مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

ويملك ما يده عليه ممّا يوجد فوقه أو تحته أو مشدودا في ثيابه ، أو يوجد في خيمة ، أو دار فيها متاع ، أو على دابّة عليها حمل ، وشبهه ، لا ما يوجد بين يديه ، أو الى جانبيه ، في الصحراء.

______________________________________________________

وان لم ينفق يمكن بيع الكل ، ويكون الزائد لقطة ، فتملك (فيتملك ـ خ) وتضمن (ويضمن ـ خ) قيل : يجوز ذلك في اللقيط المملوك بعد التعريف ، ومنعه في الدّروس.

ودليل المجوّز عموم أدلّة حكم اللقيطة.

ويدل عليه صحيحة زرارة في الفقيه ـ في باب ما جاء في ولد الزّنا واللقيط ـ ، عن أحدهما عليهما السّلام ، أنّه قال في لقطية وجدت ، فقال : حرّة لا تشترى ، ولاتباع ، وان كان ولد مملوك (لك ـ ئل) ، لكن كان عن الزّنا ، فأمسك أو بع إن أحببت هو مملوك لك (١).

وفي المتن شي‌ء فتأمّل ، وفيه دلالة على حريّة اللقيط حتى تثبت الرقّية ، وهو المجمع عليه ، ومقتضى الأصل والرواية وغيرهما.

قوله : ويملك ما يده عليه إلخ. إشارة الى مال اللقيط فكلّ ما يده عليه عند الالتقاط ـ مما يوجد فوقه كاللّحاف أو تحته كالفراش وما لبسه وما لفّ به وما شدّ بثيابه ـ فهو له.

ولو وجد اللقيط في خيمة أو دار فيها متاع فالخيمة والدار مع ما فيهما له ، إذ يده عليه ، وكذا من وجد على دابّة عليها حمل ، فالدابّة والحمل له ، وبأمثال ذلك يحكمون بأنّه ماله ، لانّ ظاهر اليد دليل الملك ، فيمكن ان يملك.

ولا شك أنّ اللقيط قابل للتملّك ، ولو كان شخص كبير موضعه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٦ من أبواب ما يكتب به الرواية ٢ ص ٢٢٣ ج ١٢ وفيه كما في الفقيه أيضا ولد مملوك لك من الزّنا إلخ.

٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

يحكم شرعا بملكه لها ، والصغير غير بالغ.

ولا يحكم بأنّها ماله بمجرّد وجودها عنده بين يديه أو خلفه أو أحد جانبيه في الصّحراء أي غير البيت والخيمة ونحوهما ، إذ ذلك ليس بتصرّف مملّك ، الّا ان يكون هناك قرينة ، مثل ان كان هناك كتاب عليه الخطوط بأنّ هذه الأشياء له ، خصوصا خطّ من هو موثوق به ، وبالجملة مع الأمن عن التزوير يعمل به.

قال في شرح القواعد ـ في شرح قوله : وان كان معه قرينة (رقعة ـ خ) أنّه له على اشكال ـ : والّا صح أنه ان أثمرت الكتابة ظنّا قويّا ـ كالصّك (١) الذي تشهد القرائن بصحته خصوصا ان عرف خطّه ـ عمل بها ، فإنّه يجوز العمل في الأمور الدينية بخط الفقيه ، إذا أمن من تزويره ، وانّما يثمر الظن القويّ.

هذا إذا لم يكن معه (به ـ خ) معارض من يد اخرى ، ولا دعوى مدّع ، ولا قرينة أخرى تشهد بخلاف ذلك ، والّا فلا.

ولا يخفى أنّه إذا تحقق ما شرطناه ، لا يشترط في الحكم كون الرقعة معه ، بل لو كانت في المتاع أو مكتوبا عليه ، فهو كذلك ، وان كانت عبارة الكتاب قاصرة عنه ، والظاهر ان ليس معنى عبارة الكتاب (معه) أنّه متّصل به ، فإنّه إذا كان عنده وفي متاعه ، يقال : معه.

ومن جملة أموال اللقيط ما هو وقف على اللقطاء أو على هذا اللقيط أو اوصى لهم ، أو له ، ويقبل الوصية الحاكم أو نائبه ، ويمكن الهبة أيضا ، ذكره في التذكرة عن العامة وردّه ، ولكنه مذكور في الدروس أيضا.

وفي شرح القواعد : ان كانت مخصوصة به يجوز ويقبلها الحاكم ، والّا فلا ، إذ لا يجوز الهبة إلّا لمعين ، ولهذا ردّه في التذكرة.

__________________

(١) الصكّ بتشديد الكاف ، كتاب كالسّجل يكتب في المعاملات (مجمع البحرين).

٤٢٢

ولا ينفق الملتقط من مال المنبوذ ، إلّا بإذن الحاكم ، فيضمن ، مع إمكان الاذن.

ولو جنى عليه اقتصّ له الحاكم ، أو أخذ الدية ، ان لم يكن (ـ خ) له ولى غيره ، لا الملتقط ولا يجب التأخير ، على رأي.

______________________________________________________

وللمنع محال ، إذ لا مانع من العموم مع قبول الحاكم ، كالوقف على جهات العامّة ، فتأمّل.

قوله : ولا ينفق الملتقط إلخ. قد مرّ أنّه ليس للملتقط التصرف في مال اللقيط ، ولا ولاية له عليه ، فلا يجوز له التصرف إلّا بإذن من له الاذن ، وهو الحاكم عندهم على الإطلاق ، وأنّه وليّ من ليس له وليّ ووصيّ كاللقيط.

وانّ غيره يضمن لو تصرّف وأنفق على اللقيط بغير اذنه مع إمكانه ، ومع عدم الإمكان يجوز ولا ضمان ، وصرح في التذكرة به (١) بأنّ الإشهاد يقوم مقامه ، فلو ترك مع الإمكان ضمن.

والكلّ غير ظاهر ، ولكنّ الاذن مذكور في أكثر الكتب دون الاشهاد فإنّه في التذكرة فقط ، والاحتياط واضح.

قوله : ولو جني عليه اقتصّ له إلخ. يعني لو جنى احد على اللقيط الذي لا ولي له ولا وارث ولا (ولو ضامن ـ خ) ضامن جريرة ـ ان كانت الجناية موجبة للقصاص كقطع يده عمدا ـ ، فالحاكم يقتصّ له ، أو يأخذ له الدية ، والغرض انّ الوليّ هو الحاكم لا الملتقط ، فانّ له الحضانة والتربية فقط.

ولا يجب على الحاكم أحدهما بعينه ، بل له التخيير يفعل أيّهما أراد ، مع المصلحة ، ولا يجب عليه الصّبر أيضا حتى يوجد له وليّ ، أو يكبر هو ويفعل ما يرى.

ودليله أنّه وليّه وله ما يرى فيه من المصلحة ويفعل ، ثم لا اعتراض

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب إسقاط لفظة (به).

٤٢٣

ويحد القاذف ، وان ادّعى الرقيّة ، على رأي.

ويقبل إقراره بالرقيّة مع البلوغ ، والرشد ، وانتفاء العلم ، بحرّيته ، وادعائه لها.

______________________________________________________

لأحد عليه وردّ ما فعله.

وان أخذ مالا وكبر الصبيّ ولم يرض ، فليس له ردّه ، وذلك مثل ما لو كان المتصرّف في ماله هو الأب أو الجدّ.

وقيل يجب عليه التأخير ، إذا كان مميّزا أو الجناية غير النفس ، لأنه لا يعرف مراده ، فإنّه قد يريد القصاص في موضع أخذ المال أو العكس ، وهو غير ظاهر.

قوله : ويحدّ القاذف إلخ. لمّا حكم بانّ اللقيط حرّ مسلم ، والحاكم وليّه ، فإذا قذفه قاذف قذفا يوجب الحدّ ، فللحاكم انّ يحدّ القاذف ، لأنّه الوليّ ، فيفعل ما يريد ، وفيه المصلحة ، كالأب والجدّ.

وان ادّعى القاذف أنّ المقذوف ـ اي اللقيط ـ رقّ فلا يوجب قذفه حدّا لا (فلا ـ خ) يسمع ، لما مرّ ، مع أنّه محكوم بحريّة.

ونقل عن الشيخ قول آخر على عدم الحدّ حينئذ ، فإنّه نوع شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات (١) ، والأصل البراءة ، ولأنّ الحريّة ليست بثابتة يقينا ، بل ظاهر الأمر ، فيحتمل العدم ، مع انّ في شمول الولاية له أيضا تأمّل (٢).

ولا نزاع في التعزير ، إذ هو الى الحاكم ، وليس بموقوف على شي‌ء أصلا.

قوله : ويقبل إقراره بالرقية إلخ. يعني إذا بلغ اللقيط ، وصار كامل العقل ، فأقرّ لنفسه بالرقيّة ، يقبل إقراره بذلك ويحكم عليه بالرقيّة ، لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم بالنّص (٣) والإجماع.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود ج ١٨ ص ٣٣٥.

(٢) هكذا في جميع النسخ والصواب ، تأمّلا.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب الإقرار ج ١٦ ص ١١١ والعوالي ج ٣ ص ٤٤٢ الحديث ٥ وما علق عليه.

٤٢٤

ويصدق مدّعي بنوته ، بدون البينة ، مع جهالة نسبه ، وان كان كافرا أو عبدا ، ولكن لا يثبت كفره ولا رقّه.

______________________________________________________

ولكن لا بد ان لا يكون ذلك علوم الكذب ، باب علم كونه حرّا ، وان لا يكون نقيضه صادرا عنه ، مثل (مثلا ـ خ) ان قال أوّلا أنّه حرّ ، ثمّ أقرّ بالرقية ، فلا يقبل الأخير ، لموافقة الأوّل بحكم ظاهر الشّرع ، فلا يقبل نقيضه.

ويحتمل القبول ، إذ ما علم كونه حرّا في نفس الأمر بالعلم اليقيني ، بل بظاهر الحال ، فلا ينافيه كونه غير موافق لما في نفس الأمر ، بل هو كذلك حينئذ بظاهر الشّرع ، إذ لا يسمع إقراره الأوّل ولا اثر له ، لأنّه إقرار لنفسه لا عليه ، فوجوده وعدمه سواء ، فإذا أقر بما عليه وان ضادّ إقراره الأوّل يقبل إقراره الثاني ، لعموم قبول إقرار العقلاء على أنفسهم ، ويدفع به الأصل ، وقوله الأوّل أيضا ، ولهذا لو قال : ليس لزيد في ذمّتي شي‌ء ، وهو موافق لأصل البراءة ، وقال بعد ذلك : له عليّ كذا يسمع.

والظاهر أنّه لا خلاف فيه ، وكأنّه لذلك قال بعض بصحة الإقرار حينئذ.

قال اليخ علي : والأصحّ القبول ، فتأمّل.

قوله : ويصدّق مدّعى بنوّته إلخ. يعني إذا ادّعى رجل ـ يمكن ان يكون أبا اللقيط ، ملتقطا كان أو غيره ـ ولديته من غير منازع ، يصدّق في دعواه ، أو يدّعى نسبا مجهولا ممكنا ، غير مضرّ لأحد ، من غير منازع ، فيقبل قوله فيه ، كما في غير اللقيط ، فكأنّه إجماعي.

فيه تأمّل ، إذ الكبرى غير بديهيّ ولا مبرهنا عليه ، فلا بد ان يكون له دليل ، وما نعرف دعوى الإجماع ، إلّا في شرح القواعد ، ويحتمل النصّ ، الله يعلم.

بخلاف ان يدّعي من لا يمكن كون هذا منه ، بان يكون في سن لا يمكن كونه أبا له ، أو يكون عنينا أو غائبا مدّة لا يمكن كونه منه ، وغير ذلك.

ولو شاركه غيره في تلك الدّعوى لا يقبل ذلك أيضا ، بل يحتاج إلى البيّنة ،

٤٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فان لم يكن لهما بيّنة ، أو يكون لهما ، يحكم بالقرعة ، فإن (وان ـ خ) كان لأحدهما البيّنة دون الآخر ، فهو له ، وكذا ان ادّعى من قصر لغيره ، بان يدّعي بنوّة من علم كونه عبدا لشخص.

ويمكن ان يقال مع الحرية أيضا ضرر للقيط ، بان يكون اللقيط ذا مال ، والمدّعى فقير ، فيأخذ من ماله ، وينفق على نفسه ، فكأنّهم ما نظروا الى مثل هذا ، ولا فرق عندهم بين كون هذا المدّعى مسلما أو كافرا ، حرّا أو عبدا.

وقال في التذكرة : ولو كان احد المدّعيين مسلما والآخر كافرا تساويا أيضا ، عبدا أو حرّا ، لعموم سماع الدّعوى ، ولم يحكم بمجرّد ذلك بكفر اللقيط ورقه ، إذ لا يثبت ذلك بمجرّد إقراره ، وان حكم بلحوق نسبه به ظاهرا ، إذ الأصل الحرية والإسلام ، لأنّه لقيط داره ، إذ حكمه بالدار حكم بإسلامه وحرّيته ، ولهذا لو بلغ وعقل وأسلم وأنكر بنوّته ، لا بدّ من البينة على الظاهر.

وقال في الدروس : في ثبوت كفر اللقيط الملحق بالكافر مع البيّنة أو الإقرار أوجه ، ثالثها قول المبسوط ثبوت كفره مع البيّنة ، لا مجرّد الدعوى ، لأنّ البيّنة أقوى من تبعيّة الدّار ، وفي الإلحاق مع عدم القول بالكفر إشكال ، وينبغي ترجيح المسلم ، فتأمّل ، وكذا في الإلحاق بالكافر ـ مع عدم القول بالرّق ـ إشكال ، وقالوا أيضا لو ادّعت امرأة ذلك لم يسمع ، ان وجدت تلك الشرائط.

ولعل الفارق هو النّص أو الإجماع ، فتأمّل ، فإن القبول من الأب دون الأمّ غير ظاهر ، بل معرفة الأمّ أظهر ، فاقرارها أقرب الى القبول.

والظاهر انّ الأمّ مؤاخذة بإقرارها ، يعني يحكم عليها بمقتضى إقرارها فيما يضرّها ، وأمّا إثبات النّسب فموقوف على البيّنة ، أو تصديق اللقيط بعد قابليّة له.

قال في القواعد : الأقرب افتقار الأم إلى البيّنة أو التصديق بعد بلوغه.

٤٢٦

ويصدّق الملتقط في دعوى قدر الإنفاق بالمعروف ، وان كان له مال.

______________________________________________________

قال في الشرح : وجه القرب عموم ، البينة على المدّعي (١) خرج منه الأب بالإجماع ، فبقي ما عداه على الأصل.

ويفهم انّ الدليل ، هو الإجماع ، وأنّه لا اعتبار لتكذيب اللقيط لو بلغ ، والظاهر عدم الفرق بين الابن والبنت.

قوله : ويصدّق الملتقط إلخ. أي يصدّق الملتقط في دعوى إنفاق مال اللقيط عليه ، إذا كان قدر الإنفاق ، لم يخرج عن المعروف ، بل يكون معروفا ، (أي ـ خ) على وجه يقتضيه عرف ذلك البلد ، وتعارف الإنفاق عليه ، ولم يكن زائدا ذلك المقدار على مثل ذلك الولد ، في مثل ذلك الزّمان والمكان.

وكذا ان كان الإنفاق من ماله في صورة الرجوع ، وكذا لو كان قرضا وكأنّ المصنّف أشار بقوله : (وان كان له مال) الى دفع توهم ان يبعد ان ينفق من ماله مع وجود مال اللقيط ، فلا يسمع إنفاقه.

ودليله أنّه أمين ، وأنّه يحتاج إلى النفقة ، ولا بدّ له منها ، ومع ذلك قوله ليس بخارج عن العرف ، فيقبل مثل قبول قول الوصي في الإنفاق على الطفل ونحوه.

وفي القواعد وغيره ، وان كان موسرا يرجع عليه ، والّا فلا.

ودليله رواية المثنى في الفقيه ـ في الباب المتقدم ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ان طلب الذي ربّاه بنفقته ، وكان موسرا ردّ عليه ، وان لم يكن موسرا كان ما أنفق عليه صدقة (٢) وصحّته غير ظاهرة.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء ج ١٨ ص ١٧٠.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من كتاب اللقطة الرواية ٢ وفي الوسائل عن مثنى عن حاتم بن إسماعيل المدائني ، وصدر الرواية هكذا : قال المنبوذ حرّ فإن أحبّ ان يوالي غير الذي ربّاه والاه ، فان طلب منه إلخ. ورواها في الفقيه في باب ما جاء في ولد الزنا واللقيط ج ٣ ص ٨٦ الحديث ٥.

٤٢٧

ولو تشاح ملتقطاه أقرع ، وان كان أحدهما معسرا.

______________________________________________________

ومثله رواه في باب الحيوان في التهذيب ، عن قاسم بن إسماعيل (١).

قوله : ولو تشاحّ ملتقطاه إلخ. يعني لو التقط صبيّا اثنان معا دفعة واحدة ، بحيث صار كل منهما ملتقطا ، فإن رضى أحدهما بحضانة الآخر وتربيته له ، فالظاهر أنّه يجوز ذلك.

وان تشاحّا وتنازعا ، وكلّ أراد ذلك ، أقرع بينهما ، لأنّهما متساويان ولا رجحان ، ولكلّ حق ، والتقسيم والتناوب (والتأديب ـ خ) يضرّ بحال الطفل ، إذ قد يتألّم بمفارقة أحدهما بعد كونه معه مدة ، ونحو ذلك من الضرر ، مثل اختلاف الأغذية والأطعمة ، والأهوية ، والمكان ، والأخلاق ، فليس إلّا القرعة ، ولا رجحان لغناء أحدهما على الآخر ، لأنّه حقّ ثابت له ، إذ ليس الغناء شرطا في الالتقاط.

ويحتمل الرجحان به ، إذ حصول النفقة له عند الغناء ورفاهيّة حاله أسهل.

وأيضا قد يشتغل الفقير عنه بتحصيل القوت.

هذا مع تساويهما في باقي الصفات ، ـ من الضبط والشفقة وعدم المضايقة في الإنفاق ـ غير بعيد ، واختاره بعض الأصحاب ، نقله في التذكرة.

ورجّح بعض أيضا القروي على البدويّ ، وكذا البلدي عليهما ، وكذا قدم بعض من ظهرت عدالته بالاختبار على المستور.

هذا مع اشتراطه العدالة والاكتفاء بالمستور كما اختاره في التذكرة ، ينبغي ان يجعل سببا للتقديم.

وقال في التذكرة : الحرّ مقدّم على العبد والمكاتب ، وان كان التقاطه باذن السيد ، لأنّ العبد في نفسه ناقص ، وليست يد المكاتب يد السيد ، ونقل عن بعض

__________________

(١) التهذيب في باب ابتياع الحيوان عن مثنى عن حاتم بن إسماعيل ج ٧ من طبع النجف ص ٧٨.

٤٢٨

ولو تداعيا بنوّته حكم بالبينة ، فإن فقدت فالقرعة ، ولا ترجيح ليد الملتقط.

______________________________________________________

الشافعيّة ، تقديم المسلم على الكافر ، مع كون اللقيط محكوما بكفره ، ليعلّمه دينه فيحصل له سعادة الدنيا والآخرة ، وينجو من الرقية والصّغار ، ويتخلّص من النّار ، وهذا اولى من الترجيح باليسار (١) ، وقال : ولا بأس به عندي ، وهو جيّد جدّا.

ونقل عدم الرّجحان بالذكورة والأنوثة ، سواء كان اللقيط ذكرا أو أنثى.

وليس ببعيد تقديم الأنثى للأنثى ، لأنّها أولى لتربيتها ، بل مطلقا ، لأنّها أشفق وألصق بالحضانة ان كان صغيرا.

وقال أيضا : ولو خرج (اخرج ـ خ) القرعة لأحدهما ، ليس له تركه والإخلاد إلى الآخر ، لأن الحقّ تعيّن عليه ، فصار كالمنفرد ، ونقل عن الشافعية أنّه ليس له ان يترك القرعة ، ويخلد الى الآخر ، ويجعل الأمر إلى الحاكم ، حتى يجعل له أمينا ، أو يقرع بينهما ، وقيل : يقرع بينه وبين صاحبه ، فان خرجت القرعة باسمه ، ألزمه الحاكم ، وقيل يكتفي بالآخر.

والإلزام ليس ببعيد ، إذ هو حقّ عليه لزمه ، فالخروج عنه باشتهاء نفسه بعيد فتأمّل.

قوله : ولو تداعيا بنوّته إلخ. قد مرّت الإشارة إلى أنّه لو ادعيا بنوّة لقيط حكم للبينة ، فان لم تكن أصلا ، أو كانت لهما فالحاكم هو القرعة ، ولا ترجيح بكون أحدهما ملتقطا ، فيجعل ، كصاحب يد على المال يرجّح مع عدم البيّنة ، ومعها يرجّح غيره ، ان قلنا بترجيح الخارج ، والّا هو ، لانّ المراد هنا هو النّسب ، وهو لا يثبت باليد ، بخلاف المال قال هذا في القواعد (٢).

__________________

(١) يعني إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا.

(٢) في النسخة المطبوعة ، قال : هنا كالقواعد إلخ.

٤٢٩

وفي الترجيح بالإسلام والحريّة نظر.

______________________________________________________

وفي الترجيح بكون أحدهما مسلما ، وكذا بكونه حرّا نظر لتساويهما ، وعدم ثبوت كونهما مرجّحا بنصّ ولا إجماع ، ولأنّ الإسلام والحريّة سبب مرجّح واضح (١).

ويؤيّده أنّ الولد محكوم بحريته وإسلامه ، ان لم يكن دار كفر ، لم يكن فيها مسلم يمكن حصوله منه ، فيدلّ على ترجيح جانبهما ، وهو ظاهر في المحكوم بهما ، لأنّ حفظ الإسلام الظاهري أمر مطلوب شرعا جدّا ، فلا يبعد هنا تغليب جانبه ، وكذا الحرّية ، فإنّه أقوى للحفظ ، وأبعد عن العار ، كما مرّ ، ولأنّ الكافر قد يفتنه ويخرجه عن الإسلام ، ويجعله كافرا ، ولهذا شرط إسلام الملتقط ، فينبغي حفظ ذلك ، بل يجب ، وان كان الولد ممّن يحكم بكفره أيضا ، ولانّ الظاهر حينئذ يلزم الحكم يكفر الولد ، إذ يبعد كونه ابنا للكافر مع عدم كونه بحكمه ، وكذا الكلام في الرقّية ، بل ينبغي عدم النّزاع فيما إذا حكم بإسلامه ، واشتراط الإسلام في الملتقط مطلقا ، والعدالة كالمصنف ، فلا ينبغي النظر ، هذا.

ويبعد من الشيخ عليّ أنّه ذهب الى اشتراط الإسلام في قيود الكتاب ، وان لم يكن الولد ممّن حكم بإسلامه ، بل بكفره لئلا يكفره ، مع انّ ظاهر التذكرة ، وشرح الشهيد للمتن انّما الخلاف في اللقيط المسلم ، فإنّه يجوز للكافر أخذ الكافر ، فتأمّل.

وقال : ولا ترجيح بالإسلام في القيود على الكتاب ، وقال في شرح القواعد : والظاهر عدم الترجيح سواء كان الالتقاط في دار الإسلام أو دار الكفر.

ولكن الظاهر ما اختاره في شرح القواعد (٢) مذهبه في لقيط الكافر ،

__________________

(١) يعني ولأنّ كون الإسلام والحرية ـ سببا مرجّحا ـ واضح.

(٢) قال في شرح القواعد هكذا قوله (أي المصنّف) : ولا يصح التقاط الكافر للمسلم ويصح لمثله ، امّا الأوّل فلأنّه يمتنع ثبوت سبيل الكافر على المسلم ولأنّه لا يؤمن من ان يفتنه عن دينه فان التقطه لم يفرّ في يده وامّا الثاني فلقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، الى آخر ما نقله.

٤٣٠

ويملك آخذ البعير إذا ترك من جهد في غير كلاء وماء ، ولا ضمان.

______________________________________________________

حيث قال : وأمّا الثاني أي صحة التقاط الكافر لمثله اشتراط إسلام الملتقط.

فلقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١) فيكون هذا مستثنى من اشتراط العدالة عند المصنف.

وفيه إشارة إلى مذهبه ، ولا صراحة في هذه الآية ، لأنّ سوقها أن الكفّار بعضهم يحبّ البعض ، لا أنّه وليّه الشرعي ، فتأمّل.

قوله : ويملك آخذ البعير إلخ. أي يملك آخذ البعير ، إذا ترك من جهد ومشقّة ، في غير كلاء ولا ماء ، وكذا إذا كان مريضا ، ولا ضمان (عليه ـ خ) أي ليس عليه عوض ، ان جاء صاحبه ، فرّط أو لم يفرّط ، فليس مثل لقط الأموال يملكه ويضمنه لصاحبه ، ولكن ان كان العين باقية ، فيمكن ان يكون للمالك أخذها إذ خروجها عن ملكه الذي كان ـ ودخولها في ملك الآخذ دخولا لازما ـ غير ظاهر ، والأصل عدمه ، فيحكم الاستصحاب بجواز الأخذ منه ، ان كانت باقية ، ويكون مثل الهبة الغير اللازمة ، ولا يكون حينئذ للآخذ على المالك اجرة وعوض لما تعب وأنفق عليه ، لأنّه متبرّع قاصد نفعه.

ويؤيّد الرّجوع الى العين أيضا ، أنه يرجع في اللقطة ، كما سيجي‌ء ، وعموم رواية عبد الله بن حماد ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتي (يأتيه ـ ئل) طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه (٢).

فهي عامّة في جميع ما يجد ، والبعير منه ، ولكن الرواية غير صحيحة ولا

__________________

(١) الأنفال : ٧٢.

(٢) الوسائل الباب ٤ من كتاب اللقطة الرواية ٢ وفيه كما في الكافي أيضا ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السّلام.

٤٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

صريحة ، وغيرها أيضا.

ولكن في الضّالة بعد التعريف مثل صحيحة علي بن جعفر عليهما السّلام (١) وليس البعير منها.

ويحتمل ان يملكها بحيث لا رجوع له أصلا ، اختاره في الدروس.

لعلّ دليله الاعراض والخروج عن ملكه ، ودخوله ثانيا يحتاج الى دليل ، لعلّه لا نزاع في خروجه.

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : من أصاب مالا أو بعيرا في فلات من الأرض ، قد كلّت ، وقامت ، وسيّبها صاحبها ما لم (ممّا ـ كا) لم يتّبعه ، فأخذها غيره ، واقام عليها ، وأنفق نفقة ، حتى أحياها من الكلال ومن الموت ، فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وانّما هي مثل الشي‌ء المباح (٢).

وهذه كالصريحة في المطلوب ، فافهم.

وما في رواية السكوني المتقدمة ، وان كان تركها في خوف وعلى غير ماء وكلاء فهي لمن أصابها (٣).

وما في رواية مسمع المتقدمة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : انّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول في الدابّة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها ، فهي للذي أحياها (أصابها ـ خ) (٤).

وأيضا عنه عليه السّلام قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ترك دابّته ، فقال : ان كان تركها في كلاء وماء وأمن فهي له يأخذها متى شاء ، وان تركها في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب اللقطة حديث ٢ ج ١٧ ص ٣٧٠.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٢.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٤.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

٤٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

غير كلاء وماء ، فهي للذي أحياها (١).

وهذه هي أدلّة أصل الحكم ، فمن قال بالأصل ينبغي ان يقول به ويبطل بها حكم الاستصحاب.

والرواية المتقدّمة (٢) غير صحيحة ولا صريحة ، فلا يمكن تأويلها بمثلها ، بان يقال المراد به ما لم يجي‌ء صاحبها وطالبها (٣) ـ حيث قيّد في الرواية الأولى ، إذ قوله : لا سبيل له عليها ، وهو كالشي‌ء المباح ـ كالصريحة في ان ليس له المطالبة (٤) ، فلا يمكن تقييدها به.

ويمكن العكس ، بان يكون المراد فيها غير البعير الذي أحياه الآخذ من الموت ، وسيبها مالكها ، جمعا بين الأدلّة ، وهو اولى ، وهو ظاهر.

ولأنّه تعب ، فلا يعقل اخلائه له ، ثمّ تكليفه بالإعطاء مجّانا ، وهو خلاف حكمة الواجب.

وبالجملة الظاهر العمل بمضمون الرواية الصحيحة في الكافي والتهذيب (٥).

ولعلّ المراد بالمال فيها دابّة أخرى غير البعير لا مطلق المال بقرينة (قد كلّت إلخ) ووجود الدابّة في الأخيرتين وعدم ظهور دليل في مطلق الأموال ، بل ظهور دليل خلافه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة ذيل الرواية ٣.

(٢) الظاهر انّ المراد بها رواية عبد الله بن حماد المتقدمة.

(٣) في النسختين المخطوطتين : بان يقال المراد ما لم يجي‌ء صاحبها وطالبها ، وفي النسخة المطبوعة ، بأن يقال المراد بما لم يجي‌ء صاحبها وطالبها.

(٤) في نسخة مخطوطة ، كالصريحة فان ليس له المطالبة ، والصواب ما أثبتناه.

(٥) المراد بها رواية عبد الله بن سنان المتقدمة.

٤٣٣

ويتخيّر آخذ الشاة من الفلاة ، بين تملكها ، والضمان ، وبين الإبقاء أمانة ، أو الدفع الى الحاكم ، ليبيعها لصاحبها ، أو يحفظها ، ولا ضمان

______________________________________________________

قيل وانّ الضابط الاعراض على وجه لا يريد عدم العود ، وكونها بحيث لو لم يأخذها الآخذ تموت فأحياها من الموت ، سواء كان لعجزها عن نفقتها كما يدل عليه رواية السكوني المتقدّمة (١) أو تبعها أو عدم تبعيتها للمالك ، وسواء خلاها في الماء فقط دون الكلاء أو بالعكس ، أو مع عدمهما (عدمها ـ خ) بل فيهما بحيث لا تقدر على الانتفاع بها بنفسها لمرضها وتبعها ، وان كان ظاهر روايتي السكوني ومسمع عنه عليه السّلام ، أنّه لا بدّ لجواز أخذه من عدمهما.

وفي شرح القواعد : أنّ قول أمير المؤمنين عليه السّلام ـ أنّه ان تركها في غير كلاء ولا ماء فهي للذي أحياها (٢) ـ أنّ المتروكة في كلاء ولا ماء هناك وبالعكس ، تؤخذ لانتفاء الأمرين ، ولأنّها لا تعيش بدون الماء وضعفها يمنعها من الوصول اليه ، وفيه تأمّل لا يخفى.

واستشكل في القواعد ردّ العين مع الطلب ، فهو ظاهر في عدم الإشكال في عدم الردّ مع التلف مطلقا ، ومع عدم الطلب.

ولا شكّ أنّه أي ترك الطلب لصاحب المال أحوط وأولى ، وان كان الاحتياط للآخذ ردّه عليه أو تملكه باذنه صريحا فتأمّل.

قوله : ويتخيّر آخذ الشاة من الفلاة إلخ. دليل جواز أخذ الشاة أنّها لقطة ، فتدخل تحت أدلّة جواز أخذها.

وقد يفهم الإجماع من التذكرة عليه ، قال ولو وجد شاة في فلاة أو مهلكة كان له أخذها عند علمائنا ، ويدلّ عليه وعلى التملك أيضا الروايات المتقدّمة مثل صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سأل رجل رسول الله

__________________

(١) تقدم ذكرها آنفا.

(٢) تقدم في رواية مسمع.

٤٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

صلّى الله عليه وآله عن الشاة الضالّة بالفلاة؟ فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب (١).

ومثلها صحيحة الحلبي (٢) وظاهرهما التملّك من غير ضمان وعوض.

ومثلها حسنة هشام بن سالم (٣).

واستشكل في القواعد والتذكرة الضمان ، ويفهم عدم الضمان من الروايات الدالة على عدم الضمان في البعير ، فتأمّل.

ويدلّ على وجود الضمان ، على اليد ما أخذت (٤) واستصحاب بقاء مال المالك على ملكه ، وأدلّة ردّ المال الملقوط الى صاحبه ، مثل من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتي طالبه فإذا جاء طالبه ردّه اليه (٥) ولا ينافي ذلك ما في الروايات المتقدمة مثل قوله : (لك) (٦) لانّ معناه الانتفاع به أو كونه له غير مستقرّ ولازم كسائر الأموال الملقوطة ، ولهذا موجود في المال الملقوط ، أنّه كسبيل ماله في الصحيح من الروايات المتقدمة.

مثل صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في اللقطة يجدها الرّجل الفقير أهو فيها بمنزلة الغني ، قال : نعم ، واللقطة يجدها الرّجل ويأخذها قال : يعرّفها سنة ، فان جاء لها طالب ، والّا فهي كسبيل ماله ، وكان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول لأهله : لا تمسوها (٧) وغيرها من الروايات.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٥.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية الأولى بالسّند الثالث.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٤) عوالي اللئالي ج ١ ص ٣٢٤ الحديث ١٠٦ وص ٣٨٩ الحديث ٢٢ وج ٢ ص ٤٤٥ الحديث ١٠ وج ٣ ص ٢٤٦ الحديث ٢ وغيرها من الموارد الأخر.

(٥) الوسائل الباب ٤ من كتاب اللقطة الرواية ٢ وهي ما رواه أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام.

(٦) راجع الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٥ ـ ٧.

(٧) الوسائل الباب ١٦ من كتاب اللقطة الرواية ١ بالسند الثالث وقطعة منها في الباب ٢٠ من ذلك

٤٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مع انهم يقولون يجب ردّها الى المالك إجماعا.

وهذه ونحوها تدلّ على ردّ الشاة ونحوها ممّا يدل على ردّ اللقطة ، فإنّها المال الملقوط ، فهي داخلة فيه.

مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : سألته عن اللّقطة؟ قال : لا ترفعوها ، فان ابتليت بها فعرّفها سنة ، فان جاء طالبها ، والّا فاجعلها في عرض مالك ، يجري عليها ما يجري على مالك الى ان يجي‌ء لها طالب (١).

وهما يدلان على المنع والكراهة من أخذ اللقطة مطلقا.

ويدلان على التعريف في الشاة أيضا ، والأخيرة تدلّ على جواز حفظ اللقطة والأمانة مثل حفظ ماله ، لا أزيد ، فافهم.

ويدلّ على الضمان أيضا الروايات الكثيرة الدالة على أنّ الضالة لا يأكلها إلّا الضالون مثل رواية جرّاح المدائني عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالون ، إذا لم يعرفوها (٢).

ورواية وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام ، قال : سألته عن جعل الآبق والضالة؟ قال : لا بأس ، وقال : لا يأكل من الضالة إلّا الضالون (٣).

ويدل عليه أيضا صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام ، قال : سألته عن اللقطة ، إذا كانت جارية هل يحلّ فرجها لمن التقطها؟ قال : لا انما يحلّ له بيعها بما أنفق عليها وسألته عن الرّجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابّة كيف يصنع؟ قال : يعرّفها سنة فان لم يعرّف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها

__________________

الكتاب الرواية ١ وقطعة منها في الباب ١ من ذلك الكتاب الرواية ١.

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٤.

(٣) الوسائل الباب ١ من كتاب اللقطة الرواية ٥ و ٧.

٤٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فيعطيها إيّاه ، وان مات اوصى بها وهو لها ضامن (١).

وهذه تدل على بيع الملتقط الملقوط بنفسه من غير اذن الحاكم في الإنفاق ، وجواز حفظ الأمانات مثل ماله ، والضمان دائما ، بحيث تجب الوصيّة ، وليس بمخصوص بمجي‌ء صاحبه ، فتأمّل.

ويمكن فهم إعطائها للمالك بالوصف والمعرفة ، ولا يحتاج الى الثبوت عند الحاكم وأمره ، وكذا يفهم من غيرها أيضا ، فافهم.

وصحيحة صفوان الجمّال أنّه سمع أبا عبد الله عليه السّلام يقول : من وجد ضالّة فلم يعرّفها ، ثم وجدت عنده فإنّها لربّها أو مثلها من (عن ـ خ) مال الذي كتمها (٢).

وأنت بعد التأمّل في هذه الأدلّة تجد أنّها تدلّ على عدم الفرق بين الشاة وما في حكمها من صغار الإبل والبقر ونحوها ، وبين غيرها في وجوب التعريف ، وجواز التملك ، والتصرف مع الضمان.

وأنّ تخصيص الاخبار العامة التي تدلّ على أنّها للآخذ ، بأنّها بعد التعريف وجواز التصرف فقط مع عدم اللزوم أولى من تخصيص العامّة الدالة على وجوب التعريف بغير الشاة ، إذ قد صرّح في بعضها ـ الصحيحة المتقدمة ـ بتعريف الدابّة والضالّة وجواز الانتفاع بها بعده ، فلا يمكن ان يقال : ليست الدابّة والضالة إلّا الشاة في الفلاة ونحوها ، إذ لا تعريف لغيرهما ولا يجوز أخذ غيرهما على المشهور الّا البعير المملوك بدونه ، عندهم.

وبالجملة عندهم لا تعريف لغيرهما (٣) من الدابة والضالّة ، فيمكن حمل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من كتاب اللقطة الرواية ٨ ، وروى ذيله في الرواية ١٣ من هذا الباب وفيه وان مات اوصى بها ، فإن أصابها شي‌ء فهو ضامن.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من كتاب اللقطة الرواية ١.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب لغيرها.

٤٣٧

وكذا صغار الممتنعات.

______________________________________________________

الأخبار الكثيرة الصحيحة على ذلك ، مع إمكان الحكم ، مشكل (١) ، إذ لا دليل على ذلك ، فيشكل حمل ما يدلّ على التعريف والضمان على غير الشاة فهذا متين قويّ.

لا العكس الذي قاله في شرح القواعد ، حيث قال : وليس تقييده أي قوله : (هي لك) بالتعريف أولى عن تقييد دليل التعريف بما عدا الشاة ، وهذا قويّ متين (٢) ، على أنّه ينبغي بما عدا الدابّة.

وأنّ مجرّد عدم الأولوية لم يصيره قويّا ومتينا وموجبا للفتوى ، وقد أفتى في الحاشية بعدم التعريف ، وقربه في التذكرة أيضا ، فتأمّل.

وأمّا دليل دليل التخيير على ما اختاره المصنف والأكثر ، فهو أنّه مال التقطه ، وله تملكه مع الضمان ، بالرواية كسائر أقسام اللقطة أو تبقيته في يده امانة للمالك ، فلا ضمان ، للأصل ، ولأنّه أمين أخذ شيئا للحفظ ، للمالك ، فلا يضمن ، ويجوز دفعه الى الحاكم أيضا ، لأنّه نائب الغيّاب ، ومنصوب للمصالح.

وقد يلتزم الأخذ فيده يد المالك ، فيما لم يكن حاضرا.

ويمكن وجوب قبوله على الحاكم ، كما مرّ في الوديعة ، ثم الحاكم يفعل ما يقتضيه رأيه واجتهاده ، فان اقتضت المصلحة بيعها يبيعها ويحفظ ثمنها له ، أو يحفظها بنفسها ، ان كانت المصلحة فيه ، وعلى التقديرين لا ضمان عليه ان تلف بنفسها أو بثمنها للأصل ، ولأنّه أخذه ، بالوكالة والنيابة ، والوكيل غير ضامن الّا مع التفريط ويفهم من المتن وغيره ان صغار الإبل والبقر في الفلاة حكمها حكم الشاة

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ولا يخفى ما في العبارة من عدم السلاسة.

(٢) عبارة شرح القواعد هكذا : وهل يجب تعريف الشاة المأخوذة من الفلاة؟ قال في التذكرة : الأقرب العدم ، لظاهر قوله عليه السّلام : (هي لك أو لأخيك أو للذئب) فإن المتبادر منه تملكها بغير تعريف : وليس تقيده بالتعريف إلخ.

٤٣٨

ولو أخذ الشاة في العمران ، حبسها ثلاثة أيام ، فان لم يأت صاحبها ، باعها ، وتصدّق بالثمن.

______________________________________________________

العاجز في الفلاة ، وقال في شرح القواعد : أسنده (أسندها ـ خ) في التذكرة إلى علمائنا ، وقال في التذكرة : ـ بعد قوله : ولو وجد شاة في الفلاة أو في مهلكة كان له أخذها عند علمائنا ـ وهذا الحكم في الشاة وغيرها من صغار الأنعام التي لا تمتنع من صغار السّباع ، انما يثبت لو وجدها في الصحراء أو في موضع ملهكة ، وامّا إذا وجدها في العمران ، فإنّه لا يجوز له التقاطها بحال إلخ.

وقد نقلناه فيما تقدم أيضا ، وكأنّه فهمه من هذا الكلام ، وفي الفهم تأمّل.

ثمّ على تقدير التسليم ليس بصريح في الإجماع ، ولا دليل عليه سوى القياس المستنبط من قوله : (هي لك إلخ) فمجرّد ذلك ، الحكم لا يخلو عن جرئة ، إذ العقل والنقل دلّا على عدم جواز التصرف في مال الغير إلّا باذنه ، وكأنّه لذلك توقف فيه المحقق ، كما قال في الدروس : توقف المحقق فيه نظرا الى مورد النص.

قوله : ولو أخذ الشاة إلخ. يفهم عدم الخلاف من التذكرة في عدم جواز الأخذ ، والأصل يؤيّده ، وقد تقدم البحث في ذلك أيضا في الجملة.

وقال في التذكرة : ما يوجد من الحيوان قريبا من العمران حكمه حكم الموجود في العمران ، للعادة القاصية بأن الناس يشمّرون دوابّهم قريبا من عمارة البلد إلخ.

وقال أيضا : قد بيّنا أنّه لا يجوز أخذ الشاة وشبهها في العمران ، خلافا لأحمد ، فإن أخذها لم يجز له تملكها بحال ، بل يتخيّر آخذها بين الإمساك لصاحبها امانة ـ وعليه نفقتها من غير رجوع بها ، لتبرعه حيث أخذها في موضع المنع ـ ، وبين دفعها الى الحاكم ، لأنّها من المصالح ، ولو تعذر الحاكم أنفق ورجع بالقيمة ، ولا فرق في ذلك بين الحيوان الممتنع وغيره ، ولو وجد شاة في العمران حبسها ثلثة أيّام ، ثمّ تصدّق بها عن صاحبها ، ان لم يأت ، أو باعها ، ويتصدق بثمنها ـ الى قوله ـ :

٤٣٩

ولو أخذ غيرها احتفظها ، وأنفق عليها من غير رجوع ، أو دفع

______________________________________________________

والأقرب أنّه يضمن ، وقد روى ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السّلام ، أنّه قال : جائني (جاء ـ يب ئل) رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة؟ قال : فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام ، ويسأل عن صاحبها ، فان جاء صاحبها ، والّا باعها وتصدق بثمنها (١) إلخ.

وأنت تعلم أنّ الذي يقتضيه العقل والنقل الضمان على تقدير القول بعدم جواز الأخذ ، فإنه يصير غاصبا ، فيكون حكمها حكمه.

وكأنّه إليه أشار بقوله : (والأقرب الضمان) ، وان كان ما سبقه وما تأخّره يدلّ على عدمه ، وهو ظاهر.

وأنّ الإنفاق من ماله على تقدير الامانة غير مناسب ، وكذا ، التخيير على تقدير عدم الجواز غير مناسب ، وكذا الرّجوع بالإنفاق مع تعذّر الحاكم ، فتأمّل.

والحكم المذكور في الشاة سنده الرواية المذكورة (٢) مع عدم ظهور الصحة.

بل ضعيفة لوجود محمّد بن موسى الهمداني (٣) ، قيل : ضعيف ، وكان يضع الحديث ، ومنصور بن العبّاس الذي قيل فيه انّه مضطرب الأمر ، والحسن بن علي بن الفضّال قيل فطحي ، وكذا عبد الله بن بكير ، وخلاف الأصل والقوانين.

وليس فيها العمران ، كأنّه حملت على العمران للإجماع على عدم ذلك في غير العمران.

لكن الحكم مشهور ، وعلى تقدير ثبوته فيها ، لا ينبغي ان يتعدى الى غيرها.

وكأنّه الى ذلك أشار المصنف بقوله : (ولو أخذ غيرها إلخ) لعلّ مراده أنّه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من كتاب اللقطة الرواية ٦ ج ١٧ ص ٣٦٥.

(٢) تقدم ذكرها آنفا.

(٣) وسندها ـ كما في التهذيب : هكذا ، محمّد بن احمد بن يحيى عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن منصور بن العباس ، عن الحسن بن على بن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن بن أبي يعفور.

٤٤٠