مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قبله ، وكذلك الوكالة والوديعة ، وأكثر العقود الجائزة ، فتسميتها عقودا ليس بسديد.

وكذا جعل الجعل لفعل الوكيل ما وكل فيه ، وحفظ الوديعة ، فإنّه لا بدّ من تحقّق العقد المثمر قبل الثمرة ، وهو جواز التصرف ، والحال انّه حاصل قبله ، إذ يجوز لوكيل البيع بيع ما وكلّ فيه ، قبل القبول وبعد الإيجاب.

وكذا الانتفاع في العارية ، فلو كان عقدا حاصلا بهذا القبول ، لما جاز ذلك وهو ظاهر ففي كلامهم مسامحة ومساهلة ، فتأمّل.

فلعلّ تعريفها وجعلها من العقود ، وتعريفها بأنّه عقد كذا أو باللّفظ الدال ، باعتبار الأغلب والأكثر.

ويمكن تعريف المصنف بقوله : (وهو لفظ دالّ آه) إشارة الى أنّ العقد هنا مجرد الإيجاب ، فلا يرد ما أورده الشارح (١).

تأمل وانّ (٢) الدليل على اعتبار اللفظ في العقود الخاصّة ، بأنّه لا بدّ من الرّضا ، ولا يطلع عليه الّا من طرف اللفظ ، كما يستدلون به غير تامّ.

إذ يمكن الاطلاع عن غيره ، كما في الصديق وسائر ما تضمّنه الآية (٣) فإنّه إذا جوّز الشارع إتلاف وتضييع أنفس أموال شخص بالأكل ، فجواز عارية مثل كتابه بخطه في بيته والجلوس في داره ونحو ذلك ـ بل البيع ، بعوض كثير في أمور قليلة جدّا ، بحيث يجزم العقل تجويز مثله بذلك العوض مع العلم بأنّه يريد بيعه ـ بالطريق الاولى (٤).

__________________

(١) يمكن ان يكون إشارة الى ما قاله الشهيد الثاني في المسالك في شرح قول المصنف : وهو عقد ، من قوله : واعلم أنّ جعلها عقدا يقتضي اعتبار الإيجاب والقبول اللفظيين ، لأنّ ذلك هو المفهوم من العقد وان لم ينحصر في لفظ إلخ راجع كلام المسالك.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب ، فإنّ إلخ.

(٣) النور : ٦١.

(٤) خبر لقوله قدّس سرّه : فجواز عارية مثل كتابة إلخ.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة ينبغي ان يكون العلم متبعا في الكلّ ، بل الظنّ الغالب القائم مقامه ، بحيث لا يكون دلالته أضعف من اللفظ المحتمل عدم ارادة معنى له أصلا أو معنى مجازيّا ونحو ذلك.

نعم ان ثبت ان شيئا من العقود موقوف (موقوفة ـ خ) على اعتبار الشرع اللفظ ، المعتبر فيه ، فهو متبع ، والّا فالأمر كما تقدم ، فتأمّل.

ثمّ نقل في التذكرة الخلاف عن بعض الشافعية في اعتبار اللفظ من جانب المعير لا من المستعير ، واعتبر فيه القبول ، إمّا باللفظ أو (وإمّا ـ خ) بالفعل فقط ، ومن البعض أنّه لا بدّ من اللفظ من احد الطرفين من المعير أو المستعير ، والفعل من الآخر ، ثمّ قال : فالأقرب ما تقدّم.

إشارة الى عدم الاعتبار باللفظ في طرف أصلا ، بل يكفي ما يدلّ على الاذن بالانتفاع.

وقال أيضا : وقد جرت العادة بالانتفاع بظرف الهدية المبعوث اليه واستعماله كأكل الطعام من القصعة المبعوث (اليه ـ خ) ، فإنه يكون عارية ، لأنّه انتفاع (منتفع ـ خ) بملك الغير باذنه ، وان لم يوجد لفظ يدلّ عليه : بل شاهد الحال (١).

والظاهر استعمال القصعة في أكل الطعام الذي فيه مأذون صريحا إذا كان مطبوخا ، فإنّ العادة ذلك ، بل ربّما لم يرض المالك بالصبّ منه والأكل في موضع آخر ، لحصول تغيير في طعامه في الجملة وعدم بقائه على حسن حاله الّذي كان مقصودا بقائه عليه ، بل السّفرة التي فيها الطعام ، فإنّه قد يكون المنظور نشرها ووضع الطعام فيها ، لأنّه أحسن.

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢١١.

٣٦٢

وانما تصحّ من جائز التصرف.

ولو اذن الولي للطفل ، صحّ أن يعير مع المصلحة.

______________________________________________________

نعم قد يكون معه ما يدلّ على عدمه ، وذلك يعرف بالقرائن.

وامّا استعماله في غير الطعام الذي فيه فذلك قد يكون معلوما من باب الصداقة من الصحبة المتكررة ، والّا فلا ينبغي الاستعمال.

وأما بعث الطعام فيه الى الغير ، بل بعثه مع الخادم والغلام إلى اهله ، وكل شخص غير عدل بل العدل أيضا فإن علم الاذن مع القرينة على ما وجّهنا فجاز (مجاز ـ خ) ، والّا فالظاهر هو الامتناع من ذلك كلّه ، لأنه تصرّف وتسليط على مال الغير بغير الاذن.

نعم قد يؤخذ جواز ذلك من العرف والعادة ، خصوصا خادم صاحب المال ، ولكن فيه تأمل ، خصوصا إذا كان طفلا فلا ينبغي تسليطه ، وتعريفه (تعريضه ـ خ) بالاستقلال ، الا مع العلم ، فتأمّل واحتط.

قوله : وانّما تصحّ من جائز التصرّف إلخ. يعني لا يجوز ولا يصح الإعارة الّا من جائز التصرف أو ممّن يجوّز له ذلك ، مثل الطفل إذا جوّز له الوليّ ، فلو اذن الولي للطفل ان يعير ماله مع المصلحة جاز ، فان عبارته معتبرة في الجملة ، مع ان العقد الجائز لا يشترط فيه اللفظ ، فانّ الغرض ما يدلّ على رضاء المعير ، فإذا فهم اذنه في ذلك للصبيّ ، وقال الصبي : أعرتك ، لا مانع من المصلحة ، إذا علم منه رضاه بذلك من قوله : أعرتك هذا ، ولا بعد في ذلك.

وكذا يفهم من فعله بغير لفظ ، فإنّهم قد صرّحوا بجواز أخذ الهدايا والتّحف من الصبي المميّز.

وكذا انّ قولهم مسموع وكاف في الاذن بدخول البيت بخبرهم (لخبرهم ـ خ) باذن صاحب البيت ، مثل أبيهم.

وفي مثل ذلك إشارة إلى أنّهم غير معزولين بالكليّة.

٣٦٣

وكلّ ما صحّ الانتفاع به مع بقائه صحّ إعارته.

ويقتصر المستعير على المأذون ، فيضمن الأجرة والعين لو خالف.

______________________________________________________

فلا بعد في جواز الاعتبار بأقوالهم ولفظهم بعد أن أذن الولي في العقود اللازمة أيضا ، فتأمّل (١).

ثم لا يخفى أنّ قوله : (مع المصلحة) يدلّ على أنّ المستعار هو مال الصبي ، إذ لو كان مال الوليّ فلا يحتاج إليها ، كما في صورة يعيره هو بنفسه وبوكيله وغير الصبي.

والمصلحة مثل ان لم يعره يأخذه الظالم ونحوه ، فتأمّل.

واعلم أنّ قول المصنّف : (وأنّما يصحّ إلخ) لا يخلو عن تأمل ، من جهة الحضر ثم التجويز مع اعتبار المصلحة ، وان كان عبارة الصبيّ من دون فهم الاذن من الولي لا اعتداد به ، ومعه يكون المعتمد هو كلام الصبي ، فكأنه هو الدال مع القرينة ، لأنّه مميّز ، والعقد ضعيف ، فيكفيه مثله.

قوله : وكلّما صحّ الانتفاع إلخ. إشارة إلى شرط المعار ، والمراد بالانتفاع هو الانتفاع الشرعي وهو ظاهر ، وقد مرّ.

قوله : ويقتصر المستعير على المأذون إلخ. يعني لا يجوز للمستعير ان يتجاوز عن المأذون له من الانتفاع بالعين المستعارة ، الّا ان يكون مساويا في الضرر أو انقص ، الّا ان ينهى عن التجاوز عن المعيّن الخاصّ ، فلا يجوز التخطي بوجه ، ذكر الأقل ضررا (له ـ خ) والمساوي في التذكرة وغيرها.

وفيه تأمّل ، خصوصا في المساوي ، والجواز غير بعيد ، مع القرينة بانّ المقصود غير متعلّق بالمستعير والمعير ، والقرينة المقيدة متّبعة ، ومع عدمها يحتمل الجواز ، لعدم غرض يتعلق بالمعيّن غالبا ، ولأنّ العرف يقتضي عدم المضايقة في مثل

__________________

(١) لعله إشارة الى ما تقدم منه قدّس سرّه في كتاب التجارة فراجع ص ١٥١ ـ ١٥٣ من ج ٨.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك.

ويؤيّده جواز ركوب المساوي للدّابة المستأجرة وإجارتها للمساوي والأدنى.

والاحتياط العدم ، لعدم جواز تسليط احد على مال الغير إلا بإذنه المعلوم ، والفرض عدمه ، فتأمّل.

فإن تجاوز أثم ، لأنّه خالف الشّرع ، وضمن الأجرة ، ان كانت ذا اجرة ، والعين أيضا ، لأنه صار يده يد ضمان وغصب ، ولا يبرأ منه الّا بالتسليم أو بالإسقاط على الاحتمال الأقوى ، كما مرّ في الوديعة فتذكّر.

وان عممّ فله الانتفاع به ، أى انتفاع يجوز للمالك والانتفاع المتعارف المطلوب منه عرفا ، وعادة.

وإذا استعار أرضا غير معدّة للدفن ، لا يجوز الدّفن.

قال في التذكرة : لأنّ مثل هذه المنفعة لا يكفي فيها الإطلاق ، بل يجب ذكرها بالنصوصية ، فإذا كان دابّة لا تحمل أكثر من طاقتها ولا تركب كذلك ، ولا يسافر بها أكثر ممّا تستطيع من السرعة والبطؤ المتداولين ، ولا بالليل والنهار معا ، وإذا كان للحمل مثل الحمار لا يحرث ، وإذا كان للرّكوب لا يحمل ، ونحو ذلك ، الّا مع التصريح ، وإذا أطلق ، فالظاهر أنّه مثل العام ، فانّ المتبادر منه العموم ، ولأنّ عدم التعيين يشعر بعدم الفرق عنده بين الانتفاعات ، والّا لعيّنه ، ولانّ تعيين أحدها بعينه بحيث لا يجوز الّا ذلك من بين الانتفاعات ترجيح بلا مرجح ، وصرّح بذلك في التذكرة ، هذا مؤيّد لما مرّ في تعيين المستعير ، فتذكّر وتأمّل.

وبعض منع من ذلك ، واشترط التعيين أو العموم ، وهو غير ظاهر.

نعم ان علم أنّ المراد أحدهما بعينه يصير مجملا ، ولا يجوز الانتفاع أصلا ، لعدم العلم به ، وقد مرّ مثله في تعيين المستعار له ، فتأمّل وتذكّر.

وقال في التذكرة : ليس له ان يوجر ، ولا أن يبيع ، لأنّه غير داخل في مفهوم

٣٦٥

ويصح إعارة الشاة للحلب.

______________________________________________________

العارية ، والأقرب أنّ له ان يرهن مع التعميم ، دون الإطلاق.

والظاهر انّ ذلك مع التعارف ، والّا فهو انتفاع خاصّ ، لا يتبادر ، فانّ الرّهن لا يفهم منه الانتفاع والعارية له ، الّا مع مع القرائن أو التصريح أو تعميم مع مبالغة ، ما فيه ، حتى يفهم ، فتأمّل.

قوله : وتصح إعارة الشاة للحلب. كأنّه لا خلاف فيها عندنا (وـ خ) لانّه لا مانع منه عقلا ونقلا ، والأصل الجواز ، وتسلّط المالك على ملكه ، فله ان يسلّط غيره بالانتفاع بها ، ولأنّه بمنزلة وكالة في الانتفاع ، ولأنّه قد يوجد (وجد ـ خ) جميع شرائط صحتها ، فيوجد ضرورة ، ولأنّه قد يحتاج إليها ، فشرعها يناسب الشريعة السمحة والحكمة ، ولعموم أدلّة هذه العقود.

قال في التذكرة : يجوز اعارة الغنم للانتفاع بلبنها وصوفها ـ الى قوله ـ وقد روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : انه قال : العارية مؤدّاة والمنحة مردودة والدين مقتضي والغريم غارم (١) المنحة هي الشاة.

ومن طريق الخاصة ما رواه الحلبي في الحسن ، عن الصادق عليه السّلام في الرّجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمنا شيئا معلوما أو دراهم معلومة من كل شاة كذا وكذا ، قال : لا بأس بالدّراهم ، ولست أحبّ ان يكون بالسّمن (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان أنّه سأل الصادق عليه السّلام ، عن رجل دفع الى رجل غنمه بسمن ودراهم معلومة لكل شاة كذا وكذا في كل شهر؟ قال : لا بأس بالدراهم ، فامّا السمن فلا أحبّ ذلك الّا ان تكون حوالب فلا بأس (٣) وإذا

__________________

(١) عوالي اللئالي : ج ٣ ص ٢٥٢ حديث نقلا عن سند احمد بن حنبل مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل الباب ٩ من أبواب عقد البيع الرواية ١ وفيه سنة بدل سمنا ج ١٢ ص ٢٦٠.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أبواب عقد البيع الرواية ٤ وفيه كما في الكافي أيضا سألت أبا عبد الله عليه السّلام.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

جاز ذلك مع العوض فبدونه أولى (١).

كلاهما حسنة في الكافي ، لإبراهيم بن هاشم (٢) ، وما رأيت في غيره.

ولعلّ مراده أنّه إذا جاز جعل اللّبن عوضا لعمل الرّاعي وهو حفظه الغنم ورعيه ومراعاته ، فأعطاه بلا عوض يكون جائزا بالطريق الأولى.

وبالجملة ما نجده مانعا من ذلك الّا ما قيل انّ الإعارة لا بدّ ان تكون لأخذ المنفعة واللّبن والصوف مثلا عين ، فلا يجوز.

والظاهر أن لا خلاف في الغنم للحلب فعلم أن ليس ذلك مانعا عقلا ، وليس في الشرع أيضا مانع ، وهو ظاهر ، الّا قول بعض الأصحاب أنّه عقد فائدته التبرّع بالانتفاع بالعين مع بقاء العين مطلقا أو مدة معيّنة ونحوه ، وذلك غير صريح في كون الانتفاع غير أخذ عين ، فان الانتفاع من العين قد يكون بأخذ عين أخرى منه من نمائها وثمرتها ، وقد يكون مجرّد الانتفاع بمنفعتها ، وهو ظاهر.

فإن المنفعة من بستان نخل ، الثمرة وكذا الشجرة ، ومن الغنم الناقة الولد والصّوف والوبر والشعر واللبن وغير ذلك ، وهو ظاهر والحاصل أنّه على تقدير اشتراط الانتفاع بالنص ، لا دليل على عدم إطلاق المنفعة على الأعيان الحاصلة من الأعيان المعارة في العقل. والنقل.

نعم لا بد ان يكون منفعة لعين مع بقائها في الجملة ، ولا يدلّ على ذلك إجماعهم على عدم الإجارة بمثلها ، لانّ الشرط هو تمليك المنفعة ، لا العين واللبن ونحوه عين ، لأنا لا نسلّم ذلك أيضا ، فإنّه لا نص على ذلك أيضا ، الّا أنّه قد ادعى الإجماع ، ولكن في الإجماع ما فيه ، ولا يحتاج الى البيان.

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

(٢) سند الاولى هكذا : علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي وسند الثانية هكذا : علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان.

٣٦٧

والأمة للخدمة للأجنبي.

______________________________________________________

وعلى تقدير التسليم لا يلزم كون ذلك في العارية أيضا ـ لأنّه قياس ـ للإجماع ولا تلازم بينهما ، الا ترى أنّه يجوز إعارة الشاة للحلب بالإجماع ، ولا يجوز إجارتها لذلك ، فلا يبعد جواز إعارتها للانتفاع بصوفها ، وكذا اعارة غيرها من النعم للانتفاع ببعض الأعيان الحاصلة منها ، كما صرّح به في القواعد وغيره ، فتأمّل.

قوله : والأمة للخدمة للأجنبيّ. أي يجوز إعارة الأمة للخدمة ، وان كان المستعار له أجنبيّا غير محرم (لها ـ خ) بوجه ، فيقتصر على الانتفاع بخدمتها ، ما لم يجوز غيرها ، فإن أجاز النظر إلى الأمة ـ وان لم يكن يريد شرائها أو نكاحها مع حصول شرائطه مثل عدم التلذذ وخوف الفتنة ـ فله ذلك أيضا ، وكذا الخلوة بها على الظاهر ، وان قلنا بتحريم الخلوة بالأجنبيّة مطلقا في الحرّة ، إذ لا دليل في الحرّة إلّا بعض الاخبار من العامة (١) والخاصّة أيضا (٢) ولكن غير صحيحة ولا صريحة ، ولا عامّة ، وان قلنا في الأمة أيضا بتحريم الخلوة بها ، فيمكن فهم تجويزها هنا من تحليل الخدمة ، فإن الغالب أنّه لا ينفك عنها خصوصا إذا كان وحده في بيت ، فهي تخدمه.

وكذا يمكن جواز سماع صوتها على تقدير القول بتحريم ذلك في الحرّة والأمة.

على أنّه لا دليل عليه ، بل جواز الرؤية أيضا ، فإنّه قد يفهم تجويز ذلك من عموم تجويز الخدمة ليلا ونهارا ، فيكون مستفادا من عموم تجويز الانتفاعات ان قلنا

__________________

(١) في صحيح مسلم باب تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدخول عليها ، عن جابر قال : قال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) : ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيّب الّا ان يكون ناكحا أو ذا محرم.

ونقله في كنز العمال ج ٥ ص ٣٢٠ وص ٣٢٣ أيضا الّا انه نقل بلفظة : عند امرأة في بيت الّا ان يكون إلخ. وفي المجلد السادس عشر : لا تنحنّ ولا تعقدن مع الرجال في خلاء (تحت رقم ٤٥١٠٨).

(٢) الوسائل الباب ٩٩ من أبواب مقدمات النكاح ج ١٤ ص ١٣٣.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يجوز ذلك بمجرد تجويز المالك واذنه مطلقا ، من غير اشتراط صيغة خاصّة دالة على التحليل.

على أن في التحليل مطلقا مع الصراحة أيضا تأمّلا وخلافا. وفي تحليل بعض الأمور دون بعض بالطريق الأولى ، فإنه قد يؤول إلى تجويز رؤية أمة على وجه شرعيّ بعقد تحليل لأناس كثيرة ، فيمكن التلذذ به ، بل اللّمس والتقبيل أيضا ، وتجويز مثل ذلك غير معلوم ، الّا أنّ لا يجوز والتعدد ، فيه ، كما لم يجوّزوا في إباحة الوطء ، والاحتياط لا يترك.

قال في التذكرة : لا يجوز إعارة (استعارة ـ خ) الجواري للاستمتاع على الأشهر ، لعموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (١). والبضع لا يستباح إلّا بأحد الأسباب الآتية ، الزّوجيّة ، والملكيّة ، والإباحة بلفظها ، أو بلفظ التحليل ، دون العارية والتمليك وشبهه (٢).

كأنّه خلاف في الجواز (٣) ، لعلّه عند العامّة ، والّا فقد ادّعى الإجماع في الشرائع عندنا على عدم جواز إعارتها له ، وهو أيضا بعيد ، لانّ عندهم لا يجوز التحليل ، لأنّه خارج عن الحصر (٤) وأصحابنا جوّزوا ، لرواياتهم (٥) وتكلّفوا بإدخاله في العقد المنقطع أو الملك ، فان ملك المنفعة أيضا ملك يمين ، فتأمّل.

وامّا إجارتها للخدمة فالظاهر انه لا خلاف فيها عندنا مطلقا.

__________________

(١) المؤمنون ـ ٥ ـ ٦.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

(٣) يعني يستفاد من كلام العلامة قدّس سرّه : (على الأشهر) أن في جواز استمتاع الجواري بلفظ العارية ، خلاف.

(٤) يعني الحصر في الآية الشريفة.

(٥) راجع الوسائل الباب ٣١ إلى ٣٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ج ١٤ ص ٥٣١.

٣٦٩

وينتفع المستعير بما جرت العادة.

______________________________________________________

ويدل عليه الرواية الصحيحة ، عن محمّد بن قيس (الثقة ـ خ) عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أعار جارية فهلكت من عنده ولم يبعها غائلة ، فقضى ان لا يغرمها المعار ، ولا يغرم على الرّجل الدابة ما لم يكرهها أو يبعها غائلة (١).

وعند العامة أيضا ، قال في التذكرة : يجوز استعارتها للخدمة ، سواء كان المستعير رجلا أو امرأة ، وسواء كانت الجارية شابة أو عجوزا ، وسواء كانت قبيحة المنظر أو حسنة ، لكن يشتدّ كراهة إعارة الشابّة لمن لا يوثق به ، ومنع (ومنعه ـ خ) الشافعيّة خوف الفتنة ، ولو أعارها من المحرم ، أو كانت صغيرة لا تشتهي أو قبيحة المنظر (كذلك ـ خ) أو كبيرة ، كذلك ، فلا كراهة ، وللشافعية وجهان أحدهما التحريم والثاني الكراهيّة ، ويكره استعارة أحد الأبوين للخدمة ، لأنّ استخدامهما مكروه ، لمنافاته التعظيم لهما والتوقير ، وتستحب استعارتهما للترفه (٢).

قوله : وينتفع المستعير بما جرت به العادة. قد مرّ تفصيله ، وان مرجع ذلك في قدر الانتفاع زمانا هو العرف المعلوم ، وكذا وصف الانتفاع ، فلو أعار بساطا وفرشا اقتضى العادة فرشه (فراشه ـ خ) وقت الجلوس عليه ونحوه من الوجوه المعتادة.

ولا يبعد جواز التدثّر به أيضا ، لأنّه أقلّ ضررا ، ويعلم ذلك من تجويز الافتراش ، بخلاف ان لو استعار لحافا للالتحاف أو مطلقا ، لا يجوز افتراشه ، الّا ان يعار بما يدلّ على ذلك ، ونحو ذلك.

قال في التذكرة : ان لم يكن اللعين إلّا منفعة واحدة ، كالدراهم للزينة فهو متعيّن ، وان تعدّدت فان عيّن نوعا تعيّن ، وان لم يتعيّن فان عمّم جاز الانتفاع

__________________

(١) التهذيب باب العارية من كتاب التجارات حديث ٣ ج ٧ ص ١٨٢.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١١٠.

٣٧٠

فان نقص عن العين شي‌ء (شيئا ـ خ) بالاستعمال أو تلف (تلفت ـ خ) به من غير تفريط لم يضمن.

______________________________________________________

بجميع الوجوه ، وان أطلق ، فالأقوى أنّه كذلك ، وقد مرّ تفصيله أيضا.

قوله : فان نقص من العين إلخ. يعني إذا استعمل المستعير العين المعارة فنقص بالاستعمال منها شي‌ء أو تلفت من غير تعدّ عمّا حدّ له ، فما ترك واجبا ولا فعل حراما ، لم يضمن المستعير ذلك النقص والتّلف ، الّا ان يشترط الضمان في العارية ، بان أعارها واشترط عليها ضمان نقصها وتلفها مطلقا ، وحينئذ يضمن النقص والتّلف مطلقا ، سواء كان بالاستعمال أو بغيره ، بان تسرق أو تحرق من غير اختياره.

اما عدم الضمان المذكور فوجهه ظاهر ، لأنّه سلّطه على ما يقتضي ذلك بلا عوض ، فلا معنى للإلزام بالعوض ، فان مقتضى إطلاق هذا العقد عدم الضّمان ، والفرض هو الإطلاق ، فلو لبس الثوب حتى يبلى أو ينقطع فيذهب بالكليّة ، وكذا الشمعة بالاشتعال ، ان جوّز إعارتها فلا ضمان ، وهو ظاهر.

ويدل عليه الروايات الصحيحة أيضا ، ولكن في بعضها قيد ، بأنّه ان كان أمينا لم يضمن.

مثل صحيحة ابن سنان له كأنه عبد الله لرواية النّضر عنه ، ولرواية عن أبي عبد الله عليه السّلام ، ولتصريحه به في الكافي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن العارية؟ قال : لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت ، ان (إذا ـ ئل) كان مأمونا (١).

لعلّه محمول على أنّه لم يتعدّ ولم يفرّط ، فإنّ المتعدّي والمفرط غير مأمون

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب العارية الرواية ٣ وفي الكافي عن عبد الله بن سنان والسند كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد عن النضر عن بن سنان.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

مأمونين ـ خ) وتاركه مأمون (مأمونين ـ خ).

ووجه ضمان المفرّط والمتعدي ظاهر ، لأنّ يده حينئذ يد غصب وضمان ، فيكون ضامنا ، لا يخلص منه الّا بالتسليم سالما أو بالإبراء أو الإسقاط ، أو الإعارة الجديدة ، فلو تلفت بغير الاستعمال وبأيّ وجه كان يكون ضامنا على ما مرّ في الوديعة مع ما فيه من احتمال الاختصاص إذا تلف بذلك ، الّا أن (١) يكون التلف بحيث يكون وجوده وعدمه سواء في التلف ، فتأمّل.

وامّا ان شرط فالظاهر أنّه شرط جائز لا مخالفة في العقل والنقل.

وقولهم : مقتضى العارية التبرّع ، يريدون به مع الإطلاق ، وبدون الشرط ، لا مطلقا.

فهو شرط غير مناف لمقتضى العقد ، ولا مانع منه ، فيكون جائزا ، فيلزم الوفاء ، لانّ المسلمين عند شروطهم (٢).

ويدل عليه الاخبار الصحيحة أيضا ، خصوصا في العارية ، مثل ما في صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : بل عارية مضمونة (٣).

وفي الصحيح ، عن ابن مسكان (سنان ـ خ) قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : لا يضمن العارية ، الّا ان يكون اشترط فيها ضمانا ، الّا الدنانير فإنها

__________________

(١) لا ان يكون في مطبوع.

(٢) راجع الوسائل الباب ٢ من أبواب الخيار الرواية ١ و ٢ و ٥ وغيرها من الأبواب المتفرقة في كتاب التجارة والنكاح.

(٣) متن الرواية هكذا : عن أبي بصير (يعني المرادي) عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : سمعته يقول : بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله الى صفوان بن أميّة فاستعار منه سبعين درعا بأطراقها (بأطرافها ـ خ) فقال : أغصبا يا محمّد إلخ فقال النّبي صلّى الله عليه وآله : بل عارية مضمونة الوسائل الباب ١ من كتاب العارية الرواية ٤.

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مضمونة ، وان لم يشترط فيها ضمانا (١).

وحسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ، وقال : إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه ، الّا ان يكون قد اشترط عليه (٢).

وحسنة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : العارية مضمونة؟ (قال ـ خ) فقال : جميع ما استعرته فتوى (٣) فلا يلزمك تواه ، الّا الذهب والفضة فإنهما يلزمان ، الّا ان يشترط عليه انّه متى توى لم يلزمك تواه ، وكذلك جميع ما استعرت واشترط عليك لزمك ، والذهب والفضة لازم لك وان لم يشترط عليك (٤).

واعلم انّ هذه تدل على كون الذهب والفضة مضمونين مطلقا ، مسكوكين أم لا.

وكذا رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله و (٥) أبي إبراهيم عليهما السّلام ، قال : العارية ليس على مستعيرها ضمان الّا ما كان من ذهب وفضة فإنّهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا ، وقال : إذا استعرت عارية بغير اذن صاحبها ، فهلكت ، فالمستعير ضامن (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كتاب العارية الرواية ١.

(٢) أورد صدره في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الوديعة الرواية ١ وذيله في الباب ١ من أبواب العارية الرواية ١.

(٣) التوى مقصورا ويمدّ هلاك المال.

(٤) الوسائل الباب ٣ من أبواب العارية الرواية ٢.

(٥) في جميع النسخ والتهذيب بالواو وفي الوسائل والفقيه أو بدل واو.

(٦) الوسائل الباب ٣ من أبواب العارية الرواية ٤ وأورد ذيله في الباب ٤ من تلك الأبواب الرواية ١.

٣٧٣

الّا ان يشترط المعير.

______________________________________________________

صريحة فيه ، وهي صحيحة في الفقيه الى إسحاق (١) ، وهو لا بأس به ، ولا يضرّ كونه فيه ، وكون علي بن سندي في التهذيب (٢).

فالظاهر الحكم عامّ.

ولا يضرّ وجود الدنانير في صحيحة ابن مسكان ، إذ لا منافاة ، لاهتمال كون (ان يكون ـ خ) المراد بها أعمّ ، مع أنّ في صحّتها تأمّلا (٣) والحصر في الدنانير (٤) ويمكن حملها على الذهب مطلقا ، واستشكل في التذكرة ، لما مرّ.

ويؤيّد العدم الأصل ، وعدم الضمان في العارية ، وعدم صحة خبرهما.

ومنه علم انّ من العارية ما لا يضمن الّا مع الشرط أو التفريط ، وهو غير الذهب والفضة ، ومنها ما يضمن ما لم يشترط عدمه ، وهي الذهب والفضة ، مطلقا ، وغيرهما مع التفريط ، فان شرط عدم الضمان ، فالظاهر أنّه لا ضمان حينئذ ، ويصيران هما كسائرهما ، وقد مرّ دليله.

وفيه دليل على جواز إسقاط ضمان ما لم يلزم وقد أشرنا إليه في الوديعة ، فتذكر ، وتأمّل.

قال في التذكرة : لو شرط سقوط الضمان في العارية المضمونة ، كالذهب والفضة وغيرهما ممّا فيه الضمان على مذهبنا ، فالأولى السقوط ، عملا بالشرط ، وقد سبق ، وكذا لو شرط الضمان في العارية صحّ ، فإذا أسقط (أسقطه ـ خ) بعد ذلك

__________________

(١) وسندها ـ كما في مشيخة الفقيه ـ هكذا : وما كان فيه عن إسحاق بن عمار فقد رويته عن أبي رضي الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن علي بن إسماعيل عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار.

(٢) وسندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن علي بن محبوب. عن علي بن السندي عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار.

(٣) في بعض النسخ : وفي صحتها تأمّل.

(٤) يعني ولا يضر الحصر في الدنانير في صحيحة ابن مسكان.

٣٧٤

أو يستعير المحرم صيدا

أو من الغاصب

أو يستعير ذهبا أو فضة.

______________________________________________________

سقط (١).

وكذا مرّ دليل ضمانها (ضمانهما ـ خ) بدون الشرط ، ولعله لا خلاف عندنا في ذلك ، وكذا (٢) دليل عدم الضمان فيما لا ضمان فيه الّا مع التفريط والشرط ، والضمان بدونهما.

قوله : أو يستعير المحرم صيدا إلخ. فيضمن لأنّه ليس له إمساكه ، فيجب إرساله ، وضمانه لمالكه ، ولو تلف قبله يضمن الكفّارة لله ، والقيمة للمالك ، ولو كان المالك الذي اعاره عالما لم يبعد عدم ضمانه له ، مع وجوب الإرسال على المحرم المستعير ، ومع جهله في وجوب إرسال الصيد حينئذ تأمّل ، بل ينبغي الضمّان عليه لله وتسليمه للمالك ، وقد مرّ البحث فيه (٣) فتذكّر.

قوله : أو من الغاصب. أي إذا استعار من الغاصب العين المغصوبة ضمنها المستعير أيضا كالغاصب.

لا شك في ذلك مع علم المستعير بالغصب ، وأمّا مع جهله فيمكن ان يكون مثل الأمانة الشرعيّة بعد حصول العلم به فيعلم صاحبها أو يردّها اليه فيضمن بالتأخير على ما قالوه فيها.

قوله : أو يستعير ذهبا إلخ. لا ينبغي الاشكال والخلاف في جواز استعارة الذهب والفضّة ، لأنّ لهما منفعة يمكن استعارتهما (استفادها ـ خ) مع البقاء ، مثل

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢١٤.

(٢) يعني مرّ.

(٣) راجع مجمع الفائدة ج ٦ ص ٤٠٤ ـ ٤٠٥ كتاب الحج.

٣٧٥

الّا أن يشترط سقوط الضمان.

وكذا البحث لو تلفت بغير الاستعمال.

ولو فرط ضمن.

______________________________________________________

الارتهان والضرب بالطبع والتزيين نعم لو استعيرا لغير منفعة لا يصح كغيرها.

وقد مرّ في الاخبار (١) ما يدل على صحة عاريتهما وأنّهما مضمونان مطلقا الّا مع شرط سقوط ضمانهما.

قال في القواعد : والأقرب استعارة الدراهم (٢) والدّنانير ، ان فرضت لهما منفعة حكميّة كالتزيين (بها ـ عد) والضرب على طبعها.

وجه خلاف الأقرب غير ظاهر ، الّا ان يكون النزاع في كون مثل تلك المنفعة مقصودة للعقلاء وتجوز العارية لذلك ، وهو بعيد ، والروايات المعتبرة الكثيرة صريحة (٣) في جوازها ، وقد مرّت.

قوله : وكذا البحث لو تلف بغير الاستعمال. أي كذا لا يضمن المستعير ، المعارة لو تلفت عنده بغير الاستعمال والتفريط ، الا ان يشترط المعير عليه الضمان مطلقا.

قوله : ولو فرّط ضمن. أي لو قصّر المستعير في حق العارية ـ إمّا بفعل ما لا يجوز له مثل التجاوز عن المأذون له من الانتفاع ، أو يترك ما يجب عليه من الحفظ ، من السرقة والحرّ والبرد وغيره ـ ضمن دائما ، سواء تلف بالاستعمال أو بسبب ذلك التقصير أم لا ، بل بآفة سماويّة ، لأنّه بالتقصير صار يده يد ضمان وغصب ، فانّ المالك حينئذ لا يرضى بذلك ، فصار حكمه حكم الغصب ، وقد مرّ

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٣ من كتاب العارية ج ١٣ ص ٢٣٩.

(٢) في القواعد : والأقرب جواز اعارة الدراهم كتاب العارية.

(٣) راجع الباب ٢ و ٣ من أبواب العارية.

٣٧٦

ولو استعار المحلّ صيدا من المحرم جاز ، لزوال ملكه عنه.

______________________________________________________

مثله مرارا في الغصب (في الوديعة ـ خ).

ونقل الإجماع في التذكرة على ذلك في الوديعة ، مع التأمّل ، فإنه لم يجزم في التقصير بالضمان بمثل ترك العلف بمدّة لا يموت في مثلها ، ولا بالضّمان لو خالف المالك في الحرز الّذي عينه وتلف بغير ذلك ، صرّح بهما في التذكرة ، وقد نقلناهما في بحث الوديعة (١) ، فتأمّل وتذكّر.

نعم لو كان ذلك بمثل وضع اليد على غير وجه شرعي لا يبعد الضمان ، الّا أن عدم رضا المالك بوضع اليد بعد ذلك على الوجه اللائق غير ظاهر ، ولكن رضاه أيضا غير ظاهر ، لأنّه ارتفع بوضع اليد (٢) الى الغير المجوّز والمرضي ، فيكفي ذلك للضمان بل يحكم بعدمه بحكم الاستصحاب فتأمّل.

قوله : ولو استعار المحلّ صيدا إلخ. أي لو استعار المحلّ صيدا كان ملكا للمحرم ، من يده أو من يد وكيله ، ان كان حاضرا أو غائبا أيضا ، ان قلنا بخروج الصيد الغائب عن ملكه لا عن ملك الغير الذي كان محلا ، وان كان باذن مالكه ، الّا ان يكون عالما بإحرامه ، فيمكن كون حكمه حكم ملكه ـ جازت الاستعارة (٣).

ذكر الضمير (٤) لرجوعه الى المصدر.

لزوال ملكيّة المحرم عن الصيد ، فلا يضرّ الأخذ من يده.

والظاهر أنّ في العبارة مسامحة ، إذ لم يصر حينئذ استعارة ، لأنّ في الاستعارة لا بدّ ان تكون ملكا للمعير ، ويجوز تسليم المالك المستعير إيّاه ، وقد علّل

__________________

(١) راجع ص ٢٨١ ـ ٢٨٤ من هذا الجزء.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : لانه ارتفع بوضع اليد بعد ، وانه على وجه اللائق إلى الغير المجوّز والمرضي ، فيكفي آه.

(٣) جواب لقوله : لو استعار.

(٤) يعني في قوله جاز.

٣٧٧

ولو رجع على المستعير من الغاصب جاهلا ، رجع بأجرة المنفعة

______________________________________________________

(علله ـ خ) بخروجه عن ملكه قبل الإعارة (١).

فلعلّ مراده أنّه يجوز الأخذ للمحلّ من يده ، فيصير ملكا له يفعل به ما يريد.

ويمكن أنّه لا يجوز للمحرم تسليمه والرضا بأخذه ، لأنّه يجب عليه إرساله بحيث لا يقع بيد أحد يقبضه ، فهو ضامن للقيمة كفارة حينئذ ان أعطاه باختيار منه ، بل في جواز أخذه للمحلّ أيضا تأمّل ، إذ صار بحيث لا يجوز إمساكه ، فكأنّه صار مثل صيد المحرم ، ولأنّه اعانة على الإثم.

هذا إذا كان باختياره (وـ خ) على انّ فيه تأملا ، وقد مرّ مثله ، فتأمّل.

نعم لو خرج من يده ، ولم يكن في الحرم ، يجوز له أخذه ، ولا شي‌ء عليه ، ففي هذه العبارة مساهلة لفظا ومعنى ، وهي موجودة في الكتب.

ويمكن ان يكون المراد ، إذا استعار المحل صيدا كان للمحرم ، فيكون (من محرم) صفة لصيد أو حالا ، لأصيلة الاستعارة ، فيمكن ان يكون في غير الحرم ، ويكون كونه له باعتبار ما كان ، أو كان جاهلا ، أو كان غائبا عنه ، أو محبوسا في ملكه (٢) أو غيره أو في يد وكيله ، ولم يعلم الوكيل ، فقال المحلّ ، أعرني ، يعني أعطني انتفع به فأخذه وسماها استعارة أو عارية ، للاشتراك في الفائدة وكأنه لذلك قال : (جاز) وما فعل المحرم حراما ، إذ ما أعار صيدا أو ما فعل هو أيضا حراما ، لعدم الإعانة على الإثم ، فصحّ الحكم ، وبقي المناقشة في اللفظ فقط ، وهو هيّن ، الّا أنّه يبقى الدليل الأوّل الذي أشرنا إليه ، فتأمّل في جواز أخذ المحلّ له في صورة كونه محبوسا أو في يد الوكيل ، فتأمّل.

قوله : ولو رجع على المستعير من الغاصب إلخ. أي إذا استعار شخص

__________________

(١) يعني المصنّف في قوله : لزوال ملكه عنه.

(٢) في النسخة المطبوعة : أو كان غائبا عنه محبوسا في ملكه.

٣٧٨

أو بالعين التالفة على الغاصب ، لا عالما (أو ـ خ) ومفرّطا.

______________________________________________________

من الغاصب ، العين المغصوبة ، فقد مرّ أنّه ضامن ، وكذا الغاصب ، فللمالك الرّجوع على أيّهما شاء ، فان رجع على المستعير ـ على تقدير تلفها بها أو بنقصها على تقديره وبأجرة المنفعة التي انتفع بها المستعير أو التي فاتت ولم ينتفع بها ـ رجع المستعير على الغاصب بالجميع ، ان كان المستعير جاهلا غير مفرّط ومقصّر ، وان كان عالما أو مفرّطا فلا يرجع ، ويستعر الضمّان عليه.

دليله انّ تعدّد اليد (الأيدي ـ خ) على الغصب موجب للضمان عينا ومنفعة ، ولو كانت أجرة المدّة التي كانت مغصوبة ، واستقرار الضمان على من تلف في يده عالما بالغصب عندهم.

ينبغي ان يكون المراد النقص واجرة المنفعة في مدة كانت العين في يد المستعير وحصلا حينئذ لا غير.

والظاهر أنّه يرجع المستعير على الغاصب بما أخذ منه ، ولو كان في مقابلة النفع الذي انتفع به أيضا ، مثل عوض اللبن الذي شربه ، ان جاز العارية له (١) اجرة ركوبها (٢) ، ولكن يردّ ما بقي من عين اللبن والصّوف ، وكذا ثمنها بعد اجازة المبيع (البيع ـ خ) الفضولي ، لأنّه غرّه ، ولأنّه لو لم يقل له انّه عارية لم يشرب اللبن ، ولا يركب المركوب ، ونحو ذلك.

وأيضا الظاهر أنّه لم يكن (٣) للمالك الرّجوع على المستعير إذا علم وبادر إلى الإعلام ، فتلف أو نقص مع الجهل وعدم التفريط ، ويرجع المالك على الغاصب فقط.

وإذا علم وقصّر أو فرّط في الإعلام فهو ضامن ، فللمالك الرّجوع عليه ، فلا

__________________

(١) في بعض النسخ ، وان جاز العارية.

(٢) هكذا في جميع النسخ ولعلّ الصواب : واجرة ركوبها.

(٣) وفي النسختين المخطوطتين ، الظاهر انه لو لم يكن إلخ ، والصواب ما أثبتناه.

٣٧٩

ولو رجع على الغاصب ، رجع على المستعير العالم.

______________________________________________________

يرجع هو على الغاصب ، فلا ينبغي الرّجوع حينئذ للمالك على الغاصب ، لأن في الأوّل ما قصّر أصلا ، فالأخذ منه ظلم ظاهرا (١) ، الّا ان يكون نصا أو إجماعا (٢) ، والظاهر (في الإعلام ـ خ) عدمهما ولذا قال في شرح الشرائع ـ بعد الحكم المذكور ـ والوجه تعلق الضمان بالغاصب حسب.

والمراد تلفه أو نقصه عنده مع جهله أيضا وحينئذ معلوم انّ الكلام في عارية غير مضمونة كما هو الأغلب ، والّا يرجع الغاصب عليه جزما.

وفي الصورة الثانية غاصب عندهم وضامن.

والظاهر انّ مرادهم مع بقاء الجهل الى حين النقص أو التلف ، وهو ظاهر.

والظاهر أنّه أشار بقوله (مفرّطا) الى ما أشرنا إليه من أنه ان كان جاهلا غير مفرّط لم يرجع ، لا جهلا مطلقا ، مفرّطا كان أم لا ، إذ قد عرفت انّ المستعير المفرّط ضامن ، فلا يرجع على أحد ، فلا بد لعدم الرّجوع من انتفاء سبب الضّمان عنه بالكليّة ، وفي الضمان والرّجوع يكفي أحد الأسباب من العلم أو الإفراط فتأمّل.

ولو اغرم الغاصب فمقتضى قاعدتهم المشهورة من انّ ترتّب الأيدي على الغصب موجب للضّمان ، ويستقر الضّمان على من تلف في يده ، أنّه يرجع الغاصب الى المستعير.

فتأمّل فيه ، فإنّه يتخيل لولا الإجماع عدم رجوعه ، لأنّه غاصب عالم استحق الأخذ منه ، والأصل ينفي الرجوع للغاصب الأوّل الذي غصب وصرف آخر ، الّا ان

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة ، ظلم ظاهر.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب ، نص أو إجماع.

٣٨٠