مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي ذلك كلّه تأمل إذ ما نجد دليلا على ذلك الّا ما تقدم ممّا يدل على الحلّ بذهاب ثلثيه ، وهو مستلزم للطهارة ، ولكن ما علم طهارته مع وقوع شي‌ء فيه صريحا ، فتأمّل.

اما كونه خلّا أو دبسا كذلك ، فان كان مع ذهاب ثلثيه فهو داخل فيه والا ففيه تأمل الّا ان يكون إجماعيّا أو يقال : إذا خرج عن كونه عصيرا صار طاهرا ، فإنه جزء لسبب النجاسة ، فإذا زال زالت كما في الخمر إذا صار خلّا.

ولكن قد ينازع في السببيّة ، وعلى تقديرها مجرد زواله غير كاف ، بل لا بدّ من المطهر ، لان الشارع حكم بنجاسته ، فيحتاج طهارته الى دليل ، إذا الأصل البقاء ، فتأمّل.

ثم قد ينازع في طهارة ما القي فيه ، ويناقش في الأصل أيضا مطلقا ، إذ قد يقال : الجامد أو المائع إذا القي في الخمر لا يطهر بالخلّية ، ولا بدّ للمثبت من الدليل ، وان الحكم بطهارة الخلّ ـ وان كان في الأصل خمرا ـ قد يكون لعدم نجاسة الخمر فان الدليل ما قام على نجاسته ، والأصل ، وكل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه قذر (١) ، والاخبار الكثيرة مؤيّدة له وان كانت في النجاسة أيضا موجودة ، وقد مرّ البحث عنه في الطهارة مفصّلا (٢) فتأمّل.

وبالجملة ـ بعد وجود حكم شرعيّ ـ يحتاج رفعه إلى دليل كذلك.

فقد ظهر المناقشة في حصول الحلّ بصيرورة العصير دبسا أو بانقلابه خلّا ، فان الدليل كان مخصوصا بذهاب الثلثين كما رأيت الّا ان يدّعى الاستلزام لو لا الإجماع ، أو أنه انما يصير خلّا بعد ان يصير خمرا ، وقد ثبت بالدليل أنّ الخمر يحلّ إذا

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ حديث ٤ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٥٣ وفيه كل شي‌ء نظيف.

(٢) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٢ ـ ٣١٤.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

صار خلّا ، أو يقال : ان الدليل الدال على ان الدبس والخلّ مطلقا حلال يدل عليه فتأمّل.

وبالجملة ينبغي ملاحظة وزن العصير أوّلا ثمّ بعد أن صار دبسا ، فان ذهب ثلثاه ، وإلّا صبر عليه حتى يذهب ، وقد ادعى انه يصير دبسا بعد ان صار خمسا ، فان كان كذلك فحسن.

ويؤيّد طهارته ، الأصل ، والعمومات ، والحصر وكل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه نجس.

والحكم بطهارة الدبس والخلّ ، والمباشر مع ما باشره ، فانّ الحكم بطهارة هذه الأشياء مع القول بالنجاسة بسبب التبعيّة مشكل.

ثم اعلم ان المشهور أنّ التحريم بالغليان مخصوص بالعصير العنبي ، ولا خلاف في حلّية عصير غير التمر والزبيب ، مثل عصير التفاح والرمان وان غلى ما لم يكن مسكرا ، وكذا سائر الربوبات ، والأصل والعمومات وحصر المحرّمات مؤيّدات.

ويدل عليه أيضا بعض الروايات ، مثل رواية جعفر بن أحمد المكفوف ، قال : كتبت إليه يعني أبا الحسن الأوّل صلوات الله عليه ، أسأله عن السكنجبين والجلّاب وربّ التوت ، وربّ الرمان ، وربّ التفاح وربّ السفرجل؟ فكتب : حلال (١).

وفي رواية أخرى له عنه عليه السّلام : زاد ربّ السفرجل إذا كان الذي يبيعها غير عارف ، وهي تباع في أسواقنا؟ فكتب جائز لا بأس بها (٢).

وفيهما ـ مع الغليان ـ خلاف ، والمشهور الحلّ ، ويؤيّده الأصل والعمومات

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ ح ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.

(٢) الوسائل باب ٢٩ ح ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٣.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وحصر المحرّمات في الآية والاخبار الكثيرة.

وقيل بالتحريم ، بل يظهر أيضا القول بالنجاسة من الذكرى.

والظاهر الطهارة ، ولا ينبغي النزاع في ذلك لما تقدم ، وقياسهما على الخمر والعصير العنبي باطل ، مع عدم ثبوت الحكم في الأصل.

والحلّ (١) لما مرّ ، ولعدم دليل صالح للتحريم الّا ما مرّ من عموم العصير.

والظاهر انهما ليسا بداخلين فيه ، والمراد منه العصير العنبي ، كما يفهم من كلامهم ومن ظاهر الأخبار ولهذا ما قال احد بالعموم الّا ما أخرجه الدليل ، وما استدلّ القائل بعدم إباحتهما بتلك العمومات ، وما استدل له بها أيضا ، فكأنّ العصير عندهم مخصوص بالعنب بالوضع الثاني فتأمّل.

نعم قد استدل على تحريم عصير الزبيب برواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى أبي الحسن عليه السّلام ، قال : سألته عن الزبيب هل يصلح ان يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثم يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال : لا بأس به (٢).

وعلى تحريم عصير التمر ، بالقياس.

فهي ـ مع وجود سهل بن زياد (٣) في طريقها ـ غير دالّة إلّا بمفهوم ضعيف في كلام السائل لا الامام عليه السّلام ، وان قلنا بصحّة الاستدلال بمفهوم كلام السائل للتقرير فالدلالة ضعيفة جدا ، فان مثل هذه الدلالة للحكم الذي ثبت خلافه بالعقل والنقل من الأصل ، والكتاب ، والسنّة ، والإجماع غير معتبر جزما.

__________________

(١) عطف على قوله : قدّس سرّه : الطهارة أي الظاهر الحل.

(٢) الوسائل باب ٨ ح ٢ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٣٦.

(٣) طريقها كما في الكافي هكذا : عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها رواية إسحاق بن عمار ، قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه السّلام بعض الوجع ، فقلت له : ان الطبيب وصف لي شرابا ، آخذ الزبيب وأصبّ عليه الماء للواحد اثنين ثمّ أصبّ عليه العسل ثم أطبخه حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ، فقال : أليس حلوا؟ قلت : بلى ، قال : اشربه ، ولم أخبره كم العسل (١).

بل يمكن فهم الحلّ مطلقا من قوله عليه السّلام : (أليس حلوا؟).

فافهم فتحريم عصير الزبيب بعيد.

وأبعد منه تحريم عصير التمر ، لعدم شمول هذه الرواية له وأبعد منه القياس.

نعم يمكن ان يستدلّ له أيضا بنحو مفهوم موثقة عمار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن النضوح ، قال : يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ثم يمتشطن (٢).

وهذه أدلّ ، ولكن سندها أيضا غير ظاهر.

ويؤيده أيضا ما توجد قريبا منه في حلّ صفة الشراب الحلال ، من تقييده في أكثر الروايات بالغلي حتى يذهب الثلثان ، ولكن ليس شي‌ء صحيح ، بل ولا موثق صريح في التحريم.

ويؤيّده أن النبيذ الذي يؤخذ من التمر ، والنقيع الذي من الزبيب انما يحرمان مع السكر ، وقد مرّ انه لو فعلا بحيث لا يسكران يحلّان ، وما يدل عليه بالمفهوم كثير.

ويدل عليه أيضا ما يدل على حلّ النبيذ الغير المسكر كثير ، مثل رواية أيوب بن راشد ، قال : سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد الله عليه السّلام عن النبيذ ،

__________________

(١) الوسائل باب ٥ ح ٥ ـ ٦ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٣٢.

(٢) الوسائل باب ٣٧ ح ١ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٣٠٣.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : لا بأس به ، فقال : انه يوضع فيه العكر (١) ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : بئس الشراب ، ولكن أنبذه غدوة واشربه بالعشي ، قال : فقال : جعلت فداك وهذا يفسد بطوننا ، قال : فقال أبو عبد الله عليه السّلام : أفسد لبطنك ان تشرب ما لا يحلّ لك (٢) ، وغير ذلك فتأمّل.

قيل : وروي عن أبي بصير في الصحيح ، قال : كان أبو عبد الله عليه السّلام يعجبه الزبيبة (٣).

وهذا ظاهر في الحلّ ، لان الطعام الزبيبي لا يذهب ثلثا ماء الزبيب كما لا يخفي.

قال في الدروس : ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش فيحلّ طبخ الزبيب على الأصحّ لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا ، وخروجه عن مسمّى العنب.

الوجه الأول مشعر بأنه لو لم يكن يذهب ثلثا العنب عن الزبيب يكون ما يخرج عن الزبيب حراما بعد غليانه كماء العنب ، وانه إذا كان ذهب ثلثاه لم يحرم عصيره.

والظاهر انه ليس كذلك ، فان الحرام هو العصير العنبي إذا كان لم يذهب ثلثاه ، والزبيب حلال ، سواء ذهب ثلثاه أم لا.

وبأن سبب تحريمه انما يكون عند عدم ذهب الثلثين بالشمس ، والحال ان القائل بتحريمه يقول : ماء الزبيب إذا طبخ ، يحرم مثل ماء العنب للرواية ، وهذا يرد على الثاني أيضا ، ولكن المدّعي حق كما عرفت ، والاحتياط الاجتناب ، وهو ظاهر.

__________________

(١) هو بفتحتين درديّ الزيت ودرديّ النبيذ ونحوه (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة ج ١٧ ص ٢١٧.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٤٣.

٢٠٥

وما مزج بشي‌ء من هذه.

______________________________________________________

قوله : «وما مزج بشي‌ء من هذه» تحريم ما مزج بإحدى هذه المذكورات مع نجاستها ظاهر ، فإن الملاقي للنجس رطبا نجس ، وكل نجس حرام.

وكان يمكن له الاكتفاء عنه بحكم النجس.

ولكن لما ورد بخصوص الحل الرواية وقال بمضمونها جماعة أراد ردّه ، ولانه يريد بيان حكم الممتزج.

والحكم بتحريم الممتزج حينئذ ـ إن كان الامتزاج بحيث غلبه الحرام وصار من افراده ـ ظاهر وكذا المساوي بل ما علم انه فيه بحيث لم يضمحلّ بالكلّية ، واما ما اضمحلّ فيمكن الحكم بكونه حلالا مثل قطرة عرق أو بصاق حرام ، في حبّ ماء أو قدر ، بل في كوز كبير للاضمحلال ، ولأنه في كل ما يشرب منه لم يعلم وجود حرام فيه.

ولا يبعد جعل ذلك مدار الحكم ، فان كان بحيث كل ما أخذ وأكل أو شرب ما علم وجود المحرم فيه ويكون حلالا ، والّا فالمعلوم وجوده فيه يكون حراما.

ويدلّ عليه ما تقدم من العمومات ، والأصل ، وحصر المحرّمات وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعلم انه حرام (١).

ويحتمل التحريم خصوصا المسكر للروايات ، مثل حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج فقال أبو عبد الله عليه السّلام : ان ما أسكر كثيره فقليله حرام ، فقال له الرجل : فأكثره بالماء؟ فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : لا ، وما للماء يحلّ الحرام اتّق الله عزّ وجلّ ولا تشربه (٢).

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) الوسائل باب ١٧ ذيل حديث ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٩ وللحديث صدر فلاحظ.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية عمر بن حنظلة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى يذهب عاديته ، ويذهب سكره؟ فقال : لا والله ، ولا قطرة يقطر (قطرت ـ خ) منه في حبّ إلّا أهرق (أهريق ـ خ ل) ذلك الحبّ (١).

فتأمّل فإن المسألة مشكلة ، والاجتناب أحوط.

ونقل في المختلف ، عن نهاية الشيخ ان القدر إذا كان يغلي على النار فان حصل فيه شي‌ء من الدم وكان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها ، لان النار تحيل الدم ، وان كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه.

وما اعتبر الشيخ المفيد القلّة ، بل قال : ان وقع دم في قدر تغلي على النار جاز أكل ما فيها مع زوال عين الدم وتفرقها بالنار ، وان لم تزل عين الدم فيها حرم ما خالطه الدم ، وحلّ ما أمكن غسله بالماء ، وكذا سلّار ، ونقل عن ابن البرّاج قريبا من كلام الشيخ.

وعن ابن إدريس المنع من ذلك والمبالغة فيه ، وان ما ذكره الشيخ رواية شاذة مخالفة للأصول.

ثم ذكر المصنف الاستدلال بالرواية ، وهي رواية زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم ومرق كثير؟ قال : فقال : يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب واللحم اغسله وكله ، قلت : فان قطر فيه الدم؟ قال : الدم تأكله النار ان شاء الله ، قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال : فقال : فسد ، قلت : أبيعه من اليهود والنصارى وأبيّن لهم فإنّهم يستحلّون شربه؟ قال : نعم ، قلت : والفقاع هو بتلك

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٢.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ قال : أكره أن آكله في شي‌ء من طعامي (١).

وهذه تدلّ على كراهة الفقاع ، وقد مرّ ما يدلّ على تحريمه من النصّ والإجماع فالمراد بها الحرمة كما قيل ، فإن الكراهة تطلق على التحريم كثيرا ، وقد مرّ.

وكذا صحيحة محمّد بن إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن شرب الفقاع فكرهه كراهة شديدة (٢) ، وهي التحريم.

وتدلّ (٣) على نجاسة المذكورات ، وعدم طهارة المضاف مثل المرق وتطهير اللحم المطبوخ مع النجس ولو بالماء القليل على الاحتمال لعموم قوله عليه السّلام : (اغسله) فتأمّل.

وطهارة ما وقع فيه الدم.

وجواز بيع ما صار حراما على مستحلّه من الكفّار مع البيان له ذلك.

وعدم تطهير العجين بالماء مطلقا ولو كان كثيرا.

ويحتمل في الكل عدم النجاسة ، بل التحريم بسبب المخالطة ، ويكون الحكم بالإهراق والغسل ، لذلك ، فتأمّل.

وصحيحة سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقيّة من دم أيؤكل؟ قال : نعم ، فان النار تأكل الدم (٤).

فيمكن حملها على الدم الغير النجس ، لان الدم المجهول محكوم بالطهارة ، للأصل وكل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه نجس ، ولهذا قالوا : لا يحكم بنجاسة شي‌ء حتى الدم الّا ان يعلم انه نجس صرّح به في الذكرى.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٦ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٦.

(٢) الوسائل باب ٢٧ حديث ١٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٩.

(٣) يعني رواية زكريا بن آدم كذا في هامش بعض النسخ.

(٤) الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٣.

٢٠٨

والدم المسفوح وغيره كدم الضفادع والقراد.

______________________________________________________

ويحتمل حمله على غير الحرام أيضا ويكون قوله : (تأكله النار) لئلا تنفر الطبع ، لا الطهارة (للطهارة ـ خ) والحليّة ، فلا يدلّ على عدم نجاسة القدر بالدم حتى يقاس عليه سائر النجاسات كما فعله البعض أو يختص بالدم ويقال : النار تطهّر ما وقع فيه الدم عنه فقط أو يقاس عليه غيره أيضا.

ويمكن طرح الاولى ، لاشتراك محمّد بن موسى (١) ، بل الظاهر انه الضعيف الذي قيل : كان يضع الحديث ، ووجود الحسن بن المبارك المجهول أيضا.

وحمل في المختلف الثاني على ما قلناه ، ثم منع صحّة السند ، وقال : (فان سعيد الأعرج ما أعرفه إلخ) مع انه قال في الخلاصة : سعيد بن عبد الرحمن وقيل : ابن عبد الله ثقة ذكره ابن نوح (٢) وابن عقدة (٣) وكذا النجاشي.

فيمكن ان يكون ما يعرف ان هذه هو المذكور ، أو لا يقول بتوثيقه ، فإنه نقل عن ابن نوح وابن عقدة ولم نعرف مذهبهما.

وهو خلاف الظاهر ، فإنه المذكور وكثيرا ما يقول بصحّة مثله فتأمّل ، لعله نسي توثيقه في الخلاصة.

قوله : «والدم المسفوح إلخ» من المحرّمات المائعة الدم مطلقا ، مسفوحا

__________________

(١) سندها كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى ، عن الحسن بن المبارك ، عن زكريا بن آدم.

(٢) الظاهر انه أحمد بن محمّد بن نوح يكنى أبا العباس السيرافي وثقه الشيخ في الفهرست وقال : وله تصانيف منها كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله عليه السّلام وزاد على ما ذكره ابن عقده كثيرا إلخ راجع تنقيح المقال للمحقق المتتبع المامقاني ج ٣ ص ٩٤.

(٣) احمد بن محمّد بن سعيد الهمداني الكوفي قال العلامة يكنى أبا العباس جليل القدر عظيم المنزلة وكان زيديا وجاروديا وعلى ذلك مات (إلى ان قال) : له كتب (إلى ان قال) : منها كتاب أسماء للرجال الذين رووا عن الصادق عليه السّلام أربعة آلاف رجل خرّج فيه لكل رجل الحديث الذي رواه مات بالكوفة سنة ٣٣٣ (الكنى) ج ١ ص ٣٤٦.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وغير مسفوح.

قيل : المسفوح ، هو الذي يخرج بقوة عند قطع عرق الحيوان أو ذبحه ، من سفحت الماء إذا صببته ، فالمسفوح المصبوب.

واحترز به عمّا يخرج بتثاقل فهو غير المسفوح كدم الضفادع ، والقراد ، والسمك فلا يكون الدم المتثاقل الغير المسفوح نجسا لكون النجس هو المسفوح فقط ولكن يحرم لعموم قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (١).

ومرسلة محمّد بن عبد الله ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ في تعليل المحرّمات ـ : لم حرّم الله (الخمر ـ ئل) الميتة والدم إلخ (٢).

قيل : الأولى ، الاستدلال على تحريمه ب (الخبائث) (٣) لأن مطلق الدم مقيّد بالدم المسفوح في قوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (٤).

وأنت تعلم ان المطلق انما يحمل على المقيّد على تقدير المنافاة ، ولا منافاة بين الآيتين الّا باعتبار مفهوم الصفة ، فلو قيل به وبتخصيص العام بالمفهوم ليتم الحمل ، لكن ليس مفهومها بحجّة (الحجة ـ خ) ، وعلى تقديرها في التخصيص به بحث كما حقق في موضعه في الأصول.

نعم المنافاة موجودة من جهة الحصرة ولكن يمكن ان يكون تحريم مطلق الدم بعد نزول الحصر كما يجاب به عن كثير من المحرّمات ، على ان المنافاة حينئذ موجودة مع آية الخبائث ، فما يجاب به يجاب حينئذ ، فتأمّل.

وأيضا قد يناقش في الخباثة ، فإن كثيرا من الدماء يحكمون على حلّها ، مثل

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) لاحظ الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٦.

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) الأنعام : ١٤٥.

٢١٠

إلّا ما يستخلف في اللحم ممّا لا يدفعه المذبوح.

______________________________________________________

ما يبقى بعد القذف فتأمّل.

واما تحريم المسفوح فلنجاسته ، ولقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) (١).

ولكن قد صرّحوا بعدم تحريم كثير من الدماء ، مثل ما يبقى في الحيوان بعد الذبح والقذف من الدم المسفوح وغيره.

فعلى تقدير تحريم الجميع يشكل الأمر بمثله ، فإخراجه يحتاج إلى دليل ، والإجماع غير ظاهر وان قيل بتحريم المسفوح خاصّة لحمل المطلق من الآية على المقيّد وعدم ظهور (الخبائث) ودليل آخر على تحريم الكل فلا يحرم الّا المسفوح.

ولكن يخرج كثير من الدماء المحرّمة فيحتاج إدخاله إلى الدليل.

فدليل مسألة تحريم الدم وبيان الحرام منه والحلال ، والنجس والطاهر ، في غاية الاشكال وقد مرّت الإشارة إليه في باب النجاسات فتذكّر (٢) ، وينبغي الاجتناب والاحتياط حتى يفرج الله تعالى.

قوله : «الّا ما يستخلف في اللحم إلخ» يحتمل ان يكون مستثنى من قوله : (وغيره) أي الدم الغير المسفوح أيضا حرام مثل دم الضفادع والقراد (الّا ما يستخلف في اللحم) فإنه يكون طاهرا وحلالا.

ويحتمل ان يكون مستثنى من مطلق الدم ، مسفوحا وغيره ، إذ قد يبقى في الحيوان بعد الذبح والخروج المتعارف من الدم المسفوح شي‌ء ، وهو أيضا يكون حلالا.

واشترط في حلّ ما بقي ، خروج الدم والقذف المعتدل وعدم العلم بدخول شي‌ء من المسفوح إلى الباطن بجذب نفس أو لكون رأس الحيوان على موضع مرتفع

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

(٢) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٤ ـ ٣١٩.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنه حينئذ ما دخل فيه نجس.

فلا بدّ ان لا يكون رأسه على المنحدرة بحيث يرجع الدم إلى الجوف ، ولا يطلع ، بل يكون على المستوية أو المنحدرة بحيث يكون البدن فوق ، والرأس في التحت ليعين على الخروج ، ولا يشترط هذا ، للأصل وعموم ما يدل على حلّ الذبيحة.

وقوله : (ممّا لا يدفع) متعلّق ب (يستخلف) (وبيان له ـ خ) فهو الغير الخارج على الوجه الذي تقدم (على الوجه المتقدم).

وبالجملة ما علم بل ما ظن انه (مسفوح ـ خ) غير مندفع على الوجه العادي ، يكون حكمه بعد الخروج حكم المسفوح فيكون نجسا (وحراما ـ خ).

قال في شرح الشرائع : وفي إلحاق ما يتخلّف في القلب والكبد وجهان ، من مساواته له في المعنى وعدم كونه مسفوحا ، ومن الاقتصار بالرخصة المخالفة للأصل ، على موردها ، ولو قيل بتحريمه في كل ما لا نصّ فيه والاتفاق وان كان ظاهرا ما كان وجها ، لعموم تحريم الدم وكونه من الخبائث.

ما رأيت نصا دالا على حلّية ما يستخلف من الدم ولا إجماعا ، نعم ظاهر كلامهم الذي رأيته ، ذلك من غير إشارة إلى خلاف ، فكأنه إجماعيّ ، والدليل الذي يتخيّل ، الضرر ، والحرج والعسر ، والحكم بحلّ الذبيحة بعد الذبح من غير إشارة إلى إخراج الدماء التي فيها ، وذلك يشمل ما في القلب والكبد وغير هما ، وهو ظاهر.

ولكن قد يحال على ما تقرّر من نجاسة الدم وعدم حلّه ، على أنّ الاخبار دلّت على تحريم الدم من الذبيحة كباقي محرّماتها.

ولعلّهم حملوها على الدم المتعارف ، وهو الخارج المعتدل عند الذبح ، وذلك غير بعيد فإنه المتبادر ، قال في الكشّاف (١) وغيره : المسفوح ، المصبوب السائل

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٧٤ في تفسير قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ) إلخ ، الانعام : ١٤٥.

٢١٢

والبول كله إلا بول الإبل للاستشفاء.

______________________________________________________

كالدم في العروق ، لا كالكبد والطحال ، وقد رخّص في دم العروق بعد الذبح (١).

قال المحشي : هذا مذهب أبي حنيفة ، واما الشافعي فهو يحرّم كلّ الدماء مسفوحة أم لا.

يردّ على الشافعي أنّه يجب ان يقيّد المطلق على المقيّد خصوصا انه يجعل القرآن شيئا واحدا يقيّد بعضه بعضا.

وبالجملة ، العقل والنقل دليل اباحة كل شي‌ء وطهارته حتى يعلم خلافه فتأمّل ، فالدم الباقي والغير المسفوح حلال على الظاهر بناء على ذلك حتى يثبت التحريم والنجاسة ، ولهذا قيّدوا النجاسة بالدم المسفوح ، ولكن هو يدلّ على كون غير المسفوح ممّا له نفس سائلة لم يكن نجسا ، وظاهر حالهم وبعض عباراتهم ـ مثل الدم من ذي النفس ، لا الدم المسفوح ـ انه نجس فتأمّل. وقد مرّ البحث عن ذلك في بحث النجاسة (٢).

قوله : «والبول كلّه إلخ» من المحرّمات المائعة البول كلّه.

وجهه ظاهر ان كان من الحيوان الغير المأكول ، لأنه نجس وكلّ نجس حرام ، والظاهر انه بلا خلاف ، وللخباثة ، ولتعليل تحريم لحم الخنزير بالنجاسة في قوله تعالى (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فتأمّل ، وكذا سائر النجاسات مثل المني.

واما الطاهر منه مثل بول ما يؤكل لحمه كالأنعام ففيه خلاف ، قيل : بالحلّ ، للعقل والنقل ، الدالّين على الإباحة خصوصا حصر المحرّمات ، وهو مذهب

__________________

(١) يعني يعبّرون عن الدم النجس بدم ذي النفس السائلة لا بالمسفوح وهو قرينة على نجاسة الدم مطلقا لا خصوص المسفوح.

(٢) راجع ج ١ من هذا الكتاب ص ٣١٤ ـ ٣١٩.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السيد ، وابن الجنيد ، وابن إدريس ، والمحقق في النافع.

وقيل بالتحريم وهو مذهب المصنف ، والمحقّق في الشرائع ، والشهيد ، للاستخباث فيدخل تحت آية (الخبائث) (١).

والظاهر أنّ الأوّلين يمنعون صدق الخبيث ، فإنه ليس بشرعي ، واللغة والعرف غير ظاهر فيبقى أدلة الحلّ سالما وشاملا له ، فان الخبث غير ظاهر ، فان الصحناء (٢) يقولون بحلّه ، مع أنّ كثيرا من الناس يستخبثه.

وبالجملة ، الحكم بتحريمه بمجرد الخباثة ـ مع الاختلاف الذي في الطبائع ووجود اباحة أشياء تجد أكثر الناس انه خبيث ـ مشكل ، فلا تعدل عن أدلّة العقل والنقل الدالّين على الحلّ الّا بالعلم بالصدق فتأمّل والاحتياط حسن.

ومنه يعلم البحث في تحريم بصاق الإنسان ونخامته وعرقه وبعض فضلات باقي الحيوانات مع ورود نصوص ظاهرة في حلّ بصاق المرأة والبنت وقد مرّ في بحث الصوم فتذكّر (٣) فإنها ليست بأخبث من الدماء الباقية بعد القذف فتأمّل.

وقد استثني بول الإبل منه للاستشفاء ، لما ثبت عندهم انه صلّى الله عليه وآله أمر قوما اعتلّوا بالمدينة ان يشربوا أبوال الإبل فشربوا وشفوا (٤).

ويدل عليه أيضا ما روي عن الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه السّلام وهو يقول : أبوال الإبل خير من ألبانها ويجعل الله الشفاء في ألبانها (٥).

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

(٢) والصحناء بالكسر ادام يتخذ من السمك ، يمدّ ويقصّر (مجمع البحرين) والصحناء ، والصحناة ، ويمدّان ويكسران ادام يتخذ من السمك ، الصغار منه مشهّ مصلح للمعدة (القاموس).

(٣) راجع ج ٥ من هذا الكتاب ص ٢٨ ـ ٣١.

(٤) سنن أبي ماجة ج ٢ باب ٣٠ من أبواب الإبل ١١٠٥٨ رقم ٣٥٠٣.

(٥) الوسائل باب ٥٩ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٧.

٢١٤

ولبن المحرّمات كالقردة والهرّة ويكره لبن المكروه كالأتن.

______________________________________________________

وهذه تدل على حلّ أبوالها من غير حاجة فتأمّل.

فعلى القول بتحريم الأبوال ، إنما يجوز شربه في محلّ الحاجة للاستشفاء وعلى الأول يجوز مطلقا ، والاستثناء مؤيد للحلّ مطلقا ، لما ثبت ان لا شفاء في المحرّمات (المحرم ـ خ) كما سيجي‌ء وعدم بيانه صلّى الله عليه وآله لهم انه انما يجوز مع الحاجة.

وأيضا قد يكون للمرض علاج آخر فتجوّزه انما يكون مع العلم بعدم الشفاء الّا فيه.

قوله : «ولبن المحرّمات كالقردة إلخ» المشهور ان اللبن تابع للحيوان ، فان حرم لحمه حرم لبنه ، وان كره كره ، وكذا عدمهما.

والدليل عليه غير ظاهر ومعلوم عدم الاستلزام وهو ظاهر ، نعم قد يتخيّل ذلك ولكن لا حقيقة له الّا ان يكون له دليل من إجماع ونحوه.

وقد ورد الاخبار بجواز شرب لبن الأتن الأهليّة من غير إشارة إلى كراهة مع وجود الأخبار في تحريم لحمها ، والخلاف بين الأصحاب ، فهو مؤيّد لعدم اللزوم ، ولو صحّ لأمكن الاستدلال على اباحة لحم الأتن بانضمام اخبار اباحة لبنه بعكس النقيض فتأمّل.

وهي صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : تغدّيت معه فقال لي : أتدري ما هذا؟ قلت : لا ، قال : هذا شيراز الأتن اتخذناه لمريض لنا ، فإن أحببت أن تأكل منه فكل (١).

ورواية يحيى بن عبد الله قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السّلام فأتينا بسكرجات فأشار بيده نحو واحدة منهن ، وقال : هذا شيراز الأتن اتخذناه لعليل لنا

__________________

(١) الوسائل باب ٦٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

٢١٥

وكل ما خالطه شي‌ء من المائعات النجسة حرم أكله إن لم يمكن تطهيره.

______________________________________________________

فمن شاء فليأكل ، ومن شاء فليدع (١).

وحسنة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شرب ألبان الأتن ، فقال : اشربها (٢).

ورواية أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سألته عن شرب ألبان الأتن ، فقال : لا بأس بها (٣).

وفي طريقها ، الحسين بن المبارك (٤) ، وفي بعض النسخ الحسن بن المبارك (٥) وعلى التقديرين مجهول.

ولا يخفى عدم فهم الاختصاص بالمريض ، بل عدم الكراهة أيضا فتأمّل.

قوله : «وكل ما خالطه شي‌ء إلخ» لا شكّ في تحريم أكل ما وقع عليه النجاسة من المائعات ، وشربه ، واستعماله فيما يشترط فيه الطهارة ، لأنه يصير به متنجسا ، وذلك ممّا لا نزاع فيه قبل التطهير.

وكذا فيما لا يمكن تطهيره مطلقا ، وهو المائع ، الغير الماء ، مثل الدبس والعسل والدهن وغير ذلك ، لأنه انما يطهر بوصول الماء الطاهر إلى جميع اجزائه وذلك غير ممكن.

ولو فرض ذلك طهر وأحلّ مثل ما نقل عن المصنّف انه قال : يجوز ان يغلي

__________________

(١) الوسائل باب ٦٠ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

(٢) الوسائل باب ٦٠ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

(٣) الوسائل باب ٦٠ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المباحة ج ١٧ ص ٨٩.

(٤) سندها كما في الكافي باب ألبان الأتن هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، عن الحسين بن المبارك عن أبي مريم الأنصاري.

(٥) في الوسائل : (الحسين بن الحسن بن المبارك) والظاهر انه سهو.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الدهن ويصبّ في الكرّ بحيث يصل إلى كلّ جزء منه الماء المطلق.

وكذا يمكن في العسل وغيره بالطريق الاولى ، ولكن الانتفاع المطلوب منه غير معلوم ويمكن ان يصب عليه أوّلا الماء بحيث صار ماء مطلقا ، ثم يطهر بالماء ثم يغلى بحيث يذهب الماء ويبقى العسل مثلا ، وهو أيضا بعيد.

واما الجامد ولو في بعض الأوقات ، مثل الدبس والعسل والسمن في الشتاء ، فلم ينجس بوقوع النجاسة فيه وملاقاته ايّاها الّا ما اتصل به مع رطوبة مّا فيسقط (فيكسط ـ فيكشف خ) ما وصل إليه يحلّ الباقي.

ويدل عليه العقل والنقل ، مثل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فان كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي ، وان كان ذائبا فلا تأكل واستصبح به ، والزيت مثل ذلك (١).

وفيها دلالة على عدم طهارة السمن بالماء وغيره ، وان المنهيّ عنه هو اكله لا سائر الانتفاعات ، وصرّح بالاستصباح ، واشارة إلى عدم نجاسة الفأرة حيث قيّد بالموت.

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الفارة والدابّة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه ، فقال : ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذه ، فان كان الشتاء فانزع ما حوله وكله وان كان الصيف فارفعه حتى تسرج به ، وان كان بردا فاطرح الذي كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابّة ماتت عليه (٢).

ويظهر من هذه ان المراد بالجمود ما ينجمد من هذه الأشياء مثل كونه في زمن الشتاء ، وانه لا حدّ له سوى العرف وما يرى من كونه بحيث لا يؤثر فيه كثيرا

__________________

(١) الوسائل باب ٤٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٢.

(٢) الوسائل باب ٤٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٣.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بحيث لا يتعدى النجاسة غير محلّ الملاقي ، بل قد يفرض عدم التأثير أصلا فتأمّل.

وقد علم انه يجوز الاستصباح بذلك.

والظاهر انه لا خلاف في جواز الانتفاع والاستصباح بالدهن المتنجس مثل السمن والزيت ودلت على الجواز الرواية مثل ما تقدم.

وقد خصّ في أكثر العبارات جواز ذلك بتحت السماء دون السقف ، بل نقل ابن إدريس الإجماع على ذلك ذكره في المختلف ، وردّه بخلاف الشيخ في المبسوط.

وما (١) نجد له وجها أصلا ، وما قيل في ذلك من نجاسة الدخان غير تام ، بل ولا غير معقول ، وهو ظاهر ، ولا نصّ في ذلك الآن حتى يقال : انه تعبّد محض ، فان الروايات عامة بل ظاهرة في تحت السقف.

مثل ما تقدم (٢) ، ومثل صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام ، قال : قلت : جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل فقال : اما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، واما الزيت فيستصبح ، وقال في بيع ذلك الزيت : تبيعه وتبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به (٣).

وصحيحة سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الفارة والكلب تقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حيا؟ فقال : لا بأس بأكله ، وعن الفارة تموت في السمن والعسل ، فقال : قال علي عليه السّلام : خذ ما حولها وكل بقيّة ، وعن الفارة تموت في الزيت؟ فقال : لا تأكله ، ولكن أسرج به (٤) هذه

__________________

(١) يعني لا نجد وجها لكون الاستصباح تحت السماء فقط.

(٢) يعني صحيحة زرارة وصحيحة الحلبي.

(٣) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦١.

(٤) أورد قطعة منها في الوسائل باب ٤٥ حديث ١ وقطعة منها في باب ٤٣ حديث ٤ من أبواب الأطعمة

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صريحة في طهارة الفارة.

وبالجملة دلالة الاخبار على جواز الاستصباح به تحت السقف ظاهرة لانه المتعارف فينصرف إليه ، وهو موافق لمذهب الشيخ في المبسوط مع الكراهيّة على ما نقل في المختلف ، لكنها غير ظاهرة كأنه لقولهم بالمنع.

وكذا أطلق ابن الجنيد جواز الاستصباح به ، وقوّى في المختلف أيضا الجواز مطلقا ، ولكن قال : الّا ان يعلم أو يظن بقاء شي‌ء من عين الدهن فيحرم الاستصباح تحت الظلال حينئذ.

أصله ظاهر جيّد ، وفي الاستثناء تأمل ، إذ غاية ما يلزم من الاستصباح بما علم وجود الدهن النجس في الدخان تنجيس الإنسان ماله ، وذلك ليس بمحرّم وهو ظاهر.

فالظاهر الجواز مطلقا من غير استثناء ، لما تقدم من الاخبار.

ولعل كلام المختلف في الاستثناء محافظة لكلامهم في الجملة وتأويله به ، وكذا الكراهة المنقولة عن المبسوط غير ظاهرة فلعلّه إشارة إلى توجيه ما تخيّلوا وما يمكن ان يقال في توجيه كلامهم من الكراهة ، والعلم أو الظن ببقاء عين الدهن في الدخان لا الحكم به فتأمّل.

فالظاهر الجواز مطلقا مع كون الاجتناب عن تحت السقف أحوط وأولى لمحافظة كلام الجماعة ، إذ قد يكن لهم فيه نصّ وما وصل إلينا.

وهذا الذي نجس بالعارض ، فالظاهر ان لا نزاع في جواز بيعه أيضا إذا كان دهنا ، ولكن قالوا بشرط إعلام المشتري المسلم بذلك ، إذ قد يستعمله فيما يشترط فيه الطهارة عملا بظاهر حال البالغ (البائع ـ خ ل) المسلم.

__________________

المحرّمة ج ١٦ ص ٤٦٤ وص ٤٦٢.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وإذا لم يعلم ، هل يقع البيع باطلا أو يصحّ ويكون للمشتري ، الخيار بين الردّ بالأرش والفسخ ، فان المبيع معيب ، فيكون حكمه حكم سائر المعيبات.

والظاهر الأوّل الّا ان لا يقال بالاشتراط ، بل واجبا غير شرط ، فالنهي لا يدلّ على التحريم الّا ان يقال : الاعلام انما هو شرط جواز البيع لا شرط صحته ، فيحمل ان لا يباح الّا مع الاعلام ، ومع الترك كان حراما وصحيحا.

وأنت تعلم ان النهي هنا راجع إلى نفس البيع حينئذ ، ففي الصحّة تأمل يعلم من الأصول ، وقد مرّ البحث فيه مرارا فتأمّل.

وهل حكم غير الدهن المتنجسات الغير القابل للتطهير حكمه في جواز البيع أم لا؟ قيل : يختص به ، لعدم ظهور انتفاع في غيره.

والظاهر ، الجواز لعموم أدلّة البيع واحتمال الانتفاع وهو ظاهر ، هذا في المتنجّس.

واما النجس كالميتة مثل أليات (الغنم الشاة ـ خ) سواء قطعت من الحيّ أم من الميّت فقالوا : لا يجوز الانتفاع بها أصلا فلا يجوز بيعه أيضا لتحريم مطلق الانتفاع من الميتة ، ونقل على ذلك الإجماع في شرح الشرائع ، فإن ثبت ذلك ، والّا فعمومات أدلة حلّ الانتفاع بكل شي‌ء (١) إلّا ما أخرجه الدليل تشمله ، ولم يدلّ (حرِّمتْ عليكم الميتة) (٢) ونحوه (٣) على ذلك لجواز تحريم الأكل المتبادر ، ونحوه.

وبالجملة لو كان إجماع (٤) أو نصّ (٥) فهو المتبع ، والّا فلا.

__________________

(١) مثل قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، البقرة : ٢٩.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) مثل قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) ، الآية ـ الأنعام : ٤٥.

(٤) في هامش بعض النسخ هكذا : كيف يكون الإجماع عليه وانه ذهب البعض إلى طهارته بالدباغ فيجوز ليس جلدها ـ بخطه رحمه الله.

(٥) في هامش بعض النسخ : (فيه بعض الروايات الغير المعتبرة ـ بخطه رحمه الله).

٢٢٠