مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ قال : أمّا لو عزم على السفر من غير ضرورة في وقت السلامة وأمن البلد وعجز عن المالك ووكيله وعن الحاكم والأمين فسافر بها ، فالأقرب الضمان ، لأنّه التزم الحفظ في الحضر ، فليؤخّر السفر ، أو يلتزم (ليلتزم ـ خ) خطر الضمان ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني أنّه لا ضمان عليه ، والّا لزم أن ينقطع عن السفر ، ويتعطل فيه مصالحه ، وفيه تنفير عن قبول الودائع ، وشرطوا لجواز السفر بها أمن الطريق ، والّا فيضمن ، وأمّا عند وقوع الحريق ونحوه ، فانّا نقول : إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر ، فله ان يسافر بها.

ولو كان الطريق أمنا فحدث خوف اقام ، ولو هجم القطاع فألقى المال في مضيقة (مضيعة ـ خ) إخفاء له ، فضاع ، فعليه الضمان (١).

اعلم أنّه قد علم ممّا تقدم من التذكرة ، أنّه يجوز من غير ضمان ـ الظاهر بلا خلاف ـ السفر للمستودع من غير ضرورة ، إذا أمكنه ردّ الوديعة الى أحد ممّن تقدّم.

وأنّه لا يجوز الإيداع بغير سفر الّا لعذر ، ولكن العذر مجمل ، كأنّه المتعارف الذي يعدّه العرف عذرا.

وكذا عدم العدول من المالك ووكيله الى الحاكم ومنه وأمينه إلى العدل مع التعذّر والمشقّة.

والظاهر أنّ ذلك أيضا عرفي.

وأنّه إذا لم يمكنه ذلك ، فالأقرب أنّه يضمن بالسفر بها ، إذا لم يكن السفر ضروريّا.

وأنّه لو التزم الضمان جاز سفره ، فلا يكون عاصيا بسفره (لسفره ـ خ)

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٠٠.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

لحصول الغرض ، وهذا غير بعيد إذا لم يكن الوديعة ممّا يتعلق الغرض بعينها ، وهو ظاهر.

وحينئذ يمكن ان يجوز الإيداع وغيره من فعل أسباب الضمان مع ذلك ، والّا فالفرق غير ظاهر.

وأنّ الوجه الثاني للشافعيّة غير بعيد ، على أنّه لا صراحة في أخذ الوديعة بأنّه يحفظها في الحضر فقط.

وأنّ في قوله : (وأمّا عند وقوع الحريق إلخ) تنبيه لما قدّمناه في قوله : (آنفا) : وبالجملة وقبله إلخ.

وأنّ قوله : (اقام) ، مقيّد (يقيّد ـ خ) بالإمكان وعدم الضّرر ، وبما إذا كان محلّ الإقامة أكثر حفظا أو مساويا للسفر الّذي حدث فيه الخوف.

وأعلم أيضا أنّ المراد بالسفر الممنوع بالوديعة هو الى البرّ والصحراء والمحل الذي ليس فيه عمارة وليس بمسكن للإنسان ، كما يدل عليه عبارة التذكرة.

قال : إذا أودعه في قرية فنقلها المستودع إلى قرية أخرى ، فإن اتّصلت القريتان وكانت المنقول إليها أحرز أو ساوت الاولى في الأمن والخوف بينهما (١) فالأقرب عدم الضمان ، مع احتماله ، لانّ الظاهر من الإيداع في قرينة عدم رضا المالك بنقلها عنها ، وان لم يتّصل القريتان ، فالأقرب الضمان ، سواء كان الطريق أمنا أو مخوفا ، وهو أحد وجهي الشافعية ، لأن حدوث (حصول ـ خ) الخوف في الصحراء غير بعيد ، وأظهرهما عندهم عدم الضمان مع الأمن ، وثبوته لا معه ، كما لو لم يكن بينهما مسافة ، بل اتصلت القريتان (العمارتان ـ خ) وقال أكثر الشافعيّة ان كان بين القريتين مسافة يسمّى (سمّى ـ خ) المشي فيها سفرا ، ضمن بالسّفر بها ـ الى أن قال ـ : وهو

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، وفي التذكرة : في الأمن ولا خوف بينهما.

٣٢٢

أو لبس الثوب أو ركب الدابّة.

______________________________________________________

يقتضي انّ السفر بالوديعة إنّما يوجب الضمان بشرط طول السفر ، وهو بعيد عندهم ، لانّ خطر السّفر لا يتعلق بالطول والقصر إلخ (١).

وظاهرها يدلّ على أنّ حدّ السفر في هذا المقام ـ سواء كان الذي سافر بها بالوديعة أو يسافر عن الوديعة ـ هو الخروج الى الصحراء ، لا غير.

ففيما قدمناه من كلام شارح القواعد ـ في شرح قوله (٢) : ويجوز السفر بها إلخ ثمّ ما الذي (٣) يراد بالسفر هنا ، لم أقف له على تحديد ، والمتبادر منه شرعا قصد المسافة (السّفر ـ خ) ـ محل التأمل ، الّا ان يريد السفر الذي يجوز ان يسافر عن الوديعة ، ولا يجوز ، ولكن قوله : (وينبغي الجزم بأنّ تردّده في البلد ، وحوله إلخ) يدلّ على أنّ بحثه فيما يسافر عنها وبها أيضا ، وهو على أنّه قد مرّ أن لا نص على التعليق بعدم السفر عندنا ، حتى نحقّقه (يتحقق ـ خ) بل هو في كلامهم.

فالضابط عندنا هو ما يخرج به عن كونه ودعيّا ، ومسلّطا على الوديعة وحفظها ، والخروج بها الى الصحراء ، ومحلّ التلف في البريّة وعدم العمارة ، بحيث يكون محلّ الخطر في الجملة ، كما يفهم من قول التذكرة هنا ، فهو مؤيّد لما ذكرناه سابقا عند نقل كلام شارح القواعد ، فتذكر ، وتأمّل.

قوله : أو لبس الثوب إلخ. إشارة إلى سبب الضمان الذي هو الانتفاع

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

(٢) يعني عند قول المصنف هنا ، لا في القواعد.

(٣) عبارة شرح القواعد هكذا : ثمّ ما الذي يراد بالسفر هنا؟ لم أقف له على تحديد والمتبادر منه شرعا قصد المسافة ، فعلى هذا لا يجب الردّ الّا بالخروج إلى مسافة ، وهو مشكل لأنّه متى خرج المستودع من بلد الوديعة ـ على وجه لا يعدّ في يده عرفا ـ يجب ان يقال : أنّه ضامن ، لأنّه أخرج الوديعة من يده وقصّر في حفظها ، فيضمن ، وينبغي الجزم بانّ تردّده في البلد وحوله في المواضع التي لا يعدّ الخروج إليها في العادة خروجا عن البلد وانقطاعه عنه كالبساتين ونحوها ، لا يجب معه ردّ الوديعة ، وتعذر المالك ، والحاكم يكفي فيه لزوم المشقة الكثيرة إلخ ج ١ ص ٣٣٧ من الطبعة الحجرية.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالوديعة ، من غير اذن المالك ، ولا على وجه الحفظ أو مصلحة الوديعة.

قال في التذكرة : فلو استودع ثوبا ، فلبسه ، أو دابّة فركبها أو جارية فاستخدمها ، أو كتابا فنظر فيه أو نسخ منه ، أو خاتما فوضعه في إصبعه للتزين به (للتزيين به ـ خ) لا للحفظ ، فكل ذلك وما أشبهه خيانة توجب التضمين عند فقهاء الإسلام ، لا نعلم فيه خلافا (١).

يفهم منه أنّ مجرّد النظر والنسخ من كتاب الغير تصرّف في الكتاب ، وان لم يفتحه ، ولم يضع يده عليه ، بل فتحه المالك ، فلا يبعد تحريم النظر إلى جارية الغير في المرآة والماء وكذا الأجنبيّة الحرة ، فتأمّل ، فيحتاج الى الاذن ، ولا يجوز بدونه ، وأنّه ليس مثل الجلوس تحت ظلّ حائط الغير ، والاستضائة بضوئه ، فتأمّل.

ثمّ قال : هذا إذا انتفى السبب المبيح للاستعمال ، امّا إذا وجد السبب المبيح للاستعمال ، لم يجب الضمان ، وذلك بان يلبس الثوب الصوف الّذي يفسده الدّود للحفظ ، فان مثله (٢) يجب على المستودع نشرها وتعريضها للرّيح ، بل يجب لبسها إذا لم يندفع الّا بان يلبسها وتعبق (٣) بها رائحة الآدميّ ، ولو لم يفعل ففسدت ، كان عليه الضمان ، سواء أذن المالك أو سكت لانّ الحفظ واجب ، ولا يتمّ الا بالاستعمال ، فيكون الاستعمال واجبا ، لأنّ ما لا يتم الواجب المطلق الّا به ، وكان مقدورا للمكلّف ، فإنّه يكون واجبا ، امّا لو نهاه المالك عن الاستعمال للحفظ ، فامتنع ، حتى فسدت لم يكن ضامنا ، وهو أظهر قولي الشافعيّة ، ولهم قول آخر أنّه يكون ضامنا ، والمعتمد الأوّل ، وهل يكون قد فعل حراما؟ اشكال ، أقربه

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ١٩٨.

(٢) في التذكرة : فإنّ مثل هذه الثياب يجب إلخ.

(٣) العبق بالتحريك مصدر قولك : عبق به الطيب ، من باب تعب ، عبقا لزق به وظهرت ريحه بثوبه أو ببدنه ، فهو عبق (مجمع البحرين).

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ، لأنّ إضاعة المال منهي عنها ، وعند الشافعي يكره (١).

وقد عرفت أنّه قال في بحث دفع المهلكات أنّه فعل مكروها ، كما قال به الشافعي ، وانّ الظاهر ذلك ، إذ ليس ترك حفظه مال الغير بنهيه إضاعة محرّمة ، وهو ظاهر.

ويحتمل بعيدا ان يكون المراد ، هل المالك بالنهي فعل حراما؟ اشكال أقربه ذلك ، وهو بعيد لفظا ومعنى ، الّا أنّه يرتفع به التنافي بين كلاميه.

الّا ان يقال : الكراهة قول الشافعية ، لا قوله ، كما أشار إليه هناك ، ولكنّه بعيد ، لا يحتمل كلامه ذلك ، فارجع إليه ، لأنّه قال : ففسدت بترك اللبس أو تعريض الثوب للريح كان ضامنا ، سواء امره المالك ، أو سكت عنه ، أما لو نهاه عن النشر وفعل ما يحتاج اليه الحفظ ، فامتنع من ذلك حتى فسدت ، فعل مكروها ، ولا ضمان عليه وبه قال أكثر الشافعية ، ولهم وجه آخر انّ الضمان عليه.

ثمّ قال : هذا إذا علم المستودع ، امّا لو لم يعلم ، فان كان في صندوق أو كيس مشدود ولم يعلم المالك به (٢) فلا ضمان على المستودع إجماعا (٣).

ويمكن ان يكون مع علمه بما في الصندوق ، ولكن مع عدم علمه بانّ مثل ذلك الشي‌ء يحتاج الى النشر والتعريض للهواء ، بل مع علمه ونسيانه أيضا ، كما مرّت إليه الإشارة ، للأصل ، وعدم صدق الخيانة والإتلاف ، إذ ترك الحفظ جاهلا أو ناسيا ليس بخيانة ، ولا إتلاف ، وهو ظاهر ، فيسمع قوله فيه مع اليمين ، والّا تعذّر قبول الوديعة ، فتأمّل.

ثم قال : ولو احتاج حفظ الدابّة المودعة (المودوعة ـ خ) الى ان يركبها

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ١٩٨.

(٢) في التذكرة ولم يعلمه المالك به.

(٣) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ١٩٨.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المستودع إمّا ان يخرج بها الى السقي أو الرّعي ، وكانت لا تنقاد الّا بالرّكوب ، فلا ضمان لعدم التعدي والتفريط ، ولو كانت الدابّة تنقاد بغير ركوب ، فركب ضمن الّا مع عجزه عن سقيها أو رعيها بدون ركوبها ، فإنه يجوز ولا ضمان (١).

وهذا صريح في جواز الإخراج للسّقي والعلف ، وينبغي ان يجوز الركوب مع عدم العجز أيضا ، ان كان الموضع بعيدا بحيث العادة تقضي بانّ مثل هذه المسافة لا تسقى الدابة ولا تعلف الّا بالركوب غالبا بل إذا كان المستودع ممّن لا يتعارف عدم ركوبه في مثل هذه المسافة ينبغي ان يجوز له مع عدم الضمان ، وقيل في موضع آخر أنّه يجوز الركوب لازالة جموحها (٢) للسقي.

وقال أيضا في التذكرة : إذا أخذ المستودع الدراهم المودعة عنده ليصرفها الى حاجته أو أخذ الثوب ليلبسه ، أو اخرج الدابّة (من مكانها ـ خ) ليركبها ، ثمّ لم يستعمل (٣) ضمن.

وكأنّه ظاهر ، لأنّ الإخراج على هذا القصد خيانة ، فوضع يده على مال الغير خيانة وعدوانا (٤) من غير امانة ، فيكون ضامنا.

امّا لو نوى الأخذ خيانة ، ولم يأخذ ، أو نوى الاستعمال ، ولم يستعمل ، ففي الضمان إشكال ، ينشأ من أنه لم يحدث في الوديعة فعلا وقولا ، فلا (فلم ـ خ) يضمن ، ومن أنّه قصد الخيانة ، فصار خائنا ، ولا أمانة للخائن ، فيكون خائنا

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ١٩٨.

(٢) من جمح أي أسرع ، يقال : جمع في أثره أي أسرع اسراعا لا يردّه شي‌ء ، ومنه فرس جموح ، للذي إذا ذهب في عدوه لم يردّه شي‌ء (مجمع البحرين).

(٣) هكذا في التذكرة (ج ٢ ص ١٩٨) وفي جميع النسخ «ثمّ استعمل ضمن» والصواب ما في التذكرة ، كما أثبتناه.

(٤) هكذا في جميع النسخ والصواب عدوان بالضم.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ضامنا (١).

والظاهر العدم لما مرّ ، والفرق بينها وبين اللقطة ، حيث يضمن بقصد الخيانة أنّه بمجرّد قصده ونيّته يصير أمينا ، فبمجرّد ذلك يصير خائنا ، فتأمّل.

ثمّ قال : لو أخذ الوديعة من المالك بقصد (على قصد ـ خ) الخيانة ، فالأقوى الضمان ، لأنّها لم يقبضها على سبيل الامانة (٢).

فيده يد خيانة ، لا أمانة ، فلا يكون أمينا ، بل خائنا ضامنا ، فتأمّل فيه.

والفرق بينه وبين الأخذ بقصد الامانة بمجرّد نية الأمانة ظاهر.

نعم قصده بمجرّد الردّ الى المالك مع الطلب مثل الأوّل ، فالظاهر عدم الضمان ، بل هنا أولى ، ألا ان يكون طولب وأخر فيجب الضمان (٣) فتأمّل.

ثم قال أيضا : لو فتح رأس صندوق المالك ليأخذ ما فيه من الثوب والدرهم ، ولم يكن عليه قفل ، ولا ختم ، فالأقرب عدم الضمان ، وان كسر القفل ، وفضّ الختم من الكيس ، فالأقوى الضمان لما فيه ، فان خرق الكيس ، فان كان

__________________

(١) هذا ملخّص ما في التذكرة ، وينبغي نقل ما في التذكرة قال : لو نوى الأخذ ولم يأخذ ، أو نوى الاستعمال ولم يستعمل ففي الضمان إشكال ، ينشأ من أنّه لم يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن ، كما لو لم ينو وهو قول أكثر الشافعية ومن أنّه ممسك لها بحكم نيّته ، كما أنّ الملتقط إذا نوى إمساك اللقطة لصاحبها كانت أمانة وان نوى الإمساك لنفسه كانت مضمونة ، وهو قول ابن شريح من الشافعية وفرق المذكورون بين الوديعة واللقطة بأنّه في الوديعة لم يحدث فعلا مع قصد الخيانة ، وفي اللقطة أحدث الأخذ مع قصد الخيانة ، ولانّ سبب أمانته في اللقطة مجرّد نيّة ، فضمن بمجرد النية بخلاف الوديعة.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ١٩٨.

(٣) الظاهر أنّه مأخوذ من التذكرة أيضا ، فإنّ عبارتها هكذا : لو نوى ان لا يردّ الوديعة بعد طلب المالك ففي الضمان للشافعية الوجهان ، وعندي فيه التردّد السابق ، مع أولوية عدم الضمان هنا ، إذا لم يطلب المالك وثبوته إذا طلب انتهى (ج ٢ ص ١٩٨).

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تحت الختم ، فهو كفضّ الختم (١) ، وان كان فوقه لم يضمن الّا نقصان الخرقة (٢).

الظاهر عدم الضمان في الموضعين ، لما فيه من عدم التصرف فيه بخيانة ، وقاعدتهم أنّ أخذ جزء من المتّصل موجب لضمان الكلّ ، ان كان عمدا ، كما سيجي‌ء.

قيل قوله (٣) : ويجب ان يشهد إلخ يقتضي ضمان تمام الخرق (الخرقة ـ خ) فتأمّل.

وقال أيضا : ان نبش المدفونة من غير تصرف فيها ، مثل فض الخاتم.

وهو قريب ، وكذا قريب قوله : لو حلّ (أحلّ ـ خ) الخيط الذي شدّ به رأس الكيس أو ردمة الثياب (٤) لم يضمن ما في الكيس والردمة ، ولو فعل ذلك للأخذ ، بخلاف فضّ الختم وفتح القفل ، لانّ القصد منه المنع من الانتشار ولم يقصد به الكتمان عنه (٥).

والظاهر التساوي في عدم الضمان ، لما مرّ ، الّا ان يتصرّف ما في الكيس أو الردمة بقصد الخيانة ، فتأمّل.

واستشكل في الضمان لو عدّ المعدود أو وزنها أو ذرعها ، والظاهر عدمه ، لما

__________________

(١) وأصل الفضّ ، الكسر ، يقال فضضت الختم فضّا ، من باب قتل ، كسر.

(٢) انتهى ما نقله عن التذكرة ، منقول بالمعنى راجع ج ١ ص ١٩٨ منها.

(٣) يعنى قول المصنف في المتن.

(٤) الرّدم بإهمال الدال الساكنة ، السد. وفي الحديث كانت العرب تحج البيت وكان ردما أي كان لا حيطان له ، كأنّه من تردّم الثوب ، أي أخلق واسترفع (مجمع البحرين).

ويحتمل ان تكون هذه الكلمة رزم بالزاء المعجمة أخت الراء المهملة ، ومعناها ـ كما في مجمع البحرين ـ رزمت كذا وكذا ، أي ربطته وشددته.

وفي لسان العرب الرّزمة من الثياب ما شدّ في ثوب واحد (ج ١٢ ص ٢٣٩).

(٥) انتهى ما في التذكرة (ج ٢ ص ١٩٨).

٣٢٨

أو خلطها بماله بحيث لا يتميّز ، أو مزج الكيسين ،.

______________________________________________________

تقدم غير مرّة.

وقال أيضا : لو قال المالك ابتداء : أودعتك هذا (كذا ـ خ) (ابتداء ـ خ) فان خنت (به ـ خ) ثم تركت الخيانة عدت أمينا (لي ـ خ) فخان وضمن ، ثمّ ترك الخيانة ، لم تزل الخيانة ، ولم يعد أمينا ، وبه قال الشافعي.

لأنّه إسقاط لما لم يكن ، بخلاف ان خان (وـ خ) صار ضامنا ، و (لو ـ خ) قال : أسقطت ضمانك ، أو أذنت لك في الحفظ ، أو أودعتك ، ونحو ذلك ، ولانّ الاستيمان الثاني معلّق (١).

وما نعرف عدم صحة الاستيمان المعلق ، وإسقاط ما لم يكن ، فإنّه اذن بالتصرف بعد الخيانة أيضا ، وأدلّة قبول الناس في أموالهم تعمه (٢) كما في العارية التي هي مضمونة مثل الدراهم والدنانير سقط ضمانه عندنا ، فتأمّل.

وكذا القول قوله ، لو قال : خذ هذا وديعة يوما وغير وديعة يوما ، يكون وديعة أبدا ، مع قوله : لو قال خذ هذه وديعة يوما وعارية يوما ، فهو وديعة في الأوّل وعارية في اليوم الثاني.

قوله : أو خلطها بماله إلخ. لعلّ لا خلاف عندنا فيه ، قال في التذكرة : إذا مزج المستودع الوديعة بماله مزجا لا يتميّز أحدهما عن صاحبه ـ كدراهم مزجها بمثلها أو دنانير مزجها بمثلها ، بحيث لا تمايز (مائز ـ خ) بين الوديعة ومال المستودع ، أو مزج الحنطة بمثلها ـ صار ضامنا سواء كان المخلوط بها دونها أو مثلها أو أزيد منها ، وبه قال الشافعي ، لأنّه قد تصرّف في الوديعة تصرّفا غير مشروع ، وعيّبها بالمزج فانّ

__________________

(١) هذا مأخوذ من عبارة التذكرة راجع (ج ٢ ص ١٩٩ منها).

(٢) لعلّه إشارة إلى مثل قوله صلّى الله عليه وآله : الناس مسلطون على أموالهم وراجع الوسائل باب استحباب المضاربة باب ١١ من أبواب مقدمات التجارة وباب ٩٨ من أبواب ما يكتسب به وغيرهما لعلك تجد هذا المعنى فيها واما ما دلّ على خصوص ما في المتن فلم نجده.

٣٢٩

أو حملها أثقل من المأذون ، أو أشقّ.

______________________________________________________

الشركة عيب ، فكان عليه الضمان ـ الى قوله ـ وقال مالك : ان خلطها بمثلها أو أجود منها ، لم يضمن ، وان خلطها بدونها ضمن إلخ (١).

وكذا لو كان عنده كيسان وديعة ـ ولو كان من شخص واحد ـ فمزج أحدهما بالآخر ، صار ضامنا ، لأنّه تصرف غير مشروع فيده يد خيانة فيضمن حينئذ.

وأيضا قد يتعلق الأغراض بالتفرد بعدم المزج ، ولهذا جعل في الكيسين ، قاله في التذكرة.

ثم قال : وكذا لو أودعه كيسا ، وكان في يده له كيس آخر امانة مجردّة ، فان وقع عليه (إليه ـ خ) اتفاقا ، فمزج أحدهما بالآخر ، كان ضامنا أيضا ، وكذا لو كان الكيس الآخر في يده على سبيل الغصب من مالك الوديعة ، وبالجملة على أيّ وجه كان (٢).

وفيه تأمّل ، إذ ليس المزج بغير الاختيار أيضا تصرّفا غير مشروع ، ولا تقصير في الحفظ ، فالضمان حينئذ محل التأمّل ، وسيجي‌ء في مسألة أنّه إذا أتلف المستودع من المودوعة (٣) جزء متّصلا ، أنّه إن كان خطأ لم يضمن الّا المقطوع ، فجعل النّاسي والمخطئ (الخطاء ـ خ) معذورا ، فتأمّل.

قوله : أو حملها أثقل من المأذون إلخ. يعني إذا أذن لشخص ان يحمل دابّته شيئا معيّنا ، فحملها أثقل من ذلك الشي‌ء ، بأن زاد على مقداره ، أو حمله أشقّ ، ولو كان بحسب الوزن واحدا مثل منّ (من ـ خ) حديد ومنّ (من ـ خ) قطن ، فانّ القطن أثقل وأشقّ لدخول الهواء ، أو يكون شيئا يصير به الدابّة مجروحة

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ١٩٩.

(٢) هكذا في التذكرة وفي جميع النسخ ، دفع اليه ، ولعلّ الصواب ما في التذكرة.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، والصواب المودعة.

٣٣٠

أو فتح قفل المالك وأخذ بعضها أو لا ضمن.

ولو أخذ البعض من تحت قفله ، ضمن المأخوذ خاصّة ، ولو اعاده ومزجه بحيث لا يتميّز ، لم يبرأ ، ولا يضمن الباقي ، ولو أعاد بدله ، ومزجه ، ضمن الجميع.

______________________________________________________

مثل الجراح و (أو ـ خ) الحديد ، وقد أذن للحنطة والشعير ونحو ذلك ، فهو ضامن ، ولا شكّ في ذلك.

وهل يضمن الجميع؟ الظاهر ذلك ، لأنّه تعدّى (تعدّ ـ خ) فلو تلف يأخذ منه تمام القيمة ، لا أن يقسط على المأذون وغيره.

ولو ذكر هذه في العارية لكان أولى ، فإنّها منها ، لا من الوديعة ، فتأمّل.

قوله : أو فتح قفل المالك إلخ. هذا إشارة الى انّ مجرّد فتح قفل المالك موجب لضمان ما في المقفول ، سواء أخذ شيئا أو لم يأخذ أصلا ، وقد مرّ فيه التأمّل.

وأشار الى الخلاف في التذكرة بقوله : والأقوى الضمان لما فيه من الثياب والدراهم ، وهو أصحّ وجهي الشافعية ، لأنّه هتك الحرز ، والثاني للشافعية أنّه لا يضمن ، لما في الصندوق والكيس ، بل يضمن الختم الّذي تصرّف فيه ، وبه قال أبو حنيفة.

تجد هذا اولى لما مرّ غير مرّة من الأصل ، وعدم تصرف وتقصير في الحفظ ، وغير ثابت كون هتك الحرز موجبا للضمان ، ولا بدّ له من دليل ، فتأمّل. قوله (١) ضمن جواب لقوله : ولو ادّعى الاذن ، الى هنا.

قوله : ولو أخذ البعض من تحت قفله إلخ. لو أخذ الودعي بعضا من المودوعة ـ من تحت قفله بحيث ما هتك الحرز بالتصرّف في القفل والختم ، وكذا لو أخذه من غير المقفول ـ ، ضمن المأخوذ خاصّة ، لأنّه تصرف فيه فقط بالخيانة ،

__________________

(١) يعني قول المصنف في المتن.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

فيكون ضامنا له فقط.

ولو أعاده إلى الحرز لم يبرأ من ضمانه ، لانّ يده عليه يد خيانة ، ولم يخرج عنها الّا بما تقدّم.

ولا فرق في ذلك بين ان يمزجه مزجا لا يتميّز عن غير المضمون الغير المتصرّف فيه ، أم لا.

ولكن في صورة المزج إذا لم يوجب التصرّف في الباقي تصرفا غير مأذون ، هل يضمن الباقي أيضا أم لا؟ ولا شكّ أنّه يضمن بذلك التصرّف.

قال في التذكرة : وان امتزج بالباقي مزجا يرتفع (ارتفع ـ خ) معه الامتياز فالوجه أنّه كذلك لا يضمن الباقي ، بل الدراهم خاصّة ، لأنّ هذا المزج (الخلط ـ خ) كان حاصلا قبل الأخذ ، وهو أصحّ قولي الشافعية ، والثاني عليه ضمان الباقي بخلطه (لخلطه ـ خ) المضمون بغير المضمون ، فعلى ما اخترناه لو تلفت العشرة والحال أنّه أخذ منها درهم واحد وردّها وخرج بالعشرة والفرض ان الكلّ عشرة لم يلزمه الّا درهم واحد ، ولو تلف منها خمسة لم يلزمه الّا نصف درهم (١).

وفيه دلالة على انّ المزج لو كان اختيارا ليس بموجب للتصرّف في الممزوج.

فتأمّل ، وظاهره ان لا خلاف عندنا في عدم ضمان الباقي الغير المتصرف فيه ، فتأمّل.

وفي ضمان نصفه بعد تلف نصف ما في الكيس الذي أخذ واحدا منه ، محل التأمّل ، إذ الأصل عدم تلف المضمون ، والأصل براءة الذمّة ، وعدم أخذ شي‌ء من ماله إلّا باذنه ، ومعلوم انّ المضمون اما تلف بالكلية أو بقي بتمامه ، فالحكم

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة مع اختلاف فراجع.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالتنصيف ـ لعدم الامتياز والعلم ـ محلّ التأمّل.

وأمّا لو أعاد بدل المضمون ، ولم يمازجه مزجا يسلبه الامتياز وان كان لوجود علامة ، أو سكّة لم تكن في المودوعة (١) ولم يفعل ما يوجب الضمان ، فلم يضمن الّا ذلك الدرهم فقط ، وإن مزجه ذلك المزج ، فيضمن الكلّ ، لأنّه مزج مال الوديعة بماله من غير اذنه ، وقد مرّ أنّه تصرف موجب للضمان.

ثم قال في التذكرة : إذا تلف بعض الوديعة ، فإن كان ذلك البعض منفصلا عن الباقي كالثوبين إذا أتلف (تلف ـ خ) أحدهما ، لم يضمن الّا المتلف ، لانّ العدوان انّما وقع فيه ، فلا يتعدّى الضمان الى غيره ، وان كان الإيداع واحدا (أي دفعة واحدة) وان كان متصلا كالثوب الواحد يخرقه (بخرقة ـ خ) أو يقطع (لقطع ـ خ) طرف العبد أو البهيمة ، فإن كان عامدا في الإتلاف ، فهو خائن (جان ـ خ) على الجميع ، فيضمن الكل وان كان مخطئا ضمن ما أتلفه خاصّة ، ولم يضمن الباقي ، وهو أصحّ وجهي الشافعية ، لأنّه لم يتعدّ في الوديعة ، ولا خان فيها ، وانما ضمن المتلف لفواته وصدور الهلاك منه فيه مخطئا.

وفي الثاني لهم أنّه يضمنه أيضا ، ويستوي العمد والخطأ في ضمان الكلّ (٢).

وأنت تعلم أنّ الظاهر ما اختاره ، وأنّه لا خلاف ظاهرا عندنا ، وهو مؤيّد لما قلنا أنّه لو سهى ونسي حفظ شي‌ء مثل النشر والتعريض للرّيح ، لم يكن ضامنا ، فإنّه جعل النسيان هنا عذرا ، فتأمّل.

وأيضا قد تقدم أنّه إذا خرق فوق الختم لم يضمن الّا نقصان ما خرق.

فهو ليس بجيّد على إطلاقه بالنسبة الى ما قال هنا من ضمان الكلّ

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب المودعة.

(٢) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ١٩٩.

٣٣٣

ويجمع ان يشهد لو خاف الموت.

______________________________________________________

المتّصل ، ان كان الإتلاف عمدا ، فتأمّل ، وتذكر.

قوله : ويجب ان يشهد لو خاف الموت. من أسباب الضمان ترك الوصية الواجبة ، وهي عند حضور الموت أو القتل ، بمعنى ظهور علامات وحصول ظنّ بمفارقة الرّوح ، لخوف المرض ونحوه.

قال في التذكرة : إذا مرض المستودع مرضا مخوفا ، أو حبس ليقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة ، وان تمكن من صاحبها أو وكيله ، وجب عليه ردّها اليه ، وان لم يقدر على صاحبها ووكيله ردّها الى الحاكم ، ولو أودعه عند ثقة مع عدم الحاكم ، جاز وان كان مع القدرة عليه ضمن ، وللشافعيّة وجهان ، ولو لم يوص بها ، لكن سكت عنها وتركها بحالها ، حتى مات ، ضمن ، لأنّه غرّر بها وعرضها للفوات ، فإن الورثة يقسمونها (يقتسمونه ـ خ) ويعتمدن على ظاهر اليد ، ولا يحتسبونها وديعة ، ويدعونها لأنفسهم ، فكان ذلك تقصيرا منه موجبا للضمان (١).

لعل دليل وجوب الإيصاء هو وجوب حفظ الوديعة ـ مهما أمكن ـ من الضياع ، حتى تصل إلى أهلها ، وذلك بالإيصاء حينئذ وكذا أدلة وجوب الوصيّة على المحتضر ، لعلّه لا خلاف فيه.

وأمّا وجوب ردّها على المالك من غير طلبه ، الى آخر ما ذكره ، فكأنّه لخوف الفوت ، والإيصاء غير ظاهر أنّه كاف ، ويوصلها الى أهلها لاحتمال عدم وصولها الى يد الوصيّ بسبب من الأسباب ، وهلاكه في يده بتفريطه أو عدمه ، ولا شك انّه أحوط.

وأمّا الوجوب فغير ظاهر ، والأصل ينفيه ، مع عدم دليل واضح ، وعدم افادة ما تقدم ، الوجوب.

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٠١ وفيها ، يوجب الضمان بدل قوله : موجبا للضمان.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وكأنّه لذلك رجع عنه في التذكرة بعد أسطر ، وقال في فروع الإيصاء المبحوث عنه : الثالث الأقرب الاكتفاء بالوصيّة ، وان أمكنه الردّ الى المالك ، لأنّه مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم ، ويحتمل انّه يجب عليه الردّ الى المالك أو وكيله عند المرض ، فان تعذّر أودع عند الحاكم أو اوصى اليه ، كما إذا عزم على السفر ، وهو قول أكثر الشافعيّة (١).

الظاهر أنّه يريد بالمرض المخوف الذي أشار إليه في أوّل المسألة ، والّا فالظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب عند مطلق المرض.

وأيضا الظاهر ان يراد بعد تعذر الحاكم الإيداع عند الثقة ، ثمّ ان تعذر فالإيصاء كما ذكره ، أوّلا ، وقد تقدّم مرارا مثله ، إذ ليس المراد بالإيصاء هو الإيداع ، كما صرّح هو ، حيث قال : توهّم بعض الناس انّ المراد من الوصية بها تسليمها إلى الوصي ليدفعها الى المالك ، وهو الإيداع بعينه ، وليس كذلك ، بل المراد الأمر بالردّ من غير ان يخرجها من يده ، فان كان والحال هذه مخيّر بين ان يودع للحاجة وبين ان يقتصر على الاعلام والأمر بالردّ ، لانّ وقت الموت غير معلوم ، ويده مستمرّة على الوديعة ما دام حيّا (٢).

وهو أيضا صريح في عدم وجوب الردّ عينا ، فكأنّه يريد به هناك تخييرا ، وهو بعيد جدّا.

ويمكن ان يراد بالإيصاء بعد تعذر الحاكم هنا على سبيل التخيير ، وهو أيضا بعيد ، كما لا يخفى.

وكأنّه يريد بقوله (٣) : (كما إذا عزم على السفر) وجوب الإيداع بالترتيب المتقدم مرارا ، والعبارة غير ظاهرة ، بل ظاهرها التخيير بين الإيداع عند الحاكم

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

(٣) يعني في كلامه المنقول من التذكرة آنفا.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والإيصاء اليه ، وقد تقدم وجوب الإيداع ، فتأمّل.

ولعلّ التقصير هنا يحصل بترك الوصيّة إلى أهلها ، أي الذي يجوز جعله وصيّا في مثل ردّ الوديعة إلى حين الموت أو قبيله بحيث أيس عن الحيوة ، وما قدر على الوصيّة وان لم يكن مات (فات ـ خ).

ولكن قال في التذكرة : التقصير هنا انما يتحقق بترك الوصية إلى الموت ، فلا يحصل التقصير إلّا إذا مات ، لكن يتبيّن عند الموت أنّه كان مقصّرا من أوّل ما مرض.

في العبارة تأمّل ، على انّ الكشف غير ظاهر ، لما مرّ مرارا ، وأنّه على تقدير كونه من أوّل المرض محل التأمّل ، إذ الظاهر أنّ الوقت موسّع إذا ظنّ البقاء مع المرض ، قادرا على الوصية ، كما في حال الصحّة.

نعم قد يتضيّق بالأمارات بعده ، ولكنّ الضابط لا يخلو من اشكال ، والاحتياط واضح.

ثم معنى كونه ضامنا بالترك ، أنّه يحكم بكونه مضمونا في يده ، فلو تلف بغير تفريط في وقت الضمان ـ ولو قبل الموت ـ يكون مضمونا عليه ، يؤخذ من ماله ، كالدين وعوض الغصب ، وكذا بعد الموت وان لم يقصّر الورثة في المبادرة إلى إعلام المالك والردّ اليه ، فتلف قبله بآفة أو بإتلاف متلف أو بترديه في بئر ونحوه ، ويكون آثما أيضا بترك الوصية إلى أهلها.

قال في التذكرة : يجب الإيصاء إلى أمين ، فإن اوصى الى غير ثقة فهو كما لم يوص ، ويجب عليه الضمان ، لانّه غرّر بالوديعة ، ولا يجب ان يكون أجنبيّا ، بل يجوز ان يوصي بها الى ورثته ، ويشهد عليه ، صونا لها عن الإنكار ، وكذا الإيداع ، حيث يجوز ان يودع أمينا (١).

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ المراد بضمير (عليه) الإيصاء مطلقا ، فيجب الاشهاد على الإيصاء مطلقا ، صونا لإنكار الورثة ، وعدم ثبوت الوصية.

ثم الحكم على تقدير اشتراط العدالة في الوصي مطلقا ظاهر ، وهنا يكون الضمان من حين الوصيّة الى غير العدل ، وكما في ترك الاشهاد من حينه ، ان كان هو شرطا ، كما هو الظاهر من كلامه.

ويحتمل ان يكون الضمان (من ـ خ) مثل الأوّل ، لاحتمال ان يرجع ويوصي الى العدل مع الاشهاد ، وامّا على تقدير عدم اشتراطها في الجميع ، ـ كما يشعر به بعض الاخبار (١) وظاهر عدم تغيير الإيصاء في قوله (فَمَنْ بَدَّلَهُ) الآية (٢) ـ فلا ، ووجود من يتق بدينه وأمانته في بعضها (٣) يدلّ على اعتبار هذا المقدار ، لعلّه أقل من مرتبة العدالة ، فافهم.

ويمكن ان يشترط هنا ، لأنّه كالإيداع ، فإنّه ما كان الى غير العدل جائز ، فكذا الإيصاء ، وذلك غير بعيد ، فتأمّل.

وقال في التذكرة أيضا : إذا اوصى بالوديعة وجب ان يبينها ويميّزها عن غيرها ، بالإشارة إلى عينها أو بيان جنسها ووصفها ، فلو لم يبيّن الجنس ولا أشار إليها ، بل قال : عندي وديعة ، فهو كما لم يوص ، ولو ذكر الجنس ، فقال انّ عندي : ثوب لفلان ، ولم يصفه ، فان لم يوجد في تركته جنس الثوب ، فأكثر علمائنا على أنّ المالك يضارب ، فيضارب ربّ الوديعة الغرماء بقيمة الوديعة ، لتقصيره بترك (بتركه ـ خ) البيان (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٥٠ وباب ٥٣ من كتاب الوصية ج ١٣ ص ٤٤١ والباب ٦ و ٩ من كتاب الوديعة ج ١٣ ص ٢٣٠.

(٢) البقرة : ١٨١.

(٣) راجع الوسائل الباب.

(٤) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّ دليلهم ضعيفة النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن آبائه ، عن علي عليهم السّلام ، أنّه كان يقول : من مات (يموت ـ خ) وعنده مال مضاربة ، قال : ان سمّاه بعينه قبل موته ، فقال : هذا لفلان ، فهو له ، وان مات ولم يذكر ، فهو أسوة الغرماء (١).

ولا فرق بين مال المضاربة والوديعة في ذلك ، وهو ظاهر فتأمّل فيه.

ثمّ قال (٢) : بعض الشافعيّة ، وهو ظاهر مذهبهم أيضا ، وقال بعضهم لا يضمن لأنها ربما تلفت قبل الموت ، والوديعة أمانة ، فلا يضمن بالشّك ، وان وجد في تركته جنس الثوب فامّا أن يوجد أثواب أو ثوب واحد ، فان وجد أثواب ، ضمن ، لأنّه إذا لم يميّز كان بمنزلة ما لو خلط الوديعة بغيرها ، وذلك سبب موجب للضمان ، فكذا ما ساواه ، وهو عدم تنصيصه على التخصيص ، وان وجد ثوب واحد ففي تنزيل كلامه عليه اشكال ، قال (بعض ـ خ) الشافعية أنّه ينزّل عليه ، ويدفع اليه ، ومنهم من أطلق القول بأنّه إذا وجد جنس الثوب ضمن ، ولا يدفع اليه عين الموجود ، وامّا الضمان فللتقصير بترك البيان ، وامّا أنّه لا يدفع اليه عين الموجود فلاحتمال ان تكون الوديعة قد تلفت ، والموجود غيرها ، وهو جيّد ، ولهم وجه آخر ، أنّه انما يضمن إذا قال : عندي ثوب لفلان وذكر معه ما يقتضي الضمان امّا إذا اقتصر عليه فلا ضمان (٣).

هذا الكلام يحتاج إلى التأمّل (٤) إلخ فتأمّل ، الظاهر أنّه ان عيّن ووجد فهو لمالكه ، وان لم يوجد ، فالظاهر عدم الضمان ، إذ قد يكون تلف بغير تفريط ، الّا ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أبواب المضاربة الرواية ١ ج ١٣ ص ١٩١.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، وفي التذكرة : وهو قول بعض الشافعيّة إلخ.

(٣) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

(٤) مراده انّ هذا الكلام من العلامة قدس سرّه في التذكرة الى آخره يحتاج إلى التأمّل.

٣٣٨

ولو مات ولم توجد ، أخذت من التركة على اشكال.

______________________________________________________

يعلم منه كونه ضامنا له ، أو قصّر في هذا الوقت في عدم الإشارة إلى مكانه وكونه اين وان علم وجوده ، فالظاهر بقائه ، فينبغي المصالحة ان لم يعلم قيمته ، والّا القيمة ، فتأمّل في كلام التذكرة ، وما ذكرناه.

قوله : ولو مات ولم توجد أخذت إلخ. كأن المراد أنّه عيّنها ولم توجد مع عدم العلم بوجودها حال الموت بل العلم بوجودها (١) في الجملة وقبله.

وحينئذ يحتمل ان تؤخذ قيمتها التي ثبتت بوجه شرعي من التركة ، لأصل البقاء وعدم التلف لا على وجه مضمون.

ويحتمل العدم لأصل عدم ضمان الوديعة حتى يثبت موجب الضمان ، والأصل عدمه ، والظاهر العدم لأصل برأيه الذمّة ، ولأنّ الأمانة ثابتة فلم تثبت الخيانة ، إلّا بثبوت موجبها ، والأصل عدمه ، وصون المسلم عن التقصير في مال الوديعة بترك الوصيّة ونحوها ، فتأمّل.

قال في التذكرة : الذي يقتضيه النظر عدم الضمان والذي عليه فتوى أكثر العلماء منّا ومن الشافعيّة الضمان.

وقال : لو مات ولم يذكر عنده وديعة ، ولكن وجد في تركته كيس مختوم أو غير مختوم مكتوب عليه أنّه وديعة فلان ، أو وجد في جريدته أنّ لفلان عندي كذا وكذا وديعة ، لم يجب على الوارث التسليم بهذا القدر ، لأنّه ربما كتبه عبثا ولهوا وتلفتا (تلقينا ـ خ) أو ربما اشترى الكيس بعد تلك الكتابة فلم يمحها ، أو ردّ الوديعة بعد ما أثبت في الجريدة ، ولم يمحه ، وبالجملة انّما يثبت كونها وديعة ، بأن يقرّ ان هذه وديعة ، ثم يموت ، ولا يكون متهما في إقراره عندنا ، ومطلقا عند جماعة من علمائنا أو يقرّ الورثة بأنّها وديعة أو تقوم البيّنة بذلك (٢).

__________________

(١) ليس في النسختين المخطوطتين لفظة بل العلم بوجودها.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن أنت تعلم انّه قد يعلم بذلك أنّها وديعة ، فإذا علم ، يعمل به ، فتأمّل.

الظاهر عدم الاحتياج هنا الى اليمين مع البيّنة ، وكذا مع إقراره ، مع الاحتمال ، للأصل وعدم الدليل ، واختصاص الرواية (١) باليمين على تقدير قبولها ، بالدّين ، وسيجي‌ء تحقيق الأمر إنشاء الله (٢).

وقال أيضا : إذا (فإذا ـ خ) ثبت الوديعة بأحد هذه الوجوه ، وجب على الورثة دفعها الى مالكها ، فإن أخّروا الدّفع مع الإمكان ضمنوا ، ولو لم يعلم صاحبها بموت المستودع وجب على ورثته اعلامه ذلك ، ولم يكن لهم إمساك الوديعة الى ان يطلبها المالك منهم ، لأنّ المالك لم يأمنهم عليها ، وذلك كما لو أطارت الريح ثوبا الى دار انسان وعلم صاحبه ، فانّ عليه اعلامه ، فان أخّر ذلك مع إمكانه ضمن (٣).

والاعلام جيّد ، ولكن الضمان مع التأخير ـ من غير تصرف بل بمجرد وجوده في الدار بواسطة الريح ونحوه ـ محلّ التأمّل.

وكذا وجوب دفعه ، بل جوازه ، لأنّه تصرّف غير مأذون ، فيمكن الضمان لو تلف في الطريق من غير تقصير ، وكذا في جميع الودائع والعواري.

الّا ان يقال ذلك مأذون شرعا ، فإنّه جوّز ردّ المال الى مالكه بان يؤدّي إليه بنفسه أو وكيله وفيه تأمّل ، خصوصا مع عدم الامانة ، فإنّه تسليط الغير على ملك الغير بغير اذن.

ويمكن جواز تسليمه الى الذي أعطاه الدافع ، ولعل العرف اقتضى انّ المالك أذن بالبعث إليه ، مع من كان ، ولهذا ، هو متداول بين المسلمين ، من غير نكير ، فتأمّل. واحتط.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٢٨ ذيل الرواية ١.

(٢) في كتاب الشهادات.

(٣) التذكرة : ج ٢ ص ٢٠١.

٣٤٠