مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

ويحرم موطوءة الإنسان ونسله ، ويقرع لو اشتبه حتى لا يبقى إلّا واحدة.

______________________________________________________

ولكنها ضعيفة من وجوه ، ويحتمل محض التعبد لا التنجيس واختصاص قاعدة عدم تنجيس الباطن بغيرها ، فتأمّل.

ولما كانتا ضعيفتين والأولى قاصرة عن المطلوب ، فلا يبعد القول بكراهة اللحم لو لم يكن إجماع.

ونقل عن ابن إدريس كراهة اللحم في الأول فتأمّل.

وقيل : ان هذا انما يكون إذا ذبح في الحال بعد الشرب ، واما إذا تأخّر بحيث صار ما شرب جزء من بدنه فيطهر بالاستحالة ولم يحرم.

وفيه تأمّل ، إذ الحرام بالاستحالة لا يحلّ ، نعم ذكر ذلك في بعض النجاسات لا في الكلّ ، وكأنه نظر إلى ان النجاسة سبب للحرمة ، وإذا استحيل صار طاهرا وحلالا وهنا كذلك وذلك غير بعيد ان لم يعمل بالخبرين ، فان ظاهر هما عام مثل كلامهم ، فالتخصيص محلّ التأمّل ، فتأمّل.

قوله : «ويحرم موطوء الإنسان إلخ» هذا بيان ثالث ما يحرم لعارض ، وهو موطوء الإنسان بإدخال الحشفة في قبل حيوان محلّل أو دبره ، أنزل أم لا ، ذكرا كان أو أنثى ، بالغا كان الفاعل أم لا ، حرّا أم (أو ـ خ) عبدا ، جاهلا أو (أم ـ خ) لا على الظاهر.

دليله ـ بعد قولهم ذلك من غير ذكر خلاف ـ صحيحة محمّد بن عيسى عن الرجل عليه السّلام انه سئل عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة؟ قال : ان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسمها نصفين ابدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٨.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

المراد بالتنصيف ليس بحقيقي ، إذ لا يمكن في الفرد ، وهو ظاهر ، فالمراد قسمان متقاربان ، فزيادة أحد القسمين على الآخر بفرد لا يضر.

وكذا مخالفة الحكم ، لما تقرر عندهم من انه إذا اشتبه المحرّم بالمحلّل ان كان محصورا يجتنب الكلّ وان كان غيره يتصرف في الكلّ ، الّا القدر المحرّم ، إذ كليته غير معلوم ويعرف نقيضه في موارد كثيرة.

والدليل عليه غير واضح ، وقد مرّ صحيحة عبد الله بن سنان الدالّة على تغليب الحلال وبعد التسليم قد يكون خارجا عنه للنصّ والإجماع.

والظاهر انها صحيحة (١) ، ولا يضرّ محمّد بن عيسى ، لأن الظاهر انه العبيدي الذي رجّحنا توثيقه كما رجّحه العلّامة ، بل أكثرهم ، فإنهم يسمّون الأخبار التي هو فيها بالصحّة.

وان الرجل هو العسكري أو الهادي عليهما السّلام اللذان اليقطيني يروي عنهما لأنه قد يعبّران به كما في باب اللقطة :

نقل في الكافي (٢) والتهذيب (٣) : حديثا ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : كتبت الى الرجل أسأله (إلى قوله) فوقع عليه السّلام ، الحديث.

ونقل هذا الحديث بعينه في باب اللقطة في الفقيه أيضا (٤) ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : سألته في كتاب (الى قوله) : فوقع عليه السّلام ، الحديث (٥).

__________________

(١) فان سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، وطريق الشيخ إلى محمّد بن احمد بن يحيى الأشعري بأربعة طرق بعضها صحيح فراجع مشيخة التهذيب والاستبصار.

(٢) راجع الكافي باب اللقطة والضالة باب ٤٩ من كتاب المعيشة حديث ٩ ص ٣٦٧ من ج ١.

(٣) راجع التهذيب باب اللقطة والضالة من كتاب المكاسب ج ٢ ص ١١٧ حديث ١٤ طبع قديم.

(٤) راجع الفقيه ج ٣ باب اللقطة والضالة رقم ٤٠٦٢ طبع مكتبة الصدوق.

(٥) هكذا في النسخة المطبوعة وليس من قوله : ونقل هذا الحديث إلى قوله : الحديث في النسخ المخطوطة التي عندنا.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وجعفر (١) هذا من رجال العسكري عليه السّلام ، وله مكاتبات إلى الهادي عليه السّلام أيضا ، يعلم ذلك من التهذيب والكافي وغير هما فافهم.

فقول شرح الشرائع : بمضمونها عمل الأصحاب مع ضعفها وإرسالها ، لأن الراوي محمّد بن عيسى ، عن الرجل ، وهو مشترك بين الأشعري الثقة ، واليقطيني الضعيف ، والرجل ان كان هو الكاظم عليه السّلام ـ كما هو الغالب فهي مرسلة مع التضعيف بالاشتراك ، لان كلاهما لم يدركاه عليه السّلام ، وان كان غيره فهي مقطوعة لا يعمل بها إلخ.

غير جيّد ، لما عرفت ، ولأن الأشعري ما وثّق (٢) ، بل انما وثّق اليقطيني الّا ان بعضا ضعّفه أيضا.

مع أن محمّد بن عيسى ثلاثة ، الثالث الطلحي (٣) ، مذكور في الفهرست.

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب : عبد الله بن جعفر فإنه الراوي لهذا الحديث وهو الذي من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السّلام. راجع تنقيح المقال للمحقق المامقاني ج ٢ ص ١٧٤.

(٢) بل الظاهر توثيق الأشعري أيضا دون اليقطيني فقط ففي تنقيح المقال ج ٣ ص ١٦٧ : محمّد بن عيسى بن عبد الله سعد الأشعري أبو علي عنونه النجاشي كذلك ، وقال : شيخ القميّين ووجه الأشاعرة متقدم عند السلطان (إلى ان قال) : وفي الوجيز انه ثقة ، وفي البلغة أنه ممدوح كالثقة إلخ ، فراجع التنقيح.

وقال أيضا : محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين مولى بني أسد بن خزيمة أبو جعفر العبيدي اليقطيني الأسدي الخزيمي البغدادي اليونسي (إلى ان قال) : وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في الرجل على قولين أحدهما : انه ضعيف وهو الذي صرّح جمع منهم الشيخ رحمه الله في موضعين من رجاله وفي فهرسته قال في باب أصحاب الهادي عليه السّلام : من رجاله محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني بن يونس ضعيف (انتهى) وفي باب من لم يرو عنهم عليهم السّلام : محمّد بن عيسى اليقطيني ضعيف إلخ (إلى ان قال) : القول الثاني : انه ثقة وهو الذي صرّح به النجاشي إلخ فراجع.

(٣) في تنقيح المقال ج ٣ ص ١٦٧ : محمّد بن عيسى الطلحي عنونه في الفهرست كذلك وقال : له دعوات الأيام التي تنسب إليه يقال : دعوات الطلحي (إلى ان قال) وظاهره كونه إماميا الّا ان حاله مجهول (انتهى)

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأن الظاهر انه يمكن روايتهما عنه وان لم يذكروا ، ويكون بعيدا.

وأنّ الظاهر كونه إماما ، فان لم يكن هو يكون غيره فتأمّل.

ورواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن البهيمة التي تنكح؟ قال : حرام لحمها ، وكذلك لبنها (١).

الاولى تدل على تمام المطلوب حتى القرعة على تقدير الاشتباه والزيادة ، وهي إحراق الموطوءة ، ولكنها في الشاة خاصّة.

والثانية ـ مع ضعفها ـ لا تدل على تمام المطلوب وان كانت عامّة في البهيمة ، فإن ظاهرها عام فيحتمل اختصاص الحكم المذكور من التقسيم والإحراق بالشاة ، لاختصاص الخبر الصحيح بها.

ويحتمل تعميم التحريم في البهائم كلّها ، وهو (٢) لغة اسم لذوات الأربع خاصّة لوجودها في الخبر الثاني.

ويحتمل اجراء كلّ الاحكام فيها ، لقولهم مع عدم القائل بالفرق ، وفيه تأمّل.

ثم انه يحتمل الاختصاص بالبهائم ، وشمولها لكل حيوان محلّل يمكن فيه ذلك لقولهم وعدم ظهور القائل.

والأولى الاقتصار على مورد النص والإجماع في مثل هذا الحكم الصحيح ، بل في جميع المسائل يجب الاقتصار على مورد الدليل ، فتأمّل واحتط.

فتصير بالوطء حراما مؤبدا ـ لا نجسا ـ ويضمنه الواطئ ، ويجب ذبحها وإحراقها ان كان مأكول اللحم على ما ذكره من أحكامه.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٩ وفيه : لحمها ولبنها.

(٢) هكذا في النسخ والصواب : (وهي).

٢٦٤

ويحرم المجثمة ، وهي الموضوعة غرضا.

والمصبورة ، وهي المجروحة تحبس حتى تموت.

ويحلّ من الميتة كل ما لا تحلّه الحياة كالصوف ، والشعر ، والوبر ، والريش مع الجزّ أو غسل موضع الاتصال ، والقرن ، والظلف ، والسن ، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى ، والأنفحة.

______________________________________________________

لعلّ لهم دليلا عليها أكثر من هذا ، وإلّا فإثبات تلك الأحكام التي ذكروها للموطوء والواطئ يبعد استخراجها عنهما ، بل لا يمكن الاستدلال عليها بهما ، ولعل لهم نصا آخر أو إجماعا ، وسيجي‌ء في الحدود زيادة بحث ان شاء الله.

ويدلّ على عروض التحريم للفحل ـ حين حصول شهوته ـ رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن أكل لحم الفحل وقت اغتلامه (١).

لعل المراد وقت حصول شهوته ، ولكن ما ذكروه ، وهي ضعيفة ، فيمكن حملها على الكراهة والتقيّة ان كانت.

قوله : «ويحرم المجثمة إلخ» أي الحيوان المحلّل الذي يجعل غرضا ويرمى بالسهم حتى يقتل على ذلك الوجه من غير ذبح شرعيّ ، وهذا أمر ظاهر علم ممّا سبق ، إذ قد علم أنّ كل ما قتل لا على الوجه الشرعي حرام وقد بيّن الوجه الشرعي وعلم ان ليس هذا منه.

وكذا تحريم المصبورة أي الحيوان المحلّل الذي يجرح ثم يحبس حتى يموت ، لعلّه ردّ على بعض العامّة أو غير ذلك.

قوله : «ويحل من الميتة كل ما لا تحلّه الحياة إلخ» يعني الميتة وهي التي

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٩.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فارقها الروح بغير ذكاة شرعيّة ، حرام بجميع أجزائها إلّا ما فيها ممّا لا تحلّه الحياة.

والدليل إجماعهم على الظاهر ، والروايات ، منها ما تقدم في بيان حكم اللبن مثل رواية الحسين بن زرارة ، قال بعدها : وزاد فيه علي بن عقبة ، وعلي بن الحسن بن رباط ، قال : والشعر والصوف كله ذكيّ (١).

ورواية زرارة ومحمّد بن مسلم (٢) ، وصحيحة زرارة (٣) ، وما تقدم أيضا في المحرّمات المستثنيات من الذبيحة ، فإنه عدَّ في الرواية عن الصادق عليه السّلام عشرة (٤) أشياء ذكيّة وعدّها وكانت منها اللبن أيضا فتذكر فتأمّل ، ورواية يونس عنهم عليهم السّلام قال : خمسة ممّا فيه منافع الخلق ، الأنفحة ، والبيضة (البيض ـ خ) ، والصوف ، والشعر ، والوبر ولا بأس بأكل الجبن كلّه ممّا (ما ـ ئل) عمله المسلم أو غيره ، وانما يكره ان يؤكل سوى الأنفحة ممّا في آنية المجوس وأهل الكتاب ، لأنهم لا يتوقّون الميتة والخمر (٥).

وهي ضعيفة ب (إسماعيل بن مرّار) (٦).

وكأنّ يونس هو ابن عبد الرحمن ، وفيها ما يخالف الظاهر من المذهب فتأمّل.

وتدل على حكم البيضة فقط ضعيفة غياث بن إبراهيم ـ به ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، قال : ان كانت

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٤ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ و ١٠ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٣) الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ و ١٠ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ٩ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ٢ من أبواب ما يؤكل لحمه ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٦) فان سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار عن يونس عنهم عليهم السّلام.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها (١).

وقيّد بها ما في رواية زرارة المتقدمة (٢) من عدم البأس بمطلق البيض.

ويقيد عدم أكلها ، بما إذا لم يكتس القشر الأعلى مثل مقطوعة صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الشعر ، والصوف ، والريش ، وكل نابت لا يكون ميّتا ، قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال : لا (٣) تأكلها (٤).

للجمع بين الاخبار وان كانت المفصّلة (٥) غير صحيحة ، ولكنها مقبولة ، كأنه مجمع على مضمونها ، على ان الأصل الحلّ.

ورواية عدم الأكل أيضا غير معلوم الصحّة لقطعها في الكافي (٦).

والاحتياط في تقييد رواية الحلّ (٧) مع احتمال النجاسة بدون ذلك القشر إذا خرجت من الميتة.

ورواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّا؟ فكتب عليه السّلام : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلّ ما كان من السخال من الصوف وان جز

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٣) في نسخ الكافي قديما وحديثا وكذا في الوسائل (تأكلها) بحذف (لا) وانما أثبتناها لكون النسخة عند الشارح قدّس سرّه مشتملة على إثبات (لا) بقرينة قوله قدّس سرّه بعيد ذلك : (ورواية عدم الأكل إلخ).

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٦) فان في الكافي هكذا : وفي رواية صفوان عن الحسين إلخ ومعلوم ان الكليني لم يدرك صفوان فتكون مقطوعة الأول.

(٧) كما في أكثر الروايات المتقدمة راجع باب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والشعر والوبر والأنفحة والقرن ولا يتعدى إلى غيرها ان شاء الله (١).

وما في رواية أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام ، سأله قتادة البصري عن الجبن فقال عليه السّلام : لا بأس به (ليس بها بأس ـ خ ل) فقال : انه ربّما جعلت فيه ان الإنفحّة ليس لها (بها ـ خ ل) عروق ولا فيها دم ولا لها عظم ، انما تخرج من بين جعلت فيه إنفحّة الميت فقال : ليس به بأس فرث ودم ، وانما الإنفحّة بمنزلة دجاجة ميّتة أخرجت منها بيضة ، فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة : لا ولا آمر بأكلها ، فقال له أبو جعفر عليه السّلام : ولم؟ فقال : لأنها من الميتة ، قال : فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال : نعم ، قال : فما حرّم عليك البيضة وأحلّ لك الدجاجة؟ ثم قال : فكذلك الأنفحة مثل البيضة ، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المسلمين (المصلّين ـ خ ل) ولا تسأل عنه الّا أن يأتيك من يخبرك عنه (٢).

فيها تفسير الأنفحة بغير ما هو المشهور ، بل فسّرها بتفسير اللبن ، ويمكن ان يقال : هي الجلدة المشهورة ، ولكن يكون فيها ما بين الفرث والدم وهو كاللبن فتأمّل.

والظاهر ان لأهل اللّغة فيها خلافا ، قيل : هي كرش الجدي قبل ان يأكل ، وقيل : اللبن المنفعل في كرشه.

وهذه الرواية ظاهرة في الأخيرة ، ويؤيّده جعل المصنف وغيره إياها ممّا لا تحلّه الحياة ، فإنها على الأول ممّا تحلّه الحياة ولم يدخل في استثنائها ويحتاج إلى استثناء على حدته ، وهو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٤ ولها صدر أورده في الكافي باب ما ينتفع به من الميتة إلخ من كتاب الأطعمة فلاحظ.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن لا يخلو عن بعد ، فإنه ينقل من غير ظرف وتعلّق من اليد.

فالظاهر أنها جلدة فيها اللبن وفي الاستثناء والرواية مسامحة ، وبالجملة هي مستثناة من الميتة وان كانت منها ، للنصّ والإجماع معا فتأمّل ويشكل النصّ باللبن.

وأيضا فيها إشعار إلى أنّ ما اشتمل على العرق والدم من الميّت فهو حرام ونجس مثله وكذا لو اشتمل على عظم.

وفيه تأمل ، فإن عظمه ممّا تحلّه الحياة ، وانه من المستثنيات ولعل ما اشتمل على العظم غير مستثنى ، لا لأجله ، بل لمجموعه فتأمّل.

ودلالة (١) على حلّ البيضة من الميتة.

وان شراء اللحوم وغيره من أسواق المسلمين يجوز ، ولكن من يد المسلم لا مطلقا ، فمجرّد سوق المسلمين مع العلم بأن البائع غير مسلم لا ينفع.

نعم مع الجهل بحاله يحكم بإسلامه للدار ، وقد مرّ.

وان الجبن لا يخلو عن شي‌ء خصوصا مع العلم بأنّها من الميّت ، فالانفحّة لا تخلو عن شي‌ء فتأمّل.

وبالجملة ، أدلة هذه المستثنيات ـ ما ذكرناها ـ بعضها غير صحيحة ، وبعضها غير صريحة في الطهارة ، والاعتبار لا يجري في الكل ، مع اشتمال أكثرها على كون اللبن مثلها.

ولكن من الكل (٢) بانضمام الإجماع المدّعى في شرح الشرائع أو الشهرة والكثرة مع عدم ظهور الخلاف بوجه مع الأصل والعمومات وحصر المحرّمات ، والاعتبار في الجملة بأنه إذا لم تحلّ الحياة فلا ينجس ولا يحرم بالموت.

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : اشعار وكذا قوله قدّس سرّه : وان شراء اللحوم إلخ وقوله : وان الجبن إلخ.

(٢) قوله قدّس سرّه من الكل متعلق بقوله قدّس سرّه : يحصل الظن بالطهارة.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يحصل الظن بالطهارة والحلّ كما هو المشهور ، ولو لم يكن الّا الأخبار لم يحصل ذلك ظاهرا ، وان حصل لم يكن فرق بين الأنفحة واللبن ، ومع ذلك ، الفرق مشكل فتأمّل.

ثمّ انه ينبغي تطهير هذه المستثنيات مع الإمكان خصوصا على مذهب من أوجب غسل اليد إذا لاقت ميتة أو ميّتا على ما مرّ في أوّل الكتاب (١).

وظاهره (٢) أعمّ من كونهما يابسين أم لا. ويؤيد ذلك الحكم شرطيّة جزّ الصوف أو غسل موضع الاتصال ، لكن شرطيّة ذلك أيضا غير ظاهر ، إذ وجود الجزء من الميّت معه غير ظاهر ، ومعه لا يطهر.

وكذا الملاقاة بالرطوبة ، والعقل والنقل ينفيهما ، ولم نعلم الآن صحيحا يدلّ عليها ، نعم قد قيّد بعضها بالجز وهي رواية الفتح الضعيفة ، ـ له ـ (٣) ولغيره مع خلو الأكثر عنه أيضا ، والكل عن التطهير ، ولهذا أوجب الشيخ الجزّ معيّنا.

وهو (٤) بعيد ، نعم ينبغي ذلك لوجوده في بعض الروايات وان لم يكن صحيحا ، وقول العلماء ذلك وان لم يكن حجّة.

فلا يمكن الحكم بنجاسة أصل الشعرة التي انقلعت من الإنسان الحيّ أو الحيوان كذلك ، قياسا على الميّت ، لأنه باطل ، على أنّ الميتة لها حكم آخر وهو وجوب غسل الملاقي مع اليبوسة عند بعض.

ولم يذكروا أصل القرن والظلف ـ وهي بمنزلة الظفر للإنسان ـ للبقر والشاة وغيرهما ، والسن أيضا.

__________________

(١) راجع هذا الكتاب ج ١ ص ٣٧٣.

(٢) يعني ظاهر من أوجب غسل اليد.

(٣) يعني ان ضعفها لأجل الفتح بن يزيد ، ولأجل وجوده غيره ، كما سيأتي ان شاء الله.

(٤) يعني إيجاب الجزّ المنقول عن الشيخ.

٢٧٠

ويحرم المشتبه بالميتة.

______________________________________________________

وهو أبعد ، فإن الظاهر انه متصل بالرطوبة ، وكذا العظام الّتي عليها اللحم ثم يوضع من اللحم.

ولعله (١) ، لعدم الذكر في الروايات ، بخلاف الصوف وأخويه ، ولكن في رواية الفتح الضعيفة به ـ وبغيره ـ حتّى يظهر فيها مقبول غير محمّد بن يعقوب وشيخه علي بن إبراهيم (٢) ، مع الكتابة ، ليس التقييد بظاهر ، إلّا في الأوّل.

لعلّ عندهم غير هذه في غير هذا المحلّ ، وقد مرّ في بحث الطهارة.

أو (٣) تركوه فيها للظهور ، وبالجملة الغسل في كل ما يحتمل أولى ، والاشتراط غير ظاهر وان فرض الاختلاط بالرطوبة ، ولا استبعاد بعد الإجماع والنص ، فان ذلك مثل الأنفحة فتأمّل.

قوله : «ويحرم المشتبه بالميتة إلخ» تحريم أكل المشتبه بالميتة هو مقتضى ما تقرّر عندهم من تغليب الحرام على الحلال ، إذا كان الاشتباه في المحصورة للرواية التي ينقلونها انه قال صلّى الله عليه وآله : ما اجتمع الحلال والحرام الّا غلب الحرام الحلال (٤).

ولانه يجب الاجتناب عن المحرّم ، وما يحصل الّا باجتناب الكل فيجب لكن ما نعرف دليلا لما تقرّر ، من تغليب الحرام ، الّا مثل المذكورات ، والرواية النبوية صلّى الله عليه وآله ما نعرفها.

وان سلّمت ووجدت صحيحة فهي معارضة بما ذكرناه مرارا من صحيحة

__________________

(١) لعل وجه عدم ذكرهم لأصل القرن إلخ.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم عن المختار بن محمّد المختار ، وعن محمّد بن الحسن عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي إسحاق.

(٣) عطف على قوله قدّس سرّه : لعدم الذكر.

(٤) عوالي اللآلي ج ٣ ص ٤٦٦ ولاحظ ذيله فان فيه جمعا بين الاخبار المتخالفة.

٢٧١

فإن بيع على مستحلّيه قصد المذكّى.

______________________________________________________

عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (١).

وقريب منها ، صحيحة ضريس الكناسي ـ الثقة ـ قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم لا نأكله؟ فقال : اما علمت انه قد خلطه الحرام فلا تأكله ، واما ما لم تعلم فكله حتى تعلم انه حرام (٢).

فيه تأمّل فتأمّل ، والأصل والعمومات وحصر المحرّمات يرجّح الحلّ.

مع انه يمكن قراءة (الحرام) (٣) منصوبا ليكون مفعولا وموافقا لغيرها ولكن (٤) أظن وجود غيرها أيضا.

وقد يمنع وجوب الاجتناب عن المحرّم حين الاشتباه فتأمّل.

ويؤيّده تجويز البيع على مستحلّ الميّت مطلقا ، ولا تخرج عن الاحتياط.

واما بيعه على مستحلّ الميتة فدليله صحيحة الحلبي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممّن يستحلّ الميتة وأكل ثمنه (٥).

وحسنة الحلبي عنه عليه السّلام انه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر ، وكان يدرك الذكي منها فيعزله ، ويعزل الميتة ، ثمّ ان الميتة والذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال : يبيعه ممن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه فإنه لا بأس (به ـ خ) (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) الوسائل باب ٦٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٠٣.

(٣) الوارد في الحديث ١ النبويّ المتقدم.

(٤) يعني أظن وجود رواية أخرى غير هذه.

(٥) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٩.

(٦) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٩.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن جعلهما دليلا الاجتناب أيضا مع التأمّل ، ولما كان خلاف ما تقرّر عندهم ـ من عدم جواز التصرف في الميتة وعدم إباحة أكل ثمنها ـ فذكروا أنه يقصد بيع المذكّى (١) لا الميتة.

وفيه أيضا إشكال من جهة لزوم صحّة بيع المجهول ، وهم لا يجوّزونه.

(ومن جهة) انه قد يأخذ أكثر من ثمن المذكّى ، فإنه يبيع الاثنين ظاهرا.

(ومن جهة) انه يقصد بيع الواحد ، والمشتري أكثر.

وانه لو كان مع قصد ذلك يصحّ البيع لصحّ بيعه من الغير المستحلّ أيضا ، ومع ذلك ، فيه انه ما يحلّ له ان ينتفع به فلا يجوز البيع عليه ، فتأمّل.

قال في المختلف ـ للتفصّي عن ذلك ـ : انّ ذلك ليس ببيع حقيقة ، بل استنقاذ مال عن يد كافر ، وهو جيّد.

لكن ينبغي تخصيص الحكم بمن يحلّ ماله من الكفار الحربي الغير المأمون ، لا الذمّي ، ولا المأمون ، ولا المنتمي بالإسلام ، وكأنه مقصود وترك للظهور.

ولكن حمل الروايتين على ذلك لا يخلو عن بعد ، وكذا عبارات الأصحاب وانه حينئذ لا يحتاج إلى قولهم : (فيقصد بيع المذكّى) وهو ظاهر.

فالظاهر انه بيع حقيقي مع العمل بهما ، وحينئذ ينبغي أن يقال بالاستثناء عن عدم جواز بيع المجهول لو سلّم ، خصوصا إذا كان المشتري يشترى المعلوم ولم يكن عنده مجهول ، فإن العلّة الغرر ، ولا شك حينئذ في عدمه منهما معا وهو ظاهر.

وكذا (٢) عن الضرر (٣) بقصده أحدهما ، وقصد المشتري إيّاهما.

__________________

(١) يعني البائع حين إنشاء البيع.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : عن عدم جواز بيع المجهول.

(٣) يعني الضرر الحاصل بمثل هذا النوع من البيع ، فان اختلاف قصدي البائع والمشتري ضرر ، والله العالم.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ينبغي ان لا يبيع بأكثر من ثمن المذكّى ، وحمل الخبرين على هذا وان كان بعيدا ، أو يخصّص عدم الانتفاع بالميتة وعدم جواز أكل ثمنه إلّا في هذه الصورة.

وكذا (١) تسليط الكافر على أكل الميتة ، للنصّ والشهرة.

ومن لم يعمل بالخبر الواحد مثل ابن إدريس يطرحهما ولم يجوّز بيعه.

ونقل في شرح الشرائع عن الدروس ، الامتحان بالنار كما سيجي‌ء القول في اللحم المطروح الذي لم يعلم ـ ولو بقرينة ـ كونه من الذكي أو من الميتة ، لرواية شعيب عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر أذكي هو أم ميّت؟ قال : يطرحه على النار فكلّ ما انقبض فهو ذكي ، وكل ما انبسط فهو ميتة (٢).

وهو غير بعيد إذا كان مذهبه ذلك وعمل بهذه الرواية.

لكن العمل بها مشكل لضعفها بوقف إسماعيل بن عمر (٣) ، واشتراك شعيب ، مع مخالفتها لما تقدم من أدلة التحريم في هذه المسألة ، لأنه يعلم من الرواية ان كل ما انقبض فهو حلال ، وما انبسط فهو حرام فهو بعينه جار فيما نحن فيه.

فإيراد شرح الشرائع بتضعيفه ـ مع تسليم الأصل ـ ببطلان القياس مع انه قياس مع الفارق ، إذ في اللحم المطروح وجود الميتة مشكوك ، بخلاف ما نحن فيه ، فان وجودها متيقن ، وليس كل ما يجري في المشتبه يجري في الميتة.

محلّ التأمل ، لما علم من الرواية العلّة ، وهي حصول العلم بتعيين أحدهما

__________________

(١) يعني يخصص أدلة عدم جواز تسليط الكافر على أكل الميتة في هذه المسألة للنص والشهرة.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٥٦.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن إسماعيل بن عمر ، عن شعيب.

٢٧٤

والمقطوع من الحي ميتة فيحرم.

______________________________________________________

وهو أعم من المطروح والمشتبه بالميتة ، على انه ليس بفارق ، فان المطروح بحكم الميتة شرعا عندهم ، وان كل واحد من الميتة والمشتبه يحتمل ان يكون ميتة فوجود الميتة يقينا هنا لا ينفع ، فلا بدّ ان يمنع استقلال العلّة مع الاشتباه ، ومثله يرد في جميع القياسات المنصوصة العلّة أو يمنع الأصل فتأمّل.

قوله : «والمقطوع من الحيّ ميتة إلخ» العضو الذي قطع من الحيّ حكمه حكم الميتة ، فيكون نجسا وحراما ، فلا يجوز الانتفاع به بوجه كالميتة.

ولكن لا بدّ ان يكون ممّا تحلّه الحياة ، فلا يكون مثل الصوف والشعر ، وكذا القرن والعظم والظلف والسن والبيض.

ودليل التحريم وغيره انه كالميتة ، فيجري فيه جميع أحكام الميتة ، ومعلوم عدم جواز الانتفاع بشي‌ء منها بالآية ، مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (١) فإنه لا معنى لتحريم العين ، ولا قرينة لتقدير انتفاع معيّن ، والتعيين لغير مرجّح محال ، والمبهم موجب للإجمال المنفي من القرآن العظيم غالبا ، ولان جميع الانتفاعات أقرب إلى الحقيقة فيصار إليه مع تعدد الحقيقة كما ثبت في الأصول.

قد يقال : إذا تبادر أحدها يحمل عليه لقرينة كما في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٢) ينصرف إلى حرمة النكاح ، وهنا أيضا الأكل فيما المطلوب منه ذلك.

ولكن يمكن ان يردّ بأن الحكم واقع على العموم من غير إشارة إلى خصوص مأكول فيحمل ذلك المطلق على أقرب المجازات لعدم قرينة ، وتبادر المطلق هذا لا بأس به ، لكن الأصل عدم تلك الأحكام الكثيرة ، فإثباتها بمجرّد عدم صحّة تعلّق النهي بالعين لا يخلو عن جرأة ، فإنه يصحّ بتقدير البعض ، فاقتضاء

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) النساء : ٢٣.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحّة ذلك مشكل ، ورجحان أقرب المجازات ان لم يكن له معارض جيّد ، والتقدير الكثير بحسب المعنى وان كان بحسب اللفظ واحد ، وإثبات تحريم الأمور الكثيرة التي الأصل يقتضي عدمه قد يعارض.

ولا يعارضه لزوم الإجمال في القرآن العزيز ، فان ذلك غير عزيز خصوصا إذا كان له مبيّن مّا ، مثل ما قلناه من تبادر شي‌ء في كلّ مادّة.

وتدل عليه رواية الكاهلي ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم ، فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : ان في كتاب عليّ عليه السّلام : ان ما قطع منها ميّت لا ينتفع به (١) وفي الطريق سهل (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في أليات الغنم (الضأن ـ ئل) تقطع وهي أحياء إنّها ميتة (٣).

هما (٤) في الطريق ، كما ترى.

ورواية معلّى بن محمّد عن الحسن بن علي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام ، فقلت : جعلت فداك ، ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال : حرام هي ، فقلت : جعلت فداك فنصطبح بها؟ فقال : اما تعلم انه يصيب اليد والثوب وهو حرام؟ (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٥.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الكاهلي.

(٣) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٥.

(٤) يحتمل ان يكون المراد ان كون علي بن أبي حمزة وأبي بصير في الطريق كما ترى يعني ضعيفان.

(٥) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٤.

٢٧٦

وان كان في الاستصباح.

______________________________________________________

وفيها ، معلّى وكأنّ الحسن هو الوشاء ، وفي دلالتها تأمّل.

وبالجملة بعد تسليم ذلك كلّه في الميّت الحقيقي والقطعة المبانة من الحيّ غير ظاهر ذلك في كل ما ينفصل من اجزائه حلّت فيها الروح ، إذ لا نسلّم صدق الميتة عليه وكونه كالميتة ، إذ لا يقال عرفا على كل مبان من الحيّ أنه ميتة وقطعة منه ، وهو ظاهر.

وان سلّم في العضو الذي له صورة فالظاهر عدم شموله للاجزاء الصغار من الجلود واللحوم المنكشطة من الجراحات والبثورات ، ومن سائر الأبدان مع اليبوسة خصوصا في الأسفار عن الوجه والشفة والأيدي ، فإن الاجتناب من ذلك متعسّر بل متعذّر بالنسبة إلى بعض الأشخاص ، ولعلّ مقصودهم غير ذلك.

وكأنه لذلك قال في المنتهى بعفو ما ينفصل عن البثورات ، مع ان العفو والتخصيص محلّ التأمّل.

ونفي الحرج (١) والضيق ، وارادة العسر دون اليسر (٢) ، والشريعة (٣) السهلة ، والأصل ، والعمومات كتابا (٤) وسنّة وإجماعا مع حصر المحرّمات والنجاسات وعدم العلم بدخولها فيها ، لما تقدم ، مع الشبهة في أصله على ما تقدّم مؤيد ، والاحتياط أمر آخر وحسن ان أمكن ، فلا يترك.

قوله : «وان كان في الاستصباح» إشارة إلى ردّ ما (يتوهم) من جواز الاستصباح بدهن الميتة والمتخذ من الاليات المبانة ، فإنه يتوهم تجويز الاستصباح بها كما بالادهان المتنجّسة كما مرّ ، وهو ظاهر ، لانه قياس مع الفارق وعدم ظهور العلّة.

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

(٣) عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٨١ حديث ٣ طبع مطبعة سيّد الشهداء.

(٤) والله خلق لكم ما في الأَرض.

٢٧٧

ولا يطهر المرق الواقع فيه يسير الدم بالغليان ويغسل اللحم ، والتوابل.

ولو وقعت نجاسة غير سارية في جامد كالدبس والعسل والسمن ـ ألقيت النجاسة وما يحيط بها وحلّ (يحلّ ـ خ) الباقي.

______________________________________________________

قوله : «ولا يطهر المرق الواقع فيه إلخ» يعني إذا وقع الدم النجس في قدر فيه اللحم وغيره وينجس ما فيه ـ سواء كان قليلا أو كثيرا ـ لا يطهر المرق ، ولا اللحم بالغليان لدليل نجاسة ما ينجس بالملاقاة بالنجاسة مع كونه مائعا ، وعدم الدليل على الطهارة بالغليان فيه إلى المرق ان كان صار مضافا ، فانّ المضاف لا يطهر بالماء كما تقرّر عندهم.

ويغسل اللحم وغيره ممّا فيه من التوابل ، مثل الأرز والحمّص وغير هما بالماء الكثير إن غلى بحيث علم دخول الماء النجس فيها ، ويصبر عليها في الماء الكثير حتى يصل إلى جميع اجزائه الماء الطاهر ويتصل به.

وان كان ما صار كذلك بان حط فيه ووقع الدم النجس قبل ان يطبخ ويصير كما قلناه فيطهر بالقليل أيضا على الظاهر كما كان قبل ان يحط في القدر لو تنجّس يمكن تطهيره كذلك فتأمّل.

وأمر الطهارة مبني على التسامح من الشارع ، والّا فيشكل إذ لم يوجد في أكثر المواضع الماء الكثير ، فلو لم يكن كذلك للزم الحرج ، ولهذا رأيت طهارة أكثر الأشياء بالقليل وقد مرّ البحث فيه.

وقد مرّ في الخبر الصحيح أنه وقع أوقية من الدم في القدر الذي يطبخ فيه الجزور وقال : يؤكل ، لان النار لا تأكله (١) ، ومرّ تأويله فتأمّل وتذكّر.

قوله : «ولو وقعت نجاسة غير سارية إلخ» قد ذكرنا هذه المسائل مع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٦.

٢٧٨

ويجوز الاستصباح بالدهن النجس تحت السماء لا تحت الظلال ، وهو تعبّد ، فانّ دخان النجس طاهر ، ولو بيع ما يقبل التطهر حلّ مع الاعلام.

ولا يطهر العجين النجس إلّا بالإحالة لا بالخبز.

______________________________________________________

دليلها مفصّلة ، ونزيد هنا انه نقل في الشرح قول أكثر العلماء على جواز الاستصباح بالدهن بالنجس تحت السماء ، لا تحت الظلال مثل الشيخ المفيد ، والشيخ في الخلاف ، والقاضي ، وابن إدريس ، والمحقق ، وانه ادعى عليه الإجماع ابن إدريس.

ولكن الشيخ اختار في المبسوط كراهيّة الاستصباح تحت الظلال.

وابن الجنيد أطلق جواز الاستصباح.

ونقل إنكار ابن إدريس قول المبسوط غاية الإنكار ، وقال : هو محجوج عليه بقوله في جميع كتبه.

وقد عرفت ان مقتضى الدليل الجواز من غير كراهة أيضا لكن الكراهة غير بعيدة لقول العلماء بالتحريم ، واحتمال تنجيس الأسباب والبيت ، والاجتناب عن النجاسات ، إذ قد ينجس شي‌ء وينسى ويوجب تطهير أكثر الأشياء ، وقد يوجب اعادة العبادات وغير ذلك.

وان ظاهر التهذيب هو الجواز مطلقا حيث نقل الأخبار المطلقة وما خصّصها بتحت السماء.

فقول ابن إدريس : (جميع كتبه) (١) غير ظاهر كدعوى إجماعه ، فإنه في مثل هذه المسألة غير ظاهر.

قوله : «ولا يطهر العجين النجس إلخ» أي لو عجن بالماء النجس

__________________

(١) يعني ما نسب ابن إدريس مخالفة الشيخ في جميع كتبه لما افتى به في المبسوط غير ظاهر كعدم ظهور دعواه الإجماع في مثل هذه المسألة.

٢٧٩

وبصاق شارب الخمر طاهر ما لم يتغيّر لونه به وكذا الدمع في الكحل النجس.

______________________________________________________

عجين من الدقيق ونحوه لا شك انه ينجس

وقال المصنف : انه لا يطهر إلّا بالإحالة ، ولا يطهر بالخبز.

دليل الإحالة ما تقدم ، وانه إذا صار دخانا لا يبعد ذلك لا غير كما تقدم.

ودليل عدم طهارته بالخبز الاستصحاب ، وعدم دليل على الطهارة ، فإنه أمر شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعيّ.

ونقل عن الشيخ الطهارة لرواية ما نعرفها ، والظاهر ان المراد بحصر المصنف ، الإضافي بالنسبة إلى الخبز وغيره ، والّا فظاهر انه يطهر بالكثير بأن يرقق بحيث يعلم وصول الماء إلى اجزائه ، وهو ليس بأبعد من طهارة اللحم الشحم المطبوخ بالماء النجس ، وكذا لو خبز ووضع في الماء بحيث يصل إلى أجزائه ، الماء ولا شك في الوصول والطهارة بعد ذلك ، وقد صرّح به المحقق الشيخ علي في بعض حواشيه.

قوله : «وبصاق شارب الخمر إلخ» أي إذا تناول الإنسان خمرا ، بل مطلق النجاسات والمتنجّسات ، فبصاقه طاهر ، لانه قد تقرر عندهم إن البواطن لم تنجس بورود النجاسة ما لم يتغيّر بها ، وان تغيّرت فطهر (تطهر ـ خ) بنفسها مع زوال التغيّر من غير احتياج إلى المطهر (التطهير ـ خ) ، فالبصاق الذي في الفم ان لم يتغيّر بالنجاسة كان ظاهرا ولم يتنجس ، وان تغيّر نجس ، فان زال طهر.

وإذا كان مشتبها فكذلك ، للاستصحاب ، ول : كل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه نجس (١) وإذا علم التغيّر فلا يحكم بطهارته الّا مع العلم بزوال التغيّر ، لما

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ قطعة من حديث ٤ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٤ ، وفيه : كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر. ولم نعثر الى الآن على العبارة التي نقلها الشارح قدّس سرّه.

٢٨٠