مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في كل كذب ، إذا ألجئ اليه بما يخرجه عن الكذب.

وينبغي ان يقصد ما يمكن إطلاق اللفظ عليه بقرينة مجازا ، ان عرف وعلم ، والّا يأتي بالكذب ويحلف عليه.

والظاهر ان لا خلاف فيه (في ذلك ـ خ) بين المسلمين ، كالكذب واليمين المنقذين ، لخلاص النبي عليه السّلام (صلّى الله عليه وآله ـ خ) عن القتل والأذى ، بل المسلم الغير المستحق.

ولا يكون حينئذ هذا الكذب قبيحا ولا مضرّا ، بل يصير واجبا ونفعا محضا ، لا أنّه قبيح وضرر ، ولكن يجب ارتكاب أقلّ القبيحين وأخفّ الضررين ، و (إذ ـ خ) لا قبح ولا ضرر حينئذ ، والّا يلزم اجتماع القبح والحسن والضرر والنفع في شي‌ء واحد ، فيلزم المدح والذّم ، بل الثواب والعقاب في شي‌ء واحد شخصي ، وهو محال.

ويلزم العقاب على مثل إنقاذه عليه السّلام (صلّى الله عليه وآله ـ خ) والإلزام والإيجاب ثم العقاب ، وهو قبيح بديهة.

ولعل من قال ذلك (١) يريد أنّه باعتبار الأصل كان قبيحا ، فالآن ارتكب أقلّ القبيحين بذلك ، وهو بعيد ، لا يحتاج الى قول ذلك وارتكابه.

على أنّه ذكر ذلك في جواب اعتراض من قال : انّ الكذب قبيح لذاته فلا يمكن حينئذ ردّه والمصير الى انّ الحسن والقبح لذاته أو لأمر لازم لهما ، كما يريد المجيب.

ومن هذا ظهر انّ المذهب الحق في الحسن والقبح العقليّين جواز استنادهما

__________________

(١) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا : قاله سلطان المحققين خواجه نصير الملة والدين والشهيد الثاني (منه رحمه الله).

٣٠١

ولا يصحّ وديعة غير العاقل ، فيضمن القابض ، ولا يبرأ بالردّ اليه ، وان كان مميّزا.

ولو أودع لم يضمن بالتفريط.

ويجوز السفر بها مع خوف الإقامة بها ولو ظهرت امارة الخوف في السفر لم يجز.

______________________________________________________

الى الوجوه والاعتبارات ، كما قيل في لطم اليتيم ، والّا يلزم عدم جواز النسخ (١) ، وهو ظاهر ، وتمام تحقيقه في الأصول.

قوله : ولا يصحّ وديعة غير العاقل إلخ. بل غير الرشيد أيضا ، وقد مرّ تحقيقه ، وأنّه يجب حينئذ تسليم الوديعة إلى الولي ، وأنّه لا يصح وضع الوديعة أيضا عند غير العاقل الرّشيد ، وأنّه لو تلف عنده لم يضمن ، الّا أن يكون مميّزا عاقلا ، وأتلف ، فيمكن ضمانه ، وهو مختار التذكرة والشيخ علي ، فتأمّل.

قوله : ولو أودع لم يضمن إلخ. أي لو أودع غير العاقل لم يضمن بالتفريط ، فقيد (بالتفريط) مشعر بأنّه يضمن بالإتلاف ، وصرح به في التذكرة ، وقد مرّ تفصيله.

قوله : ويجوز السفر بها إلخ. يعني يجوز للودعيّ السفر (مع خوف تلفها بالإقامة بها ، وهو ظاهر ، وبدونه أيضا ـ خ) ، للأصل ، ولانّ المنع ضرر منفي.

والظاهر أنّه غير مقيد بالضرورة والحاجة ، لذلك (٢).

ويحتمل التقييد بها وبعدم إمكان تسليمها الى المالك ووكيله ، (والحاكم بل الثقة ـ خ) ، لأنّه يستلزم إمّا السفر بها أو الإيداع مع تعذّر التسليم ، وكلاهما لا يجوز اختيارا بغير اذن المالك ، صرّح به في شرح القواعد ، ولكن قال : (الحاجة) (٣) ، لم

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة القبح بدل النسخ.

(٢) أي للأصل.

(٣) سيأتي نقل عبارة شرح القواعد.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أجد أي شي‌ء ، يراد بها في كلامهم.

ويفهم من التذكرة ، أنّ السفر بالوديعة ليست بحاجة ، ويفهم من شرح القواعد أنّه حاجة.

ويمكن ان يحال الى العرف كغيرها من الأمور التي لا تعيين لها في الشرع ، فلو كان ضرورة وحاجة لا يرتكب منها عرفا للوديعة ، يودع ، والّا فلا.

والسفر الواجب (١) بأصل الشرع للحج والنذر والنفقة وأداء الدين وتحصيل العلوم الواجب وهو ضروريّ ومحلّ حاجة.

وإذا أراد السفر فلا يجوز ان يسافر بها ، فلا بدّ ان يسلّمها الى المالك أو وكيله ، فان تعذّر فالى الحاكم.

قال في التذكرة : يجب عليه قبولها ، لأنّه موضوع للمصالح.

قال في القواعد : والأقرب وجوب القبض على الحاكم ، قال في شرحه : أي إذا جاء بالوديعة المستودع عند ارادة السفر والحاجة وجب عليه القبض ووجه القرب أنّه منصوب للمصالح ، ولو لم يجب القبض فاتت المصلحة المطلوبة من نصبه ، وهو الأصحّ ويحتمل ضعيفا العدم تمسكا بأصالة البراءة (٢).

الظاهر أنّهم يريدون الوجوب العيني ، والّا فالكفائي على كلّ احد ، لا خصوصيّة له بالحاكم.

وفي كون الحاكم منصوبا لمثل هذه المصلحة منع ، ودفعه (رفعه ـ خ) بالدليل غير ظاهر. بل هو منصوب للحكم والقضاء ، ويمكن لحفظ ما يتلف من مال الأطفال والغيّاب أيضا ، إذا لم يوجد من يحفظه ، وهنا يمكنه الحفظ بنفسه بعدم

__________________

(١) يمكن ان يكون عطفا على قوله : ان يحال ، يعنى ويمكن ان يراد السفر الواجب بأصل الشرع.

(٢) انتهى كلام شارح القواعد ج ١ ص ٣٣٧ من الطبعة الحجريّة.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السفر ، الّا أن يكون ضروريّا ، وبالإيداع عند ثقة.

نعم لو تعذّر تعيّن عليه ، كما لو تعذّر غير ثقة وحده (واحدة ـ خ) يجب عليه عندهم عينا ، وان لم يكن حاكما ، فلا فرق ، فكون الاحتمال ضعيفا ، محل التأمّل.

ثمّ قال في القواعد : وكذا المديون والغاصب إذا حملا الدين و (أو ـ خ) الغصب اليه ، قال الشارح : ولا يتقيّد (١) هذا بإرادة السفر بالنسبة ولا لحصول الحاجة بالنسبة إلى الغاصب ، لأنّ يده يد عدوان ، وينبغي ان يكون في المديون ذلك ، لانّ براءة الذمة أمر مطلوب ، والمراد بقوله : وكذا إلخ ، المساواة بينهما وبين المستودع في وجوب القبول على الحاكم ، إذا حملا المال اليه ، ويحتمل عدم وجوب القبول ، نظرا الى أنّ البقاء في يد الغاصب أعود على المالك ، لكونه مضمونا في يده ، وكذا المديون ، لانّ الدين في ذمّته (٢).

ولا شك أنّه أحوط ، لو لم يكن معارضا (٣) والظاهر ان ليس المراد بوجوب قبضه وقبوله ، أعمّ من ان يقبض بنفسه ليصير (فيصير ـ خ) هو بنفسه الودعي ، أو يعين له أمينا يقبض بحكمه ، لا بوكالته ، فصار ذلك الأمين ودعيّا ، لا الحاكم ، لانّ الحاكم لها (٤) مشاغل ، وأمثال هذه الأمور كثيرة ، فلا ينبغي تكليفه بنفسه ، لأنّه قد يؤل الى العجز وتعطيله عن سائر الأشغال ، فتأمّل ، فإن تعذر الحاكم بوجه يودعه من ثقة لا غير.

أمّا جواز الإيداع فكأنّه للإجماع ودفع الحرج في الجملة ، وأمّا عدمه عند غيره فكأنّه للإجماع أيضا ، وما رأيت فيهما خلافا ، أو لأنّه غير مأذون له من المالك ، ولا من الشّارع لعدم الوثوق بالحفظ ، فيصير المال في معرض التلف ، وحينئذ يجوز له

__________________

(١) في جميع النسخ (ولا يبعد) بدل ، (ولا يتقيّد) والصواب ما أثبتناه ، كما في شرح القواعد أيضا.

(٢) انتهى كلام شارح القواعد ج ١ ص ٣٣٧.

(٣) وفي بعض النسخ ، لو لم يكن له معارض.

(٤) هكذا في جميع النسخ ، والصواب (له) بدل (لها).

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ان يسافر بها ، بل يجب مع أمن الطريق.

وكذا يجوز السفر بها مع خوف التلف في الإقامة بها ، يعني إذا كان مع الإقامة بالوديعة خوف تلفها ، يجوز السفر بها ، ويمكن إيجابه حينئذ فإنّه حفظ ، والحفظ واجب ، ويمكن عدمه ، لأنّه مشقّة زائدة ، الأصل عدم وجوبها.

هذا إذا لم يكن في السّر خوف ، وأمّا إذا كان مشتركا مطلقا مع التساوي وعدمه ، ويحتمل مع التساوي أو الرجحان لا يجوز السفر بها واليه أشار بقوله : (ويجوز السفر إلخ).

وقال في شرح القواعد ، ثم الذي يراد بالسفر هنا لم أقف على تحديد ، والمتبادر منه شرعا قصد المسافة ، فعلى هذا لا يجب الردّ الّا بالخروج إلى مسافة ، وهو مشكل ، لأنّه متى خرج المستودع من بلد الوديعة على وجه لا يعدّ في يده عرفا ، يجب ان يقال أنّه ضامن ، لأنّه أخرج الوديعة من يده فقصّر في حفظها فيضمن ، وينبغي الجزم بانّ تردّده في البلد وحوله في المواضع التي لا يعد الخروج إليها في العادة خروجا عن البلد وانقطاعه عنه كالبساتين ونحوها ، لا يجب معه ردّ الوديعة ، وتعذر المالك والحاكم والثقة يكفي فيه لزوم المشقة الكثيرة التي يعدّ ذلك معها في العادة متعذّرا ، وإذا لم يجد واحدا من المالك والحاكم والثقة لم يجز له السفر بها ، ولا تركها في غير يد الثقة.

لكن يلوح من عبارة التذكرة انّه إذا التزم خطر الضمان يجوز له السفر بها حيث خيّره بين أمرين إمّا تأخير السفر أو التزام الضمان.

هذا كلّه إذا لم يكن السفر ضروريّا ، ومع الضرورة وفقد الجميع يسافر بها ولا ضمان ، إذ لا ضرر ولا ضرار.

ونقل في التذكرة على ذلك الإجماع (١).

__________________

(١) إلى هنا كلام شارح القواعد ج ١ ص ٣٧٧.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

واعلم أنّه ليس في الآيات والاخبار ما يمنع السفر بالوديعة ، ولا عدم السفر للودعي الّا بان يسلّمها الى المالك أو الحاكم أو يودعه عند ثقة ، حتّى يجب علينا تحقيق السفر ، بل هو كلام الفقهاء بل فقهاء العامة ، ثم قاله الأصحاب أيضا.

والّذي علم ، أنّه يجب حفظها على ما يقتضيه العرف والعادة حفظ ذلك الشي‌ء عن مثل هذا الشخص ، كما أشرنا إليه ، فيجوز له فعل كل شي‌ء ما لم يكن تركا للحفظ عرفا ، ولا يجب الكون عندها ، بعد وضعها في الحرز.

قال في التذكرة : لو كان الحرز خارجا عن داره التي يأوي إليها ، وكان لا يلاحظه ، فان كان يشاركه غيره ضمن ، والّا فلا.

فتأمّل فيه ، فإذا كان السفر والخروج من بلدها بحيث لا يقال عرفا انّه حافظ لها ، فلا يجوز الخروج عنها الى ذلك الحدّ ، والّا جاز وكذا كونها معه خارجا الى الصحراء لا عمارة فيها ، وفيها الإنسان ، ويحتمل وجود احد فيه يأخذ الوديعة عنها عرفا ، وقد يتفاوت ذلك في الوديعة والودعيّ والخروج والإقامة ، فإن الظاهر انّ الخروج من بلدها مع كونها محفوظا (١) في حرزها ، مع عدم إمكان دخول أحد في تلك الدار غير الشخص الذي يحفظ الدار مع إمكان تلفه من جهته و (أو ـ خ) من غيره أيضا ، لا مانع من الخروج ، الّا أنّه لا بد من الوصية والاعلام حتى ان مات لم يفت مال النّاس ولم يصر إرثا ، وكذا الخروج بها الى موضع لا يمكن (٢) التلف فيه عادة فلا يصير اليه.

وفي البلد والخارج أيضا مع الشرط المذكور وبدونه وكونه في معرض التلف مع كونه في حرز ، بأن يجي‌ء احد يهتك الحرز ، ويخرجه قهرا وجهرا أو سرّا ، إذا لم يكن الودعي ، لا يجوز له الخروج الى الخارج ، إذا كان موجبا لذلك ، وكذلك الأخذ

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب محفوظة.

(٢) في بعض النسخ يمكن التلف فيه إلخ.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

معه ، فلا فرق بين البساتين والبلد والخارج ، فتأمّل ، فإنّ الفرض ذلك على الظاهر ، لأنّه لمّا كان الغالب الخطر في السفر دون الحضر ، قالوا ذلك ، فتأمّل.

ولا بد في جواز السفر مع الضمان حصول الغرض في الجملة من الجانبين مهما أمكن.

ولكن ينبغي ان لا يكون شيئا يتعلق الغرض الكلّي بعينه ، لا بقيمته ، مثل جارية نفيسة أو قوس كذلك ، وبالجملة كل ما يكون حفظا والمال في الحرز ، يجوز فعله للودعي ، وربّما يكون كون غيره عند الوديعة في حرز احفظ لها ، بان يكون غيره شجاعا يخاف منه الناس والحراميّة ، والسراق ، ودون الودعي العدل ، مع عدم تسلّط الغير على الودعي معه والأمر من جانبه من التصرف في الوديعة.

وكذا إذا كان السفر بها احفظ من عدمه ، وكونه عند الوديعة ، بأن يكون سفرا معلوم الأمن ، وكون المسافرين كلّهم أمناء شجاع من أمن الطريق ، بخلاف البلد ، فإنّهم لو سافر هؤلاء ، وبقي السراق ، ولا يقدر الودعي مقاومتهم ، مع كون المال في الحرز ، فينبغي ان يجعل الضابطة هو الحفظ والحرز بنظره وعلمه ، ومع ذلك لا يبعد كون ذلك مع الضمان بالشرط المذكور فتأمّل.

ويتفاوت بالنظر الى المالك المودع أيضا ، وقد مرّ الى الكل اشارة فتذكر.

وممّا يؤيّد انّ نظرهم الى ما قلناه ، أنّهم قالوا : حرز الدراهم هو الصندوق ، مع انا نجد انّ الدّفن اولى له حرزا.

وقد نبّهوا أيضا على ذلك ، حيث قالوا : لو أراد السفر فدفنها ضمن ، الّا أن يخاف المعاجلة ، أي معاجلة السراق إلى الوديعة ، أو معاجلة الرفقاء في السفر عن الودعي ، والأوّل أظهر.

وقالوا : هذا إذا لم يعلم أحدا ، وأمّا إذا أعلم ثقة وكان ساكنا في الموضع

٣٠٧

ولو أنكر الوديعة ـ أو ادّعى التلف ، أو الردّ على اشكال ، أو عدم التفريط أو قدر القيمة ـ فالقول قوله مع اليمين.

ولا يبرأ لو فرط بالردّ الى الحرز.

______________________________________________________

الذي دفن فيه الدراهم ، بحيث يكون يده عليه وتعذر الحاكم والثقة معه بعد المالك ، جاز من غير ضمان ، لأنّه كالإيداع.

وهذا دليل على كون الدفن حرزا ، وهو ظاهر ، ولكن ينبغي ان يكون شيئا لا يفسده الدفن ، كالدراهم ، وهو ظاهر.

قوله : ولو أنكر الوديعة إلخ. الظاهر ان لا إشكال في أنّ القول قوله ، إذا أنكر الوديعة ، لأنّه منكر محض ، وكذا القول قوله في التّلف ، سواء كان ادّعى بسبب ظاهر أو خفّي ، لأنّه أمين في الآية والاخبار بل الإجماع (١).

والظاهر ان لا خلاف فيه أيضا ، ـ وان كان خلاف الأصل ـ للآية والاخبار وسيجي‌ء بعضها في العارية أيضا.

ولأنّه لو لم يكن كذلك ينسدّ باب قبول الوديعة ، ففي ذلك حكمة بالغة.

وانما الإشكال المذكور في كون القول قوله في الردّ ، فإنّ أصل العدم ـ مع عدم الإجماع هنا ـ دليل العدم ، بل يكون عليه البيّنة وعلى المالك اليمين بعدم الأخذ.

ولكن الأكثر وظاهر الآية بأنه أمين ، والاخبار كذلك ، وبأنّه ليس بضمان (٢) و (٣) يؤيد الأوّل فتأمّل.

قوله : ولا يبرأ لو فرّط إلخ. أي لو فرط في الوديعة ، بأن ترك ما يجب ، ويوجب الضمان ، أو فعل ما يحرم كذلك ، ضمن وأثم ، ومثل ان أخرجه من الحرز

__________________

(١) لعله إشارة إلى قوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) التوبة : ٩٣ وأمّا الاخبار فراجع الوسائل كتاب الوديعة ج ١٣ ص ٢٢١.

(٢) ولعل الصواب ، ليس بضامن.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، والظاهر زيادة كلمة واو كما لا يخفى.

٣٠٨

ويبرأ بالردّ الى المالك ، أو وكيله أو الحاكم مع الحاجة ، أو الى ثقة معها ، إذا فقد الحاكم.

ولو دفعها الى الثقة مع قدرته عليه ، أو على المالك ، ضمن.

______________________________________________________

الذي عينه المالك لا بسبب ، بل عدوان أو بقصد الخيانة ، لا يبرأ من ذلك الّا بالردّ الى الحرز التامّ الذي لا قصور فيه بوجه مّا ، لأنّه ضمن ، والأصل بقائه.

وقد مرّ تفصيله ، وأنّه يبرأ بالتسليم الى المالك أو الوكيل ، ومع عدمهما الى الحاكم ، ومع عدمه إلى الثقة.

وقد مرّ أنّه يبرأ بالإسقاط والإيداع ثانيا ، والاذن في الحفظ ، واختاره في التذكرة وفي القواعد وغيرهما ، وأنّه أحوط.

قوله : ويبرأ بالرّد إلخ. يحتمل ان يكون من تتمّة ما سبقه ، وان يكون أوّل المسألة ، وهو الأظهر ، وقد مرّ تفصيله.

قوله : ولو دفعها الى الثقة إلخ. أي لو خالف الترتيب السابق ، بأن أعطى الحاكم مع إمكان المالك أو وكيله ، ضمن مع الحاجة وعدمها ، وكذا إلى الثقة ، وكذا لو أعطاها مع إمكان الحاكم أو المالك أو الوكيل ، ضمن ، قد مرّ الكلّ.

وهذا إشارة إلى السبب الثاني الموجب للضمان ، وهو الإيداع الذي ذكره في التذكرة.

قال : إذا أودع المستودع الوديعة غيره ، فان كان باذن المالك فلا ضمان عليه إجماعا ، لانتفاء العدوان ، وان لم يكن باذن المالك ، فلا يخلو ان يودع من غير عذر أو بعذر (لعذر ـ خ) ، فإن أودع من غير عذر ضمن إجماعا ، لأنّ المالك لم يرض بيد غيره وأمانته ، ولا فرق في ذلك الغير عبده أو زوجته أو ولده أو أجنبيّا عند علمائنا اجمع إلخ (١).

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ١٩٩.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكأنّ السفر المطلق عذر مما يفهم من كلامهم أنّهم (١) لا يشترطون في السفر الحاجة والضرورة ، بل يجوزون السفر ، فيودع حينئذ.

وان المراد إذا لم يدلّ لفظ أو قرينة على جواز وضعها عند غيره ، بل يحفظها بنفسه فقط ، كما دلّ عليه قوله : (لان المالك لم يرض) فلو فهم رضاه بأيّ شي‌ء كان ، كما إذا أودع دواب عند امرأة غير برزة مستورة ، فإنّه ظاهر جواز حفظها بغيرها ممّن ترضى تلك المرأة ، فإنّ المرأة ما تقدر ان تحفظها وترعاها وتسقيها وتعلفها بنفسها ، وهو ظاهر.

وامّا الإيداع عند الغير بان يقلع نفسه عن الوديعة بالكليّة ويكون الغير ، الودعيّ ، فمعلوم أنّه لا يجوز ما لم يأذن المالك ، فتأمّل.

وأيضا إذا أودعه من الغير ، فتلف ، ضمن الدافع والمدفوع اليه ، فله ان يرجع على أيّهما شاء ، ولكن لو رجع على الأوّل لم يرجع على الثاني ، بخلاف العكس.

وهذا مع جهل الثاني لا بأس به ، ومع علمه كالغاصب ، على أنّه قد يناقش في الأوّل في الرّجوع الى الثاني مطلقا (٢) ، فتأمّل.

وقال أيضا لو عزم الودعي على السفر كان له ذلك ، ولم يلزم المقام لحفظ الوديعة ، لأنه يتبرّع (متبرّع ـ خ) بإمساكها إلخ.

كأنّه يريد : مع إمكان الدفع الى المالك أو الوكيل أو الحاكم أو الثقة بالترتيب المتقدم.

كأنّه لا خلاف فيه ، والّا فيشكل السفر بها وبدونها.

وأيضا قال : إنّه يجب قبول الوديعة كفائيا ، فيكون متبرّعا.

__________________

(١) لعل الصواب ، فإنّهم لا يشترطون.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة زاد بعد قوله : مطلقا : هكذا يفهم من ظواهر كلامهم.

٣١٠

ولو أراد السفر ، فدفنها ضمن ، الا مع خوف المسارعة.

______________________________________________________

وكأنّه لمّا كان كفائيّا كان متبرّعا ، فتأمّل.

وقال : ان سافر بها مع إمكان دفعها الى احد المذكورين بالترتيب ، ضمن عند علمائنا اجمع ، سواء كان السفر مخوفا أو أمنا (فتأمّل ـ خ).

وقال أيضا : إذا سافر بها مع الاضطرار ، بان يضطرّ الى السفر ، وليس في البلد حاكم ولا ثقة ، ولم يجد المالك ولا وكيله ، أو اتفق الجلاء لأهل البلد أو وقع حريق أو غارة أو نهب ، ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا العدل ، سافر بها ، ولا ضمان عليه إجماعا.

قوله : ولو أراد السفر فدفنها إلخ. قد مرّ شرحه ، قال في التذكرة ، لو عزم المستودع على السفر ، فدفن الوديعة ، ثمّ سافر ضمنها ، ان كان قد دفن في غير حرز ، وان دفنها في منزله في حرز ، ولم يعلم بها أحدا ، ضمنها أيضا (١) ، لأنّه ربما هلك في سفره فلا يصل صاحبها إليها ، وان اعلم بها غيره ، فان كان غير أمين ضمن أيضا ، لأنّه قد زادها تضيعا ، وان كان أمينا ، فان لم يكن ساكنا في الموضع ضمنها ، لأنّه لم يودعها عنده ، وان كان ساكنا في الموضع ، فان كان ذلك مع عدم صاحبها والحاكم جاز ، لأنّ الموضع وما فيه ، في يد الأمين والاعلام (فالاعلام ـ خ) كالإيداع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني أنّه يضمن ، لأنّه إعلام لا إيداع ، وان كان مع القدرة على صاحبها أو وكيله (٢) ضمن ، وان كان مع القدرة على الحاكم فعلى الوجهين السابقين (٣).

والوجه الثاني للشافعي يرى أوجه ، لأنّ الإيداع يستلزم إيجاب الحفظ والقبول ، على ما قالوه ، بخلاف الإعلام ، إذ حينئذ غير معلوم وجوب الحفظ وقبوله ،

__________________

(١) زاد في التذكرة بعد قوله : أيضا : لأنّه غرر بها.

(٢) هكذا في التذكرة ، وفي جميع النسخ : وان كان مع القدرة على المالك أو الوكيل إلخ.

(٣) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٠٠.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الّا ان يدلّ قرينة على انّ المراد من العلام الإيداع ، وفهم وقبل (١).

أو (وـ خ) قيل انّ السكون في الحرز (٢) مع العلم بما فيه مستلزم لليد عليه ، فدخل في يده ، فيجب ، عليه الحفظ ، مع أنّه لا يحتاج الى حفظ كثير ، وحينئذ لا وجه للثاني ، فتأمّل.

وأيضا عبارة التذكرة هنا خالية عن استثناء خوف المسارعة ، فلا فرق بين صورة خوف معاجلة السراق الى سرقتها أو معاجلة الرفقة (٣) إلى السفر ، فيلزم كون الودعي بلا رفيق ، مع اضطراره الى السفر وعدمها (عدمها ـ خ) وان كانت عبارة المصنف خالية عن الضرورة والحاجة الى السفر.

الّا ان يقال في صورة الخوف إذا ترك الإعلام ، أو كون الدفع في الحرز أو مسكن الّذي أعلمه لا يضمن ، أو كان هناك مالك أو وكيله أو الحاكم أو الأمين (٤).

الا ان يقال لخوف المعاجلة ، ترك ذلك كلّه ، ودفن ، فلا يضمن حينئذ ، الّا ان يتمكن من الاعلام وغيره ممّا شرط لعدم الضمان ، ثم ترك ، فيضمن ، فتأمّل.

قال في التذكرة : بعد ما تقدّم ـ وإذا دفن الوديعة في غير حرز عند ارادة السفر ضمن ، على ما تقدّم ، الّا ان يخاف عليها المعاجلة ، وكذا يضمن (٥) لو دفنها في حرز ولم يعلم بها أمينا أو أعلم أمينا حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين (٦).

__________________

(١) يعني وفهم الثقة أنّ مراده من الاعلام هو الإيداع وقبل الإيداع.

(٢) إشارة إلى قوله في التذكرة : وان كان ساكنا في الموضع ضمنها.

(٣) في بعض النسخ ، الرجعة بدل الرفقة ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) يعني لو حصل احد هذه الأمور لم يكن الآخر ضامنا.

(٥) هكذا في التذكرة ، وفي جميع النسخ : وكذا لم يضمن إلخ والصواب ما أثبتناه.

(٦) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٠٠.

٣١٢

ولو ادعى الاذن في الدفع الى غير المالك.

______________________________________________________

ولا يخفى انّ المتبادر من هذه العبارة انّ المراد بالمعاجلة معاجلة السراق عليها ، كما فهم الشيخ علي ، وان المراد بقوله : (وكذا يضمن إلخ) إلّا مع خوف المعاجلة ، فتأمّل.

ثم قال : كما يجوز إيداع الغير لعذر السفر ، كذا يجوز لسائر الأعذار ، كما وقع في البقعة حريق ـ الى قوله ـ أو أشرف الحرز على الخراب ، ولم يجد حرزا ينقلها اليه ، ثم قال : لو أودعه حالة السفر فسافر بها ، أو كان المستودع منتجعا فانتجع بها ، فلا ضمان ، لانّ المالك رضى به حيث أودعه ، فكان له ادامة السفر والسّير بالوديعة (١).

قال في القاموس المنتجع المنزل في طلب الكلاء ، ظاهرها يعمّ كل سفر ، والدليل لا يدلّ الّا على السفر الذي سلّمه (يسلّمه ـ خ) فيه ، فافهم (٢).

قوله : ولو ادّعى الاذن في الدفع إلخ. يعني إذا ادّعى المستودع انّ المالك اذن له في الإيداع والتسليم الى غيره ، وأنكره المالك ، فالقول قول المالك ، وضمن المستودع.

وينبغي كون ذلك مع يمين المالك ، للأصل ، ولانّ المالك منكر ، والمستودع مدّع ، وقد ثبت على المدّعى البينة وعلى المنكر اليمين.

ويحتمل كون القول قول المستودع بالأدلة السابقة الدالة على كونه أمينا ، لكون القول قوله في الردّ اليه والى وكيله ، ومختار المصنف الأوّل الذي هو الأظهر.

وهذا إشارة الى أنّ أحد أسباب الضمان هو الإيداع بغير اذنه ، وقد مرّ تفصيله.

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٠١.

(٢) يعنى أن المستفاد من الدليل جواز السفر بالوديعة إذا أودعه حالة السفر ، وامّا جواز السفر بالوديعة فهو غير مستفاد من الدليل.

٣١٣

أو أنكرها فقامت عليه البيّنة ، وادّعى التلف.

أو أخّر الإحراز مع المكنة.

______________________________________________________

قوله : أو أنكرها فقامت إلخ. إشارة إلى أنّ أحد أسباب الضمان هو إنكار الوديعة وجحودها ، فإنّه بذلك يصير خائنا فخرج عن الامانة فصار ضامنا ، فإذا ادّعى عليه الوديعة ، فأنكرها ، ثم اثبت عليه بالبيّنة الشرعيّة ، فادّعى التلف ، ضمن ، لأنّه خائن ، فلا يسمع دعوى المستودع بالتلف مع البيّنة وعدمها.

وكأنّه نقل عن ابن الجنيد في شرح القواعد القول بقبول دعواه (دعواها ـ خ) بدون البينة أيضا ، لاحتمال كون الإنكار لنسيان وسهو ، ونحوه.

وعن المصنف (١) القول بأنّه ان طلب اليمين عن (على ـ خ) الغريم له ذلك ، قيل لأنّه ان لم يحلف ينفع المستودع ، فيكلّف به ، ورضى به الشيخ عليّ أيضا.

ولا يبعد السماع (٢) ، للأصل والامانة وعدم ثبوت الضمان والخيانة بالكليّة ، خصوصا إذا أظهر (ظهر ـ خ) وجها (وجه ـ خ) لإنكاره معقولا (معقول ـ خ) فتأمّل.

هذا إذا كان الجحود بلفظ الإنكار للوديعة ، وامّا إذا كان بمثل قوله : لا يلزمني ردّ شي‌ء إليك ، ثم اثبت (عليه ـ خ) الوديعة ، فادّعى التلف ، يسمع قوله بلا بيّنة ، وهو ظاهر.

قوله : أو أخّر الإحراز مع المكنة إلخ. هذا أيضا إشارة إلى سبب الضمان وهو التأخير في الإحراز مع المكنة ، أي إذا أخّر الإحراز مع القدرة على التعجيل.

الظاهر انّ المراد التأخير زائدا على المتعارف ، وأمّا إذا كان تأخيرا قليلا في الجملة ، على الوجه المتعارف ، فليس بموجب للضمان ، بخلاف التأخير الخارج عن

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : ونحوه عن المصنف ، بدون لفظة (واو).

(٢) في النسختين المخطوطتين : ويبعد السماع.

٣١٤

أو سلم الى زوجته.

أو أخّر دفعها مع الطلب ، والإمكان.

______________________________________________________

العادة ، فإنّه موجب للضمان.

قوله : أو سلّم إلى زوجته إلخ. إشارة إلى أنّ الإيداع بغير اذن المالك موجب للضمان ، وان كان قريب الودعي ، مثل زوجته أو ولده.

إشارة إلى ردّ بعض العامّة من أنّه إذا كان قريب الإنسان مثل الزّوجة والولد وكان ثقة ، فليس الإيداع موجبا للضمان.

وقال في التذكرة : فإن أودع من غير عذر ضمن إجماعا ، ولا فرق بين ان يكون ذلك الغير عبده أو زوجته أو ولده أو أجنبيّا ، عند علمائنا أجمع ، وصرّح في موضع آخر من التذكرة والقواعد أيضا بالإيداع (١) يضمن أيضا ، ان دفعها الى الحاكم والأمين (أيضا ـ خ) أي العدل من غير عذر.

وحينئذ علم أنّه لا يجوز الإيداع إلى ثقة عدل بغير عذر ، وذلك موجب للضمان ، وقد مرّ تفصيله أيضا.

قوله : أو أخر دفعها مع الطلب والإمكان ، أي كذا يضمن لو تأخر دفع الوديعة إلى المالك مع طلبها ، وكذا الى وكيله.

وقد احتمل الضمان لو أخر بعد ان قال : أعطه لوكيل المالك من غير طلب الوكيل.

لعلّ دليل الوجوب أنّه حق مضيّق للآدمي ، والآية (٢) والأخبار الدالة على وجوب ردّ الأمانة إلى أهلها (٣) والأمر للفور هنا ، كأنّه للإجماع ، وكأنّه هو دليل أصل الحكم أيضا.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ، أنّه بالإيداع يضمن أيضا.

(٢) قال الله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ، النّساء : ٦٢.

(٣) راجع الوسائل الباب ١ و ٢ و ٣ من أبواب الوديعة.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وامّا دليل الضمان فكأنّه الإجماع ، وانّ التقصير موجب للضمان.

ولعلّ مرادهم بالتأخير هو ما يصدق عليه ذلك ، قال في القواعد : وليس استتمام غرض النفس كمن كان في حمّام أو على طعام عذرا قال شارحه : لأنّ أداء الأمانة واجب مضيّق ، فلا يجوز التشاغل عنه بمثل هذه الأشياء ، ومن ذلك صلاة النافلة والفريضة ، إذا لم يكن في أثنائها ، ولم يتضيّق الوقت ، وهو الذي اختاره في آخر كلامه في التذكرة ، ويجب عليه الذهاب بمجرى العادة ، وهذا كلّه إذا كان الأداء ممكنا ، فمتى أخّر حيث لا يجوز له التأخير ، ضمن (١).

هذا صريح في انّ المراد بالتأخير مطلق التأخير ، ولو كان قليلا ، فليس التأخير عرفيّا ، كما قيل في الشفعة وغيرها ، فتأمّل.

وما رأيت ما ذكره في التذكرة ، وكان في نسختي بياضا ، فكأنّه في ذلك البياض.

وفيه دلالة على إتمام الصلاة الفريضة ، لو حصل الطلب بعد الشروع مطلقا ، في سعة الوقت وضيقه ، فإنّ قطع الفريضة حرام بالنّص والإجماع.

وكذا يدلّ على عدم تحريم الشروع فيها إذا كان الوقت مضيّقا لا يسع أداء كلّها في الوقت ، الا بترك الوديعة.

ويدلّ أيضا على وجوب قطع النافلة مطلقا ، فكأنّ كلّ ذلك للإجماع للجمع بين الحقين ، الصلاة في الأداء وردّ الوديعة ، إذ لا وقت له أداء ، فتأمّل.

ويدلّ على عدم جواز الشروع فيها في سعة الوقت ، بل سائر العبادات المنافية لردّ الوديعة ، بل سائر الحقوق المضيّقة الفوريّة ، كما هو مذهب المصنّف ، فدلّ على أنّ الأمر بالشي‌ء يدلّ على النهي عن ضدّه الخاص ، فانّ مع سعة الوقت يجب

__________________

(١) انتهى كلام شارح القواعد ج ١ ص ٣٤٠ من الطبعة الحجريّة.

٣١٦

أو فرط بطرحها (فطرحها ـ خ) في غير الحرز ، أو ترك سقي الدابة ، أو نشر الثوب.

______________________________________________________

تقديم حق الآدميّ مطلقا ، وديعة أم لا ، زمانيّة وغيرها ، لفورية وجوب الجمع بين الحقين مهما أمكن ، مع عدم خروج أحدهما عن وقته فمنع (١) وجوب ردّ الوديعة حين الشروع في الصلاة ـ وكذا منع وجوب سائر الحقوق الآدميّين المضيقة ، كما فعله الشارح في كتاب الدين ـ بعيد ، فتكون الصلاة حينئذ باطلة ، لأنّ النهي في العبادة يدل على الفساد ، كما ثبت في الأصول ، فثبت بطلان الصلاة في سعة الوقت ، مع حق الآدمي المضيّق ، كما هو رأى المصنف وجماعة ، بل عند الشارح أيضا.

فسقط (فيسقط ـ خ) قول الشارح بأنّ الأمر بالشي‌ء لا يستلزم النهي عن ضدّه الخاص ، بل ضدّه العام فقط (٢) ، وبأنّه لا يسلّم وجوب الردّ حينئذ ، إذ الصلاة أيضا واجبة كالأداء ، فيكون الأداء واجبا فوريّا في غير وقت الصلاة مطلقا ، وان الصلاة مع السعة صحيحة ، وكذا سائر العبادات مع المنافاة على هذا الوجه.

فكأنّ الشارح هنا رجع عن قوله ، وقال بقول المصنف ، أو انّ مراده بيان رأى المصنف لا رأيه ، لكن ينبغي الإشارة إليه ، لأنّه يفهم منه فتواه ، وقد مرّ البحث في هذه المسألة (في هذا الكتاب خ) مرارا (٣) ، فتذكر وتأمّل.

قوله : أو فرّط بطرحها إلخ. إشارة إلى سبب آخر موجب للضمان ، وهو التقصير في الحفظ ، امّا بترك وضعها في الحرز المقرّر ، بل وضعها في غيره ، وقد مر تفصيله أيضا ، وامّا بترك دفع مهلكاته بمثل سقي الدابّة وعلفها ، ونشر الثوب الى الهواء ، لدفع ما يفسده من الدود ونحو ذلك.

وقد مرّ تفصيل ذلك أيضا في التذكرة ، وأنّه يضمن بالترك ولو مرة مطلقا

__________________

(١) في جميع النسخ ، فمع بدل (فمنع) والصواب ما أثبتناه.

(٢) يعني بل يستلزم النّهي عن ضدّه العام فقط.

(٣) راجع كتاب الطهارة والصلاة من مجمع الفائدة.

٣١٧

أو سافر بها مع الأمن و (أو ـ خ) الخوف.

______________________________________________________

(أو بعض مرة ـ خ) سواء تلف أو لم يتلف ، وعاد الى فعل ما يجب عليه (أم لا ـ خ) ، ولأنّ عدم (١) التقصير مطلقا حرام وموجب للضمان بالإجماع ، وإذا ضمن لم يسقط بالرّجوع إلى الأمانة ما لم يؤدّها إلى المالك أو وكيله أو أبرأه أو أودعه مرّة أخرى على الأصح.

وقد مرّ ما ينافي ذلك أيضا ، بأن قال : لو ترك السقي وعلفها مدّة لا يموت الدابّة في تلك المدّة ، فماتت ، لم يضمنها ان لم يكن لها جوع وعطش سابق ، وأنّه يجب سقي الدابة وعلفها ، وان نهاه المالك ، فلو ترك ، فعل حراما لما فيه من تضييع المال المنهي عنه.

وفيه منع ظاهر ، ولهذا قال : قيل في مثل هذه المسألة بعينها : لو ترك نشر الثوب ، فتلف ، فعل مكروها.

نعم يتمّ قوله : وهتك حرمة الروح ، لانّ للحيوان حرمة في نفسه يجب إحيائه لحق الله تعالى ، ان ثبت ذلك بالإجماع ونحوه ، ثمّ قال ، في الضمان اشكال ، والأقرب عدمه ، وكذا لو ترك النشر واللبس المصلح الذي يتوقف عليه الحفظ فعل حراما ، وصار ضامنا ، الّا ان ينهاه المالك ، فاستشكل في الضمان وأفتى بالتحريم في بحث الانتفاع (وبالكراهة ـ خ) في دفع المهلكات (٢).

والظاهر الكراهة مع عدم الضمان ، لعدم الدليل ، والأصل ، وقد مرّ مفصّلا.

قوله : أو سافر مع الأمن والخوف إلخ. أي لو سافر بالوديعة ضمن وعصى ، سواء كان في السفر خوف أم لا ، بل يكون أمنا ، فإنّ مجرد السفر بها تقصير

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصّواب إسقاط لفظة (عدم) كما لا يخفى.

(٢) زاد في النسخة المطبوعة بعد قوله : في دفع المهلكات ، كنشر الثوب.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في حفظها ، لانّ السفر محلّ الحظر.

كأنّه لا خلاف (عندهم ـ خ) في ذلك ، وفي التذكرة : في الحديث انّ المسافر ومتاعه لعلى فلت : الّا ما وقى الله.

كأنّه من طريق العامّة (١).

قال في التذكرة : ولا يجوز للمستودع إذا عزم على السفر ان يسافر بالوديعة ، بل يجب دفعها الى صاحبها أو وكيله الخاص في الاسترداد أو العام في الجميع ، وان لم يوجد ، دفعها الى الحاكم ، فان تعذّر الحاكم دفعها الى الأمين ، فإن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو الحاكم أو الأمين ضمن عند علمائنا اجمع ، سواء كان السفر مخوفا أو غير مخوف (٢).

وقال فيها أيضا ، لو عزم المستودع على السفر كان له ذلك ولم يلزمه المقام لحفظ الوديعة ، ولا يكلّف تأخير السفر.

وقال في موضع آخر : كما يجوز الإيداع لعذر السفر ، يجوز لسائر الاعذار.

والظاهر ان ذلك مع وجود من يسلّمها اليه من المالك ووكيله أو الحاكم أو الأمين ، كما أشار إليه في التذكرة وسننقلها ، ثمّ ذكر دفعها الى المالك أو غيره بالترتيب الذي تقدّم.

وقال : لو خالف الترتيب ضمن ، فيحتمل ان يكون المراد هنا ان يسافر وترك ، وأودعها على غير ذلك الترتيب المتقدّم الذي يجوز ويسقط (مسقط ـ خ) للضمان ، سواء كان في بلد الإيداع الأمن أو الخوف ، والظاهر الأوّل.

نعم لو سافر بها مع الأمن في السفر والخوف في الحضر ، أو سافر بها مع

__________________

(١) لم نقف عليه مع الفحص الشديد ، ولعل عبارة الحديث هكذا : انّ المسافر ومتاعه لعلى خطر إلخ ويمكن ان تكون : لعلى فلت إلخ.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٠.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم من يجوز الإيداع عنده ـ ممّن تقدم ، بل يوجد غير العدل الذي قد ذكره في التذكرة وغيرها : أنّه لو أودع عنده ، وسافر ، يضمن بالإجماع ، وكان مضطرا الى السفر ـ لم يضمن أيضا (١).

قال : لو اضطر المستودع الى السفر بالوديعة ـ بأن يضطر الى السفر ، وليس في البلد حاكم ولا ثقة ، ولم يجد المالك ولا وكيله ، أو اتفق جلاء لأهل البلد ، أو وقع حريق أو غارة أو نهب ، ولم يجد المالك ولا وكيله ولا العدل ـ سافر بها ، ولا ضمان عليه إجماعا لأنّ حفظها حينئذ في السّفر بها ، والحفظ واجب ، فإذا لم يتمّ الّا بالسفر بها ، كان السفر بها واجبا ، ولا نعلم فيه خلافا (٢).

هذا فيما إذا كان السفر غير مخوف ظاهرا ، امّا مع الخوف ولا سيّما مع الخوف الراجح على خوف البلد أو المساوي لوضعها في البلد إمّا بدفعها أو وضعها عند غير العدل ، بحيث يكون له ديانة ، بحيث يظن أو يعلم حفظه ، إذ قد يوجد مثله كثيرا.

وبالجملة ، إذا كان الدفن احفظ ، لا يسافر بها ، وإذا وجد من كان الوثوق بحفظ الوديعة في يده أكثر من كونه في يد المستودع في السفر ، لا يبعد حينئذ تجويز إيداعها ، بل وجوبه في بعض الأحيان ، خصوصا إذا كان المستودع أيضا غير عدل ، وكون أمانة المستودع الثاني أكثر منه أو مساويا ، أو رضى المودع بكونه في يد مثله ، بل أقلّ امانة ، فالعمل بأمثال هذه القرائن ، أو علم منه جواز الإيداع بوجه غير بعيد بل الظاهر أنّه متعيّن ، ومقدّم على السفر بها مع الخوف الغالب أو المساوي ، بل مطلق الخوف ، فتأمّل.

__________________

(١) الظاهر انّ قوله : لم يضمن جواب لقوله : لو سافر بها إلخ وما في بعض النسخ المخطوطة : ولو كان مضطرا الى السفر إلخ ، بزيادة لفظة (لو) غير صحيح ، كما لا يخفى.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٠.

٣٢٠