مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

النهي عن أذاه وقتله ، وهو غير مستلزم للنهي عن أكل لحمه ، وهو ظاهر ، فان في أكله بعد القتل ليس أذاه.

وأيضا يحتمل ان يكون المراد بالنهي قتله لا للأكل ، بل لأذاه يؤيده قوله : (لا يؤذى) والعلّة (١) أيضا فإنه كونه (نعم طير) لا يستلزم عدم قتله للأكل ، فان الغنم أيضا موصوف بأنه نعم المال (٢) أو مال مبارك ونحو ذلك مع انه خلق للأكل (٣) ، ولا شك ان الاجتناب عن أذاه أولى وأحوط.

واما دليل كراهة الخطاف فهو رواية الحسن بن داود الرقي ، قال : بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ مرّ رجل بيده خطاف مذبوح ، فوثب إليه أبو عبد الله عليه السّلام حتى أخذه من يده ثم دحا به الأرض ثم قال : اعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ (لقد ـ يب) أخبرني أبي عن جدّي انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عن قتل الستة النحلة ، والنملة ، والضفدع ، والصرد ، والهدهد ، والخطاف (٤).

فيها دلالة على كراهة الستة ، ولعلّ فيه ان الأمر (٥) يكون بمعنى الجواز ، ويفهم ان المراد بالنهي عن القتل ، النهي عن الأكل حيث رمى به بعد ان كان مذبوحا ثم نقل النهي عن القتل ، فتأمّل.

ولكن في السند جهالة ل (حسن) و (غيره) (٦) واضطراب أيضا حيث نقل

__________________

(١) يعني يؤيّده التعليل بقوله في صحيحة علي بن جعفر المتقدمة : فنعم الطير هو.

(٢) في خبر عمر بن ابان عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : نعم المال الشاة ، الوسائل باب ٢٩ حديث من أبواب أحكام الدواب ج ٨ ص ٣٧٢ وراجع باب ٢٠ منها وفيه اخبار كثيرة دالّة على كون الشاة والعنز بركة ص ٣٧٣.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى (خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‌ءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ، النحل : ٥.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ ـ ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٥) يعني ان الأمر في قوله عليه السّلام : عالم أمركم بهذا إلخ يعني أجاز لكم.

(٦) سنده في التهذيب هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن علي بن محمّد ، عن

١٨١

والخطاف.

______________________________________________________

في الكافي انه رفع الى داود الرقي أو غيره (١) وزاد في آخرها بعد قوله : (نهى عن قتل الستة منها الخطاف وقال : إنّ دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمّد صلّى الله عليه وآله وتسبيحه قراءة الحمد لله ربّ العالمين ، ألا ترونه يقول : ولا الضالّين؟ (٢).

وفي رواية محمّد بن يوسف التميمي ، عن محمّد بن جعفر ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : استوصوا بالصنينات خيرا يعني الخطاف ، فإنهن آنس طير الناس بالناس ثم قال : (وـ ئل) أتدرون ما تقول الصنينة إذا (يعني مرّت وـ ئل) ترنّمت؟ تقول : بسم الله الرَّحمن الرحيم ، الحمد لله ربّ العالمين. حتى قرأ أمّ الكتاب ، فإذا كان في آخر ترنّمها قالت : ولا الضالّين مدّها (بها ـ خ) رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولا الضالّين (٣).

وفي حسنة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قتل الخطاف أو إيذائهن في الحرم ، فقال : لا تقتلهن (لا تقتلن ـ خ) ، فاني كنت مع علي بن الحسين عليهما السّلام فرآني أُوذيهن ، فقال له : يا بنيّ لا تقتلهنّ ولا تؤذيهنّ فإنهن لا يؤذين شيئا (٤).

تدل على عدم قتل ما لا يؤذي ، وقتل ما يؤذي ، ولا تدل على تحريم لحمه ، بل كراهته (٥) أيضا مع ان فيه شيئا فتأمّل ، فكأنه كان عليه السّلام في الصغر

__________________

الحسن بن داود الرقى.

(١) وفي الكافي هكذا : علي بن محمّد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن علي بن محمّد رفعه إلى داود الرقي وغيره قال : بينا إلخ.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٣) الوسائل باب ٣٩ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٥) يعني بل لا تدل على كراهته أيضا فضلا عن التحريم.

١٨٢

والفاختة.

والقنبرة.

______________________________________________________

جدّا (١).

وفي رواية عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السّلام عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله؟ فقال : هو ممّا يؤكل ، وعن الوبر يؤكل؟ قال : لا هو حرام (٢).

وفهم الشيخ من الاولى تحريم لحمه ، وحمل الثانية على التعجب من ذلك دون الاخبار ويجري ذلك مجرى قول أحدنا إذا رأى إنسانا يأكل شيئا تعافه الأنفس : هذا شي‌ء يؤكل؟ وانما يريد به تهجينه لأن الاخبار عن جواز ذلك ، ولا يخفى بعده ، بل عدم إمكانه لقوله : (وعن الوبر يؤكل؟ قال : لا هو حرام) وعدم الحاجة والداعي إلى ذلك ، إذا ما ثبت بالأولى تحريم لحمه ، لما عرفت ، ولمقارنته بغير المحرّم مثل الهدهد ، فان الظاهر عدم تحريمه عنده بل عند غيره أيضا.

واما كراهة الفاختة ، فلما روي عن أبي عبد الله عليه السّلام انها طائر مشوم (٣).

وفي السند (٤) والدلالة تأمّل بعد أدلة الحلّ لكن الاجتناب حسن بهذا.

واما كراهة القبرة بالتشديد والتخفيف ، وبالنون لحسن. هكذا قيل ولكن في النسخ ، القنبرة ، فلرواية سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا

__________________

(١) توجيه لنهيه عليه السّلام إيّاه عن الإيذاء بأنه عليه السّلام كان صغيرا جدا.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٦ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٨ وباب ١٧ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٣) راجع الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من أبواب أحكام الدواب ج ٨ ص ٣٨٦.

(٤) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الجاموراني ، عن ابن أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السّلام إلخ.

١٨٣

والحبارى

______________________________________________________

عليه السّلام قال : لا تأكلوا القبرة (القنبرة ـ ئل) ، ولا تسبوها ، ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها ، فإنها كثيرة التسبيح لله تعالى ، وتسبيحها : لعن الله مبغضي آل محمّد صلّى الله عليه وآله (١).

ورواية أخرى له عنه عليه السّلام ، وفي آخرها : يقول في آخر تسبيحها : لعن الله مبغضي آل محمّد صلّى الله عليه وآله (٢).

وقال في الكافي : وبإسناده قال : كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول : ما ازرع الزرع لطلب الفضل فيه وما أزرعه إلّا ليناله المعترّ وذو الحاجة ، ولتنال منه القبرة (القنبرة ـ ئل) خاصّة من الطير (٣).

وامّا كراهة الحبارى ، فليس لها دليل واضح سوى انه مذكور في أكثر الكتب. قال في التحرير : وبها رواية شاذة (٤).

نعم في صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه السّلام وانا اسمع ما تقول في الحبارى؟ قال : ان كانت له قانصة فكل (٥) الخبر.

وهي مشعرة بعدم ظهور حالها فالاجتناب أولى فتأمّل.

وتدلّ على عدمها صحيحة كردين المسمعي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحبارى قال : فوددت ان عندي منه فآكل منه حتى اتملّى (٦).

وعن بسطام بن صالح ، قال : سمعت أبا الحسن الأوّل عليه السّلام يقول :

__________________

(١) الوسائل باب ٤١ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٩.

(٢) الوسائل باب ٤١ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٥٠.

(٣) الوسائل باب ٤١ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٥٠.

(٤) قال في التحرير ص ١٦٠ من كتاب الأطعمة والأشربة ما هذا لفظه : يكره الهدهد والفاختة والقبّرة والحبارى على رواية شاذة (انتهى).

(٥) الوسائل باب ٢٠ قطعة من حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٨.

(٦) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٥٠.

١٨٤

خصوصا الصرد والصوام.

والشقرّاق.

______________________________________________________

لا أرى بأكل الحبارى بأسا وانه جيّد للبواسير ووجع الظهر ، وهو ممّا يعين على كثرة الجماع (١).

قال في شرح الشرائع : كأنّ نفي البأس يشعر بالكراهة فتأمّل.

واما كراهة الصرد والصوام فقد مرّ في رواية الهدهد (٢) فتذكر ، وكانت فيها النحلة ، وفي أخرى : النملة أيضا ، وما ذكروهما فكأنهما محرّمتان عندهم فتأمّل ، وكانت فيها الضفدع والصرد أيضا مع قولهم بكراهة الصرد ، وكأنه لذلك قالوا بشدّة كراهته ، ولكن ما قالوا بشدّة كراهة الهدهد وما نعلم الشدّة أيضا وليس شدة الصوامّ بظاهرة.

واما شدّة كراهة الشقرّاق (٣) ، فلرواية عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن الشقرّاق ، فقال : كره قتله لحال الحيّات ، قال : وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يوما يمشي ، فإذا شقراق قد انقض فاستخرج من خفه حيّة (٤).

وكأنّ لفظة الكراهة التي قد تكون للتحريم مع العلّة وحسن فعله معه صلّى الله عليه وآله وجه لقوله : (خصوصا) وكذا وجود النهي في الصوام والصراد ، بخلاف الحبارى والفاختة ، ولكن لم يفهموا منه الشدّة والخصوصيّة بالنسبة إلى

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ وفيه نشيط بن صالح.

(٢) راجع الوسائل باب ٣٩ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٢٤٧.

(٣) طائر يسمّى الاخيل دون الحمامة اخضر اللون اسود المنقار ، وبأطراف جناحيه سواد وبظاهر هما قال الجوهري : والعرب تتشأم به وفيه لغات إحداها فتح الشين وكسر القاف مع التثقيل والثانية بكسر الشين مع التثقيل ، والثالثة الكسر مع سكون القاف (مجمع البحرين) وفي هامش بعض النسخ (سرقيا).

(٤) الوسائل باب ٤٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٢٥١.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الهدهد والخطاف فتأمّل.

واعلم قد نقل وجها غريبا لقنزعة القنبرة في الكافي بإسناده إلى سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال : قال علي بن الحسين عليهما السّلام : القنزعة التي على رأس القبّرة من مسحة سليمان بن داود ، وذلك ان الذّكر أراد ان يسفد (١) أنثاه فامتنعت عليه ، فقال لها : لا تمتنعي فما أريد الّا ان يخرج الله عزّ وجلّ منّي نسمة تذكر به فأجابته إلى ما طلب ، فلما أرادت أن تبيض قال لها : أين تريدين أن تبيضي ، فقالت له : لا أدرى أنحيه عن الطريق ، قال لها : اني خائف ان يمرّ بك مارّ الطريق ، ولكنّي أرى لك ان تبيضي قرب الطريق ، فمن يراك قربه توهم انك تعرّضين للقط الحبّ من الطريق. فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت (٢) حتى أشرفت على النقاب ، فبينا هما كذلك إذا طلع سليمان بن داود (على نبينا وآله وعليهما السّلام) في جنوده والطير تظلّه فقالت له : هذا سليمان قد طلع علينا في جنوده ولا آمن ان يحطمنا ويحطم بيضنا ، فقال لها : ان سليمان (على نبينا وآله وعليه السّلام) لرجل رحيم بنا فهل عندك شي‌ء هيّأته لفراخك إذا نقبن؟ قالت : نعم جرادة خبّأتها منك انتظر بها فراخي إذا نقبن ، فهل عندك شي‌ء؟ قال : نعم عندي تمرة خبّأتها منك لفراخي ، قالت : فخذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان (على نبينا وآله وعليه السّلام) فنهديهما له ، فإنه رجل يحبّ الهديّة ، فأخذ التمرة في منقاره وأخذت هي الجرادة في رجليها ثم تعرّضا لسليمان (على نبينا وآله وعليه السّلام) فلما رآها وهو على عرشه بسط يديه لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمين ووقعت الأنثى على اليسار وسألهما عن حالهما فأخبراه فقبل هديتهما وجنّب جنده عنهما وعن بيضهما ومسح على رأسهما ودعا لهما بالبركة فحدثت القنزعة

__________________

(١) السفاد نزو الذكر من الحيوان والسباع على الأنثى ـ الصحاح.

(٢) حضن الطائر بيضه ضمه تحت جناحيه كذا في هامش الكافي.

١٨٦

(الثالث) حيوان البحر ، ويحرم كلّه الّا السمك ذا الفلس.

______________________________________________________

على رأسهما من مسحة سليمان عليه السّلام (١).

فيها أحكام ، مثل قصد النسل من النكاح.

والتجنب عن كسر بيض الطيور وأخذه.

والهديّة وقبولها وان كان قليلا جدّا وكان لصاحبها ، طلبا من المهدي إليه.

والدعاء له بالبركة وغيرها وان كان في شرع سليمان فتأمّل.

قوله : «الثالث حيوان البحر إلخ» المشهور بين الأصحاب تحريم حيوان البحر الّا السمك الذي له فلس فإنه الحلال ، وقد ادعى إجماع المسلمين على حلّ السمك الذي فيه فلس ، وإجماع الأصحاب على تحريم ما ليس بصورة السمك من سائر حيوان البحر ، وهو غير ظاهر ، وسيجي‌ء اختلافهم في السمك الذي لا فلس له مثل الجرّي والمارماهي والزمار.

فنقل عن الأكثر التحريم مطلقا لصحيحة محمّد بن مسلم قال : أقرأني أبو جعفر عليه السّلام شيئا من كتاب علي عليه السّلام ، فإذا فيه : انها كم عن الجرّيث ، والمارماهي ، والطافي ، والطحال ، قال : قلت له : رحمك الله انا نؤتى بسمك ليس له قشر ، فقال : كل ماله قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله (٢). وصحيحة حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك ، الحيتان ما يؤكل منها؟ قال : ما كان له قشر ، فقلت : جعلت فداك ما تقول في الكنعت؟ قال : لا بأس بأكله ، قال : قلت : فإنه ليس له قشر ، قال : بلى ولكنها حوت سيّئة الخلق تحتكّ بكلّ شي‌ء ، فإذا أنظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا (٣)

__________________

(١) الكافي آخر كتاب الصيد باب القبرة ج ٢ ص ١٤٦ طبع قديم وأورد قطعة منه في الوسائل باب ٤١ حديث ٤ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٥٠.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣١ وذيله في باب ٨ حديث ١ منها.

(٣) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٦.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة ابن سنان ـ كأنه عبد الله ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي عليه السّلام بالكوفة يركب بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله ثم يمر بسوق الحيتان فيقول : لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له قشر من السمك (١).

ومثلها رواية مسعدة بن صدقة عنه عليه السّلام (٢).

ورواية أبي سعيد ، قال : خرج أمير المؤمنين عليه السّلام على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله فخرجنا معه نمشي حتى انتهى إلى موضع أصحاب السمك فجمعهم ثم قال : أتدرون لأيّ شي‌ء جمعتكم؟ قالوا : لا ، فقال : لا تشتروا الجرّيث ، ولا المارماهي ، ولا الطافي على الماء ولا تبيعوه (٣).

وفي الصحيح ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عمّا يكره من السمك فقال : امّا في كتاب علي عليه السّلام فإنه نهى عن الجرّيث (٤).

وقريب منه رواية محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام (٥).

ورواية ابن فضال عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : الجرّي ، والمارماهي ، والطافي حرام في كتاب علي عليه السّلام (٦) وغير ذلك من الاخبار.

وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى إباحة ما عدا الجرّي ، لصحيحة محمّد الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا يكره شي‌ء من الحيتان إلّا الجرّي (٧)

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٠.

(٢) الوسائل باب ٨ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٠.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ١٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٣.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ١٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٣.

(٥) الوسائل باب ٩ حديث ١٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٦) الوسائل باب ٩ حديث ١٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٧) الوسائل باب ٩ حديث ١٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثلها رواية الحكم الّا انه بدل الجرّي الجرّيث (١).

قال الشيخ في الكتابين : فالوجه في هذين الخبرين وما جرى مجراهما أنه لا يكره كراهيّة الحظر إلّا الجرّي وان كان يكره كراهيّة الندب والاستحباب وما قدّمناه من الاخبار وان تضمّن بعضها لفظ التحريم ، مثل حديث ابن فضال : فمحمول على هذا الضرب من التحريم الذي قدّمناه.

وأيّده بصحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام (أبا عبد الله عليه السّلام ـ يب) عن الجرّيث فقال : وما الجرّيث؟ فنعتّه له فقال (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ، الآية ، ثم قال : لم يحرّم الله شيئا من الحيوان في القرآن الّا الخنزير بعينه ويكره كل شي‌ء من البحر ليس له قشر مثل الورق وليس بحرام انما هو مكروه (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الجرّي ، والمارماهي ، والزمير ، وما ليس له قشر من السمك إحرام هو؟ فقال لي : يا محمّد : اقرأ هذه الآية التي في الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) ، قال : فقرأتها حتى فرغت منها ، فقال : انما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها (٣).

فهذان الخبران صريحان في عدم تحريم شي‌ء من السمك الذي لا قشر له خرج ما اجمع على تحريمه ـ بحيث لا يمكن تأويله ـ بالنص والإجماع ، مثل الجرّي ان صحّ ما قيل فيه ، وبقي الباقي.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١٨ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٢) الوسائل باب ٩ حديث ١٩ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٤.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٢٠ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٣٥.

١٨٩

(الرابع) المائعات ويحرم منها الخمر وكلّ مسكر كالنبيذ وشبهه.

______________________________________________________

ويؤيده الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات بالآية والاخبار المتقدّمة أيضا فتأمّل.

ولكن يبعد حمل تلك الأخبار الكثيرة جدّا على الكراهة خصوصا ما يدل على فعله عليه السّلام من ركوب بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله ، والرواح إلى السوق وجمع أهله ، ومنعهم عن البيع والأكل ، فإن مثل هذا لا يعمل للمكروه.

وأيضا الظاهر تحريم الطحال والطافي ، فيلزم حمل النهي الذي فيها على التحريم والكراهة ، وكذا في الجرّي أو الجرّيث مع غيرها.

وأيضا لا بدّ من إخراج الجرّي أو الجرّيث من الكراهة وإدخالهما في التحريم ، فلا بدّ من التأويل فيما يدل على حصر المحرّمات في غيره مثل الآية والاخبار.

وأيضا ان الأول (الدالة على التحريم ـ خ) أكثر ، مع انه يمكن حمل الأخيرتين على التقيّة ، أو على عدم التحريم بالكتاب أو التحريم الغليظ ، مثل تحريم الخنزير ، ويؤيّده كثرة القائل.

فتأمّل ، فإن المسألة من المشكلات.

وأيضا ما علم تحريم كل حيوان البحر غير السمك كما هو ظاهر كلامهم ، إذ ما عرفنا له دليلا سوى ما ادّعى الإجماع على تحريم ما ليس بصورة السمك في شرح الشرائع فتأمّل.

قوله : «الرابع المائعات ويحرم إلخ» رابع المخلوقات المنقسمات (المنقسمة ـ خ ل) إلى المحرّم والمباح المائعات ، والمحرّم منها الخمر وكل مسكر كالنبيذ ، وهو ما يصنع من التمر كما يفهم من صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الخمر من خمسة ، العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ،

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والنبيذ من التمر (١).

ورواية الحسن الحضرمي عمن أخبره ، عن علي بن الحسين عليهما السّلام ، قال : الخمر من خمسة أشياء ، من التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير ، والعسل (٢).

ومثله روى في الصحيح ، عن عامر بن السمط ، عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام (٣).

وما روي في الصحيح أيضا ، عن علي بن إسحاق الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الخمر من خمسة ، العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمرز من الشعير ، والنبيذ من التمر (٤).

ولا منافاة لاحتمال الأخذ من الجميع.

وبالجملة كلّ ما يسكر وان كان قليلا (قليله ـ خ ل) ليس كذلك فقليله وكثيره حرام من أيّ شي‌ء أخذ.

أما الخمر فالدليل على تحريمه من الكتاب (٥) والسنّة ، وقد كثرت الاخبار ، بل ما يحتاج إلى الدليل ، لانه صار من الضروريات.

واما غيره فبالقياس باستخراج العلّة ، وهو السكر ، وكونه علة ، مفهوم من

__________________

(١) الوسائل باب ١ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢١.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٢.

(٣) الوسائل باب ١ مثل حديث ٢ بالسند الثاني من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٢.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٢.

(٥) مثل قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) إلخ ، البقرة : ٢١٩. وقوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ، المائدة : ٩٠. وقوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ، المائدة : ٩١.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

العقل والنقل.

وتدل عليه أيضا الأخبار ، مثل رواية علي بن يقطين ، عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال : ان الله عزّ وجلّ لم يحرِّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما فعل فعل الخمر فهو خمر (١).

ومثله صحيحته أيضا ، عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام ، قال : ان الله تبارك وتعالى لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (٢) ، والمراد انه حرام مثلها.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السّلام : واما الخمر ، فإنه حرّمها لفعلها وفسادها (٣).

وفي هذه الاخبار إشارة إلى جواز القياس مع بيان العلّة من الشارع ، فتأمّل.

وتدل على تحريم كل مسكر والنبيذ أيضا موثقة حنان بن سدير ، قال : سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في النبيذ ، فإن أبا مريم يشربه ويزعم أنك أمرته بشربه؟ فقال : صدق أبو مريم ، سألني عن النبيذ فأخبرته أنه حلال ولم يسألني عن المسكر. ثم قال عليه السّلام : ان المسكر ما اتقيت فيه أحدا ، سلطانا ولا غيره ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ مسكر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ، فقال له الرجل : فهذا (هذا ـ ئل) النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شي‌ء هو؟ فقال : اما أبي فإنه كان (فكان ـ ئل) يأمر الخادم فيجي‌ء بقدح فيجعل فيه زبيبا ويغسله غسلا نقيّا ثم يجعله (فيجعله ـ ئل) في إناء ثم يصبّ عليه ثلاثة مثله

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٣.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٣.

(٣) الوسائل باب ١٩ قطعة من حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧٣ منقول بالمعنى.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو أربعة ماء ثم يجعله بالليل ويشربه بالنهار ، ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي وكان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيّام كيلا (لئلا ـ ئل) تغتلم ، فان كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ (١).

وفيها دلالة على تحريم كل مسكر ولو كان قليلا منه.

وان النبيذ منه في الجملة ، ومنه حرام ، ومنه حلال وبيّنه.

وان لا تقيّة في بعض الأمور يحتمل لانه معلوم بحيث لا يمكن التقيّة أو لوجود قائل بتحريمه منهم أيضا فتأمّل.

وفي الحسن ، عن كليب الصيداوي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : كلّ مسكر حرام (٢).

وعن أبي الربيع الشامي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : ان الله حرّم الخمر بعينها ، فقليلها وكثيرها حرام كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله الشراب من كلّ مسكر وما حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله فقد حرمه الله عزّ وجلّ (٣).

وفي صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ان رجلا من بني عمّي ـ وهو من صلحاء مواليك ـ يأمرني (أمرني ـ خ) ان أسألك عن النبيذ وأصفه لك فقال : انا أصف لك ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ، قال : فقلت : فقليل الحرام يحلّه كثير الماء؟ فردّ عليّ بكفيه مرّتين : لا ، (٤) لا.

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ حديث ٥ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨١.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٥٩.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٥٩.

(٤) الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٧.

١٩٣

والفقاع.

______________________________________________________

وفي رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن النبيذ ، فقال : حرّم الله الخمر بعينها وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله من الأشربة كلّ مسكر (١).

وفي رواية أخرى ، عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام : انظر شرابك هذا الذي تشربه ، فان كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله ، فان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : كلّ مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام (٢).

وبالجملة ، الاخبار في تحريم شرب كل مسكر كثيرة جدّا ، وهو ظاهر وأنّ المراد بالمسكر الذي كثيره يسكر ولا يشترط ان يسكر قليله أيضا ، فالذي يسكر الكثير منه فهو حرام من غير إسكار من أيّ شي‌ء كان ، والاخبار في ذلك كثيرة جدا ، وقد مرّ طرف منها.

ومثل ما في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : سألته عن نبيذ قد سكن غليانه؟ فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : كل مسكر حرام (٣) ، ومثله رواية أبي الربيع الشامي (٤).

قوله : «والفقاع» من المحرّمات ، الفقاع أيضا ، والاخبار على تحريمه متظافرة ، مثل انه خمر مجهول فلا تشربه (٥) ، وفي أخرى خميرة (خمرة ـ ئل) استصغرها الناس (٦) ، في أخرى حدّه حدّ شارب الخمر (٧) ، وفي الأخرى : هو الخمر بعينها ، وفي أخرى : هو خمر وفيه حدّ شارب الخمر (٨).

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٦ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٠.

(٢) الوسائل باب ١٧ حديث ٩ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٧١.

(٣) الوسائل باب ٢٥ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٥ وللحديث ذيل فلاحظ.

(٤) الوسائل باب ١٥ قطعة من حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٥٩.

(٥) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

(٦) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

(٧) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

(٨) راجع الوسائل باب ٢٨ حديث ١ و ٢ وباب ٢٧ حديث ٢ من أبواب الأشربة

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الصحيح عن الوشاء ، قال : كتبت إليه ـ يعني الرضا عليه السّلام ـ اسأله عن الفقاع؟ قال : فكتب : حرام ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ، قال : وقال أبو الحسن : لو ان الدار داري لقتلت بايعه ، ولجلدت شاربه ، وقال أبو الحسن الأخير عليه السّلام : هي خمرة استصغرها الناس (١) والروايات في تحريمها كثيرة جدا (٢).

لكن ورد مع ذلك الروايات في حلّه أيضا ، مثل صحيحة مرازم ـ كأنه ابن حكيم الثقة ـ قال : كان يعمل لأبي الحسن عليه السّلام الفقاع في منزله ، قال محمّد بن أحمد بن يحيى : قال : أبو أحمد يعني ابن أبي عمير : ولا يعمل فقاع يغلى

قال الشيخ في الاستبصار والتهذيب : الذي يكشف عمّا ذكره ابن أبي عمير ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، قال : كتب عبد الله بن محمّد الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام : إن رأيت أن تفسّر لي الفقاع ، فإنه قد اشتبه علينا أمكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب إليه : لا تقرب الفقاع الّا ما لم تصر آنيته أو كان جديدا. فأعاد الكتاب إليه : اني كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني : أن اشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار ، ولم اعرف حدّ الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسّر ذلك له وهل يحلّ (يجوز ـ ئل) شرب ما يعمل في الغضارة أو الزجاج أو الخشب ونحوه من الأواني؟ فكتب : تفعل الفقاع (في الزجاج وفي الفخار الجديد ـ يب) وأواني الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ثم لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلّا في إناء جديد ، والخشب مثل ذلك (٣) (٤).

__________________

المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٧ وص ٢٩٢.

(١) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٩٢.

(٢) راجع باب ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧.

(٣) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥ وأسقط قوله : قال محمّد بن أحمد بن يحيى قال أبو أحمد يعني إلخ ، ولكنه في التهذيب كما نقله الشارح قدّس سرّه.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم نقل صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام ، قال : سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا ادري كيف عمل ولا متى؟ أيحلّ (لي ـ خ) ان اشربه؟ قال : لا أحبّ (١).

لعله يريد ب (لا أحب) التحريم ليوافق الأخبار الكثيرة.

وبالجملة ، الأخبار الكثيرة جدّا تدل على تحريم الفقاع ، لكن ما فسّر في الشرع فيحال إلى اللّغة والعرف ، فكلّ ما يسمّى به ـ ما لم يعلم حلّيته كما هو المشهور بين الأصحاب ـ فهو الحرام ، قيل : انه يتخذ من ماء الشعير.

ولكن ظاهر خبر مرازم مع تفسير ابن أبي عمير يدل على تحريم المغلي منه لا مطلقا ويفهم انه قول الشيخ في الكتابين ، لما مرّ من كلامه السابق ، ويقتضيه قاعدة حمل المطلق والعام على المقيّد والخاص.

ولكن تأييده برواية الحسين بن سعيد بعيد ، فإنها ضعيفة السند ، ومتنها مغلق ، وظاهرها يفيد جواز المغلي أيضا في الجديد وغير الضار ، بل ما غلى وعمل ثلاث مرّات أيضا ، ويحرم ما فوقه ، والقائل بمضمونها غير ظاهر ، إذ كلام ابن أبي عمير يدلّ على تحريم المغلي مطلقا ، والشيخ قبله وأراد تأييده بها ، لما مرّ ، مع الإشكال في المتن والسند.

فبقيت رواية مرازم غير مؤيّدة ، فتأويل ابن أبي عمير إياها غير ظاهر ، وطرحها أيضا مشكل.

وتأويل غيرها من الأخبار الكثيرة جدا بسبب هذه الواحدة التأويل لبعيد مشكل أيضا.

فيمكن تأويلها بحملها على التقيّة أو الفقاع الحلال أي الذي يعمل في

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٦.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بيته ، ولعل في قوله : (يعمل له في منزله) إشارة إلى ما هو حلال ، حيث ما قال : (يشرب الفقاع مطلقا) فافهم. وكان يعمل على وجه يعلمه عليه السّلام انه حلال وان سمّى فقاعا لمشابهته للحرام الذي يعملونه.

وبالجملة ، الفعل المثبت الذي له أفراد محرّمة وافراد محلّلة لا عموم له ، وعمل الفقاع كذلك فإنهم يقولون : انه حرام الّا إذا علم انه حلال كما أشرنا إليه ولا يدل على تعيين فرد أيضا وهو ظاهر وقد ثبت في الأصول.

فرواية مرازم ـ على تقدير كونه ابن حكيم الثقة إذ قد يكون غيره ـ لا توجب طرح الأخبار الكثيرة ولا تقيّدها بالقيد الذي يفهم من كلام ابن أبي عمير ولا غيره حتى يثبت المقيّد للمحلل والمحرّم فتعيّن حملها (١) على تقدير عدم ردها ، لعدم تسليم الصحّة أو لمعارضة واحدة من الكثيرة (٢) فتأمّل.

ويؤيّده الشهرة بحيث كاد ان يكون إجماع الطائفة ومن خصوصيات مذهبهم.

قال في الدروس : الثاني ، الفقاع إجماعا لقول الصادق عليه السّلام والرضا عليه السّلام : (هو خبر مجهول فلا تشربه) (٣) ، وفي رواية شاذة حلّ ما لم يغل منه (٤) ولا توضر (٥) آنيته بأن يعمل فيها فوق ثلاث مرّات (٦) ، وهي تقيّة أو محمولة على

__________________

(١) في هامش بعض النسخ : يعني رواية مرازم اما على التقيّة أو على الفقاع الحلال.

(٢) هكذا في النسخ لكن الصواب : مع الكثيرة ، كما لا يخفى.

(٣) الوسائل باب ٢٧ حديث ٨ ـ ١١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٤) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥.

(٥) فيه : نهي عن الشرب في الإناء الضاري وهو الذي ضري بالخمر وعوّد بها ، فإذا جعل فيها العصير صار خمرا (مجمع البحرين).

(٦) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٣٠٥.

١٩٧

والعصير إذا غلى واشتدّ الّا أن ينقلب خلا أو يذهب ثلثاه.

______________________________________________________

ما لم يسم فقاعا لحماء الزبيب قيل غليانه ، ففي رواية صفوان عن الصادق عليه السّلام : (حل الزبيب إذا نقع غدوة وشرب العشي أو ينقع بالعشي ويشرب غدوة) (١).

وهذا كلام جيّد يؤول إلى ما قلناه ، ولكن يفهم منه عدم القائل به وقد عرفت ان ابن أبي عمير والشيخ في الكتابين ـ على الظاهر ـ قائلين به فتأمّل.

وامّا حمل صحيحة علي بن يقطين على التحريم فغير بعيد ، لأن إطلاق (لا أحبّ) و (مكروه) على التحريم كثير ، ويحتمل ضربا من التقيّة أيضا فتأمّل.

قوله : «والعصير إذا غلى واشتدّ إلخ» من المحرّم ، العصير ، والمراد به الماء الّذي عصر من العنب ، بل الذي يصلح له ان يعصر ، إذ الماء الموجود في حبوب العنب أيضا إذا غلى قالوا بتحريمه.

والغليان هو انقلاب أعلاه أسفل كما سيجي‌ء في الرواية ، والشدّة عبارة عن الثخونة والغلظ والقوام ، وهي تحصل بعد الغليان.

والظاهر انه لا يحصل بمجرّد الغليان ما لم يكثر ، فلا تلازم بينهما كما ادّعاه الشهيد ، فاشتراط التحريم بهما محلّ التأمل ، فإن الظاهر من الروايات ان الشرط هو الغليان فقط ، فتأمّل.

مثل حسنة حماد بن عيسى ، (عثمان ـ خ ل) ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : لا يحرم العصير حتى يغلى (٢).

وفي رواية أخرى عنه عليه السّلام قال : سألته عن شرب العصير ، قال :

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٦٨.

(٢) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب الأشربة المباحة وفيه عن حماد عن أبي عبد الله عليه السّلام وباب ٣ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢١٩ ـ ٢٢٩ وفيه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السّلام.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه ، قال : قلت : جعلت فداك أيّ شي‌ء الغليان؟ قال : القلب (١) وفي الطريق (٢) أبي يحيى الواسطي ، ولا يضرّ (٣).

وفي موثقة ذريح ـ لابن فضال ـ (٤) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : إذا نشّ العصير وغلى (أو غلى كا يب ـ ئل) حرم (٥).

وحسنة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه (٦) ، وهي صحيحة في التهذيب (٧).

وحسنة أخرى له ، قال : أبو عبد الله عليه السّلام : إنّ العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فهو حلال (٨).

وصحيحة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا زاد الطلا على الثلث فهو حرام (٩).

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٩.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن حماد بن عثمان.

(٣) لعل نظره قدّس سرّه الى وجود حسنته مثل الرواية الأولى هنا.

(٤) سند الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن احمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم عن ذريح.

(٥) الوسائل باب ٣ حديث ٤ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٩.

(٦) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٢٣.

طريق الشيخ رحمه الله هكذا : الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان.

(٧) طريقه إلى الحسن بن محبوب هكذا : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذه الأسانيد ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، قال أيضا : ومن جملة ما ذكرته عن الحسن بن محبوب ما رويته بهذا الاسناد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، ومراده بقوله : (بهذه الأسانيد) أو الإسناد طرقه إلى الكليني هذا ولكن في التهذيب عنه (يعنى محمّد بن أحمد بن يحيى) عن الحسن بن محبوب.

(٨) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ج ١٧ ص ٢٣١.

(٩) الوسائل باب ٢ حديث ٨ من أبواب الأشربة المحرمة ج ١٧ ص ٢٢٧.

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كأنه يريد ، العصير إذا غلى ولم يذهب ثلثاه وبقي الثلث بل بقي الزائد عليه فهو حرام.

واعلم ان ظاهر أكثر الاخبار ان العصير إذا غلى مطلقا حرم ، وفي صحيحة عبد الله (بالنار) (١) فكأنّ المراد أعم لعموم الأكثر مع فتوى الأصحاب وعدم المنافاة بين العام والخاصّ ليخصّص مع احتمال ارادة التخصيص.

وان ظاهرها اشتراط كونه غلى معصورا ، فلو غلى ماء العنب في حبّه لم يصدق عليه انه عصير غلى ، ففي تحريمه تأمّل ولكن صرّحوا به فتأمّل.

والأصل والعمومات وحصر المحرّمات دليل التحليل حتى يعلم الناقل.

وأن العصير بظاهر لغته عام عن عصير العنب وغيره وهم خصّصوه به ، فلعل لهم دليلا أو العصير له معنى شرعي أو عرفيّ خاصّ بالعنب وما نعرفه ، فيمكن خروج ما علم حلّه وبقي ما فيه الشك في التحريم ، مثل عصير التمر والزبيب ، وما تقدم من الأصل والعمومات وحصر المحرّمات مؤيّدا بالشهرة دليل الحلّ حتى يعلم كون المراد بالعصير ما يعمّ فتأمّل كما سبق.

وانهم قالوا : إذا غلى واشتدّ يصير نجسا ، وما رأيت دليلا للنجاسة ، وقال الشهيد أيضا في الذكرى بعدم دليل بها ومع ذلك قال بها في كتبه ، واشتراكه مع المسكرات والفقاع في التحريم لا يستلزم اشتراكه معها في النجاسة وهو ظاهر.

وعلى القول بنجاسته قالوا يطهر بذهاب ثلثيه أو صيرورته دبسا أو خلّا.

وأيضا قالوا إذا القي فيه شي‌ء حين غليانه أو قبله ثم نجس بالغليان نجس ذلك أيضا ، وإذا طهر يطهر ذلك أيضا معه ، ولا يمنعه من الطهارة بما يطهره كما إذا كان خمرا القي فيها شي‌ء ثم صار خلّا.

__________________

(١) في الصحيحة : كل عصير اصابته النار.

٢٠٠