مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

الى الحاكم ، ان وجده.

ولو أخذ غير الممتنع في الفلاة ، استعان بالسلطان في النفقة ، فإن تعذّر ، أنفق ، ورجع مع نيّته ، على رأي.

______________________________________________________

ان أخذ غير الشاة من أمثالها في العجز عن صغار السّباع مثل صغار الإبل والبقر أو غيرها مطلقا في العمران ، يحفظه (تحفظ ـ خ) عنده حتى يجي‌ء مالكه ، ويجب أن ينفق عليه لحرمته ، لكونه ذا روح ، ولا يرجع الى مالكه فيه ، أو دفعه الى الحاكم ، ان وجده ، وان لم يجد المالك ، ويبرأ بالتسليم اليه.

والظاهر أنّه يكون ضامنا ، لأنّه أخذ ما لا يجوز له أخذه ، وهو المناسب لقوله (بوجوب الإنفاق عليه) مع عدم الرجوع ، وان نوى الرّجوع ، بل يمكن مع دفعه الى الحاكم أيضا ان يكون ضامنا ، حتى يصل الى يد المالك لقوله صلّى الله عليه وآله : على اليد ما أخذت حتى تؤدي (١) وغيره.

ولعلّ دليل سقوط الضمان مع دفعه الى الحاكم كونه وكيل المالك (وكيلا للمالك ـ خ) ، وأنّه محسن ولا سبل عليه (٢) وهو يدلّ على جواز الأخذ ، ومع وجوب نفقة الدابّة على صاحبها يدلّ على جواز الرّجوع.

والإحسان في محلّ المنع ، فإنّه تصرّف في مال الغير بغير إذن (الاذن ـ خ) ، وهو غصب ، فيلزم بالنفقة أيضا ، وان كانت واجبة على المالك ، إذ قد يطعمه ما لا قيمة له مثل ان يرعاه في الصّحراء من غير اجرة ، وكذا كون الحاكم مطلقا وكيلا.

قوله : ولو أخذ غير الممتنع إلخ. أي ان أخذ غير الشاة ممّا لا يمتنع عن صغار السّباع ، مثل ولد الإبل والبقر والحمار والبغل ونحوها.

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ١ ص ٣٢٤ ح ١٠٦ وص ٣٨٩ ح ٢٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) التوبة ٩١.

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا هو الظاهر ، ولكن يجب ان يراد منه غير صغار (١) الممتنعات ، لأنّه قد مرّ أنّ حكمها حكم الشاة في الفلاة سواء كان في كلاء وماء أم لا ، والفرق بينه وبين ما تقدمه ـ بأنه هناك أخذها في العمران وما في حكمه من القرب وهنا أخذها في الفلاة ـ غير ظاهر.

وظاهر القوانين وكلامهم عدم جواز الأخذ هنا أيضا ، لما مرّ ، الّا أنّ الأخذ هنا أولى ، لأنّه في معرض التلف ، فالآخذ محسن لا سبيل عليه ، فلا يكون ضامنا ، بل يحفظ عنده أمانة ، ويستعين بالحاكم للإنفاق ، فيعطيه من بيت المال ، لانّه من المصالح والّا ينفق عليها (عليه ـ خ) ويرجع مع قصده.

ينبغي بإذن الحاكم ، بل في الحفظ أيضا ، ولكن يجرى فيه ما تقدم خصوصا إذا قالوا بعدم الجواز ، فلا إحسان حينئذ ، فيكون ضامنا ، وغاصبا ، وينفق ولا يرجع.

واعلم أنّ الفرق بين صغار الممتنعات (٢) وغير الممتنع ـ حيث جعل حكم الأوّل في الفلاة حكم الشاة دون الثاني ـ غير ظاهر ، وكذا الاستعانة بالحاكم ، فانّ الإنفاق لملك مالك لا يستعان له بالحكم ، بل يستقرض عليه أو يبيعه فيه أو يعطي من عنده مع الرّجوع ، ان كان أمينا ، والّا ينفق من ماله ، ولا (٣) يرجع ، وأيضا فان لم يكن حكم غير الممتنع في الفلاة حكم الشاة ، لا يجوز أخذه ، بعدم الدليل ، وبالجملة هذا المتن مشكل ، فتأمّل ولهذا ، هذا القسم الثالث غير موجود في العبارات ، بل جعل فيها حكم غير الممتنع مطلقا حكم الشاة ، لما مرّ ، وهذا من خصائص الكتاب.

__________________

(١) في النسختين صغار الممتنعات (من غير لقطة غير).

(٢) حيث قال قدّس سرّه : وكذا صغار الممتنعات.

(٣) في النسختين المخطوطتين : والّا فيرجع ، والصّواب ما أثبتناه.

٤٤٢

وكذا ينفق على العبد ، لو التقطه.

ولو انتفع باللّبن أو الظهر أو الخدمة قاصّ ، على رأي.

______________________________________________________

قوله : وكذا ينفق على العبد إلخ. قد مرّ أيضا أنّه يجوز بل يجب التقاط العبد الصّغير الغير المميّز الذي لا يستقل بحفظ نفسه ، فان عرف مالكه يسلّمه اليه ، ولا يكون ضامنا حينئذ إلّا مع التفريط والإفراط ، لأنّه محسن ، بل حينئذ ليس من الالتقاط ، والّا يحفظه عنده أمانة أيضا ، كسائر الأموال الملقوطة أيضا ، وينفق عليه ، إذ نفقته تجب على مالكه ، فيستقرض عليه ، أو ينفق من نفسه ، ويرجع عليه ، وقد مرّ دليله أيضا.

قال في التذكرة : ولو وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يجز له أخذه ، لأنّه كالضالة الممتنعة من دفع المؤذيات عنه ، ولو كان صغيرا كان له أخذه لأنّه في معرض التلف ، والمال إذا كان بهذه الحال جاز أخذه ، وهو نوع منه ، وإذا أخذ عبدا صغيرا للحفظ لم يدفع الى مدعيه ، ولا يكفي الشهادة على شهود الأصل بالوصف ، لاحتمال الشركة في الأوصاف ، بل يجب إحضار شهود الأصل ، ليشهدوا بالعين ، وان تعذّر لم يجب نقل العبد الى بلدهم ، ولا بيعه على من يحمله ، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز ، ولو تلف قبل الوصول أو بعده ، ولم يثبت دعواه ضمن المدعي قيمة العبد والأجرة.

قوله : ولو انتفع باللّبن إلخ. يعني لو انتفع بلبن الحيوان المأخوذ في موضع جواز أخذه ـ ويمكن الأعمّ فشربه أو باعه وأكل ثمنه أو بظهره بان يركبه (ركبه ـ خ) ، ويمكن إجارته لذلك وأخذ الأجرة. أو لخدمته بان يستخدمه ـ قاصّه ، يعنى ينظر الى مقدار النفقة واجرة الخدمة والركوب وثمن اللّبن ، فان تساويا ، والّا فإن كان عنده زائدا يعطيه مالكه ، وناقصا يأخذه من صاحبه ، هذا هو مقتضى القوانين ، لأنّ كلّ حقّ عند آخر ، فيجوز ان يتقاصّا ، كسائر الحقوق.

ونقل عن الشيخ أنّه قال : اللّبن والظهر والخدمة لمن أنفق مطلقا من غير مقاصّة ، يكون

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك بإزاء النفقة.

ولعله حمل على الرّهن ، إذ اختياره فيه ذلك تعويلا على رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عن آبائه ، عن علي عليهم السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركبه نفقته والدّر يشرب (ويشرب الدّر ـ ففيه) إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يشرب نفقته (١).

فان كان التعويل على هذا فهو ضعيف ، بمنع الإلحاق أوّلا ، ويضعف سند الملحق به ثانيا ، وعدم دلالة الرواية ثالثا ، قلت : لا دلالة فيه على الخدمة.

ولعلّ تعويله في الرّهن على غيرها ، مثل صحيحة أبي ولّاد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن الرّجل يأخذ الدابّة والبعير رهنا بماله إله أن يركبه؟ فقال : ان كان يعلفها فله ان يركبها وان كان الذي رهنه عنده يعلفها ، فليس له يركبها (٢).

وفيما نحن فيه بمثل صحيحة ابن محبوب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن اللقيطة؟ فقال : لا تباع ولا تشترى ، ولكن تستخدمها بما أنفقت عليها (٣).

ولكن خلاف القوانين والرّواية قاصرة ، إذ لا دلالة فيها على كل ما قاله ، وليست بصريحة في عدم المقاصّة أيضا ، بل يدلّ على جواز الاستخدام بالإنفاق.

ويحتمل مع ذلك الرّجوع بالزيادة والرّد في النقيصة.

وظاهرهم أنّه يجوز ذلك الانتفاع مع التقاص ، من غير اذن الحاكم أيضا ، وهو ظاهر الرواية في الاستخدام بالنفقة ، ويمكن غيره أيضا ، فتأمّل واحتط.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من كتاب الرهن الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من كتاب الرهن الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من كتاب اللقطة الرواية ٤ وفيه ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن أحمد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام إلخ.

٤٤٤

ولقطة غير الحرم ان كانت دون الدّرهم يملكها الواجد ، والّا وجب تعريفها سنة.

وله ان يعرّف بنفسه ، وبغيره ، فان جاء صاحبها (فله ـ خ) والّا تخيّر بين الملك ، والضمان ، وبين الصدقة ، والضمان ، وبين الإبقاء امانة ، ولا ضمان.

______________________________________________________

قوله : ولقطة غير الحرم إلخ. إشارة إلى أحكام لقطة الأموال غير الإنسان والحيوان.

قال في التذكرة : وهو كل مال ضائع أخذ ، ولا يد لأحد عليه ، لعلّ المراد غيرهما لأنّه المتبادر ، فكأنّ المال الضّائع صار اصطلاحا في ذلك ، كما يقولون وجدت لقطة (١) ، ما يريدون الّا ذلك ، قال : ان كان في الحرم لم يجز تملكه عند احد من علمائنا اجمع ، وفي جواز التقاطها قولان ، ولا خلاف في الكراهة الشاملة للتحريم لعلّ المراد المال الكثير أي الدرهم وما فوقه ، إذ يوجد من قال بتملك القليل.

ولهذا قال في التذكرة في موضع آخر : الأقرب عدم الفرق في تحريم التملك بين القليل والكثير.

ونقل في شرح الشرائع عن التحرير تجويزه تملك القليل ، بل يوجد من قال يتملّك الكثير أيضا ، مثل أبي الصّلاح نقله في شرح الشرائع لعلّه ما اعتبر خلافه في شرح الشرائع ، فتملك لقطة الحرم التي هي غير الإنسان ، والحيوان حرام على المشهور بالعقل والنقل الدالين على عدم تملك مال الغير الّا برضاه.

وأمّا أخذها لحفظها للمالك ، فقيل مكروه ، ودليلها عموم أدلّة كراهة مطلق اللّقطة ، وقد مرّت وسيجي‌ء أيضا.

وخصوصا (٢) رواية أبي بصير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح موسى

__________________

(١) في النسختين المخطوطين : وجدت ولقطت.

(٢) في النسخة المطبوعة ، خصوصا بدون (واو) ولعلّ الصواب وخصوص رواية إلخ.

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بن جعفر عليهما السّلام قال : سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم ، فأخذه؟ فقال : بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه ، فقلت (قال : قلت ـ خ) قد ابتلى بذلك ، قال : يعرفه ، قلت : فإنّه قد عرفه فلم يجد له باغيا قال : يرجع به الى بلده ، فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين ، فان جاء طالبه فهو له ضامن (١).

ظاهرها الكراهة للقطة (ينبغي) فيحمل عليها (بئس ما صنع) للأصل.

ولعدم الصحة لوجود وهيب بن حفص المشترك (٢) بين له من كتاب وبين من وقف وهذا في باب لقطة التهذيب ووجود ابن جبلة في باب زيادات حج التهذيب (٣) وعلي بن أبي حمزة ، كأنه الواقفي الضعيف جدّا ، لأنّه البطائني ، لنقل أبي بصير عنه ، فإن البطائني هو قائده ، ولكونه من رجال أبي الحسن عليه السّلام.

وفيها دلالة على التعريف في لقطة الحرم أيضا في الجملة ، وفي أي موضع كان كاف ، وأنّه لو وجد طالبا ، لأعطى من غير اذن الحاكم ، وثبوته عنده ، بل ثبوته عنده كاف ، فافهم.

وعلى تصدقه من غير كونه فوريا بعد رجوعه الى بلده وعلى أهل بيت من المسلمين.

وعلى الضّمان بعد التصدق.

والظاهر التحريم ، لأنّه تصرّف في مال الغير بغير اذنه ، وهو منفي عقلا ونقلا وشرعا كتابا وسنة (٤) وإجماعا ولوجود (لا تمسّ) و (بئس) و (لا ترفع) في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٢) سندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : الصّغار ، عن محمّد بن الحسين بن الخطاب ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السّلام.

(٣) أورد هذه الرواية في الوسائل في الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٣ ، وسندها هكذا : موسى بن القاسم ، عن ابن جبلة ، عن علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح عليه السّلام.

(٤) إشارة إلى قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) النساء ٢٩ والسّنة : لا يحلّ مال امرء مسلم بغير إذنه.

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الاخبار (١).

وقال في الدروس : والكراهية قويّة إذا بلغت درهما ، ولو نقصت عنه حلّ تناولها ، وملكت كما تملك في الحلّ على الأقرب.

لعل ما اعتبر إجماع التذكرة ونظر الى عموم رواية جواز تملك الأقل ، وهي ما رواه محمّد بن أبي حمزة (الثقة في الحسن) عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه السّلام : قال : سألته عن اللقطة؟ قال : تعرّف سنة قليلا كان أو كثيرا ، وما كان دون الدرهم فلا تعرف (يعرّف ـ خ) (٢).

على انّ هذه غير صحيحة كما ترى ولا صريحة في التملك ، بل وعدم التعريف فقط ، وخلاف العقل والنقل ، وخلاف عموم أدلّة المنع والكراهة ، فإنّه غير مقيّد بالقلّة والكثرة ، مع مخالفتها لنقل إجماع التذكرة ، على الظاهر ، فتأمّل.

وبالجملة كلام الدروس غير ظاهر ، لأنّه ان اعتبر الشهرة والإجماع المنقول لا الدليل ، ينبغي ان يقول بعدم تملك لقطة الحرم ، بل تحريمها أيضا ، فإنّه المشهور ، قاله في شرح القواعد ، والّا ينبغي (فينبغي ـ خ ل) أن لا يقول بجواز تملك القليل في غير الحرم أيضا وعدم تعريفه ، إذ ليس له غير الشهرة ، والإجماع دليل واضح.

الّا ان يقال : إنّما الإجماع في الدرهم وما (فما ـ خ ل) فوق في الحرم لا فيما دون وعليه تحمل عبارة التذكرة ، لأنّه قال في موضع آخر : الأقرب أنّه لا فرق بين لقطة الحرم فيما دون الدّرهم ، كما في الزائد عليه ، لحرمة الحرم الشاملة للقليل والكثير ، وبالجملة الخلاف موجود ، بل من العلامة حيث نقل عنه أنه في التحرير جوّز تملك القليل وتردد في تحريم لقطة الكثير ، فتأمّل.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١ من كتاب اللقطة والباب ٢ منه الرواية ٣ و ١٠.

(٢) الوسائل الباب ٤ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فأخذ عوض العين بناء على أن ليس له الّا العوض أو أخذ عوضه بالتراضي ضمن للثاني أيضا العوض ، إذا ادّعى واثبت كونه له بالبينة ، مع حكم الحاكم على كل حال ، سواء كان مع بينة الأوّل حكم الحاكم أم لا ، والفرق انه حينئذ إعطاء الأول مال نفسه ، لأنّ الذي ثبت في ذمته أمر كلّي انّما يتعين إذا وصل الى صاحبه ، وما علم كون الأوّل هو الصاحب ، إذ قد يكون للثاني ، لعدم الرجحان.

نعم لو كان له بينة راجحة لم يضمن ، وأمّا رجوعه إلى الأوّل فهو غير ظاهر ، الّا ان يقيّد بكون بيّنة الثاني راجحة ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

أعلم أنّه قد مرّ في كثير من الأخبار ما يدلّ على عدم التعريف ، مثل ـ ما في الصحيح ـ عن إسحاق بن عمّار ـ بعد سؤال أهل المنزل قال له الامام عليه السّلام ـ تصدق بها (١).

وموثّقة زرارة ـ لابن بكير ـ قال الصادق عليه السّلام : هذا ممّا جاء به السيل وأنا أريد أن أتصدّق به (٢).

وفيها دلالة على جواز التأخير في التصدق.

وصحيحة البزنطي ـ في الطير الذي قبضه إذا عرف صاحبه يردّه عليه ـ وان لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له ، وان جائك طالب لا تهتمه ، ردّه عليه (٣).

وهذه تدل على جواز الرّد إذا لم يكن الطالب متّهما.

وفي رواية يونس بن عبد الرّحمن ولا يعرف بلد صاحبه ، قال له

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٧ من كتاب اللقطة الرواية ٣ وسندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن ابن بكير عن زرارة.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه السّلام ، فاباحه له.

ويؤيد هذا ما قال في الفقيه ، وروى الجمّال ، عن داود بن أبي يزيد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال له رجل : اني قد أصبت مالا وانّي قد خفت فيه على نفسي ، فلو أصبت صاحبه دفعته اليه وتخلّصت منه ، قال : فقال له أبو عبد الله عليه السّلام : والله أن لو أصبته كنت تدفعه اليه؟ قال : أي والله ، قال : فانا والله ، ماله صاحب غيري ، قال : فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره ، قال : فحلف فقال : تذهب تقسمه في إخوانك ولك الأمن ممّا خفت. منه.

قال : فقسمته بين إخواني (١).

وبالجملة هو ولي الكلّ يعمل ما يريد ويعرف ، فتأمّل.

وبأنّها قضيّة في واقعة لا تتعدى ، إذ قد يعرف عليه السّلام كونها مما هو حلال للآخذ بوجه.

وفيها أيضا دلالة على أنّه يكفي التعريف في الجملة ، فقد ظهر ممّا سبق دليل تحريم لقطة الحرم مطلقا ، خصوصا الكثير ، وسيجي‌ء أيضا في غير الحرم.

وامّا دليل جواز أخذ ما دون الدّرهم وتملّكه في الحال في غير الحرم من غير تعريف ، فالعمدة فيه الإجماع وسنده الرواية المتقدمة (٢).

قال في التذكرة : لقطة غير الحرم ان كانت قليلة جاز تملكها في الحال ، ولا يجب تعريفها ، ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل والانتفاع به من غير تعريف.

ثم قال : وقد اختلف في حدّ القليل الذي لا يجب تعريفه ، فالذي عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٢) الوسائل الباب ٤ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

علمائنا أنّه ما نقص عن الدرهم ، فهذا لا يجب تعريفه ، ويجوز تملكه في الحال ، عند علمائنا أجمع.

فإن ثبت ذلك والّا فالرواية مرسلة ، وفي العقل والنقل ما يدلّ على عدم التملك ، وعموم الأخبار الصحيحة (١) يقتضي المنع ، والتعريف بعد الأخذ والابتلاء ، كما مرّ ، وسيجي‌ء أيضا ، فلا شك انّ عدم الأخذ أولى ، ثمّ التعريف ، فتأمّل.

ثمّ ذكر فروعا ، الأوّل ، لو تملك ما دون الدّرهم ، ثم وجد صاحبه ، فالأقرب وجوب دفعه إليه ، لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه ، وتجويز التصرف للملتقط لا ينافي وجوب ردّه.

وهذا يشعر بعدم تملكه ، بل جواز التصرف فقط ، لعله يريد به عدم اللّزوم ، والّا فكلامه صريح في الملك ، كما مرّ ، حيث قال : يجوز تملكه في الحال عند علمائنا أجمع ، ويؤيّده جواز التصرف الذي لا يكون الّا لذلك ، ووجوب الدفع غير بعيد ، إذ لا دليل على التملّك إلّا الإجماع ، وذلك في كونه لازما ـ بحيث لا يجوز لمالكه الرّجوع ـ غير ظاهر ، والأصل عدمه ، وجواز المالك التصرف في ماله (٢). وعدم التصرف في مال شخص الّا بطيب نفسه منه ، هذا مع بقاء العين.

وأمّا مع التّلف فظاهر قولهم بالتملك عدم الرّجوع ، ويمكن ان يقال : لا دليل إلّا الإجماع ، ولا إجماع على التملك ، بحيث يفيد عدم وجوب الردّ مع وجود مالكه (صاحبه ـ خ) ولكن حينئذ يصير عدم الفرق بين القليل والكثير إذا ملكه ، الّا بالتعريف ، فتأمّل.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١ من كتاب اللقطة.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ، وجواز التصرف للمالك في ماله.

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ قال : الثاني الأقرب وجوب دفع العين مع وجود صاحبه ، ويحتمل القيمة مطلقا ، كالكثير إذا تملكه (ملكه ـ خ) بعد التعريف ، والقيمة ان نوى التملك والّا فالعين وهو أقرب.

والظاهر انّ المراد بالصّاحب أعم من الأوّل ووارثه ومن انتقل اليه.

وانّ الظاهر الرّجوع الى العين مطلقا ، لما تقدّم ، إذ لو لم يكن له الرّجوع الى العين (والعوض ـ خ) فلا يناسب له الرّجوع أصلا إذ انّما يكون ذلك لصيرورة العين ملكا لازما للملتقط وخارجا عن ملكه خروجا لازما ، والأصل عدم العوض.

والعوض انّما يلزم بدليل خارج وبالرضا وليس.

وأيضا الظاهر عدم الفرق بين نيّة التملك وعدمها ، ان قلنا انّه يتملّك من غير نيّة ، والّا فلا كلام في وجوب ردّ العين مع عدم نية التملّك.

ثم قال : الثالث ، لو تلف بتفريط ، ثم وجد صاحبه ، فالأقرب وجوب الضّمان ، مع احتمال عدمه (١).

والظاهر هو (بين ـ خ) الاحتمال مع التملك لما مرّ ، فتأمل ، والرّجوع في المسألتين غير بعيد ، بناء على ما أشرنا من عدم الدليل إلّا الإجماع ، ولا إجماع على هذا الوجه الخاص (٢) ، والعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي (٣) وعدم خروج ملك شخص بلا عوض عن يده الا بطيب نفسه ، ونحو ذلك ، فتأمّل.

واعلم ان البحث في تملك اللقطة في صورة تملكها مثل القليل قريب من البحث في تملّك المباحات ، باعتبار اشتراط نيّة التملك ، واشتراط عدم نية عدم

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٥٦.

(٢) ولا يخفى ان ما ذكر في المتن ـ من قوله قدّس سرّه : على هذا الوجه الخاص ـ الى قوله ـ : وليس إلّا الإجماع ولا إجماع ـ غير موجود في النسخة المطبوعة ، ولكنّها موجودة في النسخ المخطوطة.

(٣) تقدّم مأخذه مرارا.

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

التملك أو عدم اشتراط شي‌ء أصلا ، والظاهر هنا الأوّل.

قال في التذكرة : عدم الدخول قهرا هو أشهر القولين لعلمائنا بالملك القهري لأنّه ملك شخص ، ولم يخرج الّا بدليل ، وليس إلّا الإجماع ولا إجماع.

وأيضا الظاهر انّ له ان يحفظه امانة بعد التعريف بلا فصل ، ومعه أيضا ، فلا يضمن الّا بالتفريط ، وكذا له التصدق أيضا عن المالك ، لذلك.

ويدلّ عليه جميع الرّوايات الدالّة على التصدق والحفظ ، مثل صحيحة علي بن جعفر عليهما السّلام : احفظها الحديث (١).

فيحمل عليه أي على أن الملتقط يملك مع النيّة ، أو يستحق ان يملك ، فتأمل ما في الرواية ، (فهو كسبيل ماله) (٢) ويجري عليه ما يجري على ماله ونحوه.

أمّا لقطة الحرم ففيها خلاف ، والروايات أيضا مختلفة ، والظاهر عدم جواز تملك الكثير ، وقد مرّ نقل الإجماع في التذكرة (عليه ـ خ) ولم يظهر خلافه ، الّا ما أشرنا إليه ، مثل ما نقل في شرح الشرائع التردّد عن التحرير والخلاف من أبي الصلاح ، وقد يكون الإجماع بعده ، أو ما اعتبره بمعلومية نسبه ، وغير ذلك ، فتأمّل.

فالظاهر عدمه لعدم ظهور القول الصريح ولأنّ التصرف في مال الغير وخروجه عن ملكه يحتاج الى دليل قوي ، ولأنّه خلاف ظاهر العقل والنقل ، وما يدلّ على ذلك ليس بمثابة تعارض ما تقدم ، إذ ليست صريحة ولا ظاهرة في تملك الكثير في الحرم على وجه يقولون به ، وقد تقدم البعض وسيجي‌ء البعض الآخر.

ويدل عليه أيضا بعض الرّوايات مثل ما تقدم من رواية علي بن أبي حمزة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة ، الرواية ١٢ و ١٥ وفيه ، حفظها الحديث.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة.

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدمة : (بئس ما صنع) (١) فينبغي حمل (ينبغي) عليه (٢).

ورواية الفضيل بن يسار (في زيارات الحج) قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن لقطة الحرم؟ فقال : لا تمسّ ابدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها ، قلت : فان كان مالا كثيرا ، قال : فان لم يأخذها إلّا مثلك فليعرفها (٣).

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن اللقطة ، ونحن يومئذ بمنى؟ فقال : امّا بأرضنا هذه فلا تصلح ، وامّا عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع ، ثمّ هي كسبيل ماله (٤).

ورواية إبراهيم بن عمير (عمر ـ خ) ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : اللقطة لقطتان ، لقطة الحرم وتعرّف سنة ، فان وجدت صاحبها ، والّا تصدقت بها ، ولقطة غيرها تعرّف سنة ، فان لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك (٥).

هذه كلّها في زيارات الحج من التهذيب.

ولا يضرّ عدم صحة رواية الفضيل ، لقبول الأصحاب أبان بن عثمان (٦) ، وقد عرفت مرارا أنّه قيل هو ممّن اجتمعت العصابة على توثيقه وقبوله ، فلا يضرّ القول فيه بأنّه قيل كان ناووسيّا ، فتكون صحيحة ، أو معمولة معتبرة.

ودلالتها على عدم التملك مطلقا واضحة ، ودلالة رواية يعقوب على التحريم ظاهرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من كتاب اللقطة ، الرواية ٢.

(٢) يعني فينبغي جملة قوله عليه السّلام في الرواية (ما كان ينبغي له ان يأخذه) على قوله عليه السّلام : بئس ما صنع.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٢ من كتاب الحج ح ٩ ص ٣٦١.

(٤) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ٤.

(٦) وسندها ـ كما في التهذيب ـ موسى بن القاسم ، عن ابان عثمان ، عن الفضيل بن يسار.

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا تدلّ رواية إبراهيم على الجواز ، وهو ظاهر ، على انّ في سندها عبد الرّحمن المشترك (١) وإبراهيم أيضا مختلف فيه قيل ثقة ، وقيل ضعيف مطعون جدّا ، وان كان الموثّق هو النجاشي والمضعّف ابن الغضائري ، ولفظة (ما كان ينبغي) في رواية عليّ (٢) لا تدل على الكراهة ، بأنّ (ينبغي) يستعمل في المعنيين (٣) ، وان كان ظاهرا في الاستحباب ، ولكن مقارنتها بقوله ، (بئس) تدلّ على ارادة التحريم ، أو يبعد قول هذا في المكروه.

ويدل على التحريم أيضا رواية إبراهيم بن أبي البلاد ، عن بعض أصحابه ، عن الماضي عليه السّلام ، قال : لقطة الحرم لا تمسّ بيد ولا برجل ، ولو ان النّاس تركوها لجأ صاحبها فأخذها (٤) ولا يضرّ عدم صحة السند ، ولا حمل (لا تمس) على الكراهة في صحيحة الحلبي المتقدمة ، وكان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول لأهله : لا تمسّها (٥)

وكذا رواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : ذكرنا لأبي عبد الله عليه السّلام اللقطة ، فقال : لا تعرض لها فان الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتى يأخذها (٦) لأنّهما محمولتان على الكراهة للمعارض وللشهرة ، بل قريب الإجماع ، فإنّه قد مرّ جواز تملّك الأقلّ من درهم بالإجماع ، مع إمكان حملهما على الدّرهم وما فوقه.

__________________

(١) سندها ـ كما في التهذيب ـ موسى بن القاسم ، عن عبد الرّحمن ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٣) في بعض النسخ في المعنى وفي بعض آخر في العين وفي بعض المعنى ولعل الصواب ما أثبتناه.

(٤) الوسائل الباب ١ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٥) الوسائل الباب ١ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٦) الوسائل الباب ١ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على انّ رواية الحسين ليست بظاهرة الصحّة ، لوجود الخلاف فيه ، نقل ابن داود عن الكشّي ، فيه نظر لتفاهت (١) الأقوال فيه.

نعم قال : وحكى السيد جمال الدين في البشرى تزكيته.

فقول شرح الشرائع : صحيحة الحسين ـ محلّ التأمل ، نعم مثله موجود في الصحيح عن محمّد بن مسلم (٢) ، ولكن مع قوله : (فاجعلها في عرض مالك) بعد التعريف.

وبالجملة الظاهر تحريم لقطة الحرم وعدم تملكها مطلقا ، كما قال الشيخ عليّ ، وقال انّه المشهور ، ولا شك أنّه أحوط.

فقول الدروس ـ بعدم الكراهة في القليل في الحرم ـ بعيد وخلاف المشهور ، بل الإجماع ، فتأمّل.

وامّا وجوب التعريف في موضع وجوبه ، فيدلّ عليه الروايات الكثيرة ، وقد مرّ أكثرها ، مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام في اللقطة يجدها الرّجل ، الفقير (أهو ـ يب) فيها بمنزلة الغني ، قال : نعم ، واللقطة يجدها الرّجل ويأخذها ، قال : يعرّفها سنة ، فان جاء (لها ـ يب) طالب ، والّا فهي كسبيل ماله ، وكان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول : لا تمسّوها (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما ، قال : سألته عن اللقطة؟ قال : لا ترفعوها ، فان ابتليت فعرّفها ، فان جاء طالبها ، والّا فاجعلها في عرض مالك يجري

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ، التهافت ، كما في رجال ابن داود ثم قال : وقد حكى سيدنا جمال الدين رحمه الله في البشرى تزكيته ص ١٢٠ ط دانشگاه.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٣) روى صدرها في الباب ١٦ من أبواب اللقطة الرواية ١ بالسند الثالث وذيلها في الباب ٢ من تلك الأبواب الرواية ١.

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عليها ما يجري على مالك الى ان يجي‌ء لها طالب (١).

وصحيحة علي بن جعفر وقد تقدمت (٢).

وهذه الاخبار تدلّ على انّ التعريف سنة ، والذي ورد في مطلق التعريف يحمل عليها.

قال : في التذكرة : لا يراد بالتعريف سنة استيعاب السنّة وصرفها بأسرها في التعريف ، بل يسقط التعريف بالليل (في الليل ـ خ) لانّ النهار مجمع الناس ، وملتقاهم ، دون اللّيل ، ولا يستوعب الأيّام أيضا ، بل على المعتاد فيعرف في ابتداء أخذ اللقطة في كل يوم مرتين في طرفي النهار ثمّ في كل يوم مرة ، ثم كل أسبوع مرّة أو مرتين ، ثمّ في كل شهر مرة ، بحيث لا ينسى كونه تكرارا في الماضي ، وبالجملة لم (فلم ـ خ) يقدّر الشرع في ذلك سوى المدّة التي قلنا انه لا يجب شغلها به ، فالمرجع حينئذ إلى العادة ، وينبغي المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط ، وفي الوجوب قولان ، أحدهما الوجوب ، لما تقدم ، والثاني عدمه ، بل الواجب التعريف سنة مطلقا ، وبه ورد الأمر (٣).

والظاهر انّ مراده بقوله يعرّف في ابتداء الأخذ ، إلى آخر التعريف ، في الأسبوع الأوّل كل يوم مرتين ، وبعد ذلك ، في أسبوع آخر كل يوم مرّة ، ثمّ في باقي أسبوع هذا الشهر كل أسبوع مرّة ثمّ في كل شهر مقدار ما لا ينسى ، كأنّه يكفي مرّة أو مرّتين.

ثم ان كان المراد بالشهر ثلاثين يوما ، فالأمر واضح ، والّا يشكل إذا كان في آخر الشهر الهلالي ، أو بعد مضي أسبوع.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ١٤.

(٣) التذكرة : ج ٢ ص ٢٥٨.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة العبارات والروايات مجملة ، والمعتاد الذي ذكره غير واضح ، وليس بمعلوم كونه فيما ذكره أيضا ، وهو غير واضح.

ويمكن الاكتفاء بصدق التعريف في السنّة من غير تفاوت بين الأوّل والآخر ، وقوله : (ينبغي) مشعر بعدم وجوب الفورية والمناسب الفورية إذ قد يجي‌ء صاحبه ، وييأس بعده ، وهو ظاهر قولهم سنة من حين وجوده ، فتأمّل.

قال في موضع آخر : قدر مدّة التعريف سنة ، فيما بلغ درهما فصاعدا عند علمائنا اجمع.

وذلك لا بأس به وما رأيت خلافه.

وقال في موضع آخر : لا يجب التوالي في التعريف ، فلو فرّقه جاز ، بان يعرّف شهرين ويترك شهرين هكذا وهو أحد وجهي الشافعيّة ، ما لو نذر صوم سنة يجوز ان يوالي وان يفرّق ـ الى قوله ـ فان فرّط في المبادرة فعل محرما ، فإذا عرّف متفرّقا لم يجب الاستئناف ، وكفاه التلفيق (١).

وقال أيضا : الأحوط الإيغال (٢) في الإبهام ، فلا يذكر الجنس فضلا عن النوع ووصفه ، بل يقول : من ضاع له شي‌ء أو مال.

وقد ورد في بعض الروايات التعريف بقوله : من يعرف الكيس ، لمن وجد كيسا فيه الدراهم (٣) وما منعه عليه السّلام ، فهو تقرير ، فيكون مثله جائزا.

وقال أيضا ، لا يجب على الملتقط مباشرة التعريف ، إذ الغرض به الاشهاد والإعلان ، ولا غرض للشارع متعلق بمباشر دون آخر ، فيجوز ان يباشر النداء بنفسه وان يولّيه غلامه وولده ومن يستعين به ويستأجره عليه ، ولا نعلم فيه خلافا.

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٥٨.

(٢) يقال : أو غل القوم إذا أمعنوا في سيرهم وأوغل في الأرض إذا سار فيها فأبعد (مجمع البحرين).

(٣) الوسائل الباب ٦ من كتاب اللقطة الرواية ١.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال أيضا : ينبغي ان يتولّى التعريف شخص أمين ثقة عادل غير مشهور بالخداعة واللعب ليحصل الوثوق باخباره ولا يتولاه الفاسق ، لئلا تفقد فائدة التعريف ، وهذا على الكراهة دون التحريم (١).

ولا يخفى أنّه لا بد ان يكون بحث يحصل له (بنفسه ـ خ) الوثوق بالتعريف ، مع انّ ظاهر (العبارات ـ خ) الرّوايات التعريف بنفسه وقال ليس للملتقط تسليم اللقطة إلى غيره الّا بإذن الحاكم ، فان فعل ضمن الّا مع الحاجة ، بأن يريد السّفر ، ولم يجد حاكما يستأذنه ، فيجوز ان يسلّمها إلى الثّقة ، وكذا لو التقطه (التقط ـ خ) في الصحراء ولم يتمكن من حفظها ، ومراعاتها ، فإنه يجوز له الاستعانة بغيره وتسليمها اليه ، مع عدم القدرة على الاستقلال بحفظها والمشاركة.

وقال أيضا : قد بيّنا أنّه يجب المبادرة إلى التعريف ، فلو أخّره عن الحول الأوّل مع الإمكان إثم ـ إلى قوله ـ ولا يسقط التعريف بتأخيره عن الحول ، لأنّه واجب ، ولا يسقط بتأخيره عن وقته ، كالعبادات وسائر الواجبات.

فيه إشارة إلى وجوب القضاء في سائرها ، وهو غير ظاهر.

ثم انّ الظاهر أنّه ما وجد دليل خاصّ على ما هو المشهور من طريق التعريف سبعة أيّام في كل يوم ، ثم بقيّة الشهر في كلّ أسبوع ، ثم كل شهر الى آخر الحول ، وهو قريب ممّا نقلناه عن التذكرة.

ويبعد صدق التعريف عرفا في السّنة ، مع إيقاعه في أحد عشر شهرا كل شهر مرّة ، وينبغي الملاحظة وعدم الخروج عن العرف ، وعن ظاهر الروايات ، خصوصا مراعاة ما في صحيحة يعقوب (٢) بان يعرّف بنفسها سنة في كل مجمع ،

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٥٩.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الرواية ١ ج ٩ ص ٣٦١.

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنها طاهرة في التعريف بنفسها ، وفي كل مجمع ، وقد يفهم في كلّ جمعة ، ان كان بلدا يقع فيه جمعة ، فيلاحظ ما ذكروه في الأوّل ، ثم في كل أسبوع في الجماعات مرّة طول السنّة.

قال في التذكرة : مكان التعريف في مجمع الناس كالاسواق أو أبواب المساجد عند خروج الناس من الجماعات في الوقت الذي يجتمعون فيها وفي محافل (مجامع ـ خ) الناس.

لأنّ المقصود إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها مالكها ، فيجب تحري مجامع النّاس ولا تنشد (ولا ينشدها ـ خ) في وسط المسجد ، لانّ المسجد لم يبن لهذا وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال : من سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد ، فليقل لا أدّاها الله إليك ، انّ (فانّ ـ خ) المساجد لم تبن لهذا (١) وكراهة تعريف الضالّة ككراهة طلبها في المساجد (٢).

فيه إشعار بأنّه يكره فيها فعل غير ما يبنى له المسجد ، للنّهي.

ثمّ إذا التقط في بلدة أو قرية فلا بد من التعريف فيها بمجامع ، وليكن أكثر تعريفه في البقعة والمحلة التي وجد فيها ، فان طلب شي‌ء في موضع فقد (فقدانه ـ خ) أكثر.

فإن اتفق له سفر فوّض التعريف الى غيره ، ولا يسافر بها ولو التقط في الصّحراء ، فان اجتازت به قافلة يتبعهم ، وعرّفها فيهم ، والّا فلا فائدة في التعريف في المواضع الخالية ، ولكن تعرف (يعرف ـ خ) عند الوصول إليها ، ولا يلزمه ان يغيّر قصده ، ويعدل إلى أقرب البلاد الى ذلك الموضع ، أو يرجع الى مكانه الذي أنشأ السّفر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من أبواب أحكام المساجد الرواية ٢ ج ٣ ص ٥٠٨ وفيه لا رادّها الله إليك.

(٢) انتهى ما في التذكرة ج ٢ ص ٢٥٩.

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

منه ، ونقل رواية أنّه من وجد شيئا في بيوت مكة ونسي حتّى جاء الكوفة ، قال : يسأل أهل المنزل ، فان لم يعرفوه تصدق به (١).

وفي رواية من وجد متاع شخص معه ولم يجده حتّى جاء إلى الكوفة ، ولم يعرف صاحبه ، قال أبو الحسن عليه السّلام : كيف يعرفه ولم يعرف بلده؟ قال : فإذا كان كذلك ، فبعه وتصدّق به ، قال له : على من جعلت فداك؟ قال : على أهل الولاية (٢).

يفهم منه ذمّ من يعرف ولا يعرف بلده ، فينبغي معرفة بلد كل من صاحبه احد ، كما هو المشهور والمذكور ، وعلى عدم وجوب التعريف في مثل هذه الصورة ، وجواز بيع المال الذي لم يعرف صاحبه والتصدق به ، كما هو المشهور بردّ المظالم ، ويجوز التصدق على المؤمنين من غير اشتراط العدالة ، بل جوازه على السّادات ، وعدم اشتراط الحاكم ولا عدالة المتصرّف.

وسنده لا بأس به (٣) ، إذ ليس فيه الّا محمّد بن عيسى ، عن يونس ، وقد مرّ مرارا أنّهما لا بأس بهما ، وان قيل فيهما ما قيل ، خصوصا في مثل هذه ، فتأمّل.

ثم اعلم أنّه ان جاء صاحبها فوصف ، فالظاهر جواز الإعطاء مع القرائن ، وهو ظاهر كثيرة من الرّوايات فيما سبق (٤).

فلا يحتاج الى الشهود والثّبوت عند الحاكم ، كما أشرنا إليه مرارا ، ومع

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من كتاب اللقطة الرواية ٣ ومتن الرواية هكذا : عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها ، قلت : فان لم يعرفوها ، قال : يتصدق بها.

(٢) راجع الوسائل الباب ٧ من أبواب اللقطة الرواية ٢ فإن ما نقله مضمون بعض منها.

(٣) سنده ـ كما في التهذيب ـ الصغار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرّحمن.

(٤) راجع الوسائل الباب ٢ و ٦ من كتاب اللقطة.

٤٦٠