مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السمك ولا يسمّى؟ قال : لا بأس به (١).

الظاهر ان المراد بصيده أخذه فتأمّل.

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد (٢) من النهر فماتت هل يصلح أكلها؟ قال : ان أخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها ، وان ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها (٣)

وصحيحة الحلبي ـ وسأله ـ أي أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد الحيتان وان لم يسمّ؟ فقال : لا بأس به (٤).

وصحيحة علي بن جعفر عليه السّلام ، صريحة في عدم كفاية رؤيته حيّا ثم مات خارج الماء ، بل لا بد من الأخذ حيّا فلا بدّ من تأويل ما ينافيها.

مثل رواية زرارة ، قال : قلت : السمك يثب من الماء فيقع على الشط فيضطرب حتى يموت ، فقال : كلها (٥).

قال الشيخ : المراد (وتأخذها حيّا) على انها مقطوعة وفي السند (٦) (رجل).

وكذا رواية سلمة بن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان عليّا عليه السّلام كان يقول في صيد السمكة إذا أدركتها (إذا أدركها الرجل ـ كا) وهي

__________________

(١) الوسائل باب ٣١ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ منقول بالمعنى فلاحظ الوسائل والكافي.

(٢) الجدّ بالضم والتشديد شاطئ النهر وكذا الجدّة قيل : وبه سمّيت الحدّة جدّه اعني المدينة التي عند مكة لأنها ساحل البحر (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ٣٤ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠١.

(٤) الوسائل باب ٣٤ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٦.

(٥) الوسائل باب ٣٤ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٢.

(٦) والسند كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر عن رجل عن زرارة.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

تضطرب وتضرب بيدها وتتحرك بذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاته (١) (ذكاتها ـ ئل).

أي بعد أخذها حينئذ كذبح غيرها.

وهذه مؤيّدة لعدم اعتبار الحياة المستقرّة بالمعنى المتقدم.

واما الذي يدل على حلّ صيد الكافر وعدم اشتراط الإسلام فهو ما تقدم ، ممّا يدل على حلّ ذبح أهل الكتاب (٢) فافهم ، وعموم ما يدل على حلّ السمك بالأخذ (٣).

وتدل عليه أيضا وعلى اشتراط رؤية المسلم أخذه حيّا صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد الحيتان وانه لم يسمّ؟ فقال : لا بأس به وسألته عن صيد المجوسي للسمك آكله؟ فقال : ما كنت لآكله حتى انظر إليه (٤).

وما مرّ أيضا من كفاية خبر المسلم بأنّ الكتابي ذكّاه فافهم.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل منه؟ فقال : ما كنت لآكله حتى انظر إليه ـ قال في التهذيب ـ : قال حماد : يعني حتى أسمعه يسمّي (٥).

ثم قال : ـ ونعم ما قال ـ : قال محمّد بن الحسن : الذي ذكر حماد في تأويل الخبر غير صحيح ، لأنا قدّمنا من الأخبار ما يدل على أنّ التسمية غير مراعى في صيد

__________________

(١) الوسائل باب ٣٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٢.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٧ حديث ١١ و ١٤ و ١٨ و ٢٥ و ٢٨ و ٣١ و ٤١ و ٤٣ و ٤٥ ج ١٦ ص ٢٨٢ إلخ.

(٣) راجع الوسائل باب ٣١ ج ١٦ ص ٢٩٦.

(٤) الوسائل باب ٣٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٨.

(٥) الوسائل باب ٣٢ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٨ وفيه وفي التهذيب : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل إلخ وهو الصواب.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السمك ، والوجه في قوله : (حتى انظر إليه) هو انه ينظر إلى الصيد فيراه انه يخرج من الماء حيّا أو يعطى وهو حيّ ، لأنه متى أعطاه المجوسي أو غير هم من أصناف الكفار وهي أموات فلا يجوز اكله ولا تقبل شهادتهم على ذلك (١).

وأيّده بحسنة عيسى بن عبد الله ـ الممدوح ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن صيد المجوسي (المجوس ـ خ ل) ، فقال : لا بأس إذا اعطوكاه احياء ، والسمك أيضا والّا فلا تجوز شهادتهم الّا ان تشهده (٢).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن صيد المجوسي (المجوس ـ خ ل) للحيتان حين يضربون عليها بالشباك ويسمّون بالشرك؟ فقال : لا بأس بصيدهم انما صيد الحيتان أخذه. (٣).

قال (٤) : وكلما روي من الاخبار من ان صيد المجوس لا بأس به فالمراد به ما ذكرناه من انه إذا شاهده الإنسان وهم يأخذونه ويصيدونه وهن احياء جاز اكله (٥).

وأيّده بالأخبار الكثيرة ، مثل حسنة الحلبي (٦).

وصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحيتان التي يصيدها المجوسي (المجوس ـ خ ل) فقال : ان عليّا عليه السّلام كان يقول : الحيتان والجراد ذكيّ (٧).

__________________

(١) إلى هنا عبارة التهذيب.

(٢) الوسائل باب ٣٢ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٨.

(٣) الوسائل باب ٣٢ حديث ٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

(٤) يعني الشيخ رحمه الله في التهذيب.

(٥) إلى هنا عبارة الشيخ رحمه الله.

(٦) تقدّمت آنفا (الوسائل باب ٣٢ حديث ٩ من أبواب الذبائح).

(٧) الوسائل باب ٣٢ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وموثقة أبي مريم الأنصاري ـ لابن فضال (١) ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام ما تقول فيما صادت المجوس من الحيتان؟ فقال : كان علي عليه السّلام يقول : الحيتان والجراد ذكي (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا بأس بكواميخ المجوس ، ولا بأس بصيدهم السمك (٣).

ومنه علم عدم قوّة قول الشيخ المفيد ، نعم الأجود الاجتناب وهو مذهب ابن زهرة.

واما الذي يدل على انه ما مات في الماء لم يحلّ ـ مضافا إلى ما سبق ـ فهو مثل رواية عبد الرحمن بن سيابة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن السمك يصاد ثم يجعل في شي‌ء ثم يعاد في الماء فيموت فيه ، فقال : لا تأكله لأنه مات في الذي حياته (٤) وهي ضعيفة.

وصحيحة أبي أيوب أنه سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وأرسلها في الماء فماتت أتؤكل؟ فقال : لا (٥).

وصحيحة عبد المؤمن ـ على الظاهر ـ قال : أمرت رجلا ان يسأل أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل صاد سمكا وهن احياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن ، فقال : ما مات فلا تأكله فإنه مات فيما كان فيه حياته (٦).

__________________

(١) يعني كونها موثقة لأجل وجود ابن فضال فان سنده هكذا كما في التهذيب : الحسين بن سعيد عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم.

(٢) الوسائل باب ٣٢ حديث ٦ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

(٣) الوسائل باب ٣٢ حديث ٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٩.

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٠.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٠.

(٦) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عمّا يوجد من السمك طافيا على الماء أو يلقيه البحر ميتا فقال : لا تأكله (١).

ومثله ضعيفة مفضل بن صالح عن زيد الشحام عنه عليه السّلام (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : لا تأكل (لا يؤكل ـ خ) ما نبذه الماء من الحيتان وما نصب (٣) الماء عنه (٤).

وحملها في التهذيب على احد الوجهين ، على انه مات في الماء ، ومات خارج الماء قبل ان يؤخذ حيّا.

وتدل عليه صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد من النهر فماتت أيصلح أكلها؟ قال : ان أخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها وان ماتت قبل ان تأخذها فلا تأكلها (٥).

وهذا حمل جيّد ، وقد مرّ ما يؤيّدها ، وتقتضيه القاعدة الأصوليّة ، وهي حمل المجمل المبهم على المفصّل المبيّن ، فتأمّل.

ولكن يدلّ على الحل إذا مات في الشبكة بعض الروايات مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها منصوبة فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيموتن ، فقال : ما عملت

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٠.

(٢) الوسائل باب ١٣ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٠.

(٣) يقال : نضب الماء ينضب من باب قعد نضوبا إذا غار في الأرض وسفل في الأرض وينضب بالكسر لغة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٤٠ وزاد : فذلك المتروك كما في الفقيه أيضا.

(٥) الوسائل باب ٣٤ حديث ١ من أبواب الصيد ج ١٦ ص ٣٠١.

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يده فلا بأس بأكل ما وقع فيهما (١) (فيه ـ خ ل ئل).

وصحيحة الحلبي قال : سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان فتدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها؟ فقال : لا بأس به ان تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد بها (٢).

ورواية هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سمعت أبي يقول : إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة ، فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال ما خلا ما ليس له قشر ، ولا يؤكل الطافي من السمك (٣).

فجمع الشيخ بينها ، بأنه يحلّ الحيّ والميّت إذا اشتبه في الشبكة ولم يتميّز الحيّ من الميّت ، ويحرم الميّت إذا تميّز.

وهو مقتضى كلام الشيخ المفيد ، فقيّد ما يدل على الحلّ ولم يكن فيه قيد الاشتباه وعدم التميز مثل رواية مسعدة بن صدقة بذلك (٤).

فأفتى الشيخان بحلّ المشتبه مع تيقن كون الميّت فيه ، لصحّة رواية الحلبي وصراحتها فيه.

ويمكن ان يقال : بالحلّ مطلقا إذا مات في الشبكة وفيما يعمل ان ما يصطاد به ، مثل الحظيرة لا في غير ذلك (٥) مطلقا مع الاشتباه وعدمه كما هو رأي البعض لصحّة رواية محمّد بن مسلم وصراحتها فيه حيث قال : (ما عملت يده فلا بأس)

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

(٢) الوسائل باب ٣٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

(٣) الوسائل باب ٣٥ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٣.

(٤) أي يفيد الاشتباه وعدم التميز هكذا في هامش.

(٥) في النسخة : المطبوعة : مثل الحظيرة وغير ذلك.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وتؤيّدها رواية مسعدة بن صدقة (١) ولا تنافيها صحيحة الحلبي (٢) بل تؤيّدها (٣).

نعم رواية عبد المؤمن (٤) تنافيها في الجملة.

لكن يمكن ان يناقش في صحتها ، إذ فيه (ابن مسكان) (٥) المشترك.

وأيضا قد يكون سمع الجواب عبد المؤمن عن ذلك الرجل المأمور بالسؤال ، لا (٦) عنه عليه السّلام.

على ان عبد المؤمن غير مصرّح باسم أبيه فقد يكون غير المذكور أيضا موجودا ، كأنه لذلك ما سمّي بالصحّة.

على انها غير مصرحة بأن الميّت أخذ حيّا ومات فيما نصب بيده من الشبكة ونحوها.

ويؤيّده الأصل وعمومات حلّ ما خلق ، وحصر المحرّمات في الآية وستجي‌ء الأخبار الدالة على عدم تحريم شي‌ء إلّا ما حرم الله في كتابه ، ومعلوم عدم تحريم ذلك فيه (٧) فتأمّل.

واما الاحتياط فهو ظاهر ، لا يترك مع الإمكان.

واما حلّ اكله حيّا فلما تقدّم من الأصل وغيره.

فلعلّك فهمت دليل ما ذكر في المتن إلى قوله : (واباحة أكله حيّا).

وانه في اختياره حرمة الجميع ان مات بعضه في الشبكة واشتبه ، وهو مذهب ابن إدريس ، وابن حمزة لرواية عبد المؤمن المتقدمة ونحوها ، ولان الميّت حرام

__________________

(١) تقدمت آنفا.

(٢) تقدمت آنفا.

(٣) تقدمت آنفا.

(٤) تقدمت آنفا.

(٥) فان سنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن علي بن النعمان عن ابن مسكان ، عن عبد المؤمن.

(٦) يعني لم يسمع الجواب عن الامام عليه السّلام.

(٧) أي ما مات في الشبكة.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يمكن الاجتناب عنه الّا بالاجتناب عن الكل ، وما لا يتم الواجب الّا به فهو واجب.

تأمّل جدا فإنّ الرواية قد عرفت حالها.

ثم بعد ورود النص لا نسلّم ان المشتبه حرام ، بل هو حلال ، فليس ممّا يجب اجتنابه حتى يتوقّف على اجتناب الكلّ فيحرم الكل.

قال في الشرح : وقال الحسن والشيخ في النهاية ، والقاضي ، والمحقق : الكلّ حلال.

وتؤيده صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (١).

لكن في العمل بها تأمّل لا يخفى.

وما (٢) تقدم من الأخبار الصحيحة المتقدمة الدالة على حل المشتبه.

ولكن (٣) قال في المختلف : لا دلالة فيها على الموت في الماء بجواز ان خرج من الماء ومات في الشبكة وفي الحظيرة.

وهو بعيد ، فان ظاهرها الموت في الشبكة والحظيرة في الماء ، وهو ظاهر ، ولهذا اختار هنا تحريم الكل مع موت البعض في الشبكة واشتبه ، والحاصل ، الفرض ، الموت في الشبكة المنصوبة في الماء والكلام فيه.

واما إذا لم يعلم فالظاهر انه حلال للأصل.

وقد ينازع فيه ، فان قاعدة التذكية تقتضي التحريم حتى يعلم الخروج عن

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٩.

(٢) عطف على قوله : (صحيحة عبد الله بن سنان).

(٣) استدراك في أصل الحكم يعني ان المشتبه لا نسلم حرمته لكن قال في المختلف إلخ.

١٤٨

وذكاة الجراد أخذه (حيّا ـ خ).

ولا يشترط في أخذه الإسلام ان علم أخذه قبل موته.

ولو مات قبل أخذه لم يحلّ.

ولو أحرقت (احترقت ـ خ ل) الأجمة لم يحلّ الجراد المحترق فيها وان قصد إحراقه.

ولا يحلّ الدبا قبل استقلاله بالطيران.

______________________________________________________

الماء حيّا فلا يحلّ مع الاشتباه كما في الذبيحة إذا اشتبه موتها بالذكاة وغيرها الّا ان يقال : ان السمكة ليست كذلك ، فتأمّل.

قوله : «وذكاة الجراد أخذه حيّا» الظاهر ان الجراد حكمه حكم السمك في أنه لا يشترط في أخذه الإسلام ، ولا التسمية ، ولا القبلة ، بل يكفي حيّا وان أخذه المشرك مع علم المسلم بأنه أخذه وهو حيّ.

يدل عليه الأصل والعمومات (١) وبعض ما تقدم في السمك ، وما روى مسعدة بن صدقة ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن أكل الجراد؟ فقال : لا بأس بأكله ، ثم قال : انه نثرة (٢) من حوت في البحر ، ثم قال : ان عليا صلوات الله عليه قال : إن الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي والأرض للجراد مصيدة وللسمك قد يكون أيضا (٣).

ورواية عمرو بن (عمر ـ يب) هارون الثقفي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : الجراد ذكي فكله واما ما هلك (مات ـ ئل) في

__________________

(١) يعني بها العمومات الدالة على حلّ الأشياء أو أدلة حصر المحرّمات.

(٢) أي عطسة هكذا في هامش بعض النسخ.

(٣) الوسائل باب ٣٧ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٥.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

البحر فلا تأكله (١). وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام ، قال : سألته عن الجراد نصيبه ميّتا في الماء ، أو في الصحراء أيؤكل؟ قال : لا تأكله وسألته عن الدبا من الجراد أيؤكل؟ قال : لا حتى يستقلّ بالطيران (٢).

الدبا : الجراد إذا تحرّك قبل ان تنبت أجنحته.

فهذه الرواية الصحيحة دلّت على اشتراط الأجنحة والاستقلال والقدرة على الطيران في حلّ الجراد ، وانه لا يحلّ بدونه.

وتدلّ على عدم حلّه أيضا ـ إذا احترق بحرق الأجمة ، سواء قصد بذلك صيده وإحراقه أم لا ـ رواية عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه سئل عن السمك يشوى وهو حيّ ، قال : نعم لا بأس به ، وسئل عن الجراد إذا كان في قراح (٣) فيحرق ذلك القراح فيحرق ذلك الجراد وينضج بتلك النار ، هل يؤكل؟ قال : لا (٤).

وهذه تدلّ على جواز شوي السمك حيا وأكله فتأمّل.

ولا يبعد ذلك في الجراد أيضا ، ولكن بعد أخذه حيّا ، فلا يحلّ بدونه ، وهو مقرر عندهم.

وتدل على ذلك الصحيحة المتقدمة أيضا ، فإنها تدل (دلّت ـ خ ل) على تحريمه إذا أصيب ميتا في البرّ والبحر ، والأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات أيضا تدل على حلّه إلّا ما خرج بالدليل مثل ان احترق بحرق الأرض ، وكونه ميتا في الماء والصحراء.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٧ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٥.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٥.

(٣) والقراح أيضا المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع اقرحة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ٣٧ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٠٦.

١٥٠

وذكاة الجنين ذكاة أمّه إن تمّت خلقته ، ولو ولجته الروح وجبت تذكيته (وجبت التذكية ـ خ) ، وان لم تتمّ لم يحلّ.

______________________________________________________

قوله : «وذكاة الجنين ذكاة أمّه إلخ» الظاهر انه لا خلاف في تحريم الجنين إذا خرج من بطن أمّه غير تامّ ، وكذا لو خرج من بطن الميتة ميّتا.

كما لا خلاف في حلّه وإذا خرج تامّا مع عدم ولوج الروح وذبح امّه ، وكما إذا خرج حيّا وذبح ذبحا شرعيا.

ووجه الثاني (١) ظاهر كوجه (٢) الأخير ، واما الأول (٣) ، فإن كان إجماعيّا ، والّا ففيه تأمّل للأصل والعمومات مع عدم ما يدل على التحريم ، واما الثالث (٤) فسيجي‌ء دليله.

وانما الخلاف فيما إذا خرج تامّا ميّتا مع ولوج الروح وذكاة أمّه ، فنقل عن الشيخ وجماعة التحريم ، لأن التذكية بمعنى قطع الأعضاء الأربعة شرط في حلّ كل ذي روح غير السمك والجراد والصيد وما في حكمه ، ولم يحصل هنا ، فيكون ميتة فيحرم.

والمتأخّرون كلّهم ذهبوا إلى الحلّ لعموم الأخبار من طريق العامة مثل ما روي عنه صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ـ وقد سئل انا نذبح الناقة والبقرة والشاة وفي بطنها الجنين ، نلقيه أم نأكله؟ قال : كلوه ، فإن ذكاة الجنين ذكاة امّه (٥).

ومن طريق الخاصّة ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أحدهما عليهما السّلام عن قول الله عزّ وجلّ (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ)؟ قال : الجنين في

__________________

(١) وهو خروجه من بطن الميتة ميّتا.

(٢) خروجه حيّا وذبح ذبحا شرعيا.

(٣) هو خروجه من بطن امه غير تام.

(٤) خروجه تاما مع عدم ولوج الروح وذبح امه.

(٥) سنن أبي داود ج ٣ باب ما جاء في ذكاة الجنين حديث ١ ص ١٣ طبع مصر.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

بطن امّه إذا أشعر وأوبر ، فذكاته ذكاة أمّه ، فذلك الذي عنى الله عزّ وجلّ (١).

فهذه تدل على ان مجرّد الشعر فيما أوبر كاف في حلّه ، وانه يحلّ بمجرد تذكية امّه ، وهو ظاهر.

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها ولدا تامّا فكل ، وان لم يكن تامّا فلا تأكل (٢).

هذه تدل على أنّ مجرد التام مع ذبح الأمّ كاف في حلّ الولد ، وانه بدونه لم يحلّ.

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الحوار (٣) يذكّي امه أيؤكل بذكاتها؟ فقال : ان (إذا ـ ئل) كان تاما (تماما ـ ئل) ونبت عليه الشعر فكل (٤).

وهذه تدل على انه لا بدّ من التام والشعر.

وعن يعقوب مثلها ضعيف (٥) (ضعيفة ـ خ ل).

ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولد وقد أشعر ، قال : ذكاته ذكاة أمّه (٦).

وصحيحة ابن مسكان ـ وهو عبد الله ـ عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال : في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد ، قال : ان كان تاما فكله ، فان ذكاته ذكاة أمّه

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٠.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٠.

(٣) بالضم وهو ولد الناقة قيل : ولا يزال حوارا حتى ينفصل فإذا فصل عن امه فهو فصيل (مجمع البحرين)

(٤) الوسائل باب ١٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٥) الوسائل باب ١٨ مثل حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٦) الوسائل باب ١٨ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وان لم يكن تاما فلا تأكله (١).

هذه مع التعليل تدل على ان مجرّد التام كاف في الحلّ.

ورواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال : في الجنين إذا أشعر فكل والّا فلا تأكل يعني إذا لم يشعر (٢).

وهما تدلّان على كفاية الشعر ، فالظاهر انه لا بدّ من التمام والشعر والوبر لوجود هما معا في صحيحة يعقوب فيقيّد غيرها بها ، وكأنه قيّد بأحد هما للتلازم.

والظاهر انه تلازم بين الشعر والوبر وتمام الخلقة ، ولهذا وجد الخلق في بعض الروايات (٣).

واكتفى الأصحاب بالتمام وفسّر البعض التمام بالشعر ، قال في الدروس : ومن تمام الخلقة الشعر والوبر.

وبالجملة لا بدّ في الحلّ بذكاة امه ، من تمام الخلق والشعر والوبر ان كان ممّا يشعر ويؤبر ، سواء كان بينهما تلازم أم لا.

والظاهر ان المراد بتمام الخلقة أن تكون صورته ممتازة بحيث يحكم بأنه تام الخلقة وليس بناقص سواء ولجه الروح أم لا ، لعموم الاخبار ، والأصل ، والعمومات وحصر المحرّمات وعدم صدق الميتة.

مع منع قول الشيخ باشتراط الذكاة بالطريق المذكور في كل حيوان وهو ظاهر.

وأيضا قالوا : الوجهان فيما إذا خرج وحياته مستقرة ولكن الزمان لا يسع التذكية فيموت قبل ان يذكّى.

__________________

(١) الوسائل باب ١٨ حديث ٦ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٢) الوسائل باب ١٨ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٩.

(٣) لم نعثر عليه الى الآن فتتبع.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الحلّ ، لانّه مع قصور الزمان عن التذكية ، في حكم خروجه ميّتا من غير حياة ، إذ لا يمكن ذبحه فهو كالخارج ميّتا.

و (١) عدمه ، لإطلاق الأصحاب انه لا بدّ من التذكية إذا خرج حيّا.

ويمكن ان يستدل على الأول بما تقدم من الأخبار ، فإنها تدل بظاهرها على الحلّ وان خرج حيّا ولم يحتج إلى التذكية خرج ما يسع الزمان التذكية بالإجماع وغيره وبقي الباقي.

ويؤيّده ، الأصل ، والعمومات ، وحصر المحرّمات.

ويؤيّد الثاني انه ميّت ، وعدم سعة الزمان لم يجعله حلالا كما إذا أدرك حيوان (٢) عثر ولم يتمكّن من تذكيته لقلّة زمانه لم يصر حلالا ، بل هو ميّت وهو ظاهر فتأمّل ولا شك أنّ الاجتناب أحوط.

واعلم أنه على تقدير الحلّ لم يشترط فيه سرعة شقّ جوف امّه وبطنها وإخراج الجنين ، لاحتمال ان يكون حيّا فلا تقصر الزمان عن ذكاته بالتأخير فيحرم ، لما تقدّم (٣)

مع احتمال اشتراط ذلك ، فعلى تقدير حلّه حينئذ انّما يكون مع بذل وسعه بأنّ يشق بطنه في الحال بعد الذبح ، فتأمّل.

قال في شرح الشرائع : يتجه على القول باشتراط عدم حياته في حلّه اشتراط المبادرة ، وعلى تقديره لو لم يبادر فوجده ميّتا حلّ لأصالة عدم ولوج الروح وان كان الفرض بعيدا (٤).

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه الحلّ وهو الوجه الثاني.

(٢) كذا في النسخ والصواب حيوانا بالنصب.

(٣) من الأصل والأدلة هكذا في هامش بعض النسخ.

(٤) الى هنا عبارة شرح الشرائع يعني المسالك.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاتجاه غير ظاهر وحينئذ المتجه على قول الشيخ والجماعة ، التحريم كما هو مقتضى دليلهم ، نعم لو قالوا بحلّه يحتمل ذلك.

وكذا الحلّ حال الاشتباه غير ظاهر عندهم ، لما أشرنا فتأمّل.

وان (١) قول الشيخ باشتراط عدم ولوج الروح مع تمام الخلقة والاشعار والأوبار محلّ التأمّل ، فإن الظاهر انه يلج حينئذ البتة وان لم يكن دائما فلا شك انه الغالب ، فحمل تلك الأخبار الكثيرة على ما إذا لم يلج الروح الذي نادر ، بعيد جدا ، فهذا ممّا يضعف قوله فتأمّل.

وانه إذا خرج ولم يعلم ولوج الروح وعدمه مع كونه تامّا ، فالظاهر انه حلال عند الشيخ والجماعة أيضا لما تقدّم من الأدلّة ، وأصل عدم ولوج الروح.

ولكن الظاهر ان الفرض بعيد لو أمكن ، فالمناسب لقول الشيخ والجماعة التحريم ، لان الظاهر ولوج الروح والموت بعده فتأمّل ولا شك ان الاجتناب أحوط وان معنى قوله صلّى الله عليه وآله وقولهم عليهم السّلام : ذكاة الجنين ذكاة امّه ، أنّ ما يحلّ الجنين إذا خرج عن بطن امّه ، هو ذكاة أمّه بقطع الأعضاء الأربعة المقرّرة أو نحرها ، ونحوها ممّا يحلّل من التذكية الشرعيّة.

فالذكاة الاولى مجاز ، والمراد منها المحلّل ، والثانية حقيقة أي التذكية الشرعيّة ويحتمل ارادة المجاز فيهما ، وهو ظاهر.

هذا على القراءة بالرفع فيها على ما هو المشهور.

واما على قراءة نصب الثانية ، فكأنها منصوبة على تقدير فعل وحرف فتكون منصوبة بنزع الخافض. والتقدير : ذكاة الجنين تحصل في ذكاة امّه أو بذكاته ،

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه أنه على تقدير الحل ، وكذا قوله قدّس سرّه وانه إذا خرج إلخ وقوله قدّس سرّه وان معي قوله.

١٥٥

المقصد الثالث : في الأطعمة والأشربة

وفيه بابان

الأول : في حال الاختيار

كلّ ما خلق (خلقه ـ خ) الله تعالى من المطعومات ، فهو مباح الّا ما نستثنيه ، وهي على خمسة أقسام.

______________________________________________________

وهو بعيد كما لا يخفى ، ويحتمل ان تكون منصوبة على التشبيه. والتقدير بذكاة امه ولكن حينئذ يفيد انه لا بدّ من تذكيته أيضا ، ولا يحصل ذلك بمجرد ذكاة امّه ، وذلك أيضا بعيد ويخرج عن الحكم المشهور ، فتأمّل.

قوله : «كلما خلقه الله من المطعومات فهو مباح إلخ» قد توافق دليل العقل والنقل على إباحة أكل كلّ شي‌ء خال عن الضرر ، وشربه ، وقد بيّن دلالة العقل على ان الأشياء الخالية عن الضرر مباحة ما لم يرد ما يخرجه عن ذلك.

والآيات الشريفة في ذلك كثيرة أيضا مثل (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) و (كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (٢).

هما (٣) حالان مؤكدان لا مقيدان ، وهو ظاهر.

والأخبار أيضا كثيرة ، والإجماع أيضا واقع ، فالأشياء كلّها على الإباحة بالعقل والنقل ، كتابا وسنة وإجماعا إلّا ما ورد النص بتحريمه. امّا بالعموم ، مثل ويحرّم عليهم الخبائث (٤) ، فما علم انه خبيث فهو حرام ، ولكن معنى الخبيث غير

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) البقرة : ١٦٨.

(٣) أي قوله تعالى (جَمِيعاً) ، وقوله تعالى (حَلالاً طَيِّباً).

(٤) الأعراف : ١٥٧.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر ، إذ الشرع ما بيّنه ، واللغة غير مراد ، والعرف غير منضبط.

فيمكن ان يقال : المراد عرف أوساط الناس وأكثر هم حال الاختيار من أهل المدن والدور ، لا أهل البادية ، لأنه لا خبيث عندهم ، بل يطيّبون جميع ما يمكن أكله ، فلا اعتداد بهم.

واما (١) بالخصوص مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (٢) الآية.

وبالجملة ، الظاهر الحلّ حتى يعلم انه حرام لخبثه أو لغيره ، لما تقدم ، ولما في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة : كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (٣).

ويؤيّده حصر المحرّمات ، مثل (قُلْ لا أَجِدُ) (٤) الآية.

نعم قد يحرم المحلّل بأشياء أخر مثل الغصب ويحلّ المحرّم للاضطرار ، وذلك غير معتبر ، والنظر والبحث في الأصل من غير اعتبار أمر.

فالذي يفهم من غير شك هو الحلّ ما لم يعلم وجه التحريم حتى في المذبوح من الحيوان واجزاء الميتة ، فما علم انه ميتة ، أو فاذبح على الوجه الشرعي فهو أيضا حرام الّا ما يستثنى.

واما المشتبه والمجهول الغير المستثنى فالظاهر من كلامهم انه حرام أيضا.

وفيه تأمل قد مرّ إليه الإشارة.

هذه الضابطة على العموم من غير نظر إلى دليل خاصّ لخصوص المادّة ، والتفصيل وما ورد فيه دليل بخصوصه ومفصلا ، فهو تابع لدليله تحريما وتحليلا

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : اما بالعموم.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٥٨.

(٤) الانعام : ١٤٥.

١٥٧

(الأوّل) البهائم ، ويحلّ الإبل والبقر ، والغنم.

ويكره الخيل.

______________________________________________________

فتأمّل.

قوله : «الأول البهائم ويحل الإبل إلخ» أول الأقسام الخمسة المحلّلة ، ممّا خلقه الله تعالى ، البهائم ، والمراد بها هذا الحيوان البرّي الغير الطائر.

لا خلاف بين المسلمين في إباحة الأنعام الثلاثة ، الإبل ، والبقر ، والغنم ، والأدلّة على إباحتها من الكتاب (١) والسنة أيضا كثيرة ، بل ولا يحتاج إلى الاستدلال لكونها ضروريّة.

قوله : «ويكره الخيل إلخ» المشهور بين الأصحاب حلّ الخيل والبغال والحمير حتى كاد ان يكون إجماعيّا ، ولهذا ما أشار المصنف إلى الخلاف.

ونقل عن أبي الصلاح تحريم البغال ، ودليله ، النهي في الروايات ، لكن لمّا كانت الروايات شاملة لغيرها أيضا كان عليه القول بتحريمه أيضا وسيجي‌ء مع الجواب. فدليل الحلّ العقل والنقل المتقدمات ، وحصر المحرّمات مع عدم دخولها فيها.

وحسنة محمّد بن مسلم وزرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام انهما سألاه عن لحم (لحوم ـ ئل) الحمر الأهليّة فقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن أكلها يوم خيبر ، وانما نهى عن أكلها في ذلك الوقت ـ ئل ، لأنها كانت حمولة الناس ، وانما الحرام ما حرّمه (حرّم ـ ئل) الله عزّ وجلّ في القرآن (٢).

وفي رواية أخرى ، عن محمّد بن مسلم ، وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سمعته يقول : ان المسلمين كانوا اجهدوا (اجتهدوا ـ خ) في خيبر

__________________

(١) مثل قوله تعالى (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ). وقوله تعالى (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ).

(٢) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأسرع المسلمون في دوابهم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بإكفاء القدور ولم يقل إنها حرام وكان ذلك إبقاء على الدواب (١).

وفي الطريق : (عن رجل) (٢) ولا يضر.

وكذا نقل أكفاء القدور اذن أصحابها مع عدم التحريم ، لانه صلوات الله عليه أولى بالمسلمين من أنفسهم ورأى المصلحة في ذلك ففعل.

وفي رواية أخرى ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن لحوم الخيل والدواب والبغال والحمير؟ فقال : حلال ، ولكن الناس يعافونها (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام انه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ ، والوطواط ، والحمير ، والبغال ، والخيل ، فقال : ليس الحرام الّا ما حرّم الله في كتابه وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير ، وانما نهاهم من أجل ظهورهم ان يفنوه وليست الحمير (الحمر ـ ئل) بحرام. ثم قال : اقرأ هذه الآية (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (٤).

وصحيحة أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ان الناس

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٢ ولكن السند في الكافي والوسائل هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان عن أبي الجارود.

(٢) ليس في طريق الخبر لفظة (عن رجل) كما نقلناه ، نعم في التهذيب والاستبصار هكذا : أحمد بن محمّد عن رجل ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي الجارود ولعلّه الوجه في قوله قدّس سرّه : (ولا يضر لعدم وجوده في طريق الكليني رحمه الله).

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ٦ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٧ والآية ١٤٥ من سورة الانعام.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أكلوا لحوم دوابّهم يوم خيبر ، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بإكفاء قدورهم ونهاهم عن ذلك (عنها ـ خ ل ـ ئل) ولم يحرّمها (١).

ودليل الكراهة قالوا : هو حمل النهي على الكراهة ، وهو ما ورد في صحيحة ابن مسكان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن لحوم الحمر (الأهليّة ـ ئل) ، فقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عن أكلها يوم خيبر ، قال : وسألته عن أكل الخيل والبغال فقال : نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله عنها فلا (ولا ـ ئل) تأكلها الّا ان تضطر اليه (٢).

ورواية أبان (بن تغلب ـ ئل) عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن لحوم الخيل؟ فقال : لا تأكل الا ان تصيبك ضرورة ، ولحوم الحمر الأهليّة ، قال : في كتاب علي عليه السّلام انه منع من أكلها (٣).

وحملها الشيخ على الكراهة ، واستدلّ عليها بالأخبار التي قدمناها.

وكذا حمل على الكراهة صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السّلام ، قال : سألته عن لحوم البراذين ، والخيل ، والبغال؟ قال : لا تأكلها (٤) ، لما تقدم ، وحمل خبر أبي سعيد الخدري ، قال : أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بلالا بأن ينادي : أن رسول الله صلّى الله عليه وآله حرّم الجرّي (٥) ، والضبّ (٦) والحمر الأهلية (٧) في الاستبصار على التقيّة ، لأنه موافق للعامة ،

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١١ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٥.

(٢) الوسائل أورد صدره في باب ٤ حديث ٤ وذيله في باب ٥ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦ وذيله في باب ٤ حديث منها.

(٤) الوسائل باب ٥ حديث ٥ من أبواب الأطعمة المحرّمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٥) والجرّي كذمّي سمك (القاموس).

(٦) والضبّ دابّة برية (مجمع البحرين).

(٧) الاستبصار ج ٤ باب حكم لحم الحمر الأهليّة حديث ٩ ص ٧٥ طبع النجف.

١٦٠