مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٢

والمشرف على الموت إن عرف أن حركته حركة المذبوح حرم ، وإن ظنّ أن حركته حركة مستقرة الحياة حلّ ، وإن اشتبه ولم يخرج الدم المعتدل حرم.

______________________________________________________

الحالة نزع الآخر حشوته حرم ذلك ويكون ميتة ان لم يكن الذبح مستقلا بإزالة روحه.

وهذا إشارة إلى اشتراط استقلال القطع المحلّل في إزالة الروح واستناد زوال الحياة المستقرّة إليه ، فإنه المتبادر من دليل اشتراط الذبح محلّلا ، إذ لا يفهم من أمثاله إلّا الاستقلال ، لعلّه لا خلاف فيه.

قال في الدروس : وان يستند موته إلى الذكاة ، فلو شرع في الذبح فانتزع آخر حشوته (لحشوته ـ خ) معا فميتة ، وكذا كلّ فعل لا يستقر معه الحياة (١) ، فتأمّل.

قوله : «والمشرف على الموت إن عرف أن حركته إلخ» قال في الدروس : المشرف (٢) على الموت كالنطيحة ، والموقوذة ، والمترديّة ، وما أكل السبع ، وما ذبح من قفاه ، اعتبر في حلّه استقرار الحياة ، فلو علم موته قطعا في الحال حرم عند جماعة ، ولو علم بقاء الحياة فهو حلال ، ولو اشتبه اعتبر بالحركة و (أو ـ الدروس) خروج الدم وظاهر (فظاهر ـ الدروس) الاخبار والقدماء ان خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف ولو لم يكن فيه حياة مستقرّة ، والآية فيها إيماء إليه ، وهي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) (إلى قوله) (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) (٣) ، ونقل (٤) بعض ما في رواية زرارة ،

__________________

(١) إلى هنا عبارة الدروس ذكرها في تاسع شروط التذكية.

(٢) في الدروس : لو ذبح المشرف على الموت إلخ.

(٣) المائدة : ٣١.

(٤) في الدروس هكذا : ففي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السّلام في تفسيرها : ان أدركت شيئا من عين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله ، وروى ابان بن تغلب (عثمان ـ خ) عن الصادق عليه السّلام : إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرّك ذنبا أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك وعن الشيخ يحيى إلخ الدروس درس السادس التذكية ـ بعد ذكر شروطها العشرة.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية أبان بن تغلب الآتيتين ثم قال : وعن الشيخ يحيى (١) ان اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب ، ونعم ما قال. (انتهى).

ولا يخفى الاجمال والاغلاق في هذه المسألة ، والذي معلوم (٢) انه إذا صار الحيوان الذي يجري فيه الذبح بحيث علم أو ظن على الظاهر موته إلى انه ميّت بالفعل وان حركته حركة المذبوح مثل حركة الشاة بعد إخراج حشوها وذبحها وقطع أعضائها ـ والطير كذلك ـ فهو ميتة لا ينفعه الذبح.

وان علم عدمه فهو حيّ يقبل التذكية ويصير بها طاهرا وتجري فيه أحكام المذبوح.

والظاهر انه كذلك ، وان علم انه يموت في الحال والساعة لعموم الأدلّة التي تقتضي ذبح ذي الحياة ، فإنه حيّ مقتول ومذبوح بالذبح الشرعي ، ولا يؤثر في ذلك انه لو لم يذبح لمات سريعا أو بعد ساعة ، فما ذكرنا عن الدروس سابقا من قوله : (فلو علم موته إلخ) محلّ التأمّل ، فإنه يفهم منه ان المدار على قلّة الزمان وكثرته فتأمّل.

وبالجملة ينبغي المدار على الحياة وعدمها لا طول زمانها وعدمه لما مرّ فافهم.

واما إذا اشتبه حاله ولم يعلم موته بالفعل ولا حياته ، وانّ حركته حركة

__________________

(١) الظاهر انه يحيي بن أحمد بن سعيد الحلبي ابن عمّ المحقّق وتلميذه ، صاحب كتاب الجامع وفي تنقيح المقال ج ٣ ص ٣١٢ : عنونه ابن داود قائلا يحيى بن أحمد بن سعيد شيخنا الإمام العلامة ، الورع القدوة ، كان جامعا لفنون العلوم الأدبية ، والفقهية ، والأصوليّة كان أورع الفضلاء وأزهدهم له تصانيف جامعة للفوائد منها كتاب الجامع للشرائع في الفقه وكتاب المدخل في أصول الفقه وغير ذلك مات في ذي الحجّة سنة تسعين وستمائة انتهى (انتهى ما في التنقيح).

(٢) هكذا في النسخ ولعل الصواب والذي هو معلوم إلخ.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المذبوح أو حركة ذي الحياة ، فيمكن الحكم بالحلّ للاستصحاب ، والتحريم للقاعدة السالفة.

والذي يفهم من المتن ومثله أنّه يحلّ بخروج الدم المعتدل لا المتثاقل ، كأنّ مراده كون المعتدل علامة للحلّ مع عدم الحركة.

ويفهم من البعض الحلّ به وبالحركة ولو بطرف العين وتحريك الرجل والذنب وهو المفاد (١) من الاخبار ، ولكن يفهم من بعضها كون الحركة من بعد الذبح ، والأكثر تدل على القبل.

واعتبر البعض الحركة والدم ويمكن حمل الأخبار على ذلك.

واما الأخبار فهي صحيحة محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الذبيحة؟ فقال : إذا تحرّك الذنب أو الطرف أو الاذن فهي ذكيّ (٢).

وضعيفة رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام انه قال في الشاة إذا طرفت عينها أو حرّكت ذنبها فهي ذكيّة (٣).

وهما غير ظاهرتين في كونها بعد الذبح فتأمّل.

ورواية عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : في كتاب علي عليه السّلام : إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحركت (ك ـ خ) الذنب فأدركته فذكّه (٤).

وهذه ظاهرة في القبل.

ورواية الحسن (٥) بن مسلم ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ

__________________

(١) هكذا في النسخ ولعل الأصوب (وهو المستفاد من الاخبار) كما لا يخفى.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٤) الوسائل باب ١١ حديث ٧ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٥) في هامش النسخ المطبوعة والمخطوطة هكذا : كذا في الكافي وفي التهذيب : الحسين بن مسلم إلّا أنهما مجهولان.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

جاءه محمّد بن عبد السّلام فقال له : جعلت فداك يقول لك جدّي : ان رجلا ضرب بقرة بفأس (١) فسقطت ثم ذبحها ، فلم يرسل معه بالجواب ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها : ان محمّدا جاءني برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه ، فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج له الدم معتدلا فكلوا وأطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه (٢).

ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : في كتاب علي عليه السّلام : إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته (٣).

وهذه أيضا ظاهرة في القبل.

ورواية أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : إذا شككت في حياة الشاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها أو تمصع (٤) بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال (٥).

وهي أيضا ظاهرة في القبل.

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : كل كلَّ شي‌ء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع ، وهو قول الله عزّ وجلّ (إِلّا ما ذَكَّيْتُمْ) ، فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته وكله ، وقال : وان ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في

__________________

(١) الفاس مؤنثة ، جمع افواس وفؤوس ، ومن اللجام ، الحديدة القائمة الحنك (القاموس).

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٤.

(٣) الوسائل باب ١١ حديث ٦ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

(٤) مصعت الدابة بذنبها حركته ـ الصحاح.

(٥) الوسائل باب ١١ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٣.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الماء أو من فوق بيتك أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل (١).

فالآية الشريفة أيضا دليل (على الحلّ بالحركة ـ خ) لان الاستثناء (٢) وقع من النطيحة والمترديّة وما أكل السبع فتفيد حلّها مع التذكية مطلقا سواء كانت فيها حياة مستقرة بالمعنى المتقدم ، أم لا ، وهي مع تفسيرها صريحة في المطلوب.

الموقوذة التي مرضت وقذفها المرض حتى لم تكن بها حركة.

والمنخنقة التي انخنقت باخناقها حتى تموت. والمتردية التي تردّى من مكان مرتفع إلى أسفل أو المتردي (يتردى ـ خ) من جبل أو في بئر فتموت.

والنطيحة التي تنطحها بهيمة أخرى فتموت ، وما أكل السبع هو الذي أكل منه السبع فمات ، هكذا فسّرت في رواية عبد العظيم ، عن أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليه السّلام (٣).

وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الشاة تذبح فلا تتحرّك ويهراق منها دم كثير عبيط؟ فقال : لا تأكل ان عليّا عليه السّلام كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل (٤).

ويؤيّده أيضا ما قلناه من أنّ المدار على وجود الحياة ، بالفعل ومثل رواية أبي بصير ، قال : لا تأكل من فريسة السبع ، ولا الموقوذة ولا المنخنقة ولا المتردّية إلّا

__________________

(١) أورد صدرها في باب ١١ حديث ١ وذيلها في باب ١٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٦.

(٢) يعني في الآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) إلخ لا في الرواية.

(٣) الوسائل باب ١٩ حديث ١٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٢ وزاد : وما ذبح على النصب على حجر أو صنم الّا ما أدركت ذكاته فذكّي وللحديث ذيل طويل أورد تمامه في الوسائل باب ٥٧ حديث ١ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٩٠.

(٤) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٤.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ان تدركها حيّة (تدركه حيا وتذكية ـ ئل) فتذكية (١).

ورواية الوشاء ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول : النطيحة والمترديّة وما أكل السبع (منه إذا أدركت ذكاته ، فكل) (٢).

فكأنّ نظر من يقول بالتخيير إلى وجود كلّ واحد من الحركة والدم في الخبر فعمل بهما.

وهو مثل ما تقدم ، وما سيجي‌ء ، في إبانة الرأس في الحسن عنه عليه السّلام ، فقال : ان خرج الدم فكل (٣) ، وكذا في الصحيح أيضا ، كلاهما عن محمّد بن مسلم (٤)

وهما يدلّان على اعتبار الدم في غير حال الاشتباه قبل الذبح فتأمّل.

والذي يقول بالجمع نظر إلى الجمع بينهما ، فيعتبر في اخبار الحركة الدم أيضا ، وفي اخبار الدم الحركة أيضا.

لعلّ الأوّل أوفق بالقوانين فتأمّل.

والظاهر أنّ المراد معلوميّة الحياة أو مظنونيتها قبل الذبح بأي علامة كانت ، حركة كانت أو دما ، أو غير هما ، فاعتبار استقرار الحياة بمعنى ان يعيش يوما أو أيَّاما بعيد كأنه مراد الدروس بقوله : قال : عن يحيى اعتبار استقرار الحياة ، ليس من المذهب ونعم ما قال.

ويمكن ان يكون المراد به في عبارات الأصحاب مثل المتن وغيره الإشارة إلى بعض ما يعلم منه الحياة الحقيقيّة لا ما يشبهها كما تتوهم تلك في الذي يتحرك

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٢.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٧٣.

(٣) الوسائل باب ٩ حديث ٢ بالسند الأول ج ١٦ ص ٢٥٩.

(٤) الوسائل باب ٩ حديث ٢ بالسند الثاني ج ١٦ ص ٢٥٩.

١٠٦

ولو قطع بعض الأعضاء ثم دفف (ذفف) (١) عليه بعد إرساله ، فالأقرب الإباحة ، سواء بقي فيه حياة مستقرة ـ وهو الذي يمكن أن يعيش اليوم والأيام ـ أو لا.

______________________________________________________

بعد الذبح.

ثم اعلم أنه يمكن الحمل على ما أشرنا إليه ، كلام المصنف هنا حيث قال : (ان عرف ان حركته حركة المذبوح) ـ أي علم موته أو ظن ذلك (حرم) ، وان ظن حركة مستقرة الحياة ـ أي علم أو ظن حياته وكون حركته حركة ذي الحياة لا المذبوح ـ حلّ ، فصرّح بان الظن كاف ولا يحتاج إلى العلم.

واشارة إلى أن المراد بالحياة المستقرة الحياة المعلومة الممتازة عمّا يشبهها ، مثل ما يوجد في المذبوح.

وان اشتبه ـ أي لم يعلم أحدهما ولا يظن لعدم الحركة الدالة على الحياة فذبح : فان خرج الدم المعتدل لا المتثاقل أي الغليظ العبيط ـ (٢) فهو حلال والّا فحرام فيكفي أحدهما عنده على الظاهر فتأمّل.

ويؤيّد ما قلناه ما سيجي‌ء من قوله : (الحركة الدالّة على الحياة أو الدم المسفوح) ولكن يأبى ذلك في الجملة تفسيره الاستقرار بيوم أو يومين فتأمّل.

قوله : «ولو قطع بعض الأعضاء إلخ» أي لو ذبح ذبيحة بقطع بعض الأعضاء المتقدمة وأرسله وترك القطع والذبح ثم أخذها وقطع الباقي وتمّم ذبحها وقتلها ، فالأقرب الحلّ والإباحة ، سواء بقي فيها حياة مستقرة بعد القطع الأوّل والترك أم لا.

وفسّر الحياة المستقرة بالمعيشة يوما أو أيّاما ، وقد عرفت ان ليس له دليل

__________________

(١) دف عليه يدف من باب قتل إذا أجهز عليه والذال المعجمة لغة (مجمع البحرين).

(٢) لحم ، ودم ، وزعفران عبيط بيّن الغبطة بالضم ـ طريّ (القاموس).

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر ، على ان العلم به مشكل ، وهو اعرف.

وكلامه هذا إشارة إلى ان ليس من شرط قطع الأعضاء المتابعة وعدم الفصل. وقد شرط في الدروس بالتفصيل الذي مرّ ، بل المعتبر قطعها وان تطاول الزمان بين قطع البعض أوّلا ، وإتمام الباقي (١) ويكون بدفعات وزمان كثيرة (كثير) ، لأنه (٢) إن زال الحياة المستقرة بالأول فصار مذبوحا بقطع الأعضاء ، ولا اثر لقطع الباقي في عدم التذكية فتأمّل (٣) ، وان كانت باقية فالأول لا دخل له ، وانما يذبح بالثاني فتأمّل.

ولأنه لا بدّ من قطع الأعضاء الأربعة فقط ، وقد وجد ، والأصل عدم اشتراط وحدة الفعل والتتابع وقلّة الزمان.

وفيه تأمّل ، إذ المتبادر من الذبح بقطع الأعضاء حصول قطعها في زمان واحد ، وحصول الذبح بقطعها ، بأن يكون لقطع الكل دخل في زوال الحياة المستقرّة ، وذلك لم يحصل حينئذ.

وقد مرّ التفصيل عن الدروس واختاره المحقّق الشيخ علي أيضا وهو انه ان لم يتراخ التدفيف (التذفيف ـ خ) عن قطع بعض الأعضاء بحيث لا يعد ذلك فعلا واحدا حلّ ، والّا لم يحلّ ان لم تكن الحياة مستقرّة.

وقال (٤) أيضا : ويعلم ذلك ـ أي الحياة المستقرة ـ بالحركة المعتدلة أو الدم

__________________

(١) هكذا في النسخ والصواب أو يكون إلخ.

(٢) تعليل لعدم اشتراط المتابعة.

(٣) في هامش المطبوعة والمخطوطة هكذا : إشارة إلى احتمال اشتراط الإزالة بقطع الجميع فتأمّل ـ منه رحمه الله (انتهى).

(٤) يعني صاحب الدروس : لكنه نقل بالمعنى فإنه قال في الدروس : ولو اشتبه اعتبر بالحركة أو خروج الدم (انتهى).

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المعتدل عند الاشتباه.

والعلم بالحياة بمجرد ذلك مشكل ان كان مفسّرا بما في المتن ، نعم يمكن العلم أو الظن بالحياة بذلك ، بل انما يعلم ذلك لنصّ الشارع على الحلّ حينئذ ، وذلك انما يكون مع الحياة وما نريد من الحياة التي لها دخل في حصول التذكية إلّا الذي حكم الشارع بالحلّ معه فتأمّل.

ثم اعلم أن هذا الحكم والتفصيل مبنيّ على اعتبار قطع الجميع كما هو المشهور واما إذا اكتفى بالبعض كما مرّ فلا يجري فيه ذلك وهو ظاهر.

ثم على تقدير الاعتبار ، فما ذكره المصنّف محتمل ، للأصل والصدق ، ولما مرّ من انه ان بقيت الحياة المستقرة فقد أزيلت بقطع بعض الأعضاء فحصل التذكية ، وإزالتها بقطع جميع الأعضاء ـ بمعنى قطع الجميع ـ وزالت الحياة ، وان كانت بدفعات ، فان المعتبر قطعها وازالة الحياة به لا غير ، للأصل ، وذلك حاصل على تقدير عدم بقاء الحياة المستقرّة أيضا فتأمّل.

ويدل على عدم الفرق بين الصورتين أنه في كلّ واحدة منهما زالت الحياة المستقرّة بالبعض ، فان كان ذلك كافيا في الحلّ يحلّ فيهما ، والّا يحرم فيهما فتأمّل.

وبالجملة ان كان ولا بدّ من إزالة الحياة بالكلّ فلا يحل فيهما ، والّا يحلّ فيهما ، فالفرق ببقاء الاستقرار في الحلّ وعدمه في التحريم ـ كما جعله في الدروس واختاره الشيخ على ـ محلّ التأمّل.

وكذا قلّة الزمان الفاصل وصدق الوحدة العرفيّة ، إذ الفرض انه علم عدم استقرار الحياة بالأول ثم قطع الباقي.

فحينئذ يمكن ان يقال : ان شرط ازالة الحياة المستقرة بقطع الباقي حرم لعدمه وان قلّ الزمان الفاصل ، والّا حلّ مع كثرة الزمان أيضا ، إذ ما نجد لوحدة الفعل عرفا ولقلّة الزمان دخلا (في الإباحة ـ خ) ، فإنه ما وجد في الدليل قطع

١٠٩

ولا يشترط قطع الأعضاء في الصيد ، ولا المستعصي ، ولا المتردّي في بئر يتعذر فيها ذبحه ، بل يجوز عقره بالسيوف والحراب وان كان في غير المذبح.

______________________________________________________

الأربعة دفعة ، بل ليس فيه ذلك أصلا كما عرفت.

وأيضا لو كان ذلك (١) لزم عدم الحلّ مع بقاء الاستقرار وكثرة الزمان وليس كذلك ، نعم يمكن ان يكون ذلك لبعض الاعتبارات كما مرّ ، وفي جعل مثل ذلك دليلا هنا تأمّل ، الله يعلم.

والحاصل ان لا نزاع في الحلّ مع بقاء الاستقرار ، وكذا مع قلّة الزمان الفاصل وعدم الاستقرار ، وانما النزاع مع كثرته حينئذ ، المصنف على الحلّ والشهيد على التحريم ، فان اعتبر ازالة الحياة المستقرة بقطع الأعضاء الأربعة كما هو الظاهر ينبغي التحريم مع إزالة الحياة بالبعض مطلقا ، سواء كان الفاصل قليلا أم كثيرا ، وان لم يعتبر بل المعتبر قطع الجميع وازالة الحياة حلّ ، والأول هو الظاهر بناء على المشهور ، (الله يعلم ـ خ).

قوله : «ولا يشترط قطع الأعضاء إلخ» قد عرفت أنّ الصيد إذا قتل بالآلة الشرعيّة على الوجه المعتبر شرعا يحلّ على أي وجه كان ، ولا يشترط قطع عضو من تلك الأعضاء أصلا فكيف الجميع ، بل لا يشترط جرحه ، وقد مرّ مفصّلا فلا يحتاج إلى الإعادة.

وكأنّه أعيد ليظهر حكم المستعصي والمتردّي في بئر يتعذر فيها ذبحه ، فان حكمه حكم الصيد على ما عرفت أن المراد بالصيد الممتنع إلخ.

فالمستعصي داخل فيه ، والمتردّي لمّا تعذّر ذبحه على الوجه المشترط رخّص الشارع قتله واكتفى بحلّه بما يحل به الصيد.

__________________

(١) في هامش بعض النسخ هكذا : أي مدخليّة وحدة الفعل في الحلّ والإباحة.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدلّ عليهما الإجماع ، والخبر مثل رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ان امتنع عليك بعير وأنت تريد ان تنحره فانطلق منك ، فان خشيت ان يسبقك فضربته بسيف وطعنته بحربة (برمح ـ خ ل ئل) بعد ان تسمّى فكل الّا ان تدركه ولم يمت بعد فذكّه (١).

وهذه أيضا مؤيّدة لما قلنا من الاكتفاء بالحياة فتأمّل ، ولا يضرّ ضعف سندها وحسنة عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان ثورا بالكوفة (٢) ثار فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبروه (فسألوه ـ خ ل ئل) : فقال : ذكاة ، وحيّة (٣) ، ولحمه حلال (٤) ترك التسمية للظهور ووجودها في غيرها.

وصحيحة الحلبي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا وأتوا (فأتوا ـ ئل) عليا عليه السلام ، فقال : ذكاة وحية ، ولحمه حلال (٥).

ورواية الفضل بن عبد الملك وعبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان قوما أتوا النبي صلّى الله عليه وآله فقالوا : ان بقرة لنا غلبتنا واستصعبت (واستعصت ـ خ ل ئل) علينا فضربنا ها بالسيف ، فأمرهم بأكلها (٦).

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٩١.

(٢) في الخبر : ثارت قريش بالنبيّ صلّى الله عليه وآله فخرج هاربا أي هيجوه من مكانه من قولهم : ثار الغبار يثور ثورانا ، هاج (مجمع البحرين).

(٣) الوحيّ بتشديد الياء ، السريع ومثله موت وحيّ مثل سريع لفظا ومعنى ، فعيل بمعنى فاعل ومنه ذكاة وحيّة أي سريعة (مجمع البحرين).

(٤) الوسائل باب ١٠ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

(٥) الوسائل باب ١٠ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠.

(٦) الوسائل باب ١٠ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

١١١

ولو شرد البعير وجب الصبر إلى القدرة عليه الّا أن يخاف هلاكه فيكون كالصيد.

______________________________________________________

ورواية إسماعيل الجعفي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : بعير تردّى في بئر كيف ينحر؟ قال : يدخل الحربة فيطعنه بها ويسمّي ويأكل (١).

فيها وفي الأولى دلالة على اعتبار النحر في الإبل ، فافهم.

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها وقد سمّى حين ضربها (ضرب ـ ئل ـ كا) فقال : لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها (إذا تعمّد) (٢) لذلك ولم يكن حاله حال اضطرار ، فاما إذا اضطرّ إليه واستصعب عليه ما يريد ان يذبح فلا بأس بذلك (٣).

والظاهر اعتبار ما أمكن من القبلة والتسمية وقطع الأعضاء بالحديد على ما تقرر في الذبح الاختياري ، فإن اضطرّ اتى بما أمكن من الشروط ، ولو لم يمكن سقط الجميع ويصير حكمه حكم الصيد فتأمّل.

ولكن ينبغي في الذي شرد (٤) من البعير وغيره ، الصبر الى ان يقدر على ذبحه الاختياري الّا ان يخاف تلفه وهلاكه وحينئذ يجعله كالصيد ويعمل فيه ما يفعل فيه.

ودليله اعتبار العقل ولعل في حسنة الحلبي ورواية أبي بصير (٥) اشارة إليه.

ولكنهما غير ظاهرتين في ذلك ، والحكم بالوجوب كما فعله المصنف بمجرّد الاعتبار العقلي ـ بعد خلوّ النصوص عن ذلك ـ مشكل ، لعلّ له دليلا آخر غيره

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦١.

(٢) في الكافي والوسائل يعني إذا العمل إلى أخره.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٥٦.

(٤) شرد البعير يشرد شرودا ، نفر فهو شارد (مجمع البحرين).

(٥) راجع الوسائل باب ١٠ حديث ١ ـ ٥ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.

١١٢

(الثاني) استقبال القبلة بها مع القدرة ، فلو أخلّ عمدا حرم لا نسيانا أو جاهلا بالجهة.

______________________________________________________

فتأمّل.

قوله : «الثاني استقبال القبلة بها إلخ» الشرط الثاني في حلّ الذبح والنحر استقبال القبلة بالذبيحة والمنحورة ـ أي جعلهما إلى القبلة ـ ، ويمكن كفاية جعل مذبحهما ومنحر هما إلى القبلة لا الكل والفاعل.

قال في الدروس : والمعتبر استقبال المذبوح والمنحور لا الفاعل في ظاهر كلام الأصحاب.

دليله حسنة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل ان يوجّهها إلى القبلة؟ قال : كل منها ، قلت له : فلم يوجّهها (فإنه لم يوجهها ـ ئل)؟ فقال : الّا تأكل منها ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها ، وقال : إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة (١).

وحسنته أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة فقال : كل لا بأس بذلك ما لم يتعمده (٢).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟ فقال : لا بأس إذا لم يتعمّد (٣).

والذي يتبادر من الأمر بتوجيه الذبيحة واستقبالها إلى القبلة ، وعن النهي عن أكل ما ذبح إلى غير القبلة ، هو كون الذبيحة إلى القبلة عرفا بان يكون بحيث يقال : انه ذبح إلى القبلة ، وجهه إليها.

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٦.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٦.

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٦.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويمكن ان يحصل ذلك بالمذبح فقط ، ويؤيّده الأصل وعدم دليل ظاهر في اشتراط أكثر من ذلك ، والصدق في الجملة ، وكون الباء في (بذبيحتك القبلة) باء التعدية كالهمزة ، فكأنّه قال : اقبل ذبيحتك إلى القبلة ـ أي توجّهها إليها ـ فتوافق غيرها من الروايات.

ويحتمل للتعدية مع إلصاق الفاعل له كما في ذهبت بزيد وانطلقت به ـ أي انطلقت معه وذهبت معه ـ أي ذهبت وأخذته معي ـ فيكون الفاعل أيضا متوجّها إلى القبلة.

وينبغي أن يكون كلّ مقاديم الذبيحة إلى القبلة ، لاحتمال إرادتهم من توجيهها إليها ، بل يمكن دعوى تبادر ذلك.

ولا شك في ان الاحتياط في كون الفاعل والمذبوح متوجّها إلى القبلة وان أمكن حصول الشرط بمجرد كون المذبح إلى القبلة لأنه المجمع عليه ، وليست الاخبار صريحة في الزيادة على ذلك وان أمكن كونها المراد فتأمّل.

ثمّ الظاهر أنّ الشرط انما هو مع العلم والقدرة والاختيار فيسقط مع جهل الجهة ، بل جهل المسألة ونسيانها ، وكذا مع الاضطرار.

ويدلّ عليه الاعتبار ، وعلى بعضها الأخبار مثل (فجهل أن يوجّهها إلخ) (١) وقوله : (ما لم يتعمد) (٢) و (إذا لم يتعمد) (٣) وكلام (٤) الأصحاب ، قال في الدروس : (فلو تركه عمدا حرم ، ولو كان ناسيا أو مضطرا أو لم يعلم الجهة حلّ وكذا في غيره) (٥).

ويشعر به الأخبار الآتية في التسمية أيضا.

__________________

(١) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٤٦٦.

(٢) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٤٦٦.

(٣) لاحظ الوسائل باب ١٤ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٤٦٦.

(٤) عطف على قوله : الاعتبار.

(٥) يعني في غير الدروس.

١١٤

(الثالث) التسمية ، ويكفي ذكر الله تعالى ، فلو تعمّد الترك حرم لا ناسيا.

______________________________________________________

ثم انه يحتمل أن يكون المخالف (١) التارك عمدا مثل الجاهل ، فإنه جاهل بوجوب القبلة واشتراطها.

وفيه تأمّل فإنه مقصّر واعتمد في الاجتهاد أو في التقليد على ما لا يجوز بل الإشكال فيما إذا وجّهه إلى القبلة أيضا على ما عرفت من المصنف في التسمية ، فإنها من غير المعتقد كالعدم ، فتأمّل.

والظاهر ان ذبيحة المخالف الناسي للقبلة أو الجاهل بها بالكليّة ، يحتمل (٢) الحلّ وهنا أظهر من الأول فتأمّل والاجتناب مطلقا أحوط.

قوله : «الثالث التسمية إلخ» ثالث الشروط التسمية ، وهي أيضا شرط ، عامدا ، عالما ، مختارا ، فلو تركها حينئذ حرم ، بخلاف ما لو تركها جاهلا ، أو ناسيا ، أو مضطرّا ، فإنه يحلّ حينئذ.

والبحث في ذبح المخالف معها ، وعدمها ، مثل ما مرّ.

والظاهر انه لو ذكر التسمية يحلّ ما لم يكن كافرا ، مثل الناصبيّ.

وفيه أيضا تأمّل علم من ذبيحة الكافر.

دليل الأوّل (٣) الآية الكريمة (٤) ، والأخبار ، فأوّل غيرها ـ كصحيحة زكريا (٥) ـ بالكراهة ومنع ، منه (٦) ابن البرّاج والحلبي عن أكل ذبيحة منكر النص

__________________

(١) يعني من العامّة.

(٢) هكذا في النسخ ، والصواب يحتمل فيها الحلّ وهو حل ذبيحة المخالف ما لم يكن كافرا.

(٣) يعني منع من أكل ذبيحة المخالف ، ابن البرّاج.

(٤) هي قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

(٥) قال : قال أبو الحسن عليه السّلام : اني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلّا في وقت الضرورة إليه ـ الوسائل باب ٢٦ حديث ٩ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٣٤٤.

(٦) يعني منع عن أكل ذبيحة كل من كان منكرا لنص النبي صلّى الله عليه وآله على الإمامة.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على الإمامة ، والمصنف (١) عن أكلها إذا لم يعتقد وجوب التسمية ، ولا شك ان منهم (٢) قائلا بعدمه.

والشيخ في الكتابين حمل اخبار حلّ ذبيحة الكافر على الضرورة ، وأيّدها برواية زكريا فيفهم منه قوله بتحريم ذبائح المخالف مطلقا فافهم.

والظاهر الحلّ مع التسمية ، لما مرّ كما هو المشهور ، والأحوط الاجتناب مطلقا.

واما إذا لم يسمّ ، فالظاهر انه ان ترك عمدا حرم للآية والاخبار ، وجهلا ونسيانا حلّ للاخبار مع احتمال الحلّ مطلقا ، بل هو الظاهر من كلامهم.

قال في الدروس : (فلو تركها عمدا فهو ميتة إذا كان معتقدا لوجوبها ، وفي غير المعتقد نظر ، وظاهر الأصحاب التحريم ، ولكنه يشكل لحكمهم بحلّ ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبيّا ، ولا ريب ان بعضهم لا يعتقد وجوبها فتحلّ الذبيحة وان تركها عمدا ، ولو سمّى غير المعتقد للوجوب فالظاهر الحلّ ، ويحتمل عدمه لانه كغير القاصد للتسمية ، ومن ثم لم تحلّ ذبيحة المجنون والسكران ، وغير المميّز لعدم تحقق القصد إلى التسمية أو إلى قطع الأعضاء) (٣).

والظاهر ان غرضه مجرد الاحتمال وليس بمعتقده ، ولهذا قال فيما سبق (٤) : (وهل يشترط اعتقاد الوجوب؟ الأقرب لا وشرطه الفاضل) (٥).

__________________

(١) يعني منع المصنف عن أكل ذبيحة كل من لم يعتقد وجوبها عند التذكية.

(٢) من العامة.

(٣) إلى هنا عبارة الدروس أوردها في سابع شروط التذكية.

(٤) يعني في الشرط السابق على هذا الشرط ، فإنه ذكره في الشرط الثاني بقوله : وثانيها أهليّة الذابح بالإسلام أو حكمه فلا تحل ذبيحة الوثني سمعت تسميته أولا (إلى ان قال) : وهل يشترط مع الذكر اعتقاد الوجوب إلخ.

(٥) يعني المحقق صاحب الشرائع.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن كان ينبغي ردّ الدليل (١) هنا ، كأنّه ترك للظهور ـ وهو منع القياس مع وجود الفارق (٢) ـ إذ غير المعتقد وجوبها قصدها.

على انه قد يناقش في عدم حلّ ذبيحة غير القاصد مطلقا مثل السكران والمجنون ، نعم ان كان له دليل مثل الإجماع يقال به ، ولكن لا يتعدى ، والّا لم يقل هناك أيضا لعموم الآية والأخبار ، وكأنّه لذلك ترك في بعض الكتب مثل المتن شرط القصد وعدم حلّ ذبيحة غير القاصد فتأمّل.

واما دليلها فإجماع الأصحاب على الظاهر ، والكتاب قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٣).

ورواياتهم ، مثل حسنة محمّد بن مسلم المتقدمة قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام الخبر (٤) وكذا ما في حسنته المتقدمة أيضا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : وسألته عن رجل ذبح ولم يسمّ؟ فقال : ان كان ناسيا فليسمّ حين يذكر ويقول : بسم الله على أوله وعلى آخره (٥).

وهذه تدل على عدم ضرر النسيان ، وانه يذكر اسم الله ـ كما تقدم ـ في الأثناء بعد الذكر كما قيل ذلك حين نسي التسمية في الأكل.

فيحتمل كونه مستحبا ، وظاهره الوجوب ، ولم نعرف قائلا بهما ولا شك انه أحوط.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل

__________________

(١) يعني رد الدليل الذي ذكره هنا لاحتمال عدم الحل بقوله رحمه الله : (لانه كغير القاصد للتسمية).

(٢) قياس غير المعتقد مع التسمية على غير القاصد للتسمية قياس مع الفارق فان غير المعتقد قصد التسمية بخلاف غير القاصد.

(٣) الانعام : ١٢١.

(٤) راجع الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٥) راجع الوسائل باب ١٥ حديث ٤ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يذبح ، ولا يسمّي؟ فقال : ان كان ناسيا فلا بأس (عليه ـ خ) إذا كان مسلما وكان يحسن ان يذبح ، ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح (١).

وهذه تدل على اشتراط إسلام الذابح ومعرفته وعدم قطع الرقبة فافهم.

وما في حسنة محمّد بن مسلم (٢) المتقدمة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : وعن الرجل يذبح فنسي ان يسمّي أيؤكل ذبيحته؟ فقال : نعم إذا كان لا يتّهم ويحسن الذبح قبل ذلك ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة (٣).

كأنّه يريد به التهمة بالكفر وعدم الإسلام ، وفيها أيضا دلالة على اشتراط الإسلام وغيره ممّا في سابقتها.

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله؟ قال : هذا كله من أسماء الله ولا بأس به (٤).

فيها دلالة على اجزاء مطلق اسم الله في التسمية ، وان التسبيح والتكبير والتهليل والتحميل مجزية.

وأسماء الله لعلّه باعتبار ذكر اسم (الله) فيها ، مثل (سبحان الله) ، و (الله أكبر) و (لا إله إلّا الله) و (الحمد لله).

لعل المسؤول عنه هو الإمام عليه السّلام (٥) ، لما مرّ.

واعلم أنّ ظاهر هذه الأدلّة الحلّ من المخالف مع التسمية ، ولا يبعد ، ومع عدمها أيضا إذا نسي.

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٢) هكذا في النسخ كلها والصواب والحلبي كما في الكافي والفقيه والتهذيب والوسائل.

(٣) الوسائل باب ١٥ حديث ٣ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٧.

(٤) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب الذبائح ج ١٦ ص ٢٦٨.

(٥) في الفقيه ـ باب الصيد والذبائح ـ سأل محمّد بن مسلم أبا جعفر عليه السّلام ـ وهو صريح.

١١٨

(الرابع) نحر الإبل وذبح غيرها (ما عداها ـ خ) في الحلق تحت اللحيين ، فلو عكس عمدا حرم الّا أن يذكّيه وحياته مستقرّة.

______________________________________________________

وأنه إذا تركها عمدا يحرم ، فتأمّل.

وأنّ فيها الاشعار بالاعتقاد ، لأنّ ظاهر النسيان يفيد ذلك ، ولكن الآية أعمّ ، فتأمّل.

ثم إنّ المراد بالتسمية ذكر اسم الله تعالى عند الذبح أو عند النحر أو إرسال الآلة ، وأنها تحصل بذكر كل ما يسمّى اسم الله تعالى ولو كان في ضمن الاستغفار وغيره كما مرّ.

وان الظاهر انه يكفي مجرد (اسم الله) بل (الله) من غير ذكر صفة كمال ، لعموم الدليل ، وصدقه ، وأصل عدم الزيادة ، ونقل فيه خلاف ، فتأمّل.

قوله : «الرابع نحر الإبل إلخ» شرط تذكية كل حيوان بما هو ، مخصوص به فالإبل بالنحر في الوهدة (١) التي فسّرت ، وغيره بالذبح في الحلق ، وهو تحت اللحيتين ، فلو عكس فذبح الإبل عمدا اختيارا أو نحر غيره حرما جميعا الّا ان يدرك النحر في الأوّل والذبح في الثاني مع وجود الحياة المستقرة فيحلّان معا.

نعم قد مرّ ما أمكن ان يستدلّ على ذلك مع ما فيه ، فإنه ما قام دليل صحيح على عدم حلّ الإبل بالذبح.

نعم قد مرّ بعض ما يدل على عدم حلّ البقر بالنحر ، على انه قد تدل على حلّه رواية زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي عليهم السّلام ، قال : أتيت انا ورسول الله صلّى الله عليه وآله رجلا من الأنصار ، فإذا فرس له يكبد (يكيد ـ خ ل يب) بنفسه فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله : انحره يضعّف لك به أجران بنحرك إيّاه واحتسابك له فقال : يا رسول الله ألي منه شي‌ء؟ قال : نعم

__________________

(١) وهدة اللبّة هي نقرة النحر بين الترقوتين (مجمع البحرين).

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كل وأطعمني ، قال : فأهدى للنبيّ صلّى الله عليه وآله فخذا منه فأكل منه وأطعمني (١).

يفهم منه أحكام ، مثل جواز الذبح في حال تكبّد بنفسه ، والنحر في المذبوح ، والأجر بالنحر ، واستحبابه ، والاحتساب ، وحلّ لحم الفرس ، وجواز رسول الله الإطعام ، وإهداء اللحم.

لكن في سندها ، الحسين بن علوان (٢) ، غير موثق ، بل قيل : هو عاميّ واخوه أوثق منه ، وعمرو بن خالد ، لعلّه عمر بغير واو ، وهو ثقة.

ويمكن ارادة الذبح من النحر أو كراهة نحر غير الإبل فتأمّل ولا تخرج عن الاحتياط.

واما حلّ المذبوح بعد النحر إذا ذبح وحياته مستقرّة ، وكذا المنحور ، فلعلّه لصدق الذبح والنحر وتحققه فيما يشترط فيه ذلك ، وازالة روحه وحياته به ، فإنه بعد استقرار الروح كما إذا لم ينحر ولم يذبح ، فإنهما إذا لم يزلا الروح فهما كالعدم.

ولكن بقاء الاستقرار بالمعنى الذي مضى ، بل بقاء الحياة ـ بعد تحقق الذبح والنحر المتقدمين ـ مشكل ومجرد فرض واحتمال بعيد.

والظاهر عدم الإمكان الّا ان يفرض عدم إتمامهما ، بل مجرد الجرح والقطع في منحر الإبل ومذبح غيره.

على ان في اشتراط الحياة المستقرة بذلك المعنى أيضا تأمّل ، لما مرّ من انه يصدق ويتحقق بدونه أيضا الحياة وذلك كاف في تحقق النحر والذبح في محلهما ، لما تقدم في الاخبار الكثيرة انه إذا وصل الحيوان إلى حال لا يعلم حياته وموته

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ٤ من أبواب الأطعمة المحرمة ج ١٦ ص ٣٢٦.

(٢) سندها كما في التهذيب رقم ٢٠٠ هكذا : محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليهم السّلام.

١٢٠