مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

(الخامس) الجامدات وكلّها مباحة إلّا الميتة ولبنها على رأي.

______________________________________________________

والظاهر العدم (١) فيبقى على الحلّ بالعقل والنقل ، والاحتياط واضح.

قوله : «الخامس الجامدات وكلّها مباحة إلخ» خامس المخلوقات الغير الحيوان المنقسمة إلى المحرّم والمحلّل الجامدات ، الجامد ما يقابل المائع ، فذكر اللبن (٢) بتبعيّة الميتة ، وكلّها محلّلة إلّا ما يستثنيه منه (٣) الميتة.

دليل الإباحة العقل والنقل المتقدمين.

ودليل تحريم الميتة المستثناة : النص ـ كتابا وسنة ـ والإجماع ، وانها نجسة فمحرّمة الّا ما استثنى منها.

وكذا يحرم وينجس لبن الميتة على رأي المصنف وجماعة من المتأخرين ، وهو المشهور الموافق للقوانين ، إذ المائع الملاقي للنجاسة نجس ، وكل نجس حرام بالإجماع وهو ظاهر.

وتؤيده رواية وهب عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام ان عليا عليه السّلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال عليّ عليه السّلام : ذلك الحرام محضا (٤).

ولا يضر ضعفها بوهب ، كأنه ابن وهب العاميّ الكذّاب الضعيف جدّا كما صرّح به الشيخ في الكتابين (٥) لانه (٦) موافق لظاهر القوانين ، ونقل عنه أبو جعفر (٧) ـ كأنه أحمد بن محمّد بن عيسى الثقة الذي لم ينقل خبرا ضعيفا عن مثله

__________________

(١) يعني عدم الإجماع والنص.

(٢) يعني ذكر اللبن في قول المصنف (إلا الميتة ولبنها) انما هو بتبعيّة الميتة فإن اللبن مائع لا جامد.

(٣) يعني من المستثنيات ، الميتة.

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ١١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٤٩.

(٥) يعني التهذيب والاستبصار.

(٦) تعليل لقوله قدّس سرّه : ولا يضر ضعفها.

(٧) والسند هكذا : كما في التهذيب محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب عن جعفر ، عن أبيه إلخ.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

على ما هو الغالب من عادته وحاله.

ولكن نقل ان المعظم على الحلّ مثل الصدوق ، والمفيد ، والشيخ في النهاية وكتابي الاخبار ، وأبي الصلاح ، وابن زهرة ، وابن البرّاج ، للروايات المعتبرة مثل حسنة حريز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : اللبن ، واللبأ والبيضة ، والشعر ، والصوف ، والقرن ، والناب ، والحافر ، وكل شي‌ء يفصل من الدابّة والشاة (الشاة والدابة ـ ئل) فهو ذكيّ ، وان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله وصلّ فيه (١).

هكذا في التهذيب (٢) والكافي (٣) ، لكن في الاستبصار (٤) : في الحسن عن حريز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام ، فعلى هذا حسن ، وعلى الأوّل مقطوع ، فكأنّه عنه عليه السّلام والموجود فيها موافق للمشهور الّا اللبن واللبأ.

ورواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الإنفحّة تخرج من الجدي الميّت؟ قال : لا بأس به ، قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت؟ قال : لا بأس به ، قلت : والصوف ، والشعر ، وعظام الفيل ، والجلد ، والبيض يخرج من الدجاجة؟ فقال : كلّ هذا لا بأس به (٥).

وهي بناء على كتب الرجال ، اما حسن أو صحيح لقطع الإسناد إلى الحسن بن محبوب ، والطريق إليه أحدهما.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٢) باب الذبائح والأطعمة حديث ٥٦ نقلا من الكليني رحمه الله.

(٣) باب ما ينتفع به من الميتة إلخ من كتاب الأطعمة حديث ٦ ولكن فيه قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام لزرارة إلخ ولعلّ النسخة التي كانت عند الشارح قدّس سرّه لم تكن كذلك.

(٤) باب ما يجوز الانتفاع به من الميتة ج ٤ ص ٨٨ حديث ١ نقلا عن الكليني رحمه الله ونقله هو رحمه الله أيضا في الخلاف في كتاب الطهارة مسألة ١٣ فلاحظ.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الظاهر من الفهرست (١) كون الطريق إليه صحيحا فتأمّل.

ورواية الحسين بن زرارة ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام وأبي يسأله عن السنّ من الميتة ، والأنفحة من الميتة ، واللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة؟ فقال : كلّ هذا ذكي ، قال : فقلت : فشعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها ويتوضّأ منها؟ فقال : لا بأس به. وزاد فيه علي بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط ، قال : الشعر والصوف كلّه ذكيّ (٢).

وفي سندها ابن فضال وابن بكير ، المشهور بالفطحيّة ، والحسين المجهول (٣) ، وما ذكرها في الاستبصار.

وللقائل بها ان يمنع ان كل ملاق للنجس بالرطوبة نجس ، إذ قد يستثنى منه اللبن فان الحكم الشرعيّ يجوز الاستثناء والتخصيص بعد ورود النص ويؤيّده ، الحكم بطهارة ماء الاستنجاء والغسالة على قول وما بقي في المغسول بالاتفاق وبطهارة الإنفحّة من الميتة بالنصّ والإجماع من غير غسل ، وكذا العظم الملاقي للّحم مع وجود الرطوبة.

وأيّده في الشرح وقال : ان اللبن في الحيّ أيضا ملاق للنجاسة ، لأنه يخرج من بين روث ودم.

والمدى طاهر بالإجماع مع ملاقاته لمجرى البول ، وكذا أيّده بطهارة الدود والحصى الغير المتلطخ مع ملاقاته لمخرج الغائط.

فلا يحتاج إلى تأويل هذه الاخبار ، إذ لا عمدة حينئذ للقائل بالنجاسة ،

__________________

(١) في رجال المامقاني نقلا من مقباس الهداية للمحقّق المتتبع الميرزا محمد الأردبيلي عند نقل طرق الشيخ هكذا : والى الحسن بن محبوب صحيح في المشيخة والفهرست (انتهى).

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ٤ ـ ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥.

(٣) والسند كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن الحسين بن زرارة.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقضيّة الأصل الطهارة ، ولعله الأقرب.

لا شك في بعد هذا الحكم عن القوانين ، فإن الملاقي بالرطوبة لنجس العين الظاهر انه نجس بالعقل الخالي عن القصور أيضا فضلا عن النقل لتأثره منه ، ووجوده غالبا فيه ، فالاستثناء عن مثله مشكل إلّا إذا ثبت بالنص والإجماع كالإنفحّة.

على انه قد قيل في الإنفحة أيضا ، بوجوب غسلها بعد ذلك ، فإنها جلدة تقبل الطهارة وليس بمعلوم كونهما مائعة غير قابلة للطهارة ، ولهذا قيل : بوجوب غسلها ومثله يمكن ان يقال في العظم.

على انهما ليسا مثل اللبن ، فإنه مثل الماء بخلافهما ، فيمكن بعيدا منع تلاقيه للرطوبة بعد الموت فتأمّل.

وبالجملة لو قام الدليل يمكن الاستثناء ، وقد قام فيهما النص والإجماع كما في المؤيّدات بخلافه ، اما الإجماع فعدمه ظاهر ، واما النص فليس على الظاهر الّا ما ذكرناه (١).

وقد عرفت ما في سند الاولى ، ودلالتها أيضا ليست بواضحة ، بل لا دلالة فيها على المطلوب أصلا ، إذ ليس محلّ الدلالة إلّا قوله : (وان أخذته إلخ) ، وذلك صريح في غير اللبن ممّا يقبل الطهارة والصلاة فيه لقوله : (فاغسله وصلّ فيه) وهو ظاهر ، فضمير (أخذته) راجع إلى كل (٢) باعتبار بعض افراده.

__________________

(١) وهي حسنة حريز ، ورواية زرارة المتقدمتين فراجع الوسائل باب ٣٣ حديث ٣ و ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٢) يعني ان ضمير الهاء في أخذته راجع إلى كلّ واحد من المذكورات مثل اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شي‌ء يفصل من الشاة والدابة باعتبار بعض المذكورات وهو غير اللبن واللبأ فإنهما غير قابلين للغسل.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فان اقتضى ذلك (١) عدم عموم المرجع ـ كما هو مذهب بعض الأصوليين بل المصنف أيضا ـ فلم يكن داخلا في الأوّل أيضا فلم يظهر كونه ذكيّا.

على ان المطلوب الحلّ لا الطهارة ، فليست بصريحة في حلّه.

وان (٢) بقي على عمومه وسلّم كونه في الضمير أيضا عاما فلا يدل على المطلوب ، بل على نقيضه حيث يفهم كونه نجسا لانه المتبادر من إيجاب الغسل ومعلوم انه غير قابل للطهارة عندهم ، ولو قيل به (٣) قيل بالحلّ فان سبب تحريمه النجاسة عند المحرّم وحينئذ مضمون الخبر أنّ كل ما ينفصل من الدابّة الحيّة والشاة كذلك طاهر ، ومن الميتة نجس ، فاغسل ما يقبل الطهارة وكل.

فيفهم ان ما لا يقبل الطهارة نجس وحرام.

على ان قوله عليه السّلام : (وكل شي‌ء يفصل من الدابة والشاة فهو ذكي) لم يصح بظاهره عندهم ، بل مخصوص بغير اجزائهما ، وانه لا بدّ ان يراد من الدابة الطاهرة ، والّا فليس كل ما يفصل منه معها ذكي (٤) وهو ظاهر.

وسند الثانية (٥) وان كان جيّدا ولكن دلالتها غير واضحة ، إذ قوله عليه السّلام : (لا بأس به) ليس بصريح في اكله ولا استعماله في المشروط بالطهارة ،

__________________

(١) إشارة إلى بحث أصولي وهو ان تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض المرجع هل يوجب سقوط العام عن عمومه فيكون العام مجازا أم يلزم المجازية في الضمير ، فان مقتضى القواعد الأدبية رجوعه إلى جميع المرجع فرجوعه إلى بعضه مجاز في استعمال الضمير ، فعلى الثاني يكشف ذلك عن عدم تمام المذكورات داخلا في حكم الذكيّ من الأوّل.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : فان اقتضى ذلك.

(٣) يعني لو قيل بقبوله للتطهير لقيل بالحلّ فان موضوع التحريم هو النجاسة فإذا انتفى الموضوع انتفى الحكم.

(٤) هكذا في النسخ ضبط غير منصوب والصواب (ذكيا) لانه خبر ليس.

(٥) وسندها كما في التهذيب باب الذبائح إلخ حديث ٥٨ هكذا : الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب عن زرارة وطريقه إلى الحسن بن محبوب على ما في المشيخة جيّد.

٢٢٥

ونجس العين كالعذرة وما مزج بالنجس ممّا لا يمكن تطهيره.

______________________________________________________

فان نفي البأس عن العين ان لم يكن بقرينة على تعيين المقدّر ففيه خلاف في الأصول ان المقدر جميع الانتفاعات أو واحد لا على التعيين ، فيكون مجملا.

وأيضا يحتمل حال الضرورة ، إذ لا عموم له لغة بحسب الأوضاع والأزمان.

وانها مشتملة على الجلد الذي لا يقولون بحلّه ولا بطهارته.

وبالجملة ، الاعتماد في مثل هذه المسألة بمثل هذه لا يخلو عن إشكال.

وقد عرفت ما في سند الثالثة (١) ـ مع اشتمالها على ما ليس بجيّد ، وعدم صراحة (ذكي) في الحلّ ، بل في انه طاهر شرعا يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة ، لجواز إرادة أنه ذكي لغة.

وان ما ذكرناه من المؤيّدات خارج بالنص والإجماع.

واما تأييد الشارح فغير جيّد ، للفرق بين ما نحن فيه وما ذكره ، لان النجس من الحيّ ما لم يخرج إلى الخارج لم يحكم بنجاسته ، والباطن منه طاهر ، فالخارج من بين الروث والدم وان سلّم ملاقاته للدم النجس والروث كذلك لم ينجس ، لأن الملاقاة في الداخل ، وكذا ملاقاة المذي والودي المجمع على طهارتهما مخرج البول ، والدود والحصى مخرج الغائط وهو ظاهر ، فلم يظهر وجه قوله : ولعله الأقرب فتأمّل.

ويؤيّده التحريم انه قد يدّعي استخباثه كسائر أجزاء الميتة ، وانه داخل في الميتة فيشمله دليل تحريم الخباثة والميتة ونجاستها من الكتاب والسنة والإجماع ويؤيده الاحتياط فتأمّل واحتط.

قوله : «ونجس العين كالعذرة إلخ» الظاهر ان دليل تحريمه كل نجس حرام.

__________________

(١) وقد نقلنا سندها عند نقلها فلاحظ.

٢٢٦

أو باشره الكافر برطوبة.

______________________________________________________

وكذا دليل تحريم ما يمتزج بالنجس ممّا لا يمكن طهارته وما يمكن طهارته إلى ان يطهر ، والكل واضح وقد مرّ.

قوله : «أو باشره الكافر برطوبة» من المحرّمات ما باشره الكافر برطوبة الى ان يطهّر مع الإمكان ، وأبدا مع عدمه ، وكان يمكنه الاكتفاء بما قبله ، لكن ذكر الخلاف لاختلاف الروايات.

فيدل على النجاسة والتحريم ما سبق من دليل نجاسة الكافر (١) وما يلاقيه رطبا وما تقدّم أيضا في الروايات الدالة على المنع من ذبيحتهم (٢) فتذكر.

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس؟ فقال : لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (٣).

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السّلام ، قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه؟ فقال : لا (٤).

ورواية هارون بن خارجة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ قال : لا (٥).

والظاهر ان النزاع في الذمي لا المشرك ، ويدل على نجاسة المشرك قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٦) ، وقد ثبت كون الذمي أيضا مشركا لقوله تعالى :

__________________

(١) لاحظ ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٩.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٦ ـ ٢٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٢.

(٣) الوسائل باب ٧٢ حديث ٢ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٩٢.

(٤) الوسائل باب ٥٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٢.

(٥) الوسائل باب ٥٢ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٢.

(٦) التوبة : ٢٨.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (إلى قوله) (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (١) وقد مرّ ذلك فيدخل تحت الآية.

وفيه تأمّل ، إذ غير معلوم كون النجس بمعنى النجس الشرعي ، ودلالة الآية على شرك مطلق الذمي أيضا غير معلوم.

ولكن الظاهر منها النجاسة الشرعيّة ، فيحمل عليها ، فان المتبادر النجس الشرعي ، ويؤيده ما قال في القاموس : النجس بالفتح والكسر والتحريك ضدّ الطاهر لا (٢) وجوب الاجتناب كما يجتنب عن النجاسة كما قاله القاضي وغيره أو نجاسة باطنهم ، أو لأنهم لا يطهرون ولا يجتنبون النجاسة ، فالغالب عليهم النجاسة فهم أنجاس.

إذ كل ذلك خلاف الظاهر ، ولا يصار إليه إلّا لضرورة ، ولا ضرورة.

نعم يبعد إثبات شرك جميع الكفار ويمكن ذلك في بعضهم مثل ما ذكر في الآية (٣) مع التأمّل.

فإثبات نجاسة مطلق الكافر حتى المرتد بمثله مشكل ، وما ثبت فيما تقدم (٤) خبر صحيح صريح في ذلك.

وهذه (٥) الاخبار أيضا كذلك ، إذ الأولى بعد ان كانت صحيحة

__________________

(١) التوبة : ٣٠.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : (النجاسة الشرعيّة) يعني ظاهر الآية الشريفة النجاسة لا وجوب الاجتناب إلخ.

(٣) يعني بعضهم يقول عزير بن الله إلخ لا كلهم فان اعتقاد جميعهم لهذا المعنى غير معلوم بل معلوم العدم.

(٤) في اخبار مؤاكلة الكفار وغيرها يعني ليس فيها ما جمع الوصفين ، الصحّة والصراحة.

(٥) يعني الأخبار المذكورة آنفا هنا في مقابل الاخبار التي تقدمت في كتاب الطهارة ج ١ ص ٣١٩.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا حسنة (١) بناء على ان طريق الشيخ (٢) إلى الحسن بن محبوب صحيح كما يظهر من الفهرست لا يخلو من شي‌ء ، إذ نهى أوّلا عن الأكل في آنيتهم ثم نهى عن الآنية التي يشرب فيها الخمر ، وذلك لا يدلّ على النجاسة وتحريم ما باشروه لاحتمال الفعل تعبدا أو لفسقهم.

على أن النهي عن الأكل في آنيتهم مطلقا غير منطبق على قوانينهم لاحتمال عدم مباشرتهم بالرطوبة ، ولهذا صرّحوا بجواز مباشرة إنائهم مع عدم العلم بمباشرتهم مع الرطوبة وان كانت عتيقة ، وهي مع غيرها تحتمل الكراهة التي صريحة في بعض الأخبار المعارضة لها كما ستسمع.

والاحتمال (٣) في الثانية أقرب ، لمقارنته بالرقود (٤) معهم في فراش واحد وتصافحهم التي لا يستلزم النجاسة.

والثالثة (٥) ضعيفة وفيها ما تقدم.

واما الاخبار الدالة على عدم النجاسة فهي كثيرة وأظهر دلالة من الأوّل فهي مثل صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال : لا تأكله ثم سكت

__________________

(١) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب عن علاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم.

(٢) طريقة الى الحسن بن محبوب كما في مشيخة التهذيب هكذا ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذه الأسانيد ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن الحسن بن محبوب. وقوله قدّس سرّه : بهذه الأسانيد إشارة إلى طرق ثلاثة بعضها صحيحة قطعا مثل قوله : أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد رحمه الله ، عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه عن محمّد بن يعقوب.

(٣) يعني احتمال الكراهة.

(٤) مثل قوله : وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه إلخ.

(٥) رواية هارون بن خارجة.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

هنيئة ثم قال : لا تأكله ولا تتركه تقول : انه حرام ولكنّ تتركه تتنزه (تنزها ـ خ ل) عنه ان في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير (١).

فهذه صريحة في الكراهة لاحتمال المباشرة بالخمر والخنزير.

ففيها دلالة على توجيه تلك الاخبار من وجهين ، الكراهة ، والحمل على الاستعمال في الخمر كما في الاولى.

وفي غيرها أيضا مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام قال : سألته عن آنية أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير (٢).

وصحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني فقال : لا بأس إذا كان من طعامك ، وسألته عن مؤاكلة المجوسي ، فقال : إذا توضأ فلا بأس (٣).

وحسنة الكاهلي قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام وانا عنده عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال : أما أنا فلا ادعوه ولا أؤاكله ، فإني لأكره ان أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم (٤).

وفي رواية زكريا بن إبراهيم ، قال : كنت نصرانيا فأسلمت فقلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ان أهل بيتي على دين النصرانية ، فأكون معهم في بيت واحد وآكل من (في ـ خ) آنيتهم فقال عليه السّلام : أيأكلون لحم الخنزير؟ قلت :

__________________

(١) الوسائل باب ٥٤ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٥.

(٢) الوسائل باب ٥٤ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٥ وفيه : قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوم إلخ.

(٣) الوسائل باب ٥٣ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٤.

(٤) الوسائل باب ٥٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٣.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لا قال : لا بأس. (١).

ولا يضرّ الجهل بحال زكريا ، ولا شك ان هذه الاخبار أدلّ وأكثر.

لكن مضمون الأول مشهور ، بل كاد ان يكون إجماعيّا ، وبهذا يقولون : ان اخبار الطهارة شاذّة نادرة كما قاله في الشرائع الّا أنّ الحكم بالنجاسة أيضا بمجرّد قولهم مع دلالة هذه الأخبار والأصل والعمومات وحصر المحرّمات مشكل جدّا ، وان أمكن حمل هذه على التقيّة كما تشعر به رواية الكاهلي ، الله يعلم ويفرج حتى نفهم.

ويمكن حملها على المؤاكلة من غير المباشرة بالرطوبة ، مثل ان يأكل من طعام يابس لا تتعدى النجاسة إن وقعت على جانب الى الجانب الآخر.

وبالجملة ليس شي‌ء من الأول (٢) صريحا في نجاسة الكفار ، ولا الثواني (٣) في طهارتهم بل هي ظاهرة فيها وصريحة في جواز المؤاكلة ، وهي أعم من الطهارة.

فلو ثبت نجاستهم كما هو المشهور بالإجماع المنقول في المختلف عن ابن إدريس والسيد فلا منافي له.

ويمكن الجمع بينه وبين الاخبار ، وهو ظاهر كما مرّ فيشكل القول بالطهارة.

نعم يمكن القول بجواز المؤاكلة لهذه الاخبار ، كما نقل في المختلف عن الشيخ في النهاية.

قال في النهاية : يكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفّار على طعامه فيأكل

__________________

(١) الوسائل باب ٥٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٨٤.

(٢) يعني الأخبار التي استدل بها على النجاسة.

(٣) يعني الأخبار التي استدل بها على الطهارة.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

معه فإذا دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه ، واستدل له بصحيحة عيص بن القاسم المتقدمة.

ثم قال : والجواب ، الحمل على ما إذا كان الطعام ممّا لا ينفعل بالملاقاة كالفواكه اليابسة والثمار كذلك والحبوب لما رواه سماعة انه سأل الصادق عليه السّلام عن طعام أهل الكتاب ، قال : الحبوب (١).

والاستدلال بالأخبار الصحيحة الدالّة على أنّ طعام أهل الكتاب الذي يحلّ هو الحبوب ، وانه المراد بالآية (٢) ، أولى ، واكتفى (٣) بالإشارة إليها برواية سماعة.

ويمكن كون مقصود الشيخ أيضا مجرد المؤاكلة لا المباشرة بالرطوبة والمؤاكلة حينئذ.

ولعلّ غسل يده للنظافة ، ولهذا فرض النزاع في المؤاكلة فقط ، قال : قال شيخنا المفيد : لا يجوز مؤاكلة المجوس ، وقال ابن البرّاج : لا يجوز الأكل والشرب مع الكفار ، وقال ابن إدريس : قول شيخنا في النهاية رواية شاذة أوردها إيرادا لا اعتقادا ، ولا يلتفت إليها ولا يعرج إليها لأنها مخالفة لأصول المذهب لأنّا قد بيّنا أنّ سؤر الكفار نجس بغير خلاف وقد بيّنا أنّ المائع ينجس بمباشرته ، وأيضا الإجماع واقع على ذلك قال السيّد المرتضى في انتصاره : وممّا انفردت به الإماميّة ان كل طعام عالجه الكفار من اليهود والنصارى وغير هم ممن ثبت كفرهم بدليل قاطع فهو حرام لا يجوز اكله ولا الانتفاع به وخالفنا باقي الفقهاء في ذلك.

__________________

(١) الوسائل باب ٥١ حديث ١ و ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ومتن الخبر هكذا : عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن طعام أهل الذمة ما يحلّ منه؟ قال : الحبوب.

(٢) يعني قوله تعالى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ).

(٣) يعني الشيخ في النهاية.

٢٣٢

والطين الّا بقدر (قدر ـ خ ل) الحمّصة من تربة الحسين عليه السّلام للاستشفاء.

______________________________________________________

والمعتمد ما اختاره ابن إدريس (لنا) أنهم أنجاس فينفصل ما باشروه برطوبة من الأطعمة.

والحاصل أنه ان كان النزاع معه في نجاستهم ـ والشيخ يجوّز طهارتهم والمؤاكلة والمباشرة معهم بالرطوبة فيما يشترط معه الطهارة ـ فقول الشيخ لا يخلو عن قوّة لعدم ثبوت نجاسة مطلق الكفار حتى الكتابيين مطلقا والمرتد إلّا أن يدعي الإجماع والشيخ وراء المنع فالاستدلال عليه بالنجاسة مصادرة.

وان كان بعد الاتفاق على النجاسة في مجرد المؤاكلة من غير المباشرة بالرطوبة فلا ينبغي النزاع معه ، فان دليله يفيد ذلك ، ولا منافي له في ذلك في المذهب ، من الإجماع والاخبار ، وهو ظاهر.

بل ينبغي القول به ، إذ يمكن الجمع بين الأدلة بالجواز في اليابس وغير ما يستلزم المباشرة بالرطوبة ، والمنع في غير ذلك ممّا يستلزم المباشرة بالرطوبة ، وهو ظاهر لا خفاء فيه.

الّا إذا قيل بعدم الجواز من حيث وجوب الاجتناب عن الفسّاق وعدم معاشرتهم ، ولكن ذلك أمر آخر لا خصوصيّة له بالكفار ، وكل الفسّاق كذلك.

قوله : «والطين إلّا قدر الحمّصة من تربة الحسين عليه السّلام للاستشفاء» من المحرّمات الجامدة الطين ، والظاهر انه لا خلاف في تحريمه.

ومستنده أخبار كثيرة بعضها دالّة على انه مضرّ للبدن ، مثل صحيحة إبراهيم بن مهزم ـ الثقة ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام : ان عليّا عليه السّلام قال : من انهمك في أكل الطين فقد شرك في دم نفسه (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٢ وفيه إبراهيم بن مهزم ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : انّ الله عزّ وجلّ خلق آدم فحرّم أكل الطين (١).

كأنها صحيحة ، إذ ليس فيها من يمكن فيه شي‌ء إلّا الحسن بن علي (٢) ـ لعله ـ الوشاء فتأمّل.

ورواية سعد بن سعد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الطين ، فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، إلّا طين الحائر ، فإن فيه شفاء من كل داء ، وأمنا من كل خوف (٣).

وهذه تدل على استثناء طين حائر الحسين عليه السّلام ، مثل رواية أبي يحيى الواسطي عن رجل ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : الطين حرام كلّه كلحم الخنزير ومن اكله ثم مات منه لم أصلّ عليه ، إلّا طين القبر فان فيه شفاء من كلّ داء ، ومن أكله لشهوة لم يكن له في شفاء (٤).

الظاهر انه لا خلاف في تحريم المستثنى منه وتحليل المستثنى ، انما الكلام في تحقيقهما.

اما المستثنى منه فظاهر اللفظ عرفا ولغة أنّه تراب مخلوط بالماء.

قال في القاموس : الطين معروف ، والطينة القطعة منه ، وتطيّن تلطّخ به.

وتؤيّده صحيحة معمر بن خلاد ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : قلت

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٣.

(٢) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن هشام بن سالم.

(٣) الوسائل باب ٥٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٦.

(٤) الوسائل باب ٥٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٦.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

له : ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيته (هته ـ ئل)؟ قال : انما ذاك المبلول ، وذاك المدر (١).

وهذه تدل على انه بعد اليبوسة أيضا حرام ، ولا يشترط بقاء الرطوبة ، ولكن لا بد ان يكون ممتزجا أوّلا به ، فلا يحرم غير ذلك ، للأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات.

والمشهور بين المتفقهة ، انه يحرم التراب والأرض كلّها حتى الرمل والأحجار ، قال في شرح الشرائع : المراد به ما يشمل التراب والمدر ، لما فيه من الإضرار بالبدن.

والضرر مطلقا غير واضح ، ولعل وجه المشهور انه إذا كان الطين حراما وليس فيه الّا الماء والتراب ، ومعلوم عدم تحريم الماء ، ولا معنى لتحريم شي‌ء سبب انضمام شي‌ء محلّل ، فلو لم يكن التراب حراما لم يكن الطين كذلك ، وانما التراب جزء الأرض ، فتكون هي كلّها حراما.

فيه تأمّل واضح فتأمل ولا تترك الاحتياط.

وأمّا المستثنى ، فالمشهور أنه تربة الحسين عليه السّلام ، فكلّ ما تصدق عليه التربة يكون مباحا ومستثنى ، وفي بعض الروايات : طين قبر الحسين عليه السّلام (٢).

فالظاهر ان الذي يؤخذ من القبر الشريف حلال ، ولما كان الظاهر عدم إمكان ذلك دائما فيمكن دخول ما قرب منه وحواليه فيه أيضا.

ويؤيّده ما ورد في بعض الاخبار : (طين الحائر) (٣) وفي بعضها (عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : يؤخذ طين قبر الحسين عليه السّلام من عند القبر على

__________________

(١) الوسائل باب ٥٨ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩١.

(٢) الوسائل باب ٥٨ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩١.

(٣) الوسائل باب ٥٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٦.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

سبعين ذراعا) (١).

وفي بعضها (عنه عليه السّلام) قال : التربة (البركة خ ل ئل) من قبر الحسين بن علي عليهما السّلام عشرة أميال (٢).

والأخبار في جواز أكلها للاستشفاء كثيرة والأصحاب مطبقون عليه.

وهل يشترط أخذه بالدعاء ، وقراءة (إنّا أنزلناه)؟ ظاهر بعض الروايات (٣) في كتاب المزار ذلك بل مع شرائط (٤) أخر حتى ورد انه قال شخص : اني أكلت ما شفيت ، فقال له عليه السّلام : افعل كذا وكذا (٥).

وورد أيضا ان له غسلا وصلاة خاصّة والأخذ على وجه خاصّ ، وربطه ، وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقدارا خاصا (٦).

ويحتمل ان يكون ذلك لزيادة الشفاء وسرعته وتبقيته (تيقنه خ ل) لا مطلقا ، فيكون مطلقا جائزا كما هو المشهور ، وفي كتب الفقه مسطور.

ولا بدّ ان يكون بقصد الشفاء ، والّا فيحرم ولم يحصل له الشفاء كما مرّ في رواية أبي يحيى (٧) ويدل عليه غيرها أيضا.

ولا بدّ ان يكون قليلا لا يتجاوز قدر الحمّصة كما وردت به الرواية عن أحدهما عليهما السّلام قال : ان الله تعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على

__________________

(١) الوسائل باب ٦٧ حديث ٣ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠٠.

(٢) الوسائل باب ٦٧ حديث ٧ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠١.

(٣) الوسائل باب ٥٩ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٧ وباب ٧٠ حديث ٣ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤٠٩.

(٤) الوسائل باب ٧٢ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤١٦.

(٥) باب ٥٩ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٧.

(٦) باب ٥٩ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٧.

(٧) الوسائل باب ٥٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٩٣.

٢٣٦

والسموم القاتل قليها وكثيرها ، وما لا يقتل قليله يجوز تناول ما لا ضرر فيه.

______________________________________________________

ولده ، قال : قلت (فقلت ـ ئل) : فما تقول في طين قبر الحسين بن علي عليهما السّلام ، قال : يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا؟! ولكن اليسير منه مثل الحمّصة (١).

وتدلّ عليه العلّة أيضا.

وقد نقل أكله يوم عاشوراء بعد العصر (٢) ، وكذا الإفطار بها يوم العيد (٣) ولم يثبت صحته فلا يؤكل الّا للشفاء ، ولكن ينبغي أخذه بالدعاء والشرائط ، والدعاء عند الأكل أيضا للروايات (٤) بذلك فتأمّل.

وهل يستثنى غيرها؟ مثل الأرمني ، والطين المختوم ، للشفاء ، فإنهما ذكرتا في الطبّ علاجا لبعض الأمراض مثل الإسهال ، وهو مبني على تجويز الشفاء بالمحرم على تقدير تحريمهما ، وسيجي‌ء ذلك.

قوله : «والسموم القاتل قليلها وكثيرها إلخ» من المحرّمات الجامدة السموم القاتل ، قليلها وكثيرها ، وكل ما هو القاتل فهو حرام ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، وما لم يكن قاتلا إلّا كثيره فلا يحرم الّا هو كالترياق ، فإن قليله ليس بقاتل ، ولكن كثيره قاتل ، فقدر القاتل بشرط العمد والعلم يكون حراما ، بل أكله يكون قتلا لنفسه فيدخل تحت قاتل المؤمن ان كان ، (نعوذ بالله منه).

نعم ما لا يقتل قليله ، ولكن يؤول إلى الضرر الكثير من المرض وغيره ، يمكن

__________________

(١) الوسائل باب ٧٢ حديث ١ من أبواب المزار ج ١٠ ص ٤١٤.

(٢) لم نعثر عليه الى الآن فتتبع ، نعم ذكره الشيخ رحمه الله في المصباح بعنوان الاستحباب راجع المصباح ص ٧١٣ في أوائل (المحرّم) فلاحظ.

(٣) راجع الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب صلاة العيد ج ٥ ص ١١٤.

(٤) راجع باب ٧٠ و ٧٢ من أبواب المزار من الوسائل ج ١٠ ص ٤٠٨ ـ ٤١٤.

٢٣٧

ويحرم من الذبيحة الطحال ، والقضيب ، والفرج ، والفرث ، والدم ، والأنثيان ، والمثانة ، والمرارة ، والمشيمة. قيل : والنخاع ، والعلباء ، والغدد ، وذات الأشاجع ، وخرزة الدماغ ، والحدق.

ويكره الكلاء ، وإذنا القلب ، والعروق.

______________________________________________________

تحريم قليله أيضا حتى يصير عادة ويؤول تركه إلى الضرر فيجب ، فتأمّل.

وإليه أشار بقوله : (وما لا يقتل قليله يجوز تناول ما لا ضرر فيه) فافهم.

قوله : «ويحرم من الذبيحة الطحال إلخ» في تحريم الأشياء المخصوصة من الذبيحة والمنحورة المحلّلة خلاف ، قيل : أربعة ، وانه لا خلاف في تحريمها ، وهي الدم ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، قاله في الشرح.

ونقل عن الصدوق : عشرة لا يؤكل : الفرث ، والدم ، والنخاع ، والطحال ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيان ، والرحم ، والحياء ، والأوداج ، وقال : وروي العروق (١) ، وفي حديث آخر : مكان الحياء ، الجلد.

قال في الشرح : قلت : قال أهل اللغة : الحياء بالمدّ رحم الناقة وجمعه احيية ولعلّ الصدوق أراد به ظاهر الفرج ، وبالرحم باطنه.

ثم كلامه ليس نصا على التحريم ، لعلّ وجهه انه ما ذكر الفرج مع تحريمه ، والحياء بمعنى رحم الناقة ليس بحرام عنده ، وان الصدوق يذكر كثيرا من المكروهات بلفظ التحريم والنهي.

ونقل عن المفيد وسلار : لا يؤكل الطحال والقضيب والأنثيان ولم يذكرا غيرها.

والظاهر ان ترك الدم للظهور ، فكأنه ليس بجزء من الذبيحة ، ثم قال : وقال المرتضى : انفردت الإماميّة بتحريم أكل الطحال ، والقضيب ، والخصيتين ،

__________________

(١) تأتي إن شاء الله.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والرحم ، والمثانة ، ووافقه في الخلاف ، وزاد الغدد ، والعلباء ، والخرزة ، ولم يتعرض لغيرها.

وقال أبو الصلاح ، وتبعه ابن زهرة : يحرم سبعة ، الدم ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان ، والغدد ، والمشيمة ، والمثانة.

وقال الشيخ في النهاية ـ وتبعه ابن البرّاج ، وابن حمزة ، وابن إدريس ـ : يحرم أربعة عشر ، الدم ، والفرث ، والطحال ، والمرارة ، والمشيمة ، والفرج ظاهره وباطنه ، والقضيب ، والنخاع ، والأنثيان ، والعلباء ، والغدد ، وذات الأشاجع ، والحدق ، والخرزة ونقص ابن البرّاج الدم لظهور تحريمه بنصّ القرآن ، وزاد ابن إدريس المثانة فالمحرّمات عنده خمسة عشرة.

وهو مختار المصنّف في القواعد ، ونقله عنه أكثر علمائنا في التحرير.

ونقل عن ابن الجنيد انه قال : يكره من الشاة أكل الطحال ، والمثانة ، والغدد ، والنخاع ، والرحم ، والقضيب ، والأنثيين ، ثم قال : الكراهة قد تطلق على التحريم ، قال : ونقل في المختلف ، عن أبي الصلاح كراهة النخاع ، والعروق ، والمرارة ، وحبّة الحدقة ، والخرزة ، ولم يذكر عنه التحريم ، فلعلّه لم يقف عليه حال التصنيف يريد به بيان الإجماع والاتفاق على تحريم الأربعة المذكورة ، الدم ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيان.

والظاهر ان لا زائد على الخمسة عشر.

وظاهر المتن تحريم التسعة المذكورة ، والتردد في الستة الباقية.

واما الدليل فالظاهر ان ابن إدريس ومن يقول بتحريم الكلّ يستدل على تحريم الكل بالخباثة الدالة على التحريم بالآية (١) ، إذ ما نجد تحريم الكلّ في الخبر ،

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ، الأعراف : ١٥٧.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعلوم عدم الإجماع وفي صدق الخباثة على الكل تأمّل.

والأصل والعمومات وحصر المحرّمات في الآية (١) والأخبار الكثيرة المفسّرة لها (٢) ـ كما مرّ ـ دليل العدم.

ويدل على تحريم العشرة ما رواه في الفقيه مرسلا ، قال الصادق عليه السّلام : في الشاة عشرة أشياء لا يؤكل ، الفرث ، والدم ، والنخاع ، والطحال ، والغدد ، والقضيب ، والأنثيين ، والرحم ، والحياء ، والأوداج (٣).

وقال عليه السّلام : عشرة أشياء من الميتة ذكيّة ، القرن ، والحافر ، والعظم ، والسن ، والانفحة ، واللبن ، والشعر ، والصوف ، والريش ، والبيض (٤) ثم قال : وقد ذكرت ذلك مسندا في كتاب الخصال في باب العشرات.

رأيت في الخصال ـ بعد قوله عليه السّلام (الأوداج) : أو قال : (العروق) (٥).

لكن فيه أيضا بغير اسناد (٦) ، لعلّه حذف الناسخ منها أيضا كما فعل ذلك بثواب الأعمال ، فإنه يوجد مسندا وغير مسند ، أول هذه الرواية هو الذي نسبه الى

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) إلخ ، الأنعام : ١٤٥.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٦ ـ ٧ وباب ٥ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٤ ـ ٣٢٧.

(٣) أورده في الفقيه ج ٣ ص ٣٤٧ تحت رقم ٤٢١٧. طبع مكتبة الصدوق.

(٤) الوسائل باب ٣٣ حديث ٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٦٦.

(٥) الخصال (أبواب العشرة) باب لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء ص ٤٣٣.

(٦) لم نفهم المراد بقوله : قدّس سرّه (بغير اسناد) فان الحديث في الخصال هكذا : حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبي ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام ولعلّ المراد كونها مرسلة.

٢٤٠