مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

ولو اذن في الزّرع أو الغرس ، جاز له الرّجوع بالأرش.

______________________________________________________

يتلف بتقصير من في يده ، فيمكن الرّجوع ، فتأمّل.

قوله : ولو اذن في الزّرع إلخ. قد علم انّ العارية جائزة دائما إلّا ما استثنى ، فلو اذن للزّرع أو الغرس مثلا فزرع أو غرس ، يجوز لمالك الأرض حينئذ الرجوع عنها ، ولكن إذا رجع يلزم الإضرار على المستعير ، فإنّه يتلف عليه ما زرع ، وهو ضرر منفي عقلا وشرعا كتابا وسنة (١) وإجماعا ، فقال (٢) : يجوز الرّجوع والقلع مع الأرش. الظاهر انّ المراد بالأرش هو تفاوت ما بين كون الزرع مقلوعا وبين ما يدرك.

هذا ان فرض للمقلوع قيمة ، والا فيحتمل جميع قيمة ما إذا أدرك ، وفي الغرس تفاوت ما بين كونه مقلوعا وباقيا منتفعا به الى مدة العارية ، ان عين لها مدة منقطعا ، أو مدّة بقائها ان كان ذلك.

ويحتمل عدم الأرش أيضا ، لأنه كان يعرف ان هذا عقد جائز ، فكأنّه ارتكب الضرر لنفسه عالما ، فلا ضمان على احد.

والأوّل هو المسطور في الكتب ، فكأنّه مما لا خلاف فيه ، وله وجه أيضا ، وهو الجمع بين الحقين مهما أمكن.

وعلى تقدير الأرش ليس للمالك تكليفه بالقلع حتى يسلّم الأرش كما هو مقتضى كلام التذكرة والشّرائع ، إذ قد يقلع ، ولم يعطه شيئا ، فيتضرّر ، بخلاف ان أخذ ولم يقلع ، فإنّه وان كان ضررا أيضا ، ولكن يجعل الأمر إلى الحاكم ، فيجره أن

__________________

(١) أمّا الكتاب فيمكن ان يكون إشارة إلى قوله تعالى (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة ٢٨٢ وراجع أيضا ٢٣٤) والطلاق ٧ والنساء ١٢ وغيرها من الآيات. وأمّا السنة فهي لا ضرر ولا ضرار راجع الوسائل الباب ١٢ من أبواب إحياء الأموات الرواية ٣ و ٤ ج ١٧ ص ٣٤١.

(٢) يعنى المصنف في المتن في قوله : جاز.

٣٨١

وليس له قلع الميّت بعد الاذن في الدفن.

______________________________________________________

أمكن ، والّا يقلعه بنفسه وعدم التمكن منه لكونه ظالما (عالما ـ خ) قادرا على المنع ليس من جهة تقديم الأرش.

والظاهر ان ليس عليه (حينئذ ـ خ) تسوية الأرض وطمّ الحفر ، بخلاف ما كان متعدّيا ، بان غرس مع حصر الاذن في الزرع ، فإنه لا أرش له وعليه طم الحفر والتسوية كالغاصب.

وقال في التذكرة : إذا أعاره للرّهن فرهنه كان للمالك مطالبة المستعير يفك الرّهن في الحال ، سواء كان بدين حال أو مؤجّل ، فإنّ (لأن ـ خ) العارية عقد جائز من الطرفين ، فللمالك الرّجوع فيها متى شاء ، وإذا حلّ الدين أو كان حالا ، فلم يفكه الراهن ، جاز بيعه في الدين ، لانّ ذلك مقتضى الرّهن.

كأنّه يريد مع تعيين الوكيل أو الحاكم مع عدمه.

ثمّ أنّه ظهر (يظهر ـ خ) منه انّ له البيع مع كونه جائزا ، ومع عدم رضا المالك ، وأنّه ليس للمالك فك رهنه ، بل له مطالبة الرّاهن الذي هو المستعير.

وفيه بعد إذا لم يثمر حينئذ الجواز ، فلعلّ مراده أنّه يجوز له أيضا ذلك ، فتأمّل ، وقد قيل : ادّعى الإجماع في جواز العارية للرّهن.

قوله : وليس له قلع الميت إلخ. من صور الاستثناء عدم جواز الرّجوع عن الاذن والإعارة للدّفن ، بمعنى عدم ترتّب اثر عليه فلا يجوز له قلع الميت بعد الدّفن.

قال في التذكرة : لو رجع قبل ان يعلم المستعير ، فالأقرب أنه كذلك لا عوض له ، ولو رجع وعليه المستعير برجوعه ثم استعمل فهو غاصب ما عليه الأجرة ، إلّا إذا أعار لدفن ميّت مسلم ، ثم رجع بعد الدّفن ، لم يصحّ رجوعه ولا قلع الميّت ولا نبش القبر الا ان يندرس الميّت لما فيه من هتك حرمة الميّت ، ولا نعلم فيه خلافا.

امّا لو رجع قبل الحفر أو بعده ، قبل وضع الميّت ، فإنّه يصحّ رجوعه ، ويحرم

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

دفنه ، ولو رجع بعد وضع الميّت في القبر ، وقبل ان يواريه بالتراب ، فالأقرب أن له الرّجوع أيضا ، ومؤنة الحفر ـ إذا رجع بعد الحفر وقبل الدفن ـ لازمة لولي الميّت ، ولا يلزم ولى الميّت الطمّ ، لانّ الحفر مأذون.

دليل جواز الرّجوع في جميع ما تقدّم أنّه عقد جائز ، فيجوز الرّجوع عنه ، الّا ما ثبت بالدليل عدمه ، وهو موجود فيما بعد الدفن ، وهو الإجماع وتحريم النّبش ، وبقي الباقي تحته ، وغير معلوم صدق النبش بعد الوضع وقبل الطمّ ، فإنّه ليس بنبش القبر ظاهرا لغة ولا عرفا عامّا.

الّا ان يدّعي عرفا شرعيّا ، ويقال انّه مستلزم لهتك حرمة الميّت المسلم ، ولهذا لا يجوزون إخراج الميّت بعد الوضع يغسل نجاسة كفنه ، بل يقصون ان لم يمكن الغسل فيه : وكذا الا يجوّزون نقله (لا يجوز ـ خ) الى قبر آخر ، بل الى المشاهد أيضا على الظاهر فيهما.

وان كان دليل ع ل على تحريم نقله بعد الدّفن يشعر بجوازه بعد النبش وقبل الطمّ ، حيث قال : لان النقل مستلزم للنّبش (١).

لكن هذا الدليل فيه ما فيه كما ترى.

واما لزوم مؤنة الحفر على ولي الميّت من مال نفسه ، كما هو الظاهر ، لا من مال الميّت ، فلأنّه تعرض للحفر في موضع يجوز لصاحبه الرّجوع ، فيذهب المؤنة ، ويحتاج إلى أخرى ، فكأنّه فعل المؤنة في معرض التّلف ، خصوصا إذا أمكن الدّفن في

__________________

(١) الظاهر انّ مراده الشيخ علي محقق الكركي ، وعبارة جامع المقاصد ـ (في كتاب العارية) ـ هكذا : لو رجع في الإعارة للدّفن بعد وضع الميت في القبر قبل الطمّ جاز ، لأنّه لا يستلزم النبش المحرم إلخ.

وقال في كتاب الطهارة ـ (في أحكام الدّفن) ـ عند قول المصنف قده : ويحرم نبش القبر ما هذا لفظه : تحريم النبش في الجملة إجماعي ، واستثنى مواضع ـ الى ان قال : ولو أستعير للدّفن جاز الرّجوع قبل الطمّ لا بعده ، لأنّ النبش محرّم ، انتهى موضع الحاجة من كلامه واما العبارة المنقولة في المتن فلم نعثر عليها.

٣٨٣

ولا قلع الخشبة إذا كان طرفها الآخر في ملكه.

______________________________________________________

غير أرض الإعارة ، ومع العلم بحقيقتها.

ويحتمل على المالك ، لأنّه أذن للوضع ، ثم منع ، فهو مثل أرش الرّجوع ، وليس على الوليّ طمّ الحفر ، لأنّه مأذون فيه.

ثم قال : إذا نبت شجرة في القبر يجوز لمالك الأرض سقيها ، الّا ان يقضي السقي إلى ظهور شي‌ء من الميّت ، فيحرم ، لأنّه نبش في الحقيقة.

وقال أيضا : انّ الدفن من جملة منافع الأرض ، ولكن إذا أعار الأرض للانتفاع لا يدخل الدّفن فيها ، إلّا بالنصوصيّة ، لأنّ مثل هذه المنفعة لا يكفي فيها إطلاق العارية ، بل يجب ذكرها بالنصوصية ، بخلاف سائر المنافع.

وقال أيضا : إذا أعار الأرض للزرع أو الغرس له الدّخول في الأرض والاستظلال فبطل بنائه وكلما لا يضرّ بمنفعة المستعير.

قوله : ولا قلع الخشبة إلخ. يعني إذا استعار حائطا لوضع الخشبة فهو جائز ، ولم يجز للمعير أيضا هنا الفسخ كما في صورة القبر ، فهو من المستثنى أيضا ، إذا كان طرفها الآخر على حائط المستعير ، بحيث لو أزيل الخشب (لو أزيله الخشبة ـ خ) لخرب الحائط (حائطه ـ خ) ، للزوم الضرر ، وقد جوّزه المعير ، فيكون هو سببا للضرر والفساد ، وهو منهي.

ويمكن جوازه مع الأرش ، كما في الغرس ومشابهته به أكثر من القبر ، فتأمّل.

وقال في التذكرة : لا يجوز للمعير الرّجوع في العارية إذا حصل بالرّجوع ضرر على المستعير لا يستدرك ، فلو أعار لوحا يرقع به السفينة ثم لحج في البحر ، لم يجز للمعير هنا الرّجوع.

ويحتمل انّ له الرّجوع ، ويثبت له المثل أو القيمة مع تعذره للجمع بين الحقّين.

٣٨٤

ولو انقلعت الشجرة ، لم يكن له زرع أخرى ، إلا بالإذن (بإذن المالك ـ خ).

______________________________________________________

ولو أعاره حائطا لوضع خشبة عليه ، جاز له الرّجوع قبله مجانا إجماعا ، وبعده مع الأرش ما لم يكن أطراف الخشب الآخر في ملك المستعير ويؤدّى الى خراب ما بناه المستعير ، ففيه خلاف.

ولو قال المعير أنا ادفع اليه أرش ما نقص بالقلع لم يجب على المستعير إجابته إن منعنا الرّجوع هنا إلخ.

قوله : ولو انقلعت الشجرة إلخ. أي إذا أعار أرضا لغرس شجرة أو حائطا أن يحط على حائطه فانقلعت ، ليس للمستعير غرس الشجرة ووضع اخرى. مكانه إلّا بإذن جديد لغرس الشجرة ، فليس له غرس اخرى.

وفيه تأمّل إذا علم جواز الغرس والوضع على الحائط فانقلاعه ليس بمبطل للإذن ، الّا ان يكون الاذن مخصوصا بزمان ، وخرج ذلك الزّمان أو مخصوص بشجرة معيّنة ، وأراد ان يحط اخرى بدلها لا هي ، فلو أراد ان يحط ذلك (تلك ـ خ) بعينها لا مانع منه ، بل في عدم جواز أخرى أيضا تحت بناه ، ما على ما ذهب اليه المصنف من جواز التعدي في العارية إلى المساوي ، وأقلّ ضررا ، فينبغي ان (١) تقيّد الاولى بالمعينة والأخرى ب (أضرّ) أو بغيرها من المخصصات بحيث يصير الاذن مقصورا عليه امّا صريحا بأن ينهى صريحا عن الغير أو بقرينة واضحة.

قال في التذكرة : ولو أعار للغرس ثم ماتت الشجرة أو انقلعت لم يكن له غرس اخرى غيرها إلّا بإذن جديد وكذا في البناء لو اذن فيه فبنى ثم انهدم ، أو اذن له في وضع جذع على حائطه فانكسر ، وهو أحد وجهي الشافعيّة لأنّ الإذن اختصّ بالاوّلة والثاني انّ له ذلك لانّ الإذن قائم ما لم يرجع فيه فعدم ردّه للثاني يشعر

__________________

(١) في بعض النسخ ، ان لا تقيّد الأولى ، والصّواب ما أثبتناه.

٣٨٥

وليس للمستعير الإعارة ولا الإجارة إلّا بالاذن.

ولو تلفت بتفريط بعد نقص القيمة بالاستعمال ضمن الناقص لا النقص.

______________________________________________________

بجوازه أيضا ، كما أشرنا إليه ، فتأمّل.

قوله : وليس للمستعير الإعارة إلخ. قد مرّ تفصيله ، ومعلوم عدم جواز التعدي ، فإن استعار لنفسه بان يكون هو المستعير فقط كيف (فكيف ـ خ) له أن يعيره أو يؤجره إلخ وهو ظاهر ، الّا مع انضمام أمر آخر به مثل العلم بجواز ذلك من غير نفس الإعارة له ، وحينئذ يكون وكيلا للمالك في الإعارة لا معيرا له ، لأنّه لا بدّ من ان يكون المعير مالكا للمنفعة المعارة إمّا بالذات أو بالتّبع.

نعم يجوز له الاستيفاء بنفسه وبوكيله ان لم يشترط ولم يقيّد بالاستيفاء بنفسه وتكون المنفعة عائدة إليه ، كما مرّ.

وأمّا الأهل والدّواب والضيف فحكمه حكم نفسه ان كان المحلّ قابلا لهم فالإعارة له اعارة لهم أيضا ، بمعنى جواز الانتفاع لهم بإعارته للاوّل فكأنه المنتفع بها ، وهو أيضا ظاهر.

قوله : ولو تلفت بتفريط إلخ. يعني لو استعمل المستعير العين المعارة فنقصت بسبب الاستعمال المجوز بالعارية ثم فرّط اى فعل ما لا يجوز له وكان سببا للضمان فتلف ضمن من حين التفريط العين الناقصة لا ذلك النقص الذي حصل بالانتفاع المجوّز مطلقا ، سواء تلف بسبب ذلك التفريط أم لا بل بآفة.

وظاهرها أنّه حينئذ يضمن أجرتها التي تحصل بسبب الاستعمال بعد التفريط ، فإنّها خرجت عن الامانة والعارية ، ودخلت في حكم الغصب والضمان.

ويمكن عدمه إذا ما علم عدم جواز الاستعمال الذي جوّزه ، الّا أنّه لما فرّط دخل في ضمانه إمّا مطلقا أو بذلك الوجه الذي هو التفريط ، بمعنى أنه لو تلف بذلك الوجه يكون مضمونا لا غير ، كما مرّ.

٣٨٦

ويضمن بالجحود.

ويقبل قوله في القيمة ، والتلف ، وعدم التفريط ، لا الردّ.

______________________________________________________

اعلم أنّه قد كثر في الوديعة والعارية ونحوهما من الأمانات أنّ المفرّط والمتعدي بأيّ وجه ، ضامن مطلقا ، وان علم عدم مدخليّة التفريط في التلف ، لأنّه حينئذ يده يد ضمان وغصب.

وفيه تأمّل ، إذ لا دليل عليه شرعا كتابا وسنة وإجماعا ، لما نقلناه عن التذكرة في الوديعة مع نقل الإجماع ، وما فيه ، وأنّه ليس بتام ما ذكر خصوصا في ترك الحفظ بمثل ترك العلف ، لأنّ الإذن السابق موجود ، فتأمّل.

قوله : ويضمن بالجحود. قد مرّ مثله في الوديعة.

قوله : ويقبل قوله إلخ. دليله غير واضح ، كأنّه قيس بالوديعة ، وهو قياس مع الفارق ، فانّ هناك ضرورة ، لئلا يلزم سدّ باب قبول الوديعة ، وهو غير مناسب للحكمة المطلوبة ، الّا ان بعض الاخبار (١) يدل على أنّه أمين غير ضامن ، وأنّه لا ضمان عليه الّا مع الشرط.

وقال في التذكرة : أنّه مؤتمن ، وربما تعذّرت البينة.

وليس في ذلك حجة قاطعة (٢) ، فان كان إجماع أو نص ، والّا فالقواعد تقتضي كون القول قول المالك ، كما في الردّ ، لأنّه مدّع والمالك منكر ، والفرق بين الردّ والتّلف مشكل ، وان كان احتمال التّلف في موضع لا يمكن الاشهاد فرقا ، غير بعيد ، فإذا ادّعى التّلف في مثل هذه الصورة يقبل ، دون ما يمكن ، فتأمّل.

نعم القول قوله في قيمة العين المتلفة ، لأنّه غارم ، والأصل عدم الزيادة.

هذا إذا لم يكن شاهدا على تعيين القيمة حين التلف ، ولو كانت الشهود

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١ من كتاب العارية ج ١٣ ص ٢٣٦.

(٢) في النسخة المطبوعة : وليس ذلك بحجّة قاطعة.

٣٨٧

ولو ادعى المالك الأجرة حلف ، على عدم الإعارة ، وله الأقل من المدعى و (أو ـ خ) اجرة المثل.

______________________________________________________

على ذلك قبل الفوت بحيث يجزم عرفا أنّه لا يتغيّر ، فلا يسمع أيضا قوله ، واما مع احتمال التغيير وعدم الشهود ، فالقول قوله مع اليمين فيه وفي عدم التفريط أيضا ، فتأمّل.

قوله : ولو ادّعى المالك الأجرة ، إلخ. يعني لو ادّعى مالك دارا على متشبّث بها مدّة يستحق بها اجرة كونها عنده بعقد إجارة مدّة معيّنة بمبلغ معيّن ، وأنكر المتشبّث ذلك ، وقال : بل هي بالعارية ، له إحلاف المالك على عدم العارية ، فانتفت ، والغرض أنّه قد انتفع بها مدّة يستحق فيها اجرة ، والأصل عصمة مال الناس وعدم خروجه عن يده الّا بعوض ، وقد انتفى السبب الذي لا يلزمه الأجرة ، ويدّعيه المتصرّف ، فيثبت له عوض.

فان كان المدّعى أقل من أجرة المثل فلا كلام ، فإنّه بإقراره لا يستحق أكثر من ذلك ، وان كان أكثر فلمّا لم يثبت المدّعى ـ ولا بد له من عوض وليس الّا اجرة المثل ـ قال المحقق الثاني الشيخ علي والشهيد الثاني رحمهما الله تعالى إنّه يجب التحالف هنا ، فإنّه دعويان ، ومجرّد نفي العارية لا يستلزم نفي الإجارة أيضا حتى يثبت (١) المدّعى ، بل أقلّ الأمرين ، فيجب إحلاف المتصرّف على نفي المدّعى ، فإن حلف يلزم أقلّ الأمرين لما تقدّم.

وكأنّه مأخوذ من التذكرة ، حيث قال : إذا حلف على نفي الإعارة ، فالأقوى عندي أنّ المستعير يحلف على نفى الإجارة ، فإذا حلف ثبت للمالك أقلّ الأمرين من اجرة المثل والمسمّى إلخ.

ويمكن ان يقال : هذا متّجه خصوصا إذا كان المدّعى ، عينا من الأعيان

__________________

(١) في بعض النسخ : حتى لا يثبت ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المشخصة ، وان يقال العذر للمصنّف بأنّ مراده (١) على تقدير أن يقنع المالك بذلك ، ولم يدّع ويرتكب شيئا آخر ، وان كان ذلك أقل ما يحصل له في هذه الصورة ، وامّا إذا لم يقنع بذلك وطلب المدّعى فله إحلافه ، وهو ظاهر ، وما ذكر ذلك لظهوره ، ولأنّه لو لم يترك ، ويدّعى الأجرة المعينة فينكره الخصم ، فيحتاج إلى إحلاف ، ومعه لا يبقى له شي‌ء أصلا ، كما سنبيّنه.

وبالجملة ان أراد أن يأخذ شيئا لا يمكن ذلك الّا بترك الدّعوى ثانيا ، وتركه الإحلاف ، فإنّه لا شي‌ء معه.

ويؤيد ما اختاره المصنّف صحيحة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت ، فقال الرّجل كانت عندي وديعة ، وقال الآخر انما كانت لي عليك قرضا؟ فقال : المال لازم له الّا ان يقيم البينة أنها كانت وديعة (٢).

والذي يختلج في الخاطر ، كما أشرنا إليه فيما تقدّم ان يقال : ليس ما في المتن جيّد (جيّدا ـ خ) ولا ما ذكره في الحاشية والشرح.

امّا المتن فلما ذكراه (٣) ، ولأنّه انّما يدّعي عليه الأجرة المعيّنة ، فعلى تقدير حلفه انتفعت العارية ، فلا تثبت الأجرة ، امّا أجرة المثل فلا قراره وأمّا المعينة فلعدم ثبوتها ، والأصل برأيه الذّمة وعدم استحقاق شي‌ء في ذمّة المتصرف ونفي العارية لا يستلزم الأجرة وقد لا نسلّم انّ الأصل حصول أجرة وعوض لصاحب المال.

وامّا ما ذكراه فلأنّه إذا أحلف المالك المنكر على نفي الإجارة فقد أسقط حقّه الذي كان له في الدنيا مطالبته باليمين ، كما ثبت في محلّه ، انّ اليمين مسقطة

__________________

(١) يعني مراد المصنف قدّس سرّه.

(٢) الوسائل الباب ٧ من أبواب الوديعة الرواية ١.

(٣) يعني ما ذكره المحقق الثاني الشيخ علي ، والشهيد الثاني قدس سرهما من التحالف.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنّص والإجماع ، وقد اعترف ان ليس له حق آخر غيرها ، ولا معنى لدعوى المستعير عليه الإعارة وتحليفه ، فلا معنى للتحالف وأخذ الأقلّ من المدّعى والأجرة ، خصوصا إذا ادّعى انّ الأجرة عين معينة (١).

ولانّ المدّعى هنا في الحقيقة هو المالك ، فإذا ادّعى ولم يقدر على إثباتها ، واحلف خصمه فما بقي للمتصرف دعوى عليه ، فإنّه ما يدّعى عليه شيئا مسقطا لشي‌ء نافعا له ، فإنّه إذا حلف سقط دعواه عنه ، وليس للمالك دعوى أخرى بإقراره.

فالذي هو الظاهر أنّه (ان ـ خ) يقدم الحاكم دعوى المالك ، فإنّه المدّعى لا غير ، فإن أثبت ما ادعاه بالبيّنة فهو ، والّا فيقول : لك الإحلاف ، فإن اختار ذلك ، وحلف المتصرّف سقط عنه الحق الذي يدّعيه ، ولا حق له غيره بإقراره ، وانقطع الدعوى ، فان قوله ، بل أعرتنى ، ليس دعوى مطلوبة له أيضا ، بل جواب الخصم ، فلا يحتاج إلى إثباتها بعد دفع الخصم باليمين ، فليس هذا محلّ التحالف ولا محل تقديم دعواه وإثبات أقلّ الأمرين ، كما قالوه ، بل لا شي‌ء له بحسب الظاهر في الدنيا ، فتأمّل.

وبالجملة إمّا تقديم دعوى المالك الأجرة والإحلاف ، وحينئذ لا شي‌ء له أصلا لما تقدم ، وإمّا ترك تلك الدّعوى ودعوى الأجرة ، بعد أن أقرّ أنّه استوفى المنفعة ، لكنّه بلا عوض ، لكونها عارية يتوجّه اليه الحلف ، فلمّا حلف المالك سقط دعوى العارية فلا بد لمنفعته من عوض ، ولمّا لم يثبت الإجارة لم تثبت المعينة فباقراره ، الزائد عن الأجرة المعيّنة ساقطة (٢) ان ادّعاها ، فيأخذ الأقلّ ، ولو كانت الأجرة معيّنة تكون عوضا ومقاصّة ، فما ذكره المصنف متّجه ويحتمل ما ذكرناه.

ولا وجه للتحالف الّا ان تكون العارية لازمة أو يدّعي أمرا آخر مثل

__________________

(١) في بعض النسخ : غير معيّنة ، والصّواب ما أثبتناه.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ساقط.

٣٩٠

ولو اختلفا عقيب العقد حلف المستعير ، ولا شي‌ء.

______________________________________________________

السكنى مدّة طويلة وما مضت وحينئذ يتوجّه التحالف والدعوى بعد التصرف المدّة المذكورة ، مثل ما إذا كان يملك الدعوى قبل مضى مدّة يستحق بها اجرة ، حلف المستعير ، ويردّ العين الى صاحبه ، ولا شي‌ء عليه ، كما ذكره المصنف ، بقوله : (ولو اختلفا إلخ) فلا فرق بين الصورتين ، الله يعلم.

ثم بعد ان كتبت رأيت في التذكرة ، قال : مسألة إذا اختلف المالك والمستعير ، فقال المالك : آجرتك هذه العين مدّة كذا بكذا ، وقال المستعير : بل أعرتنيها ، والعين باقية بعد انقضاء المدة بأسرها أو ممّا له اجرة في العارة ، قال الشيخ رحمه الله في الخلاف : القول قول المستعير ، وبه قال أبو حنيفة ، لأنّهما اتّفقا على أنّ تلف المانع كان على ملك المستعير ، لانّ المالك يزعم أنه ملكها بالإجارة ، والمستعير يزعم أنّه ملكها بالعارية ، لأنّ المستعير يملك بذلك ، وقد ادّعى عليه عوض ما تلف على ملكه ، والأصل عدم وجوبه فكان القول قوله : ولأن الأصل براءة الذمّة ، والمالك يدعي شغلها فيحتاج إلى البيّنة إلخ (١).

هذا هو الذي ذكرناه.

ولكن في قوله : (انّ المستعير يملك المنفعة) تأمّل ، فإنّه يجوز له التصرف ، فإنه (فهو ـ خ) اباحة له لا أنّه ملك له ، ولهذا قيل في تعريفها : ثمرته تسويغ التصرف لا التمليك ، فتأمّل.

ورأيت جعل ذلك أيضا احتمالا أوّلا في القواعد : قال : لاتفاقهما على إباحة المنفعة ، والأصل براءة الذمّة من الأجرة ، ثم ذكر ما في المتن ، فالظاهر انّ اختياره ، ذلك في القواعد وفيه إشارة الى ما قلناه على كلام الشيخ وأبي حنيفة من ملكية المستودع المنفعة ، فلعل ذلك مذهب أبي حنيفة ، فتأمّل.

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢١٦.

٣٩١

«المقصد التاسع في اللقطة»

(وفيه مطلبان)

(الأوّل) المحلّ الملقوط ، إمّا إنسان ، أو حيوان ، أو مال.

وشرط الأوّل ، الصّغر ، فلا يصحّ التقاط البالغ العاقل ،

______________________________________________________

«المقصد التاسع في اللقطة»

قوله : الأوّل المحلّ الملقوط إلخ. قال في التذكرة : اللقطة بفتح القاف ، المال الضائع ، والمال الملقوط ، نقله عن الخليل بن احمد والفرّاء وابن الأعرابي والأصمعي ، ثم قسّمها إلى أقسام ثلاثة ، قال : لقطة الحيوان ولقطة الإنسان ولقطة سائر الأموال ، كما هنا ، الّا أنّه قدّم الحيوان على الإنسان عكس المتن.

قوله : وشرط الأوّل الصغر إلخ. أي المحلّ الأوّل للقطة ، ـ وهو الذي يتعلق به الالتقاط والأخذ ـ هو الإنسان ، وشرط أخذه ـ ليصير لقيطا شرعيّا ـ هو الصغر.

لا يخفى أنّ للّقيط أركانا ثلاثة ، الالتقاط ، واللقيط ، والملتقط ، أمّا الأوّل أي الالتقاط فهو الأخذ والتصرف في اللقيط والحفظ.

قال في التذكرة : وهو واجب على الكفاية لاشتماله على صيانة النفس عن الهلاك ، وفي تركه إتلاف النفس المحترمة ـ إلى قوله ـ : وليس أخذ اللقيط واجبا على الأعيان بالإجماع ـ إلى قوله ـ : بل هو من فروض الكفايات.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال : ويستحب الاشهاد على أخذه ، لأنّه أهون وأحفظ ، لأنّه يحتاج الى حفظ الحرية والنسب (١).

وأنت تعلم انّ المحقق في الشرائع على استحبابه ، ونقل عن اللمعة مع خوف التلف والضرر أنّه واجب ، والّا مستحبّ.

ولو وجد هذا التفصيل ، فهو جيد ، ولكن لي في الوجود تأمّل ، إذ الطفل في محلّ التلف مع عدم الكفيل.

وأما الثاني أي اللقيط ، فقال في التذكرة : هو كل صبي ضائع لا كافل له ، ويسمّى منبوذا باعتبار أنّه ينبذ ويرمى.

وقال في موضع آخر : فيخرج بقيد الصبي البالغ ، فإنّه مستغن عن الحضانة والتعهد ، فلا معنى للالتقاط.

نعم لو وقع في معرض الهلاك أعين ليتخلّص ، أما الصبي الذي بلغ سنّ التميّز ، فالأقرب جواز التقاطه لحاجته الى التعهد والتربية ، وهو أحد قولي الشافعية والثاني أنّه لا يلتقط ، لأنّه مستقل ممتنع كضالة الإبل ، ولا يتولى أمره الا الحاكم (٢).

فكأنّه (وكأنّه ـ خ) يريد بالصبي غير البالغ سواء كان مميّزا أو مراهقا أم لا.

ولا يبعد ان يقال : الأصل عدم وجوب الالتقاط فيقتصر على محلّ الوفاق ، فان لم يكن مميزا فهو محلّ الوفاق ، وان كان مميّزا في الجملة ـ ولكن مع ذلك ما وصل تمييزه الى حفظ نفسه عن الهلاك بان يقع في ماء أو بئر أو نار ، أو يقع (وقع ـ خ) من سطح ، ونحو ذلك مثل وقوعه بين يدي الحيوانات وخروجه من البلد الى محلّ الهلاك ومثلها ـ فالظاهر أنّه مثل غير المميّز ، بل كاد ان لا يسمّى به.

وأمّا إذا تعدّى عن هذه المرتبة ، ولكن يحتاج الى المنزل ليغسل حواسّه

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٥١.

(٢) التذكرة : ج ٢ ص ٢٧٠.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

(جوانبه ـ خ) وبدنه عن الوسخ ، أو يطبخ له طبيخا ، فالظاهر أنّه لا يجب التقاطه ، بل ليس ذلك محلا له ، فيكون أمره الى الحاكم ، كالبالغ والمميّز الذي لا يقدر بنفسه على تلك الأمور ، من باب الولاية العامّة كحفظ المجانين وأموال الغيّاب وسائر المصالح (العامة ـ خ) ، فينصب له من يباشر ذلك ، ويصرف عليه من بيت المال ، ان لم يكن له مال.

فان كان مراده بالمميّز المميّز في الجملة ، ولم يصل الى ما ذكرناه فالحق كلامه ، ولكنّه بعيد عن كلامه ، والّا فالظاهر خلاف أقربه الذي هو الثاني من قول الشافعية (١).

وكأنّه اختاره في المتن في آخر هذا الشرط بقوله : (ويجوز أخذ المملوك الصغير دون المميّز) ، الّا ان يؤول بما مرّ ، فتأمّل.

والظاهر (أيضا ـ خ) أنّه يريد بقوله : (أعين) وجوب الإعانة ، كما يشعر به دليله ، فانّ فيه حفظ النفس ، وفي تركه هلاكها ، فهو واجب من باب الإعانة والحفظ ، كما في غيره من الصور ، وكما في الالتقاط ، وليس من ذلك الباب.

وأيضا الظاهر أنّه يريد بجواز التقاط المميّز عدم تحريمه ، ووجوبه كفاية ، لأنّه اختار أنّ وجوبه كفائي ، ومعلوم أنّه على تقدير الكفائي ان يكن احد يتعيّن.

ثمّ المصنف في المتن جعل الصغر شرطا ، وفرّع عليه عدم صحة أخذ البالغ العاقل ، فكأنّه يريد بالصغر ما يلزمه غالبا من عدم العقل التام ، سواء كان لعدم البلوغ أو لعدم العقل ، فيفهم أنّه يجب التقاط غير البالغ مطلقا وهو محلّ التأمّل.

على أنّه قال في آخر شرط الأوّل (٢) : ويجوز أخذ المملوك الصغير دون المميز.

__________________

(١) إشارة الى ما نقله عن التذكرة آنفا من قوله : أمّا الصّبي الذي بلغ سن التميز فالأقرب التقاطه إلخ.

(٢) يعني المحلّ الأوّل للقطة إلخ.

٣٩٤

وانتفاء الأب أو الجد ، أو الملتقط أوّلا ، فلو كان له أحدهم ، أجبر على أخذه.

______________________________________________________

فيفهم منه انّ المميّز لم يكن لقيطا عنده ، وهو مؤيّد لما قلناه من المذهب الثاني للشافعية ، فهو مخالف للتذكرة ، ولأوّل كلامه ، فتأمّل.

وأيضا يفهم أنّه يجوز التقاط المجنون ، وأنّه محل التأمّل أيضا ، وهو خلاف ما يفهم من غيره من العبارات في تعريف اللقط وشرائطه من نفس كلامه ، حيث شرط الصغر ، فإنه ظاهر في غير البالغ ، وكذا في التذكرة والقواعد.

لكن في آخره قال : غير البالغ ، مثل ما هنا ، وزاد في الدروس في التعريف الصبيّة والمجنون أيضا ، ينبغي ان يقال : أو المجنونة أيضا.

قوله : وانتفاء الأب إلخ. إشارة إلى شرط ثان للاوّل ، وبيان فائدة قيد (لا كافل له) في تعريف التذكرة.

قال في التذكرة : وقولنا : ضائع ، يريد به المنبوذ ، لانّ غير المنبوذ يحفظه أبوه أو جدّه لأبيه أو الوصيّ لأحدهما ، فان لم يكن أحدهما (١) ، والّا نصب له القاضي من يراعيه ويحفظه ويتسلمه ، لانّ له كافل معلوم (٢) ، وهو أبوه أو جدّه أو وصيّهما ، فإذا فقد ، قام القاضي مقامه ، كما (أنّه ـ خ) يقوم بحفظ مال الغائبين والمفقودين ، وأمّا المنبوذ فيشبه (فإنّه يشبه ـ خ) اللقيط ، ولهذا يسمّى لقيطا ، فلم يختص حفظه بالقاضي بل يحفظه كل من يلقطه ، وقولنا : لا كافل له ، يريد به من لا أب له ولا جدّ للأب ومن يقوم مقامهما كالملتقط ، فمن هو في حضانة أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه ، نعم لو وجد في مضيعة أخذ ليردّ الى حاضنته (٣).

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٧٠ عبارة النسخة المطبوعة التي عندنا هكذا : فان لم يكن أحد هؤلاء نصب القاضي له إلخ.

(٢) في التذكرة : لأنّه كان له كافل معلوم.

(٣) التذكرة : ج ٢ ص ٢٧٠.

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

اعلم أنّ في قوله (١) : (لا كافل له يريد إلخ) تأمّلا ، لأنّ الظاهر أنّ المنبوذ هو الذي طرح ونبذ ولم يكن تحت يد أحد ، ويكون في موضع يظن هلاكه وضياعه ، كما فهم من كلامه ، ولأنّ غير المنبوذ بالمعنى الذي تقدم ، له من يكفله ، سواء كان ذلك قريبا (له ـ خ) أو بعيدا أو ملتقطا أو غيره ، فلا يلتقط ذلك ، لأنّه ليس بضائع (أو ـ خ) ولا في مهلكة وموضع ضياع ، فلا يوجد فيه شرط الالتقاط ، وهو ظاهر ، فالحافظ لغير المنبوذ ليس منحصرا فيما ذكره.

وان أراد الذي يجب عليه الحفظ ، فيمكن ان يقال : انّ الأم والأجداد كذلك مطلقا ، سواء كان من الأب أو الأم نعم الوليّ منحصر فيهم والحافظ الذي يجب عليه الحضانة أعمّ منه ، فإذا لا يجب على القاضي نصب الحافظ على تقدير عدم هؤلاء ، بل لا يجوز ، فإن الحضانة للأم مثلا ، على أنّ قوله (أحدهما والّا نصب) غلط.

ويحتمل ان تكون العبارة هكذا (أو يكون الوصي لأحدهما والّا نصب إلخ).

وأنّه يريد بالمنبوذ الشذي لا كافل له معيّنا ، فإنّه الذي لا يختصّ بالقاضي ، ويأخذه غيره ، وشبيه بالمال الملقوط يحفظه كل من لقطه.

وكذا في قوله : (قولنا لا كافل له إلخ) (٢) ، لأنّه ظاهر في أنّ الكافل الذي يسقط معه الالتقاط غير الأم وغير الجدّ من الأم ، وأنّه منحصر في الأب والجدّ منه والملتقط ، كعبارة الكتاب ، الّا أن لفظ (من يقوم مقامهما) مع ما تقدّم ، يفيد إدخال الوصي أيضا.

وقد عرفت أنّه يمكن ان لا يكون منحصرا في هذه الأربعة ، إذ ليس هذه

__________________

(١) يعني العلامة في التذكرة.

(٢) قد نقلنا هذه العبارة آنفا من التذكرة فتذكر.

٣٩٦

وحرية الملتقط ، وبلوغه ، وعقله ،

______________________________________________________

ولاية ، فإنّه إذا كان له أم أو غيرها ممّا له الحضانة ، وهو كافل في الجملة ، بل يمكن ان يجب عليهم مع عدم هؤلاء فلا بد من اشتراط عدمه أيضا حتى يكون لقيطا.

بل كون الحضانة بعدهما للوصي أيضا غير ظاهر ، بل ظاهر عدمه.

نعم لو لم يكن أحد ممّن له ذلك مثل الامّ وغيرها ، أو لم يفعل ، يجب عليه ان يحصل له من يحفظه ويراعيه ، لا أنّ له حضانة أو عليه بنفسه ذلك ، فتأمّل.

ولو لم يكن ما تقدم لأمكن إدخالهم في هذه العبارة بتعميم من يقوم مقامهما ، على أنّه كان يضرّ ترك الأم وقيد الجدّ بالأب ممّا لا حاجة اليه ، ويوهم خلاف المقصود.

ومنه علم ما في قول المصنف : (وانتفاء الأب إلخ) ومعلوم جبر أحد هؤلاء على الحفظ عندهم ، ويمكن ان يكون بالأجرة كالأم ، وكذا الوصي أيضا يجبر امّا بحفظه (أن يحفظ ـ خ) بنفسه أو بتحصيل من يحفظه و (أو ـ خ) ويحضنه ان كان له مال ، ويمكن للوصيّ أيضا أجرة ذلك ، ان أراد ، كما قيل : انّ للأم ذلك وللوصي الأكل أجرة.

والظاهر انّ (١) عندهم من يجب عليه الحفظ والحضانة منحصر في الوليّ ، وأنّ من ليس ذلك ان نبذ فهو لقيط ، وذلك غير واضح ، فتأمّل.

قوله : وحريّة الملتقط إلخ. إشارة إلى الركن الثالث لالتقاط الإنسان الذي هو أوّل الأقسام ، وهو الملتقط.

قال في التذكرة : يعتبر في الملتقط التكليف والحرية والإسلام والعدالة ، إلخ.

الظاهر عدم الخلاف في اشتراط البلوغ والعقل ، فلا اعتبار لالتقاط المجنون

__________________

(١) في النسخة المطبوعة أنّه عندهم إلخ.

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والصبيّ فلم يصيرا ملتقطين ، فكلّ من يأخذ من أيديهما يصير ملتقطا ، ويمكن ان يكون الأخذ من أيديهما للحاكم فقط ، فلا يكون لقطة ، لأنّه غير منبوذ ، وقد اعتبر في تعريف اللقطة ، وقد أشرنا إليه فيما نقلناه عن التذكرة ، وان كان ظاهر أنّ المنبوذ هو الذي ليس في يد من يجب حضانته ، فتأمّل ، فأمره إلى الحاكم ، كما مرّ فيما قلناه من التذكرة.

قال في التذكرة : ولو كان المجنون معتورا أو أدوارا أخذه الحاكم من عنده ، كما يأخذه لو التقطه المجنون المطبق أو الصّبي.

وهو صريح في أنّه لم يكن لقيطا بأخذهما وبعده أيضا ، فإذا أخذه أحد لم يصر كذلك ، وليس لأحد أخذه إلّا الحاكم ، ويحتمل للوليّ ذلك ، خصوصا إذا لم يتمكن من الحاكم ، ولم يكن (له ـ خ) حينئذ أيضا لقطة.

وأمّا العبد فالظاهر أنّه ليس له الالتقاط أيضا بالإجماع ، لأنّ منافعه لسيده فان اذن ، فيكون السيد هو الملتقط حقيقة ، ويكون هو نائبه ، والّا لم يصحّ أخذه ، فيصير أمره الى الحاكم ، كمأخوذ الصبي والمجنون أو كغير الملتقط.

قال في التذكرة : ولو اذن له السيد أو علم به فأقره في يده جاز ، وكان للسيّد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه قد استعان به عليه في الأخذ والتربية والحضانة ، فصار كما لو التقطه سيّده وسلّمه اليه ، فإذا اذن له السيد لم يكن له الرّجوع في ذلك أمّا لو كان الطفل في موضع لا ملتقط له سوى العبد ، فإنّه يجوز له التقاطه ، لأنّه تخليص له من الهلاك ، فجاز كما لو اراده التخليص من الغرق ، ولو التقط العبد مع وجود ملتقط غيره لم يقرّ في يده ، وينزعه الحاكم ، لأنّه المنصوب للمصالح ، الّا ان يأذن مولاه ، ويأذن بتقريره في يده ، فيقدّم على الحاكم ولا فرق بين القن والمدبّر وأمّ الولد والمكاتب والمحرّر بعضه في ذلك كلّه إلخ.

والظاهر أنّه إذا كان في محل الهلاك يجب أخذه ، لما مرّ ، فكأنّه يريد

٣٩٨

وإسلامه على رأى ،

______________________________________________________

بالجواز ذلك.

والظاهر مع عدم وجود ملتقط آخر أيضا لم يقرّ في يده ، بل ينزعه الحاكم ، الّا مع الاذن ، وحينئذ لا فرق بين وجود الملتقط وعدمه ، وهو ظاهر وأيضا في عدم أخذ المحرّر بعضه ـ إذا كان في نوبته بحيث بقدر على تربيته ـ ، فتأمّل.

وأمّا الإسلام فالظاهر انّ المراد انه شرط في أخذ اللقيط الذي حكم بإسلامه بأن يكون في ديار المسلمين أو قريب بلاد يكون فيها مسلم يمكن تولّده فيه (منه ـ خ) كذا قالوا ، فدليل من يشترطه الآية (١) وأنّه يفتنه عن دينه لأنّه ظاهر أنّه يعلّمه الكفر كما يعلّم أولاده ، فتقريره في يده اعانة على تكفير المسلم ، فلا يقرّ في يده ، بل إذا أخذه يأخذه منه الحاكم كالصبيّ.

ويحتمل كونه منبوذا ، كما مرّ ، لان كلام التذكرة كان مشعرا بأنّ من لم يكن في يد المولى فهو منبوذ ، فتأمّل.

ودليل المجوّز عموم دليل الجواز ، وليس بمعلوم كون هذا سبيلا منفيّا (٢) بل تكليف عليه وإلزام بالتربية ، والتفتين غير معلوم.

على أنّه لو كان ذلك سببا ، لكان ينبغي عدم جواز أخذ الطفل الكافر أيضا لأنّ هناك أيضا تفتين في الجملة إذ لو أخذه المسلم لأسلمه فتخليته بيد الكافر اعانة على الكفر ، بل بالنسبة إلى أطفاله أيضا.

وكأنه لذلك منع الشيخ عليّ من التقاط الكافر أيضا عند التقاط الكافر كالطفل المسلم (٣) إذ الأصل عدم ثبوت سلطنته وثبوت أحكام الالتقاط الّا فيما

__________________

(١) قال الله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) النساء : ١٤٢.

(٢) إشارة الى الآية المذكورة آنفا.

(٣) في بعض النسخ من التقاطه الكافر أيضا إذا الأصل إلخ وفي النسخة المطبوعة : من التقاط الكافر أيضا وكان عدم التقاط الكافر المسلم أولى إذ الأصل إلخ.

٣٩٩

وعدالته على رأي.

______________________________________________________

ثبت بالدليل ، وليس إلّا الإجماع ، ولا إجماع ، هنا ، ولهذا ما نقل في التذكرة الإجماع ، بل يمكن دعواه في العكس.

وقال : اما إذا كان الطفل محكوما بكفره فإنّه يجوز للكافر التقاط الكافر (التقاطه ـ خ ل) لقوله تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١) ، وللمسلم التقاط الطفل المحكوم بكفره.

ويؤيد عدم جواز أخذ الكافر المسلم ، اعتبار العدالة عند البعض.

قال في التذكرة : الأقرب اعتبار العدالة في الملتقط ، فلو التقطه الفاسق لم يقرّ في يده ، وينزعه الحاكم ، لانّ الفاسق غير مؤتمن شرعا ، وهو ظاهر ، فلا يجوز الركون إليه للآية (٢) ولا يؤمن ان يبيع الطفل ، أو يسترقّه ويدّعيه مملوكا ، ولا يؤمن سوء تربيته ، ولا يوثق عليه ويخشى الفساد.

وقيل بعدم اشتراطهما ، فلا ينزع الحاكم اللقيط من يد الفاسق ، لانّ ظاهر حال المسلم الأمانة ، ولهذا قبل قوله في ما في يده من أنّه له ، وطاهر ، ونجس ، وإعطاء الأمانة.

وبالجملة ظاهر حال المسلم يقتضي الحكم بعدم فعله غير مشروع ، ولأنّ الأصل عدم فعله غير مشروع ، فاندفع الفساد وغير معلوم دلالة الآية (٣) على منعه وهو ظاهر ، وقد مرّ مرارا ، ولأنّه يجوز له لقطة الأموال ، والفرق بينهما مشكل إذ يمكن حفظ حاله بحيث لا يفسد ، بالاشتهاد والاشتهار ، فيؤمن الفساد ، كما في المال بالتعريف ، الّا أنّ في الأموال أسهل وهو ظاهر.

وفرق في التذكرة بينهما ، بانّ في المال تكسّب (٤) ، وبأنّه يجب ردّ المال بعد

__________________

(١) الأنفال : ٧٣.

(٢) النساء : ١٤٢ إشارة إلى قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) هود : ١١٣.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) هكذا في النسخ والصواب تكسبا بالنصب.

٤٠٠