مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتحرك رجله أو تطرف عينه فيذبح يحلّ به (١).

فيمكن ان يكون مجرّد الحياة المعلومة بطرف العين ونحوه وخروج الدم المعتدل كافيا.

وأيضا التحديد بيوم أو أيّام ما نعرف مأخذه بخصوصه ، فينبغي الحوالة إلى العرف.

وأيضا ان كان المعتبر عدم قطع الحياة بالكلية بغير ما تقرّر فقد يوجد مع غير المستقرة بذلك المعنى أيضا ، وكذا ان كان عدم قطع الحياة بشي‌ء آخر وان كان عدم مدخليّة شي‌ء وعدم جرح بغير ذلك الوجه المعتبر في حلّه فقد عدم معها أيضا فتأمّل.

واعلم ان في شرح الشرائع قال : القول بالحلّ بعد العود إلى النحر والذبح ، للشيخ في النهاية ، والمصنف تردّد في ذلك ، ومنشأ حصول النحر التام والذبح كذلك في محلّه ، وانه لا تحصل التذكية بالذبح مثلا الّا بقطع الأعضاء قاتلا له.

ثم قال : إن اعتبرنا استقرار الحياة كما هو المشهور لم يحلّ هنا لفقد الشرط ، وان اكتفينا بالحركة بعد الذبح أو النحر وخروج الدم أو أحدهما لزم الحكم بالحلّ إذا وجد الشرط ، وسيأتي تحقيق ان المعتبر هو الثاني فيحلّ.

فيه تأمّل لأن الحكم بالحلّ بالحركة والدم ـ بعد قطع الأعضاء المهلك ـ مشكل فإنه بعد ذلك في حكم الميّت ولا اعتبار بتلك الحركة والدم ، فإنهما مثل ما يوجد فيما قطع بموته مثل حركة الطير بعد قطع الأعضاء الأربعة بالكلّية ، فإن مثلها لا يدل على الحياة الموجبة للحلّ فلا ينبغي جعلها دليلا له ، وجعله تحقيقا ، بل التحقيق ما أشرنا إليه فتذكّر.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٢.

١٢١

(الخامس) الحركة الدالة على الحياة شرط بعد الذبح أو خروج الدم المسفوح ، ولا يكفي المتثاقل.

______________________________________________________

قوله : «الحركة الدالة على الحياة إلخ» الظاهر ان كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما على الخلاف علامة للحلّ انما هو في المشتبه ، لأنه ان علم حياته قبل الذبح فذبح ولم يوجد أحدهما ، فالظاهر الحلّ ، لانه قد علم حياته وذبح على الوجه المقرر ، فان زال روحه به فيحلّ.

فتأمّل ، فإن بعض الاخبار الصحيحة يدل على اعتبار الدم بعد إبانة الرأس من غير المشتبه.

ولعلّ ذلك أيضا للاشتباه الحاصل بعده بأن الإزالة بقطع الأعضاء الأربعة أو غيره فلا يخرج عن الاشتباه فتأمّل.

وان علم موته فيذبح ووجد لم يحلّ ، وهذا أظهر ان أمكن.

لعلّ مراده بالحياة الحياة في الجملة ، وصدقها لغة وعرفا ، ولهذا ما قيّدها بالاستقرار أو بالحركة المتقدمة في الاخبار ، مثل الطرف.

وبالدم المسفوح ، الدم المعتدل ، بناء على ما مرّ ، لا المتثاقل.

ولا يحتمل إرادة الحياة المستقرّة بالمعنى الذي فسرها به لقوله : (بعد الذبح).

واعلم ان كلامه هذا كالصريح في عدم اعتبار الحياة المستقرّة بالمعنى المتقدم قبل الذبح ، بل يكفي خروج الدم أو حركة ما بعده ، فلم يكن مذهبه هاهنا اعتبار الحياة المستقرّة ، وهو خلاف ما نقل عنه في شرح الشرائع ولكن يلزم منافاة بين هذه وما تقدّم.

ويمكن حمل الحركة على الدالة على تلك الحياة ، وكذا الدم المسفوح فتأمّل.

وانه (١) اعتبر في القواعد شرطا آخر ، وهو قصده الذبح والنحر ، فلو وقع

__________________

(١) عطف على قوله : ان كلامه هذا إلخ وكذا قوله : وان هذه الشرائط.

١٢٢

المطلب الثاني في الأحكام

يجوز شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من اللحوم ولا يجب السؤال ، وما يوجد في يد مسلم.

______________________________________________________

السكين من يده فصادف حلق حيوان فذبحه لم يحلّ.

وكأنه لذلك حكم بعدم حلّ ذبيحة المجنون ، والسكران ، والمغمى عليه ، والطفل الغير المميّز فتأمّل فيه.

وان هذه الشرائط انما هي مع الاختيار والإمكان ، فلو لم يمكن مثل بعير استعصى أو تردّى في بئر ولا يمكن النحر على الوجه المأمور به فيحلّ كصيد يقتل بآلته على ذلك الوجه كما مرّ.

ويحتمل ان لم يتيسر ذلك أيضا يقتله بما أمكن ويحلّ فتأمّل واحتط.

قوله : «يجوز شراء ما يوجد إلخ» واعلم أنّ مقتضى القاعدة المقرّرة عندهم من أنّ الأصل في الحيوان عدم الحلّ والذباحة (في الذباحة ـ خ) وانه ميتة ، عدم حلّ ما يوجد في أسواق المسلمين أو في أيديهم ، وطهارته من غير اخباره بحال ، بل معه أيضا إذا كان متهما أو مذهبه ، الحلّ في المذكّى بدون الشرائط ولم يكن مقيّدا بمذهب ، أو يستحلّ الميتة والدباغة ، أو يستحلّ بيعها على بعض الناس خصوصا على مذهب من لا يستحلّ ذبائح غير المحقّ ، مثل ابن البرّاج ، وظاهر الشيخ من تأويله المتقدم بل ابن إدريس أيضا حيث قيّد غير المؤمن بالمستضعف ، والمصنف حيث ذهب الى تحريم الذبيحة مع عدم اعتقاد وجوب التسمية ، إذ معلوم في المسلمين من لا يعتقده.

هذا مع العلم بمعرفة الذابح بالشرائط والحال انه قد لا يعلم ، كيف ومذهب بعضهم بل أكثرهم عدم هذه الشرائط ، مثل التسمية ، والقبلة ، والإسلام ، والاكتفاء بقطع بعض الأعضاء ، والذبح مقام النحر والطهارة بالدباغة ، فكيف

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يحكم بطهارة الجلود واباحة استعمالها واستعمال اللحوم وغيرها بمجرد كونه في سوق المسلمين أو بيدهم.

على أن كثيرا من الأصحاب يكفر غير المحقّ الّا ان لا يراه سوق المسلمين ، والظاهر أنه ليس كذلك.

ووجه اقتضاء القاعدة المذكورة ذلك أن كونه مذبوحا ومنحورا على الوجه الشرعي موقوف على أمور متعددة ، والأصل عدم ذلك كلّه.

وان كان لي فيها (فيه ـ خ) تأمّل كما أشرنا إليه مرارا من ان الأصل الحلّ والطهارة.

ويدل عليه عموم الخلق (١) للإنسان ، وحلّ الجميع لهم الّا ما خرج بالدليل ، وحصر المحرمات في أمور (٢) ، فلم يحرم الّا مع العلم بانتفاء الحلّ فان مجرّد الاحتمال كاف في الطهارة ، ويحتمل في الحلّ أيضا.

وان قلنا ان ما قالوه أوجه بالنسبة إلى عدم الذبح والنحر ، فان الموت محرّم ومنجّس الّا مع تحقق التذكية ، فتأمّل.

الّا انه قد وردت الروايات بذلك ، وقد مضى في بحث لباس المصلّي بعضها ، مثل صحيحة البزنطي في الكافي والتهذيب (٣).

ويدلّ عليه أيضا مثل حسنة فضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم ـ هي صحيحة في الفقيه ـ أنهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحم (اللحوم ـ خ ئل) من الأسواق (السوق ـ خ ئل) ولا يدرون (لا يدرى ـ خ ئل) ما صنع القصّابون؟ قال : كل

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ـ البقرة : ٢٩.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) إلى آخر الآية.

(٣) راجع مجمع الفائدة ج ٢ ص ٩٦ ـ ٩٧.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه (١).

الظاهر أن التعبير في العبارات بالشراء ـ للروايات ، وسببه فيها ـ الإشارة إلى تحريم شراء الميتة.

فعلى ما فهمت لا بدّ من النقض إمّا في القاعدة المقررة المقتضية ، أو (٢) هذا الحكم ودليله من الروايات ، ولما ثبت هذا الحكم لصحّة الروايات ، فلا بدّ من القدح والتصرف فيها وهو مؤيد لما ذكرناه فيها من التأمّل ، فعلم من الحكم ورواياته وهن في تلك القاعدة كالوهن في القول بكفر غير المحقّ ونجاسته فتأمّل.

وقد بالغ في الدروس في هذا الحكم ، وقال : ويحلّ أكل ما يباع في سوق الإسلام من اللحم وان جهل حاله ولا يجب السؤال ، بل ولا يستحبّ وان كان البائع غير معتقد للحقّ ولو علم منه استحلال ذبائح الكتابيين (الكتابيّ ـ خ) على الأصح (٣).

وأنت تعلم أن كثيرا من المسلمين يستحلّون ما لا يستحلّه أهل الحقّ ، مثل الأرنب. وكلامه ظاهر في انه لا يحتاج إلى العلم بأنه مأكول اللحم ، وانه لا يستحب السؤال أيضا عن بيان هذا الحيوان فضلا عن كيفيّة ذبحه.

وفي شرح الشرائع أكثر (٤) ، قال : بل لو قيل بالكراهة لكان وجيها

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٤.

(٢) عطف على القاعدة يعني أو النقض في هذا الحكم يعني جواز الشراء من أسواق المسلمين مع عدم التذكية.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس.

(٤) يعني مبالغة الشهيد الثاني في شرح الشرائع في هذا الحكم أكثر من مبالغة الشهيد الأول في الدروس فان الدروس حكم بعدم استحباب السؤال فقط وشارح الشرائع لم يكتف بذلك بل حكم بكراهة السؤال.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

)وجها ـ خ ل) للنهي عنه في الخبر ، وأقل مراتبه الكراهة ، وفي الدروس اقتصر على نفي الاستحباب.

وقال في شرح الشرائع أيضا : لا فرق في ذلك بين ما يوجد في رجل معلوم الإسلام ومجهوله ، ولا في المسلم بين كونه ممن يستحلّ ذبيحة الكتابي وغيره على أصحّ القولين ، عملا بعموم النصوص والفتاوى.

ثمّ قال : واعتبر في التحرير كون المسلم ممن لا يستحلّ ذبائح أهل الكتاب ، وهو ضعيف جدا لأن جميع المخالفين استحلّ ذبائحهم فلزم على هذا انه لا يجوز أخذه من المخالف مطلقا وهذه الأخبار ناطقة ببطلان ذلك (١).

وليت شعري كيف صار سوق الإسلام بهذه المثابة مع القاعدة المقرّرة وما ذكرناه بعدها والعلم بأحوال الناس من عدم القيد ، والمذاهب المتشتتة؟ ومن اين سقط الاحتياط ، والزهد ، والورع ، والملاحظة حتى قالوا : إنه يستحب الاجتناب عن الحائض المتهمة ، بل ظاهر الرواية عدم الوضوء بسؤرها مطلقا (٢).

بل قيل عن مطلق المتهم (٣) ، ومن كان ماله لا يخلو عن شبهة مثل الظلمة ، والمعاملة معهم ، والاجتناب من أموال السلاطين وجوائزهم (٤) مع عدم العلم بالتحريم ، وإخراج خمسه استحبابا (٥) لو أخذ ونحو ذلك حتى أسقط الاستحباب (٦) بل أوجب كراهة السؤال والملاحظة (٧).

__________________

(١) إلى هنا عبارة شرح الشرائع.

(٢) راجع الوسائل باب ٨ من أبواب الأسئار ج ١ ص ٦٩.

(٣) راجع الوسائل باب ١٩ من أبواب أحكام العشرة ج ٨ ص ٤٢٢.

(٤) راجع الوسائل باب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٥٦.

(٥) راجع الوسائل باب ٤٨ حديث ٥ من أبواب ما يكتسب به ج ٣ ج ١٢ ص ١٤٦.

(٦) كما عن شرح الشرائع.

(٧) كما عن تحرير العلامة.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على أن في أكثر الأخبار الصحيحة (ليس عليكم المسألة) (١).

والظاهر أن نفي السؤال في رواية الفضيل وصاحبيه (٢) ليس للتحريم والكراهة ، بل لنفي الوجوب المتوهم ، فإنه أمر مستبعد فيحل السؤال ، فذلك رخصة لا عزيمة على الظاهر.

وان الاخبار غير ناصّة في التعميم الذي ذكروه ، بل قابلة للتخصيص بمثل ما (إذا علم بعبد أهله) (٣) أو (لم يعلم عدمه بشرائط الذباحة) كما أشار إليه في التحرير ، لما مرّ ، ومثل هذا التخصيص غير عزيز ولا مستبعد فتأمّل.

مع انه قال بعد ذلك في الدروس : (ولو وجد ذبيحة مطروحة لم يحلّ تناولها الّا مع العلم بان مباشرها أهل الحق ، أو قرينة الحال).

لكن هنا جوّز (مع القرينة وبالغ بعض ولم يقبل القرينة) بل قال : ولو كان جلد المصحف مطروحا في مسجد يحكم بنجاسة الجلد.

والظاهر أن الأمر ليس كذلك ، فان المطروح في بلاد المسلمين وبيوتهم ومحلاتهم وأسواقهم وطرقهم التي لا يصل إليها كافر محكوم بطهارته.

وبالجملة القرينة الظاهرة متبعة كما في اللحم الذي يباع في أسواق المسلمين ، إذ لا خصوصيّة للسوق ولا لليد ، بل المدار على الظاهر وترجيحه على

__________________

(١) يريد قدس سرّه انهم عليهم السّلام نفوا عدم وجوب السؤال لا عدم جوازه أو استحبابه فضلا عن كراهته فراجع الوسائل باب ٥ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٧١.

(٢) يعني زرارة ومحمّد بن مسلم فراجع باب ٢٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٤.

(٣) هكذا في النسخ ، وفي هامش المطبوعة (معرفة ـ ظ) يعني بدل (بعبد) وحاصل مراده قدّس سرّه ان اخبار حجّية سوق المسلمين ليست بمصرّحة بالتعميم في مطلق السوق أعم من ان يكون عالما بمعرفة الذابح شرائط التذكية وعدمها بل قابلة للتخصيص بأحد أمرين (أحدهما) التخصيص بالعالم (ثانيهما) التخصيص بما إذا لم يعلم عدم علم الذابح بشرائط التذكية كما قيّد في التحرير بعدم كون المسلم ممن لا يستحل الميتة ـ والله العالم. وفي بعض النسخ المخطوطة (تقيد) بدل (بعيد).

١٢٧

ويكره الذباحة ليلا اختيارا ، ونهار الجمعة قبل الزوال.

______________________________________________________

الأصل المتوهم تسهيلا.

ثمّ اعلم أنهم قالوا : امتياز بلد الإسلام عن بلد الكفر بنفوذ الأحكام.

وهو محلّ التأمّل ، بل ينبغي أن يكون الحاكم في ذلك العرف باعتبار أهل البلد ، فان كانوا مسلمين بحيث لا يوجد فيه كافر الّا نادر قليل أو بطريق المسافرة فهو بلد المسلمين ، والّا فلا ، وهو الذي يقتضيه القواعد.

وإليه أشار في شرح الشرائع ، لموثقة إسحاق بن عمار ، عن الكاظم عليه السّلام انه قال : لا بأس بالصلاة في الفر (والفراء ـ ئل) واليماني ، وفيما صنع في أرض الإسلام ، قلنا (قلت ـ خ ل) له : وان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمون (المسلمين ـ ئل) (١) فلا بأس.

وان ذكر يد المسلم ـ بعد بلاد المسلمين ـ يدلّ على أنّ اليد كاف وإن لم تكن البلاد بلاد المسلمين.

وأنّ (٢) مجرّد إسلام البلد كاف بشرط عدم العلم بكفر ذي اليد ، فالعبارة جيّدة واكتفى في الدروس ببلاد (ببلد ـ خ) الإسلام وما ذكر يد المسلم فتأمّل ولكن (٣) لو عكس واكتفى بيد المسلم عن بلد الإسلام لكان أظهر فتأمّل.

قوله : «ويكره الذباحة ليلا إلخ» دليل كراهة ذبح الحيوان ليلا اختيارا ويوم الجمعة قبل الزوال ، كأنه الإجماع ، ورواية أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي بن الحسين عليهما السّلام يأمر غلمانه ان لا يذبحوا حتى يطلع الفجر ، ويقول : ان الله جعل الليل سكنا لكل شي‌ء ، قال : قلت :

__________________

(١) الوسائل باب ٥٠ حديث ٥ من أبواب النجاسات ج ٢ ص ١٠٧٢.

(٢) في بعض النسخ هكذا : وان مجرد إسلام البلد غير كاف فالعبارة جيدة ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) يعني في عبارة المصنف بقوله : (وما يوجد في يد مسلم).

١٢٨

والنخع.

______________________________________________________

جعلت فداك فان خفنا (خفت ـ ئل)؟ قال : ان كنت تخاف الفوت فاذبح (١).

فيها دلالة على كراهة أكثر الأشغال ليلا اختيارا ، وعلى وجوب الذبح مع فوت الحيوان ، فيشعر بوجوب حفظ المال ، فافهم.

ورواية محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يكره الذبح وازالة (إراقة ـ خ ل) الدم يوم الجمعة قبل الصلاة إلّا عن ضرورة (٢).

ولا يضرّ عدم صحّة السند (٣) ، ويمكن شمولها للنحر أيضا ، بل لمثل الفصد والحجامة أيضا فتأمّل.

واما كراهة النخع فلصحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا تنخع الذبيحة حتى تموت ، وإذا ماتت فانخعها (٤).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : استقبل بذبيحتك القبلة ولا تنخعها حتى تموت ولا تأكل من ذبيحة لم تذبح من مذبحها (٥).

نقل عن الصحاح يقال : ذبحه فنخعه نخعا أي جاوز منتهى الذبح إلى النخاع ، وهو المخّ الذي في الفقار ـ يعني لا يوصل بالقطع إلى النخاع بل اتركها حتى يموت بالذبح ثم تنخعها.

__________________

(١) الوسائل باب ٢١ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٤ وفيه قال : سمعت علي بن الحسين وهو يقول لغلمانه : لا تذبحوا إلخ.

(٢) الوسائل باب ٢٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٤.

(٣) والسند كما في الكافي هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى ، عن العباس بن معروف عن مروك بن عبيد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمّد الحلبي.

(٤) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.

(٥) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فيها دلالة على وجوب الاستقبال بالذبيحة وتحريم الذبيحة إذا ذبح من غير مذبحها ومات به وقد مرّ.

وهي ظاهرة في تحريم النخع مع صحّة السند.

وتدل عليه أيضا أخبار أخر مثل ما تقدم في استقبال القبلة ـ عن الرجل يذبح فنسي ان يسمّي أيؤكل ذبيحته؟ فقال : نعم إذا كان لا يتهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ، ولا ينخع ، ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة (١).

وهذه بمفهومها تدلّ على تحريم الأكل بالنخع ، ويدل على تحريم النخع فقط غيرها أيضا.

فالظاهر تحريمه لا الكراهة كما هو المشهور ، نعم يحتمل حلّ المذبوح معه ، وكراهته ، ويكون الفعل حراما فقط ، ويشعر به الحكم بعدم الأكل إذا ذبح من غير مذبح (٢).

وهنا بالنهي فقط ، والأصل وغيره من العمومات ، وحصر المحرّمات وعدم صدق الميتة مؤيّد.

ويحتمل التحريم أيضا ويؤيّده مقارنة الاستقبال الذي تركه موجب لذلك ، ولا شك ان الأحوط ذلك وان لم يكن واجبا.

فالقول بتحريم النخع (بالتحريم ـ خ ل) كما هو مختار الدروس غير بعيد ، قال فيه : ويحرم إبانة الرأس عمدا وقطع النخاع ـ مثلث النون ـ قبل موتها ، وهو الخيط الأبيض وسط الفقار ـ بالفتح ـ ممتد في الرقبة إلى عجب الذنب ـ بفتح العين وسكون الجيم ـ (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٢) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٥.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس وفيه بعد قوله : (وسكون الجيم) وهو أصله كسر الرقبة لتوخي الموت ولا يحرم المذبوح بذلك خلافا للنهاية وابن زهرة في قطع الرأس والنخع (انتهى). راجع الدروس كتاب التذكية ص ٢٧٨.

١٣٠

وقلب السكين ليذبح الى فوق.

______________________________________________________

ويفهم منه أيضا أنه لا بدّ في النخع الحرام من قطع ذلك الخيط ، وهو غير ظاهر ، بل ظاهر الصحاح انه يكفى التجاوز عن منتهى المذبح والوصول إليه.

وقال في القاموس : نخع الذبيحة تجاوز (جاوز ـ خ) منتهى المذبح أصاب نخاعها.

وهو أيضا ظاهر في عدم قطع الخيط فتأمّل.

ثم التحريم والكراهة ، انما هو على تقدير الاختيار لا الاضطرار أيضا ، فلو سبق السكين إليه بغير اختيار لا كراهة ولا تحريم ، لا للفعل ولا للذبيحة.

ويدل عليه العقل والروايات في ابانة الرأس كما سيجي‌ء.

واما كراهة قلب السكين ـ وهو ان يدخل السكين في عنق المذبوح ويجعل وجهه إلى وجهه فيقطع الأعضاء الأربع إلى الفوق على عكس المتعارف ـ فلرواية حمران بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الذبح فقال : إذا ذبحت فأرسل ولا تكتف ، ولا تقلّب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق ، والإرسال للطير خاصّة ، فإن تردّى في جبّ أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه فإنك لا تدري ، التردي قتله أو الذبح ، وان كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسك (ولا تمسكنّ ـ خ ئل) يدا ولا رجلا ، فأما البقرة فاعقلها فأطلق الذنب ، واما البعير فشدّ أخفافه إلى إباطه وأطلق رجليه وان أفلتك شي‌ء من الطير وأنت تريد ذبحه أو ندّ (١) عليك فارمه بسهمك ، فإذا سقط فذكّه بمنزلة الصيد (٢).

__________________

(١) ندّ البعير من باب ضرب ندّ وندادا بالكسر ونديدا ، نفر وذهب على وجهه شاردا والجمع نوادر (مجمع البحرين) ويقال : أفلت للطائر وغيره إفلاتا تخلّص (مجمع البحرين).

(٢) الوسائل باب ٣ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٥.

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

فيها أحكام ، مثل إرسال الطير ، وعدم قلب السكين ، وتحريم أكل الذبيحة بعد الذبح ، وإطعامه للغير بقطع الأعضاء الأربعة إذا وقع في بئر أو وهدة لاحتمال عدم الموت به بل بوقوعه في بئر ونحوه ، وانه لا يجوز بمجرد قطع الأعضاء الأربعة (١).

وفيه تأمل فإن الظاهر انه يموت به ، وان الحركة والحياة بعده لا اعتبار بهما فكأنه مات وحكمه حكم الميّت فالحكم بالتحريم لاحتمال موته بغيره مشكل خصوصا على القول باشتراط استقرار الحياة ، وتفسيرها باليوم وأكثر.

نعم ينبغي ملاحظة ذلك وعدم إرساله وطرحه في موضع يمكن موته وتدفينه (٢) بشي‌ء آخر غير الذبح ، ويمكن حمل الرواية على الكراهة أو على عدم قطع الأعضاء الأربعة فتأمّل.

وإمساك (٣) صوف الغنم وشعره ، وعدم إمساك يده ولا رجله.

ولكن فهم ربط يديه واحدى رجليه (منها معها ـ خ) كما فهمه في شرح الشرائع مشكل ، قال : والمراد في الغنم بقوله : (ولا تمسكنَّ يدا ولا رجلا) انه يربط يديه واحدى رجليه من غير ان يمسكه بيده فتأمّل.

وشدّ أخفاف البعير.

ولكن فيه أيضا إشكال ، لأنّ المتبادر منه ردّ يديه إلى إباطه وشدّ الساق والفخذ معا ، وان فعل كذلك فلا يمكن ان يقوم مع ان المستحب نحره قائما ، فيمكن ان يكون هذا على تقدير النحر ، باركا لا قائما أو يكون مخيّرا في الاستحباب أو بكونه أراد بالقيام ما يقابل اضطجاعه ليكون المراد جعل احدى يديه كذلك ، وهو لا ينافي القيام ، ويكون الجمع باعتبار افراد البعير لا باعتبار الاثنين ، في كل واحد.

__________________

(١) يأتي بقية ما يستفاد من الحديث بقوله قدّس سرّه : وإمساك صوف الغنم.

(٢) سنام مدفّف كمحدّث سقط على دفتي البعير وداففته ، أجهزت عليه كدففته (القاموس).

(٣) عطف على قوله : إرسال الطير ، وكذا قوله : وشد أخفاف البعير ، وقوله : وعقل البقر.

١٣٢

وان يذبح وآخر ينظر اليه.

______________________________________________________

ويبعد ان يكون المراد منه شدّ يديه ، بعضها مع بعض ، ما بين الركبة والخف ، إذ لا يفهم هذا المعنى من هذه العبارة وان كان ذلك موجودا مصرّحا في رواية أخرى (١) ، وهو ظاهر ، بل يكون حينئذ مخيّرا اما ان ينحره قائما على هذا الوجه أو مع فعله ذلك بيده الواحدة أو باركا الوجه الأوّل فتأمّل.

وعقل البقر بجمع رجليها ويديها وترك ذنبه.

وان الطير أو غيره إذا أفلت وخلص ولم يقدر عليه يذبح ويقتل بما أمكن ، يلاحظ فيه ما يعتبر في الصيد وقد مرّ مرارا فافهم.

واما فهم تحريم قلب السكين كما هو مذهب البعض فغير ظاهر لجهل في السند (٢) ، نعم ، الكراهة غير بعيدة ، وكذا القول باستحباب وكراهة ما يفهم منها الّا ان يكون دليل آخر غيرها فيعمل به فتأمّل.

واما كراهة الذبح والآخر ينظر إليه ، فتدل عليه رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال : لا يذبح الشاة عند الشاة ، ولا الجزور عند الجزور ، وهو ينظر إليه (٣).

وهي ضعيفة بغياث ، ولكن الكراهة غير بعيد لها مع قول الأصحاب.

فيها اشعار بجريان الذبح في الإبل وان المكروه ذبح كل واحد من الغنم والإبل إذا نظر إليه غيره من جنسه ، فلا يكره ذبح الشاة إذا نظر إليه الجزور وبالعكس ، ويحتمل الأعم ويكون المراد مثلا كاحتمال عدم اختصاص بهما ، مع احتماله أيضا لعدم القياس.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٢٥ حديث من أبواب الذبح من كتاب الحج ج ١٠ ص ١٣٤.

(٢) سنده كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي هاشم الجعفري (عن أبيه ـ خ ئل) عن حمران بن أعين.

(٣) الوسائل باب ٧ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.

١٣٣

وابانة الرأس وسلخها قبل الموت على رأي أو قطع شي‌ء منها.

______________________________________________________

قوله : «وابانة الرأس وسلخها إلخ» أي يكره إبانة رأس الذبيحة قبل موتها أي قبل ازالة حياتها بالكليّة بأن تبرد وتسكن حركتها ، وكذا يكره كسر عنقها وسلخها وقطع شي‌ء منها قبله.

دليل الحلّ تحقّق الموت بإزالة الحياة المستقرة فلا يضرّ قطع هذه الأمور ولا تصير الذبيحة بذلك ميتة ، والأصل والعمومات وحصر المحرمات ، نعم لما ورد النهي في بعض الاخبار (١) حمل على الكراهة.

ويؤيّده الاعتبار وما تقدم في النخع ، فان كسر الرقبة وابانة الرأس مستلزم لذلك والزيادة ، فدليله يدل على حكمهما.

ومثل صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يذبح ولا يسمّي ، قال : ان كان ناسيا فلا بأس (عليه ـ يب) إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح (٢).

يعني حتى تبرد الذبيحة ، لما تقدّم في القبلة والتسمية في حسنة الحلبي : (حتى تبرد الذبيحة) (٣).

وفيها (٤) دلالة على البأس في قطع الرقبة ، كأن المراد الكراهة لحسنة الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل ذبح فتسبقه السكين فقطع الرأس ، فقال : ذكاة (٥) وحيّة ، ولا بأس بأكله (٦).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٩.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٣) لاحظ الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٤) يعني في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة.

(٥) في الكافي : فقال : هو ذكاة وحيّة لا بأس به وبأكله.

(٦) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مسلم ذبح فسمّى فسبقت مديته (السكين بحديها ـ كا ـ حديدة ـ يب خ ل كا) ، فأبان الرأس فقال : ان خرج الدم فكل (١).

وهما صحيحتان في الفقيه.

ورواية مسعد بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام وسئل عن رجل يذبح فأسرع (فيسرع) السكين فتبين الرأس ، فقال : الذكاة الوحيّة (٢) لا بأس بأكله إذا لم يتعمد ذلك (٣).

وفي هذه والأولى دلالة على البأس في الفعل والأكل مع التعمد ، ولكنهما ليستا بصريحتين في تحريم الفعل والأكل ، فلا يبعد الجواز والقول بالكراهة لعلّ هذا نظر المصنف.

ويمكن دفع العمومات والأصل بالاخبار ، وكذا دفع انه حصل الموت وزال استقرار الحياة ، فإن ذلك لا يدل على عدم التحريم بدليل آخر ، بل على عدم التحريم من تلك الجهة وعدم كونها ميتة بعد التسليم وان لم تكن هذه الاخبار صريحة في التحريم ولكنها مع ما تقدم في النخع تدل على تحريم الفعل.

وفي تحريم الذبيحة تأمل وان لم يثبت ، ولكن الأحوط اجتنابها ، بل ولا يبعد كراهتها أيضا مثل الفعل فتأمّل.

والظاهر ان السلخ مكروه قبل أن يبرد ، وكذا أكله حينئذ لعدم دليل صالح للتحريم.

__________________

(١) الوسائل باب ٩ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٨٩.

(٢) الوحيّ بتشديد الياء ، السريع ، ومثله موت وحيّ مثل سريع لفظا ومعنى فعيل بمعنى فاعل ومنه ذكاة وحيّة أي سريعة (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٩.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقول الأصحاب بالكراهة مستند إلى مرفوعة محمّد بن يحيى ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه السّلام : الشاة ذبحت (إذا ذبحت الشاة ـ ئل) وسلخت أو سلخ شي‌ء منها قبل أن تموت فليس يحلّ أكلها (١) (لم يحل أكلها ـ ئل).

كأنّ المراد بقوله : (أو سلخ شي‌ء منها) قطع شي‌ء منها وان كان لحما ، وهو دليل قوله (٢) : (أو قطع شي‌ء منها).

وهذه تدلّ على تحريم الذبيحة ، وحملت على الكراهة لعدم صحّة السند مع ما تقدم.

ولا ينفع في الصحّة ، كون معنى (رفعه) في الاصطلاح أنه أسنده ، لعدم العلم بالإسناد ، فمعنى القدح فيه بإرساله كما فعله المصنف انه غير مسند صحيح يوجب العلم أو الظن ، وليس بمعلوم الاسناد عندنا ، لا ان محمّد بن يحيى ما أسنده وحذفه ، فلا يرد اعتراض الشارح (٣).

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٨.

(٢) يعني قول المصنف هنا.

(٣) الأولى نقل كلام الشارح بتمامه ليتّضح الحال قال : الثاني سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شي‌ء منها ، فيه أيضا قولان : أحدهما التحريم ، ذهب إليه الشيخ في النهاية ، بل ذهب إلى تحريم الأكل أيضا وتبعه ابن البرّاج وابن حمزة استنادا إلى رواية محمّد بن يحيى رفعه قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : الشاة إذا ذبحت أو سلخت أو سلخ شي‌ء منها قبل ان تموت فليس يحلّ أكلها. والأقوى الكراهة ، وهو قول الأكثر للأصل وضعف الرواية بالإرسال فلا تصلح دليلا على التحريم ، بل الكراهة للتسامح في دليله وذهب الشهيد الى تحريم الفعل دون الذبيحة (اما الأول) فلما فيه من تعذيب الحيوان ، المنهي عنه (واما الثاني) فلعموم قوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، وأجاب عن إرسال الحديث أنّ المفهوم في اصطلاح أرباب صناعة الحديث ان قوله : (رفعه بمعنى أسنده فلا يكون مرسلا (وفيه) انه مع تسليمه لا يلزم من استناده على هذا الوجه خروجه عن الإرسال لان الواسطة مجهولة الحال وذلك كاف في الإرسال ، كما إذا رواه عن رجل ، أو عن بعض أصحابنا ونحو ذلك (انتهى).

وحاصل ما أفاده الشارح قدّس سرّه هنا ان القادح عدم صحّة سندها وعدم إيجابها العلم أو الظن لا

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه نظر لأن المفهوم من اصطلاح أرباب صناعة الحديث ان (رفعه) بمعنى أسنده.

وطعن فيه ابن إدريس بالشذوذ وهو مسلّم.

ولا يخفى ما فيه ، فان الظاهر ان طعن المصنف متوجّه لا طعن ابن إدريس لما عرفت ، ولان الشذوذ مع الصحّة لا يضرّ فتأمّل.

ثم قال (١) : الأصحّ التحريم للنهي عن تعذيب الحيوان ، وعدم الشعور ممنوع ، واباحة الذبح ، لفائدة ، بخلافه هنا ولكنه يحلّ الأكل لأنّه ممّا ذكر اسم الله عليه.

قد يناقش في ثبوت تحريم تعذيب الحيوان بحيث يشمل ما نحن فيه وانّه (٢) لا بدّ من بقاء الشعور ، ولا يكفي منع عدم بقائه ، فلو استدل بالرواية بناء على صحتها عنده لكان أولى.

ويمكن كون الفعل مكروها ، لانه يصير سببا لكراهة أكل هذه الذبيحة فتأمّل (٣).

ويدلّ على حلّ الأكل حينئذ وبعد النخع وإبانة الرأس ، انه ممّا ذكر اسم الله ، وعلى الحلّ ـ بعد الإبانة فقط أيضا ـ رواية الحلبي ـ كأنّها صحيحة في الفقيه (٤) ـ

__________________

الإرسال بكلا المعنيين اللذين ذكرهما الشهيدان قدّس سرّهما : أحدهما عدم ذكر بعض الرواة. ثانيهما عدم معلوميته ، والله العالم.

(١) لم نعرف الى الآن مرجع ضمير (قال) فيحتمل كون المراد : المصنف أو ابن إدريس أو صاحب الدروس والله العالم.

(٢) انه قدّس سرّه أراد انه يعتبر في صدق التعذيب بقاء الحيوان بعده ، لا زوال الروح بنفس التعدية كما في المقام.

(٣) في هامش بعض النسخ : (إشارة إلى التأمل في الصحّة ، فإنه نقل عن حماد ، عن الحلبي ، وقد لا يكون حماد الذي إليه صحيح وهو ثقة (منه رحمه الله).

(٤) فإنه رواه بإسناده عن حماد ، عن الحلبي ، وطريق الصدوق الى حماد كما في مشيخة الفقيه هكذا : وما

١٣٧

ولو انفلت الطير جاز رميه بالسهم والرمح.

ويستحبّ في الغنم ربط يديه ، واحدى رجليه ، والإمساك على صوفه أو شعره حتى يبرد ، وفي البقر عقل يديه ورجليه ، وإطلاق ذنبه ، وفي الإبل ربط أخفافه إلى رباطه ، وإطلاق رجليه ، وإرسال الطير بعد الذبح.

وذكاة السمك أخذه من الماء حيّا ، فان وثب وأخذه قبل موته

______________________________________________________

عن الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال : نعم ولكن لا يتعمّد قطع رأسه (١).

ولعلّها تشعر بعدم التحريم في غيرها من النخع والسلخ والكسر وقطع كل عضو منها.

واعلم أنّ الشارح نقل تحريم الفعل والأكل في الإبانة والسلخ عن النهاية ، وان الشيخ في الخلاف ادعى إجماع الصحابة على حلّ الأكل بعد إبانة الرأس ، وان كراهة الإبانة قول الخلاف وابن إدريس وقطب الدين الراوندي والمحقق ، وان كلامي المفيد والصدوق يحتمل التحريم والكراهة.

قوله : «ولو انفلت الطير جاز رميه إلخ» قد مرّ شرحه ودليله مع ما فيه (إلى قوله) : وإرسال الطير بعد ذبحه فتذكر.

قوله : «وذكاة السمك أخذه إلخ» أي ذكاة السمك ـ ليحلّ اكله ولم يكن ميتة ـ أخذه من الماء حيّا.

__________________

كان فيه ، عن حماد بن عيسى ، فقد رويته عن أبي رضي الله عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى الجهني ورويته عن أبي رضي الله عنه ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن حماد بن عيسى (انتهى) ويعقوب بن يزيد ثقة.

(١) الوسائل باب ٩ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٩.

١٣٨

حلّ ، والّا فلا ، ولا يشترط في مخرجه الإسلام.

ولو وجد في يد كافر لم يحل الّا مع مشاهدة إخراجه له حيّا.

ولو أعيد في الماء فمات فيه لم يحلّ وان كان في الآلة.

ولو مات البعض في الشبكة المنصوبة فالأقرب الحرمة في الجميع مع الاشتباه واباحة أكله حيا.

ويؤكل ما يقطع منه بعد إخراجه وان وقع في الماء مستقرّ الحياة.

______________________________________________________

ينبغي ان يقال : (أخذه حيا) سواء كان من الماء أو غيره فإنه (١) قال : (فان وثب) ـ أي من الماء ـ ووقع في غيره من السفينة وغيرها وأخذه إنسان قبل موته حلّ ولو أخذه بعد موته لم يحلّ.

ولا يعتبر في حلّه ـ بعد ان كان ممّا يؤكل ـ غير ذلك وغير عدم الموت في الماء من شرائط التذكية ، مثل القبلة والتسمية وإخراج المسلم على الأصحّ.

نعم يشترط مشاهدة المسلم ، بل علم المسلم بأنه أخذه الكافر حيّا فلا يقبل خبر الكافر بأنه أخذه حيّا بخلاف المسلم ، فان وجوده في يده كاف فكيف إذا أخبر به.

قال في الدروس : وقال السيد وابن زهرة : الاحتياط تحريم ما أخرجه الكافر مطلقا وهو ظاهر المفيد رحمه الله.

وقال في التهذيب : قال الشيخ (٢) ذكاة السمك صيده ، ولا يؤكل ما صاده المجوس وأصناف الكفار.

وفي الدروس أيضا : ونقل ابن إدريس الإجماع على عدم اشتراط الإسلام ، وقضيّة كلام الشيخ في الاستبصار الحلّ إذا أخذه منه المسلم حيّا ، وهو يشعر بما قاله ابن زهرة (٣)

__________________

(١) يعني المصنف رحمه الله.

(٢) يعني الشيخ المفيد رحمه الله.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فلو مات السمك في الماء وغيره لم يحلّ بناء على الشرط المذكور ، سواء قتله آدميّ في الماء أو غيره بالمحدّد والمثقّل أم لا.

وكذا لو مات في الشبكة وغيرها من آلات الصيد ، ويحتمل الحلّ بناء على عموم الأخبار الصحيحة.

ولو اشتبه الحلال منه والحرام بأن مات بعضه بعد خروجه حيّا من الماء في الشبكة وبعضه كان ميتا فيها ، ففيه خلاف سيأتي تحقيقه.

قال في الدروس : ولو اشتبه الحيّ فيها بالميّت حلّ الجميع عند الحسن ، والشيخ والقاضي والمحقّق (إلى قوله) : وفي الأخبار الصحاح ، التعليل بأن الشبكة والحظيرة لما عملت ، عملت الاصطياد جرى مجرى المقبوض إليه وقضيتها حلّه ، ولو تميز الميّت ، وبه افتى الحسن ، والباقون حرّموا ما يتميّز ميتا جمعا بين الروايات.

ثم قال فيه أيضا : وان أدركه ـ أي في غير الماء ـ ينظره حيّا ولم يقبضه ثم مات فالأقرب التحريم ، ولو عاد السمك بعد إخراجه حيّا إلى الماء فمات فيه حرم ، ولو قطع منه قطعة بعد خروجه حيّا فهو حلال وان عاد الباقي إلى الماء ، سواء مات فيه أم لا ، ويباح اكله لصدق الذكاة وقيل لا يباح اكله حتى يموت كباقي ما يذكى (انتهى) (١).

أما الذي يدل على عدم اشتراط التسمية والقبلة ويكفي أخذه فيها فهو مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سألته عن صيد الحيتان وان لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به (٢).

وقريب منه رواية زيد الشحّام عنه صلوات الله عليه أنه سئل عن صيد

__________________

(١) أورده هذه العبارات في الدروس في الشرط الرابع من شروط التذكية.

(٢) الوسائل باب ٣١ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩٦.

١٤٠