مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

أو يخاط بالمغصوب جرح ذي حرمة فيضمن القيمة.

ولا يضمن تفاوت السوق مع الردّ ، وان تعيّب ، ضمن الأرش.

______________________________________________________

كان القلع والردّ سببا لهلاك النفس وتلفها ، فظاهر عدم وجوب الردّ ، بل عدم جوازه حينئذ ، فإن حفظ النفس أوجب ومقدّم على ردّ المال.

وكأنّه لا خلاف فيه ، كما يجد العقل ، مثل ان كان خيوطا خاط بها الثوب ، بحيث لا يمكن قلعه ، بحيث ينفع ، لأنّه ينقطع ، وحينئذ لا يجب القلع بل يمكن ان لا يجوز ، ويتعيّن القيمة ، فكأنّه بمنزلة التلف ، فلزمه القيمة فقط.

وحينئذ يمكن جواز الصلاة في ذلك الثوب المخاط ، إذ لا غصب فيه يجب ردّه ، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد الغسل وقبل المسح ، فتأمّل ، والاجتناب أولى.

وكذا إذا خيط بها جرح حيوان محترم ، أي الذي لا يجوز قتله وإتلافه ، مثل الإنسان والفرس العتيق الذي لمسلم أو معاهد ، بحيث خيف على فوت النفس بالقلع ، أو نقص العوض أو الألم الذي لا يتحمل مثله ، على الاحتمال ، بخلاف ما يجوز إتلافه ، مثل الحيوان الذي قد عيّن للذبح والأكل مثل غنم مسمن ، وحينئذ ينزع ويردّ الى مالكه ، وان نقص بالقلع ضمن (يضمن ـ خ) نقصه ، كما يضمن قيمة الكل في صورة عدم جواز القلع إمّا للتلف أو خوف تلف النفس بالقلع من جرح الحيوان المحترم ، ونحو ذلك ، وهو ظاهر ، لأنّه يجب الردّ سليما تامّا ، فإذا تعذّر يجب العوض ، وذلك واضح.

وإذا صار معيبا في يده أو بالقلع ، للردّ ، فهو ضامن لذلك النقص ، فيردّه مع أرشه.

ولا يضمن القيمة السّوقية ، فإنّه ما أتلف شيئا ، ولا تلف في يده عين الّا جزء لا كلّه (١) ولا بعضه ولا منفعة تفوته ، ولا ضمان الا بفوت شي‌ء.

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة : ولا تلف في يده عين الأجزاء ، لا كلّه إلخ.

٥٢١

وان كان غير مستقرّ تجدّد ضمان المتجدّد.

وان تلف ضمن بالمثل في المثلي.

______________________________________________________

وان كان العيب يتجدّد يوما فيوما مثل نتن الحنطة ، فيتجدّد ضمانه أيضا كذلك ، ففي اليوم الأوّل ان كان أرشه درهما لعيبه ثم زاد العيب بحيث صار الأرش نصف درهم آخر ، يضمن الدرهم ، ثم نصف درهم آخر ، وهكذا الى ان تلف ، فيضمن التالف بقيمته.

قوله : وان تلف ضمن بالمثل إلخ. اعلم أنّ المثلي موجود في كتب الفقهاء رحمهم الله ، وبنوا عليه أحكاما كثيرة في (من ـ خ) القرآن أيضا ، مثل المثل في الاعتداء والسّيئة (١) وقد عرّفوا بتعريفات كثيرة ، قلّ ان يسلم تعريف منها ، بل ما سلم تعريف ، لا من تعاريف العامّة ولا الخاصّة ، مثل ما نقل عن الشيخ في التذكرة وشرح القواعد ، وهو ما يتساوى قيمة أجزائه كالحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب والأدهان ، وما أشبه ذلك ، وغير المثلي ما لا يتساوى اجزائه كالحيوان والأراضي والأشجار وغير ذلك.

وقال في شرح القواعد والشرائع : نقض بالثوب فإنّ قيمة أجزائه متساوية وليس بمثلي ويمكن ان يقال : الثوب ليس بمتساوي الأجزاء ، فان ذرعا (ذراعا ـ خ) منه قد يسوى عثمانيّا والآخر شاهيّات ، ومثله الأرض.

بل الذي يشكل به ، أنّه ان أريد التساوي بالكلية ، فالظاهر عدم صدقه على شي‌ء من المعرّف إذ ما من شي‌ء الّا وأجزائه مختلفة في القيمة في الجملة مثل الحنطة والشعير ، وجميع ما قيل انّه مثلي ، فإنّ حنطة طغارها (٢) يساوي عشرين

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) البقرة ١٩٤ ، وقوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) الشورى ٤٠.

(٢) الطغار المستعمل الآن في لسان العراقيين هو عشرون وزنه عراقية ، وهي تساوي الفان ومائة وخمسون

٥٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والآخر عشر شاهيات ، وبالجملة التفاوت معلوم.

وان أريد التساوي في الجملة ، فهو في القيمي أيضا موجود ، مثل الأرض ونحوها.

وان أريد مقدارا خاصّا فهو حوالة إلى المجهول.

وقال (١) أيضا : ربما ضبط بأن المثلي ما يكون اسم الكثير والقليل منه واحدا كالماء والدبس والدهن ، ونقض بالأرض.

ويمكن ان يقال بالثوب أيضا ، على أنّ هذا الأمر الذي هو مبنى أحكام كثيرة ، لا بدّ لأخذه من مأخذ يكون حجة ، من كتاب وسنّة وإجماع وعقل ، وليس بظاهر.

ولا يندفع الإيراد بما قال في شرح القواعد : والظاهر انّ المراد من هذا ضبط المثلي بحيث يتميز فصل مميّز ، لا التعريف الحقيقي ، أو يكون قوله كالحنطة والشعير وغيرهما من الحبوب والادهان داخلا في التعريف فيكون انكشافه بهذه الأمثلة (٢).

ويمكن ان يقال : انّ هذا لا ينفع إذ الغرض من فصل التميز معرفة المثلي ليحكم عليه بالحكم المخصوص به ، فان حصل التمييز التامّ بحيث امتاز عما عداه ، فيحصل المطلوب ، ويصلح للتعريف لدفع النقوض ، والّا فما حصل المطلوب ، وبقي مجهولا غير متميّز ، وان ميّز في الجملة ، وذلك غير كاف هنا.

وأيضا انّ أخذ الحنطة إلى آخرها في التعريف لا ينفع ، لأنّه إن اقتصر على ذلك المذكور فقط ، كما هو ظاهر كلامه ل (من) البيانية (٣) ففيه أنّه غير جامع ،

__________________

كيلو عراقية ومائة وخمسة وعشرون درهما وهي خمس الكيلو تماما ٢١٥٠ و ١٢٥ درهما (راجع كتاب الأوزان والمقادير ص ٨١ تأليف الشيخ إبراهيم سلمان باختصار).

(١) يعني في شرح القواعد ، ج ١ ص ٣٦٨.

(٢) انتهى كلام شارح القواعد ، ج ١ ص ٣٦١ من الطبع الحجري.

(٣) فيما نقله عن الشيخ وشرح القواعد في تعريف المثلي من قوله (من الحبوب والادهان إلخ).

٥٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لخروج كثير من المعرّف مثل الادهان والألبان والدّبس والماء وغيره.

على أنّه ما كان في عبارة التعريف منحصرا ، بل قال : (وما أشبه ذلك).

وان أراد أشباههما كما كان ، فما حصل التمييز التامّ كذا ولا الأشباه ، إذ يمكن ان يقال الثوب من ذلك ، والأرض كذلك إذ (وـ خ) ليس الألبان منه والدّبس والماء كذلك كذا (١) وان لم يرد الحصر في ذلك.

وان أراد انّ الغرض الانكشاف لا التعريف الجامع والمانع ، ـ وبدخول الأمثلة يحصل أكثر ـ ، فهو صحيح ، ولكنّه خلاف الظاهر ، مع أنّه يرد عليه ما تقدم على قوله : انّ المراد ضبطه (٢). بل هو بعينه ، فتأمّل.

ونقل أيضا عن فقهاء العامّة ، أنّه (٣) كلّ مقدّر بكيل أو وزن ، وزاد بعضهم اشتراط جواز بيعه سلما ، لأنّ المسلم فيه يثبت بالوصف في الذمّة والضمان يشبهه ، لانه يثبت في الذمة وزاد بعضهم اشتراط جواز بيع بعضه ببعض لتشابه الأصلين في قضية التماثل ـ قال ـ : واعترض على العبارات (الأخيرة الثلاثة ـ خ) بأنّ القماقم والملاعق والمغارف (٤) المتخذة من الصفر والنّحاس موزونة يجوز السلم فيها وبيع بعضه (بعضها ـ خ) ببعض ، وليس مثليّة (٥).

ويمكن ان يقال : الزيادة غير ظاهرة ، خصوصا الأخيرة ، فإنّ معناها أيضا غير واضح.

وأنّه يشكل بالغزل والصوف والوبر والشعر والقطن ونحوها ، فإنّها غير مثلية ، مع صدق التعريف ، الّا أن يليه النفي أو الإثبات (٦) ، وهو بعيد.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ.

(٢) أي المثلي.

(٣) أي المثلي.

(٤) المغارف ، المغرفة بكسر الميم ما يغرف به الطعام والجمع مغارف (مجمع البحرين لغة غرف).

(٥) انتهى كلام شارح القواعد ، ج ١ ص ٣٦٨.

(٦) المراد من النقي عدم جواز بيعه سلما أو عدم جواز بيع بعضه ببعض والإثبات طرف مقابله.

٥٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا انّ المكيل والموزون (الكيل والوزن ـ خ) ليس له ضبط ، فإنّه قد يختلف ، حينئذ لكل بلد حكم نفسه على ما قيل ، غير ما تحقق في حالة زمانه صلّى الله عليه وآله ، فيلزم كون شي‌ء واحد مثليّا في بلد وقيميّا في أخرى ، وهو بعيد ، فيكون البطيخ مثليّا ، وكذا الجوز والبيض في بلد ، الّا ان يقال : لا يجوز السّلم فيها ، ولا بيع بعضها ببعض ، وحينئذ يشكل التعريف الأوّل بدون الزيادة ، فتكون فائدتها ، فتأمّل.

وقال في الشرح ، وهو المتّحد في الحقيقة النوعيّة ، وظاهر صدقه على ما تقدّم من الأرض والثوب (الصوف ـ خ) ونحوهما ، مع اشكال تحقق الاتفاق في الحقيقة النوعية.

وفي الدروس قال : انّ المثلي هو المتساوي الاجزاء والمنفعة المتقارب الصّفات وقال في شرح القواعد : وهذا لا يكاد يخرج الثوب.

ويمكن ان يقال : بل الأرض وبعض ما تقدم مع زيادة إبهام التساوي ، فإنّه غير معلوم في أيّ شي‌ء ، وكذا تقارب الصّفات ، وبالجملة تحقيقه مشكل جدّا ، وهو مبنى أحكام كثيرة.

والذي يقتضيه القواعد أنّه لفظ بنى عليه أحكام بالإجماع ، وكأنّه وبالكتاب (١) أيضا ، مثل ما تقدم ، والسّنة أيضا ، وليس له تفسير في الشّرع ، بل ما ذكر اصطلاح الفقهاء ، ولهذا وقع فيه الخلاف ، فيمكن ان يحال الى العرف ، إذ الظاهر أنّه ليس بعينه مرادا فانّ المثل هو المتشابه والمساواة في الجملة ، وهو موجود بين كل شي‌ء ، كما صرّح في مسألة (لا يستوي) (٢) وقالوا : المراد المساواة بحسب

__________________

(١) نحو قوله تعالى «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى» البقرة ١٩٤. «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها». الشورى ٤٠.

(٢) أي ما لا يتساوى.

٥٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

التعارف لا من كل وجه ، ولا من جميع الوجوه ، فإنّ الأوّل موجود ، والثاني موقوف للاتّحاد ، فكلّ شي‌ء يكون له مثل في العرف ، ويقال له انّ هذا له مثل عرفا ، فيؤخذ ذلك.

فان تعذر المثل ، أي لم يمكن أصلا فالقيمة للتعذّر.

ويؤيّده أنّه على تقدير ثبوت كون المتلف مثليّا مثل الحنطة لا يؤخذ بها كل حنطة ، بل مثل ما تلف عرفا ، وقيمة مثل سن الجمل بمثله من الجمل والأعلى بمثله لا بآخر ، وكذا في غيره ، فيمكن ان أراد ذلك مع المساواة في القيمة ، فإذا كان ثوبا (١) مثل ثوب آخر في اللون والقماش وبقيمته يكون ذلك المثل ، وكذا الفرس العتيق خاص يكون تحته خاص ، وقيمته متعينة يكون مثلها بمثلها ، وهكذا. وعليه يحمل ما في الكتاب والسّنة والإجماع.

وكأنّه الى هذا أشار ما نقل في الشرح : أطبق الأصحاب على ضمان المثلي بالمثل ، الّا ما يظهر من كلام ابن الجنيد ، فإنّه قال : ان تلف المغصوب دفع قيمته أو مثله ، ان رضي صاحبه.

لعلّه يريد القيمي ، فانّ في ضمانه بالمثل خلافا ، وظاهر مذهب الشيخ المحقق نجم الدين في بعض المواضع ضمانه بالمثل ، والمشهور خلافه.

ويمكن ان يكون قول ابن الجنيد إشارة الى انّ تحقيق المثل لا يمكن ، وحينئذ ما يلزمه إلّا القيمة ، ولكن ان رضي الغريمان يجوز أخذ المثل ، والاكتفاء به الله يعلم ثم اعلم أنّه ادعى الشيخ علي في شرح القواعد في وجوب المثل في المثلي وظاهر كلام ابن الجنيد في لزومه (٢) ، فإنّه يقول بجواز ردّ القيمة ، فإنّه خيّره.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب ثوب بالضمّ.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب في عدم لزومه.

٥٢٦

ومع التعذر ، القيمة وقت الدفع.

وفي غيره بالقيمة ، عند التلف ، على رأي ، والأعلى من حين الغصب الى التلف ما على رأي.

______________________________________________________

وقال الشيخ علي في موضع في شرح قوله في بيان المثل أو أعلى القيمة : انّ خلاف ابن الجنيد مضمحل وعلى ما حمل عليه كلامه في شرح الكتاب ما يصير له خلافا فيه ، بل في القيمي فقط ، كالمحقق ، وانّما حمل عليه لانّ الخلاف هنا محقق دونه ، والعبارة صالحة فالحمل عليه أولى.

قوله : ومع التعذر القيمة وقت الدفع إلخ. أي لو تعذر المثل في المثلي.

قال في شرح القواعد : المراد بالتعذّر ان لا يوجد في ذلك البلد وما حواليه ، وكذا في التذكرة : ولم يحدّ ما حواليه.

والظاهر انّ المراجع فيها الى العرف ، إذا الظاهر أنّ مرجع التعذر ، هو العرف ، لما مرّ من أنّ ما ليس له حقيقة شرعية ـ ولم يكن المراد الحقيقة اللغويّة ـ ، فالمراد العرفيّة.

ويمكن تكليف الغاصب به مهما أمكن ، خصوصا ان كان المثل موجودا في بعض البلاد القريب الى ذلك الموضع ، وتكون الأغراض الكثيرة متعلقة بالعين فتأمّل ، وأمّا دليل المثل فنقل الإجماع على ذلك في شرح القواعد ، والآية أيضا (١).

وأمّا القيمة فللتّعدي ، والضرر المنفي ، والتكليف بما لا يطاق غير جائز ، وإسقاط الحق غير معقول ، والتأخير أيضا ضرر ، فتعيّن القيمة في الحال ، جمعا بين الحقّين وخروجا عن الحقوق مهما أمكن.

وأمّا القيمة وقت الدّفع ، فلأنّ قبله الواجب ، المثل ولهذا لو وجد قبل الدفع فهو يتعيّن للدفع فإذا إنّما تستقر القيمة وقت الدّفع ، وقيله أيضا مراعى الى بعد الدفع.

__________________

(١) يعني قوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى» البقرة ١٩٤.

٥٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا القيمة في القيميّ ففيه آراء الأوّل وقت التلف ، لأنّه وقت الضمان ، لأنّه حين التلف كان مكلّفا بردّ العين ، فيتعيّن عليه حينئذ القيمة ، فهو من (ومن ـ خ) هذا الوقت مكلّف بدفع تلك القيمة الى ان يدفع ، فلو نقص بعده لا يوجب سقوط ما وجب ، واستقر في ذمته بالتلف الموجب لذلك ، للاستصحاب ، وكذا ان زاد ، لما مرّ.

ولما تقرر عندهم انّ القيمة السّوقية لا تضمن في الغصب أيضا ، والفرض انّ الزيادة للسوق ، فإنّه لو كان لفوت عوض ونقص وعيب ـ ولو كان للسّمن والهزال الذي يحصل عنده ـ فإنّه مضمون ، فلا نزاع على ما صرح به في الشرح وغيره ، فبعد نقل الاتفاق على عدم الضمان بقيمته السّوقية يبعد الخلاف هنا ، والقول بأعلى القيم من غير زيادة بوجه تقدّم ، بل مجرّد السوق.

ومن هذا علم قوّة هذا الرأي وضعف الثاني ، خصوصا أعلى القيمة من حين الغصب الى حين التلف لأنّ الغاصب مؤاخذ بأشقّ الأحوال ، وهو دليل الرأي الثاني وفيه منع ، إذ لا دليل عليه ، وليس ببديهي ، وهو قرينة المدّعى وأخذ (فأخذ ـ خ) الغاصب بالأشقّ الذي يكون مأذونا فيه ، فإنّه لا يمكن أخذ الزائد ولا قبله لأنّه غاصب ، بل ولا زجره ، والقول المؤذي (١) بعد رجوعه وتوبته.

والثالث قيمة يوم القبض ، فإنّه ضامن حين قبض ، فإذا تعذّر العين تعين تلك القيمة وفيه.

أيضا منع ، لأنّه ان عنى بضمانه ضمان قيمة ان تلف فهو مسلّم ، ولكن لا دلالة له على اعتبار تلك القيمة قبل التلف وقبل وجود الدفع ، بل حين وجود العين أيضا ، وان أريد ضمان قيمته حينئذ مع وجود العين والقدرة على دفعه فهو

__________________

(١) عطف على قوله : زجره والمعنى أنه لا يجوز زجره ولا القول المؤذي بعد رجوعه عن الغصب وتوبته.

٥٢٨

ويضمن الأصل والصنعة ، وان كان ربويّا ، ولو كانت محرّمة لم يضمنها.

______________________________________________________

ممنوع ، ولا يقول به احد والأظهر هو الأوّل فتأمّل.

قوله : ويضمن الأصل والصنعة إلخ. يعني الغاصب بل الضامن مطلقا يضمن أصل العين المتلفة والصنعة التي هي هيئته ، وان كان ذلك الأصل ربويّا ، مثل الخاتم المصنوع لو أتلفه شخص ، فإنّه يضمن عينه على مقدار ما فيه من الذهب والفضّة بهما ، فإنّهما مثليان ، وصنعته أيضا ، أي أجرة مثل تلك الصفة ، ولا يحصل هنا الربا ، لأنّ الصنعة لها قيمة ، فالزيادة في مقابلة تلك الصنعة.

وقال في القواعد بعدم ضمان الصنعة ، وفيه تأمّل ، ويحتمل ان يكون بناء على مذهبه من عدم الربا إلّا في البيع ، كما هو رأيه ، فيلزم على القول بعموم الربا عدم جواز الزيادة مع المثل ، فيكون هنا حيفا على المالك ، فإنّه يفوت عنه ماله قيمة ، وليس له أخذه ، فيمكن الانتقال إلى القيمة ، لأنّ المثل هو مع الزيادة ، وغير ممكن الأخذ شرعا مثل التعذّر والفقدان ، فتأمّل.

وقال : لا يضمن الصنعة ، كأنّه بناء على دخول الربا فيه ، فيكون رجوعا ، ويحتمل غيره.

واستشكل في القواعد ضمان الزيادة ، ينشأ من مساواة الغاصب لغيره ، فكما لا يضمن الغير لا يضمن الغاصب أيضا ومن الفرق ، وأنّه مأخوذ بالأشقّ.

وجه الأوّل واضح على تقدير القول بتحريم اتّخاذها الا الاستعمال (لا لاستعمال ـ خ) ، ثم أخذ المثل ، فتأمّل.

هذا ان كانت تلك الصنعة (محلّلة ـ خ).

وامّا إذا كانت محرّمة كأواني الذهب والفضّة وآلات اللهو وغيرها ، فإنّه لا يضمن الصنعة حينئذ ، وهو ظاهر ، بل لو أتلف العين يضمنها فقط.

وان كسرها لا يضمن شيئا في الكل ، على القول بتحريم الاستعمال فيهما

٥٢٩

وفي أعضاء الدابة الأرش (بالأرش ـ خ) على رأي.

______________________________________________________

مطلقا ، وأمّا مع تخصيص الاستعمال فلا (١).

قوله : وفي أعضاء الدابّة الأرش على رأي. يعني إذا أتلف عضوا من أعضاء الدابّة ، يلزمه الأرش مطلقا ، أيّ عضو كان ، فيقوّم صحيحا مع ذلك العضو وبدونه ، فيؤخذ الحيوان مع أرشه ، لأنه مال له أرش كسائر الأموال ، ولأنّ العضو له قيمة مضمونة يقينا وفرضا ، فلا بدّ له من عوض ، وما ثبت له في الشرع عوض معيّن ، فيكون قيمته ، السّوقية ، وهو الأرش.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انّ كلّ عضو في الحيوان ان كان اثنان ففي كل واحد نصف ديته وما فيه الواحد ففيه كل الدّية ، كما في الآدمي ، محتجّا بالإجماع والرّواية (٢)

وذلك غير ظاهر ، فانّ الخلاف ظاهر ، نجد أكثر المتأخرين على خلافه ، والرواية غير معلومة ، وهما (٣) يوجدان في الأدنى وحمل الحيوان عليه قياس لا يمكن القول به.

نعم ورد في بعض الروايات في التهذيب وفي الكافي ، بربع من القيمة في إحدى عيني الدابة ، وروى في التهذيب ـ صريحا ـ عن عمر بن أذينة ، قال : كتبت الى أبي عبد الله عليه السّلام أسأله عن رواية الحسن البصري يرويها عن علي عليه السّلام في عين ذات الأربع قوائم إذا فقئت ، ربع ثمنها ، فقال عليه السّلام : صدق الحسن ، قد قال علي عليه السّلام ذلك (٤).

وصحيحا عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس ـ الثقة ـ عن أبي جعفر

__________________

(١) يعني لو خصصنا التحريم بالاستعمال فليس كذلك ، يعني هو ضامن.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ١ (ج ١٩ ص ٢١٣).

(٣) أي الإجماع والرواية.

(٤) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ٢ ج ١٩ ص ٢٧١.

٥٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام ، قال : قضى عليّ عليه السّلام ، في عين فرس فقئت ، ربع ثمنها ، يوم فقئت العين (١).

وهذه في الكافي أيضا ، ولكن حسنة ، لإبراهيم بن هاشم (٢) وهي صحيحة في زيادات حدود الفقيه ، لأنّ طريقه اليه صحيح (٣) ، والذي طريقه اليه صحّ ، ثقة ، على ما بيّناه ، ويفهم ذلك من كتاب ابن داود النجاشي.

ولا يتوهم كون محمّد بن قيس مشتركا ، فإنّه الثقة ، على ما بيّناه مرارا ومثلها عدّة اخبار فيها عن مسمع وأبي العباس.

ولا يخفى أنّه لا يمكن جعلها دليلا للشيخ ، لعدم موافقتها لقوله ، وليس بمعلوم القائل بها ، ولو علم لا بأس بالقول بمضمونها ، للصحّة وعدم التعدي.

ونقل في شرح الشرائع عن المصنف في المختلف أنّه حملها على غير الغاصب في إحدى العينين ، بشرط نقص القدر عن الأرش ، وكذا حمل الإجماع عليه وقال : هذا الحمل حسن ، لو صحت الرواية.

وما نعرف موجب هذا الحمل ولا حسنه ، خصوصا الإجماع ، فإنّه كيف يمكن حمل نقل الإجماع على أنّ كلّ اثنين في الحيوان يجب نصف القيمة بكل واحد ، وفي الفرد كلّها على ما ذكره.

ولعل شارح الشرائع لا يقول بصحته لما مرّ بالروايات منه مرارا ، وحققه في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ٣ وفي الكافي يوم فقئت عينها.

(٢) سندها ـ كما في الكافي ـ هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس.

(٣) طريق الصدوق اليه ، كما في مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه عن محمّد بن قيس فقد رويته عن أبي رحمه الله ، عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الرحمن ، بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس.

٥٣١

وبهيمة القاضي كغيرها.

ولو تلف العبد أو الأمة ، ضمن قيمتها ، وان تجاوزت الدية ، على رأي.

ولو قتله أجنبي ضمن دية الحرّ ، مع التجاوز ، والزائد على الغاصب.

______________________________________________________

الدراية ، من اشتراك محمّد بن قيس ، وقد عرفت ما فيه ، على أنّه لم يجي‌ء ذلك في صحيحة عمر بن أذينة.

فقوله : (لو صحت) ، محل التأمّل ، كأنّه ما نظر إلّا في الكافي كالشارح ، فإنّه قال : روى الكليني بإسناده إلى عاصم بن حميد إلخ ، وقال الشارح : ما أجد سوى ما رواه ابن يعقوب عن عاصم بن حميد إلخ ، ولم يذكر التهذيب ، ولا رواية عمر بن أذينة ، بل ذكرا رواية محمّد بن قيس الى العباس ، وزاد في الشرح رواية مسمع (١) ، فتأمّل ، فكأنّهما ما نظرا سوى الكليني.

وأعلم أنّ ظاهر المختلف أنّه حمل الرواية التي ادّعاها ، على النصف ، لا هذه الرواية ، كما يظهر من شرح الشرائع ، وأنّ الحمل غير ظاهر الحسن ، ويمكن كون حملها وحمل ما دلّ على الرّبع على كون الأرش ذلك ، كما حمل ما دلّ على تعيين القيمة ، عليه.

قوله : وبهيمة القاضي كغيرها وهو ظاهر. كأنه أشار الى ردّ بعض العامّة الذي قال بالفرق.

قوله : ولو تلف العبد والأمة ضمن إلخ. يعني لو تلف العبد المغصوب وكذا الأمة تحت يد الغاصب ضمن الغاصب قيمتها ، وان تجاوز دية الحرّ ، على رأي

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٤٧ من أبواب دية الأعضاء.

٥٣٢

ولو مثل به لم يعتق (ينعتق ـ خ) ، على رأي.

______________________________________________________

المصنف ، لأنّ المملوك مال مغصوب مضمون متلف فيجب قيمته بالغا ما بلغت كسائر الأموال ، خرج غير المغصوب بالاتفاق ، بقي هو تحت العموم.

ونقل عن المبسوط والخلاف قولا بالمساواة ، للأصل ، ولغلبة الإنسانية فيه ، فيكون في حكم الإنسان ، فلا يتجاوز دية الحرّ.

وفيه منع ، لانّ الدليل أبطل الأصل ، وكونه إنسانا لا يقتضي التوقف عند دية الحرّ ، والّا كان يجب الدية دائما.

وبالجملة الدليل يقتضي اعتبار القيمة في جميع المقوّمات أي شي‌ء كان خرج ما خرج ، وبقي الباقي.

وكأنّه لبعد هذا القول نقل عن المصنف في الشرح ، أنّه أراد الشيخ التسوية على (١) ضمان الأجنبي إذا جنى على المغصوب لا أنّه (٢) جنى عليه الغاصب أو تلف عنده ، فإنّه لو جنى عليه أجنبيّ يجب على الجان القيمة ما لم يتجاوز دية الحرّ ، ومع التجاوز يضمن الزيادة الغاصب ، لا الجاني ، فتأمّل.

قوله : ولو مثل به لم ينعتق إلخ. يعني لو مثل الغاصب أو غيره بالعبد المغصوب لم ينعتق بسبب المثلة ، لأنّ الأصل بقاء الملك على ملك صاحبه حتى يعلم الخروج بالعتق بالدليل ، ولا دليل هنا ، لأنّ الاتفاق وقع في مثلة المالك ، وغيره قياس مع الفارق ، إذ قد يكون السبب عقوبة المالك لأجبر كسر العبد مطلقا ، أو لهما.

ولرواية أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام ، فيمن نكلّ بمملوكه ، أنّه حرّ ، لا سبيل له عليه سائبة يذهب فيتولى من

__________________

(١) هكذا في النسخ ، ولعلّ الصواب في ضمان الأجنبي.

(٢) في النسختين المخطوطتين لأنّه جنى إلخ ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

٥٣٣

ومقدر الحرّ مقدّر فيه ، والّا الحكومة.

______________________________________________________

(إلى ـ خ) أحب ، فإذا ضمن حدثه فهو يرثه (١).

وفيها عبد الحميد المشترك وأبي بصير (٢) ، ولا يبعد كونهما ثقة.

وكأنّ الشيخ استدل على قوله بالعتق بالمثلة مطلقا ، بالقياس المتقدّم.

وبرواية جعفر بن محبوب ـ في التهذيب والكافي ـ ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : كل عبد مثل به فهو حرّ (٣).

ويمكن انّ جزاء الأولى (٤) أيضا ، قوله : نكّل ، بضم الأوّل مبنيا للمفعول ، وقد عرفت بطلان القياس ، ويعلم عدم صحة سند هذه لجهل جعفر بن محبوب ، والإرسال ، وانّ الظاهر في الأوّل البناء للفاعل ، وأنّه يمكن هنا أيضا جزاء مثل بناء للفاعل ، ويكون الضمير للمولى المذكور يعني لذلك العبد ، فيكون التقدير ، كل عبد مثله مولاه فهو حرّ ، فيوافق الاتفاق (٥) والاولى.

وبالجملة لا يمكن الحكم بعتق مال الناس وخروجه عن ملكه المحقّق باليقين بمثل هذا الدليل والشيخ أعرف.

قوله : ومقدر الحرّ مقدّر فيه إلخ. أي كلّ عضو من العبد إذا تلف عند الغاصب ، ان كان له مقدّر في الحرّ فاللازم ذلك المقدّر ، فلو كان احدى عينيه أو أحد عضو يكون فيه اثنان فأرشه نصف قيمته ، وان كان واحدا مثل الذكر فأرشه كلّ قيمته ، وهو المراد بالحكومة ، بعني بثمن صحيحا (صحيح ـ خ) ثم يقوّم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من كتاب العتق الرواية ٢.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن عبد الحميد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من كتاب العتق الرواية ١.

(٤) الأنسب أن يقول : شرط جزاء الاولى قوله إلخ.

(٥) الواو في قوله (والاولى) بمعنى مع.

٥٣٤

ولو استغرقت (استوعبت ـ خ) القيمة ، قال الشيخ : دفع ، وأخذها ، أو أمسك مجانا ، وفيه نظر.

______________________________________________________

(معدوم ـ خ) العضو ، فيؤخذ التفاوت بين الثمنين.

وجهه أنّه عضو له قيمة من مال له قيمة ، فتلف بالضمان ، فيكون مضموما ، وليس بمثلي ، ولا قيمة له على حدة ، فيكون الأرش ، وفي الأوّل لما كان له مقدّر.

وكأنّه لا خلاف فيه عندهم هنا ، ولا في انّ العبد فرع للحرّ ، فيما له مقدّر وبالعكس فيما لا مقدّر له ، كما صرّح في كتاب الدّيات.

قوله : ولو استوعبت القيمة إلخ. يعني إذا تلف من العبد المغصوب عنده ما يستغرق قيمته بالكليّة ، مثل ان قطع ذكره ، فمذهب الشيخ (١) أنّه لا يمسكه الّا ان يكون رضى (برضى ـ خ) المالك ، بان يكون العبد للضامن ويأخذ قيمته أو يأخذه ولا يأخذ شيئا ، إذ لا يلزم على المتلف أكثر قيمة المضمون (٢) ، ولا يجمع بين العوض والمعوض ، ولأنّه إذا جنى عليه أحد غير مغصوب بما فيه أيضا يدفع ويؤخذ القيمة أو يأخذ مجانا ، والموجب هو عذر جمع العين للمالك موجود صار ما يوجب (بموجب ـ خ) ذلك (٣).

وقال المصنف : وفيه نظر ، وجهه عدم ظهور المنافاة ، فإنّ العبد ، مضمون ،

__________________

(١) قال في الشرائع : اما لو استغرقت قيمته قال الشيخ كان المالك مخيّرا بين تسليمه وأخذ القيمة وبين إمساكه ولا شي‌ء له تسوية بين الغاصب في الجناية وغيره.

وفي المسالك هذا قول الشيخ في المبسوط ، ووجهه ان المقتضي لدفعه إلى الجاني إذا أخذت منه قيمته المتحرّر من الجمع للمالك بين العوض والمعوض ، وهذا المعنى موجد في الغاصب فيستويان في هذا الحكم ، لاشتراكهما في المقتضى ـ الى ان قال ـ ومن انّ المدفوع عوض عن الفائت فلا جمع وحمل الغاصب على الجاني قياس ، ج ٢ ص ٢٦١.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب ، أكثر من قيمة المضمون.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، وهذه العبارة مجملة جدّا ولعل توضيحه يفهم من عبارة المالك.

٥٣٥

ولو زادت قيمته بالخصى ، أو قطع الإصبع الزائد ، ضمن المقطوع.

______________________________________________________

وكذلك كل عضو عضو منه ، فكلّما فات منه يلزم قيمته ، وقد يلزم قيما كثيرة ، كما قطع أحد تحت يد المالك احدى يديه ، وآخر في وقت آخر ذكره ، وغير ذلك ، فإنّه يأخذ المالك كلّها.

وبالجملة المال مضمون مع ما يرد عليه ، ولا دليل على عدم الاجتماع ، وما اجتمع العوض والمعوض ، لانّ العوض هو قيمة العضو والمعوض ذلك العضو ، لا العبد ، ولا استبعاد بأنّه لو قتله ما كان عليه الا قيمة واحدة ، مع تلفه عن المال لو عدم وصوله اليه ، فكيف يأخذ مع بقائه قيمته بالتمام أو أكثر مع نفسه ، فالظاهر لزوم العوض مع دفن العين ، كما هو مقتضى الدليل ، لانّ العين مال المالك وخروجه لا دليل عليه ، وقيمته لازمة على الضامن لضمانه ، وكونه مثل القيمة ، وبقاء العبد ليس بمسقط لا عقلا ولا نقلا ، ووجود النقل (١) في الجاني لا يقتضي كون الغاصب كذلك ، فانّ له أحكاما ، فيحتمل اختصاص هذا الحكم بما إذا أتلف (تلف ـ خ) عند الغاصب بجنايته أو بآفة لا بجناية جان ، فيكون حينئذ حكمه حكم سائر الجنايات.

فيحتمل أن يأخذ الجاني من الغاصب قيمة العين المتلف عضوه ، ويدفع قيمة العبد الى المالك ، ويدفع الى المالك للغصب ، ويحتمل دفعه الى الجاني كما في سائر الجنايات.

ويمكن ان يكون حكم الجناية في غير المغصوب مطلقا ، سواء كان المتلف بجناية جان أم لا ، فتأمّل.

قوله : ولو زادت قيمته بالخصاء (الخصى ـ خ) إلخ. يعني لو زادت

__________________

(١) إشارة إلى رواية أبي مريم.

٥٣٦

ولا يملك الغصب بتغيير الصفة ، ولا بصيرورة الحبّ زرعا ، والبيض فرخا.

______________________________________________________

قيمة العبد المغصوب بنقص العضو مثل الخصي ، أو (وـ خ) قطع الإصبع الزائد ، ضمن المقطوع بما تقرّر في الشرع ، لأنّه قال مضمون ، فيلزم عوض ما قطع منه ، ان كان ممّا له قيمة ، فيدفع معه الى المالك مهما كان.

ونقل عن (في ـ خ) التذكرة أنّه كان فيه تمام القيمة يعتق العبد ويدفعها الى المالك لا غير.

قوله : ولا يملك الغاصب بتغير (يتغير ـ خ) الصفة إلخ. قال في التذكرة : لا يملك الغاصب العين المضمونة بتغيّر صفتها ، فلو غصب حنطة فطحنها ، أو شاة فذبحها ، أو حديدا فصنعه سكّينا أو آنية أو آلة أو ثوبا فقطعه أو قصّره ، أو طينا فضربه لبنا ، فانّ حق المالك لا ينقطع عن هذه الأعيان ، ولا يملك الغاصب العين بشي‌ء من هذه التصرفات ، بل يردّها مع أرش النقص ان نقصت القيمة عند علمائنا وبه قال الشافعي إلخ.

وسنده أنّ الأصل عدم خروج الملك عن ملك صاحبه ، وبقائه عليه حتى يعلم خلافه ، والغصب والتصرف لم يثبت كونهما موجبا لذلك ، بل موجب للضمان ، ويبعد من الشرع الشريف القويّ تجويز إخراج مال المالك منه بهما ، فإنّه ضرر وقبيح عقلا ونقلا.

وهذا الدليل جار في نماء الملك كلّه حتى الزرع والفرخ ، فيكون ما يحصل من مزارعة الحبّ المغصوب للمالك ، وكذا الفرخ يكون لمالك البيضة ، فإنّها ملكه ومادّة ملكه زاد كالسّمن ، إذ لا شك في بقاء ما كان هو كان ملكا له فيهما ، إذ ما عدم حبّ الحنطة مثلا والبيضة بالمرّة ، ووجود الزراعة والفرخ من كتم العدم زمانين ، بل كانت المادّة بل الصور الجسميّة أيضا باقية فتغيرت الصورة النوعية كما تغيرت الصفات ، فلا يمكن الحكم بصيرورته للغاصب بالتغيير فيكون للمالك ، كما يقولون

٥٣٧

ولو تعذر العين فدفع القيمة ، ملكها المالك ، ولم يملك الغاصب الغصب ، وعليه الأجرة إلى وقت أخذ البدل.

______________________________________________________

انّ ولد الأمة إذا زنت أنّه لمالك الأمّ ، وأنّه إذا حصل للدابّة ولد فهو لمالك الدابة ، وان حصل بسبب شي‌ء (شهيّ ـ خ) اختلاف منّي دابّة الغير ، وسواء كان عند الغاصب وغيره.

ويؤيّده رواية عقبة بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل أتى أرض رجل فزرعها (فيرزعها ـ يب) بغير اذنه حتى إذا بلغ الزرع ، جاء صاحب الأرض ، فقال : زرعت بغير اذني فزرعك لي وعلي ما أنفقت ، إله ذلك أم لا؟ فقال : للزارع زرعه ولصاحب الأرض كرى أرضه (١) ولا يضرّ جهل محمّد بن عبد الله بن الهلال (٢) ، وعدم التصريح بتوثيق عقبة ، والدلالة غير مخفيّة ، إذ (وـ خ) المراد على الظاهر ، أنّ الزرع لصاحب الحبّ ، فان الزرع ما يوجب الملك ، وانّ الزرع ليس له ان لم يكن البذر له ، فإنّه عامل له أجرة ، فتأمّل.

فقول الشيخ بأنّها للمالك ـ كقول بعض العامّة ـ ليس بواضح ، ولهذا ما صرّح بخلافه أيضا بل أشار بقوله : ولا بصيرورة الحبّ إلخ ، فتأمّل.

قوله : ولو تعذّر العين إلخ. أي لو تعذّر دفع العين بسبب ضياع ونحوه ، فدفع الغاصب القيمة إلى مالك المغصوب ملكها ، ولكنّ الظاهر أنّه ملك متزلزل ، فإنّه متى تمكن من الدفع يجب دفعه اليه ، فيوصل حقّه إليه إذا دفع فترجع ، فالدّفع كأنّه للحيلولة ، ولم يملك الغاصب المغصوب ، وعليه اجرة المغصوب لمالكه من وقت الغصب الذي له منفعة ، واجرة إلى حين أخذ البدل ، أي القيمة.

دليل ملكية القيمة أنّه عوض ماله الواجب عوضه ، ودفع على أنّه عوض ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب الغصب الرواية ١ ، ج ١٧ ص ٣١٠.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن الهلال ، عن عقبة بن خالد ج ٧ ص ٢٣٦ ، الطبعة الجديدة.

٥٣٨

فإن تمكّن بعد ذلك من العين وجب دفعها ، ويستعيد ما غرم (غرمه ـ خ).

ويضمن التالف من الخفّين بقيمته مجتمعا ، ويردّ الباقي وأرش نقص الانفراد.

ولو أخذ أحد الخفّين ضمنه مجتمعا ، ولو أطعمه المالك أو أباحه في ذبح الشاة جاهلا ، لم يزل الضمان.

______________________________________________________

فيملك كسائر الأعواض.

ودليل كونه متزلزلا أنّه قد يرجع الى مالكه الغاصب ، ولا يكون هذا ملكا مستقرّا لازما.

ودليل وجوب ردّ (دفع ـ خ) العين المغصوبة ممّن تمكّن منه أنّه عين مضمون يجب دفعه كلّما أمكن ، ودفع العوض عند التعذّر ، لا ينافي ذلك ، فإنّه متزلزل وعوض الحيلولة ، ويمكن عدم ملك المالك له ، وكونه للحيلولة فقط ، فينتفع به الى ان يحصل العين ، ويكون النّماء حينئذ للغاصب ، ولا يحصل كثير نفع للمالك ، ولكن ينبغي حينئذ كون الأجرة من حين الغصب الى حين وصول المخصوب الى المالك ، فتأمّل.

وأمّا دليل عدم ملكية الغاصب للعين المغصوبة ، لأصالة بقاء المال على ملك مالكه ، وعدم دخوله في ملك غيره خصوصا الغاصب.

وإذا تمكن من دفع العين ودفعه ، يجب على المالك دفع ما أخذه من القمة للحيلولة لانماء القيمة ، ولا الأجرة التي أخذها ، وهو المراد بقوله : (ما غرم).

قوله : ويضمن التّالف من الخفّين إلخ. يعني إذا غصب شخص خفين معا ، وتلف أحدهما يجب عليه قيمة التّالف ، وهو قيمته إذا قوّمتا معا وحصّة من قيمة المجموع وردّ الفرد الآخر مع أرش نقصه ، وهو التفاوت ما بين قيمته منفردا

٥٣٩

ولو اطعمه غير المالك تخيّر ، فان رجع على الآكل ، رجع الآكل على الغاصب ، مع الجهل ، والّا فلا ، وان رجع على الغاصب رجع على الآكل العالم.

ولو انزى فحلا مغصوبا ، فالولد لصاحب الأنثى.

______________________________________________________

وقيمته من مجموع القيمة لهما معا وجهه ظاهر.

وأمّا لو غصب واحد ، فهو يضمن قيمته من قيمتهما معا ، هكذا ظاهر المتن.

ويحتمل هنا أيضا أرش نقص قيمة الآخر ، فإنّه سبب بل مباشر لذلك النقص ، بحيث لزم من غصبه الآخر ، كما في تلف ولد الشاة ونحوه فتأمّل.

قوله : ولو أطعمه غير المالك إلخ. يعني لو أطعم الغاصب بما غصبه المالك ، جاهلا بأنّه له و (أو ـ خ) أباحه في ذبح شاته المغصوبة ، لم يزل الضمان عن الغاصب ، ولم يخرج ، بل هو ضامن يجب عليه ما كان يجب (عليه ـ خ) قبل الإطعام والإباحة.

دليله أنّه كان ضامنا ، والأصل بقائه حتى يعلم خروجه عنه ، وهو غير معلوم بما فعل ، إذ قد يقول : انّي لو علمت أنّه مالي ما كنت آكله بل أبقيه وآخذ ثمنه وأصرفه على عيالي إذا اتّخذته ، مثلا ، خصوصا إذا كان طعاما ذا قيمة كثيرة ، وكذا في ذبح الشاة ، ولهذا لو اباحه لغير المالك الجاهل ، قلنا لا يضمن الجاهل ، وعلى تقدير ضمانه يرجع على الغاصب الغارّ.

وبالجملة السبب الذي هو الغار مقدّم فهو ضامن ، لما قلنا من عدم ضمان الجاهل.

ووجه وقوعه على الآكل العالم ظاهر ، ثم رجوع الغاصب إليه فإنّ المال أتلفه عالما ، فهو المباشر والغاصب سبب ، وقد ثبت تقديمه بالإجماع المنقول سابقا وبالعقل.

قوله : ولو أنزى فحلا إلخ. أي لو أنزى الغاصب الفحل المغصوب فالولد

٥٤٠