مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أولى (١).

وكذا قوله : والأصحّ في ذلك كلّه الجواز (٢) مع ذكره دليل التحريم ، مثل حسنة أبي المعزى المتقدمة ، وعدم ذكر دليل على الجواز أصلا ، كأنّه اكتفى بما ذكره أوّلا ، بقوله : جمعا بين الاخبار ، فتأمل.

وقال في شرح القواعد (وكذا لو سكن البعض ، وآجر الباقي بالمثل أو الزائد) أي وكذا يجوز الإجارة هنا ولا ربا ، ويجي‌ء فيه خلاف الشيخ والجماعة ، لأنّ الأجرة تتقسّط على الاجزاء (الاجراء ـ خ) ولحسنة أبي المعزى عن الصادق عليه السّلام في حديث أنّ فضل اجرة الحانوت والأجير حرام (٣) فيه أيضا تأمل ، لأنّ الخلاف مخالف للقواعد ، والضابطة ، والنص ، فإنّ للإنسان التصرف في ملكه عينا كانت أو منفعة بهما (مهما ـ خ) شاء ، ما لم يمنعه عنه مانع ، والنصّ الذي يصلح دليلا ، هي حسنة الحلبي المتقدمة (٤) ، وقد كانت مشتملة على جلوس بعض الدار واجارة البعض بأصل ما استأجرها ، لا بأزيد فكيف يجوز للشيخ ان يخالف فيه أيضا. وكأنّه لذلك ما نقل عنه ذلك الخلاف.

ومعلوم بطلان الدليل الآخر ، أي اشتماله على الربا وهو أضعف من ان يذكر ، ولأنّ حسنة أبي المعزى حسنة ، وليست بصحيحة يمكن الاستدلال بها على التحريم.

__________________

(١) لعل وجه الأولويّة أن الدليل في هذا المقام ليس منحصرا بالاخبار بل الأصل والضابطة أيضا دليلان كما أشار إليه قدّس سرّه.

(٢) عند شرح قول المصنف (لو تقبل عملا بشي‌ء وقبله لغيره بأقل) أي يجوز ذلك على رأى والخلاف للشيخ والجماعة لرواية أبي المعزى السابقة والأصحّ في ذلك كلّه الجواز انتهى.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب أحكام الإجارة ، الرواية ٤ ومتن الرواية هكذا : انّ فضل الحانوت والأجير حرام.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب أحكام الإجارة ، الرواية ٣.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّها مشتملة على الجواز في الأرض وعدم الجواز في الحانوت والأجير فقط ، فكيف يستدل بها على التحريم في المسكن أيضا.

فقول المصنف : (ويجوز ان يؤجر ما استأجره إلخ) لبيان جواز نفس اجارة ما استأجره ، لردّ توهم أنّه لا يجوز.

ولكن ذلك مشروط بعدم فهم استيفاء المنفعة على وجه ينفى الاستيجار ، ودليله واضح عقلا ونقلا ، وقد مرّت الإشارة إليه ، وقد سمعت الروايات فيه ، وستسمع أيضا.

وأيضا مشروط بان يوجر بمثل ما استأجر أو بالأقل ، وقد قيد في القواعد ومثله ، بأنه يجوز أن يوجر بمثله أو أقلّ ضررا.

والظاهر عدم حسن هذا القيد ، لانّ الفرض أنّ الإجارة (ان ـ خ) وقعت مطلقا ، وصارت المنفعة ملكا له ، والناس مسلطون على أموالهم (١) كما قال في الشرح ، وان كانت مقيّدة ، لا يجوز الاستيجار بوجه.

نعم لا يؤجرها بإجارة تضرّ عرفا ولا يوجر مثلها بمثل هذه الإجارة عرفا ، فكأنّه المراد ، فتأمل.

وقوله : (أو بعضه بأكثر) أي يجوز ان يؤجر بعض ما استأجره بأكثر ممّا كان اجرة له بالحساب والتقسيط ، أو بأكثر الإجارة بمعنى ان يؤجر نصفه مثل ان يستأجر دارا بعشرة ، ثم يؤجر نصفها بستّة ، ويسكن نصفها ، أو يوجر ذلك أيضا بشي‌ء ، أو يسكن أحدا.

ويحتمل ان يكون (بأكثر) قيدا لما استأجره أيضا ، كما هو الظاهر فمعناه

__________________

(١) قال في القواعد : ويجوز مع عدم الشرط ان يوجر لمثله أو أقل ضررا إلخ. ذكر هذا في الشرط الثاني من المطلب الثالث في المنفعة.

٤٢

ولا يجوز بأكثر منه مع التساوي جنسا ، الّا أن يحدث حدثا ، أو تقبّل (يقبل ـ خ) غيره بأنقص ممّا تقبل بعمله ، الّا مع الحدث على رأى.

______________________________________________________

يجوز اجارة كلّ ما استأجره أو بعضه بأزيد من نصف مال الإجارة ، ولكن فيه ركاكة معنى ، إذ يجوز بكل مال الإجارة ، فتأمل.

قوله : ولا يجوز بأكثر منه مع التساوي جنسا الّا ان يحدث حدثا ، اختار هنا مذهب الشيخ في المسألة الأولى بخلاف التذكرة والقواعد.

وقد عرفت ما فيه وأنّ القيد بالجنس مشعر بأنّ دليله الربا ، وهو ضعيف جدّا.

قوله : أو يقبّل غيره بأنقص ممّا تقبل بعمله الّا مع الحدث على رأى. كأنه بتقدير (أن) عطف على فاعل (لا يجوز) أي لا يجوز ان يقبل وفاعل (يقبل) ظاهر ، وهو المستأجر كفاعل (يؤجر) وضمير (بعمله) راجع إليه أيضا ، وهو مذكور معنى.

ولكنّه ينبغي بعمل (١) حتى لا يتوهم كون عمله شرطا ، أو كونه أجيرا خاصّا ، مع أنّه معلوم أنّ الفرض في الأجير المشترك كما صرح به في الشرح.

وهو إشارة إلى اختياره مذهبه في المسألة الثانية أيضا ، بخلاف ما اختاره فيهما ، كالأولى.

فقوله : (على رأى) إشارة إلى الخلاف فيهما ، وإطلاق الحدث يشعر بما قرّرناه من عمومه في الاخبار ، فلا يحتاج كونه ممّا يتقابل بالزائد ، كما قيد به في كلام الشيخ ، الّا ان يكون المراد به ما يقابله في الجملة (الجملة ـ خ).

وفيه أيضا إشارة الى ما قرّرناه من وجود المنع في أكثر من الأمور الثلاثة التي

__________________

(١) يعني ينبغي ان يكون التعبير (بعمل) لا (بعمله).

٤٣

ولو شرط إسقاط البعض ان لم يحمله الى الموضع المعيّن في الوقت المعين صحّ ، ولو شرط إسقاط الجميع بطل.

______________________________________________________

قاله في شرح المتن ، فتأمل.

قوله : ولو شرط إسقاط البعض إلخ. أي لو شرط المستأجر ـ ان أوصله الأجير إلى المكان المعين في يوم معين يمكن وصوله إليه في ذلك الزمان عادة بشي‌ء معين ، وان لم يوصله إليه في ذلك الوقت ، فينقصه من أجرته المعلومة شيئا معينا ـ فالإجارة مع الشرط صحيحة.

ودليلها عموم أدلة جواز الإجارة ، وجواز الشرط ، ووجوب الوفاء به ، مع الأصل ، وعدم ظهور مانع ، إذ ليس إلّا جهالة ما يعقد عليه حين العقد في الجملة ، وما يعرف كون العلم حينئذ ـ بحيث لا يحتمل غيره ـ شرطا ولا نعرف عليه دليلا واضحا.

ويدلّ عليه أيضا الاخبار.

مثل صحيحة أبي حمزة (كأنه الثمالي الثقة) عن أبي جعفر عليه الصلاة والسّلام قال : سألته عن الرّجل يكتري الدابة فيقول : اكتريتها منك الى مكان كذا وكذا ، فان جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ويسمّى ذلك؟ قال : لا بأس به كلّه (١) ، وهذه مع صحتها صريحة في عدم اشتراط ذلك العلم ، وعدم الضرر بمثل ذلك الجهل ، فهي تدل على جواز ما نحن فيه.

ومثله ان خطته روميّا فلك كذا أو فارسيّا (٢) فلك كذا ، ومثل آجرتك كلّ شهر بكذا ، كما أشرنا اليه ويدل أيضا على صحة تقديم القبول.

فقول شارح القواعد وغيره ـ باشتراط تقديم الإيجاب في الإجارة بل في

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١.

(٢) وفي بعض النسخ المخطوطة : وان خطته فارسيّا إلخ.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

غيرها أيضا ـ غير واضح ، وقد مرّ إليه الإشارة أيضا.

ورواية محمّد الحلبي ، قال كنت قاعدا الى قاض وعنده أبو جعفر عليه الصلاة والسلام جالس فجاءه (فأتاه ـ خ) رجلان فقال أحدهما انى تكاريت إبل هذا الرّجل ، ليحمل لي متاعا الى بعض المعادن ، فاشترطت عليه ان يدخلني المعدن يوم كذا وكذا ، لأنها سوق وأخاف ان يفوتني ، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكل يوم احتبسته كذا وكذا ، وانه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوما ، فقال القاضي هذا شرط فاسد وله (وفه ـ ئل) كراه فلمّا قام الرجل اقبل اليّ أبو جعفر عليه السلام فقال : شرطه هذا جائز ، ما لم يحط بجميع كراه (١).

وهذه صريحة ، ولا يضر عدم صحتها باشتراك محمّد بن إسماعيل (٢) ، ووجود منصور بن يونس ، كأنّه بزرج الذي قيل واقفي ثقة ، لما تقدم.

وظاهر كلامهم عدم التوقف في توثيق محمّد بن إسماعيل في مثل هذا السند ، كأنهم يعرفون كونه ابن بزيع الثقة ، وذلك غير بعيد ، وكثيرا ما يصرح في الكافي بابن بزيع في مثل هذا السند ، فهي موثّقة كما قال في المختلف وشرح الشرائع.

وهذه صريحة في البطلان ، مع شرط إسقاط الجميع ، كما اختاره المصنف ، لعله لا خلاف فيه ، فإنه يلزم كون الاعمال بلا اجرة بعمل ذي أجرة باشتراط عدمها أصلا بشرط ، فتأمل.

واستدل على صحة شرط إسقاط البعض وعلى عدم الجميع ، بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال : سمعته يقول كنت جالسا عند قاض من قضاة المدينة ، فأتاه رجلان ، فقال أحدهما انّى تكاريت هذا يوافي بي السوق يوم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٢.

(٢) وسندها ـ كما في الكافي ـ هكذا : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن محمّد الحلبي ، وفي الوسائل : محمّد بن أحمد ، بدل احمد بن محمّد.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كذا وكذا ، وانّه لم يفعل؟ قال فقال : ليس له كراء ، قال : فدعوته ، وقلت يا عبد الله ليس لك ان تذهب بحقّه ، وقلت للآخر (للأجير ـ خ) ليس لك ان تأخذ كلّ الذي (لك ـ خ) عليه اصطلحا فترادّا بينكما (١).

وفي الدلالة ضعف ، بل ليس الدلالة الّا على أنّه إذا شرط ان يوافي به الى موضع معين في يوم معيّن يصح ذلك ، وان لم يفعل يجب بعض شي‌ء والصلح ، ولا يدلّ على ثبوت اجرة المثل أيضا ، فتأمل.

ويؤيد صحة الأوّل (٢) قول الأكثر حيث قال في شرح الشرائع وشرح القواعد : هذا قول أكثر الأصحاب.

فالعجب من الشيخ علي رحمه الله انّه يراعي (راعى ـ خ) الشهرة والكثرة كما ترى ، وهنا خالفها (٣) مع الأدلة السابقة من الكتاب والسنة ، فانّ عمومهما (عمومها ـ خ) يدل على لزوم العقود والشروط ، والروايات المتقدمة على خصوص المطلوب ، كما عرفت ، وكذا الخبر الصحيح الذي سيجي‌ء ، وقال بعدم الصحة ، لاشتراط العلم الذي ما نعرف دليله (٤).

على أنّه قال مستند أكثر الأصحاب روايتان صحيحتان عن الحلبي وعن محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١.

(٢) يعني بالأوّل شرط إسقاط البعض.

(٣) قال رحمه الله في جامع المقاصد ما هذا لفظه : القول بالصحة في الشق الأوّل هو قول أكثر الأصحاب ثم استدل على قول الأكثر ، بصحيحة الحلبي ومحمّد بن مسلم ثمّ قال : والا صحّ بطلانهما (شرط إسقاط البعض وشرط إسقاط الجميع) ثم قال : لأن المستأجر عليه غير معلوم إذ المستأجر عليه أحد الأمرين غير معين والأجرة على كل واحد من التقديرين مقدار غير المقدار على التقدير الآخر ورواية محمّد بن مسلم غير صريحة في الصحة ورواية الحلبي يمكن تنزيلها على إرادة الجعالة والقول بالبطلان هو المتّجه انتهى.

(٤) في بعض النسخ المخطوطة لاشتراط العلم الذي العرف دليله.

(٥) تقدم في ذكر موضعهما آنفا.

٤٦

ويستحق الأجير الأجرة بالعمل ، وان كان في ملكه ، ولا يتوقف على التسليم.

______________________________________________________

وقال أيضا ورواية محمّد بن مسلم غير صريحة في الصحة ورواية الحلبي يمكن تنزيلها على إرادة الجعالة.

وقد عرفت ان لا دلالة في رواية محمّد بن مسلم ، بل الدلالة في صحيحة أبي حمزة المتقدمة وقد تركها هو وغيره مثل المختلف وشرح الشرائع واستدلوا برواية محمّد بن مسلم والحلبي كأنه مأخوذ من التذكرة.

وأنّ رواية الحلبي صريحة ولكن غير صحيحة لما عرفت ، ولهذا قال في المختلف وشرح الشرائع : (موثقة الحلبي).

كأنه أخذها من التذكرة فإنه قال فيها : صحيحة الحلبي كأنّه أراد معنى آخر ، فتأمّل.

وانّ التنزيل (١) بعيد من غير داع ولأنّه حينئذ لا معنى لقوله عليه السّلام : (ما لم يحط بجميع كراه) إذ الظاهر (٢) أنّه يصح هذا الشرط في الجعالة ، فتأمل.

قوله : ويستحق الأجير إلخ. قد مرّ دليل مختاره ومختار الشرائع وغيره ، وهو استحقاق الأجير طلب أجرته بعد إتمام العمل ، وان لم يكن سلّم العين إلى المستأجر ، وكان العمل في غير ملك المستأجر ، بل في بيت الأجير ولا يتوقف على تسليم العين.

نعم يجب عليه تسليم العين عند الطلب ، مع عدم المانع الشرعي فلو منع منه ، يكون غاصبا ضامنا.

والظاهر أنّه لا يستحق المستأجر المنع منه حتى سلّم ، فلو منع يكون غاصبا ظالما.

__________________

(١) ردّ على قوله : يمكن تنزيلها إلخ.

(٢) في النسخ المخطوطة : والظاهر.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو خلاف ما مضى ، أنّه يملك الأجرة بمجرد العقد ، إذ قد قام الدليل العقلي والنقلي على عدم جواز منع المالك من ملكه ، واستحقاقه الطلب ، وقد خرج قبل العمل بالإجماع ونحوه ، وبقي الباقي.

ويؤيّده وجوب اجرة العقارات قبل الاستيفاء وعموم وخصوص أدلة لزوم الوفاء بالعقود ، والشروط ، والاخبار.

مثل حسنة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام في الجمّال (الحمّال ـ خ) والأجير قال : لا يجفّ عرقه حتى يعطيه أجرته (١) وقد مرت.

واختار البعض مثل المحقق الثاني والشهيد الثاني عدم استحقاقه الّا بعد تسليم العين ، وان كانت في ملك المستأجر ، الّا ان يكون في يد المستأجر ، لأنّه لا يلزم العوض ، ولم يستحق طلبه في المعاوضات الا بالتسليم ، وتسليم المنفعة انما هو بتسليم العين ، كما في البيع.

وفيه تأمل يعلم ممّا تقدم ولا نسلّم الكلية ، وما نعرف له دليلا ، خصوصا إذا كان العوض منفعة ، بعد ثبوت الملك ، وفي البيع أيضا ان كان دليل فهو متبع لذلك ، والّا يمنع هناك أيضا ، كما فيما نحن فيه.

على أنّه قد يقال : إنّه لما كانت بيد الأجير فهو بمنزلة كونه بيد المستأجر ، لأنّه وكيل ومأذون في وضع اليد أو وديعة ، فكأنّه فعل العمل ، والعين في يد المستأجر ولهذا لو عمل وهو في يد وكيله أو يد الودعي ، فالظاهر أنّه لا يحتاج الى التسليم ، فتأمّل فيه.

وأنّه إذا كان عملا في أرض المستأجر ، فإنّ الظاهر أنّه حينئذ لا يحتاج الى تسليم الأرض على نحو تسليم العقارات ، بل يكفي العمل وان غصبت الأرض ، أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١.

٤٨

وكل موضع يبطل فيه العقد يثبت فيه اجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها ، زادت عن المسمّى أو نقصت.

______________________________________________________

خربت العمارة التي عملها قبل تسليمها ، فتأمّل.

ومنه ظهر وجه من يشترط في الاستحقاق كونه في ملك المستأجر ، ودفعه ، فتأمل.

قوله : فكل موضع يبطل فيه العقد إلخ. الظاهر ، (وكلّ) كما هو في بعض النسخ ، لعلّ دليل لزوم اجرة المثل ـ مع بطلان الإجارة في كل موضع الّا ما استثنى ، مثل ان يؤجر ويشترط عدم الأجرة أو لم يذكر اجرة ـ هو أنّ مع البطلان لا اثر للعقد ، فيرجع كلّ الى ماله ، كما إذا بطل البيع يرجع البائع إلى مبيعه والمشتري الى ثمنه ، ولا يملك احد مال آخر ومنافعه ، ولمّا تعذّر الرجوع في الإجارة إلى المنفعة ، يرجع صاحبها الى عوضها ، كما إذا تلف احد العينين.

وأيضا لا شك ولا خلاف في أنّ الإجارة الباطلة ليست مؤثّرة لملك عوض الإجارة ولا منفعته ، لأنّ معنى البطلان في غير العبادات عدم ترتب الأثر ، فلا بد من إرجاع العين الذي هو العوض الى مالكه ، وحينئذ لو لم يلزم شي‌ء للأجير ، يلزم الظلم وهو ظاهر ، فلا بد له من عوض منفعته ، وهو المراد بأجرة المثل ، سواء كانت مساوية للمسمّى ، أو زادت ، أم نقصت.

ولأنّه انّما حصل الرّضا في استيفاء منفعة دار الغير ودابّته مثلا بالأجرة (بأجرة ـ خ) فلا يكون متبرّعا ، فلا بدّ له من عوض ولمّا لم يتعيّن يرجع الى العرف ، وكذا استعمال الأجير وعمله للمستأجر كما في سائر الأمور المرجوعة الى العرف ، وهو اجرة المثل هنا.

وهذا ظاهر ، مع جهلهما ببطلان العقد واحكامه.

وأمّا مع العلم فلا ، إذ يصير العالم كالمتبرّع مثلا إذا علم الأجير أنّ إعماله بالعوض الخاص انّما هو لهذا العقد الفاسد ، فإذا عمل مع ذلك يكون متبرّعا في

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل ، وكأنّه فعله من غير اعمال من عمل له فلا اجرة له ، كمن يخيط ثوبا لشخص من غير إذنه بالأجرة وغير ذلك.

وكذا إذا علم المستأجر أنّ العامل لا يستحق بعمله هذا هذه الأجرة فسلمها إليه ، فكأنّه يوهبها له (١) ، ويؤذن له في إتلافها ، فيمكن ان لا يكون له الرجوع الى عوضه بعد إتلافه بإذنه عالما.

نعم لو اعتقد أنّه وان لم يستحق الأجرة ، ولكن له اجرة المثل فيصير كالجاهل ، فتأمّل.

ثم انّ الظاهر أنّ العالم كالغاصب ، لا يجوز له التصرف ، ولا يستحق شيئا لما مرّ ، من أنّ الإذن انّما علم بالعقد لاعتقاد أنّه صحيح ويلزم الطرف الآخر ما يلزمه ، وقد بطل وهو عالم بالفرض فيبقى أصل المنع على حاله ، كما قيل في البيع الباطل ، بل يفهم من كلامهم الضمان مع الجهل أيضا.

ويمكن ان يقال بطلان العقد مستلزم لبطلان جميع الآثار المترتبة شرعا عليه (٢) بالنسبة إلى الإجارة ، كما هو المفهوم من شرح الشرائع في هذه المسألة.

قال : فان قلت : أي فائدة في تسميته عقدا فاسدا مع ثبوت هذه الاحكام واقامته مقام العارية؟ قلت : فساده بالنسبة إلى الإجارة ، بمعنى عدم ترتب أحكامها اللازمة لصحيح عقدها ، كوجوب العمل على الأجير ونحوه ، لا مطلق الأثر (٣).

وهذا مفهوم من مواضع أخر ، مثل بطلان الإجارة بالتعليق وبقاء الاذن وقد فصله في شرح القواعد.

وقد عرفت ما فيه وبقاء الاذن مع بطلان الوكالة بردّ الوكيل ، ذكره في

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والظاهر انّ المراد كأنّ المستأجر يهب الأجرة له.

(٢) هكذا في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة وفي النسختين المخطوطتين : لا بالنسبة إلخ.

(٣) انتهى كلام شارح الشرائع.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

شرح القواعد أيضا.

وكذا بطلان الاذن ببيع العبد دون وكالته (١) ولزوم اجرة المثل في المضاربة الباطلة وغيرها.

وفيه تأمل ، إذ جميع الآثار والفوائد هو اثر العقد شرعا ، فإذا علم بطلانه شرعا ، وكون معناه بطلان عدم (٢) الأثر ، فلا ينبغي بقاء أثر (الأثر ـ خ) له أصلا ، فإنّه علم سقوط اعتباره في نظر الشرع ، فلا اثر له أصلا شرعا ، وهو المفهوم من البطلان فتأمل.

والتحقيق ان يقال : الإذن الباقي ليس اثر العقد ، والتصرف فيه ليس بسبب العقد ، بل لمّا وقع عقد اجارة على عمل أو منفعة مثلا على وجه خاص ، فقد تحقّق هنا العقد الذي رتّب عليه الشارع أحكاما كثيرة ، وفعل (فعلت ـ خ) بقصد حصول تلك (الاحكام ـ خ) للطرفين.

وقد يعلم حينئذ في ضمن هذا ، الاذن في التصرف في الجملة ، بان (ان ـ خ) علم أنّ صاحبه راض بالتصرف في هذا الأمر ، وفعل هذا العمل بعوض نقص (انقص ـ خ) من المقرّر ، وان لم يكن لازما ، وفي ضمن عقد لازم.

فهذا الاذن والتصرف الجائز والجعل ليس أثرا للعقد الباطل ، كما أنّه إذا علم مقصود شخص من نقيض ما يلفظ به سهوا ، مثل ان يقول في مقام الاذن (لا يدخل) ، مع قرينة صريحة في أنّه يريد الدخول ، أو تقدّم الطعام ويكرم الضيف ، ويأخذ يده ، ويحطّ على (الى ـ خ) الطعام ويقول له : لا تأكل ، ومعلوم أن هذا اللفظ غلط وباطل ، ولا أثر له ، الّا أنّه لمّا علم المراد يجوز التصرف من تلك الجهة.

__________________

(١) لعل المراد أنّه إذا اذن المولى لعبده لعمل مثلا ثمّ باعه بطل اذنه وامّا إذا وكله ثمّ باعه لم تبطل وكالته.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والظاهر زيادة لفظة (عدم) كما لا يخفى.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ففي كل موضع يعلم ذلك ، لا شكّ في بقاء الاذن ، ولزوم العوض على ذلك الوجه المعلوم ، وبدونه محل (فمحلّ ـ خ) الاشكال من احتمال بطلان أثره بالكليّة ، كما هو ظاهر البطلان ، وبقاء الأثر في الجملة وعدم ترتب ما علم عدم ترتبه عليه بدليل ، وبقاء الباقي تحت العقد ، وهذا بالحقيقة راجع الى عدم البطلان في الجملة.

فلا بد حينئذ من ان ينظر الى الدليل الدالّ على البطلان وكيفيّة دلالته ، فان كان يفيد العموم ولو بقرينة فهو المتّبع ، والّا فالذي عليه الدليل فقط ، كما أشرنا إليه في بطلان الوكالة المعلّقة وبقاء الاذن في الفعل الموكل فيه كما هو مختار التذكرة حيث علم ان لا دليل على البطلان عندهم سوى الإجماع المنقول في التذكرة ، ومع ذلك هو قائل ببقاء الاذن وقال : فائدة البطلان والفساد انما تظهر في الجعالة.

فعلم أن لا دليل على البطلان بالمرّة ، وأصل الصحّة وعموم أدلة العقد مفيد في الجملة ، فتأمل.

ثم انّ الاستثناء المذكور (١) منقول في شرح الشرائع عن الشهيد رحمه الله (٢) فالقسم الأوّل ظاهر ، لأنّ مرجعه إلى التبرّع فان من قال : آجرتك نفسي لا عمل لك اليوم ولا أجرة لي ، معناه اعمل لك من غير اجرة ، فلا اثر لقبول المستأجر ، بل ولا لإذنه وسؤاله ، لو فرض وكأنه ما فهم (ما فهموا ـ خ ل) معنى آجرتك ، أو ما قصدوا معناه الحقيقي ، بل المجازي ، فكأنّه ليس بعقد فاسد ، بل اذن في العمل

__________________

(١) إشارة إلى قوله في صدر المسألة : إلّا ما استثنى ، مثل ان يوجر ويشترط عدم الأجرة إلخ.

(٢) قال في المسالك : واستثنى الشهيد رحمه الله من ذلك ما لو كان الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد ، أو متضمنا له ، كما لو لم يذكر أجرة ، فإنّه حينئذ يقوى عدم وجوب الأجرة لدخول العامل على ذلك ، وهو حسن (ج ١ ص ٣٢٢).

٥٢

ويكره الاستعمال قبل المقاطعة.

______________________________________________________

)عمل ـ خ) بلا اجرة ، والّا فلا معنى لهذا اللفظ ، بل لا يتلفظ به عاقل رشيد عالم ، الّا ان يقصد المعنى المجازي ، والّا فلا يجوز استعمال مثل هذا الشخص ومعاملته الّا ان يريد التدليس ، حيث يثبت (ثبت ـ خ) له اجرة المثل لا الأجر المسمّى ، حيث ان سمّى لم يكن الّا يسيرا ، فتأمل.

وأمّا القسم الثاني (فهو (وهو ـ خ) الذي ترك ذكر الأجر فيه) ، فمحل التأمل ، إذ عدم الذكر ليس يدلّ على الرضا على عدم الأجرة بالكلّية ، إذ قد يكون لنسيان أو جهل واعتقاد انه معلوم مقرّر ، أو أنّه معلوم أنّ مع الإطلاق ينصرف الى العرف.

وبالجملة ، الظاهر أنّ العمل الذي ظاهر حالهما قصد الأجرة به ـ وكذا أنّ الانتفاع بمنفعة خاصّة انّما جوّز بعوض ـ ، لزوم العوض المعيّن المسمّى مع الصحّة ، واجرة المثل مع البطلان ، لما تقدّم ، حتى يعلم عدم العوض والتبرع ، فتأمل.

قوله : ويكره الاستعمال قبل المقاطعة. الظاهر عدم الخلاف في ذلك ويدلّ عليه الاخبار مثل رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام قال : قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملن أجيرا حتى يعلمه (يعلم ـ خ) ما أجره ، ومن استأجر أجيرا ثم حبسه عن الجمعة يبوء بإثمه ، وان هو لم يحبسه اشتركا في الأجر (١).

يعني ليس اثم الترك الّا على الحابس ، ولغير الحابس أيضا أجر ، مثل أجر العامل.

ويدلّ على أنّ وقت الصلاة حتى الجمعة والجماعة مستثنى للعامل من يومه وغيره ، فافهم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ٢.

٥٣

(الخامس) إباحة المنفعة ، فلو استأجر المسكن لإحراز الخمر والدابّة لحمله والدكان لبيعه ، بطل.

______________________________________________________

وصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري الطويلة المشتملة على ضرب الرضا عليه السّلام وغضبه غضبا شديدا لغلمانه الذين استعانوا برجل في عمل وما عيّنوا له اجرا ، وقال معتذرا عن فعله الضرب والغضب الشديد ، فقال انّى قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة ، واعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ، ثمّ زدته لذلك الشي‌ء ثلاثة أضعافه (أضعاف ـ ئل) على أجرته إلّا ظنّ انّك قد نقصته أجرته ، فإذا (وإذا ـ ئل) قاطعته أجرته ثم أعطيته أجرته حمدك على الوفاء ، فان زدته حبّة عرف ذلك لك ، ورأى أنك قد زدته (١).

وهذه تدل على جواز ضرب الغلام بعد المخالفة ، لمثل ما تقدّم ، والغضب لذلك ، وحسن الإيفاء ، وكونه بحيث يعرف العامل ذلك ، والاجتناب عما يقبح ، وان لم يكن مستحقا.

وفي كلاهما (٢) دلالة على جواز المبالغة والتأويل ، إذ الظاهر أنّهما محمولتان على الكراهة ، لعدم ظهور القائل بالتحريم.

ويؤيده الأصل ، وعموم أدلة الجواز ، وعدم ظهور وجه التحريم ، وعدم صحة الاولى (٣) ، وكونها ظاهرة في المبالغة ، والتأويل ، إذ لا يخرج عن الايمان بما ذكره ، وظهور الوجه الذي يستفاد من قوله عليه السّلام (اعلم) وعدم منعه الأجير المذكور عن ذلك العمل ، بل الظاهر أنّه تركه يعمل ، والّا لنقل ، ولا شك أنّ الأحوط هو الترك.

قوله : الخامس إباحة المنفعة إلخ. الشرط الخامس من شروط صحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب أحكام الإجارة الرواية ١. هكذا في جميع النسخ وفي الوسائل نقلا عن الكافي والتهذيب زاد بعد قوله عليه السّلام : (غير مرة) ان يعمل معهم أحد (أجير ـ يب) حتى يقاطعوه على أجرته.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصّواب وفي كليهما.

(٣) وذلك لعدم توثيق هارون ومسعدة.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجارة كون المنفعة مباحة فلو كانت محرّمة فالظاهر أنّ إجارة عينها لاستيفاء تلك المنفعة حرام ، والعقد أيضا باطل ، فلو استأجر المسكن لإحراز الخمر لا لقصد التخليل ـ وكذا الدابّة والآدمي والسفينة لحملها ، لا لقصد التخليل ، ولا للاهراق أو الدكّان لبيعها فيه ـ بطل العقد ، وفعل حراما.

وكذا جميع المحرمات مثل اجارة آلات اللهو والقمار وجعل الخشب ونحوه صنما دليل التحريم قوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ) (١) ولا شك في كونه تعاونا على الإثم في الجملة ، والتعاون عليه مطلقا منهي وحرام ، والعقل أيضا يساعده.

ورواية جابر (صابر ـ خ) قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه (فيها ـ خ) الخمر؟ قال : حرام أجره (٢).

وتحريم الأجر مستلزم لتحريم العقد وبطلانه.

ولا يضر عدم صحة السند (٣) باشتراك ابن سنان وجهل عبد المؤمن وجابر لأنّ الظاهر أنّ ابن سنان هو عبد الله الثقة ، بقرينة رواية علي بن النعمان عنه ، وأنّ عبد المؤمن ثقة ، وجابر كأنّه المكفوف الممدوح ، مع أنّه مؤيّد ، فتأمل.

ثم انّ الظاهر هو بطلان العقد على تقدير التحريم كما فهم من الرواية ، ولأنّ النّهي فيه راجع الى العين بمعنى عدم صلاحيّتها للانتفاع والانتقال ، كما في بيع المجهول ، للغرر ، وبيع الملاقح (٤) ، ونحوها ، وهو ظاهر ، لأنّه معلوم أنّ الفرض أن

__________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به (من كتاب للتجارة) الرواية ١ (ج ١٢ ص ١٢٥).

(٣) وسند الرواية ـ كما في التهذيب ـ هكذا : احمد بن محمّد ، عن محمّد (على) بن إسماعيل ، عن علي بن النّعمان عن ابن مسكان ، عن عبد المؤمن ، عن صابر (جابر ـ خ).

(٤) قال في مجمع البحرين ، وفي الخبر نهى عن بيع الملاقح والمضامين لأنّه غرر ، أراد بالملاقح ـ جمع ملقوح ـ وهو جنين الناقة وولدها ملقوح به فحذف الجار انتهى.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا الانتفاع غير محلّل ، فلا يصلح للأجرة ، والعقد ، فلا ينتقل من مالكه ، ولا يملكه المنتقل اليه ، وهذا ظاهر.

الّا أنّ في دلالة الآية (١) تأمّلا مّا ، إذ يشكل تعميمها بحيث يشمل ما نحن فيه.

وأصل الجواز وعموم أدلة العقود ، يفيد الجواز والانعقاد.

وكذا مكاتبة ابن أذينة (الحسنة لإبراهيم) قال : كتبت الى أبي عبد الله عليه السّلام أسأله عن الرّجل يؤاجر سفينته ودابّته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر و (أو ـ خ) الخنازير؟ قال : (فقال ـ خ) لا بأس (٢).

ولا يضرّ المكاتبة بعد اعتبار السند ، خصوصا مع عدم وضوح سند ما يدلّ على المنع.

فيمكن ان يحمل ما يدلّ على المنع على أن يؤجره لذلك ، ويعلم أنّه يحمل عليه ذلك ، ويستأجره لذلك ، لا غير.

وظاهر كلام الأصحاب أيضا ذلك ، ولا شك حينئذ في دلالة الآية والعقل على تحريم ذلك ، فلا شك في التحريم والبطلان حينئذ.

وأمّا الإجارة ممّن عمله ذلك فلا يكون حراما ويؤيّده ما تقدم في بيع العنب لمن يعمل خمرا ، والخشب لمن يعمل صنما وغير ذلك.

ومكاتب عمر بن يزيد (الحسنة لإبراهيم) (٣) قال : كتبت الى أبي عبد الله

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا) الآية.

(٢) الوسائل الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به (من كتاب التجارة) الرواية ٢ (ج ١٢ ص ١٢٦) وسندها ـ كما في الكافي. هكذا : على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، قال : كتبت إلخ.

(٣) وسندها ـ كما في الكافي ـ علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، قال : كتبت إلخ.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام أسأله عن رجل (الرجل ـ خ) له كرم ، أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنّه يجعله خمرا ، أو سكرا؟ فقال : انما باعه حلالا في الّا بان الّذي يحلّ شربه واكله ، فلا بأس ببيعه (١) وغيرها.

ولا يبعد تنزيله على ان يعلم أنّه يجعل العنب والتمر في الجملة خمرا ، لا أنّه يعلم جعل عنبه الذي يبيعه خمرا علما يقينيا ، لا يحتمل النقيض ، فانّ ذلك حينئذ معاونة منهيّة ، كما تقدم ، فالظاهر تحريمه ، فتأمّل.

وجمع الشيخ رحمه الله بين رواية جابر ومكاتبة عمر في التهذيب بوجهين أحدهما جواز ان يكون الخبر الأوّل متوجها الى من يعلم أنّه يباع فيه الخمر ، فلا يجوز له اجارة البيت لمن ذا صفته والثاني انما يتوجه الى من يؤاجر دابّته أو سفينته وهو لا يعلم ما يحمل عليه (عليها ـ خ) ثمّ علم ذلك (٢) لم يكن عليه شي‌ء. والوجه الآخر انّما حرم اجارة البيت لمن يبيع الخمر ، لأنّ بيع الخمر حرام ، وأجاز إجارة السفينة يحمل فيها الخمر ، لأنّ حملها ليس بحرام ، لأنّه يجوز ان يحمل لان يجعله (ليجعله ـ خ) خلا ، وعلى هذا لا تنافي بين الخبرين (٣).

ولا يخفى أنّ الوجه الثاني لا يتمّ لاشتماله على الخنزير ، الّا أن يحمل حمل الخنزير أيضا على وجه لا يكون الانتفاع به حراما كالخمر للتخليل ، أو الإراقة.

وأنّ الوجه الأوّل ما أشرنا اليه ، وأنّه حين العلم لا يجوز له التسليم ، بل يجب منعه عن ذلك الحمل ، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ان تحقق شرائطه ، ومع ذلك يستحق الأجرة ، وان لم يستعملها المستأجر حتى مضت المدة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٩ من أبواب ما يكتسب به (من كتاب التجارة) الرواية ٥ (ج ١٢ ص ١٦٩). وقوله : سكرا : السكر بالتحريك نبيذ التمر (مجمع البحرين).

(٢) وفي التهذيب : ثم حمل فيه ذلك إلخ.

(٣) انتهى كلام التهذيب.

٥٧

(السادس) القدرة على تسليمها ، فلو آجر الآبق لم يصحّ.

______________________________________________________

وبالجملة الظاهر من العقل والنقل مثل الآية المتقدمة عدم الجواز وعدم صحة الإجارة للاستعمال في المحرّم. و (أو ـ خ) علم ذلك علما يقينيا ، والّا فلا ، وكذلك ينبغي في البيع ، وبه يجمع بين الأدلّة ، فتأمّل.

قوله : السادس القدرة على تسليمها إلخ. من شرائط الإجارة قدرة الموجر على تسليم العين المستأجرة إلى المستأجر.

ولا شك في اشتراط كون العين المستأجرة مقدورة التسليم في الجملة ، ليمكن الانتفاع المطلوب منها ، إذ استيجار الغير المقدورة التي لا يمكن الانتفاع المطلوب منها سفه وغرر ، ولا يجوز.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، ويدلّ عليه العقل والنقل (١) مثل استيجار الأخرس للتعليم والأعمى لحفظ متاع بالبصر.

وأمّا اشتراط كون تسليم المنفعة مقدورا للموجر ، فالظاهر ، لا ، بل يكفي إمكان التسليم ، فلو كان المستأجر قادرا على استيفاء المنفعة بأخذ العين من الغاصب بنفسه أو بمعاونة غيره ، فالظاهر جواز استيجاره.

وكذا الظاهر جواز استيجار المغصوب من الغاصب للتسليم.

والظاهر أنه بمجرد العقد يخرج عن الضمان والغاصبيّة ، ولا يشترط الأخذ ثم التسليم ، ولا مضى زمان يمكن ذلك ، ولا رضاء الغاصب بالإعطاء ، وترك الغصب ، وان كان واجبا عليه في صحة العقد والخروج عن الضمان ، لعموم الأدلة والأصل ، وانتقال الملك ، فلا ضمان.

وكذا لو ادّعى المستأجر القدرة على تسليم الآبق أو المؤجر على التسليم ،

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٣٩ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة ج ١٢ ص ١٢٥ والباب ١ من كتاب الإجارة ج ١٣ ص ٢٤٢.

٥٨

ولو منعه المؤجر سقطت ، والأقرب جواز المطالبة ، بالتفاوت.

______________________________________________________

سواء كان مقدورا عادة أم لا ، ولا بعد في صحة الإجارة ، لعموم الأدلة ، وعدم ثبوت المانع.

ثم ان بذل الجهد ولم يمكن التسليم تبطل الإجارة ، ولم يلزمه شي‌ء ، لأنّ لزوم الأجرة موقوف على إمكان التسليم والتسلّم ، الّا ان يقصّر المستأجر مع القدرة ، ويكون هو المدعي لها ، فيلزم.

ولا يبعد أيضا صحة الإجارة مع انضمام شي‌ء مقصود معه ، بحيث يخرج عن السفه والغرر ، كما مرّ في البيع ، لعموم الأدلة ، وعدم ثبوت ما فرض مانعا ، لا (١) بالقياس الى البيع وكونه اولى منه ، فإنّ المسامحة في الإجارة أكثر فمنع (٢) القياس والأولوية ولزوم الاقتصار على النص ، فتأمل.

وبالجملة عموم أدلة الإجارة يفيد الجواز والصحة مطلقا ، الّا ما علم خروجه مثل ما لم يكن مقدورا عليه أصلا منفردا ، فإنّه سفه وغرر ومجمع عليه ، وأمّا غيره فلا ، بل يصحّ ولزومها موقوف على التسليم ، الّا ان يكون خارجا بدليل من إجماع ونحوه ، فتأمل.

قوله : ولو منعه المؤجر إلخ. أي لو منع المؤجر المستأجر من التسليم ـ بان لا يسلّم العين اليه عند المطالبة التي يجب معها التسليم ـ سقطت الأجرة ، أي تبطل الإجارة ، فليس للمؤجر مطالبة الأجرة منه ، فانّ التسليم وعدم المنع كان شرطا للاستحقاق بالاتفاق ، فليس لأحد على الآخر شي‌ء ، وينفسخ العقد بنفسه ، لأنّه بمنزلة تلف المبيع والعين قبل التسليم.

ولا يبعد ان يكون له الخيار وعدم البطلان الّا بفسخه ، ويكون له الصبر

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة : إلّا بالقياس.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب ، لمنع القياس.

٥٩

ولو منعه ظالم قبل القبض تخيّر في الفسخ والرجوع على الظالم ، ولو كان بعده لم تبطل ، وله الرّجوع على الظالم خاصّة.

ولو انهدم المسكن فله الفسخ ، فيرجع بنسبة المتخلّف ، الّا أن يعيده المالك.

______________________________________________________

والرضا بالعقد ، وحينئذ ان فسخ يبطل ، كما مرّ ، وان كانت اجرة مثل العين زائدة على المسمّى ، يكون للمستأجر مطالبة المؤجر بها ، أيضا ، لأنّ المنفعة مملوكة له ، وقد منعه عنها ، وهي مضمونة ، كالأعيان ، وكما إذا غصب العين غاصب ، واليه أشار بقوله : (والأقرب إلخ) وليس ببعيد ، فتأمل ، والظاهر أنّ له حينئذ الفسخ والرجوع الى عين أجرته فقط.

قوله : ولو منعه ظالم إلخ. أي لو منع المستأجر ـ قبل قبض العين المستأجرة عن انتفاعها ـ ظالم غير الموجر ، تخيّر المستأجر بين فسخ العقد وعدم مطالبة أحد إلّا المؤجر في أخذ أجرته إن سلّمها ، فيطالب المالك الظالم بأجرة المثل كلا أو بعضا ، وبين عدم الفسخ فيطالب الظالم بالعين المنتفع بها ، ويأخذ أجرة المثل في مدّة المنع ، ويأخذ منه المالك المسمّى ، لالتزامه بالعقد (العقد ـ خ).

وان كان بعد القبض فليس له الابطال ولا يبطل العقد ، بل له الرجوع على الظالم خاصّة ، وعليه المسمّى للمالك ، والعين مضمونة له في يد الغاصب.

ولا يخفى أنّ هذا إذا كانت المستأجرة غير الآدميّ الحرّ أو (وـ خ) استوفى المنفعة ، بناء على ما تقرّر عندهم من أنّ منافعه لا تضمن الّا بالاستيفاء ، وان لم يكن هذا غير معلوم لي.

وأنّه لو غصب الموجر بعد التسليم ، فالظاهر أنّه كالغاصب الأجنبي.

قوله : ولو انهدم المسكن إلخ. أي لو انهدم المسكن المستأجر ـ بحيث لم يمكن الانتفاع به ، أو انقضّ ونقص نقصانا لو كان قبل العقد لم يرغب في الإجارة

٦٠