مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

ويجب ردّها على المالك ، وان كان كافرا لا غاصبا ، بل يردّ على المغصوب منه ، ولو جهله تصدّق ، وضمن ، أو أبقاها امانة ، ولا ضمان.

______________________________________________________

وقال أيضا جميع ما قلناه ثابت فيما إذا وجد فرصة للإيداع و (أو ـ خ) الوصية ، امّا إذا لم يوجد بان مات فجأة ، أو قتل غيلة ، فلا ضمان لأنّه لم يقصّر.

ثمّ قال : إذا تبرّم (١) المستودع بالوديعة فسلّمها إلى القاضي ضمن المستودع ، الّا مع الحاجة.

ويمكن القاضي (٢) أيضا لو كان عالما ، ومذهبه عدم جواز الأخذ ، ويمكن الضمان مع جهله ، ويخرج عن العدالة أيضا ، الّا ان يقال انّه صغيرة ، ولم يستمرّ ويصرّ (٣) ، فيبقي الضمان.

وقال أيضا :

كبر السّن ليس مثل المرض المخوف الموجب للوصيّة.

وقال أيضا ، لو أقرّ المريض بالوديعة ، ولا تهمة ، ثم مات في الحال ، فالأقرب هنا على قول من منع من المحاصّة (للحاصّة ـ خ) هنا انّ (إذ ـ خ) إقراره بأنّ عنده أو عليه وديعة ، يقتضي حصوله في الحال ، فإذا مات عقيبه لم يمكن فرض التلف قبل الإيصاء.

والظاهر أنّه كذلك مع التّهمة أيضا ، عند من لا يعتبر ذلك ، وأنّه يحتمل ان يكون قوله ذلك باعتبار ما كان بحكم الاستصحاب ، فلا يضمن ، ولا يحاصّ الغرماء ، فتأمّل.

قوله : ويجب ردّها على المالك إلخ. دليل وجوب الردّ ـ وان كان المالك

__________________

(١) أبرمته إبراما أي احكمته (مجمع البحرين).

(٢) يعني ولم يستمرّ عليه حتّى يصدق الإصرار على الصغيرة.

(٣) يعني ويمكن ضمان القاضي أيضا.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

كافرا حربيا ـ ، عموم الآيات والاخبار العامة (١).

بل الخاصّة أيضا مثل رواية المفضّل (فضيل ـ خ) في ردّ وديعة الخارجي (٢) ورواية أخرى في ردّ وديعة قاتل أمير المؤمنين عليه السّلام (٣).

وكأنّه الإجماع أيضا ، ولكن لم يردّ المغصوب على الغاصب ، بل المغصوب منه ان علمه ، وان جهله وآيس من علمه ، يمكن إلحاقه باللقطة ، كما فعله في القواعد ، لضعيفة حفص بن غياث ، به وبغيره ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللّصوص دراهم أو متاعا ، واللّص مسلم ، هل يردّ عليه؟ قال : لا يردّ فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فعل ، والّا كان في يده بمنزلة لقطة يصيبها ، فيعرّفها حولا ، فان جاء (أصاب ـ يب) صاحبها ردّها عليه ، والّا تصدّق بها ، فان جاء بعد ذلك ، خيّره بين الغرم والأجر ، فإن اختار الأجر فله ، فان اختار الغرم غرم له (٤).

ويحتمل التصدق به ، كما هو ظاهر المتن ، على ما يدلّ عليه الاخبار الدالة على فعل ذلك ، في المال المجهول صاحبه (٥) ، وقد تقدم ، فتأمّل وتذكر.

__________________

(١) مثل قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (النساء ٥٨) وراجع الوسائل الباب ١ و ٢ من كتاب الوديعة ج ١٣ ص ٢١٨.

(٢) الوسائل الباب ٢ من كتاب الوديعة الرواية ٩ ، ولم يذكر الفضيل في الكافي واحد الموضعين من التهذيب ولكنّه مذكور في باب الوديعة من التهذيب.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢ من كتاب الوديعة الرواية ٢ و ٨ والكافي والتهذيب في باب المكاسب.

(٤) وتمامه : وكان الأجر له ، الوسائل الباب ١٨ من كتاب اللقطة الرواية ١ (ج ١٧ ص ٣٦٨) وسندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن الحسن الصفّار عن عليّ بن محمّد بن شيرة عن القاسم بن محمّد عن سليمان بن داود (المنقري ـ ئل) عن حفص بن غياث.

(٥) راجع الوسائل الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به ج ٦ ص ١٤٤ والباب ١٨ من كتاب اللقطة ج ١٧ ص ٣٦٨ وغيرهما.

٣٤٢

ويحلف لو طلبها الغاصب.

ولو مزجها الغاصب بماله بحيث لا يتميّز ردّ الجميع اليه.

______________________________________________________

لكن تلك الأدلة خالية عن الضمان ، بل ظاهرها عدمه.

وحكم المصنّف بالتصدق مع الضمان أو إبقائه عنده أمانة دائما ، مع عدم الضمان ، الّا بما يوجبه من التقصيرات التي تقدّمت.

والضمان ضرر ، وكذا إبقائه كذلك ، لانّ حفظ الامانة ـ كما عرفت بحيث لا يوجب الضمان والإثم ـ صعب ومشكل ، خصوصا دائما ، وهو ظاهر ، فيحتمل بدون الضمان كما هو ظاهر تلك الأخبار ، فتأمّل.

ثمّ انّ الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنّه لو وجد صاحبه حين حياة القابض ، يجب ردّه عليه فقط أو لا ، بل ضمان مثل الدّيون والغصب فيجب عليه ردّه ثم الإيصاء ثمّ على الورثة كذلك (١) ، والأوّل أنسب إلى الأصل ، فتأمّل.

قوله : ويحلف لو طلبها الغاصب. أي لو طلب الغاصب الوديعة يحلف الودعي على عدم كونها عنده ، ويورّى وجوبا ، وقد مرّ مثله.

قوله : ولو مزجه (مزجها ـ خ) الغاصب إلخ. أي لو مزج الغاصب المال الذي غصبه ، بمال نفسه مزجا لا يتميّز بالكليّة ، وكان وديعة عند شخص وأخذه من الغاصب ، قال المصنّف : يجب عليه أي على الودعي أن يسلّم الكل الى الغاصب.

ويحتمل الى صاحب المال ، فإنّه يجب تسليم مال المالك اليه ، ولا يمكن الّا بتسليم الكلّ ، فيجب.

وفيه تأمّل فإنّ الذي يقتضيه النظر انّ المال مشترك بينهما ، فتصريف أحدهما دون الآخر مشكل ، وان كان غاصبا ظالما ، فان الظالم لا يحلّ ماله لكونه ظالما ، وهو ظاهر ، فان كان المزج بالأدنى بحيث ما بقي لمال المالك قيمة ، يمكن

__________________

(١) يعني وجب على الورثة ردّه ثمّ الإيصاء.

٣٤٣

ولو مات المالك سلّمت الى وارثه ، فان تعدّد ، سلم الى الجميع أو وكيلهم ، ولو دفع الى البعض ، ضمن حصص الباقين.

______________________________________________________

تسليمه الى الغاصب ، ويجب عليه ردّ مال المالك مثلا أو قيمة.

ويمكن وجوب تسليمه الى الحاكم حتّى يقسّمه ، مع ردّ أرش النقص على وجه لا يلزم الرّبا ، أو باعتبار القيمة ، فتأمّل ، أو يعطيه الغاصب ويضمنه كلّ المال مثلا أو قيمة.

وان كان بالمساوي يكون شريكا ، فيقسّم بينهما ، وكذا بالأعلى ، ويحتمل جعله كالتالف ، والإلزام بالعوض ، فتأمّل.

قال في التذكرة : فإن كان الظالم قد مزج الوديعة بما له مزجا لا يتميّز لم يجز للمستودع حبسها ، ويجب ردّ الجميع الى الغاصب ويحتمل عندي ، قدر (١) مال اللّص اليه واحتفاظ الباقي لمالكه والقسمة هنا ضروريّة.

وفيه تأمّل ، لأنّه تقسيم بغير اذن المالكين ، نعم لو فعل ذلك الحاكم لتخليص مال المالك لا بأس للضرورة ، ان لم يكن المالك حاضرا ولم يرض الغاصب ، وهذا في المساوي غير بعيد ، لا غير ، الّا ان يرضى الغاصب في الأعلى ، فتأمّل.

قوله : ولو مات المالك سلّمت إلخ. أي لو مات المودع يجب على المستودع ان يسلّم الوديعة إلى وارثه ، فان كان واحدا سلّمه إليه من غير حاجة الى المطالبة ، فوريّا ، أو يعلمه بالحال على ما قالوه ، وقد مرّ مثله. مع التأمّل فيه.

وان كان متعددا ، سلّم الى الجميع ، بان يضع بأيديهم أو بيد وكيل الجميع ، ولا يجوز دفعها بعينها الى البعض ، ولو فعل ، ضمن حصص الباقين ، وأثم ، فان رضوا بذلك فهو ، والّا فيأخذون نصيبهم منه (حصتهم منه ـ خ) ، ويسلّمها إليهم.

__________________

(١) أي ردّ قدر مال اللّص اليه.

٣٤٤

ولو ادعاها اثنان ، صدّق في التخصيص ، ولو ادّعى الآخر علمه ، أو ادّعياه مع الاشتباه حلف.

______________________________________________________

واما لو كان عوضها في ذمته يجوز له تسليم الكلّ الى البعض ، فان رضوا ، والّا فليأخذوا نصيبهم منه ، وهو يرجع الى من سلّم الكلّ اليه.

قوله : ولو ادّعاها اثنان صدق إلخ. أي لو ادّعى كلّ الوديعة الواحدة اثنان وصدّق المستودع في التخصيص أي تخصيص (يخصّص ـ خ) أيّهما فعل قبل منه وسمع ، فان ادّعى الآخر الذي خصّص المستودع الوديعة بغيره ، علمه بأنه منه لا من المصدّق حلف له بنفي العلم.

وكذا لو ادّعيا علمه بأنه له خاصّة مع الاشتباه على المستودع حلف المستودع لهما بنفي العلم بذلك ، وفي الصورة الأولى يصير الوديعة للمصدّق وللآخر ان يدّعي على من بيده ويحلفه ، وفي الصورة الثانية يقسّم بينهما ، كما قيل بمثل ذلك فيما تقدم ، وسيجي‌ء أيضا.

ويحتمل القرعة أيضا وإحلاف من خرج اسمه بالفرعة ، وإعطاء الوديعة.

ولعل الأوّل أولى لعموم الخبر الدالّ على التقسيم في مثله ، فتذكر.

ويمكن انتزاعها من يد الودعي ، لأنّه بإقراره أنّه لأحدهما لا غير ، ـ الّا أنه لم يعرف العين ـ ، فيسلم إليهما جميعا.

ويمكن كون ذلك بأمر الحاكم ، ويحتمل إبقائها بيده لاستصحاب ثبوت أمانته.

ثمّ ان حكم (٢) بنكول يمينه في الصورتين ، وكذا يمين أحدهما ان توجّه اليه ذلك ، وكذا بينته ظاهر كما علم في محلّه وسيجي‌ء ، فتأمّل.

اعلم أنّه إذا ضمن الوديعة بسبب موجب للضمان ـ فيحكم أنّه إذا ضمن

__________________

(٢) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب أنّ الحكم بنكول يمينه إلخ.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يتخلّص منه الّا بالتسليم أو الإيداع ثانيا ، أو إسقاط الضمان على الاحتمال. تصير يده يد عدوان ، فلا يجوز كون الوديعة عنده حينئذ بل يجب الردّ أو الاعلام على ما قالوا في الأمانات الشرعيّة.

وأنّه إذا أودعه في السوق أو الطريق ، وقال : احفظه في بيتك ، وجب عليه المبادرة الى البيت ، والإحراز فيه ، فان أخّر من غير عذر ضمن ، ولو كان لعذر فلا ضمان ، قاله في التذكرة.

وقال أيضا : لو أودعها في البيت : وقال : احفظه (احفظ هذه الوديعة ـ خ) في البيت (في بيتك ـ خ) فجعلها في ثيابه فخرج بها ضمن سواء ربطها واحكم شدّها أو لا ، ولو ربطها في كمه ولم يخرج بها مع إمكان وضعها في الصندوق ونحوه ضمن (١) فيلزمه حينئذ الإعلام أو الردّ ، فتأمّل.

ثم قال ولو كان لعذر فتح (٢) قفل الصندوق ، لم يضمن ، ولو أودعه في البيت ولم يقل له احفظه في البيت فخرج بها مربوطا في ثيابه احتمل عدم الضمان ، لأنّه أحرز عليها بالرّبط والشدّ ، وذلك حرز مثله (مثلها ـ خ) ولم ينصّ المودع على حرز بعينه.

وفيه تأمّل ، لأنّه قد قرّر من قبل انّ حرز الدراهم ، الصندوق ، فكأنّه يريد بذلك ، إذا أمر بالحفظ في البيت فالصندوق هو حرزه فتأمّل.

__________________

(١) نقلناها عن التذكرة ، فان في النسخ سقطا فراجع ج ٢ ص ٢٠٤.

(٢) في التذكرة : ولو كان ذلك لتعذّر فتح قفل الصندوق إلخ.

٣٤٦

«المقصد الثامن في العارية» (١)

وهي جائزة من الطرفين.

______________________________________________________

المقصد الثامن في العارية

قوله : وهي جائزة من الطرفين إلخ. قال في التذكرة : العارية بتشديد الياء عقد شرع لإباحة الانتفاع بعين من أعيان المال على جهة التبرّع ، وشدّدت الياء كأنّها منسوبة إلى العار ، لانّ طلبها عار ، قاله (قال ـ خ) صاحب الصحاح ، ـ الى قوله ـ : وقال الخطابي في غريبه : انّ لغة العالية (الغالبة ـ خ) العارية ، وقد تخفّف (٢).

قال في القواعد : وهو كل لفظ دلّ على تسويغ الانتفاع بالعين ، مع بقائها ، مطلقا أو مدّة معيّنة ، وثمرته التبرّع بالمنفعة.

قال في شرح القواعد : قيل عليه : ان كان قوله ، وثمرته التبرّع بالمنفعة جزء التعريف انتقض في عكسه بأعرتك حماري لتعيرني فرسك ، والّا انتقض في طرده بالإجارة.

ويمكن ان يجاب بكونه جزء ولا يرد ما ذكره ، لانّ هذا الفرد من العارية

__________________

(١) بتشديد الراء وتخفيفها.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٩.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مقتضاها التبرّع وانّما جاء العوض من أمر زائد على العقد ، وهو الشرط ، فإنّه عقد مع شرط (١).

ويمكن ان يقال انّ أخذ اللفظ غير جيّد ، لأنّ العارية قد تحصل بغير اللفظ ، وهو ظاهر.

وقال في التذكرة : وهي تحصل بغير عقد ، كما لو حسن ظنّه بصديقه كفى في الانتفاع عن العقد إلخ.

وقال أيضا : لمّا كان الأصل في الأموال العصمة لم يبح شي‌ء منها على غير مالكها الّا بالرضا منه ، ولمّا كان الرضا من الأمور الباطنة الخفيّة تعذر التوصل اليه قطعا ، فاكتفى فيه بالظن المستفاد من العبارات والألفاظ وما يقوم مقامها.

وقال أيضا : (وـ خ) الأقرب عندي أنّه لا تفتقر العارية إلى لفظ ، بل يكفي قرينة الاذن من غير لفظ دالّ على الإعارة والاستعارة لا من طرف المعير ولا من طرف المستعير ، كما لو رآه عاريا ، فدفع اليه قميصا ، فلبسه ، ثبتت العارية ، وكذا لو فرش لضيفه فراشا ، ـ أو بساطا أو مصلّى أو حصيرا ، أو القى اليه وسادة فجلس عليها ، أو مخدّة فاتكأ عليها ـ ، كان ذلك اعارة ، بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة (الفراش المبسوط ـ خ) ، لأنّه لم يقصد به انتفاع شخص بعينه إلخ (٢).

يعني لم يقصد انتفاع الضيف الداخل ، فليس بالنسبة إليه عارية.

وانّ في الجواب المذكور (٣) تأمّلا ، إذا لا شكّ انّ هذا الفرد (٤) ليس فيه التبرّع ، وهو فرد العارية ، وقد سلّمه المجيب أيضا ، فلا يكون عارية.

__________________

(١) انتهى كلام شارح القواعد ج ١ ص ٣٤٢ من الطبعة الحجرية.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١١.

(٣) يعني جواب الشرط في قوله : ويمكن ان يجاب.

(٤) يعنى قوله : أعرتك حماري إلخ.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا إذا كان مقتضاه التبرع كيف يجوز اشتراط عدمه ، فان الشرط الذي ضدّ مقتضى العقد غير جائز ولازم ، وكيف يجتمع ويخرج عن مقتضاه.

وكأنّه لذلك قال في التذكرة : لو قال : أعرتك حماري لتعيرني فرسك ، فهي إجارة فاسدة ، وعلى كل واحد منهما اجرة مثل دابّة الآخر.

كأنّه نقله وأمثاله عن بعض الشافعيّة ، ثمّ رجّح كونه عارية صحيحة مشروطة.

فيمكن ان يجاب عن السؤال بأنّه غير داخل ، ولا ترد الإجارة (١) لأنّ معنى التعريف كما هو الظاهر كون تسويغ الانتفاع هو ثمرته ، والمقصود منه ، ومعلوم انّ الإجارة ليست كذلك ، بل ثمرتها تمليك المنفعة بعوض معلوم ، وهو ظاهر.

وكذا لا ينقض بالسّكنى والعمرى والحبس والوصيّة بالمنفعة ، ولا يحتاج في الردّ (٢) الى ما لا يندفع بدونه ، وهو زيادة بقاء الجواز بحاله.

ولا يرد عليه (٣) أيضا أنّ التسويغ ثمرة الإيجاب فقط لا ثمرتهما (٤) معا أيضا.

نعم يرد على التعريف أنّه يلزم ان يكون محض الإيجاب (٥) عقدا ، ويمكن التزامه فتأمّل.

أو يقال إنّ المراد كون جنس هذا ، ذلك (مثلا ـ خ) ، فلا يضرّ العوض في الجملة في بعض افراده اتفاقا ، كما قيل مثل ذلك في مواضع مثل الهبة ، والبحث في

__________________

(١) يعني لا يرد طرد التعريف بالإجارة.

(٢) إشارة إلى ردّ ما في جامع المقاصد بقوله : والأولى أن يراد به التعريف مع بقاء الجواز انتهى.

(٣) أي على تعريف القواعد.

(٤) يعني ثمرة الإيجاب والقبول.

(٥) فإنّه قال في القواعد ـ وهو اى ـ العقد ـ كل لفظ دل على تسريع الانتفاع إلخ.

٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أمثاله خارج عن المقصود وعمّا مهّدناه ، الّا أنّي قد تركت ذلك للمتابعة ، وبيان الحق فتأمّل.

وينبغي ان يقال في المثال المذكور ونحوه ان قصد بذلك الإجارة فهي إجارة فاسدة ، وان قصد العارية فهي عارية صحيحة ، وصرّح في التذكرة بأنّها عارية صحيحة ، في آخر هذه المسألة ، وكأنّ قوله : إجارة فاسدة مذهب العامّة ، حيث صرّح به ، ويمكن ان يكون على قصد الإجارة.

ثمّ هنا تحقيق في شرح القواعد (١) ما عرفته تحقيقا ، بل التحقيق ما ذكرته ، فتأمّل ، ولا تقلّد.

ثمّ انّ هذا العقد مشروع بالنصّ والإجماع ، امّا النصّ فالكتاب قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٢) تأمّل في الدلالة.

والسنة فالرواية من العامّة والخاصّة ، وهي كثيرة ، وسيجي‌ء.

امّا الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جوازها والترغيب فيها.

ثمّ قال في التذكرة : والعارية مستحبة مندوب إليها مرغّب فيها ، لانّ اقتران منع الماعون في الآية (٣) ـ مع المرأى في صلاته ـ يدلّ على شدّة الترهيب (التزهيد ـ خ) في منعها (٤) والترغيب في فعلها.

ولأنّها من البرّ ، وقد أمر الله تعالى فيها بالمعاونة فيه (٥) وليست واجبة في

__________________

(١) راجع شرح القواعد عند قول المصنف : ولو قال : أعرتك الدابّة بعلفها فهي إجارة فاسدة إلخ ج ١ ص ٣٤٣.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) قال الله تعالى (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) ـ الماعون : ٧.

(٤) في التذكرة : يدل على شدّة الحثّ عليها والتزهيد في منعها.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» المائدة : ٢.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

قول أكثر أهل العلم للأصل.

ولمثل قوله (ولقول النّبي ـ خ) صلّى الله عليه وآله : إذا أدّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك (١).

وقال عليه السّلام : ليس في المال حقّ سوى الزكاة (٢).

وسأله الأعرابي ، فقال : ماذا فرض (افترض ـ خ) الله عليّ من الصدقة؟ قال : الزكاة ، قال : هل علي غيرها؟ قال : لا ، أن تتطوّع (٣).

وقيل : انّها واجبة للآية (٤) ولما رواه أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، قال : ما من صاحب إبل لا يؤدي حقّها ، الحديث (الى ان قال ـ خ) قيل : يا رسول الله وما حقّها؟ قال : اعارة ولدها ، واطراق فحولها ، ومنحة لبنها يوم ورودها (٥).

فذمّ الله تعالى مانع العارية ، وتوعّده رسول الله بما ذكره في خبره.

والجواب المراد زيادة الترغيب ، على أنّ قول علي عليه السّلام حجّة في تفسيره ، الماعون الزكاة (٦) ولا ريب في وجوبها ، ولو حملناها على العارية ، فالتوعد انّما وقع على الثلاث ، قال عكرمة : إذا جمع الثلاث (ثلاثتها ـ خ) فله الويل إذا سهى

__________________

(١) سنن ابن ماجة ج ٣ باب ما ادّى زكوته ليس بكنز ج ١ ص ٥٧٠ الحديث ١٧٨٨.

(٢) سنن ابن ماجة ج ٣ باب ما ادّى زكوته ليس بكنز ج ١ ص ٥٧٠ الحديث ١٧٨٩.

(٣) سنن النسائي ج ٨ ص ١١٨ (الزكاة) وفيه ذكر له رسول الله صلّى الله عليه (وآله) الزكاة فقال هل علي غيرها؟ قال : الّا ان تطوّع ، الحديث.

(٤) الماعون : ٧.

(٥) سنن الدارمي ج ١ باب من لم يؤدّ زكاة الإبل إلخ ص ٣٨٠ وفيه ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقّها الى أن قال ـ قال رجل يا رسول الله ما حق الإبل إلخ قال : حلبها على الماء واعارة دلوها واعارة فحلها ومنحتها إلخ.

(٦) الدرّ المنثور في تفسير سورة الماعون ، ومتن الحديث هكذا : اخرج الغرياني ـ الى ان قال ـ والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) قال : الماعون الزكاة المفروضة يراؤن بصلاتهم ، ويمنعون زكوتهم.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الصلاة ورائي ومنع الماعون (١).

الظاهر أنّ الخلاف من علماء العامة (٢) غير مشهور ومذكور عندنا ، فيمكن ان يستدل عليه بإجماعنا ، والّا فالأخبار المذكورة غير صحيحة وعلى تقدير صحتها يمكن تخصيصها ، لدليل الوجوب ، مثل ما تقدّم ، لوجوب حمل العام على الخاص ، ولهذا مخصوصة (٣) ، بالخمس والكفارات والنذور والديون.

وحمل دليل الوجوب على الترغيب فقط بعيد ومجاز ، والتخصيص أولى.

ويبعد أيضا حمل التوعد على الثلاث (٤) بحيث لا يكون لمنع الماعون مثلا دخلا (٥) في الكون في الويل ، بل محال ، مثل ذلك في كلامه تعالى ، كما قيل مثله في جواب ردّ الاستدلال ـ بقوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) الآية (٦) ويقوله تعالى «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) (٧) ـ على (٨) كون الكفّار مكلّفا (٩) بالفروع انّ السّلوك وملاقاة الإثم قد يكون للمجموع من حيث المجموع ،

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) في النسخة المطبوعة هكذا : الظاهر انّ الخلاف من علماء العامّة ، إذ الخلاف غير مشهور ومذكور عندنا ، فيمكن إلخ.

(٣) الظاهر ان مراده انّ الآية وهو قوله تعالى «وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) تختصّ بالخمس والكفارات والنّذور والدّيون».

(٤) أراد بها الثلاث المتقدمة في كلام عكرمة.

(٥) هكذا في جميع النسخ ، والصواب دخل بالرّفع.

(٦) بعدها قوله تعالى (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) ـ المدّثر : ٤١ الى ٤٦.

(٧) ما قبلها قوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ـ الآية ، الفرقان : ٦٨.

(٨) قوله قدّس سرّه : على كون الكفّار إلخ متعلق بالاستدلال ، وقوله : انّ السلوك بيان لردّ الاستدلال ، وقوله : بأنّه لو لم يكن إلخ بيان لجواب الردّ.

(٩) هكذا في جميع النسخ ، والصواب مكلفين.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يلزم كون كل واحد واحد حراما ، بأنّه لو لم يكن كذلك لزم كون ضمّ ما ليس بحرام عبثا.

وقول عكرمة (١) ان كان مراده ذلك ليس بحجّة.

نعم يمكن ان يقال : الأصل براءة الذمّة ، والخبر المذكور (٢) ليس بصحيح ولا صريح في الوجوب ، والآية (٣) ليست بصريحة في المعنى المبحوث عنه ، إذ قد اختلف في تفسيرها ، كما هو مذكور في محلّه ، ويكفي النقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ المراد هو الزكاة ، ولو ثبت لم يبق للاستدلال بها وجه أصلا.

قال : ولوجود معان كثيرة له في اللّغة ، في القاموس ، الماعون المعروف ، والمطر (الدائم ـ خ) والمأكل ، وكل ما انتفعت به كالمعير (كالمعين ـ خ) وكل ما يستعار من فأس وقدوم وقدر ونحوها ، والانقياد ، والطاعة ، والزكاة ، وما يمنع (عن الطالب ـ خ) وما لم يمنع (ضدا ـ خ) (٤).

فلا يمكن الاستدلال بوجوب مثلها بمثلها.

ويؤيّده أنّه أمر خاصّ ، فإنّه غير صريح في المنع عن عارية الماعون ، بل قد يكون عن إجارتها وبيعها ونحو ذلك (٥) ، فتأمّل.

ويؤيّده (٦) أيضا انّ العقل والنقل دلّ على عدم جبر المالك على ملكه.

وأيضا أنّه ضرر ، وأنّه قد يكون صاحبه يحتاج ولم يكن حاضرا عنده ،

__________________

(١) وقول عكرمة يعني فيما تقدم من قوله : قال عكرمة : إذا جمع إلخ.

(٢) يعني ما رواه أبو هريرة المتقدم نقله.

(٣) الماعون : ٧.

(٤) انتهى ما في القاموس ، مع اختلاف يسير.

(٥) يعني انّ الآية الشريفة غير صريحة في خصوص منع العارية إذ يمكن ان يكون المراد المنع عن الإجارة والبيع ونحوهما.

(٦) يعني يؤيّد عدم الوجوب.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويصعب تحصيل المستعير ، أو يكون حينئذ مشغولا به.

وأيضا غير مضبوط في أيّ شي‌ء؟ والى متى؟

فالظاهر عدم الوجوب ، والاحتياط واضح ، لا يترك.

ويؤيّده أنّه قضاء الحاجة ، وإدخال السرور ، خصوصا بالنسبة إلى الجار ، والقريب (الغريب ـ خ) ، فلا ينبغي الترك مهما أمكن ، وكذا كل إحسان ، والدليل على ترغيبه وحسنه أكثر من ان يحصى ، كتابا وسنة (١) وإجماعا وعقلا ، فتأمّل.

قال في التذكرة : امّا الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب في فعلها ، ولانّ هذا العقد جائز.

كأنّه بالإجماع ، قال في التذكرة : عقد العارية جائز من الطرفين بالإجماع لكل منهما فسخه (٢).

فإذا جاز فسخه وأخذ المعار بعد العقد ، مطلقا ، بالإجماع ، ففي الابتداء بالطريق الأولى.

الا ان يقال : انّ القائل بالوجوب ابتداء لم يقل بالجواز من جانب المعير ، فقد عرفت الإجماع على كون هذا العقد جائزا ، فلكل منهما الفسخ ، إلّا في مواضع ، فإنّه قد يلزمه بخصوصه ، مثل القبر والدّفن وغير ذلك.

ثمّ أشار (٣) الى أركانه ، وقال : (وـ خ) هي أربعة ، (الأول ـ خ) المعير وله شرطان ملكية المنفعة ، وأهليّة التصرّف التبرعيّة ، فلا يصحّ اعارة الغاصب (في العين) ، لأنّه منهي عن التصرف في الغصب ـ الى قوله ـ : ولا يشترط ملكية العين في المعير ، بل يكفي ملكية المنفعة ، فلو استأجر عينا جاز له ان يعيرها لغيره ، الّا ان

__________________

(١) راجع أبواب فعل المعروف من كتاب الأمر بالمعروف الوسائل ج ١١.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١١.

(٣) يعني العلامة قدّس سرّه في التذكرة.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يشترط المالك مباشرة الانتفاع من نفسه (بنفسه ـ خ) فيحرم حينئذ الإعارة ، ولو لم يشترطه جاز له ، لانه مالك للمنفعة ، ولهذا يجوز أخذ العوض عنها بعقد الإجارة ، وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار يجوز لهما ان يعيراهما قاله في التذكرة (١).

ويمكن ان يقال يكفي جواز الانتفاع وان لم يكن المنفعة مملوكة كالموقوف له ، ان قلنا به ، وكذا المعارة ، فيجوز مع اذن المالك.

ويحتمل ان يكون المعير بالحقيقة هو المالك.

ومنع اعارة المستعير في التذكرة ، وقال : لا يجوز للضيف ان يبيح الطعام لغيره ، لأنّه غير مالك للمنفعة ، بل مجرّد الإباحة ، ثمّ قال : ولكن يجوز للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه ، وبوكيله ، ولا يكون ذلك اعارة الوكيل ، إذا لم تعد المنفعة إليه.

كأنّه موقوف على عدم اشتراط أخذ المنفعة لنفسه ، إذ معلوم أنّه معه ـ ولو كان بالقرينة الظاهرة ـ لا يجوز.

ويفهم منه أنّه لا بدّ ان تكون المنفعة عائدة إلى المستعير ، لا الوكيل ، فان عادت اليه ، لا يجوز ، ولا تصح الوكالة ، بل يصير اعارة منه ، كما إذا أعار الدار للسكنى ، فيعطى غيره ليسكن فيه ، وكذا ركوب الدابة وحملها ، الّا ان يكون الحمل له (٢) ، ويكون هو وكيلا في بيعه ، وإيصاله إلى موضع.

وفي الركوب أيضا يحتمل إذا كان ذهابه الى ذلك الموضع لغرض المعير ، وكالكتاب والقلم والدواة للعارية ، فيجوز إعطائها لوكيله ليكتب له لا لغيره.

والكلّ ينبغي ، إذا لم يعلم الاختصاص ، بل يكون ظاهرا انّ غرضه هو انتفاع المستعير مطلقا ، سواء كان بنفسه أو بغيره ، فإن أكثر المذكورات انّما تعار

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) أي يكون الحمل للمستعير.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

للمستعير لانتفاعه بنفسه مع عدم القرينة.

وقال أيضا : وشرطنا في المعير جواز التصرف ، فلا بدّ وان يكون بالغا عاقلا جائز التصرف ، فلا يصحّ اعارة الصّبي ، لأنّه ممنوع من التصرف التي من جملتها الإعارة ، ولا اعارة المجنون ، ولا المحجور عليه للسّفه أو الفلس ، لأنّهم ممنوعون من التبرعات (عن التصرفات ـ خ) والإعارة تبرّع ، وكذا ليس للمحرم اعارة الصيد ، لأنّه ممنوع من التصرف ، بل وليس بمالك عند الأكثر ، ولو أسلم عبد الكافر تحت يده وجب بيعه من المسلمين ، فيجوز للكافر إعارته للمسلم ، مدّة المساومة ، وكذا لو ورث أو ملك ، ان قلنا بصحة البيع مصحفا (١) (٢).

وقد مرّ البحث في الصبي وقلنا : لا مانع عن بعض هذه الأمور ، مع اذن الولي ، ويؤيّده ما سيجي‌ء في الكتاب تجويز ذلك.

وقد مرّ البحث في عدم استقرار ملكيّة الكافر على المسلم ، وفي السفيه كان مراده مع الحجر ، بناء على مذهبه ، فتأمّل.

ثمّ قال في التذكرة : الركن الثاني المستعير ، وشرطه ان يكون معيّنا وأهلا للتبرع عليه ، فلو أعار أحد هذين أو أحد هؤلاء ، لم يصحّ ، لعدم التعيين ، وكل واحد لا يتعيّن للإعارة لصلاحيّة الآخر واستباحة منافع الغير ، ولا يكون الّا بوجه شرعيّ ، لأنّ الأصل تحريم منافع الغير على غيره الّا باذنه ، ولم يثبت.

ولو عمّم المستعير جاز ، سواء كان التعميم في عدد محصور ، كقوله : أعرت هذا الكتاب لهؤلاء العشرة أو في عدد غير محصور ، كقوله : لكل الناس ، ولأيّ أحد من اشخاص الناس ، أو لمن دخل الدار ، وبالجملة الكلّي معين ، وان لم يكن عامّا

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) أي لو ورث أو ملك مصحفا ، ان قلنا بصحة البيع.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كأيّ رجل أو أي داخل ، واحد الشخصين مجهول (١).

وأنت تعلم أنّه ان كان القصد بأحد الشخصين أحدهما وأيّهما كان بحيث جوّز لواحد منهما ، بمعنى أنّه ليس لهما بل لأحدهما ، فأيّهما كان متصرفا ومنتفعا به فهو جائز ، ولا فرق بينه وبين العام المحصور في إفادة التعيين.

وأريد (٢) به ما يصدق عليه احد من غير تعيين وتخصيص ، فيكون حينئذ عاما محصورا.

نعم لو قصد أحدا معيّنا في نفسه وممتازا عنده ـ وما عيّنه في العبارة مثل زيد لا عمرو ثم قال أحدهما ولم يعلم ذلك ـ لم يصحّ ، ويصير مثل المطلق الّذي أطلق وأريد معيّنا ، ولم ينصب قرينة معيّنة ، فيكون مجملا.

وان لم يعلم شيئا ، فالظاهر هو المعني الأوّل ، للتّبادر ، ولئلا يلزم الإجمال الّذي الأصل عدمه وعدم الفائدة ، وحمل كلام العاقل على اللّغو.

ثم ذكر عدم جواز استعارة الكفّار العبد المسلم والأمة المسلمة ، واستشكل ، بناء على جواز إجارتهم ونفي التسليط ، بالآية (٣).

فتأمّل في دلالتها ، وكذا في جواز إجارتهم ، وكأنّه لذلك قال : والأقرب الكراهة ونفي (٤) اعارة المصحف إيّاهم ، لتعظيمه ، فوجب عدم وضعه عند من لا يرى له حرمة وتعظيما.

وبنى اعارة كتب الأحاديث إيّاهم على جواز بيعها عليهم وعدمه.

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) في النسختين المخطوطتين : (أو وكيلا مطلقا وأريد إلخ) والصواب ما أثبتناه.

(٣) وهو قوله تعالى «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً».

(٤) حيث قال : وكذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم وغيره تكرمة للكتاب العزيز وصيانة عمّن لا يرى له حرمة.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ حكم بضمان المستعير المحرم الصيد ووجوب إرساله من يده ، ومع التلف الضمان للمالك ، والجزاء الله أيضا يشكل ذلك (وـ خ) مع علم المالك (١) بان الصيد إذا وقع بيد المحرم يجب إرساله مطلقا ، فيمكن عدمه لأنّه مفوت لماله عالما ، وامّا مع الجهل ، فينبغي الضمان على تقدير الإرسال ، سيّما مع علمه ، ولكن وجوب الإرسال محلّ التأمّل ، فإنّه ملك الغير ، فتأمّل.

ثم الظاهر عندهم أنّ غير البالغ العاقل كما لم يصحّ (يصلح ـ خ) للإعارة لم يصحّ (يصلح ـ خ) للاستعارة أيضا لما تقدّم ، وأنّه لا ضمان على المجنون والصبي غير المميّز والمميز أيضا ، مع التّلف على الاحتمال ، لعدم وجوب الحفظ عليه ، وكأن المالك أتلف مال نفسه ، ومع الإتلاف يمكن الضمان ، كما مرّ ، فتأمّل.

والظاهر ان المحجور عليه للفلس ، بل للسّفه أيضا قابل للاستعارة.

ثمّ قال : الركن الثالث المستعار ، وله شرطان ، كونه منتفعا به مع بقاء عينه ، واباحة المنفعة ، فكل ما ينتفع به انتفاعا محلّلا مع بقاء عينه تصحّ إعارته كالعقارات والدوابّ والعبيد والثياب والأقمشة والأمتعة والصفر والحلبي ، والفحل للضراب والكلاب (الكلب ـ خ) للصّيد ، والحفظ وأشباه ذلك بلا خلاف ـ الى قوله ـ والإعارة أوسع من الإجارة ، فيجوز (لأنّه يجوز ـ خ) اعارة الفحل للضراب ، ومنع كثير من إجارته لذلك ، والكلب يجوز إعارته ، ولا يجوز إجارته ، على أحد وجهي الشافعية (٢).

وقال أيضا : ولا بد وان تكون المنفعة مباحة لتحريم الإعانة على المحرّم ، فلو استعار آنية الذهب والفضّة للأكل والشرب ، لم يجز أي إعارتها ، ولو استعار كلب الصيد لهوا وبطرا لم يجز أي إعارته ، وان كان للقوت أو التجارة ، جاز ، وكذا يجوز

__________________

(١) في النسخة المطبوعة : ويشكل ذلك مع علم المالك.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

اعارة كلب الماشية والحائط والزّرع لإباحة هذه المنافع منها ، وكل عين يفرض لها منفعة مباحة ومحرّمة ، فإنّه يجوز إعارتها ، لاستيفاء المنفعة المباحة ، دون المحرّمة ، فإن استعارها لاستيفاء المحرّمة ، لم تصحّ الإعارة ، ولا يستباح بها المنفعة المحلّلة ، والإطلاق ينصرف الى المباح منها ، ولو لم يفرض لها منفعة مباحة محلّلة البتة ، فلا يجوز (حرم استعارتها ـ خ) إعارتها (١).

وهذا الكلام يشعر بأنّ الإجارة للانتفاع بالمحرم حرام ، وأنّه لا يجوز الانتفاع به ولا بالانتفاع المحلّل ، إذا استعاره للمحرّم ، الّا ان يحمل هنا على الشرط ، وقد مرّ البحث في ذلك ، فتأمّل وتذكر.

ثمّ قال : لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة ، فلو قال : أعرني دابتك أو دابة ، فقال : ادخل الإصطبل وخذ ما شئت ، صحت الإعارة ، بخلاف الإجارة ، لأنّ فيها عوضا ، فلا يدخلها الغرر الذي لا يتحمّل في المعاوضة (لا يحتمل المعاوضة ـ خ) (٢).

ولا يخفى انّ هذا تمام ، وقد مرّ في بحث المستعير أنّ في العام تعيينا ، ولو قال بصحتها ، إذا قال : أعرتك إحدى هاتين الدابتين لعلم عدم اشتراط التعيين فيه نعم ان قيل بجوازه بالمعنى الثاني الذي فسّرناه هناك (٣) وحينئذ يظهر الفرق بين المستعير والمستعار في جواز عدم التعيين في الثاني دون الأوّل.

ولكن عدم الجواز هناك ، لما مرّ من الاجمال وأنّه قصد امرا معيّنا عنده ، ومشتبها عند المخاطب مع علمه بقصد التعيين ، فكيف يجوز له ان يتصرّف بأيّهما أراد ، والظاهر أنّه لا يجوز فتأمّل.

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

(٣) والظاهر أنّ جواب الشرط كلمة (صحّ) وحذفه لدلالة المقام عليه.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الركن الرابع) الصيغة ، قال فيها (١) لمّا كان الأصل في الأموال ، العصمة ، لم يبح شي‌ء منها على غير مالكها الّا بالرّضا منه ، ولمّا كان الرّضا من الأمور الباطنة الخفيّة ، تعذر الوصول اليه قطعا ، فاكتفى فيه بالظن المستفاد من العبارات والألفاظ وما يقوم مقامها ، ولا يختصّ لفظ (لفظا ـ خ) بعينه ، بل المعتدّ به في هذا الباب كلّ لفظ يدلّ على الانتفاع مع بقائها مطلقا أو مدّة معيّنة كقوله : أعرتك وأذنت لك ، و (أو ـ خ) انتفع به ، و (أو ـ خ) أخذه لتنتفع به ، وما أشبه ذلك.

ولا يشترط القبول نطقا ، فلو قال : أعرتك ، جاز له الانتفاع ، وان لم يتلفظ بالقبول ، لأنّه عقد ضعيف ، لأنّ ثمرته اباحة الانتفاع ، وهي تحصل بغير عقد ، كما لو حصل ظنّه بصديقه كفى في الانتفاع (بالانتفاع ـ خ) عن العقد ، وكما في الضيف ، بخلاف العقود اللازمة ، فإنّها موقوفة على الألفاظ (ألفاظ ـ خ) خاصّة اعتبرها الشارع (الشرع ـ خ) (٢).

وقال أيضا : والأقرب عندي أنّه لا يفتقر الى لفظ ، بل يكفي قرينة الإذن بالانتفاع من غير لفظ دالّ على الإعارة والاستعارة ، لا من طرف المعير ولا من طرف المستعير آه (٣).

واعلم أن هذا صريح في أنّ العارية تتحقق بغير اللفظ وبغير القبول ، بل غير العقد ، فإنّه عبارة عن إيجاب وقبول.

وقد عرفت عدم اشتراطهما في العارية ، وانّ العقد المثمر هنا هو مجرّد ما يدلّ على جواز الانتفاع ، والانتفاع الذي يحصل بفعل المستعير ليس بقبول ، وهو جزء للعقد ، إذا المجوّز للتصرّف الذي هو ثمرة العقد متحقّق بغيره ، والّا لم يجز التصرّف

__________________

(١) أي في التذكرة.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

(٣) التذكرة ج ٢ ص ٢١٠.

٣٦٠