مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم رجال العامة ، وما يختصّون بنقله لا يلتفت إليه.

وأنت تعلم أنهم لا يختصّون بنقله.

ويمكن حمله أيضا على الكراهة مثل ما تقدم ، ولعل مقارنته بالمحرّمين (١) منعة عن ذلك.

ولكن التقيّة أيضا بعيد من غير سؤال (٢) ، وكذا اسناد تحريم شي‌ء إليه صلّى الله عليه وآله من غير ظهور ضرورة ، فردّه أولى كما أشار إليه.

وأنت تعلم أيضا أنه لا ينبغي حمل النهي في الخبرين الأوّلين على كراهة لحمها مطلقا ، بل على المبالغة لحفظها وبقائها ليركب ويحمل وينتفع بظهرها ، للتصريح بذلك في الاخبار المتقدمة وهنا أيضا صرح بالنهي يوم خيبر ، وهو مشعر به ، نعم في قوله : (لا تأكلها الّا ان تضطرّ إليها) (٣) و (لا تأكلها الّا ان يصيبك ضرورة) (٤) دلالة على الكراهة مطلقا لا من حيث الظهر فقط ، بل على الحرمة فيحمل عليها للجمع ، فإنه قد فهم عدم التحريم ممّا تقدم ، وان قوله عليه السّلام في الأول : (انما الحرام ما حرّمه الله في كتابه واقرأ هذه الآية) (٥) عام مخصوص بما علم تحريمه بغيرها فهو عام مخصّص كسائر العمومات المخصّصة.

أو يدعي تحريم جميع المحرّمات من القرآن من مثل قوله : (الخبائث) (٦)

__________________

(١) يعني حرمة الجرّي ، والضب.

(٢) يعني لم يسأل أحد الإمام عليه السّلام كي يصح حمل الجواب على التقية من السائل.

(٣) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٣.

(٥) راجع الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٣.

(٦) في قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) ، الأعراف : ١٥٧.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وادعى خبث الجميع ، أو من موضع آخر يفهمه هو وأهل بيته عليهم السّلام.

ويمكن أيضا حملها ـ للجمع بين الأدلّة ـ على التقيّة باعتبار أوّلها ، ويكون الاحتجاج باعتبار آخرها : (وليست الحمر بحرام) (١) ولا تحمل على التقيّة ، لعدم الضرورة فتأمّل ، ولا يضرّ دلالة أوّلها على عدم تحريم السباع وغيره من المحرّمات المذكورة ، لعلّه الباعث للشيخ على حملها على الحرام المغلّظ.

ويمكن أيضا أن يقال : لا تدلّ على نفي التحريم عنها إذ ما قال : (انها ليست بحرام) (٢) ، بل قال : (انّما الحرام ما حرّمه الله) انظر ان كان شي‌ء حرّمه ، فهو حرام والّا فحلال.

وحينئذ قد يكون المسؤولات من السباع وغيره حراما في القرآن بقوله : (ويحرم عليهم الخبائث) (٣) ولم يكن مباحا أصلا ، وكذلك (كل ـ خ) المسؤول ليس كذلك ، ولهذا أفرد بعد ذلك ذكر الحمر بنفي التحريم ، وما ذكر السباع وغيرها من المحرّمات المذكورة أوّلا في السؤال.

وقال الشيخ ـ بعد نقل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة ـ : قوله عليه السّلام : (ليس الحرام الّا ما حرّمه الله في كتابه) (٤) المعنى فيه : انه ليس الحرام المخصوص المغلّظ الشديد الحظر الّا ما ذكره الله في القرآن وان كان فيما عداه أيضا محرّمات كثيرة الّا انه دونه في التغليظ.

وأيّده برواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كان يكره أن يؤكل من الدوابّ لحم الأرنب ، والضّبّ ، والخيل ، والبغال ، والحمير وليس بحرام

__________________

(١) كما في جزء من باب ٥ من أبواب الأطعمة من الوسائل ج ١٦ ص ٣٢٧.

(٢) كما أشار عليه السّلام أيضا بقوله : (ولم يقل : انها حرام) كما في جزء ٢ من باب ٤ منها ص ٣٢٣.

(٣) الأعراف : ١٥٧.

(٤) كما في حديث ٦ من باب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧.

١٦٢

وأشدّ منها كراهيّة الحمر (الحمير ـ خ ل) ، وأشدّ منها البغال.

______________________________________________________

كتحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن لحوم الحمر الأهليّة ، وليس بالوحشيّة بأس (١).

وأنت تعلم انه خلاف الظاهر ويبعد فهمه من الحصر ، وانه في هذا المقام حملها عليه بعيد جدا وان ظاهر قوله عليه السّلام : هو نفي التحريم عن لحوم الحمير كما هو مقصود الشيخ أيضا وحينئذ لا يظهر نفي مطلق التحريم عنها ، بل الظاهر ثبوت التحريم الغير المغلظ بناء على رجوع النفي إلى القيد.

وأيضا قد يوجد الحرام المغلّظ ممّا لم يحرم في القرآن مثل الكلب الّا ان يقال : انه يدخل في عموم الخبائث أو انه غير مغلّظ ، وهو بعيد.

ويقال : ان عدم التحريم بالكليّة يفهم من قوله بعد : (وليست الحمر بحرام) (٢) فإنه هنا بمعنى نفيه عن أصله ، لا المغلّظ ، ولا يخفى بعده أيضا ، هذا.

ثم المشهور ، التفاوت بينهما في الكراهة ، قيل : البغال أشدّ كراهة ، لأنه متولّد من مكروهين مختلفين ، ولوجود الخلاف في تحريمه. ثم الحمير لتنفّر الطبع منه أكثر من الخيل ، وكأنه لا خلاف فيه.

وقيل : الحمار أشدّ ، لانه متولد من مكروهين شديدين ، بخلاف البغال فإنه متولّد من الشديد والضعيف.

لعل الكراهة في الخيل أقل بالاتفاق ، ولهذا ما ذهب إلى تحريمه احد بخلافهما ، فان بعض العامّة على تحريمهما ، أو لأن الطبع أشدّ نفرة عنهما منه ، واما هما فالظاهر ان الطبع ينفرّ عن الحمار أكثر.

وبالجملة ، الاجتناب عن الكلّ حسن ، وعنهما أحسن إلّا مع الاضطرار

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧.

(٢) تقدّم ذكر موضعه آنفا.

١٦٣

وما يربّيه بيده.

______________________________________________________

فيختار الأخف عن الطبع.

قال في الدروس : قال (١) الفاضل بكراهة الحمار الوحشي ، والحلبي بكراهة الإبل والجواميس ، والذي في مكاتبة أبي الحسن عليه السّلام في لحم حمير الوحش تركه أفضل (٢) وروى في لحم الجاموس لا بأس به (٣).

الظاهر انّ مراده من النقل أن لا بأس بكلام الفاضل.

وما نعرف دليل كراهة الإبل ، وظاهر الأدلة من الآية والاخبار عدمها ، ونفي البأس عن لحم الجاموس بخصوصه.

ويحتمل الكراهة ، إذ قد يعبّرون عمّا يكره بمثله فتأمّل ، فإن الأحكام الشرعيّة تحتاج إلى دليل شرعي.

قوله : «وما يربّيه بيده» ظاهره أن أكل لحم الحيوان الذي يربيه الإنسان مكروه مطلقا على الذي ربّاه وغيره ، وذلك غير مستفاد من دليله ، بل ظاهر دليله ان ذبح المربّي بيده إياه مكروه ، لا لحمه ، عليه ولا على غيره ، فذكره في الذباحة أولى.

الّا ان يقال : فهم كراهة اللحم أيضا من موضع آخر أو فهم من كراهة ذبحه ذلك فتأمّل.

وهو رواية محمّد بن فضيل ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : قلت له : جعلت فداك كان عندي كبش سمينة (سمين ـ خ) لِأُضحي به ، فلما أخذته فأضجعته نظر إليّ فرحمته ورققت عليه ثم إني ذبحته ، قال : فقال لي : ما كنت أحبّ لك ان تفعل ، لا تربّين شيئا من هذا ثم تذبحه (٤).

__________________

(١) في الدروس : قال ابن إدريس والفاضل إلخ.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس.

(٤) الوسائل باب ٦١ حديث ١ من أبواب الذبح من كتاب الحجّ ج ١٠ ص ١٧٥ وباب ٤٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٨.

١٦٤

ويحلّ من الوحشيّة البقر ، والكباش ، والحمر ، والغزلان ، واليحامير.

ويحرم الكلب والسنور وكلّ سبع ، وهو ماله ظفر أو ناب ،

______________________________________________________

وهذه ظاهرة فيما قلنا من كراهة الذبح للمربّي فقط ـ ولا يضرّ عدم صحّة السند.

ورواية أبي الصحاري ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت له : الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحّي بهما (بها ـ خ ل) قال : لا أحبّ ذلك ، قلت فالرجل يشتري الحمل أو الشاة فيتساقط علفه من هاهنا (هنا ـ خ) وهاهنا فيجي‌ء الوقت وقد سمن فيذبحه ، فقال : لا ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين ويشتر منها ويذبحه (١).

ويحتمل كون هذه مثل الاولى ، ويحتمل فهم كراهة التضحية بالمعلوفة في البيت مطلقا ، واستحباب عدم كونه كذلك ، والشراء من السوق عند وقت التضحية فتأمّل.

قوله : «ويحلّ من الوحشية إلخ» أي يحلّ من الحيوان البرّي الوحشيّ ، «البقر إلخ». دليل حلّها هو العقل ، والنقل الذي أشرنا إليهما عموما ، وما وجدت خاصا دالا على جميع ما ذكره ، وما اعرف وجه التخصيص بها ، كأنه أراد التمثيل والتبيين في الجملة.

وقد نقل الإجماع على حلّ الخمسة ، والبقر ، والحمر ، ظاهر ، والكباش كأنه جمع الكبش ، وكأن المراد به الضأن والمعز الجبلّي ، والغزلان جمع غزال هو الظبي ، واليحامير جمع يحمور ، قيل : هو حيوان شبيه بالإبل وليس هو إيّاه.

قوله : «ويحرم الكلب والسنور إلخ» أمّا دليل تحريم الكلب والخنزير أيضا

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٨.

١٦٥

كالأسد ، والنمر ، والفهد ، والدبّ ، والثعلب ، والضبع ، وابن آوى.

______________________________________________________

فهو النص (١) والإجماع.

وكذا دليل تحريم السبع ، هو الإجماع والنص ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب (أو مخلب ـ ئل) و (مخلب ـ يب) من الطير حرام ، وقال : لا تأكل من السباع شيئا (٢) وحسنة داود بن فرقد (وهي صحيحة في التهذيب) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كلّ ذي ناب من السباع أو مخلب (ومخلب ـ كا) من الطير والوحش حرام (٣).

وفي رواية سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المأكول من الطير والوحش ، فقال : حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ ذي مخلب من الطير ، وكل ذي ناب من الوحش ، قلت : ان الناس يقولون من السبع ، فقال لي : يا سماعة ، السبع كلّه حرام وان كان سبعا لا ناب له (٤) الخبر.

ويدل على تحريم بعضه أيضا ما سيجي‌ء من انه مسوخ ، والمسوخ حرام والناب هو الضرس.

والظاهر ان المراد من المخلب هو الظفر ، وقد يوجدان معا في السبع كالسنور والأسد وقد يخلو عنه كما يشعر به رواية سماعة المتقدمة ، ولكن الغالب لا ينفكّ عنها.

والناب يكون في البهائم ، والمخلب في الطيور غالبا ، والمراد بذي الناب ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٣.

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٠.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٠.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٠.

١٦٦

والحشار أجمع كالحيّة ، والعقرب ، والفارة ، والجرذ ، والخنافس ، والصراصر ، وبنات وردان ، والقمّل ، والبراغيث.

ويحرم الأرنب ، والضبّ ، والقنفذ ، واليربوع ، والوبر ، والخزّ ، والفنك ، والسمّور ، والسنجاب ، والعضاء ، واللحكة.

______________________________________________________

الذي يفترس ويعدو به على الحيوان ويقوى به عليه ، سواء كان ضعيفا أو قويا ، مثل الأسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والأرنب والضبع وابن آوى والسنور وحشيا كان أو إنسيا.

الحشرة وهي حشرات الأرض ، وفي الصحاح : الحشرة بالتحريك واحد حشرات الأرض ، وهي صغار دوابّ الأرض ، مثل الحيّة ، والعقرب ، والفارة والجرذ ـ وهو نوع من الفارة ـ والخنافس ، والصراصر ، وبنات وردان ، والقمّل ، والبراغيث.

وفي عدّ بعضها من الحشرات مثل القمّل تأمّل ، إذ لا يقال له دابّة الأرض.

وينبغي ان يعدّ منها : الضب ، والقنفذ ، واليربوع ، والعضاء ـ هي بالمدّ دويبة أكبر من الوزغة ـ واللحكة قيل : هي دابّة كالسمكة تسكن الرمل ، فإذا رأت الإنسان غاصت وتغيب فيه يشبّه بها أنامل العذاري.

وكان ينبغي أيضا عدّ الأرنب من السباع ، وذي الناب ، غاية الأمر أنه يكون أضعف من الثعلب.

فتغيير الأسلوب ، وإفراد الأرنب والضبّ وغيره ممّا ذكر بعد السباع والحشرات بقوله : (ويحرم الأرنب والضب) المشعر بعدم دخول ما تحته فيهما محلّ التأمّل ، نعم يمكن عدم دخول الفنك والسمّور والسنجاب فيما قبله فتأمّل.

واما الحشرات وما ذكرت من البهائم ، فما نعرف دليلا على تحريمها غير أنها مذكورة في الكتب ، فلعلّه إجماعيّ ، ويحتمل دعوى الخباثة في بعضها أيضا فتأمّل.

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل أيضا على تحريم البعض ، وكونه مسوخا ما يدل على تحريم المسوخ ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن أكل الضبّ ، فقال : ان الضبّ ، والفارة ، والقردة ، والخنازير ، مسوخ (١).

وحسنة الحسين بن خالد ـ لكن الحسين غير ظاهر ، كأنه الصيرفي المذكور في رجال الشيخ في رجال الرضا عليه السّلام بغير مدح ولا ذم ـ قال : قلت لأبي الحسن عليه السّلام : أيحلّ أكل لحم الفيل؟ فقال : لا ، فقلت : لم؟ فقال : لأنه مثلة فقد حرم الله عزّ وجلّ لحوم الأمساخ ولحم ما مثل به في صورها (٢).

وما رواه محمّد بن الحسن الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام ، قال : الفيل مسخ كان ملكا زنى (زناء ـ ئل) ، والذئب مسخ كان اعرابيّا ديّوثا ، والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجرّيث والضبّ فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم ، لم يؤمنوا ، فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البرّ ، والفارة وهي الفويسقة ، والعقرب كان نمّاما ، والدب ، والوزغ ، والزنبور كان عاما يسرق في الميزان (٣).

الّا ان محمّد بن الحسن غير ظاهر التوثيق ، كأنه محمّد بن الحسن بن أبي خالد المذكور في رجال الشيخ من غير مدح ولا ذم في رجال الرضا عليه السّلام.

واعلم ان كلب الماء ينبغي ان ينظر فيه ، فان كان له ناب يحرم ، والّا يحلّ ، لما مرّ ، وتؤيّده رواية ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٢.

(٢) الوسائل باب ٢ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٢.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٤.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أكل لحم الخزّ ، قال : كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه والّا فاقربه (١).

وفي رواية حمران بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الخزّ؟ فقال : سبع يرعى في البرّ ويأوي الماء (٢).

ورواية زكريا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام ، فقلت : ان أصحابنا يصطادون الخزّ فآكل من لحمه؟ قال : فقال : ان كان له ناب فلا تأكله ، قال : ثم مكث ساعة ، فلمّا هممت بالقيام ، قال : أما أنت فإني أكره لك اكله فلا تأكله (٣) كأنه صحيحة.

ويحتمل كون المراد بالكراهة التحريم فتأمّل ، كما في رواية القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن لحم الأسد فكرهه (٤).

وتدل على عدم الجزم بتحريم السنجاب والفنك رواية أبي حمزة قال : سأل أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما ، فقال أبو خالد : السنجاب يأوي الأشجار ، قال : فقال : ان كان له سبلة كسبلة السنور والفار فلا يؤكل لحمه ، فلا (ولا ـ ئل) تجوز الصلاة فيه ثم قال : أمّا انا فلا آكله ولا احرّمه (٥).

وهذه تدل على علامة أخرى للتحريم فتأمّل ، والاحتياط في الاجتناب عن احتمال ما يحرم ، وقد مرّ البحث فيهما وفي السنجاب في كتاب الصلاة (٦) فتذكّر وتأمّل.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٢.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٢.

(٣) الوسائل باب ٣٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٢.

(٤) الوسائل باب ٤٢ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٣.

(٥) الوسائل باب ٤١ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٧٣.

(٦) راجع ج ٢ ص ٩٧ ـ ١٠١ من مجمع الفائدة.

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم اعلم أيضا انه قد مضى في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ما يظهر منه عدم تحريم السباع كلّها حيث قال : انه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ ، والوطواط ، والحمير ، والبغال (والخيل ـ ئل)؟ فقال : ليس الحرام الّا ما حرّم الله في كتابه (١) الخبر.

وحملها الشيخ على الحرام المغلّظ ، وقد عرفت ما فيه ، وتوجيها آخر فتذكر.

وكذا يدل على ذلك (٢) صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يصلح أكل شي‌ء من السباع ، لأني أكرهه واقدره (٣).

لكن يمكن حملها على التحريم ، بل هي ظاهرة فيه.

ولا يدل على عدم تحريم شي‌ء غير الخنزير صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ما حرم الله في القرآن من دابّة إلّا الخنزير ، ولكنه نكره (٤).

لأنّها تدل على عدم تحريم دابّة في القرآن بخصوصها الّا الخنزير فلا ينافي التحريم بغير القرآن ولفظة (النكرة) محمولة على الأعمّ من التحريم والكراهة بغير القرآن فتأمّل.

وتدل على كراهة الأرنب صحيحة حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله عزوف (٥) النفس ، وكان يكره الشي‌ء ولا يحرّمه ، فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧.

(٢) أي على عدم تحريم السباع كذا في هامش بعض النسخ.

(٣) الوسائل باب ٣ حديث من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢١.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١١.

(٥) عزفت نفسي عنه عزوفا زهدت فيه وانصرفت عنه (القاموس).

(٦) الوسائل باب ٢ حديث ٢١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٩.

١٧٠

(الثاني) الطيور ، ويحرم منها كلّ ذي مخلاب كالبازي ، والصقر ، والعقاب ، والشاهين ، والباشق ، والنسر ، والرخمة ، والبغاث ، والغراب الأبقع ، والكبير ساكن الجبل دون غراب الزرع على رأي.

______________________________________________________

وهذه مع ما تقدم من الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات ، دليل حلّ أكثر الأشياء خصوصا الأرنب الّا ان يثبت التحريم بدليل شرعيّ ، وليس بواضح هنا الّا كلامهم ، مع ما تقدّم ، مع انه يمكن الجمع بينها وبين ما دل على التحريم بحمله على الكراهة ، فتأمّل وتذكر واحتط.

قوله : «الثاني الطيور إلخ» الثاني من الأقسام الخمسة المنقسمة إلى الحلّ والحرمة الطيور ، ويحرم منها كلّ ذي مخلاب أي ظفرة يفرس ويقتل به الحيوان ، مثل البازي ، والصقر ، والعقاب ، والشاهين ، والباشق ، والنسر ، والرخمة ، والبغاث ، والغراب الأبقع ، والكبير ساكن الجبل دون غراب الزرع على رأي المصنف.

الظاهر أن الغراب مرفوع عطف على فاعل (يحرم) أي ويحرم الغراب ، لا مجرور معطوفا على مجرور الكاف.

وان المذاهب في الغراب ثلاثة ، الكراهة مطلقا ، وهو مذهب الاستبصار والتهذيب ، والتحريم مطلقا وهو فتوى الخلاف ، والتفصيل ، وهو كراهة غراب الزرع ، وتحريم الأبقع أي ذي اللونين مختلفين ، الطويل الذنب ، وكذا الغراب الأسود الكبير الذي يسكن الجبال ، وهو مذهب الكتاب.

دليله رواية أبي يحيى الواسطي ، قال : سئل الرضا عليه السّلام عن الغراب ، الأبقع فقال : انه لا يؤكل ومن أحلّ لك الأسود (١).

وهي غير صحيحة فلا يثبت بها تحريمهما.

ولعل دليل كراهة غراب الزرع تنفر النفس ، وحمل بعض النهي فيه على

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٩.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة وهو تحكّم.

واما دليل التحريم مطلقا فهو الخبر الصحيح ، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى الكاظم عليه السّلام انه قال : لا يحلّ شي‌ء من الغربان ، زاغ ولا غيره (١) وهو نص في الباب.

وما روي عنه صلّى الله عليه وآله اتى بغراب فسمّاه فاسقا ، وقال : والله ما هو من الطيبات (٢).

ولكن هذا مجهول السند ، ومثله لا يدل على العموم.

ويدلّ على التحريم أيضا رواية أبي إسماعيل ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن بيض الغراب ، فقال : لا تأكله (٣) فتأمّل.

ودليل الكراهة رواية زرارة ، عن أحدهما عليهما السّلام انه قال : ان أكل الغراب ليس بحرام ، انما الحرام ما حرّم الله تعالى في كتابه ، ولكن الأنفس تتنزّه عن كثير من ذلك تقزّزا (٤).

لعلّها صحيحة ، ولا يضر أبان بن عثمان (٥) ، التقزّر تنفّر النفس وإبائها عن الشي‌ء.

والعمومات (٦) ، والأصل ، وحصر المحرّمات في الكتاب وفي الاخبار المتقدمة في بحث الحمير والبغال مع تنفّر الطبع وحمل النهي على الكراهة للجمع.

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٩.

(٢) كما عن شرح الشرائع.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٩.

(٤) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، وتقزز من الدنس وكلما يستقز عافه وتجنبه.

(٥) سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان (بن عثمان ـ ئل) عن زرارة.

(٦) عطف على قوله : رواية زرارة.

١٧٢

ويحرم الخفاش ، والطاوس ، والزنابير ، والذباب ، والبق.

______________________________________________________

ولرواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انه كره أكل الغراب لانه فاسق (١).

وقال الشيخ في الاستبصار : المراد (٢) بالحلّ المنفي في الخبر المقدّم هو الحلال الطلق الذي ليس فيه شي‌ء أصلا ، ولم يرد بذلك التحريم.

وبالجملة : ترجيح الأصل وظاهر القرآن والعمومات مع تعارض الخصوصيات ، غير بعيد مع الجمع بين الأدلّة ، وما تقدّم من تقديم الحلّ مع الاشتباه ما لم يعلم انه حرام في صحيحة عبد الله بن سنان (٣) ، وان كان الاجتناب أحوط.

فتأمّل ، فإن المسألة مشكلة ، وأيضا ما وجدت دليلا بخصوصه على تحريم المعدودات ، نعم ورد الدليل العامّ على تحريم كل ذي ناب ، ومخلب ، وظفر ، والخبائث.

والظاهر ان المذكورات إلى الغراب داخل تحت ذي مخلاب.

قوله : «ويحرم الخفاش إلخ» تغيير الأسلوب بترك الاقتصار على العطف ، مشعر بان ما قبله داخل في ذي مخلاب ، ومجرور (٤) عطفا على مدخول الكاف والظاهر انه ليس كذلك ، فان الغراب ليس منه مطلقا (٥) ، وان الخفاش والطاوس وما بعده غير داخلة فيه ، وذلك في الطاوس ما نعرفه والخفاش يقال له :

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٨.

(٢) عبارة الإستبصار ج ٤ ص ٦٦ هكذا : فقوله : لا يحل شي‌ء من الغربان معناه لا يحل حلالا طلقا ليس فيه شي‌ء من الكراهيّة ولم يرد بذلك التحريم (انتهى).

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٤) يعني ان قول المصنف كالبازي إلى قوله : والكبير إلخ داخل في لفظة (ذي مخلاب) والخفاش الى قوله : (والبق) خارج عنه مع انه ليس كذلك طردا وعكسا فان الغراب ليس له مخلاب مع أنه داخل فيه بحسب العبارة ، والطاوس ما نعرف انه خارج عن ذي مخلاب ولعله ذو مخلب هذا ما فهمناه من هذا الكلام والله العالم.

(٥) مطلق الغراب سواء كان أبقع أم غيره.

١٧٣

وما كان صفيفه أكثر من دفيفه ، وما فقد القانصة ، والحوصلّة ، والصيصيّة ويحلّ ما صفيفه أقلّ من دفيفه أو مساو وما وجد له أحد الثلاثة ، والحمام أرجح كالقماري ، والدباسي ، والورشان ، والحجل ،

______________________________________________________

الخشاف والوطواط أيضا.

ودليل تحريمه (١) كونه خبيثا مع ما تقدّم من انه مسوخ في رواية محمّد بن الحسن الأشعري (٢) المتقدمة ، (الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس) والظاهر انه لا خلاف فيه.

وأما الطاوس ، فيدل على تحريمه كونه مسوخا في رواية سليمان بن جعفر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام ، قال : الطاوس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد ذلك فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكرا ، فلا تأكل لحمه ولا بيضه (٣).

وروايته أيضا عنه عليه السّلام قال : الطاوس لا يحلّ اكله ولا بيضه (٤).

وقد ادّعى كون الزنابير والذباب والبق خبائث ، وهو غير ظاهر عندي وهو أعرف ، ومعلوم ان الاجتناب أحوط.

ويدل على تحريم الزنابير كونها مسوخا في رواية محمّد بن الحسن المتقدمة (٥).

قوله : «وما كان صفيفه أكثر إلخ» هذه ضابطة اخرى للتحريم ، وهي

__________________

(١) يعني تحريم الوطواط.

(٢) راجع الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٤.

(٣) الوسائل باب ٢ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٣ وفيه كما في الكافي أيضا عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام.

(٤) الوسائل باب ٢ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٣.

(٥) الوسائل باب ٢ حديث ٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣١٤.

١٧٤

والدرّاج ، والقبج ، والقطا ، والطيهوج ، والدجاج.

______________________________________________________

كون كل حيوان لا يكون له دفيف أصلا أو يكون ولكن صفيفه أكثر من دفيفه. يقال : دف الطائر في طيرانه إذا حرّك جناحيه (جناحه ـ خ) كأنه يضربها دفة ، وصفّ إذا لم يحرّك كما يفعل الجوارح كالبازي ، وفقد القانصة ، هي بمنزلة الأمعاء للإنسان ، ويقال لها بالفارسيّة : (سنگدان) والحوصلّة بتخفيف اللام وتشديدها بمنزلة المعدة للإنسان يقال لها : بها (چينه دان) ، والصيصية بكسر الصادين الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر يقال لها : بها (مهمر).

ظاهر هذه العبارة أنّ عدم الدّف وقلّته بالنسبة إلى الصف ، وعدم هذه الثلاث بالكليّة ، هي علامة التحريم ، وانه ينعدم بوجود أحدها كما صرّح بعده تأكيدا بقوله : (ويحل إلخ) فعدم ذلك كلّه ضابطة التحليل.

وان هذا انما إذا كان وجود أحدها لا يجتمع مع علامة التحريم الثابتة كما سبق ، مثل كونه سبعا وذي مخلب (١) وناب.

وبالجملة ، الذي يفهم انه من كلامهم لا بدّ ان لا يوجد ما عدّ علامة للتحليل ـ مع ما حكم بتحريمه بخصوصه ـ ولا بعمومه حتى يتم الضابطة ، وهو ظاهر ، وما نعرف (يعرف ـ خ) صحّة ذلك ، ولو فرض عدم ذلك بأن وجد احدى علامات التحليل مع التصريح بحرمته ، أو بالعكس بأن وجد علامة التحريم مع التصريح بحلّه ، فيمكن ان تكون العلامتان معتبرتين في ذلك ، وما نصّ على نقيض ذلك ، فيكون العلامة والضابطة في المجهول لا في المطلق فتأمّل.

أما الدليل على الضابطة فهو الروايات ، مثل صحيحة زرارة ، قال : والله ما رأيت مثل أبي جعفر عليه السّلام قط ، قال : سألته قلت : أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ قال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ ، قال : قلت : فالبيض في الآجام؟

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب (وذا مخلب وناب).

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فقال : ما استوى طرفاه فلا تأكله ، وما اختلف طرفاه فكل ، قلت : فطير الماء؟ قال : ما كانت له قانصة فكل وما لم تكن له قانصة فلا تأكل (١).

وفي الفقيه ـ بعدها ـ : وفي حديث آخر : ما كان (ان كان ـ ئل) يصفّ ويدفّ فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل ، وان كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل ، ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية ولا يؤكل ما ليست له قانصة أو (ولا ـ خ) صيصية (٢).

فيه الحكم بالأكثر ولم يعلم حال المساوي ، وسيجي‌ء.

ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : اني أكون في الآجام فيختلف عليّ الطير فما آكل منه؟ فقال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صف ، قلت : اني اوتى به مذبوحا؟ قال : كل ما كانت له قانصة (٣).

ورواية سماعة بن مهران قال : سألت الرضا عليه السّلام ـ كذا في التهذيب ـ والظاهر أبا عبد الله عليه السّلام كما في الكافي ـ عن المأكول من الطير والوحش فقال : حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله : كلّ ذي مخلب من الطير وكلّ ذي ناب من الوحش ، قلت (فقلت ـ ئل) : ان الناس يقولون من السبع ، قال : فقال لي : يا سماعة السبع كلّه حرام ، وان كان سبع (سبعا ـ خ) لا ناب له ، وانما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله هذا تفصيلا وحرّم الله ورسوله المسوخ جميعا ، فكل الآن من طير البرّ ما كان له حوصلة ، ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمامة لا معدة كمعدة الإنسان ، وكلّ ما صفّ فهو ذو مخلب وهو حرام ، والصفيف كما يطير

__________________

(١) أورد صدره في الوسائل باب ١٩ حديث ١ وذيله قطعة في باب ٢٠ حديث ٤ ج ١٦ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٨ وقطعة في باب ١٨ حديث ٢ ج ١٦ ص ٣٤٦ ـ ٣٤٨ ـ ٣٤٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٧.

(٣) أورد صدره في باب ١٩ حديث ٣ وذيله في باب ١٨ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

البازي ، (والحدأة ـ ئب) ، والصقر وما أشبه ذلك ، وكلّ ما دفّ فهو حلال ، والقانصة والحوصلّة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكلّ طير مجهول (١).

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له ، قال : وسئل عن طير الماء فقال : مثل ذلك (٢).

ورواية ابن بكير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة (٣).

ولا يضر عدم صحّة سندها بعد الاتفاق عليها.

واعلم ان رواية ابن بكير صريحة في انه يكفي للتحليل أحدها ، فالظاهر انها لا تجتمع مع المحرّم.

ورواية مسعدة تدلّ على أنّ القانصة وحدها كافية ، والظاهر أنّ أختيها كذلك لكن شرط عدم اجتماعها مع علامة التحريم ـ وهي المخلف ـ فيدل على إمكان الاجتماع مع تغليب علامة التحريم.

ورواية سماعة تدلّ على تحريم السبع مطلقا (٤) ، وانفكاكه عن الناب ، وتحريم المسوخ مطلقا ، سواء وجد فيه علامة أخر للتحريم أم لا ، ووجد علامات التحليل أم لا ، وان طير البرّ حلال إذا كان له حوصلة مطلقا ، وطير الماء إذا كان له قانصة كذلك.

ويمكن تقييد هما بعموم وجدان علامة التحريم المتقدمة ، مثل السبعية

__________________

(١) أورد قطعة منه في باب ٣ حديث ٣ ص ٣٢٠ وقطعة منه في باب ٢ حديث ٣ ص ٣١٣ وقطعة منه في باب ١٨ حديث ٣ ص ٣٤٥ وقطعة منه في باب ١٩ حديث ٢ ص ٣٤٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٦.

(٣) الوسائل باب ١٨ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٧.

(٤) سواء كان له ناب أم لا ، كذا في هامش بعض النسخ.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والمسوخيّة ، والمخلب ، والناب ، وهو ظاهر.

ودلت على تفسير القانصة في الجملة ، وعلى تفسير الصفّ ، والدفّ أيضا كذلك ، وان كلّ ما صفّ فهو ذو مخلب وحرام ، وكذا كل ذي ناب حرام مطلقا ، وكل ما دفّ حلال كذلك ، وان القانصة والحوصلة انما هي علامتان يعلم بهما الحلال من الطير إذا لم يعلم بالطيران من الصفّ والدفّ ويكون طيرا مجهولا حاله من جهة الصفّ والدفّ والتحليل والتحريم بسبب آخر ، والّا يحكم بهما بتلك العلامة.

وقريب منه رواية ابن أبي يعفور حيث قال فيه أولا : (كل ما دفّ) وفهم عدم أكل ما صفّ ، ثم بعد تعذر العلم بذلك قال : (كل ما كانت له قانصة) (١).

فعلم ان ذلك بعد تعذر العلم بوجه آخر فتأمّل ودلت على كفاية القانصة.

ورواية زرارة (٢) دلت على كفاية الدفّ للتحليل ، والصفّ للتحريم.

وبالجملة لا إشكال مع عدم اجتماع العلامتين المختلفتين للتحليل والتحريم ، وان احدى علامات التحليل أو التحريم كافية حينئذ وهو ظاهر ، وإذا اجتمعتا ففيه إشكال.

ولكن وجود الاجتماع الذي يكون سببا للإشكال غير معلوم.

فالذي يظهر ان الدفّ كاف في الحلّ إذا لم يكن مع السبعيّة والمسوخيّة والمخلب والناب (أو الناب ـ خ) ولم يحرم بخصوصه وان لم يكن معه احدى العلامات الأخر للتحليل ، وكذا إحداها أي الحوصلة والقانصة.

وان كل واحد من علامات التحريم الثلاث المتقدمة كافية إذا لم يكن مع

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٦ ص ٣٤٩ وباب ١٨ حديث ٦ ص ٣٤٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٦.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التصريح بحلّ ما فيه من الحيوان وان وجد فيه بعض علامات الحلّ والكثرة أدلّة التحريم ، المشتملة عليها ، وصحتها ، بخلاف أدلّة التحليل ، و (١) للاحتياط ، ولما تقدم من الإشارة في هذه الاخبار أن السبع مطلقا حرام ، وان القانصة ، والحوصلة انما هما في المجهول ، ولعدم وجود صحيح صريح في كفاية إحدى العلامات المذكورة في التحليل ، وهو ظاهر إذا نظرت فيما تقدم ، ولما هو المشهور ، من انه إذا اشتبه الحلال والحرام غلّب الحرام.

ويحتمل تقديم علامة الحلّ ، للعقل والنقل المتقدمين ، وعمومات الآيات (٢) والاخبار ، وحصر المحرّمات في القرآن ، والحديث انما الحرام ما حرّمه الله في كتابه (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في ترجيح الحلال مع الاشتباه حتى يعلم الحرام بعينه (٤).

وحينئذ يختصّ دليل التحريم بما إذا لم يكن معه شي‌ء ممّا قلنا إنه دليل التحليل ويعكس لو عكسنا.

وانه لا إشكال في عدم اجتماع المتقابلين منها مثل المخلب والناب والسبع وعدمها ، وإحدى الثلاثة وعدمها ، فان الظاهر ان إحداها علامة التحليل وعدم الكل علامة التحريم لا كلّ واحد ، وهو الظاهر من كلامهم ، والروايات على ما تقدّم.

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : لكثرة أدلة التحريم إلخ وكذا قوله : (ولما تقدم) وقوله : ولعدم وجود إلخ وقوله : ولما هو المشهور.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الانعام : ١٤٥ ، وقوله تعالى (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). البقرة : ٢٩.

(٣) لاحظ الوسائل باب ٤ ـ ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢ ـ ٣٢٧.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

١٧٩

ويكره الهدهد ، والكركي ، والكروان ، والصعوة ، وطير الماء ان كان فيه أحد الثلاثة أو كان دفيفه أكثر أو مساويا.

______________________________________________________

نعم قد يجتمع الدفّ والصفّ في الجملة ، فالظاهر ان الحكم للغالب كما هو مدار أحكام الشرع.

وعلى تقدير فرض التساوي يحصل الاشكال مع عدم وجود مرجّح مع العلامتين فيجي‌ء فيه الاحتمالان المتقدمان ، والظاهر هنا الحلّ ، لما تقدم مع عدم ثبوت التحريم بالصفّ بدليل صحيح صريح مطلقا ، سواء كان مع الدفّ أم لا ، ولهذا صرّحوا بالتحليل مع المساواة ، فتأمّل.

قوله : «ويكره الهدهد إلخ» أما دليل كراهة الهدهد فهو النهي الواقع في الاخبار عن ذبحه وقتله ، مثل صحيحة علي بن جعفر قال : سألت أخي موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الهدهد ، وقتله ، وذبحه؟ فقال : لا يؤذى ولا يذبح فنعم الطير هو (١).

ورواية سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن قتل الهدهد ، والصرد ، والصوام ، والنحلة (٢).

وروى سليمان الجعفري عنه عليه السّلام أيضا ، قال : في كلّ جناح هدهد مكتوب بالسريانيّة : آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) خير البريّة (٣).

وسيجي‌ء أيضا ما يدل عليه.

وظاهر الدليل هو التحريم ، حمل على الكراهة ، كأنه للأصل والعمومات وحصر المحرّمات ، ولعدم القائل بالتحريم على الظاهر فتأمّل.

ثم اعلم أن الكلام في كراهة أكل اللحم ، والدليل ما دلّ عليه ، بل على

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٨ حديث ١.

(٢) الوسائل باب ٤٠ حديث ٣ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٩.

(٣) الوسائل باب ٤٠ حديث ٢ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٢٤٩.

١٨٠