مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

ولو أرسله على كبار فتفرّقت عن صغار فقتلها حلّت ان كانت ممتنعة ، وإلّا فلا ، وكذا الآلة.

ولو أرسله مسمّيا ولم يشاهد صيدا فاتّفق لم يحلّ.

______________________________________________________

قوله : «ولو أرسله على كبار إلخ» أي لو أرسل مسمّيا ، كلبه المعلّم على صيود كبار ممتنعات ، فتفرّقت الكبار عن أولادهم الصغار فقتل ذلك الكلب المرسل المسمّى على الكبار ، هذه الصغار حلّت تلك الصغار ان كانت ممتنعة ، لأنه حصل فيها شرائط الصيد ، فان الصيد هو الوحشيّ الممتنع بالفعل وقد قتل الكلب المعلّم مع التسمية ، ان لا يشترط التسمية على المرسل اليه ، بل يكفي التسمية مع إرساله إلى الصيد وان قتل غيره ، كما تقدم.

وان لم تكن ممتنعة بل صغارا بحيث لا تقدرن على النهوض ، والعدو ، والطيران فقتلها الكلب يكون حراما لأنها ميتة ، إذ هي غير المذكّى ، إذ ما ذبح ، ولا قتله الكلب على الوجه الشرعي ، وكذا سائر آلات الصيد من الرمح والسيف والسهم. فلو رمى مسمّيا على الكبار فقتل الصغار الممتنعة حلّت ، ولو قتل غير الممتنع لم يحلّ بل يحرم.

قوله : «ولو أرسله مسميا ولم يشاهد إلخ» أي لو أرسل الصائد كلبه أو آلة من آلات الصيد مع التسمية قبل الإرسال ، ولكن ما شاهد صيدا أصلا فاتفق صيد وقتل به ، لم يحلّ ذلك الصيد ، فإنه غير مذكّى ، إذ ما سمّى عليه ، ولا على غيره فهو مثل ما قتله الكلب بغير إرسال وبغير تسمية.

وبالجملة قاعدتهم تقتضي تحريم ما فارقه الروح لانه ميّت الّا ما علم انه مذكّى شرعيّ.

وفيه تأمّل ، للأصل ، ولما تقدم من الآيات والاخبار والإجماع والعقل ، الدالة على التحليل مع دليل حصر المحرّمات فلا يتم (فلاتم ـ خ) القاعدة.

على انه قد يقال : إنه صيد لانه مقتول بجرح آلة الصيد (شرعا) مع

٢١

وان لا يغيب الصيد وحياته مستقرّة ، فلو وجد قتيلا أو ميّتا بعد غيبته لم يحل وان كان الكلب واقفا عليه.

______________________________________________________

التسمية ، ولا يشترط التسمية على خصوصه لما مرّ والأصل عدم اشتراط الإرسال والتسمية مع المشاهدة فيدخل تحت الآية وسائر أدلة إباحة الصيد.

نعم لا يبعد اعتبار قصد ما الى الصيد ، والظاهر انه حاصل لأنه سمّى ولا يشترط ظن وجوده بل يكفي الاحتمال مع احتماله (١) فتأمّل.

قال في الدروس (٢) : قصد جنس الصيد ، فلو قصد الرمي لا للصيد لم يحلّ ، وقال أيضا : أن يكون الإرسال للصيد إلخ ، يفهم كفاية قصد صيد ما ، ويؤيده ما في رواية القاسم بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا صاد وقد سمّى فليأكل وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين (٣) ، وغيرها.

قوله : «وان لا يغيب الصيد إلخ» من شرائط حلّ الصيد عدم غيبته عن نظر الصائد مع استقرار حياته ، فإذا غاب بعد كونه مجروحا بآلة الصيد المحلّلة وحياته مستقرّة ثم وجده قتيلا أو ميّتا لم يحل وان كان فيه آلة الصيد مثل السهم أو كان الكلب واقفا على رأسه ، لما مرّ من القاعدة ، وهي الحكم بأنه ميّت وحرام ما لم يعلم ازالة الحياة على الوجه المبيع شرعا ، وهنا كذلك ، إذ قد يكون بعد الجرح موته وازالة حياته المستقرة بغير ذلك الجرح.

نعم لو غاب ولم يستقر حياته بل صار في حكم المذبوح ثم وجده (وجدته ـ خ) ميّتا فهو حلال لانه قد زال حياته المستقرّة بآلة الصيد المبيحة ، فهو

__________________

(١) يعني مع احتمال اشتراط ظن وجوده.

(٢) عبارة الدروس هكذا : وشرائط الحلّ به تسعة (إلى ان قال) : الثالث قصد جنس الصيد إلخ. وقال قبل ذلك : ثم يشترط فيه (أي في حل الصيد) تسعة (الى ان قال) : الثالث ان يكون الإرسال للصيد.

(٣) الوسائل باب ١٢ ذيل حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٥.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مثل أن قتله ثم غاب ولا يضر ذلك.

وكذا لو علم ، بل ظن ظنا غالبا انه قتل بالآلة حلّ أيضا.

وقد دلّت الأخبار على اباحته مع غيبته مطلقا مثل ما تقدم في خبر عيسى بن عبد الله القميّ ، قال : قلت : أرمي فيغيب عني فأجد سهمي فيه ، فقال : كل (١) الخبر.

ويمكن تقييدها بعدم الاستقرار ، وبما إذا علم أو ظن انه انما قتلته (قتله ـ خ) الآلة وان كان حين الغيبة كانت حياته مستقرة وبه صرّح في بعض الأخبار.

مثل ما تقدم في صحيحة حريز عنه عليه السّلام : (ان كان يعلم (علم ـ خ) ان رميته هي التي قتلته فليأكل) (٢).

ورواية سماعة قال : سألته عن رجل رمى حمار وحشيّ (وحش ـ ئل) أو ظبيا فأصابه ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه فقال : ان علم انه اصابه وان سهمه هو الذي قتله فليأكل منه والّا فلا يأكل (٣).

وما في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : من جرح صيدا بسلاح فذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم ان سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء (٤).

ورواية موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا رميت فوجدته وليس به اثر غير السهم وترى انه لم يقتله غير سهمك فكل ، يغيب (غاب ـ خ ل ـ ئل) عنك أو لم يغب عنك (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ صدر حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣١.

(٢) الوسائل باب ١٨ قطعة من حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٠.

(٣) الوسائل باب ١٨ قطعة من حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٠.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٨.

(٥) الوسائل باب ١٨ حديث ٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣١.

٢٣

وان يقتله الكلب بعقره لا بصدمه وإتعابه.

______________________________________________________

نعم إذا لم يعلم انه قتل بسهمه لا يؤكل ، لما مرّ كما إذا وجده ميّتا فيه سهم لا يعلم به وان صاحبه سمّى أم لا ، كما يدل عليه أيضا بعض ما تقدّم.

وتدل عليه أيضا صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في صيد وجد فيه سهم وهو ميّت لا يدري من قتله؟ قال : لا تطعمه (١) (لا تطعمونه ـ خ ل).

قوله : «وان يقتله الكلب بعقره إلخ» من شرائط المقتول بالكلب الذي يحلّ أكله ان يكون الكلب قتله بعقره وجرحه لا بصدمه ، مثل ان يضربه بجنبه أو رأسه أو رجله فوقع فمات أو أتعبه فوقع ميّتا من التعب والعدو ، لما تقدم من القاعدة ، ولان الصيد هو القتل بالجرح ، لأنه المتعارف والمتداول والمفهوم ، فلا يحلّ غيره.

ويؤيده ما يدل على انه لا بدّ في السهم الخالي عن النصل من الخرق والجرح (٢) وقد تقدم ، وما يدل على عدم الحلّ بالحجر والبندق (٣).

وما دلت من الأخبار ، على انه لو مات في الماء أو وقع من الجبل والحائط ومات لم يحل مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن رجل رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت فقال : كل منه ، وان وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه (٤).

وفيه تأمّل ، إذ ليس كل ما ذكره دليلا ، وظاهر أدلة حلّ ما قتله الكلب مثلا يشمله ، نعم لا بدّ من العلم أو الظن الشرعي على حلّه بالتذكية الشرعيّة ، وفي حصوله هنا تأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٣.

(٣) راجع الوسائل باب ٢٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٥.

(٤) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٣٨.

٢٤

وإسلام المرسل أو حكمه ، فلو أرسل الكافر وان كان ذمّيا لم يحلّ.

______________________________________________________

وبالجملة انما البحث في صدق أدلّة الحلّ وعدمه هنا ، والظاهر عدمه في الأتعاب وصدقها في غيره ممكن ، والاحتياط واضح ، وهو طريق السلامة علما وعملا فلا يترك.

وكذا لا يحلّ لو شاركه غيره في قتله بحيث استند القتل إليهما.

قوله : «وإسلام المرسل إلخ» من الشرائط : إسلام المرسل ورامي الآلة أو حكمه ، كما في أطفال المسلمين ، فان حكمهم حكم آبائهم عندهم.

لما كان إرسال الكلب بمنزلة الذبح والنحر وقد شرط كون فاعلهما مسلما أو من حكمه شرط ذلك في المرسل ، دليله دليله ، وسيجي‌ء.

وتؤيّده الآية (١) فإن الخطاب للمسلمين ، فيكون المكلّب والمرسل مسلما.

الظاهر عدم الحلّ مع كونه مشركا ، بل الظاهر انه إجماعيّ ، وفي الكتابيّ مثل اليهودي أو النصراني خلاف ، والمشهور عدم الحلّ.

قال في الدروس : نقل عن الحسن انه لا بأس بصيد اليهودي والنصراني وذبائحهم ، بخلاف المجوس ، وجوّز الصدوق أكل ذبيحة الثلاثة (٢) إذا سمعت منهم التسمية وفقدت ذبيحة المسلم ، مقتضاه (٣) جواز اصطيادهم ، وفي اصطياد المخالف خلاف سيأتي تحقيقه.

وفي اشتراط التسمية ـ المستفاد من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ـ إشارة إلى اشتراطه ، فان الكافر لا يحصل منه التسمية الحقيقيّة فتأمّل.

__________________

(١) هي قوله تعالى (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) إلخ ـ المائدة : ٤.

(٢) يعني اليهود والنصارى والمجوس.

(٣) في الدروس فمقتضى قوله : جواز اصطيادهم ، ولا تعويل على القولين وفي حلّ اصطياد المخالف غير الناصب الخلاف الذي يأتي في الذبيحة ان شاء الله (انتهى).

٢٥

وانفراده ، فلو أرسل المسلم والكافر آلتهما (آلتيهما ـ خ) فقتلاه حرم ، اتفقت الآلة أو اختلفت. ولو صيّر المسلم حياته غير مستقرة ثم مات بالآخر حلّ ، ولو انعكس أو اشتبه لم يحلّ ، ولو أثبته الكافر وقتله (قتلته ـ خ ل) آلة المسلم أو بالعكس لم يحلّ.

______________________________________________________

وكذا في صحيحة سليمان بن خالد الآتية اشارة إليه ، فتأمّل.

فإنه لا دليل واضح عليه الّا ان أكثر الأصحاب عليه ، وفيه الاحتياط.

وفي قوله : (فلو أرسل الكافر وإن كان ذميّا لم يحلّ) إشارة إلى ردّ القول النادر ، وسيجي‌ء نقل الخلاف وتحقيق الحال في الذبيحة.

قوله : «وانفراده إلخ» أي من الشرائط انفراد المسلم في إرسال الآلة ، بل انفراد الآلة المحلّلة ، حاصله اشتراط الموت بجرح الآلة المحلّلة بحيث لا يكون معه ما يجرحه.

فلو أرسل المسلم والكافر آلتيهما وقتل الصيد بهما بحيث علم أنّ لكل واحد دخلا في قتله وازالة استقرار حياته ، حرم ذلك الصيد ، سواء اتفقت آلتاهما مثل ان أرسل المسلم والكافر كلبيهما ، أو اختلفت ، مثل ان أرسل المسلم كلبا ، ورمى الكافر سهما ، ونحو ذلك.

فلو صيّر المسلم حياة صيد غير مستقرة ثم مات بهما أو بآلة الكافر حلّ ولم يحرم ، ولو انعكس حرم.

وكذا لو لم يعلم زوال حياته المستقرة بآلة المسلم المحلّلة أو بآلة الكافر المحرّمة ، وبالجملة ، المعلوم قتله بآلة الكافر حرام والمشتبه مثله فتأمّل.

والأخبار في انه لا يأكله حتى يعلم انه قتله رميته وكلبه المحلّل ، كثيرة ، وبالجملة ما يدل على عدم اباحة ما يمكن قتله بالمحلّل والمحرّم كثير ووجهه ظاهر.

وكذا يحرم لو أثبته آلة الكافر المحرّمة ، أي جعلته غير ممتنع ، بل صار الصيد

٢٦

وان يرسله للاصطياد فلو استرسل من نفسه لم يحلّ وان أغراه بعد أما لو زجره فوقف ثمّ أغراه حلّ.

______________________________________________________

بسببه مثل الأهلي في عدم الامتناع من الأخذ وصار أخذه سهلا مثله ثم قتله المسلم بآلته من الكلب وغيره لم يحلّ بل يحرم ، فان القتل بآلته انما يحل إذا صاد ، وقتل الصيد ، وهو هنا ليس كذلك لان الامتناع بالفعل معتبر في حلّه بالآلة.

نعم لو ذبحه بعده مسلم يحلّ ، وهو ظاهر.

وكذا لو أثبته المسلم بآلته فقتله الكافر بآلته لم يحلّ ، إذ ما مات بآلة المسلم ولم تصر في حكم الميّت والمذبوح بزوال حياته المستقرّة بالفرض فما قتله الّا آلة الكافر. وقد تقرّر عدم الحلّ به مع الامتناع ، فمع عدمه بالطريق الأولى ، فليس له محلّل الّا الذبح المقرّر شرعا ، وهو ظاهر.

قوله : «وان يرسله للاصطياد إلخ» من الشرائط إرسال المسلم آلته للاصطياد وقصده ، فلو استرسل الآلة مثل الكلب من نفسها من غير إرسال لم يحلّ لعدم الشرط ، وهو ظاهر على تقدير ثبوت الشرطيّة.

ولكن لم (ما نجد له ـ خ) نجد دليلا عليه إلّا ما ذكر من قيد الإرسال في الخبر النبويّ صلّى الله عليه وآله (١).

وفي المتن والسند ، تأمّل.

نعم قد يقال : الأخبار الدالة على التسمية حين الإرسال ، تدلّ على عدم الحلّ بالاسترسال.

وهو ظاهر مع عدم التسمية ، ومع وجودها بعد استرساله ليست التسمية صادرة حين الإرسال ، فيفهم منه اشتراط الإرسال ، وانه لا يكفي الاسترسال.

__________________

(١) راجع سنن النسائي ج ٧ باب صيد الكلب المعلّم ص ٨٠ ، والروايات الواردة بقيد الإرسال عن أهل البيت عليهم السّلام كثيرة جدا فراجع الوسائل ج ١٦ باب ١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ١٢ و ١٣ و ١٥ من أبواب الصيد.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه تأمّل (أمّا أولا) فيحتمل ان تكون التسمية حين الإرسال كناية عن ذهابه إلى الصيد وقتله ، سواء كان بالإرسال أو بالاسترسال.

(وثانيا) يحتمل ان يكون (حين الإرسال) رخصة ويكون كلما قرب من العقر والجرح أولى ، فإن التسمية عند الذبح ، وهو أقرب منه.

ويؤيّده خلوّ الآية وأكثر الاخبار عن التسمية حين الإرسال وان كانت موجودة في البعض ، ويشعر بكفاية مطلق التسمية الخبر الآتي وغيره فتأمل.

نعم ينبغي كونها قبل وصول الآلة إلى الصيد وجرحه ، فإنه بمنزلة الذبح فتأمّل.

(وثالثا) تدلّ على ان المقصود من الإرسال والتسمية حينئذ هو التسمية لا غير رواية القسم بن سليمان ـ في التهذيب وغيره ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال : لا ، إذا صاده وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل ، وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين (١).

وهذه صريحة في عدم اعتبار الإرسال ، وعدم الضرر بالاسترسال الّا ان يترك التسمية.

هذا إذا لم يغره ، فان أغراه بعد استرساله ، فان لم يزد في عدوه فهو الاسترسال فقط ، إذ لا يقال له الإرسال ، ولا انه بحكمه ، إذ ما ظهر له اثر.

وقد يقال : فهم منه الرواح بإذنه ورضاه ، فكأنه أرسله ، فتأمّل.

وان (٢) زاد ففيه (مع التسمية خ) وجهان ، الحلّ لأن (٣) زيادة العدو

__________________

(١) أورد صدره الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٤ وذيله في باب ١٢ حديث ١ منها.

(٢) عطف على قوله قدّس سرّه : (فان لم يزد).

(٣) هذا وجه الحل واما الوجه الثاني وهو عدم الحل فسيأتي في عبارته قدّس سرّه : وقد فهم وجه التحريم أيضا.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وسرعته بمنزلة الإرسال وقد سمّى حينئذ.

والظاهر أن ليس هذا العدو مركّبا من المحرّم ـ وهو المرسل بنفسه مع قلّة العدو والمحلّل ، وهو زيادة العدو بعد الإغراء فيكون مقتولا بالمحلّل والمحرّم فيحرم مثل المقتول بكلب المسلم والكافر.

فإن (١) العدو الزائد بعد إغراء الصاحب وحكمه هو الذهاب السريع فقط وليس هو بأمرين كما قاله في شرح الشرائع ، بل أمر واحد. فان كان الإغراء بمنزلة الإرسال رأسا يكون محلّلا فقتل الصيد بالمحلّل فقط فيحل.

نعم يمكن المناقشة في انه ما حصل هنا المحلّل أصلا فإنه الإرسال ، ولا يقال لزيادة العدو بعد الاسترسال بإغرائه ، إرسال ، وليس بمعلوم ان ما هو بحكمه مثله في ذلك فيحرم اما لو سلّم فالظاهر انه مقتول بالإرسال فقط.

وقد فهم وجه التحريم أيضا ، فتأمّل.

هذا إذا لم يزجره صاحبه ، فإن زجره ، فان لم ينزجر ، فالظاهر انه لم يحلّل قتله ، بل لو أكل حينئذ لا (لم خ) يخرج عن كونه معلَّما ، فإنه ما أكل الصيد ، واما لو انزجر ووقف فاغتراه وسمّى ثم ذهب فقتل فالظاهر أنه إرسال فيحلّ مقتوله بشرائطه.

«فرع»

هل يملك صاحبه الصيد بإثبات كلبه المسترسل؟ فيه تأمل ، إذ لم يثبت يده عليه ولا قصده أيضا.

ويحتمل دخوله في ملكه بغير اختياره كالميراث ، ولكن الأصل عدمه حتى

__________________

(١) تعليل لقوله : (ليس هذا العدو مركبا إلخ).

٢٩

ولو قتله المرسل والمسترسل حرم ، ولو رمى السهم فأعانته الريح حلّ ، وكذا لو وقع على الأرض ثم وثب فقتل.

اما لو رماه فتردّى من جبل أو وقع في الماء فمات حرم الّا أن

______________________________________________________

يثبت بالدليل ولم يقم دليل على ان أخذ كلب شخص صيدا موجب للمالك.

ويحتمل مع الإغراء والقصد خصوصا مع زيادة العدو به ، وحينئذ لو أغراه أجنبي ، فعلى القول بملك المالك لا ينفع ولا يضرّ ، وعلى القول بالعدم والقول بأن الإغراء مثل الإرسال ، يحتمل تملكه إذا قيل بتملكه بإرسال كلب الغير إلّا انه يكون فاعل حرام وملك ، مثل من رمى صيدا بقوس مغصوب أو سهم كذلك ، فتأمّل.

قوله : «ولو قتله المرسل إلخ» لو قتل صيدا كلبان مرسلان أرسل أحدهما صاحبه بشرائطه ، والآخر مسترسل ليس معه شرائطه بحيث علم ازالة الحياة المستقرّة بهما أو بالأخيرة أو لم يعلم بالأول حرم ذلك الصيد ، فإنه من اجتماع آلتي المحلّلة والمحرّمة ، وقد مرّ التحريم بقتلهما ، وله صور كثيرة قد مرّ بعضها ، وسيجي‌ء أيضا.

وليس من ذلك القبيل لو رمى الصيد بسهم فأعانته الريح بحيث لو لم يكن تلك الريح لم يصل إلى الصيد ولم يقتله فإنه يحلّ ، إذ ما قتل إلّا بآلة الصيد مع الشرائط ، واعانة الريح أيضا ، كانت بسبب صدوره عن الرامي وليست سببا آخر منضمّة اليه وقتل الصيد بهما كما في الكلبين ، نعم حصل له قوة من خارج ، ولكن أصله صادر عن الصائد ، والإعانة حصلت من الخارج ، منضما بفعله لا منفكا عنه فيحلّ مقتوله.

وكذا يحلّ لو وقع السهم على الأرض ثم وثب وحصل له به قوّة أو وقع على حائط فوثب فقتل بعد ذلك صيدا ، ولو كان بحيث لو لم يكن وقع عليها ثم وثب لم يقتل الصيد ، فتأمّل فإن الأخير أظهر من الأول.

وقوله : «أما لو رماه فتردى إلخ» من صور الاجتماع والاشتباه ان لو رمى

٣٠

يقع بعد صيرورة حياته غير مستقرة.

ويتحقق التعليم بالاسترسال عند الإرسال والانزجار عند الزجر ، وان لا يأكل من الصيد ، ولا تقدح الندرة ولا شرب الدم وان (يتكرّر) (يكرّر ـ خ) ذلك ولا يكفى الاتفاق مرّة.

______________________________________________________

الصائد صيدا فضربه فتردّى الصيد من جبل ، أو وقع في الماء بحيث ما علم ازالة حياته المستقرّة بالجرح المحلِّل ، حرم ذلك الصيد ، فإنه ما علم قتله بالآلة المحلّلة.

ويحتمل ان يكون المراد انه رمى صيدا فتردّى من جبل أو وقع في الماء من غير جرحه بالسهم ووصوله اليه كما هو الظاهر ، وحينئذ الحكم بالتحريم أظهر ولكن ليس من صور الاجتماع ، وهو ظاهر.

وبالجملة لا شكّ في التحريم لو مات بغير سبب الجرح المحلّل أو بسببه مع شركة غيره بحيث لا يعلم استقلاله في إزالة حياته المستقرة ، وهو ظاهر من القاعدة ودلّت عليه الاخبار المتقدمة فتذكر وتأمّل.

نقل في الدروس انه قيد الصدوقان موته في الماء بما إذا كان رأسه في الماء ، فلو كان رأسه خارجا لم يحرم ، قال : وصوّبه الفاضل.

لعلّ المقصود به إذا دلّت القرينة على أنه انما قتل بجرح الآلة لا غير ومن جملته ذلك ، فتأمّل.

قال في المختلف : لا بأس بهذا التفصيل ، لأن (١) في الحقيقة عائد إلى ما فصّله باقي أصحابنا.

قوله : «ويتحقق التعليم إلخ» بيان للتعليم المعتبر في الكلب ليحلّ صيده مع باقي شرائطه.

المشهور في الفروع والتفاسير انه أمور ثلاثة ، الاسترسال عند الإرسال ـ أي

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب (لانه) كما لا يخفى.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ذهابه إلى الصيد إذا أذهب وأغراه إليه ـ والانزجار عند زجره عن الذهاب ، والعدو ، وقد أطلق البعض هذا.

ولكن قيّد في بعض المواضع مثل الدروس ، بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد ، فإنه لا يكاد يقف بعد ذلك كلب أصلا ، فمع اشتراطه لا يتحقق كلب معلّم الّا نادرا.

قال في التحرير : الانزجار بالزجر انما يفيد قبل إرساله إلى الصيد أو رؤيته واما بعد ذلك فلا ، لانه لا ينزجر بحال فتأمّل.

وأن لا يأكل من الصيد بمعنى ان لا يكون عادته الأكل ، فلا يكفيه عدم الأكل مرّة ولا يقدح الأكل نادرا ولا شرب الدم مطلقا.

وقالوا : لا بدّ من تكرر حصول هذه الأمور كلّها.

وهل يكفي التكرر فيكون في الثالث معلَّما أم لا؟ ففيه تأمّل.

والظاهر الحوالة إلى العرف ، إذ ليس في الدليل التكرر حتى نبحث عن مقداره وعدده فالبحث فيه والخلاف ممّا لا ثمرة له ، ولهذا قال في التحرير : الأقوى عندي الحوالة في ذلك إلى العرف بأن يتكرر منه الصيد متصفا بهذه الشرائط فيتحقق حصولها فيه من غير تقدير المرّات ، فإذا لا بدّ من حصول العادة في ذلك فلا بدّ أن يحصل منه ذلك بمرّات متعدّدة بحيث يقال في العرف : أن هذا لا يأكل ، وانه معلّم ، ومسترسل بالإرسال ومنزجر بالانزجار فلا يكفي في حلّ الصيد موته بجرحه قبل حصول العادة ، وبعدها لا يضرّ خلافه ، مثل ان لا يذهب مرّة اتفاقا ، أو لا ينزجر ، أو يأكل فتأمّل.

اعلم انه لا شكّ انه لا بدّ من كون الكلب معلّما للآية (١) والاخبار

__________________

(١) هي قوله تعالى (مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ـ المائدة : ٤.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

خصوصا ما في حسنة محمّد بن قيس عنه عليه السّلام : (وما قتلته (قتلت ـ خ ئل) الكلاب التي لم تعلّموها من قبل ان تدركوه فلا تطعموه) (١).

ولكن ما نعرف ما المراد وما ورد نصّ بذلك ، نعم ذكر الأصحاب وغير هم أيضا في التفاسير ما تقدم وما نعرف مأخذ ذلك مع الإجمال فإن حدّ الاسترسال مع الإرسال والانزجار عند الزجر غير معلوم ، وكلام الأكثر مطلق ، وقيّده البعض بغير وقت إرساله إلى الصيد ورؤيته كما تقدم.

وكذا عدم الأكل ، فإن الظاهر انه ما اعتبره البعض ، قال في الدروس : قال الصدوقان والحسن : يؤكل وان أكل وربما حمل على الندرة (انتهى).

وليس وجه حمله ظاهرا ، وقد دلّت الأخبار الكثيرة على عدم الضرر بالحلّ أكل (٢) الكلب من الصيد وقد مر بعضه مثل ما في رواية موسى بن بكر ، عن زرارة عنه عليه السّلام : (وان أكل فكل ما بقي وان كان غير معلّم يعلّمه في ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلّم) (٣).

وفي طريقه موسى بن بكر وفي الكتب ، فكأنّه لا يضرّ لشهرته ووجوده في الكتب مثل الفقيه وهي صريحة في عدم اعتبار عدم الأكل ، وانه لا يحتاج الى التكرار ، وكثرة الزمان في صيرورته معلّما فتأمّل.

وقال في الفقيه بعدها : وفي خبر آخر قال الصادق عليه السّلام : كل ما أكل منه الكلب وان أكل منه ثلثه (ثلثيه ـ خ ل) كل ما أكل الكلب وان لم يبق منه الّا

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٢) كذا في النسخ والظاهر أنّ لفظة (أكل) فاعل لقوله رحمه الله (عدم الضرر).

(٣) أورد قطعة منه في باب ٢ ذيل حديث ٧ وقطعة منه في باب ٧ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠ و ٢١٨.

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بضعة واحدة (١) وهي أيضا صريحة في عدم اعتبار عدم الأكل وهو ظاهر.

ومثل حسنة محمّد بن مسلم وغير واحد عنهما عليهما السّلام جميعا انهما قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمّي؟ قالا : ان أخذه فأدركت ذكاته فذكّه ، وان أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي (٢).

وفي رواية سالم الأشلّ عنه عليه السّلام (فقال : لا بأس بأكله بما يأكل ـ ئل) ، هو لك حلال (٣).

وما في حسنة الحلبي : (واما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل وان أكل منه) (٤).

وفي مثله دلالة على كفاية التسمية أيّ وقت كان ولا فرق بين الإرسال والاسترسال فان التسمية مع الجرح كاف فتأمّل.

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أفآكل (أتوكل ـ ئل) بقيته؟ قال : نعم (٥).

وغير ذلك من الاخبار الكثيرة جدّا ، مثل ما في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عنه عليه السّلام قال : تأكل ممّا أمسك عليك (عليه ـ خ ل) (٦).

وصحيحة حكم بن حكيم (الصيرفي ـ ئل) ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟ قال : لا بأس بأكله ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٩ وزاد : ولا ترون ما يرون في الكلب.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٩.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٩ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠.

(٥) الوسائل باب ٢ ذيل حديث ١٥ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١١.

(٦) الوسائل باب ١ قطعة من حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٧.

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : انهم يقولون انه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكل؟ فقال : كل أو ليس قد جامعوكم على ان قتله ذكاته؟ قال : قلت : بلى ، قال : فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكّاها؟ قال : قلت : نعم ، قال : (قل ـ خ :) فان السبع جاء بعد ما ذكّاها فأكل منها بعضها أيؤكل منها البقيّة؟ فإن أجابوك الى هذا فقل لهم : كيف تقولون إذا ذكّى ذلك فأكل منها لم تأكلوا ، وإذا ذكّى هذا وأكل أكلتم (١).

وهذه صحيحة صريحة في عدم اشتراط عدم الأكل مطلقا وانه مذهب العامّة.

ومن جملة ما حمله الشيخ في كتابي الأخبار غيرها ممّا ورد فيه ذلك ، على التقيّة ، مثل صحيحة رفاعة بن موسى قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الكلب يقتل فقال : كل ، فقلت : ان أكل منه؟ فقال : إذا أكل منه فلم يمسك عليك ، وانما أمسك على نفسه (٢).

فيحتمل ان يكون مذهب الكتابين عدم اشتراط عدم الأكل فيكون موافقا للصدوقين والحسن.

ويمكن حملها على الكراهة وإسقاطها بواحدة ، فيبقى الباقي.

فعلم منها عدم اعتبار عدم الأكل ولو عادة.

وظاهر الآية انه لا بدّ من كون ما يصير به معلّما شيئا علّمنا الله إياه في تعليم الكلب حتى يكون معلّما.

وما عرفنا أيّ شي‌ء ذلك الذي علّمناه ، من (٣) القرآن ولا من السنة إلّا ما في كلام العلماء ، ولم يعلم إجماعهم أيضا ، لما عرفت من الاجمال والخلاف (٤) ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٠٨.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ١٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٢.

(٣) متعلق بقوله قدّس سرّه : (وما عرفناه).

(٤) نشر على ترتيب اللف يعني القرآن والسنة مجملان ، والمسألة محل الخلاف لا إجماع فيها.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فتأمّل حتى يفتح الله.

مع انه قد ورد في رواية النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الكلب الأسود البهيم (١) لا تأكل صيده لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله أمر بقتله (٢).

ونقل هذه العامة أيضا عنه صلّى الله عليه وآله (٣).

فيمكن التقيّة أو الحمل على الكراهة.

ويؤيّده عدم الصحّة وعدم دلالة الدليل على المدّعى فتأمل فيه.

وورد عن جميل ـ في الصحيح ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكّين فيذكّيه أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال : لا بأس ، قال الله تعالى (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٤) الخبر.

وهذه أيضا كالصريح في عدم الفرق بين الإرسال والاسترسال ، وجواز التسمية من حين الإرسال إلى حين الجرح والقتل ، فان قتل الكلب جعله بمنزلة الذبح والنحر بغيره ، فتأمل.

وفي الصحيح ، عن معاوية بن حكيم ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن جميل بن درّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام أرسل الكلب واسمّي عليه فيصيد وليس معي ما أذكّيه به؟ قال : دعه حتى يقتله الكلب وكل (٥) منه.

__________________

(١) فرس بهيم أي مصمت وهو الذي لا يخالط لونه شي‌ء سوى لونه ومنه الأسد البهيم (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٤.

(٣) الذي عثرنا عليه ما رواه أبو داود في سننه ج ٢ ص ١٠٨ عن عبد الله بن مقفل ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : لو لا ان الكلاب امة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها الأسود البهيم.

(٤) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٥) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٩.

٣٦

ويجوز الاصطياد بجميع آلته (الآلة ـ خ ل) ، لكن يشترط فيه التذكية وان كان فيه سلاح سواء كان بالشرك والحبالة والسهم الخالي من نصل إذا لم يخرق ، والسباع كالفهد ، والنمر ، والجوارح كالصقر والبازي وغير ذلك.

______________________________________________________

وهو مذهب الشيخ ومختار المصنّف في المختلف ، ولكن مع العجز.

ولا استبعاد في ذلك فإن الأمر شرعيّ محض ، والاحتياط أمر آخر لا يترك.

ولكن أخبار أخر كثيرة دالة على وجوب الذبح ان أدركه ، فكأنّ ذلك حمل الشيخ ومن تابعه على حمل هذه على حال الضرورة وعدم إمكان ما يذبح به كما يشعر به الخبران حيث دلّا على عدم ما يذبح به وان كان ذلك في السؤال ، ولكن التقرير وعدم شي‌ء آخر يدل على الجواز مطلقا مع ما تقدم ، يدل على الاقتصار على الجواز حال الضرورة وان كانت العلّة مشعرة بعدمها أيضا ، فتأمّل.

قوله : «ويجوز الاصطياد إلخ» أي يجوز أخذ الصيد بجميع آلات الصيد ، فالاصطياد والصيد هنا ليسا بالمعنى المتقدم (١) ، بل بالمعنى اللغوي ، ففي العبارة مسامحة.

ولا يكفي ذلك للأكل ، وان مات فيه يحرم ، إلّا ما مات بقتل الكلب ونحوه إيّاه مع الشرائط المتقدمة ، فيحلّ ، وان كان حيّا فلا بدّ من ذبحه ليحلّ ، وكذا ليحلّ استعمال جلده ويطهر ان كان قابلا للتذكية وان كان السلاح موجودا فيه بالفعل.

ولا فرق في ذلك بين أنواع آلاته وافرادها ، سواء كان الشرك والحبالة أو السهم الذي خال عن النصل ولم يخرق ، والسباع كالفهد والنمر ، وجوارح الطيور كالصقر والبازي ، وغير ذلك.

__________________

(١) وهو قتل الحيوان الوحشي الممتنع بالفعل بإحدى الآلات ، كما تقدم منه قدّس سرّه في أول الكتاب.

٣٧

المطلب الثاني : في الأحكام

الاعتبار في حلّ ما يقتله المعلّم بالمرسل لا بالمعلّم ، فيحلّ لو أرسله المسلم وان كان المعلّم كافرا ، لا العكس (بالعكس ـ خ ل).

______________________________________________________

قوله : «الاعتبار في حلّ ما يقتله إلخ» أي إنما الاعتبار في حلّ الصيد الذي قتله الكلب المعلّم بالمرسل لا بالمعلّم فيحلّ مقتوله لو كان المرسل مسلما وسمّى وان كان المعلّم ومالكه كافرا ، ويحرم لو كان الأمر بالعكس لأن الكلب بمنزلة السكّين ، وصاحبه ومعلّمه بمنزلة صاحبه ومحدّدة ، والمرسل بمنزلة المذكّي والذابح ، فالمعتبر إسلامه فقط.

ويؤيّده أيضا العمومات مثلا في (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١) وقد تقدّمت مثل : وان ذكرت اسم الله فكل (٢) ، وان أرسله وسمّى فليأكل (٣) ، وإذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل (٤) ويسرّح كلبه المتعلّم (المعلّم ـ ئل) ويسمّي إذا سرحه؟ قال : يأكل (٥) ـ وهي كثيرة.

وخصوص حسنة سليمان بن خالد ـ وهي صحيحة في التهذيب والاستبصار قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن كلب المجوسيّ يأخذه الرجل المسلم فسمّى حين يرسله أيأكل ممّا (ما ـ خ ل ئل) أمسك عليه؟ قال : نعم لأنّه مكلّب وذكر اسم الله عليه (٦).

__________________

(١) الانعام : ١١٨.

(٢) لاحظ الوسائل باب ٢ حديث ٩ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٠ وفيه : وان ذكرت اسم الله إلخ.

(٣) الوسائل باب ١ حديث ٧ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١١.

(٤) راجع الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٥.

(٥) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٣.

(٦) الوسائل باب ١٥ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٧.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ فيه إشارة إلى كون التعليم هو التسمية كما في رواية القاسم بن سليمان المتقدمة : (إذا صاد الكلب وقد سمّى فليأكل ، وإذا صاد ولم يسمّ فلا يأكل وهذا ممّا علّمتم من الجوارح مكلّبين) (١).

وفي رواية زرارة المتقدمة : وان كان غير معلّم يعلّمه (في ـ ئل) ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلّم (٢) فافهم.

وتؤيّده الشهرة والكثرة ، وان قال الشيخ بعدم حلّه إذا كان المعلّم هو الكافر كالذابح ، لرواية منصور بن يونس ، عن عبد الرحمن بن سيابة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني أستعير كلب المجوس فأصيد به ، قال : لا تأكل من صيده الّا ان يكون علّمه مسلم فتعلم (٣).

ورواية النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كلب المجوسي لا تأكل صيده الّا ان يأخذه المسلم فيعلّمه ويرسله ، وكذا البازي وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا صيدها (٤).

وكأنّه يخصّ العمومات بما إذا كان المعلّم مسلما.

ويؤيّده ان خطاب التعليم في الآية للمسلمين ، وكذا خصوص رواية سليمان لهاتين الروايتين جمعا ، ولو كانتا صحيحتين صريحتين كان جيّدا ولكن ضعيفتان كما ترى.

ويمكن حملهما ، على أنّه لمّا كان الكافر لا يعلم التعليم المقرّر عندنا غالبا ذكر ذلك ، أو الكراهة ، على ان في آخر الثانية ما يخالف فتواه أيضا (٥) ، ولا شك

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٥.

(٢) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢١٨.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٧.

(٤) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٢٧.

(٥) وهو قوله عليه السّلام : وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين ان يأكلوا صيدها.

٣٩

والصيد الذي يحلّ بقتل الكلب أو السهم ، هو : كل ممتنع وان كان أهليّا.

وكذا المتردّي والصائل إذا تعذّر ذبحهما في موضع الذكاة كفى عقره بالسيوف ، وغيرها في غيره.

______________________________________________________

ان الاجتناب أحوط.

قوله : «والصيد الذي يحل إلخ» بيان الصيد الذي يحلّ بقتل آلة الصيد إيّاه ، مثل الكلب والسهم ، والرمح ، وهو كلّ حيوان محلّل ممتنع من الأخذ بحيث لايقدر عليه غالبا وينهزم ، سواء كان ذلك بالأصالة ، كما إذا كان وحشيّا أو بغيرها ، مثل أن كان أهليّا استوحش وامتنع.

ودليل الأوّل واضح ، وكأنّ الثاني أيضا صيد شرعا ، ويحتمل لغة أيضا.

ولعل عموم ما يدل على جواز أكل ما قتله الآلات المذكورة مثل الكلب من الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، يشمله ، فتأمّل.

وبالجملة هو مثل الوحشي في هذا الحكم ، لعلّه بالإجماع ، والقياس ، والضرورة ، ومع الحرج ، وعدم تضييع المال ، والعمومات مؤيّدات ، وكذا الخصوصات الآتية ، فتأمّل.

قوله : «وكذا المتردي والصائل إلخ» أي الذي تردى في موضع لا يمكن إخراجه ، ولا الدخول لذبحه هناك كبئر ضيّقة ، والذي يصول على الإنسان ويجرحه ويخاف منه القتل والجرح بعد ان كان اهليّين لا بهذه الحيثيّة.

ويمكن تعميمهما كأنهما غير داخلين في الصيد الذي يحلّ بقتل الآلة حيث قطعهما. وقال (١) : (إذا تعذّر ذبحهما في موضع الذكاة كفى عقره) أي كلّ واحد منهما

__________________

(١) يعني المصنف رحمه الله.

٤٠