مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

ولو اتّفق المباشر والسبب فالضمان على المباشر ، الّا مع الإكراه ، فالضّمان على القاهر.

______________________________________________________

أثّر في عدم وصول حقّ اليه ، وصار سببا له ، ولكن ما ثبت ـ أنّ كل من يمنع أحدا من وصول حقّ اليه ، وإن لم يتلف بفعله شي‌ء ـ أنّه ضامن ، وفيه تأمّل ، فتأمّل.

قوله : ولو اتّفق المباشر إلخ. معلوم عقلا بل نقلا أيضا أنّه إذا وجد شي‌ء له سببان قريب وبعيد ، أنه يسند الى القريب ، والبعيد هو سبب السبب ، وله مدخليّة ما في ذلك الشي‌ء ، فيكون الضّمان الموجب مسندا الى المباشر ، وهو ظاهر.

كأنه مجمع عليه ، الّا ان يعلم كون المباشر ضعيفا والسبب قويّا ، مثل أن يكون المباشر مكرها ، وحينئذ كأنّ المباشر ليس بمباشر ، إذ لا قدرة له عدم المباشرة ، فصار السبب فقط ، بل هو السبب ، والمباشر هو المكره.

هذا فيما إذا كان الإكراه بحيث يسلب الاختيار ، أو يكون وعدا على قتل النفس أو البضع ، ممّن يعلم فعله لو لم يفعل ما يريد المكره ظاهرا.

ويمكن في المال الكثير وهتك العرض كذلك.

وذكروا الضابطة في الإكراه على الطلاق بأنّه المتوعد على ما أضرّه (المضرة ـ خ) بالمكره ومن يقوم مقامه كالأب والولد وان كان شتما للمرتفع عنه من القادر عليه ، مع ظنّ فعله ، لا الضرر القليل كأخذ مال يسير.

قال في شرح الشرائع : ولو قيل هنا باشتراط زيادة خوف والأوّل أشهر ما فعل في الطلاق (١).

__________________

(١) عبارة المسالك هكذا : ويتحقق الإكراه الرّافع للضّمان بما يتحقق به الإكراه المفسد للعقل ، وقد تقدّم تحقيقه في الطلاق.

وربما قيل هنا باشتراط زيادة خوف ضرر لا يمكنه تحمّله ، والأشهر الأوّل (راجع المسالك كتاب الغصب).

٥٠١

ولو أرسل في ملكه ماء ، أو أجّج نارا ، فأغرق مال غيره ، أو أحرق ، لم يضمن ، الّا مع التجاوز عن قدر الحاجة اختيارا ، مع علمه ، أو ظنّه بالتعدي.

والغصب هو الاستقلال بإثبات اليد من دون اذن المالك في العقار وغيره.

______________________________________________________

قوله : ولو أرسل في ملكه ماء إلخ. أي من أرسل ماء في ملكه أو أججّ نارا فيه ، ثمّ تعدّيا الى مال الغير في غير ملكه (١) الى الحرق لم يضمن ، الّا ان يتجاوز المرسل والمؤجّج عن قدر حاجته فيهما ، مع قدرته على سدّ الماء عن مال الغير ، وكذا على إطفاء النّار كذلك ، فترك ذلك عالما به ، حتى خرج مال الغير ، وكذا لو ظنّ ظنّا غالبا ، يضمن حينئذ لا غير. دليل الضّمان ـ مع جميع القيود المذكورة ، أي التجاوز عن قدر الحاجة مع العلم أو الظنّ بالتعدي والقدرة على العدم والمنع ـ هو العقل والاتفاق والسّببية ، مع عدم العذر ، وهو الظاهر ، وكذا عدم الضّمان مع انتفاء الجميع ، وامّا إذا انتفى ففي بعض أفراده تأمّل ، مثل ان يكون قادرا وعالما ، ولكن ما تجاوز عن قدر الحاجة ، فتأمّل.

قوله : والغصب هو الاستقلال إلخ. هذا هو ثالث أسباب الضّمان المبحوث عنه ، وهو غير جيّد.

وينبغي ان يجعل الثالث وضع اليد ، فان الغصب أخصّ ، كما فعله في القواعد وغيره.

قال : الثالث ، إثبات اليد ، وهو ان كان بغير حقّ فهو غصب إلخ.

المراد بالاستقلال ـ بإثبات اليد قهرا على المالك ومن غير اذنه ، وهو ظاهر ، ويشعر به (من دون المالك) وأشار بقوله : (في العقار وغيره) ـ انّ الغصب يتحقق في

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ والصواب ، (الى الغرق والحرق) ، كما لا يخفى.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العقار أيضا بإثبات اليد ، ردّا لبعض العامّة ، فإنّه يقول : لا يمكن غصبا ، بل انّما يضمن بالانهدام ، فإذا دخل وانهدم يضمن المهدوم.

وهو ضعيف إذ لا مانع منه الّا عدم النقل ، وهو ليس بمانع ، إذ الغصب يتحقق بالقبض ، وليس هو منحصرا في النقل ، والّا لم يجز بيع العقار وهبته ونحوهما الذي يحتاج الى القبض.

وأمّا الاستقلال بحيث لا يكون للمالك يد عليه أصلا ، فيمكن ان يكون ظاهرا فيما لا يخرج عن يد المالك مثل الثّياب والدّواب وأمّا في العقارات خصوصا الكبير مثل دار كبيرة وارض واسعة ، فيمكن عدم اشتراط الاستقلال.

بل كلّما تحقق إثبات يده عليه ظلما يكون غاصبا ، لما مرّ من تعريف الغصب ، ويشعر به قوله : بالضمان إذا كان مع المالك النصف ، فكأنّه يريد بالاستقلال عدم قدرة المالك وتصرفه فيما هو بيده وتصرّفه ، بمعنى أنّه لم يمكّنه من ذلك ، وان كان جالسا معه ، فإنّه حينئذ يكون وجوده وعدمه سواء ، بل مثل صيعته أو أسبابه أو آلته ، أو من جلس بأمر منه ، بخلاف ان يمكّنه من النصف ، ولا يزاحمه ، ولا يسلّط عليه ، ممتازا أو لا ، إذ لا دليل (١) بل نقول : في كلّ ما يتحقق غصبيّته يكون ضامنا له ، فلو تصرّف في دار كبيرة أو مفازة واسعة لا يضمن كلتيهما ، الّا ان يثبت (اثبت ـ خ) اليد بحيث ، يلزم غصبيّة الكلّ ، فإذا دخل بيتا في دار مستوليا عليه فقط دون غيره لا يضمن الّا ذلك ، إلّا إذا قصد جزءا من بيت وتصرف فيه فقط ، مستوليا على ذلك الحدّ والمتصرف منه لا غيره.

ويعلم من كلامه أنّه (إذا ـ خ) أخذ الاستيلاء ـ وقوّة الدفع مع الاستقلال ، حيث شرط مع حضور المالك ـ فهو أكثر في القوة على المنع فتأمّل.

__________________

(١) الظاهر ان المراد ، أنّه لا دليل على صدق الغصب في التمام ، مع تمكينه المالك من النصف.

٥٠٣

فلو سكن الضعيف عن المقاومة مع غيبة المالك ، أو أسكن (سكن ـ خ) غيره فغاصب ، ولو كان المالك حاضرا ، فلا.

ولو سكن مع المالك قهرا ضمن النصف.

______________________________________________________

قوله : ولو سكن مع الضعيف إلخ. أي لو سكن الضعيف عن مقاومة المالك في دار بغير اذنه ، لا شك أنّه ضامن وغاصب لما مرّ في تعريف الغصب.

لكن بعد (ما ـ خ) أخذه الاستيلاء والقوّة فيه ، فليس بواضح كونه غاصبا إلّا ان يقال ذلك مع حضور المالك أو الدّخول مع عدم المالك بغير اذن ، فهو بالقدرة والقوّة ، وكذا لو اسكن غيره.

وهذا واضح ، لو كان الغير مكرها ، امّا لو كان مطاوعا (مطاعا ـ خ) فلا ، بل يكون هو الغاصب والضامن ، دون الآمر والمكره (والمسكن ـ خ) لما تقدم أنّ المباشر مقدّم على السّبب.

ولو كان المالك حاضرا به وعالما سكونه (١) وإسكانه وضعفه ، فلا يكون غاصبا ، لاعتبار القوة والاستيلاء في التعريف والقهر والغلبة في الواقع.

ويمكن ان يكون غاصبا أيضا ، لما مرّ من تعريف الغصب الصحيح ، خصوصا إذا كان مع قصد الاستيلاء والاستعلاء ، فإنّه يكفي ذلك ، ولا يحتاج الى وجود ما في نفس الأمر ، كما يشعر به لفظة الاستيلاء ولا ينبغي ان يشك في كونه ضامنا ، على أنّه تصرّف في مال الغير بغير اذنه وحضور المالك ، وعدم منعه ، وترك دفع ذلك ـ مع القدرة ـ لا يدفع ذلك ، الّا ان يكون ذلك دالّا على الرضا ، فيكون الدّخول بالرّضا.

قوله : ولو سكن مع المالك إلخ. أي لو سكن ساكن لا الضعيف ـ كما هو ظاهر المتن مع المالك قهرا عليه ، بحيث شاركه في كل موضع من البيوت ، بحيث

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب بسكونه.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ما يزاحمه ويزعجه الّا عن النصف ـ فهو غاصب للنصف فقط ، لأنّه إنّما يستقلّ (ملكا ـ خ) ويستولي عليه.

ويمكن ان يكون الحكم كذلك إذا شاركه في البيوت من غير تعيين نصف ، بل يقول ، أنا وأنت تكون فيها مع إثبات يده على الكلّ وعدم منعه من شي‌ء ، مثل الشريكين بالنصف أحدهما يأذن للآخر.

وإذا فرض اختصاصه ببعض ومنع المالك عنه خاصّة ، لا يكون ضامنا وغاصبا الّا له ، أو شريكا مع المالك بالنصف في ذلك المتصرف فيه ، وإذا تعرض استيلاء على أكثر يكون ذلك المغصوب.

وبالجملة ينظر الى تصرّفه وقهره ، والظاهر أنّه لا تفاوت حينئذ بين كون المالك قادرا على منعه عن ذلك وإخراجه أم لا بان يكون أقوى منه ، لما مرّ من صدق التعريف الذي قلناه.

وأمّا قيد القوّة والاستيلاء ، كما يفهم (فهم ـ خ) من قبل ، ودلّ عليه (ولو سكن الضعيف) يدلّ عليه حينئذ ، لا يكون غاصبا بل ولا ضامنا ، فتأمّل.

ولو اخرج المالك يكون غاصبا للكل ، ولو كان غالبا على المالك بحيث صار المالك مضمحلا ، وكأنّه لا شي‌ء بل مثل ثوب مرمىّ هناك ، فلا يبعد كونه غاصبا للكلّ أيضا ، إذ ليس بيده حقيقة حينئذ.

ويحتمل عدم الضمان الّا ما تصرّف فيه (١) من النصف وغيره فقط ، للأصل (والأصل ـ خ) والاختيار الأوّل (٢) كما هو قول شارح القواعد.

واستشكل في التذكرة الغصب مع إزعاج (٣) المالك وإخراجه ، من

__________________

(١) في النسختين المخطوطتين : وتحريم الّا ما تصرّف إلخ ، والصواب ما أثبتناه.

(٢) في النسخة المخطوطة : واختيار الأوّل قول شارح القواعد.

(٣) الإزعاج ، الإخراج والطرد.

٥٠٥

ولو مدّ بمقود الدابة ضمن ، الّا ان يكون المالك راكبا ، الّا مع الإلجاء.

______________________________________________________

(مع ـ خ) أنّه تخلية فهو قبض في البيع وغيره من تسليم المباح. وكأن الفرض أخذ المفتاح أيضا ، والأصل العدم ، وعدم تسميته غاصبا عرفا ومتصرّفا ، وان قيل ذلك قبض في غير هذه الصورة لدليل ، وحكم أيضا ان مجرّد الدخول بغير استيلاء لا يوجب الضمان سواء كان بإذنه أو بغير اذنه وسواء كان صاحبه أم لا ، ونقل عن بعض الشافعيّة ، ان دخله بغير إذن صاحبه ، ولم يكن فيه صاحبه ضمنه ، لأنّه إثبات في الغصب إثبات اليد العارية الظالمة ، ولهذا لو ضارعه (١) احد يحكم له باليد ، قال : ويشكل بأنّه غير مستولى (غير مستوفى ـ خ) فتأمّل فاشتراط ذلك غير واضح في الضمان بل في الغصب ، فان العرف والتعريف الذي ذكرناه ، والذي قاله بعض الشافعيّة يشمله.

قوله : ولو مدّ بمقود (مقود ـ خ) الدابّة ضمن إلخ. اعلم أنّ تحقيق اليد والقبض والتصرف الذي هو موجب للضّمان لا يخلو عن إشكال ، فإن قيل هو ما تقرّر عندهم في قبض المبيع ، فهو أيضا مشكل ، مع أنّ الظاهر انّ المكيل والموزون يضمن بالنقل من غير كيل ولا وزن.

وأنّ الغصب الموجب للضّمان يتبادر منه القبض والتصرف العرفيّ بحيث يكون بالفعل متصرّفا ، فلو أزعج مالكا حتى اخرج متاعه وخلّى (حلّ ـ خ) عقاره أو قال في الأرض ، اجلس (جلس ـ خ) يتصرف (فتصرف ـ خ) به (فيه ـ خ) اكراها ، لم يسمّ غاصبا ، مع انّ مثله قبض.

وقد مرّ الإشكال في كونه غصبا في التذكرة وشرح القواعد أيضا.

الظاهر العدم للعرف ولعدم صدق التعريف عرفا ، والأصل عدم الضمان ، وعدم تحقق الغصب واحكامه حتى يعلم ، فهو محال الى العرف ، ويجي‌ء فيه اشكال

__________________

(١) ضارعه أي شابهه والأصل في المضارعة المشابهة.

٥٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

جميع ما يحال عليه.

ولا شك أنّه يتحقق في المنقول ، بالنقل مطلقا ، وخرج المكيل والموزون في البيع ونحوه للنّص ان سلّم ، وقد مرّ في غير المنقول بالازعاج والتصرف والدخول مع الاستيلاء وقصد السكون والأخذ.

ويمكن أيضا التصرف والانتفاع في كل شي‌ء بما هو مصنوع لذلك ، مثل الجلوس على الفراش ، واللبس في الملبوس والرّكوب في الدابّة.

ويمكن أنّ أخذ المداد من الدواة والماء من الحبوب ، والنسخ من الكتب كذلك ، فتأمّل ، لا مجرّد وضع اليد على هذه الأشياء ، ولهذا مرّ التردّد بحصول اللقطة بحصول اليد أو الرّجل عليه ، فلو وضع يده على منقول من غير نقل ، وكذا غير المنقول لا يكون ضمانا وغصبا ، لعدم العرف والأصل وعدم صدق التعريف عرفا ، فإنه ليس بأخذ مال الغير ، ولا يقال التصرف أيضا عرفا ، فتأمّل.

قال في شرح القواعد : واعلم انّ إثبات اليد في المنقولات انما يتحقق بالنقل ، إلّا في الدابّة ، فإن ركوبها كاف في إثبات اليد عليها ، والفراش ، فانّ الجلوس عليه كان في ذلك أيضا.

قال في التذكرة : وهل يتحقق (أي الغصب) في المنقولات بإثبات اليد من غير نقل؟ الأقرب عندي ذلك ، فلو ركب دابّة الغير ، وهي واقفة ، ولم ينقل (تنقل ـ خ) عن مكانها أو جلس على فراشه ولم ينقله ، فالوجه تحقق الغصب فيه ، لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء.

وكلامه لا يقتضي الحصر في الدابة والفراش ، ولا يبعد الاستيلاء في كل شي‌ء بحبسه عرفا (وانّما هو ـ خ) كالدخول الى خيمته أو خبائه ونحو ذلك (١).

__________________

(١) انتهى كلام شارح القواعد ، راجع جامع المقاصد عند شرح قول الماتن ، ويتحقق إثبات اليد في المنقول إلخ.

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكلامهما (١) لا يخلو عن شي‌ء امّا الشارح فلحصره أوّلا حيث قال : (إنّما إلخ) ثم الحكم بتحققه حينئذ عرفا (٢) حصر (٣) بقوله : (وكلامه لا يقتضي إلخ) نعم وكلامك يقتضيه ، وكلامه لا يقتضي إلخ فالعبارة غير جيدة (٤).

وأيضا تحقق غصب الخيمة بالدخول فيها غير ظاهر ، إذ هو ما باشره ، فلا يصدق أخذ مال الغير ولا إثبات اليد.

وأيضا لو صحّ ذلك لزم ان لا تصحّ صلاته فيه ، فانّ الكون فيه غصب وحرام فتكون الصلاة في المكان المغصوب ، بل يلزم عدم صحتها وان كان الأرض مباحا (٥) بل ملكه أيضا.

وكذا يلزم ان يكون غصبا للحائط ممن يدخل الدار مع كون الأرض المحاط به مباحا ، ويلزم عدم صحة الصلاة فيه أيضا ، وذلك غير معلوم ، الّا ان يقيّد بغصبيّة الأرض ولكن سوق الكلام يفيد الأعمّ ، فتأمّل.

وأمّا كلام التذكرة فلأنّها تدلّ على تحققه بإثبات اليد مطلقا أو مجملا من غير بيان.

والظاهر أنّه ليس بقائل بالكليّة ، بل مثل الدابّة والفراش لا غير ، وهذا ردّ على المشهور.

والحاصل هنا إجمال (ان هنا إجمالا ـ خ) والحوالة على العرف ، فلا يخرج

__________________

(١) يعني كلام شارح القواعد والتذكرة.

(٢) حيث قال : لا يبعد الاستدلال في كل شي‌ء بحسبه عرفا إلخ.

(٣) ولعل الصواب ثم نفي الحصر.

(٤) ينبغي ان يلخص معنى الكلام شارح القواعد.

(٥) والمناسب ان يقول : وان كانت الأرض مباحة.

٥٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الأصل والقواعد الّا بالدليل.

وقوله : ولو مدّ (١) بمقود الدابة إلخ. يعني إذا أخذ بمقود الدابة قهرا ، فنقل بها من مكان الى آخر ، لا شك في أنّه ضامن وغاصب ، لما مرّ ، الّا ان يكون المالك راكبا أو متصرفا بوجه آخر ، كالأخذ بالمقود أيضا ، فلا يكون حينئذ غاصبا ، الّا ان يكون المالك ملجأ غير قادر على دفعه بوجه ، فيكون آخذ المقود قادرا مستوليا عليه ، ويكون وضع يده كالعدم ، فيكون حينئذ غاصبا وظالما (وضامنا ـ خ) أيضا ، وهو ظاهر المتن وغيره.

وفيه تأمّل إذ المالك أيضا متصرف ، ولهذا يحكم له باليد ، وقد مرّ مثله في الداخل على ساكن الدار الذي يضمحلّ بضعفه من غير إزعاجه ، فتأمّل والظاهر أنّه غاصب ، للتعريف ، فيحتمل النصف ، كما في الدار ، فتأمّل.

ولا شك أنّه ضامن ان تلف بقوده ، من غير مدخليّة أحد قابل للضمان ، ولكن في ضمان منفعته ـ مع ركوب المالك وقدرته بحيث لا يكون هذا غاصبا ـ تأمّل ، ويظهر من شرح القواعد ضمانها ، فتأمّل.

ثم ذكر فيه فرعين الأوّل أنّه لو ساقها قدّامه ولإجماع (٢) لها بحيث صار مستوليا عليها ، فهو غاصب لتحقق معنى الغصب ، ولو كان بها جماح فتردت بسوقه في بئر ضمن للسببيّة.

لا شك في الضمان إذا فرض كون السوق سببا ، بل يمكن ان لا يكون فرق ، فيكون غاصبا ، الّا ان يفرض بحيث لا يقدر على أخذها ويكون في الأولى قادرا ، فكأنّهما مأخوذة في الأولى دون الثانية ولا قادرا أيضا ، وحينئذ يظهر الفرق ،

__________________

(١) وفي جميع النسخ : ولو أخذ ، والصّواب ما أثبتناه.

(٢) فرس جموح ، يعني إذا ذهب في عدوه لم يردّه شي‌ء (مجمع البحرين لغة جمح).

٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويكون في الثانية ضامنا فقط (١).

الثاني أنه لو جلس على خشب الغير أو حجر له من غير ان ينقله فهل هو كركوب دابّته والجلوس على فراشه فيه نظر ، أمّا السرير فإلحاقه بالفراش قويّ.

كأنه الخشب والحجر والكبيرين الذين لا يتعارف نقلهما ، ولو كان بقصد الأخذ والاستيلاء فغير بعيد ، والّا فبعيد كونه غاصبا ، إذ لا يقال له أخذ المال ظلما ، وامّا الضمان فيمكن فإنّه وضع اليد على مال الغير ، فلا بدّ من إيصاله إلى مالكه ، فتأمّل.

واعلم أنّه يعلم من عباراتهم كثيرا ، أخذ الاستيلاء والقهر في الغصب ، كما مرّ في شرح القواعد ، وأخذ في بعض التعريفات أيضا ، وقد مرّ ، وحينئذ يلزم عدم كون السرقة غصبا ، فتأمّل.

وأيضا وجود سبب آخر للضمان غير التسبيب والمباشرة والغصب ، معلوم ، مثل الخيانات في الأمانات ، مثل ترك حفظ الوديعة والعارية والدابّة المستأجرة وترك سقيها وعلفها ، ومثل وضعه يده على مال الغير غير عالم بأنّه مال الغير غلطا أو سهوا ووضع اليد على المغصوب كذلك والأمانات الشرعية.

فكأنّه لذلك جعل البعض تعريف الغصب بحيث يشمل هذه الأمور ، حيث قيّد بالعدوان ونحوه ، وان كان هو خلاف الظاهر ولهذا جعل ثالث الأسباب ، وضع اليد وإثبات اليد في القواعد وغيره ، ثم قسّم إثبات اليد الى الغصب والى غيره.

نعم عبارة المصنف غير جيّدة ، حيث جعل الغصب هو الثالث ، كما أشرنا اليه ، الّا أن يريد منه إثبات اليد فقط فتأمّل.

__________________

(١) يعني دون ان يكون غاصبا.

٥١٠

وغصب الحامل غصب الحمل (حمله ـ خ).

ولا يضمن الحرّ بالغصب.

______________________________________________________

ويمكن دفع بعض هذه بأنّه ان لم يقصّر في الحفظ ، واعلام المالك والردّ اليه ، فهو ليس بخائن ، فليس بضامن ، وان قصّر ، صار غاصبا ، حيث وضع يده ظلما ، فتأمّل.

قوله : وغصب الحامل إلخ. يعني إذا غصب حيوانا حاملا فهو مع الحمل مغصوب ، إذ قبض الحامل قبض لحمله ، فإنّه كالجزء الدّاخل في جوفه ، وهو ظاهر.

وأمّا عدم الضمان في المأخوذ بالبيع الفاسد أو المأخوذ بالسوم ، فان الحمل وان كان مقبوضا الّا أنّه غير مبيع بالبيع الفاسد ولا مأخوذ بالسّوم فلا يدخل تحت ما يدل على ضمانه ، مثل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، نعم ان اشترى مع الحمل يكون حكمه حكم الحامل هنا ، فتأمّل.

قوله : ولا يضمن الحرّ إلخ. يعني لا يضمن بوضع اليد والغصب ، لأنّه ليس بمال ، فلا يدخل تحت يد المتصرّف ، فإنّ إثبات اليد والتصرف انّما يقال في الأموال.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، ولا فرق في ذلك بين كونه صغيرا أو كبيرا ، مميّزا قادرا على الدفع عن نفسه وغيره ، مجنونا أو عاقلا.

هذا إذا تلف بموته ، أو بشي‌ء ليس للقبض له مدخلا (١) فيه أصلا.

وأمّا إذا تلف الصغير في يد القابض بسبب لدغ الحيّة ووقوع الحائط عليه ، فقول للشيخ (الشيخ ـ خ) بأنّه ضامن ، لأنّه سبب لتلفه ، مع عدوانه ، فإنه لو (ولو كان ـ خ) كان في بيته ، فكأنّه لم يلدغه الحيّة هنا ، فهو سبب كالحافر ، وليس هنا مباشر أقوى ، وليس هو قادرا على دفع المهلكات عن نفسه وعروض أمثال هذه

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب مدخل.

٥١١

وان كان صغيرا.

ولو تلف الصغير بسبب كلدغ الحيّة ، ووقوع الحائط ، قال الشيخ : يضمنه.

______________________________________________________

الأمور فغير بعيد ، فيمكن قصد القتل والإتلاف بمثله أيضا ، ولانّ فتح مثل هذا الباب يقضي الى الحيل لقتل النّاس بان يخليه في مسبعة ومضيعة ، ولانّ الضّمان يناسب عدوانه ويقابل بفعله الشنيع.

والظاهر عدم الفرق بين الكبير المجنون والطفل الغير المميّز الغير القادر على الدفع عن نفسه ، وهو مثل الحيوان.

بل الظاهر عدم الفرق بينهما وبين الكبير إذا حبس بحيث لا يقدر على الخلاص منه ، ثمّ حصل في الحبس شي‌ء أهلكه مثل لدغ الحيّة أو غيره ، لاشتراك العلة المتقدمة ، فإن الكبير مع عدم قدرته على دفع الحيّة والعقرب إذا لم يره في الحبس لظلمته كالطفل ، بل وكالحيوانات التي لا شعور لها.

وللشيخ قول آخر بعدم الضمان ، للأصل ، وعدم المباشرة ، وعدم ظهور السبب وجريانه في البحر.

قال في التذكرة : لو نقل صبيّا إلى مضيعة فاتفق سبع فافترسه ، فلا ضمان عليه ، احالة للهلاك الى (على ـ خ) اختيار الحيوان ومباشرته ، ولم يقصد النّاقل بالنقل ذلك (١) ، وأمّا إذا (لو ـ خ) نقل الى مسبعة فافترسه سبع وجب الضمان ، وبه قال أبو حنيفة ـ إلى قوله ـ امّا لو كان المنقول عبدا صغيرا أو حيوانا مملوكا للغير ، فإنه يضمنه سواء نقله إلى المضيعة والمسبعة أو الى غيرهما ، لأنّه تصرّف في مال الغير بغير اذنه ، فكان ضامنا (٢)

__________________

(١) وفي التذكرة زاد بعد قوله : (بالنقل) : وفيه إشكال.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٣٧٦.

٥١٢

ولو استخدم الحرّ ضمن أجرته ، ولا يضمن بدونه ، وان كان صانعا

______________________________________________________

الظاهر أنّه لا فرق بين العبد والأمة ، بل ولا بين الصغير والكبير العاجز عن الفرار والخلاص عن تلك المهلكة ، ولهذا استشكل (١) في ضمان العبد الكبير العاقل الآبق بفكّ قيده.

والظاهر غير الفكّ (٢) إذ الفرض أنّه سبب ، ولا ينكر قويّا الضمان ، ومع هذا الفرض ما نجد فرقا بينه وبين الغير وكأنّ الحكم بالضمان مطلقا أقوى ، ما لم يكن لأحد مدخلا (٣) في تلفه ، فتأمّل.

قوله : ولو استخدم الحر ضمن أجرته إلخ. يعني إذا استخدم حرّا قهرا ضمن أجرته ، ولا يضمن بدون الاستخدام ، وان حبسه ومنعه عن الشغل الذي يحصل منه الأجرة ، مثل ان كان صانعا يحصّل كل يوم شيئا كثيرا ، لأنّ منافعه لم تضمن بقبضه ، لأنّه ليس بمال حتى يكون وضع اليد على المال بغير رضاء المالك فيضمن ، فما لم يستعمل لم يضع يدا موجبا للضّمان ومال ذلك وما صار سببا ، وسبب الضمان منحصر في ذلك ، بخلاف ما لو استعمله ، فإنّه أخذ منه ماله بلا عوض ، فكأنّه غصب منه مالا وحقّا أو أتلفه فيضمن.

ولعلّه ليس لهم فيه خلاف وان كان لأخذ الأجرة مع منع الصانع الذي لو لم يحبسه ويمنعه لحصل كذا وكذا وجه ، وذلك لدفع المفاسد ودفع الضرر العظيم ، فإنّه قد يموت هو وعياله من الجوع ، ولا يكون عليه في ذلك مانع مع كونه ظالما وعاديا ووجود ما يدلّ على جواز الاعتداد بما اعتدى (٤) وجزاء سيئة سيئة (٥)

__________________

(١) المستشكل هو العلامة في التذكرة (راجع ج ٢ ص ٣٧٥).

(٢) وفي النسخة المطبوعة : والظاهر عدم الضمان ، إذ الفرض أنه إلخ ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ، مدخل.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى).

(٥) إشارة إلى قوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).

٥١٣

ولو استأجره لعمل ، فاعتقله ، ففي ضمان الأجرة ، نظر.

ولو غصب دابة أو عبدا ، ضمن الأجرة ، وان لم يستعملهما.

______________________________________________________

والقصاص ، ونحو ذلك ، فتأمّل.

قوله : ولو استأجره لعمل فاعتقله إلخ. أي لو استأجر حرّا اجارة لازمه لعمل خاصّ ، فحبسه عن ذلك العمل ومنعه مدّة يمكنه ذلك العمل في ذلك الزّمان ، أو بعضه فيه ، ففي استقرار ضمان المدة الماضية ، في ذمّته ، ـ بحيث يكون مكلّفا بها ، من غير عمل ـ نظر ، من انّ منافع الحرّ لم يضمن الّا بالتفويت و (١) الاستعمال ، لا بالفوت ، لما تقدم ، من عدم دخول الحرّ تحت اليد والضمان ، فإنّه ليس بمال.

ومن وجوب الأجرة بالعقد اللازم ، وكان المستأجر سببا في ضياعها بحبسه ، فيستقرّ في ذمّته ، بل ينبغي وجوب الضمان مع العقد اللازم إذا بذل الأجير نفسه ولم يستعمله ، وكان الاستعمال موقوفا بذلك ، فانّ العقد موجب للعوض ، وقد بذل فيلزم الأجير العوض ، كما في نفقة الزّوجة والمهر ، بل قالوا : لو استأجر لقلع الضّرس ، فبرأ ـ بعد ان مضى مدّة يمكنه القلع ، وما قلع مع بذل الأجير نفسه ، وكان التأخير من جانب المستأجر ـ يكون ضامنا.

وهذا يقوى في النفوس ، خصوصا إذا كان الزّمان معيّنا فيضمحل عنده الأصل (٢) ، للدليل ، وأنّ منافع الحرّ لا تضمن ، إذ غير واضح الثبوت عمومه ، بحيث يشمل محل النزاع ، وادّعى الاتفاق في الضّمان في شرح الشرائع ، فالعبارة غير جيدة ، فتأمّل.

قوله : ولو غصب دابّة إلخ. وجهه يعلم مما سبق بغير منازع ، فان منافع

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب ، أو الاستعمال.

(٢) يعني أصالة عدم الضمان.

٥١٤

______________________________________________________

المملوك مضمونة على الغاصب ، وان لم يتصرّف ولم يستعمل ولم يعقله ويحبسه ، بل أمره بالعمل وما عمل ، وما حصل ، للغصب (١).

والظاهر أنّه إجماعي على العين ، فيضمن ، وليس المنفعة شيئا حاصلا بالفعل حتى يقال إنّه وضع يده عليه أيضا بالبيع ، فيضمنه ، بل انّما يوجد بالاستعمال ، فإنّه لو لم يغصب ، ولم يستعمل ، لم يحصل شي‌ء ، وكذا العقارات وكل ماله أجرة ، فتأمّل.

قوله : ولا يضمن الخمر إلخ. يعني إذا أخذ خمرا من مسلم لم يضمنه الآخذ مسلما كان أو كافرا ، سواء أراقه أم لا ، بل أخذه للخلّ.

ولكن يمكن حينئذ وجوب ردّه الى المالك ، لأنّه عين مال مالكها ، وكان محرّما شربها ، وجاز تضييعه ، ولكن إذا صار خلا يرفع (٢) ما هو محرّم له ، فيكون المال ماله ، فيجب دفعه الى اهله ، وخروجه عن ملكه بالخمريّة غير ظاهر ، حتى يقال : فردّها (٣) يحتاج الى الدليل.

على أنّه قد يقال : لدفع المانع والموجب (٤) ، ولا يدلّ عليه جواز أخذه وإهراقه وعدم الضمان بغصبه.

على أنّه قد يمنع جواز ذلك فيما إذا اتخذه للتخليل ، وان لم يكن ضامنا ، لعدم ملك يمكن عوضه ، فانّ الخمر لا عوض له.

على أنه قد يكلّف بالمثل ، خصوصا إذا كان متخذا للتخليل ، أو بالخلّ كما قيل.

وقد يقال بأنّه حرام حينئذ أخذه وإهراقه بغير رضاه ، فتأمّل ، فلا حدّ حينئذ

__________________

(١) قوله : (للغصب) تعليل لقوله قدّس سرّه : فان منافع المملوك مضمونة.

(٢) هكذا في النسخة المطبوعة وفي النسختين المخطوطتين ، لا يرفع ، والصواب ما أثبتناه.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب ، حتى يقال ردّها يحتاج الى الدليل.

(٤) يعني لدفع المانع وهو الخمريّة ، و (الموجب) يعني الموجب لوجوب الردّ ، وهو زوال الخمرية.

٥١٥

ولا يضمن الخمر لو غصبها من مسلم.

ويضمن بالقيمة ، لو غصبها من كافر ، مستتر (مستترا ـ خ) وكذا الخنزير.

ولو تعاقبت الأيدي الغاصبة تخيّر في التضمين.

______________________________________________________

بالإثم ، وفي شرح الشرائع (القواعد ـ خ) والتفويت (١) أيضا حيث جعل محرّما ، فلا مانع من الضمان حينئذ.

وكذا الكلام في الكافر المتظاهر ، فإنه بمنزلة المسلم في عدم جواز تصرّفه في الخمر على هذا الوجه ، كذا قالوا.

وقد يفرّق بالملكيّة وعدمها ، وان كان ممّا لا يجوز لهم إظهارها وشربها علانية ، فتأمّل ، بخلاف المستتر ، فانّ غصبها منه يكون حراما وضامنا أيضا له بالقيمة عند المستحلّين ، وان كان مثليّا ، فان دفع الخمر للمسلم اليه لا يجوز ، وأنّه موجب لعدم استتاره الواجب على الكفّار.

ودليل الضمان أنّه ماله ، وقد أقرّ على ذلك ، وأخذ منه الجزية على ذلك الثأر (٢) فصار مثل سائر أمواله التي آخذها ضامن وغاصب (٣) فتأمّل.

وأمّا إذا أخذه الكافر ، فيمكن جواز ردّ المثل خفية ، لعدم المانع ، ومن أنّ الحكم بذلك موجب لعلانية ، وانّ من قواعد الإسلام أنّه لا يجب ، بل لا يجوز دفع الخمر ، فتأمّل ، فإن التقرير مع الجزية ، كأنّه مجوّز لأمثال ذلك.

قوله : ولو تعاقبت الأيدي إلخ. لعل الحكم بضمان جميع الأيدي المتعاقبة

__________________

(١) قال في شرح القواعد : نعم يأثم الغاصب هنا ، ويعزّر.

(٢) هكذا في بعض النسخ ، وفي بعضها ، الثاني بدل الثأر ، وفي بعض منها البار ، وعلى أي تقدير لم يظهر لهذه الكلمة معنى واضح.

(٣) وفي بعض النسخ المخطوطة ، مثل سائر أمواله التي أخرجها ضامنا وغاصبا فتأمّل.

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على الغصب ـ فيكون المالك مخيّرا في أخذ عوض العين بعد تلفه ومنافعهما ممّن أراد ـ إجماعيّ ، وسنده أدلّة ضمان الغاصب من العقل والنقل مثل الاعتداء وجزاء سيئة والعقاب بمثل ما عوقب (١).

ولكن ينبغي ان يكون ذلك مع تحقق كون الكل غاصبا بالتعريف المتقدم ، ويحكم بضمان الكلّ أو البعض من غير فرق ، وقرار الضمان على من تلف عنده مجملا.

ولكن فصّل في التذكرة والقواعد ونحوهما الاستقرار ، وهو مشكل جدّا ، فتأمّل ، وقد مرّ مثله وسيجي‌ء أيضا.

قال في التذكرة : كل يد تترتّب على يد الغاصب فهي يد ضمان ، حتى يكون للمالك الخيار في المطالبة ، لمن شاء منها ، فان شاء طالب الغاصب عند التلف ، وان شاء طالب من ترتّبت يده على يده ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الثاني عالما بالغصب أو لم يعلم ، في ثبوت الضمان عليه ، لأنّه أثبت يده على مال الغير بغير اذنه ، والجهل ليس مسقطا للضمان ، ثم الثاني ان كان عالما بالغصب فهو كالغاصب من الغاصب ، للمالك مطالبته بكلّ ما يطالب به الغاصب ، فان تلف المغصوب في يده فاستقرار الضمان عليه فلو غرّمه المالك لم يرجع على الغاصب الأوّل بشي‌ء ، لأنّه ظالم بإمساك مال الغير في يده مع علمه بأنّه له ـ الى قوله ـ : وان جهل الثاني الغصب فان كانت اليد في وضعها يد ضمان كالعارية مطلقا عند العامّة وفي صورة الضمان عندنا (٢) استقر الضمان على الثاني ، وان كانت يد أمانة كالوديعة والعارية في غير صور الضمان والإجارة والرّهن والوكالة استقرّ الضمان

__________________

(١) إشارة إلى الآيات الثلاثة البقرة ١٩٤ الشورى ٤٠ والحج ٦٠.

(٢) وفي التذكرة زاد بعد قوله (عندنا) : والمأخوذ بالسوم والشراء صحيحة وفاسدة ، استقر الضمان إلخ.

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على الغاصب ، ومذهب أكثر الشافعية على ما قلناه ، ولهم وجه آخر فيما إذا كانت يده يد امانة ، وكان جاهلا بالغصب ، فإنّه لا يكون ضامنا ، كما أنّه لا يستقر الضمان عليه ، ولهم وجه آخر ، انّ استقرار الضمان على الجاهل مع كونه يده يد أمانة (١).

وهذا التفصيل لا بأس به ، الّا أنّا ما نجد دليل الضمان على الجاهل مع كون يده يد أمانة ، فان كلّية ـ كلّ من وضع يده على مال الغير يكون ضامنا له مع كونه جاهلا ـ غير ثابت (٢) وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّي (٣) غير ظاهر الصحة ، مع عدم التصريح ، فالذي يجده العقل ، هو ضد الوجه الثاني للشافعيّة ، لو لم يكن خلاف إجماعنا ، لأنّه ليس بغاصب بالمعنى الصحيح الذي هو موجب للضمان ، على ما تقدم وللأصل ، وللفرد ، بل هذه ليس مما نحن فيه ، فإنّها ليست من ترتّب الأيدي الغاصبة ، إذا الجاهل غير غاصب ، على ما عرفت ، والغاصب ظالم وعاص وآثم بالاتفاق ، بل قالوا : الغصب كبيرة ، فتأمّل.

ثم أنّ الظاهر أنّه لو صرف الأوّل الثاني على وجه لا يلزمه عوض مثل ان يهبه إيّاه ، لم يكن عليه الضمان أيضا.

قال في التذكرة : عليه الضمان ، ولكن استقراره على الغاصب ، قال : أصحّ قولي الشافعيّة أنّ قراره عليه أيضا ، وأوجب أيضا قيمة الزوجة المملوكة المغصوبة على الزوج التالفة عنده وفيه أيضا تأمّل.

وقال أيضا هذا فيما إذا تلف ، وامّا إذا أتلف فقرار الضمان على المتلف.

هذا أيضا على عمومه ليس بجيّد ، إذ لو كان المتلف جاهلا معذورا مثل ان وهبه إيّاه فأتلفه بالأكل ، أو قدّم طعاما إليه فأكله ونحو ذلك ، فإنّه لا ينبغي الضمان ،

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٣٧٧.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ، ثابتة.

(٣) تقدم مأخذه مرارا.

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فكيف استقراره ، ولهذا قال : المتهب المسبب لا يستقر الضمان عليه.

وقال أيضا ـ في هذه المسألة بعد تحرير الرّجوع ـ : فان رجع المالك على الآكل ، فهل يرجع الآكل عن الغاصب؟ ينظر ، ان كان عالما أنّه مغصوب بقول الغاصب أو بغير قوله ، لم يرجع الى الغاصب ـ الى قوله ـ وان كان جاهلا غير عالم بالغصب ، فان كان الغاصب قال له : كل ، فإنّه ملكي أو طعامي استقر الضمان عليه إلخ.

فعبارة التذكرة غير جيّدة ، نعم عبارة القواعد جيّدة ، حيث قال : ومهما تلف الآخذ فقرار الضمان عليه ، الّا مع الغرور ـ الى قوله ـ ولو كان الغرور للمالك فالضمان على الغارّ إلخ.

وقد بالغ في شرح القواعد في ضمان واضع اليد ، وقال هو ضامن ، سواء علم بالغصب أو لا ، وسواء كانت أيديهم يد غاصب للغاصب أو لا ، وسواء استعاده الغاصب غصبا أو لا ، لصدق الاستيلاء بغير حق ، ولعموم قوله عليه السّلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدي (١) ، والجهالة لا تقدح في الضمان ، وان انتفى معها الإثم ، لامتناع خطاب التكليف في حقّ الجاهل ، بخلاف خطاب الوضع.

والظاهر أنّ للمالك مطالبة من ترتّبت يده على يد الغاصب ، مع عدم التلف بتسليم العين أو البدل ، للحيلولة.

ولا يخفى عليك أنّه ما ثبت صدق الاستيلاء بغير حق على جميع ما ذكره ، مثل الجاهل ، وأنّه تعريف للغصب الموجب للضمان مطلقا ، فهنا ليس تعاقب الأيدي الغاصبة ، فصحّت عبارة الكتاب ، إذ ذلك الفرد خارج ، فتأمّل. وعلى تقدير صدقه ، ما ثبت كليّة الكبرى الّا بمثل قوله عليه السّلام : على اليد فإذا هما

__________________

(١) تقدم مأخذه مرارا.

٥١٩

«المطلب الثاني في الأحكام»

يجب ردّ العين وان تعسّر ، الّا مع التلف ، بالنوع.

______________________________________________________

دليل واحد.

وقد عرفت أيضا عدم ظهور صحته وتواتره وصراحته أيضا ، وعلى فرض صدق أنّه غاصب ، ينبغي أن يكون حكمه حكم الغاصب بالكليّة ، والحال أنّهم لا يقولون به

وأيضا لزم ان يكون المكره كذلك ، للخبر المذكور ، الّا ان يقال أخرجه الإجماع ونحوه ، ولكن يعلم انّ كون (يكون ـ خ) مجرّد وضع اليد بغير حقّ موجب للضمان ، ليس ببديهيّ ، فيحتاج الى دليل ، والأصل براءة الذمّة ، والجهل عذر واضح والغرور عذر واضح وان لم يكن مما (ما ـ خ) ينافي الضمان ، بل مجتمع (يجتمع ـ خ) معه ، لكن بدليل قويّ ، فتأمّل.

ويؤيّد عدم الضمان ما نقل في شرح القواعد عن الدروس ، أنّه قال : انّ الجاهل بغصبيّة البيت إذا سكن فيه بأمر الغاصب يضمن المنفعة خاصة ، فإنّه ظاهر ، بل نص في انّ الواضع يده جاهلا ليس بضامن للموضوع يده عليه ، نعم ضامن للمنفعة المستوفاة ، بل فيه أيضا تأمّل فإنّه مغرور فيجب الرّجوع على الغاصب فقط ، فتأمّل.

قوله : يجب ردّ العين إلخ. دليل وجوب ردّ العين المغصوبة ، بل جميع الأموال التي في يد الإنسان بغير استحقاق ، لحبسه مثل الرّهن ، فوريّا ، هو العقل والنقل ، كتابا وسنّة (١) وإجماعا ، وهو ظاهر ، وان كان في الردّ على صاحب اليد ضرر وتعسر ، بان يبني عليه البنيان أو عالج به السفينة بغير اذن المالك ، الّا أنه إذا

__________________

(١) أما الكتاب فهو قوله تعالى (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) الآية البقرة ٢٨٣ واما السنة فراجع الوسائل.

٥٢٠