مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثبوت يجب دفعه ، وكذا مع العلم بغير ثبوت شرعي ، فمع التأخير ضامن كسائر الأمانات ، إلّا مع العذر ، والّا فهو مخيّر بين التملك والضمان وبين التصدق والضمان وبين الإبقاء أمانة وعدم الضمان.

قال في التذكرة : وانما يجب الدفع الى المالك ، فإذا جاء من يدّعيها ، فان لم يقم بيّنة بها ، ولا وصفها لم يدفع اليه ، الّا ان يعلم الملتقط ، أنّها له ، فيجب عليه دفعها اليه ، وان أقام البينة دفعها ، وان لم يكن هناك (١) بينة ولكن وصفها بصفاتها الخاصّة التي تخفى على غير المالك ، فان لم يغلب على ظنّ الملتقط صدقه وأنّها له ، لم يدفع اليه ، وهو المشهور للشافعية ـ إلى قوله ـ : وان غلب على ظنّ الملتقط صدق المدّعى الواصف لها جاز دفعها ولا يجب (٢).

هذا صريح في جواز دفع مال الغير الى الغير بالظنّ.

ثمّ قال : ولا يكفي في وجوب الدفع الشاهد الواحد وان كان عدلا ـ الى قوله ـ : ويحتمل عندي جواز الدّفع ان حصل الظنّ (كما لو حصل الظن ـ خ) بالوصف.

وهذا أيضا صريح في ذلك ، فتأمّل.

ودليل التخيير بين الأمور الثلاثة ـ بعد الإجماع المفهوم من التذكرة ـ الجمع بين الاخبار ، فإن البعض يدلّ على التملّك مثل صحيحة الحلبي ورواية داود بن سرحان (٣) (هي كسبيل ـ له) وما في صحيحة محمّد بن مسلم ، فاجعلها في عرض مالك (٤) وما في صحيحة عبد الله بن سنان ، انما هي مثل الشي‌ء المباح (٥).

__________________

(١) في التذكرة : وان أقام البيّنة ردت اليه ، وان لم يكن هناك إلخ.

(٢) التذكرة : ج ٢ ص ٢٦٤.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ١ و ١١.

(٤) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٥) راجع الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن ظاهر هذه في البعير ونحوه من الدّواب ، وحينئذ يضمنه ، فان علم صاحبه يجب ردّ العين عليه مع وجودها ، والّا القيمة فوريّا ، والاعلام على ما قيل في الأمانات الشرعيّة.

ويمكن فهم ذلك من رواية علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي العلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل وجد مالا فعرّفه حتى إذا مضت السّنة (ثمّ ـ خ) اشترى منه (به ـ كائل) خادما ، فجاء طالب المال ، فوجد الجارية التي قد اشتريت بالدّراهم ، هي ابنته ، قال : ليس له ان يأخذ إلّا دراهمه ، وليس له البنت (الابنة ـ كائل) انّما له رأس ماله ، وانما كانت ابنته مملوكة قوم (١).

وهذه تدلّ على التملك أيضا ، ولا يضرّ إرساله ، لما سيجي‌ء.

وكذا رواية عبد الله بن حمّاد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من وجد شيئا فهو له ، فليتمتع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه اليه (٢).

حملت على ما بعد التعريف مع الكثرة ، لما تقدم من عدم جواز تملّكها والانتفاع الّا بعده ، ويمكن حملها على القليل.

ويمكن فهمه أيضا في الجملة من صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرّجل يصيد الطّير الذي يسوى دراهم كثيرة ، وهو مستوي الجناحين ، وهو يعرف صاحبه أيحلّ له إمساكه؟ فقال : إذا عرف صاحبه ردّه عليه ، وان لم يكن يعرفه ، وملك جناحه فهو له ، وان جائك طالب لا تتهمه ردّه عليه (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من كتاب اللقطة الرواية ٢ وفيه كما في الكافي أيضا عن عبد الله بن حماد عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام إلخ.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنّه بعد التعريف ، وعرف أنّه كان مملوكا في الجملة.

وهي تدلّ على جواز تسليم اللّقطة مع الظنّ ، وعدم كون الطالب متّهما ، فإنّه قد يكذب.

ورواية حنّان ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السّلام عن اللقطة؟ وانا اسمع ، قال : تعرفها سنة ، فان وجدت صاحبها ، والّا فأنت أحق بها ، وقال : هي كسبيل مالك ، وقال : خيّره إذا جائك بعد سنة بين أجرها وبين ان تغرمها له إذا كنت أكلتها (١).

وهي أيضا تدلّ على التملك ، ولا يضرّ وجود أبي القاسم المجهول ، وحنّان (٢).

ورواية أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة؟ فقال : وما للمملوك واللقطة ، والمملوك لا يملك من نفسه شيئا ، فلا يعرض لها المملوك ، فإنه ينبغي ان يعرّفها سنة في مجمع ، فان جاء طالبها دفعها اليه ، والّا كانت في ماله ، فان مات كانت ميراثا لولده لمن ورثه ، فان لم يجي‌ء لها طالب كانت في أموالهم هي لهم ، فان جاء طالبها بعد دفعوها اليه (٣).

وهي تدل على منع المملوك عن أخذ اللقطة ، ولعلّ منعه ، بغير اذن المالك ، وباعتبار أخذه ، بأن يكون هو الملتقط حقيقة ، فإن الحكم المذكور لمولاه ، ويكون له ظاهرا باذن المولى ، والأجرة (٤) يرجع الى المولى ، وان سلّم دلالتها على عدم تملك

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٥.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : محمّد بن احمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي القاسم ، عن حنّان.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٤) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصّواب ، والأجر.

٤٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المملوك ، وقد مرّ خلافه.

فيمكن الجمع بأنّ المراد في أمثاله نفي الملك المستقل كسائر الملاك والعبد يمكن تملكه مع كونه محجورا عليه. علي أنّ أبي خديجة هو سالم بن مكرم ، وهو ضعيف.

والظاهر أنّه لا خلاف في وجوب الرد ، وانّما الخلاف في أنّه هل يجب ردّ العين مع بقائها ، فيكون ملكا متزلزلا أم لا ، بل يجوز ردّ العوض ، فيكون ملكا مستقرّا ، ولكن مع العوض الّا أنّه ان ردّ العين يجب عليه القبول ، فإنّه ليس بأقلّ من العوض.

وقرّب في التذكرة وجوب ردّ العين إذا كانت أقلّ من الدّرهم ، وفي غير الحرم ، مع بقاء العين ، واستشكل وجوب ردّ العوض مع التلف حينئذ ، وجزم بأنّ لقطة الحرم لا تملك بحال ، فتدفع بعينها الى مالكها ، وكذا في لقطة غير الحرم ان جاء صاحبها قبل التملك ، وأمّا بعده فقرّب عدم وجوب ردّ العين ، وعدم جواز انتزاع المالك منه ، واكتفى بجواز ردّ العوض مع بقاء العين أيضا ، ووجوب قبوله على المالك.

وظاهر الأدلّة هو الردّ بعينها ، فإنّ الأصل بقاء مال المالك على ملكه ، وخروج التملّك في الجملة ، مع التعريف ، وعدم ظهور المالك ، ملكا مراعي ، بالإجماع ونحوه ولا دليل على غيره ، ولا بعد في حمل مثل (هي كسبيل ماله) على الملك ، مراعي بعد الدليل ، ولهذا أنّه ظاهر في عدم العوض أيضا ويوجبون ذلك.

ويمكن ان يقال : وجب العوض بالإجماع ، وبقي العين على ملكه لدليله ، فتأمّل.

ثمّ حكم في التذكرة بأنّ الزيادة المتصلة للمالك ، والمنفصلة للملتقط ، بعد التملك ، لأنها نماء ملكه ، ونقل عن الحنابلة وجها بانّ ذلك أيضا للمالك.

٤٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وكون الزيادة المتصلة للمالك مع ردّ العين غير بعيد ، وكذا كون المنفصلة للملتقط ، لما أشار إليه من أنه نماء ملكه ، سواء قلنا انّه ملك مستقرّ أو مراعى ، كما في البيع في زمان الخيار بعد الفسخ ، ولهذا صحّ بيعه ، وسائر تصرفاته ، ولا يبطل منه شي‌ء ، ولعلّ وجد الحنابلة أنّه ظهر حينئذ عدم صيرورته ملكا له ، وهو خلاف ما تقرّر بإجماعهم ، ولهذا يصح جميع التصرّفات المخرجة ، وغير المخرجة ، نعم ذلك أحوط.

وقد يفهم ممّا سبق انّ هذا الضمان دائمي ، وليس بمخصوص بمجي‌ء المالك بل الوارث أيضا ، كما دلّت عليه رواية أبي خديجة (١) ولا يبعد ان يكون كذلك بعد موت الملتقط أيضا ، ويشمله عموم (إذا جاء صاحبها).

ولأنّ الظاهر أنّ الضمان مبني على عدم صيرورته ملكا لازما بل متزلزلا ، وذلك يوجب الردّ بعد موته أيضا ، فلا يبعد إيجاب الوصيّة ، كما في الضمانات ، ويؤيّده كون ضمان التصدق كذلك ، كما سيجي‌ء.

ويدل عليه أيضا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن اللقطة إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : لا انّما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها ، وسألته عن الرّجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابّة كيف يصنع (بها ـ ئل)؟ قال : يعرّفها سنة ، فان لم يعرّفها حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وان مات اوصى بها ، وهو له ضامن (٢).

فيه دلالة على عدم جواز وطء الجارية بالالتقاط ، وجواز بيعها للنفقة من

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٢) روى صدرها في الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٨ وذيلها في الباب ٢٠ من تلك الأبواب الرواية ٢.

٤٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غير اذن الحاكم ، ووجوب التعريف ، وجواز التملك يؤيّد (يريد ـ خ) ذلك بقوله : (في عرض ماله) أي يجعله ماله حتّى يجي‌ء صاحبه ، والّا كانت أمانة غير مضمونة ، فافهم.

وامّا جواز تصدّقها مع الضّمان ، فلأنه إذا جاز تملكها معه ، فالتصدق معه (مع الضمان ـ خ) بالطريق الاولى ويفهم من أدلّته أيضا فتأمّل.

والظاهر أنّه لا خلاف فيه.

ويدل عليه أيضا رواية الحسين بن كثير ، عن أبيه ، قال : سأل رجل أمير المؤمنين عليه السّلام عن اللقطة؟ فقال : يعرّفها ، فان جاء صاحبها دفعها اليه ، والّا حبسها حولا ، فان لم يجي‌ء صاحبها ، أو من يطلبها ، تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ما تصدق بها ان شاء اغترمها الذي كانت عنده ، وكان الأجر له ، وان كره (ذلك ـ يب ئل) احتبسها ، والأجر له (١).

والظاهر انّ المراد بالحبس عنده سنة ، مع التعريف.

ويدل على الغرم بعد التعريف أيضا ، رواية حفص بن غياث ، عنه عليه السّلام ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا ، واللّص مسلم هل يردّه عليه؟ قال : لا يردّه (عليه ـ خ) ، فإن أمكنه أن يردّها على أصحابها فعل ، والّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها ، فيعرّفها حولا ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، والّا تصدق بها ، فان جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم فان اختار الأجر فله الأجر ، وان اختار الغرم غرم له وكان الأجر له (٢).

وما روي ـ في الصحيح ـ عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام ، عن رجل نزل في بعض بيوت مكة ، فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها ، قلت : فان لم يعرفوها ، قال : يتصدق بها (١).

ولا يضرّ إسحاق ، وفيه دلالة على الاكتفاء في التعريف بسؤال أهل المنزل في غير موضع الالتقاط.

وموثقة ابن بكير عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن اللقطة؟ فأراني خاتما في يده من فضّة ، فقال : انّ هذا ممّا جاء به السيل ، وانا أريد أن أتصدق به (٢).

وهذه تدل على عدم التعريف مطلقا ، ويمكن ان يعرفه قبل ، وعلى جواز استعمال اللقطة في الجملة ويمكن ان يكون للحفظ وان يكون أقلّ من الدرهم أيضا ، ولا يحتاج الى التعريف مطلقا ، ويكون التصدق تبرّعا منه صلوات الله عليه ، ولعلّ في تقديم (أنا) اشعارا به ، فافهم.

ورواية أبان بن تغلب ، قال : أصبت يوما ثلاثين دينارا ، فسألت أبا عبد الله عليه السّلام عن ذلك؟ فقال : أين أصبته؟ قال : فقلت له : كنت منصرفا إلى منزلي فأصبتها ، قال : فقال لي : صر الى المكان الذي أصبت فيه فعرّفه ، فان جاء طالبه بعد ثلاثة أيّام فأعطه (إيّاه ـ ئل) والّا تصدق به (٣).

وهذه تدل على كون التعريف في موضع الإصابة ، وأنه يكفي الثلث ، فلا يحتاج إلى السنّة ، فيمكن ان يكون ذلك مستحبا.

ولكن غير معلوم القائل ، إذا الظاهر انّ وجوب السنّة لا خلاف فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٧ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٣) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٧.

٤٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدل على جواز إعطاء الطالب من غير ثبوت شرعي أيضا ، فيكون مع الوصف وحصول الظن كما مرّ.

وفي الطريق محمّد بن موسى الهمداني (١) ، قيل ضعيف ، وقيل يضح الحديث ، وابان بن عثمان أيضا كذلك.

وأمّا جواز حفظها أمانة (شرعية ـ خ) فالظاهر أنّه لا خلاف فيه ، ويدلّ عليه ما تقدم في الجملة ، ولأنّه مال الغير وقع بيده بالإذن الشرعي ، فيجوز له حفظه ، كما في سائر الأمانات ، ولأنّ التكليف بغيره منفيّ بالأصل.

وامّا لقطة الحرم إذا أخذها ، فالظاهر أنّه يجب التعريف ، ثم الحفظ على طريق الأمانة إن جاز ، والّا فالظاهر أنّه ضامن دائما ، لأنّ يده يد عادية ، بل يمكن ان يكون حكمها حكم الغصب في لزوم الحفظ والنفقة ، فلا رجوع ، وأجرته عليه ان كان ذا اجرة ، وغير ذلك.

يدل عليه ما في رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة : (فهو له ضامن) (٢).

الّا أنّ كلام الأصحاب صريح في جواز التصدّق بها أيضا من غير ان نجد فيه خلافا ، وفي رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (فيتصدق به) وكذا في رواية إبراهيم بن عمر المتقدمة (والّا تصدقت بها) (٣) وهما يدلّان عليه ، بل على وجوب التصدق ظاهرا ، حملتا (وان حمل ـ خ) على الجواز ، فكأنّه للإجماع ، مع أنّهما ليستا بصحيحتين ، كما أشرنا اليه ، وان كان سند الثانية أولى (٤) ، فتأمّل.

__________________

(١) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد عن علي بن الحكم ، عن أمان بن عثمان عن ابان بن تغلب.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٧ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٤ ج ٩ ص ٣٦١.

(٤) سند رواية علي بن أبي حمزة كما في التهذيب هكذا : الصغار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن

٤٦٨

وما لا يبقى يقوّمه ويضمن ، أو يدفعه الى الحاكم ، ولا ضمان.

______________________________________________________

قوله : وما لا يبقى إلخ. يعني إذا التقط في غير الحرم ما لا يبقى ، إذا كان يسوى درهما فما فوقها ، تخيّر بين ان يقوّمه فيأخذه لنفسه فيكون الثمن في ذمته ، أو يبيعه على غيره ، فيأخذ الثمن ، ولا يشترط في ذلك اذن الحاكم ، ولا العدول ، ولا الشهود ، وان أمكن ، للأصل ، ولما مرّ.

لكن قال في التذكرة : إذا باع الطعام الذي يخشى فساده ، والذي يحتاج الى العلاج تولّاه الحاكم ، فان تعذّر تولّاه بنفسه لأنّه موضع ضرورة ـ إلى قوله ـ : امّا لو باعه بدون اذن الحاكم ، وفي البلد حاكم كان البيع باطلا إلخ.

وفيه تأمّل ، للأصل ، ولأنّ له ولاية التملك والتصدق بعد التعريف ، فالبيع بالطريق الاولى ، والتعريف ساقط للمتعذّر ، ولا شك أنه أحوط.

ويمكن ان يكون إذا أراد البيع على غيره يحتاج الى الحاكم ، لا التقويم لنفسه ، لانّ الظاهر أنّه يكفي التقويم التصرف بالإتلاف في المبيع ، دون الثمن ، فان جاء صاحبه يعطيه الثمن ، وليس عليه غير ذلك.

والظاهر أنّ الثمن يكون امانة لا مضمونا فلو تلف بغير تفريط لا يطالب بالعوض ، للأصل ، وجواز الأخذ والبيع باذن الشارع وعدم دليل على الضمان.

وبين (١) ان يسلّمه الى الحاكم ، ولا ضمان أيضا ، لما مرّ غير مرّة ، ولعلّه لا خلاف فيه.

وقال في التذكرة : عندنا يتخيّر إلخ. الظاهر أنّ المراد ب (ما لا يبقى)

__________________

وهيب بن حفص عن أبي بصير ، عن علي بن أبي حمزة.

وسند الثانية فيه أيضا هكذا : موسى بن القاسم ، عن عبد الرحمن ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر.

ولعلّ وجه أولوية الثانية اشتمال الاولى على الغير الموثقين.

(١) عطف على قوله : تخيّرين ان يقومه.

٤٦٩

ويكره أخذ اللقطة والضوال مطلقا ، خصوصا للفاسق والمعسر ، وما يقلّ قيمته ، ويكثر نفعه ويستحب الاشهاد عليها.

______________________________________________________

ما لا يبقى سنة ، قال في التذكرة : ما لا يبقى عاما كالبطيخ والطبيخ والفاكهة التي لا يجفّف والخضراوات ، يتخير ملتقطها بين أكلها وحفظ ثمنها ، وبين دفعها الى الحاكم ـ الى قوله ـ وليس له بيعه بنفسه مع وجود الحاكم ، خلافا لأحمد في شي‌ء قليل ، وقد مرّ البحث فيه ، فتأمّل.

وقال أيضا : ما يفتقر الى العلاج ينظر الحظ لصاحبه ، فيفعل ، فان كان في التجفيف جففه ، أو دفعه الى الحاكم (دفعة ـ خ) (١).

قوله : ويكره أخذ اللقطة إلخ. يعني يكره أخذها في موضع جواز أخذها في المال والحيوان ، لا الإنسان ، فإنّه واجب على ما تقدم.

ومنه يعلم أنّ حفظ مال الناس غير واجب ، ما لم يكن متصرفا.

وقد نقل في التذكرة عن أبي حنيفة وجها في وجوب أخذ اللقطة ، بكون المؤمنين بعضهم أولياء بعض في القرآن (٢) فيجب حفظه كوليّ الأيتام ، ولأنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه (٣).

والجواب عنهما ظاهر ، والأصل دليل قويّ ، مع الرواية بالنهي (٤).

ويدل على الكراهة تعريض نفسه لاحتمال الحرام ، وترك الواجبات الدقيقة المشكلة جدّا ، فانّ حفظها والتعريف على ما هو مشكل جدّا ، كما يعرف من حفظ الامانة ، مع عدم ظهور نصّ.

ويدل على الكراهة أيضا ـ بعد الإجماع المفهوم من التذكرة ـ النهي الوارد في

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٦.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). التوبة ٧١.

(٣) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٤٧٣ الحديث ٤.

(٤) إشارة الى ما ورد في باب اللقطة من النّهى راجع الوسائل الباب ١ و ٢ من كتاب اللقطة.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الروايات المتقدمة مثل : لا تمسّ ولا تعرض لها فان الناس لو تركوها لجاء صاحبها وأخذها ، ونحو ذلك ، وحملت في غير الحرم على الكراهة ، لما مرّ من فهم الجواز ممّا يدل على جواز التملك بعد التعريف في الروايات التي فيها النهي (١) ، وهي كسبيل ماله ونحو ذلك والكراهة هي المشهورة ، بل كاد ان لا يكون فيه خلافا (٢) بالتحريم مطلقا ، والاستحباب والإباحة كذلك ، والوجوب معلوم الانتفاء.

نعم قد يفهم من عبارة الدروس عدم كراهة القليل ولو كان في الحرم أيضا ، لقوله : والكراهة قويّة إذا بلغت درهما ، ولو نقصت حلّ تناولها ، وملكت كما تملك في الحلّ ، على الأقرب.

والظاهر ان ليس مقصوده عدم كراهيّة القليل ، ويشعر به قوله : (حلّ) حيث ما صرّح بنفي الكراهة ، كيف والمشهور تحريمه ، والدليل عليه قائم من العقل والنقل ، وقد مرّ ، ولا دليل على الإباحة صريحا صحيحا ، فكيف على نفي الكراهة ، فالحكم مشكل ، وعبارته غير جيّدة.

وهذه الكراهة لا خصوصيّة لها بأحد ولا بمال ، الّا أنّ الفاسق (بالفاسق ـ خ) الغير المأمون على نفسه أشدّ ، لاحتمال تصرّفه في الملقوط بغير شرع ، فيكره له أن يتعرض لما يحتمل فيه ذلك.

وكذلك المعسر ، إذ قد يلجئه عسره الى ما تقدّم ، ولو جمع الوصفين لكان أشدّ وليس بواضح دليل شدّة الكراهة ، إذ يشكل إثبات حكم شرعي بمثل ما تقدّم ، نعم لا شك أنّ (٣) أحوط لهما الاجتناب بالنسبة إلى غيرهما ، وكأنّه المراد

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٢) هكذا في جميع النسخ والصواب ، خلاف بالضمّ ، والظاهر انّ مراده عدم القائل بالتحريم ، وكذلك الاستحباب والإباحة والوجوب.

(٣) في بعض النسخ أنّه الأحوط لهما ، والصواب ما أثبتناه.

٤٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالشدة.

وكذا تشتدّ الكراهة فيما يقلّ نفعه وتكثر فائدته.

وسبب الشدة خصوص النهي في الرواية ، وهي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن النعلين والإداوة والسوط يجدها (يجده ـ ئل) الرّجل في الطريق أينتفع به؟ قال : لا يمسّه (١).

ولهذا نقل في الدروس تحريم الثلاثة عن الحلبي والصدوقين لهذه الرواية.

وذلك غير واضح لعدم ظهور صحّة سندها ، لوجود القاسم بن محمّد المشترك ، وابان بن عثمان (٢) وان كان هو لا بأس به باعتقادي الّا أنّ كثيرا ما يردون الخبر به.

ودلالتها غير واضحة (صريحة ـ خ) إذ يمكن حملها على المسّ على جهة الانتفاع بقرينة السؤال قبل التعريف ، ويحتمل كونها تسوى درهما ، وتجعل الإباحة مخصوصة بدون الدرهم ، ويحتمل على الكراهية ، كما تقدّم من قوله : (لا تمسّ) ونحوه ، وهو مذهب الأكثر ، ولكن ما فهم شدّة الكراهة في المدّعى مطلقا.

على أنّها معارضة بأصحّ منها سندا وأوضح دلالة ، وهي حسنة حريز ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا بأس بلقطة العصا والشظاظ (٣) والوتد والحبل والعقال وأشباهه ، قال : وقال أبو جعفر عليه السّلام : ليس لها طالب (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن ابان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

(٣) الشظاظ خشبة محدودة الطرف تدخل في عروتي جوالقين ليجمع بينهما عند حملها على البعير والجمع الشظة (عن النهاية).

(٤) الوسائل الباب ١٢ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه كالصريحة في نفي الكراهة في هذا الأشياء التي نفعها كثير وثمنها قليل ، وظاهرة في الكراهة في غير التعليل ، وظاهرها حينئذ نفي الكراهة عن المطلوب ، بل عمّا اشتمل عليه رواية عبد الرحمن المتقدمة (١) ، ويمكن حملها على عدم الشدّة للعمومات والجمع بين الأدلّة ، خصوصا هاتين الروايتين (٢) فما نجد ما يدلّ على شدة الكراهة في أمثاله ، بل الأمر بالعكس ، مع أنّا نجد أكثر الأصحاب هكذا يذكرون ، ولعلّ عندهم غير ما وصل إلينا ، فتأمّل.

وقال في شرح الشرائع : وجه الكراهة في هذه الأشباه وأشباهها ـ العصا إلخ ـ النهي عنها محمول على الكراهة جمعا بين الأخبار ، فقد روي : لا بأس بلقطتها.

ما رأيت ما يدلّ على النّهي عن هذه الأشياء بخصوصها ، بل العمومات ، إلّا رواية عبد الرحمن (٣) وهي تدل على النّهي عن الأشياء بخصوصها ، والقاعدة تقتضي عدم كراهة هذه الأشياء ، فضلا عن شدّتها.

وكان في التذكرة : إشارة الى هذا ، حيث قال ـ بعد نقل رواية عبد الرحمن على كراهة ما يكثر فائدته ، ويقل قيمته ـ : وقول الصادق عليه السّلام : لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه (٤) ـ لا ينافي ما قلناه لحقارة هذه الأشياء ، فلا يطلبها المالك ، ولهذا روى في تتمة الحديث ، (ليس لها طالب) (٥) فدلّ ذلك على البناء على العادة في الاعراض عن هذه الأشياء ، فيكون في الحقيقة إباحة عن المالك لها ، مع أنّ نفي البأس لا يضادّ الكراهة.

__________________

(١) تقدم ذكرها آنفا.

(٢) يعني روايتي عبد الرحمن وحريز المذكورتين.

(٣) راجع الوسائل الباب ١٢ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٤) يعني في رواية حريز المتقدمة.

(٥) التذكرة ج ٢ ص ٢٥٦.

٤٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن ينافيه ما قال بعده : وبالجملة فأخذ اللقطة عندنا مكروه ، ويتأكد في مثل هذه الأشياء ، كما هو في العبارات المشهورة ، فتأمّل.

وبالجملة لو فرض وجود غيرها ، فهذه الحسنة المعللة ليس (١) بأقل من لان يحمل على نفي شدّة الكراهة ، فمن أين يجي‌ء الشدة فيها؟ مع أنّ نفي البأس المعلّل بأن ليس لها طالب يدلّ على نفي البأس عنه بخصوصه ، ولا ينافيه شي‌ء بخصوصه.

نعم المجملات محمولة على الكراهة مع ما تقدم من الرّوايات وغيرها ، مثل ما قال في الفقيه : وقال الصادق عليه السّلام : أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها (فلو ـ ئل) انّ الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه ، فإن كانت اللقطة دون الدرهم فهي لك لا تعرّفه ، فان وجدت في الحرم دينارا مطلسا (٢) فهو لك لا تعرّفه ، وان وجدت طعاما في مغازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثمّ كله ، فان جاء صاحبه فردّ عليه القيمة ، وان وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها ، وان كانت خرابا فهي لمن وجدها (٣).

وهذه صريحة في عموم الكراهة ، فعليه يحمل الباقي للجمع ، ولا يضرّ بذلك إرساله ، وهو ظاهر ، ولو كان قوله : (فان كانت إلخ) من كلامه عليه السّلام لفهم منه أحكام أخر ، مثل تحليل القليل ، ولقطة الحرم في الجملة ، وعدم الاحتياج الى الحاكم وغيره للتقويم ، وغير ذلك ، ولكن غير ظاهر.

ويحتمل ان يحمل الدرهم (٤) المطلس على أنّه علم إعراض صاحبه عنه فيه ، لما تقدم ، وعدم الصحة ، فتأمّل.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ليست.

(٢) الدينار الأطلس الذي لأنقش فيه والمطلس مثله (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٩.

(٤) الظاهر انه سهو من الناسخ ، والا ففي الرواية ، دينارا مطلسا.

٤٧٤

والمدفون في أرض لا مالك لها أو المفاوز أو الخربة ، فهو لواجده.

______________________________________________________

وفي هذه دلالة أيضا على عدم تحريم اللقطة عنده خلاف ما نقل في الدروس ، وفي حمل رواية عبد الرّحمن المتقدمة (١) على الكراهة دلالة على عدم الحكم بنجاسة ما يوجد مطروحا من الجلود مطلقا ، فتأمّل ، وكأنّه محمول على وجود القرائن ، والعمل بها ، والقول بترك القرائن ـ ولو كان كونه مجلد مصحف ، وفي مسجد ـ ليس بسديد ، وقد مرّ البحث فيه ، فتأمّل ، ودليل استحباب الاشهاد ظاهر ، فتأمّل.

قوله : والمدفون في أرض إلخ. دليله صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال : إذا (ان ـ خ) كانت معمورة فيها أهلها فهو (فهي ـ خ) لهم ، وان كانت خربة قد جلي عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به (٢).

وما في صحيحته أيضا عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : سألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال ان كانت الدار معمورة فهو لأهلها ، وان كانت خربة فأنت أحقّ به (٣).

والظاهر ان لا خصوصيّة للورق أي الفضة ، فغيرها كذلك ، ولعدم الفرق ، كأنّه بالإجماع ، هذا في الخربة.

فكأنّه حمل عليه المفاوز ، فإنّ العلّة هي كونها خربة ، وعدم أهلها فيها ، كما هو الظاهر منهما ، بل المفازة أولى ، إذ الخربة كانت معمورة مسكونة في بعض المدّة ، الّا أنّه هلك وانجلى فيها أهلها ، بخلاف المفازة ، فإنّها دائما بلا أهل ، وكذا الأرض التي لا مالك لها.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١٢ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ١ وفيه عن أبي جعفر عليه السّلام.

(٣) الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ٢ وفيه فأنت أحقّ بما وجدت.

٤٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعلوم انّ هذا الحكم فيما إذا لم يعلم له مالك بالفعل معين ولا غير معيّن ، والّا مع التعيين يجب دفعه اليه ، ومع عدمه لقيط أو مال موجود بيد شخص تعذر صاحبه ، فيتصدق به مثل المال المجهول صاحبه ، ويسمّى بردّ المظالم ، وقد مرّ مثله مرارا ، فتذكّر.

ومعلوم أيضا أنّ المراد عدم العلم بملكية الخرابة ، بل فهم ذلك أيضا ، والّا فيعرّف المالك فالمالك الى ان ينتهي إلى العارف ، فيأخذه ، والّا فهو لواجده ، وفي بعض العبارات يتصدّق به ، هذا.

وقد فصّله بعض العلماء مثل المصنف في التذكرة ، بأنّه إن كان ما وجده في هذه المواضع عليه أثر الإسلام فهو لقطة ، والّا فهو لواجده ويريدون بأثر الإسلام اسم النبي صلّى الله عليه وآله أو أحد حكام الإسلام ، قيل ويجب عليه الخمس ، والباقي للواجد ، لأنّه كنز.

وقيل دليل التفصيل الجمع بينهما وبين رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى عليّ عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها ، فان وجد من يعرفها ، والّا تمتع بها (١).

وهذه أيضا تدل على جواز التسليم بمجرّد الدّعوى وبينهما منافاة على الظاهر ، فحملت هذه على ما فيه أثر الإسلام ، والأوّلتان على عدمه.

وأنت تعلم أنّه لا بدّ لهذا التفصيل من موجب غير هذا ، إذ يمكن الجمع بوجوه متعدّده.

وقيل وجهه أنّه إذا وجد فيه أثر الإسلام يعلم أنّه كان بيد مسلم ، وظاهر اليد هو الملك ، فعلم أنّه كان لمسلم غير معلوم فصار لقطة ، إذ مال المسلم لا يحلّ إلا

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ٥.

٤٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من طيب نفسه فلا بد من التعريف ثم التملّك ان أراد.

وأنت تعلم انّ مجرد ذلك لم يكف ، إذ قد يحمل الأوّلتان (١) على ما بعد التعريف ، فان هذه مقيّدة به ، بخلافهما (٢) فيجب التقييد ، كما تقرّر ، ولأنّه ما علم كونه اللقطة مشروطا بالعلم بكونه ملكا للمسلم (لمسلم ـ خ) بل لكل مال ضائع ، ولو كان للكتابي أو للمعاهد يكون كذلك.

نعم لو علم كونه للحربيّ الغير المأمون يمكن خروجه عنها ، لجواز تملّكه فيها (عندهم ـ خ) ، بل يمكن ان يكون داخلا فيها ، ويكون ممّا لا يجب تعريفه كالقليل ، وهو لقطة.

وما علم أيضا كل مال مسلم غير معلوم هو لقطة ، مثل المال المجهول صاحبه الذي يتصدق به له.

وأيضا أثر وصول يد المسلم غير منحصر في السكة التي ذكروها الّا ان يكون على طريق المثال.

وأيضا وصول يد المسلم ممنوع ، لجواز أن عمله كافر ليعامل به المسلم.

أيضا الظاهر انه مال المسلم الذي انجلى عنه أو هلك ، أو باد ، ولهذا شرط ذلك كونه في خربة ، والّا فمال الكافر للواجد مطلقا ، كما يفهم من التفصيل ، وظاهر الرواية (٣) وكلامهم أنّه وان كان مال مسلم فهو لواجده.

وبالجملة هذا الجمع غير مناسب والحكم المذكور (٤) كذلك (لذلك ـ خ) لما مرّ.

__________________

(١) يعني صحيحتي محمّد بن مسلم.

(٢) أي بخلاف الأولتين.

(٣) راجع الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة.

(٤) يعنى المذكور في المتن.

٤٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولعدم صحة رواية محمّد بن قيس (١) لا لاشتراكه ، لما عرفت غير مرّة ، وانّما ينقل يوسف بن عقيل وعاصم بن حميد عن محمّد بن قيس الثقة (٢) خصوصا كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام ، فانّ في كتب الرجال مذكور (انّ ـ خ) محمّد بن قيس الثقة ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام يرويه عنه عاصم بن حميد ، وهذه الرواية كذلك.

والحاصل انّا وجدنا قرائن شتى على أنّ محمّد بن قيس الذي طريق الصدوق اليه صحيح (٣) ـ ويروي الشيخ عنه بطريق يصل الى عاصم بن حميد ، خصوصا كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام ـ هو الثقة لا غير ، وهو ظاهر لمن نظر في فهرست الشيخ والنجاشي واسناد الصدوق في الفقيه ، وقد توجه الرواية عنه في النهاية بطريق بعينه هو مذكور في الفهرست عن عاصم بن حميد ومحمّد (فمحمد ـ خ) بن قيس هذا ثقة ، وان كان ناقلا عن الباقر عليه السّلام فقول في درايته (٤) ، كل

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ٥.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا ، الحسن بن محمّد بن سماعة عن صفوان عن عاصم بن حميد ، عن محمّد بن قيس.

(٣) فانّ طريق الصدوق اليه كما في مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه عن محمّد بن قيس فقد رويته عن أبي رحمه الله عن سعيد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس.

(٤) يعني زين الدين الشهيد الثاني قدّس سرّه ، قال في درايته ما هذا لفظه : وكاطلاقهم الرواية عن محمّد بن قيس ، فإنّه مشترك بين أربعة ، اثنان ثقتان وهما محمّد بن قيس الأسدي أبو نصر ، ومحمّد بن قيس البجلي أبو عبد الله ، وكلاهما رويا عن الباقر والصادق عليهما السلام ، وواحد ممدوح من غير توثيق وهو محمّد بن قيس الأسدي مولى بني نصر ، ولم يذكروا عمن روى ، وواحد ضعيف ، وهو محمّد بن قيس أبو أحمد وروى عن الباقر عليه السّلام خاصّة وأمر الحجة بما يطلق فيه هذا الاسم مشكل ، والمشهور بين أصحابنا ردّ روايته حيث يطلق مطلقا ، نظرا الى احتمال كونه الضعيف.

ولكن الشيخ الطوسي أبو جعفر كثيرا ما يعمل بالرواية من غير الثقات الى ذلك وهو سهل على ما علم من

٤٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ما ينقله محمّد بن قيس عن الباقر عليه السّلام فهو مردود للاشتراك ـ غير واضح وهكذا (هذا ـ خ) كثيرا ما يردّ الخبر لاشتراكه ، ومن جملته هذه قال : في الجمع نظر ، لانّ محمّد بن قيس مشترك ، فلا يعارض الصحيح حتى يحتاج الى الجمع ، بل يطرح به ، على انّ هذه الرواية غير صحيحة ، ولو قلنا انّ محمّد بن قيس هو الثقة ، لأنها نقلت في التهذيب عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، وقد قالوا انّ في طريقه اليه (١) حميد بن زياد ، وقال انّه واقفي ، والحسن أيضا واقفي شديد العناد مع هذه الطائفة ومع أبي إبراهيم عليه السّلام ، فيمكن ردّها لهذا ، وهو كاف.

وقد عرفت الدّخل في وجه الجمع أيضا ، فلا يمكن جعلها موجبا لتخصيص الأوّلتين ، بل ولو ضمّ إلى أثر الإسلام كونه في بلد الإسلام ، لما تقدّم.

وقال في التذكرة بعد حمل الأولتين (٢) ـ على ما ليس فيه أثر الإسلام ـ : ولا ينافي ذلك رواية محمّد بن قيس ، لأنها محمولة على ما إذا كان على الورق ، أثر الإسلام ، أو على انّ المالك معروف.

وقد عرفت ما في الأوّل ، والثاني أيضا بعيد ، إذ الغرض عدم مالك

__________________

حاله ، وقد يوافقه على بعض الروايات بعض الأصحاب بزعم الشهرة.

والتحقيق في ذلك انّ الرواية ان كانت عن الباقر عليه السّلام فهي مردودة لاشتراكه حينئذ بين الثلاثة الذين أحدهم الضعيف واحتمال كونه الرّابع ، حيث لم يذكروا طبقته انتهى موضع الحاجة ، من كلام راجع ص ١٦٣ من الطبع الحجري سنة ١٣٠٩.

(١) طريق الشيخ الى الحسن بن محمد سماعة ـ كما في مشيخة التهذيب ـ هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسن بن محمّد بن سماعة فقد أخبرني به احمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة.

وأخبرني أيضا الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله ، واحمد بن عبدون كلهم ، عن أبي عبد الله الحسين بن البزوفري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماء.

(٢) يعنى صحيحتي محمّد بن مسلم.

٤٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

معروف ، ولهذا قال : (ان يعرفها إلخ) فكأنّه يريد ، ان كان له مالك معروف والآن غير معروف ومعلوم ، فيجب ان يعرّف حتى تعلم ، وهو بعيد ، مع أنّه قد يكون حينئذ مال مجهول أيس من صاحبه ، فيتصدق به أو يحفظه ، كما مرّ غير مرّة ، واستدللنا على الأوّل بالروايات الكثيرة ، وفي هذا البحث (المبحث ـ خ) أيضا ، في متاع رجل كان مع يونس بن عبد الرّحمن ، فما عرفه بعد ان وصل الى الكوفة وسأل الرضا عليه السّلام ، فقال له : بعه وتصدق به (١) وقد مرّ مثله كثيرا في باب الزكاة والخمس وغيره (٢).

والحاصل أنّ ظاهر الروايتين (٣) هو التملك من غير تعريف وقيد ، ولا منافاة بينهما وبين شي‌ء بخصوصه ، وان نافاهما ظاهر بعض الروايات في اللقطة وغيرها ، يمكن الخروج عنه بهما.

ويؤيّده أصل الإباحة وحصر المحرمات (٤) ، وعدم ظهور مالك بالفعل ، ولا العلم بأنّه كان في يد محترمة (٥) يمكن بقاء صاحبها الى الآن ، فتأمّل واحتط.

ثمّ الكلام في الخمس ، فان كان ممّا يصدق عليه أحد الأمور المذكورة الموجبة للخمس مثل الكنز الذي يصدق على المدفون ، فيمكن إيجابه ، لدليل الخمس في المعادن ، والّا فلا.

ولكن لم يظهر وجوبه فيما وجد في الخربة والمفازة ، الّا ان يقال بعموم

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٧ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٢) راجع الوسائل الباب ٧ من كتاب اللقطة حديث ١٧ ص ٣٥٧.

(٣) يعني صحيحتي محمّد بن مسلم.

(٤) لعلّه إشارة إلى قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) الآية الأنعام ١٤٥.

(٥) في بعض النسخ يد محترم ، والصواب ما أثبتناه.

٤٨٠