بعدم صراحة الأكثر في الحلّ مع العلاج وصحته ، وبعدم توثيق محمّد بن عيسى (٤) في صريحة عبد العزيز.

وان الأصل بقاء النجاسة والتحريم اليقينيَّين بحكم الاستصحاب حتى يعلم المزيل ، ولم يحصل العلم ولا الظن الشرعي بذلك ، نعم يحصل في الخمر المنقلب بنفسه بإجماع الأصحاب بل المسلمين ، والروايات الظاهرة فيها ، وبقي الباقي.

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٣) يعني الدليل على نفي البأس مع العلاج.

(٤) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز المهتدي.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد عرفت الدليل في الجملة ، وان النجاسة غير معلومة ، وهي والتحريم انما هما مع اسم الخمريّة ، ولا نسلّم حينئذ ، فلا يقين ، ويؤيّده ما ذكرناه.

ويمكن ان يقال : الطهارة مشكل مع العلاج الذي يكون له جسم ويبقى بعد الحليّة على القول بنجاسة الخمر لنجاسته بالملاقاة ، وبقائه على حاله من غير انقلاب ، فلا اثر للتخليل فيه أصلا.

وأيضا ، الدليل ما دل الّا على العلاج المائع المضمحل مثل الخلّ لقرينة ذكره ، ولما قلناه.

وبالجملة لا ينبغي ترك العمل بيقين النجاسة والتحريم الّا بدليل شرعي ، وليس بمعلوم في العلاج خصوصا الجامد ، نعم القول بالمائع أقرب منه ، والاجتناب عن الكلّ أحوط فتأمّل.

قيل (١) : وربما قيل باشتراط ذهاب عين المعالج به قبل ان يصير خلّا لانه ينجس بوضعه ولا يطهر بانقلابها خلّا ، لان المطهّر للخمر هو الانقلاب ، وهو غير متحقق في ذلك الجسم الموضوع فيها ولا يرد مثله في الآنية ، لأنها ممّا لا ينفك عنها الخمر ، فلو لم يطهر معها لما أمكن الحكم بطهرها وان انقلبت بنفسها.

وهو متّجه الّا ان الأشهر الأول.

واعلم أنه ليس في الاخبار المعتبرة ما يدل على جواز علاجها بالأجسام والحكم بطهرها كذلك ، وانما هو عموم (٢) أو مفهوم كما أشرنا اليه مع قطع النظر عن الاسناد ، وقد ذكر في أوّل المسألة رواية أبي بصير المتقدمة ، قال : سألت

__________________

(١) يعني شارح الشرائع.

(٢) مثل قوله في مقام السؤال في رواية عبد العزيز : فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره. الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

٢٩٤

ولو عولج بالنجس أو باشره الكافر لم يطهر بالانقلاب.

______________________________________________________

أبا عبد الله عليه السّلام عن الخمر يصنع ، الحديث (١) ، ورواية زرارة دليلا على طهارة الخمر بانقلابها خلّا ، سواء كان ما يعالج به عينا باقية أم لا ، وقد عرفت أنّ الأدلة على أصل المسألة كثيرة.

وكذا تدل على المعالجة رواية عبد العزيز صريحا الّا انها غير صريحة في الجامدات.

ويمكن ان يناقش في صحتها (لمحمّد) كما أشرنا إليه (٢).

وان رواية أبي بصير لم تصلح دليلا على الحلّ ، بل ربما تنافيه ، ولهذا ردها الشيخ بالشذوذ ، وان الجسم لا يذهب في الخمر ولا يخرج عن حقيقته وان كان مائعا واضمحلّ ولم يصر خمرا أيضا.

نعم قد يخفى مثل ان صبّ ماء قليلا (ماء قليل ـ خ ل) على الخمر ، مع انه قد يناقش في تطهيره ، إذ ينجس أوّلا ، والمتنجس بالخمر قد لا يطهر بالخليّة وان صار بعد ذلك خمرا ثم خلا فتأمّل.

وفي قوله (٣) إشارة إلى أن بعضا منع عن التطهير حينئذ ، ولكن التطهير أشهر فتأمّل.

قوله : «ولو عولج بالنجس إلخ» دليل عدم طهارة الخمر وحلّها بالخلّية ـ إذا كان ما يعالج به نجسا أو تنجست بنجس مثل ان باشرها الكافر ـ ظاهر ، فان العلاج النجس يزيدها نجاسة وتحريما ، وكذا مباشرة الكافر لها ، ولم يطهر بالانقلاب لعدم الدليل ، فان الدليل الذي دل على تطهيرها وحلّها بالانقلاب ظاهر في الخمر

__________________

(١) راجع الوسائل الباب المذكور حديث ٢ منها.

(٢) يعني محمّد بن عيسى فان سندها هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن المهتدي.

(٣) يعني قول شارح الشرائع.

٢٩٥

ولو مزج الخمر بالخلّ واستهلكه الخلّ لم يحلّ.

______________________________________________________

التي كانت تحريمها ونجاستها من أصلها ولم يمازجها متنجس ومحرّم آخر.

ويحتمل الحلّ والطهارة للعموم ظاهرا فتأمّل.

ويمكن ان يقال : ان كان ذلك النجس نجس بالخمر يمكن ان تطهر بالانقلاب فتأمّل.

قوله : «ولو مزج الخمر بالخلّ واستهلكه الخلّ لم يحلّ» لو صبّ خمر قليل على الخلّ الكثير فاستهلكت بالخلّ بحيث ما يظهر الّا الخلّ لم يحلّ ذلك الخلّ ، بل ينجس بالخمر مثل التنجس كسائر النجاسات ولو علم انقلابها بالخلّ فإنها لا تنقلب الّا بعد تنجسه (تنجيسه ـ خ ل) الخلّ وهو لم يطهر بانقلابها وكذا لو صبّ على خمر كثير خلّ قليل حتى استهلك بها وصار مثل الخمر ولا يتميّز ، لم يطهر ولم يحلّ ذلك الخلّ.

وهنا يمكن ان يقال بالطهارة إذا انقلبت هذه الخمر خلا إذا قلنا بالطهارة بالعلاج وهو ظاهر ، بل هو عين ذلك ، ودليله رواية عبد العزيز (بن) المهتدي الصحيحة المتقدمة.

ونقل عن الشيخ في المسألتين أنه قال : لو علم صيرورة الخمر التي أخذت هذه التي ألقيت على الخلّ منها أو العكس خلّا يحلّ ويطهر ، واستبعده ابن إدريس ، وقال بها رواية شاذّة تردّ لمخالفتها أصول المذهب (١) من ان الملاقي للخمر النجس ينجس فالخلّ نجس وما يطهره أو الحمل (تحمل ـ خ ل) على التقيّة لموافقتها لمذهب أبي حنيفة وطوّل ونقل عن السيّد ما يوافق كلامه.

وقال المصنف في المختلف ـ بعد ذكر ذلك ـ : قول الشيخ ليس بعيدا عن (من ـ خ) الصواب ، لان انقلاب الخمر خلّا يدل على تماميّة استعداد انقلاب تلك

__________________

(١) بيان لأصول المذهب.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الخمر خلّا ، لان المزاج واحد ، واستعداد الملاقي للخل أكثر ، وصيرورته للخلّ أتم ، ولكن لم يعلم ذلك ، فإذا انقلب الأصل المأخوذ منه خلّا انقلبت تلك الخمر أيضا خلّا ، ونجاسة الخلّ تابعة للخمريّة وقد زالت ، فتنزيل النجاسة كما في الخمر إذا انقلبت ، ونقل كلام ابن الجنيد مؤيّدا له.

واعلم أن هذا غاية ما يمكن من التوجيه ، ولكن الظاهر انه ما ينفع ، لأن التابعيّة غير متوجّه في المسألة الاولى ، وفي الثانية غير ظاهرة ، فان المتنجس بالخمر لا يطهر بطهارة الخمر ، فإذا تنجس الخلّ كيف يطهر بصيرورة الخمر التي فيه خلّا ، ولو كان كذلك لزم طهارة كل ما ينجس بالخمر من الأمور الغير المتّصلة وهو ظاهر البطلان ، ولم يعلم لكون الاتصال به دخلا حتى يكون فرقا.

على انه قد يمنع لزوم خلّية تلك الخمر من خلّية الأصل ، لجواز ان يكون اتصالها بالخلّ وتكيّفها بكيفيّة الخلّ في الجملة مانعا عن الانقلاب فتأمّل.

وبالجملة نجاسة هذا الخلّ بعد ملاقاته للخمر على تقدير نجاستها ظاهر ، ولم يعلم طهارته بخلّية الخمر المأخوذ منه وطهارتها ، إذ لا دليل.

وقال في شرح الشرائع ـ بعد نقل كلام الشيخ وابن إدريس وتوجيه المصنف وتأييده بكلام ابن الجنيد ـ : واعلم ان الروايات الواردة في الباب كلّها ضعيفة والقول بطهر الخلّ إذا مضى زمان يعلم انقلاب الخمرية إلى الخلّ متجه إذا جوزنا العلاج وحكمنا بطهارته مع بقاء المعالج به ، لأن الخلّ لا يقصر عن ذلك الأعيان المعالج بها حيث حكم بطهرها مع طهرها ، الّا ان الإثبات من النصّ لا يخلو عن إشكال ، وكذا استفادته من إطلاق جواز علاجه الأعم من بقاء العين المعالج به (١).

__________________

(١) إلى هنا عبارة شرح الشرائع (يعني المسالك).

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قد عرفت عدم ضعف الروايات كلّها ، ودلالتها على الطهارة بالعلاج.

واما كون ذلك متجها مع القول بالعلاج فغير ظاهر ، خصوصا في المسألة الأولى ، إذ المتبادر من العلاج ان تكون الخمر باقية على خمريتها ، ووضع فيها ما يعالجها ويقلّبها بالخلّ مع قلّة ما يعالج به وعدم جعل ما يعالج به ايّاها من جنسه في الحال ، فان ذلك ما يفهم من العلاج ، ولا يقال : انه جعله خلا بعلاج ، فإذا طهارة الخلّ الكثير الذي جعله علاجا لخلّية الخمر القليلة جدا ، غير ظاهر بالتبعيّة ، وهو ظاهر.

فإن الأكرار من الخلّ إذا نجس بقطرة من خمر ، لا يقال : انها طهرت بتبعيّة القطرة من الخمر ، لأنها كانت علاجا لخلّية تلك القطرة ، ومثل ذلك لا يفهم من الروايات وان قلنا بفهم طهارة الخمر بالعلاج منها مع بقاء ما يعالج به.

نعم ذلك غير بعيد في المسألة الثانية (١) إذا فرض بحيث يقال : انه علاج.

(وبقي البحث في الأولى) (٢) فكلام ابن إدريس جيّد (٣) ، والتوجيه غير ظاهر وان قلنا بالعلاج.

والظاهر انهما ليستا بداخلتين في مسألة العلاج عند الشيخ وغيره أيضا ولهذا ذكروهما بعدها وحكموا بعدم الحلّ ، ونسبوا القول بالحلّ إلى بعض كتب الشيخ فتأمّل.

وأيضا قد عرفت أن لا معنى لذهاب ما يعالج به حتى يتوجّه الطهارة بالعلاج ، بل الظاهر بقاؤه ، وهو ظاهر ، وطهارته بالتبعيّة ممكن ، ودلالة الروايات عليها غير بعيدة.

__________________

(١) وهي ما لو القي في الخمر خلّ حتى يستهلكه.

(٢) وهي ما لو القي في الخلّ خمر فاستهلكه.

(٣) وهو انه لا وجه للطهارة للإجماع على ان الخلّ يصير بمخالطة الخمر له نجسا.

٢٩٨

ولو لم يعلم تذكية اللحم المطروح اجتنب.

______________________________________________________

والظاهر ان ليست الرواية التي أشار ابن إدريس إلى أنها دليل الشيخ ـ هي رواية عبد العزيز كما ذكره في شرح الشرائع (١) ، بل ولا غيرها من التي رأيتها فانا ما نجد رواية فيها : انه إذا صبّ الخمر على خلّ ، وصار المجموع بمجرد الانضمام خلّا واستهلكها وعلم صيرورة أصله خلا ، طهر ذلك الخل ، نعم يفهم المسألة الثانية من رواية عبد العزيز كما ذكرنا أوّلا.

قوله : «ولو لم يعلم تذكية اللحم المطروح اجتنب إلخ» دليل اجتناب اللحم المطروح غير معلوم الذبح ، ما تقدم من الضابطة ، هي أن الأصل في الميتة هو التحريم ، لأنّ زوال الروح معلوم ، والتذكية مشروطة بأمور كثيرة وجوديّة والأصل عدمها ولكن قد يعلم بالقرائن ، ولهذا يعلم الهدي إذا ذبح.

ويدل عليه بعض الاخبار أيضا ، مثل صحيحة عبد الله بن سنان (٢) المتقدمة ، من تغليب الحلال ، وخصوصا رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انّ أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها ، وخبزها ، وجبنها ، وبيضها ، وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : يقوّم ما فيها ثم يؤكل ، لانه يفسد وليس له بقاء ، فان جاء طالبها غرموا له الثمن فقيل له : يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ قال : هم في سعة حتى يعلموا (٣).

__________________

(١) فإنه قال في شرح الشرائع ـ عند قول المصنف (المحقق) : (ولو ألقى في الخمر خلّ حتى يستهلكه لم يحلّ ولم يطهر) : القول للشيخ وابن الجنيد لرواية عبد العزيز بن المهتدي ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السّلام : العصير يصير خمرا فيصبّ عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتى يصير خلا قال : لا بأس به ـ الوسائل باب ٣١ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٧.

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٣) الوسائل باب ٢٣ حديث ١ من كتاب اللقطة ج ١٧ ص ٣٧٢.

٢٩٩

وقيل : يحكم بالتذكية مع انقباضه في النار.

______________________________________________________

هما (١) في السند ، ولا يضرّ ، لأنها موافقة للعقل ولغيرها (٢).

وفيها أحكام كثيرة (منها) طهارة اللحم المطروح ، والجلد كذلك ، يحمل على وجود القرينة الدالّة على كونهما كانا في يد المسلم.

وكون اللحم في يد المجوسي غير طاهر فيحرم ذبيحة الكافر فافهم.

وجواز التصرف بالأكل في مال الناس إذا علم الهلاك من غير اذن الحاكم مع التقويم على نفسه.

وعدم اشتراط العدالة في المقوّم والمتصرف.

ومغايرة المقوم للتصرف ، والغرامة للصاحب.

وكون الجاهل معذورا حتى يعلم فتأمّل.

وبالجملة ، القرينة المفيدة للظن الغالب معتبرة فكيف ما يفيد العلم أو المتاخم له.

واما دليل القول بالامتحان بالانقباض والانبساط فهو الرواية المتقدمة في مسألة تحريم المشتبه بالميتة (٣).

وقد عرفت انها ضعيفة ، ولكن نقل في الشرح فتوى الجماعة بها ، كابن بابويه ، والشيخ وأبي الصلاح ، وابن زهرة ، وابن إدريس ، وقطب الدين الكيدري (٤) ونجيب الدين (٥) بن سعيد صاحب كتاب الرحمة ، والمحقق في النافع.

__________________

(١) يعني ان النوفلي والسكوني في سندها وهما ضعيفان لكنه لا يضرّ لموافقتها للعقل.

(٢) يعنى ولغير هذه الرواية من الروايات الأخر الموافقة لها في المعنى.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٥٦.

(٤) أبو الحسن محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري الإمامي الشيخ الفقيه الفاضل الماهر والأديب الأريب البحر الزاخر صاحب الإصباح في الفقه وأنوار العقول في جمع اشعار أمير المؤمنين عليه السّلام وشرح النهج وغير ذلك وله اشعار لطيفة وكان معاصرا للقطب الراوندي وتلميذا لابن حمزة الطوسي فرغ من شرحه على النهج سنة ٥٧٦ الكنى والألقاب للمحدث القمي ج ٣ ص ٦٠.

(٥) أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الهذلي ، العالم الفاضل الفقيه ، الورع الزاهد الأديب

٣٠٠