مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

وليس له الإلزام بالعمارة.

ولا الانتزاع من الغاصب ، وان تمكن.

______________________________________________________

عرفا بالأجرة المقرّرة ـ لم ينفسخ بل للمستأجر فسخ العقد ، والرجوع الى المالك بعد الفسخ بمقدار حصّة الباقي من اجرة المدّة ، الّا ان يعيد المالك المسكن إلى أصله ، بحيث فرض عدم فوت منفعة معتد بها قبل الإعادة ، وضرر المستأجر في تلك المدّة.

وله أيضا الصبر وعدم الفسخ ، فيلزم كلّ الأجرة ، وهو ظاهر.

ودليل جواز الفسخ ظاهر ، على تقدير خروج المستأجر عن الانتفاع المطلوب عرفا ، وعدم دخل للمستأجر في حصول الانهدام ، وهو انتفاء (١) الضرر.

وانّ لزوم الأجرة مشروط ببقاء العين في يد المستأجر منتفعا بها ، فإنّها ليست إلّا في مقابلة الانتفاع في الزمان المقرّر ، وهو ظاهر.

وامّا إذا كان غير ذلك ـ بان كان مسكنا فاضلا ، وليس لوجوده في هذا الانتفاع بالدار المستأجر أثر أو كان بحيث ما بقيت الدار على الحالة الأولى مرغوبة في الجملة ، لا أنّه صار بحيث لا يليق حينئذ بحال المستأجر بتلك الأجرة ـ فيحتمل عدم الفسخ بل نقص الأجرة المقابلة لبقائه غير منهدم ، فتأمّل.

قوله : وليس له الإلزام بالعمارة إلخ. أي ليس للمستأجر بعد انهدام المسكن تكليف المؤجر بعمارته ، لأنّه تكليف منفي بالأصل ، وليس عليه الّا تسليم ما آجره ، مع ما يتوقف عليه الانتفاع من الأبواب والمفاتيح وما يمنع الانتفاع من التراب والحجارة وغير ذلك ، وأمّا التعمير بعد الخراب فلا.

قوله : ولا الانتزاع من الغاصب إلخ. أي ليس على المستأجر انتزاع العين المستأجرة من يد الغاصب ، إذا كان قادرا على ذلك ، وإعطاء الأجرة ان غصبها قبل القبض ، بل له الفسخ حينئذ كما مرّ.

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة والنسخة المطبوعة : وهو الضّرر.

٦١

«المطلب الثاني في الأحكام»

الإجارة عقد لازم من الطرفين لا تبطل الّا بالتقايل ، أو أحد أسباب الفسخ ، لا بالبيع ، والعذر مع إمكان الانتفاع.

______________________________________________________

فلو قدّمه على قوله : (ولو انهدم) ـ وقال : (ليس عليه) ـ لكان أظهر.

ويحتمل ان يكون المعنى ، وليس للمستأجر إلزام المؤجر ، بانتزاع العين المستأجرة وتسليمها إيّاه ان غصبت قبل القبض ، وان تمكن من ذلك ، للأصل ، ولأنّ له خيارا حينئذ فلا ضرر عليه.

وهذا أنسب بالنسبة إلى سوق الكلام ، الّا انّ فيه تكلّفا من حيث اللفظ لأنّ المناسب (ولا بالانتزاع) ، وبحسب المعنى أيضا ، إذ لا يبعد أنّ له الإلزام ، لأنّ العقد لازم ، وقد اقتضى وجوب التسليم على المؤجر ، والفرض قدرته ، ولهذا ليس له ان يحبس ، ويقول لك الفسخ ، فلا يتضرّر ، فالظاهر ذلك ، لعموم الأدلة.

قوله : المطلب الثاني في الأحكام ، الإجارة عقد لازم إلخ. الظاهر أن لا خلاف عندنا في كون عقد الإجارة لازما لا يجوز لأحدهما فسخه بدون رضا الآخر ، ولا يبطل الّا بالتقايل ، وما يعرض من أسباب الفسخ ـ مثل ان تعذر الانتفاع ، بغصب (بنقص ـ خ) (بنقض ـ خ) العين ، وانهدامها ، وغير ذلك من أسباب الفسخ ـ لدليل.

والدليل عليه مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) والمؤمنون عند شروطهم (٢).

ويدل عليه أيضا صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يكتري السفينة سنة أو أقلّ أو أكثر؟ قال : الكرى لازم إلى

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) راجع الوسائل باب ٢٠ حديث ٤ من أبواب المهور ج ١٥ ص ٣٠.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الوقت الذي اكتراه اليه ، والخيار في أخذ الكري الى ربّها ان شاء أخذ وان شاء ترك (١) ومثلها رواية محمّد بن سهل عن أبيه (٢).

ولا يضرّ عدم التصريح بتوثيق محمّد.

والظاهر أنّ دليل الفسخ ـ بالتقايل ـ الإجماع وخبر من أقال نادما (٣) الذي مرّ في البيع ، وهو عام لا خصوصيّة له بالبيع ، فافهم.

ولباقي أسباب الفسخ دليل يخصّه ، وإذا لم يكن له دليل لم يثبت.

ولا يبطل ببيع العين ، إذ لا منافاة بينه وبينها ، نعم يمكن ان يثبت الخيار للجاهل بذلك ، ولو كانت المنافاة ثابتة لبطل البيع العارض عليها لا الإجارة.

ويدلّ على الصحة حسنة حسين بن نعيم (الثقة في كتاب وقوف التهذيب) عن ابى الحسن موسى عليه الصلاة والسّلام ـ الى (قوله :) ـ قال أبو جعفر عليه السّلام لا ينقض البيع ، الإجارة ولا السكنى ، ولكن يبيعه (تبيعه ـ ئل) على أنّ الّذي يشتريه (اشتراه ـ ئل) لا يملك ما أشتريه ، حتّى تنقضي السكنى على ما (كما ـ ئل) شرط وكذلك الإجارة (الحديث) (٤).

ومكاتبة يونس الى الرضا عليه الصلاة والسّلام قال كتبت الى الرضا عليه السّلام اسأله عن رجل تقبّل من رجل أرضا أو غير ذلك سنين مسمّاة ، ثم إنّ المتقبّل (المقبل ـ ئل) أراد بيع أرضه التي قبلها قبل انقضاء السنين المسمّاة ، هل

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١ وفي التهذيب كما في الوسائل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك (أو أقل من ذلك ـ خ).

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١ بالسند الثالث.

(٣) راجع الوسائل الباب ٣ من أبواب آداب التجارة (من كتاب التجارة) وفيه من قال مسلما إلخ. (ج ١٢ ص ٢٨٦).

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٣.

٦٣

ولا بالموت من المؤجر والمستأجر ، على رأى.

______________________________________________________

للمتقبّل ان يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله الذي تقبلها منه اليه ، وما يلزم المتقبل له؟ قال : فكتب له ان يبيع إذا شرط على المشتري أنّ للمتقبّل من السنين ما له (١).

ولا يضر عدم صحّة السند (٢) ، لاشتراك يونس وعلي بن أحمد ، لأنّها مؤيّدة.

وهذه تدل على الصحة مع بيان الحال والشرط ، فيمكن فهم الصحة مع عدم ثبوت الفسخ ، فافهم.

ويدلّ عليه مكاتبة إسحاق الراكانى قال : كتبت الى رجل أي أبي الحسن الثالث عليه الصلاة والسّلام رجل استأجر ضيعة من رجل فباع الموجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر ولم ينكر المستأجر البيع وكان حاضرا له شاهدا عليه فمات المشتري وله ورثة أيرجع ذلك في الميراث أو يبقى في يد المستأجر الى أن ينقضي إجارته؟ فكتب عليه السّلام : الى ان تنقضي إجارته (٣).

ولا دلالة فيها على البطلان ، ولو كان بحضور المستأجر ورضاه.

ولا يبطل بالعذر مع إمكان استيفاء المنفعة ، مثل ان ضعفت الدابّة ، أو خربت الدار في الجملة أو مرض العامل ، أو مرض المستأجر ، بحيث لا يقدر على السفر ، مع كون الإجارة مطلقة ، فإنّه يمكن الانتفاع بان يوجر الدابة غيره ، ونحو ذلك ، فتأمّل.

قوله : ولا بالموت من المؤجر إلخ. الظاهر أنّ الأقوال ثلاثة البطلان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٤.

(٢) وسندها ـ كما في الكافي باب من يؤاجر أرضا إلخ ـ هكذا محمّد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن محمّد عن يونس.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٥ ، وفي الوسائل كما في الكافي أحمد بن إسحاق وفي الكافي (الرازي) بدل الراكانى والظاهر انه هو الصحيح لعدم العثور على إسحاق الراكاني.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلقا ، وبموت المستأجر فقط ، وكأنّه ما ذهب الى عكسه أحد ، وعدم البطلان مطلقا ، الّا فيما استثنى كما سيجي‌ء.

دليل الأخير أوضح وهو الاستصحاب ، وعموم أدلة صحة العقد ، ولزومه عموما وخصوصا ، مثل صحيحة علي بن يقطين ومحمّد بن سهل المتقدمتين (١).

وأنّه لا شك أنّ بالعقد صارت المنفعة ملكا للمستأجر ، والأجرة ملكا للمؤجر ، فينتقل إلى الورثة لأدلة الإرث.

وأنّ ملك شخص لا يزول عنه وعن ورثته ، الّا بالدليل والمانع ، ولا دليل هنا ، وليس المانع فرضا الّا الموت ، وهو لم يصلح ، إذ لا منافاة بين الملكية والانتقال إلى الورثة بعد الموت.

ويدلّ عليه أيضا رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال : كتبت الى أبي الحسن صلوات الله وسلامه عليه ، وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على ان تعطى الإجارة (الأجرة ـ خ) في كل سنة عند انقضائها ، لا يقدّم لها شي‌ء من الإجارة (الأجرة ـ خ) ما لم يمض الوقت فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة؟ فكتب عليه السّلام : ان كان لها وقت مسمّى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فان لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه ، فتعطي ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إنشاء الله (٢).

ولا يضر عدم صحة سندها لأنّها مؤيّدة.

وهي تدلّ على جواز شرط تجزية الأجرة ، وشرط تأخيرها عن العقد.

وبيان دلالتها على المطلوب ، أنّها تدل على عدم البطلان بموت المؤجر

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٧ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من أبواب الإجارة الرواية ١ ج ١٣ ص ٢٦٨.

٦٥

ولا بالعتق ، ولا يرجع العبد بما بعد العتق ، ونفقته على مولاه ، على اشكال.

______________________________________________________

صريحا وبموت المستأجر بالإجماع المركّب.

وما نعرف دليلا على البطلان بموتها سوى ما نقل في الشرح من الإجماع ، وأنت تعلم ضعفه في مثله ، وما يعرف على القول الفارق دليلا ، وعدم الدليل دليل العدم.

وأمّا استثناء أنّه إذا كان شرط استيفاء المنفعة بنفس المستأجر والأجير ، فدليله ظاهر.

وكذا الموصى له بالمنفعة مدّة حياته ، مثل الإجارة ، ولكن هو بالحقيقة تلف أحد الأركان.

وكذا استثناء العين المستأجرة وقفا ، بموت المؤجر ، فإنّه بمنزلة انقضاء المدة ، لأنّه انما هو له الى حين موته.

ولكن استثنى من بطلان اجارة الوقف بموت المؤجر ، ما إذا مات الناظر الموجر لمصلحة الوقف أو للبطون كلّها ، فإنّها لا تبطل حينئذ بموت الناظر ، لأنّه حينئذ بمنزلة الوكيل ، فلا موت للمؤجر حقيقة وهو ظاهر ، وذكره بعض الأصحاب ، فتأمّل.

قوله : ولا بالعتق إلخ. أي إذا آجر عبده ثم أعتقه لم تبطل الإجارة بالعتق ، لما تقدم ، ولا يرجع العبد بأجرة ما بقي عليه من مدة الإجارة على السيّد ، ولا على المستأجر ، لأنّ الأجرة قد ملكها السيد في زمان كونه مالكا له ، والمنفعة انتقلت إلى المستأجر ، فصارت مملوكة له أيضا بالعوض ، فلا سبيل للعبد من الرجوع على احد منهما.

وأمّا لزوم نفقته في تلك المدة على السيّد ففيه اشكال ، من أنّه أخذ منافعه ، فما بقي له كسب ومنفعة ، ونفقته من منفعته ، فيلزم من له المنفعة ، ولأنّ العبد

٦٦

وتبطل بالبلوغ.

وتصح اجارة كلّ ما تصح إعارته.

______________________________________________________

المسلوب منفعته للسيد بمنزلة عبده ، وللاستصحاب.

ومن أنّ النفقة انّما كانت واجبة عليه لكونه ملكا له ، وبعد العتق لا ملك.

ويحتمل كونها على بيت المال ، والزكاة ، ومع التعذر على الأغنياء كفاية ، كما قيل في العاجز (العاجزين ـ خ) عن الكسب والمرضى وغيرهم ، ومعلوم أنّ البحث مع تقدير عدم وجوبها على المستأجر.

قوله : وتبطل بالبلوغ. يعني يجوز للولي أبا كان أو جدّا أو وصيّا أو أمينه اجارة الأطفال مع المصلحة ، ولكن بحيث لا يكون زمان البلوغ بالسّن داخلا في المدّة ، فتبطل.

ويحتمل بطلان الزيادة فقط ، وعلى القول بصحة الفضولي يحتمل توقفه على إجازة الصبي بعد بلوغه ورشده ، مع بقاء أصل الإجارة ، بشرط بقاء شروطها.

وإذا بلغ بالاحتلام ونحوه ورشد تبطل الإجارة فيما بقي من المدّة ، إذ لا تسلط لأحد عليه حينئذ لا قبل البلوغ ولا بعده ، فيرجع المستأجر إلى الولي بالنسبة إلى أجرة تلك المدّة الباقية ، وهو ظاهر.

لكن يحتمل عدم البطلان ، وكونه موقوفا على أجازته بعد البلوغ والرشد ، بناء على جواز الفضولي ، كما هو مذهب المصنف.

فيمكن ان يراد بالبطلان عدم اللزوم ، وبطلان العقد باعتبار لزومه ، وقال في القواعد : هو مخيّر بين الإمضاء والفسخ.

قوله : ويصحّ اجارة كلّ ما يصحّ إلخ. أي كلّما يصح إعارته من الأعيان للانتفاع بالمنفعة التي لا تكون عينا يصح إجارتها أيضا ، لأنّ الإجارة تمليك المنفعة بعوض ، والعارية بدون العوض ، فلا فرق بينهما ، فكل ما يصحّ فيه أحدهما يصحّ فيه الآخر.

٦٧

والمشاع.

والمستأجر أمين ، لا يضمن الّا بالتفريط ، أو التّعدي ، أو تسليم العين بغير اذن.

______________________________________________________

ووجه قيد (الّتي لا تكون عينا) ، ظاهر فإنّه قد نقل الإجماع في التذكرة وغيرها ، على عدم صحة الإجارة عندنا إذا كان المنفعة المنتقلة عينا ، مثل لبن الشاة وثمرة بستان ، ونحوهما ، ولهذا ترك القيد.

فلا يرد عليه أنّه يجوز إعارة الشاة ونحوها ولا يجوز إجارتها ، ولا يحتاج إلى الجواب بانّ المراد ، غالبا ، كما قاله المحقق الثاني ، فتأمّل.

قوله : والمشاع. أي يصح اجارة المشاع المشترك بينه وبين الغير ، لعموم أدلة الإجارة ، مع عدم صلاحية الإشاعة والشركة للمنع ، وللأصل وعدم المنافاة ، الّا انه لا يسلّم العين المشتركة إلّا بإذن الشريك ، وإذا لم يأذن يرفع امره الى الحاكم ، كما إذا نازع الشريكان.

وأيضا إذا لم يكن عالما يمكن ثبوت الخيار للمستأجر ، فتأمّل.

قوله : والمستأجر أمين إلخ. يعني ليس يد المستأجر يد ضمان وغصب ، يضمن بكل تلف ، وعلى كل حال ، بل يد أمانة مالكية ، للأصل ، ولأنّه متصرّف باذن المالك ، فلا يضمن المستأجرة ان تلفت الّا بالتفريط بترك ما يجب عليه فعله ، مثل سقيها وعلفها وحفظها على سبيل جرى العادة ، أو بالتعدي بفعل ما لا يجوز له ، مثل ان يحملها أكثر ممّا استأجر له ، أو تجاوز عن المسافة المشترطة ، أو ضربها فوق العادة ونحوها.

وجه الضمان مع أحدهما (١) ظاهر ، كوجه عدمه مع عدمهما.

ويضمن أيضا بتسليم العين المستأجرة إلى غيره بغير اذنه في صورة لا تجوز ،

__________________

(١) أي التفريط أو التّعدي.

٦٨

لا بالتضمين.

______________________________________________________

وهو داخل في التعدي أيضا.

ويمكن ان يكون المراد الضمان مع تسليمه العين المستأجرة إلى المستأجر الثاني بغير اذن المؤجر ، أو تسليمها للانتفاع الى غيره ، مع كون الإجارة لاستيفاء شخص معيّن ، أو مطلقا ، وان قيل بجواز التسليم الى الغير للانتفاع في المطلق ، كما قيل بجواز إجارتها ، وتسليمها إلى المستأجر الثاني ، مع كونه ضامنا ، وقد مرّ تفصيله ، فتذكر ، وتأمّل.

قوله : لا بالتضمين. أي لا يضمن المستأجر بأن يشترط عليه المؤجر الضمان وان لم يفرّط لأنّه شرط مخالف لما ثبت شرعا ، وهو كون المستأجر أمينا لا يضمن الّا بالتفريط ، فلا يصح هذا الشرط.

ويمكن ان يبطل ببطلانه المشروط أيضا ، كما هو مقتضى الشرطية ، ويحتمل بطلان الشرط فقط ، والأوّل أوضح دليلا ، إذ الرضا ما وقع الّا بالشرط ، وما حصل ، وبدونه ما حصل.

وبالجملة الظاهر بطلان المشروط لبطلان شرطه ، الّا ان يكون دليل على الصحة بخصوصها.

وعلى تقدير بطلان الشرط عدم الضمان معلوم ، وكذا مع بطلان العقد أيضا ، للأصل ، ولما تقرّر عندهم من أنّ كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

ويمكن ان يقال أدلة صحة العقود والشروط تقتضي صحة هذا الشرط أيضا ، وكونه شرطا مخالفا لما ثبت شرعا غير ظاهر ، إذ عدم الضمان بدون الشرط الّا مع التفريط لا يستلزم كونه كذلك معه أيضا ، فتأمّل.

وفي رواية موسى بن بكر (دلالة على صحة الشرط والضمان) عن أبي الحسن عليه الصلاة والسّلام قال : سألته عن رجل استأجر سفينة من ملاح فحملها طعاما واشترط عليه ان نقص الطعام فعليه؟ قال : جائز ، قلت : إنّه ربّما زاد

٦٩

ويصح خيار الشرط فيها.

ولو وجد بالعين عيبا فسخ ، أو رضي بالأجرة بكمالها ، وان فاتت به بعض المنفعة.

______________________________________________________

الطعام؟ قال : فقال : يدّعي الملاح انه زاد فيه شيئا؟ قلت : لا ، فقال هو لصاحب الطعام الزيادة وعليه النقصان إذا كان قد اشترط عليه ذلك (١).

ويؤيّده جواز هذا الشرط والضمان معه في العارية ، مع (وـ خ) عدمه بدونه ، فتأمّل.

قوله : ويصح خيار الشرط فيها. دليله عموم أدلة صحة الإجارة والشروط وعدم ظهور ما يمنع ، فيدخله خيار الشرط ، سواء اشترط لهما أو لأحدهما أو لأجنبي ، كما في البيع.

قوله : ولو وجد بالعين عيبا إلخ. أي لو وجد المستأجر بعد الإجارة بالعين المستأجرة عيبا يوجب الردّ ، وكان جاهلا به حين العقد ، يجوز له الفسخ ، للعيب الموجب ، ولعدم التكليف بالضرر جهلا ، وللتدليس ، ولأنّ العقد يقتضي الصحيحة ، فلا يلزم بدونها ، فلو لم يلزم بطلانه فلا أقلّ ان لا يلزم.

ولأنّه لو لم يكن الصحّة في الجملة اتفاقية كان البطلان رأسا متوجها ، فيجب عدم لزومه.

وكذا له الالتزام بالعقد أيضا ، فإنّه ينقص حقه ، وله ذلك مع مصلحته ، كما يفعل في غيره ، ولما تقدم من عدم البطلان ، فله الالتزام ، وان فات بالعيب الموجود بعض منفعته ، لأنّه تصرف في ماله باختياره.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولكن في مستطرفات السرائر والوسائل نقلا منه هكذا : موسى عن العبد الصالح عليه السلام ، قال : سألته عن رجل استأجر ملاحا وحمله طعاما في سفينته واشترط عليه ان نقص فعليه ، (قال : ان نقص فعليه ـ ئل) قلت : فربّما زاد؟ قال : يدّعى انّه زاد فيه؟ قلت : لا ، قال هو لك ، راجع الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الإجارة.

٧٠

ويجب على المستأجر سقي الدابّة وعلفها ، فلو أهمل ضمن.

والقول قوله في القيمة مع التفريط.

______________________________________________________

وليس له الرضا ، والالتزام به مع الأرش ، كما قاله المحقق الثاني في البيع ، لعدم الدليل ، وقياسها على البيع باطل بأصولنا ، فتأمل.

قوله : ويجب على المستأجر إلخ. قال في شرح الشرائع والقواعد إنّ المراد من مال المستأجر ثمّ رجحا عدم كونه من ماله ، والقرينة على ذلك موجودة في القواعد حيث قال بعد ذلك : ولو قيل بوجوب العلف على المالك والنفقة على الأجير كان وجها.

يعني إذا استأجر دابة ولم يكن صاحبها معها والدابة في يده يجب على المستأجر سقيها وعلفها سواء شرطه عليه أم لا ، لوجوب حفظ النفس ، ومال الغير إذا كان تحت يد الإنسان.

ولكن ينبغي ثبوت الرجوع الى المالك مع عدم الشرط المسقط ، وعدم تبرّعه ، فلو أمكن إذنه يستأذن ، والّا فالحاكم ، والّا استشهد ، والّا قصد الرجوع.

والظاهر أنّه يقبل قوله في عدم التبرّع ، لأنه فعله ، وللأصل ، فلو أهمل في ذلك ضمن بتلفها ، بل بنقصها أيضا ، لأنّه مستند الى تقصيره ، فيضمن ، فتأمّل هذا.

ولكن في صورة شرط كون صاحبها معها ، أو العادة ، تقتضي ذلك ، إيجاب العلف والسقي على المستأجر والضمان مع الإهمال ، خصوصا إذا كان شخصا ليس من شأنه ذلك تأمل ، والأصل دليل قوي ، وكذا كون المالك مقصّرا ، فتأمل.

قوله : والقول قوله إلخ. يعني المسموع قول المستأجر في مقدار قيمة العين المستأجرة مع التلف بالتفريط ، بل في جميع الصّور التي يلزمه الضمان مع يمينه ، لأنّه الغارم ، وللأصل ، وفي رواية أبي ولّاد الطويلة الصحيحة (١) اشارة اليه ، وان كان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١ وفيها : قال : قلت له (يعني لأبي عبد الله

٧١

ويضمن الصانع كالقصّار ، بحرق الثوب أو بخرقة ، والطبيب والختان والحجّام وغيرهم ، وان كان حاذقا ، واحتاط واجتهد ، ولو تلف في يده من غير سببه (سبب ـ خ) فلا ضمان.

______________________________________________________

فيها ما يشعر بان القول قول صاحب المال ، والأصل دليل قويّ ، فتأمل.

قوله : ويضمن الصائغ (خ ـ ل الصانع) إلخ. أي يضمن الصائغ إذا تلف أو نقص ما في يده بسببه كحرق الثوب وخرقه في يد القصّار (بعمله ـ خ) وتلف المريض بدواء الطبيب ، وما يتلف بفعل الختان والحجّام ، وغيرهم ، وان كان كل واحد منهم حاذقا واحتاط واجتهد.

والظاهر أنّه يدخل في التلف بدواء الطبيب ، ما إذا علم ترتب التلف بالسّقي بأمره ، وان لم يباشر السقي بيده ، لا مجرد وصفه أنّ الشي‌ء الفلاني نافع لمرض كذا ، أو المرض الحاضر ، مع الاحتمال في الأخير ، إذ بحسب الظاهر يقال انه تلف بدوائه ، والمتعارف من عمله ذلك ، لا الإلزام أو السقي ، بل تعيين المرض ووصف دواء نافع له ، والأصل يقتضي العدم ، حتى يتحقق بالدليل.

والظاهر أنّ دليل الكل هو الإجماع المدّعى في شرح القواعد وشرح الشرائع وأنّ الإتلاف الغير المأذون في الإتلاف موجب للضمان.

والظاهر عدم صدقه في مادّة الطبيب ونحوه (١) ، ولا نعلم دعوى الإجماع فيه ، الّا مع المباشرة ، فيحتمل الضمان بها وبالأمر أيضا ، لا غير ، فتأمل.

ويؤيد العدم في الطبيب ونحوه أنه قد يجب عليه الطبابة وكذا الختان ، كما إذا

__________________

عليه السّلام) أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال : نعم قيمة بغل يوم خالفته ، قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبرا أو غمز. فقال : عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تردّه عليه ، فقلت : من يعرف ذلك ، قال : أنت وهو ، إمّا ان يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فان ردّ اليمين عليك ، فحلفت على القيمة ، لزمه ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون انّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا ، فيلزمك إلخ راجع تمام الحديث.

(١) لا يخفى انه ليس في شرح الشرائع لفظ الطبيب.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كان واجبا على المختون ، قيل فلا اجرة له حينئذ كما صرح به في القواعد ، فانّ التضمين مع الإيجاب بعيد ، وهو جار في كثير من الأمور ، فتأمل.

ويدل على ضمان الصائغ المفسد ، الرواية ، مثل حسنة الحلبي (لإبراهيم) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سئل عن القصار يفسد؟ فقال : كلّ أجير يعطى الأجرة (الأجر ـ كا يب) على ان يصلح فيفسد ، فهو ضامن (١).

ويمكن إدخال الطبيب والبيطار الذين يريدان الأجر ، ونحوهما فيها.

وهي تدل على عدم الضمان على المتبرع ، بالمفهوم ، فتأمل.

وكذا رواية السكوني وأبي الصباح وغيرهما (٢).

وقال في القواعد : ويضمن الصانع ما يجنيه وان كان حاذقا ، كالقصّار بخرق الثوب ، والحمّال بسقط حمله عن (على ـ خ) رأسه ، أو يتلف بعثرته ، والجمّال يضمن ما يتلف بقوده وسوقه وانقطاع حبله الذي شدّ به حمله ، والملاح يضمن ما يتلف من يده أو جدفه (٣) أو ما يعالج به السفينة ، قال في شرحه : للنصّ والإجماع في ذلك ، فتأمّل فيه.

وأمّا إذا تلف شي‌ء في يد الصائغ ونحوه بغير فعله فلا يضمن ، الا مع التفريط كما مرّ ، ودليله الأصل ، وكونه أمينا.

ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١ وسندها ـ كما في الكافي ـ في باب ضمان الصّناع علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد ، عن الحلبي.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٦ و ٨ وغيرهما من روايات الباب فراجع.

(٣) يقال : جدف الملاح السفينة ، ساق السفينة بالمجداف ، المجداف بالدال المهملة وبالذال المعجمة خشبة طويلة مبسوطة احد الطرفين تسير بها القوارب القارب السفينة الصغيرة جمع قوارب (أقرب الموارد).

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : سألته عن الصّباغ (القصّار ـ خ) والصائغ؟ فقال : ليس يضمنان (١).

وقد حملها الشيخ (٢) على انّهما إذا كانا مأمونين ، وأمّا مع التهمة فيضمن.

ويدل عليه روايات كثيرة ، مثل صحيحة الحلبي (على الظاهر) عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الصائغ والقصّار ما سرق منهم من شي‌ء فلم يخرج منه على أمر بيّن أنّه قد سرق فكل قليل له أو كثير فهو ضامن وان فعل فليس عليه شي‌ء وان لم يفعل ولم يقم عليه البيّنة وزعم انه قد ذهب الذي ادّعى عليه فقد ضمنه الّا ان يكون له على قوله البيّنة وعن رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرقه؟ قال : هو مؤتمن (٣).

وصحيحة أبي بصير (على الظاهر) قال : سألته (عن أبي عبد الله عليه السّلام كا ـ ئل) عن قصّار دفعت اليه ثوبا فزعم أنّه سرق من بين متاعه؟ قال : فعليه ان يقيم البيّنة أنّه سرق من بين متاعه ، وليس عليه شي‌ء ، وان سرق متاعه (كلّه ـ كا) فليس عليه شي‌ء (٤).

وصحيحة داود بن سرحان (الثقة) عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام في رجل حمل متاعا على رأسه ، فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شي‌ء ، فهو ضامن (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١٤ وفي التهذيب والوسائل الصبّاغ والقصار.

(٢) يعني بعد نقل الرواية في التهذيب.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب الإجارة الرواية ٢ و ٣ نقلا من الكافي مع اختلاف في بعض العبارات ولكن أثبتناه مطابق لما في التهذيب.

(٤) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٥.

(٥) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١١.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فحمل المطلق على المقيد لوجود القيد في روايات كثيرة مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام قال : لا يضمن الصائغ ولا القصّار ولا الحائك الّا ان يكونوا متهمين الحديث (١).

وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : كان علي عليه السّلام يضمّن القصّار والصائغ يحتاط به على أموال الناس وكان أبو جعفر عليه السّلام يتفضّل عليه إذا كان مأمونا (٢).

وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام قال : كان على عليه السلام يضمّن القصّار والصائغ احتياطا (للنّاس كا ـ ئل) وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان مأمونا (٣).

وصحيحة محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت الى الفقيه عليه السّلام في رجل دفع ثوبا الى القصّار ليقصّره فيدفعه (ودفعه ـ ئل) القصّار الى قصّار غيره ليقصّره فضاع الثوب ، هل يجب على القصّار ان يردّه إذا دفعه الى غيره وان كان القصّار مأمونا؟ فوقّع عليه السّلام : هو ضامن له الّا ان يكون ثقة مأمونا إنشاء الله (٤) (٥).

وهذا الجمع غير بعيد ، وحاصله أنه يرجع الى أنّه ان ظهر التلف فلا يكونون ضمناء والّا فيكونون ضمناء ، ويشعر به رواية أبي بصير المتقدمة ، ولا يبعد أيضا الجمع على الاستحباب ، والاحتياط كما يشعر به بعض الروايات (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١١.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١٢.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٤.

(٤) الوسائل الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١٨.

(٥) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا : فيها دلالة على جواز الدفع وعدم الضمان (بخطه رحمه الله).

(٦) قد تقدم ذكره آنفا.

٧٥

ولا يضمن الملاح والمكاري إلّا بالتفريط.

وضمان ما يفسده المملوك على مولاه الموجر.

______________________________________________________

قوله : ولا يضمن الملاح والمكاري إلّا بالتفريط. يعني إذا تلف شي‌ء في يد الملاح وسفينته أو المكاري ـ لا بسبب منهما ، ولو بتقصير في أسبابهما ، مثل قطع حبل حمل الجمال ، وكون وعائه مخروقا عتيقا ، وكذا مثل كسر خشب السفينة لكونه عتيقا أو مكسورا ، وعدم معرفة صاحبها أو قلّة عمّا لها عادة ، بحيث يعجز عن علاجها ، ونحو ذلك ممّا يسند إليهما عادة ، فيكون ذلك داخلا في التفريط ، فيضمنان ـ لم يضمنا الّا مع التفريط.

وقد مرّ ما يمكن استفادة دليله منه ، فافهم.

قوله : وضمان ما يفسده إلخ. أي يضمن المولى المؤجر عبده للطبابة والحجامة والختانة ونحوها ، ممّا يتعلق برقبته ، بمعنى أنّه ان شاء فكه فداه بأقلّ من أرش جنايته وقيمته ، وان شاء سلّمه الى المجني عليه أو ورثته.

لعلّ وجهه واضح ، حيث انّه فعل فعلا مضمونا باذن مولاه ، فيتعلّق به الجناية ، فإن أراد المولى دفعه لا يكلّف بأكثر من ذلك ، للأصل ، وعدم ضمانه بنفسه ، وان دفع قيمته وان كان أقلّ من أرش جنايته لا يكلّف بأكثر من ذلك ، إذ العبد لا يجني أكثر من قيمته ، وهو مقرّر عندهم.

وأمّا إذا كان قصّارا ، خرق الثوب ونحوه ، ممّا لم يتعلّق برقبته ، فيمكن كونه مثل ما تقدم ، لما تقدم.

ويحتمل كونه متعلقا بذمّته يتبع به متى يعتق ، فيؤخذ منه ، كما اختاره في شرح القواعد.

والفرق غير واضح ، على أنّه يلزم الضرر على مالك الثوب ، فإنّه قد يتعمد العبد ذلك ، وقد يفرط ، فيسرق ، فيفوت ماله ، ولا ينعتق أو ينعتق بعد موته ، أو ينعتق ويكون فقيرا والمولى قد دلس حيث اقام عبده باذنه ، يفعل أمثال هذه

٧٦

ولا يضمن صاحب الحمّام الّا ما يودع ويفرّط فيه.

______________________________________________________

الأمور ، بحيث يشعر بأنه يترتب الضمان عليه بالفعل ، خصوصا مع الجهل بأنّه عبد ، أو بالمسألة ، الّا ان يقال انه قصر في التفتيش ، وحينئذ الفرق مشكل ، وظاهر المتن عدم الفرق ، فتأمل.

قوله : ولا يضمن صاحب الحمّام إلخ. عدم ضمان الحمّامي إذا لم يودع ظاهر ، فإنّ أحدا لا يضمن مال الغير بمجرد تلفه عنده ، وان ظنّ صاحبه أنّه يحفظه ، ما لم يودعه عنده ، ويقبل ثم يفرّط ، بل ولا يضمن بمجرد قول صاحب الثياب إنّ هذه الثياب احفظها ، ولم يردّ الجواب ، ما لم يقبل ، للأصل ، وكون السكوت أعم.

وأمّا عدمه إذا قبل ولم يفرّط ، فلأنّه أمين ، وللأصل ، ولما مرّ.

ولما في رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام ان عليا عليه السّلام اتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت ولم يضمّنه وقال : انما هو أمين (١).

ظاهرها أن مطلق الحمّامي أمين لا يضمن الّا بالتفريط ، أو التعدّي ، وأمّا الضمان مع القبول والتفريط فللتفريط فهو خائن فيضمن ، كغيره ، وفيما تقدم دلالة عليه أيضا.

ثم اعلم أنّه قد استثنى في القواعد التلف بفعل الطبيب والكحّال ، إذا أخذ البراءة من البالغ العاقل ، ووليّ الطفل والمجنون.

لما روى عن عليّ عليه الصلاة والسّلام من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه (وليه ـ ئل) والّا فهو له ضامن (٢).

وقال في شرحه وكذا الختان والحجّام (خ) ، وقال في التحرير : ولو لم يتجاوز

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١ وفيه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السّلام إلخ.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب موجبات الضمان الرواية ١ (من كتاب الديات) (ج ١٩ ص ١٩٤).

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

محل القطع مع حذقهم في الصنعة ، فاتفق التّلف فإنّهم لا يضمنون.

وهذا صحيح ، وان لم يكن التلف مستندا الى فعلهم.

الاستثناء (١) غير بعيد ، وان لم تكن الرواية معلومة السند ، بل وجودها في أصولنا ، فتكون عاميّة لأنّها مؤيّدة للأصل والنص ، والإجماع غير ظاهر ، في صورة البراءة ، ولأنّ في الضمان دائما سدّ باب العلاج ، إذ لو علم ذلك طبيب مثلا ، بعيد ان يرتكب ذلك ، وان كانت البراءة عمّا لم يجب.

وأنّ الحقّ قد يكون متعلقا بغير الذي أبرأ الذمّة.

لكن غير بعيد تجويزه هنا للضرورة ، وللرواية ، وعدم القطع على عدم حصول البراءة ، عما لم يجب ، والعقل يجوزه ، وانّ الضرر واقع بالفعل على المبرء فله الإبراء ، والوليّ بمنزلته ، فتأمّل ، واحتط.

وأيضا قول التحرير غير بعيد ، وان علم استناد التلف الى فعلهم ، إذا لفرض أنّهم فعلوا فعلا جوّز لهم ولم يتعدوا ولم يخطأوا أصلا بل فعلوا مجرّد الفعل المجوز مع فرض عدم الخطأ والعمد بوجه ، ولكن علم أنّ التلف يترتب على الفعل المجوّز الغير المخطأ فيه ، فكان فعلهم ذلك في الواقع سببا لذلك ، وقد اذن فتضمينهم بعيد.

والإجماع والنص المدعى غير معلوم دلالتهما عليهما ، فإنّهما مجملان على تقديرهما ، والأصل دليل قوىّ ، فلا يبعد مثله في الطبيب ونحوه ، بل الصائغ بأن فرض أنّه ما فرط ولا تعدّى في القصر والصبغ بوجه أصلا ، الّا أنّه كان الثوب بحيث لو لم يصبغ ولا يقصر لم يمزق فكان الثوب متهيّئا لقبول ذلك ، فصبغه وقصره بالاذن بمنزلة كونهما من المالك والوكيل ، فالضمان هنا أيضا بعيد ، كما مرّ.

__________________

(١) يعنى استثناء التلف مع أخذ البراءة.

٧٨

ونفقة الأجير المنفذ في الحوائج على المستأجر ، إلّا مع الشرط.

______________________________________________________

هذا مع ثبوت كونه كذلك إمّا بالشهود أو إقرار المالك ، وحينئذ يبعد الضمان ، إذا علم أنّ الثوب ليس بقابل لهما بل هنا فقط من غير فعل يفسدانه.

نعم إذا لم يعلم أو علم استناده إليهما يحتمل الضمان لما تقدم ، ويمكن حمل أدلة الضمان عليه وغيرها على عدمه ، وهذا جمع لا بأس به ، وغير بعيد عن الأدلة ، وكلامهم.

قوله : ونفقة الأجير المنفذ إلخ. الظاهر أنّه لا خلاف بين المسلمين في جواز إجارة الآدمي حرّا أو مملوكا مذكّرا أو مؤنثا ، الّا أنّ في المؤنث يحرم على المستأجر جميع ما يحرم عليه قبلها حتى النظر.

قال في شرح القواعد ولا فرق في جواز الإجارة بين الأمة والحرة والعجوز والشّابة وقبيح المنظر والحسناء.

ونقل تحريم الخلوة بها عن التذكرة ، واستثنى هو من يريد العقد عليها ، فيه تأمّل.

وقد استثنى في متن القواعد والشرح النظر إلى الأمة بإذن المولى ، وما فهمت دليل ذلك ، فإنّه ليس بعقد ولا ملك ولا تحليل ، الّا ان يجعل الاذن تحليلا ، أو من قبيل النظر لمريد النكاح والشراء فتأمل.

ولا شك في بقاء تحريم ما كان لان عقد الإجارة ليست بمحلّلة ، الّا الخدمة والعمل ، لا تحليل ما حرّم ، فكلّما كان محرّما قبل العقد يبقى على حاله ، وهو ظاهر.

والظاهر أنّه لا نزاع أيضا للإنفاذ في حوائجه على الإجمال ، فإنّه ينصرف عرفا الى ما هو المتعارف المقدور له واللائق بمثله من حوائج المستأجر ، وعموم أدلّة الإجارة يدلّ عليه ، مع عدم ظهور مانع صالح ، وان كان ما يشترطون من العلم ، ويدققون فيه ، يقتضي عدم مثلها حتى يعيّن ، فإنه قال في القواعد والتذكرة : لا يجوز الاستيجار بنفقته وطعامه ما لم يعيّن ، إذا لم يكن على المستأجر وكذا بها وبغيرها للجهالة.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يكتفوا بالعرف في ذلك ، بل قال فيها : ولا يجوز بأرطال من الخبز لعدم جواز السلم عند نافيه ، فلا يجوز الإجارة.

وقال : ولو استأجر أجيرا بطعامه وكسوته فان قدّرا ذلك وعلماه صحّ العقد ، وان لم يقدّراه بطل العقد (الى قوله) : ولا فرق بين ان يستأجره بالنفقة والكسوة ويطلقهما ، وبين ان يجعلهما جزء من الأجرة وإذا استأجره بهما صحّ إجماعا ، ووصفهما كما يوصف في السلم ، وان لم يشترط طعاما ولا كسوة فنفقته وكسوته على نفسه (١).

فقد علم أنّه لا بد من تعيينها بالكيل والوزن ونحوهما مع الوصف ، إذا لم تكن حاضرة فيه ، فتأمل.

وأيضا الظاهر أنّه يجوز استيجاره بان يكون جميع منافعه للمستأجر ، لما تقدم ، وللروايات المشعرة بالجواز ، والانعقاد مع الكراهة.

مثل رواية المفضل بن عمر (في الكافي) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول من آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق (٢).

ورواية عمار الساباطي (في الفقيه والكافي) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام الرجل يتجر وان (فان ـ ئل) هو آجر نفسه أعطي أكثر ممّا يصيب في تجارته (٣) قال : لا يؤاجر نفسه ، ولكن يسترزق الله جلّ وعزّ ويتجر ، فإنّه ان (إذا ـ ئل) آجر نفسه حظر على نفسه الرّزق (٤).

__________________

(١) انتهى ما في التذكرة ملخصا.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١ والباب ٦٦ من أبواب ما يكتسب به الرواية ١ (من كتاب التجارة) ج ١٢ ص ١٧٥).

(٣) وفي الكافي والتهذيب اعطى ما يصيب في تجارته.

(٤) الوسائل الباب ٦٦ من أبواب ما يكتسب به الرواية ١.

٨٠