مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ قال : وكذا الخلاف فيما لو قال : لا تقفل عليها فقفل ، أو قال : لا تقفل عليها الّا قفلا واحدا فقفل قفلين ، أو قال : لا تغلق الباب (باب البيت ـ خ) ، فغلق (فأغلق ـ خ) (١).

لا خفاء في أنّ هذا الكلام يدلّ على انّ مجرد المخالفة ليس بسبب للضمان بل هي مع التلف بسببها.

ويدلّ عليه أيضا ، ما نقله عن التذكرة في شرح قوله : ويجب سقي الدابة (٢).

وهذا غير بعيد للأصل ، وللآية (٣) ، والاخبار الكثيرة الصحيحة المعتبرة الدالة على عدم الضمان عموما ، كما سيجي‌ء ، وخرج ما تحقق التلف بسبب المخالفة لدليله ، بقي الباقي تحته.

ولأنّه ما تلف بسببه فلا معنى لتضمينه ، ومجرّد مخالفته التي لا تجوز ـ إذا لم تؤدّ اليه ـ ، لم يصر سببا للضمان ، للعقل ، ولا نقل صريحا ينافيه.

ولكن يظهر من شرحي القواعد والشرائع ، ومن التذكرة وغيرها أيضا خلاف ذلك ، قال في التذكرة : إذا صارت الوديعة مضمونة على المستودع ـ إمّا بنقل الوديعة و (أو ـ خ) إخراجها من الحرز أو باستعمالها ، كركوب الدابّة ولبس الثوب أو بغيرها من أسباب الضمان ، ثمّ انّه ترك الخيانة وردّ الوديعة إلى مكانها وخلع الثوب ـ لم يبرأ بذلك عند علمائنا اجمع ، ولم يزل عنه الضمان ، ولم تعد أمانته ، وبه قال الشافعي ، لأنّه ضمن الوديعة بعدوان ، فوجب ان يبطل الاستيمان ، كما لو جحد الوديعة ، ثمّ أقرّ بها ، وقال أبو حنيفة : يزول عنه الضمان إلخ (٤).

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢٠٤.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، ولا يخفى ما في هذا الكلام من الاجمال ، فتذكّر.

(٣) مثل قوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (التوبة : ٩٣) وتسميته امانة لما يجي‌ء بخطه رحمه الله هكذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.

(٤) التذكرة ج ٢ ص ١٩٨.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فبين ظاهر هذين الكلامين تدافع ظاهر ، إذ فهم من الأوّل (١) انّ مخالفة المالك من حيث هو غير موجب للضمان

ومن الأخير (٢) يفهم أنها سبب للضمان (٣) وقد قال إنّه تقصير وإنّه سبب للضمان ، حيث قال : انّ السبب الجامع لموجبات الضمان هو التقصير ـ الى قوله ـ وهو سبعة الخامس المخالفة في الحفظ إلخ.

وقال أيضا : اعلم انّ الوديعة تستتبع أمرين الضمان عند التلف ، والردّ عند البقاء ، لكنّ الضمان لا يجب على الإطلاق ، بل انما يجب عند وجود أحد أسبابه ، وينظمها شي‌ء واحد ، وهو التقصير ولو انتفى التقصير فلا ضمان ، لأنّ الأصل في الوديعة أنّها امانة محضة ، لا يضمن بدون التعدي أو التفريط ، ثم نقل الاخبار من طريق العامة (٤) والخاصة منها حسنة زرارة أنّه سئل الصادق عليه السّلام عن وديعة الذهب والفضّة؟ قال فقال : كلّما كان من وديعة ، ولم تكن مضمونة فلا تلزم (٥) ، وحسنة الحلبي عن الصادق عليه السّلام ، قال : صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان (٦) ، وغيرهما من الاخبار الكثيرة ، ولأنّ الله تعالى سمّاها امانة ، والضمان ينافي الأمانة ـ إلى قوله ـ ولم يظهر لهم مخالف فكان إجماعا (٧).

وبالجملة ظاهر الأدلة يقتضي عدم الضمان الّا بالتلف ، في صورة المخالفة أيضا بسببها ، وانها تعود أمانة ، إذا عاد (عادت ـ خ) الى ما أمر به (٨) الّا ما ثبت

__________________

(١) في نسخة من النسخ المخطوطة بدل قوله : إذا فهم من الأوّل ـ إلى قوله ـ للضمان ، هكذا : إذ مخالفة المالك في الحرز وترك سقي الدابة سبب للضمان ، وقد قال أنّه تقصير إلخ.

(٢) يعني ما تقدّم من قوله : وحكم أيضا انّه لو فعل ما هو الأحرز إلخ.

(٣) يعني ما قاله أخيرا : إذا صارت الوديعة إلخ.

(٤) عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : ليس على المستودع ضمان. السنن الكبرى : ج ٦ ص ٦٨٩ حديث ٣ وفيه «ليس على المستودع المخل. إلخ» وقال صلّى الله عليه وآله : من أودع وديعة فلا ضمان عليه. المصدر ، حديث ٢ وفيه «من استودع» وهو الصحيح.

(٥) الوسائل الباب ٤ من أبواب الوديعة الرواية ٣.

(٦) الوسائل الباب ٤ من أبواب الوديعة الرواية ١.

(٧) التذكرة ج ٢ ص ١٩٧ وص ١٩٨.

(٨) في النسخة المطبوعة : وأنّه يعود أمينا إذا عاد الى ما أمر به الّا ما ثبت إلخ.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الخروج عنه ، مثل الإنكار ثمّ الإقرار ، ونحو ذلك ، الّا أن يثبت الإجماع الذي ذكره ، بحيث لا يكون بينه وبين غيره ـ مما نقلناه آنفا وننقله أيضا ـ منافاة ، فتأمّل (١).

بأن يقال : المقصود في الأوّل هو وضع اليد على غير وجه شرعي مثل الركوب واللبس ، فإنه لا شك انّه (ان ـ خ) يصير هذا اليد غير شرعي ، لأنّه غير مأذون ، فيكون ضامنا ، حتى ثبت الأمان (الاذن ـ خ) من المالك ، امّا بوضعه على يده ، ثمّ الأخذ أمانة ، أو القول بهذا والضمان باليد ثانيا ، وإسقاط الضمان على الاحتمال القريب ، بخلاف الصورة المخالفة للمالك في الحرز ، فإنّه تقصير في الحفظ ، وليس بتصرّف ووضع يد عدوانا ، فتأمّل فيه.

وكذا التقصير بعدم السقي والعلف ، فإنّه ترك لا فعل وضع لليد.

أو يقال (٢) مخالفة المالك وعدم حفظها من أسباب الضمان مطلقا ، والمقصود في الكليّة ذلك ، فتأمّل فيه ، ففيه ما فيه.

ولا يدل على الكليّة رواية محمّد بن الحسن الصفار ، قال : كتبت الى أبي محمّد عليه السّلام رجل دفع الى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه إذا خالف امره و (أو ـ خ) أخرجها عن ملكه؟ فوقّع عليه السّلام ، هو ضامن لها إنشاء الله (٣).

__________________

(١) ويمكن ان يقال ـ في دفع المنافاة ـ انّ النقل عن الحرز الذي عيّنه المالك مطلقا ليس بتقصير ولا موجب للضمان بل إذا كان للمالك أو نهى عنه ، وامّا غيره فصرّح في التذكرة ـ في بحث النقل ـ انه يجوز حينئذ ، ولا ضمان ، فيكون المراد بعدم الضمان هذا ، وأيضا مطلق ترك علف الدابة ليس كذلك ، بل إذا كان مدّة يجوز فيها الدابة فتأمّل منه رحمه الله (هكذا في هامش بعض النسخ المخطوطة).

(٢) الظاهر انه عطف على قوله : بان يقال المقصود إلخ.

(٣) الوسائل الباب ٥ من أبواب الوديعة الرواية ١ وزاد فيه ـ كما في الفقيه والتهذيب ـ بعد قوله وديعة : وأمره أن يضعها في منزله أو لم يأمره.

٢٨٣

ولا يجب الحفظ ، لو طرحها عنده من غير قبول ، أو أكره على القبض.

______________________________________________________

وهي صحيحة ، لكنها مكاتبة ، ولم تدلّ الّا على الضمان مع التلف في بيت جاره ، مع مخالفته للمالك ، وهو ظاهر وأيضا يدلّ كلام التذكرة السابق على أنّ المخالفة إذا كانت للاحتياط على الوجه الاولى بزعم الودعي ، لا يكون سببا للضمان مطلقا.

وهو أيضا محلّ التأمّل ، لأنّ المالك غير راض ، بل نهى عن ذلك الفعل ، فكيف لا يكون ضامنا ، خصوصا إذا كانت المخالفة ممّا يمكن ان يكون هو السبب ، كما أشار إليه مالك ، فتأمّل.

وقال أيضا في التذكرة : السبب الجامع لموجبات الضمان هو التقصير ، فلا بدّ من الإشارة الى ما به يصير المستودع مقصّرا ، وهي سبعة ينظمها مباحث ، يذكر لكل سبب بحثا.

الأوّل الانتفاع بالوديعة ، مثل لبس الثوب وركوب الدابّة.

الثاني إيداعها من غير اذن.

الثالث نقل الوديعة كذلك.

الرابع التقصير في دفع مهلكات الوديعة.

الخامس المخالفة في كيفيّة الحفظ.

لعل السّادس والسابع الإنكار والجحود والامتناع من الردّ وتأخيره.

وهذا الكلام صريح في كون المخالفة سببا للتقصير ، فيشكل التوجيه وتخصيصه بما إذا لم ير أنّه أحوط وأحرز ، كما يظهر من ظاهر كلامه بعده ، كما نقلناه من مخالفة نهى المالك عن وضع الصندوق تحت الرأس ، وغلق باب البيت ونحوهما.

قوله : ولا يجب الحفظ إلخ. يعني لو وضع المودع الوديعة عند شخص ، يريد إيداعها إيّاه ، بحيث فهم كون مراده الإيداع ، وهو ظاهر في مثل هذا المقام ،

٢٨٤

ويجب سقي الدابة وعلفها بنفسه وبغلامه ، ولا يخرجها من منزله (منزلها ـ خ) للسقي ، إلّا مع الحاجة.

______________________________________________________

سيّما الإتيان بلفظ «ها» (شي‌ء ـ خ) الراجع إلى الوديعة ، وما قبلها ذلك الشخص لم يجب على ذلك الشخص حفظها ، ولم يضر بذلك ودعيّا ، وان لم يردّه ولم يتكلّم ما لم يقبل قولا أو فعلا ، وإذا قبل صار ودعيّا ، يجب عليه ما يجب على الودعي ، سواء وجد من المالك المودع لفظ صريح أو تلويح واشارة مفهمة دالة على كونها وديعة ، إذ قد عرفت انّ الإيجاب والقبول ليسا بمنحصرين في اللّفظ الصريح ، بل يجوز بالتلويح والإشارة والفعل ، صرّح به في التذكرة وشرح الشرائع أيضا.

على أنّ الظاهر من القبول هو القبول القولي ، فقول شرح الشرائع في شرح هذه ـ المراد بالقبول هنا القبول الفعلي خاصّة ـ لأنّ القبول اللفظي غير كاف في تحقق الوديعة قطعا ، بل لا بدّ معه من الإيجاب ، ولم يحصل هنا بمجرد الطرح وأمّا الفعل فقد عرفت أنّه يجب معه الحفظ ، سواء تحققت به الوديعة أم لا نظرا الى ثبوت حكم اليد ، وحيث يحصل القبول الفعلي هنا انّما يجب حفظها ، لأنّها وديعة شرعيّة إلخ ـ محلّ التأمّل ـ لما مرّ.

وأيضا إذا لم يكن وديعة يكون أمانة شرعيّة يجب ردّها في الحال ، وهو ظاهر ، إذ وضع اليد على مال الغير على وجه شرعيّ ـ بدون اذن المالك ـ هو الأمانة الشرعيّة على ما عرفته (على ما عرفت به ـ خ) ، وقد فرض الطرح بحيث ما فهم ان مراده به ، حفظه عن طرحه عنده وان كان بعيد جدّا ، فإذا تصرف فيه بقصد الردّ والحفظ يجب حفظه ، ويكون أمانة شرعيّة ، فتأمّل.

وكذا لا يجب الحفظ على من اكره على القبض ، فإن الوديعة بل مطلق وجوب حفظ مال الغير مقيّد بما إذا وضع اليد عليه من غير اكراه ، خصوصا عن المالك ، وهو ظاهر ، ففيه إشارة إلى اشتراط الرّضا في القبول اللفظي والفعلي ، فتأمّل

قوله : ويجب سقي الدابّة إلخ. هذا من فروع السبب الرابع للضّمان

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الّذي أشار إليه في التذكرة ، قال : الرّابع التقصير في دفع المهلكات يجب على المستودع دفع مهلكات الوديعة ، وما يوجب نقص ماليّتها ، إذ الحفظ واجب ، ولا يتمّ الّا بذلك ، فلو استودع ثياب صوف وجب على المستودع نشرها وتعريضها للرّيح بمجرى العادة لئلا يفسدها الدود ، ولو لم يندفع الفساد الّا بان يلبس وتعبق بها (١) رائحة الآدمي ، وجب على المستودع لبسها ، فان لم يفعل ، ففسدت بترك اللبس أو تعريض الثوب للرّيح كان ضامنا ، سواء أمره المالك ، أو سكت عنه امّا لو نهاه عن النشر وفعل ما يحتاج اليه الحفظ ، فامتنع من ذلك حتى فسدت ، فعل مكروها ولا ضمان عليه ، وبه قال أكثر الشافعية ، ولهم وجه آخر (٢) ، انّ عليه الضمان (٣).

الظاهر انّ مثل هذا الشخص الذي نهى عن فعل ما يحتاج إليه في الحفظ سفيه ، ان كان عالما بالتلف ، مع امتثال النهي (٤) فيجب حينئذ حفظ هذا المال ، وفعل ما يحتاج اليه الحفظ ، الى ان يسلّم المال الى الناظر ، ويجب مبادرة ذلك ، كما (على ما ـ خ) يفهم من كلامهم ، فإنّه أمانة شرعيّة ، في أمثال ذلك ، الّا ان يشترط فيه حكم الحاكم ، فيحجره معه لا بدونه ، فيكون وديعة ، وان كان جاهلا ، ينبغي اعلامه ، وعلى تقدير عدم العلم والاعلام ، وعلم الودعي (٥) ، ينبغي وجوب الحفظ ، وفعل ما يحتاج اليه ، والّا يلزم الضمان.

__________________

(١) العبق بالتحريك مصدر قولك عبق به الطيب من باب تعب عبقا ، لزق به وظهرت ريحه بثوبه أو ببدنه فهو عبق (مجمع البحرين).

(٢) وفي جميع النسخ وجوه أخر ، والصواب ما أثبتناه ، كما في التذكرة أيضا.

(٣) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٢.

(٤) في بعض النسخ المخطوطة : مع الانتهاء بالنهي بدل قوله : مع امتثال النّهي.

(٥) يعني وعلى تقدير عدم علم المالك بالتلف عند عدم نشر الثوب مثلا وعدم إعلام الودعي المالك وانّ الودعي يعلم بأنّ عدم نشر الثوب موجب للتلف ينبغي وجوب الحفظ.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي ان يكون الوجوب والضمان على الودعي ، مع علمه وتقصيره عمدا عالما ، للأصل وعدم تكليف الغافل ، وما تقدم من كونه أمينا غير ضامن بالآية والاخبار (١) الّا ما ثبت بالإجماع ، أو بدليل غيره ، وما نعرفه الا فيما قلناه.

ويحتمل ترتّب الضمان على التلف بالترك مطلقا ، فإنّه سبب ، فلا يحتاج الى العلم ، كما هو ظاهر بعض العبارات ، فتأمّل.

ثمّ انّ قوله : (فسدت بترك اللبس إلخ) أنّه لو فسدت مع الترك ، ـ لا بسبب الترك ـ بان سرقت مثلا ـ لم يكن ضامنا ، وهو أيضا خلاف ما سبق من الضابطة ، فتأمّل.

واعلم أنّه قال في التذكرة ، في بحث الانتفاع : اما لو نهاه المالك عن الاستعمال للحفظ ، فامتنع حتى فسدت ، لم يكن ضامنا ـ الى قوله ـ : وهل يكون قد فعل حراما؟ اشكال ، أقربه ذلك ، لأنّ إضاعة المال منهيّ عنها ، وعند الشافعي ، أنّه يكره (٢).

وينبغي التحريم في ترك النشر اولى (٣).

والظاهر عدمه مطلقا للأصل وعدم تمام دليله وهو ظاهر.

ثمّ قال : إذا كانت الوديعة دابّة أو آدميّا وجب على المستودع القيام بحراستها ومراعاتها وعلفها وسقيها ، ثم لا يخلو اما ان يأمره المالك بالعلف والسقي أو نهاه (ينهاه ـ خ) عنهما أو يطلق الإيداع ، فإن أمره بالعلف والسقي وجب عليه فعلهما ورعاية المأمور به ، فان امتنع المستودع من ذلك ، حتى مضت مدّة يموت مثل الدابّة في مثل تلك المدّة نظر ، ان ماتت ضمنها ، وان لم تمت دخلت في ضمانه ، وان

__________________

(١) أما الآية فهي إشارة إلى قوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) التوبة : ٩٣ واما الاخبار فراجع الوسائل الباب ٤ من كتاب الوديعة ج ١٣ ص ٢٢٧.

(٢) التذكرة ، ج ٢ ص ١٩٨.

(٣) يعني بطريق اولى.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نقصت ضمن النقصان ، وتختلف المدة باختلاف الحيوان قوّة وضعفا ، فان ماتت قبل مضى تلك المدّة لم يضمنها ، ان لم يكن بها جوع وعطش سابق ، فان كان وهو عالم ضمن ، وكذا لو كان جاهلا ، وللشافعية في الجاهل وجهان (١) ، أظهرهما عندهم عدم الضمان ، وعلى تقدير الضمان لهم وجهان هل يضمن الجميع أو بالقسط ، كما لو استأجر دابّة لحمل قدر فزاد عليه (٢).

واعلم انّ هذه الكلام أيضا صريح في أنّ التقصير مطلقا لا يوجب الضمان دائما ، بل مع التلف به أيضا لم يضمن ، إذا لم يكن التقصير متلفا ومهلكا عادة.

هذا إذا لم يكن الحكم بعدم الضمان هناك لاحتمال الموت بغير هذا السبب ، بل لكونه (نادرا ـ خ) غير مهلك ، والّا فلا ، وقد مرّ ما يدلّ على خلافه مع وجه الجمع ، وما فيه ، فتأمّل.

وأنّه ان كان مهلكا غالبا ولم يهلك ، هو موجب (٣) للضمان دائما ، للتلف والنقصان ، وانّ الجوع (٤) السابق مع جهل المستودع به مثل العدم ، فينبغي حينئذ عدم الضّمان ، كما إذا ماتت قبل مضىّ تلك المدّة.

وبالجملة (لأنّه ـ خ ل) ان جعل الضمان مرتبا على التقصير بان يكون بعده ـ وان كان لشي‌ء آخر فيه دخل (أم لا ـ خ) ـ فينبغي ان يحكم بالضمان أيضا مع التلف بالتقصير دون المدة المذكورة ، مع عدم عطش سابق وجوع كذلك ، والّا فينبغي ان يكون ضامنا مع العلم لا بدونه ، لأنّه حينئذ يصير مثل المدّة التي يعيش لم

__________________

(١) في التذكرة بعد قوله وجهان : كالوجهين فيما إذا حبس من به بعض الجوع ، وهو لا يعلم حتى مات ، وأظهرهما إلخ.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٢.

(٣) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب ، فهو موجب إلخ.

(٤) هكذا في النسخة المطبوعة وفي جميع النسخ المخطوطة الرجوع بدل الجوع ، والصواب ما أثبتناه.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يمت فيه عادة ويموت.

وبالجملة ، أدلة عدم الضمان قويّة حتى يثبت الناقل ، وعلى تقدير الضمان ينبغي التقسيط لأدّلة عدم الضمان ، ولانّ الموجب هي (هما ـ خ) فتأمّل.

ثم قال : وان نهاه المالك عن العلف أو السقي فتركهما ، كان عاصيا ، لما فيه من تضييع المال المنهي عنه شرعا ، وهتك حرمة الرّوح ، لأنّ الحيوان له حرمة في نفسه يجب إحياؤه ، ولحق الله عزّ وجلّ ، وفي الضمان اشكال ، أقربه العدم ، وهو قول أكثر الشافعيّة ، كما لو قال : اقتل دابّتي ، فقتلها ، وأمره برمي قماشه في البحر ، فرماه ، أو أمره بقتل عبده فقتله ، فإنّه يأثم ولا ضمان عليه ، كذا هنا (١).

دليل عدم الضمان ما تقدّم غير مرّة ، ودليل الإثم مذكور ، ولكن قد لا يسلّم كون ترك علف دابّة الغير ، مع نهي صاحبه ، تضييع مال منهي عنه.

ولهذا قال في التذكرة : لو ترك النشر مع نهي المالك ، لم يضمن ، ولا يأثم ، مع وجود التضييع مثل الحيوان ، وكذا إذا قال : اطرح قماشي في البحر ، فتأمّل.

نعم ان ثبت ذلك ، فيدلّ على الإثم ، وكذا قوله : (لأنّ الحيوان إلخ).

لعلّ دليله الإجماع والعقل في الجملة ، ويمكن الفرق بين ما ذكره الشافعي من الرّمي وغيره وبين ما نحن فيه ، لأنّه هناك فعل ، وهنا ترك فعل ، وعدم تصرّف مال الغير.

ثمّ انّ الظاهر أنّ المالك سفيه فيجي‌ء فيه حكم إيداع السفيه ، فيبطل الّا ان يقال : باشتراط حكم الحاكم في حجر السفيه ومنعه عن التصرفات مطلقا ، ولم يحجره الحاكم بعده ، وأنّه يصحّ إيداعه بدونه ، أو يكون جاهلا ، أو أنّه معذور بان يكون النهي بسبب خاص من قبل (قبيل ـ خ) قولنج ونحوه ، فتأمّل.

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٣.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ انّ الظاهر أنّ حكم الإطلاق ، هو حكم الأمر بالعلف والسقي ، لوجوبه عليه ، فكأنّه قال : وديعة عندك ، وأعلفها ، واسقها ، والأمر الضمني هنا موجود ، وحكمه حكم الصريح ، أشار إليه في التذكرة.

ثمّ قال : لا خلاف في أنّه يجب على المستودع الإنفاق على الدابّة والآدمي من ماله ، لأصالة البراءة والتضرّر المنفي شرعا ، لكن ان دفع اليه المالك النفقة فذاك ، وان لم يدفع إليه ، فإن كان المالك قد امره بعلفها وسقيها رجع به عليه ، لأنّه أمر بإتلاف ماله فيما عاد نفعه اليه ، فكان كما لو ضمن عنه مالا بأمره ، وادّاه عنه.

فيه تأمّل إذ الأمر بهما أعمّ من الرّجوع ، وفي الضّمان أيضا ما أشرنا اليه ، الّا ان يقال انّه إجماعي ، فإنّ العادة اقتضت ذلك فتأمّل.

وأمّا إذا نهاه أو لم يأمره ، ولا ينهاه ، فإن أمكن الرّجوع اليه وأخذ النفقة منه أو من وكيله فذاك ، والّا جعل امره الى الحاكم ، يفعل ما يرى ، وان لم يمكن ، يمكن ان يجب على ما قالوه من الوجوب مع النهي أيضا ، فتأمّل ، والرّجوع اليه مع قصد ذلك ، بل ينبغي الإشهاد على ذلك لو أمكن ، وينبغي الرّجوع في صورة النهي أيضا مع قصد الرّجوع ، أو إيجاب الإنفاق.

ولكن استشكل في التذكرة ، قال : ولو ترك المستودع الإنفاق ، مع إطلاق الاستيداع ، ولم يرجع (ولم يرفعه ـ خ) الى الحاكم ، ولم (ولا أنفق ـ خ) ينفق عليها ، حتّى تلف ، ضمن ، ان كانت تلفت من ترك ذلك ، لأنّه تعدّى بتركه ، وان تلفت في زمان ، لا يتلف في مثله لعدم العلف ، لم يضمن ، لأنّها لم تتلف بذلك ، ولو نهاه عن السّقي والعلف ، لم يضمن بترك ذلك ، على ما تقدم من الخلاف وهل يرجع على المالك؟ إشكال ، ينشأ من تبرّعه بالإنفاق وعدمه (١).

__________________

(١) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٣.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد مرّ مثل هذه العبارة فيما تقدم ، وقلنا انّها تدلّ على عدم الضمان بالتقصير مطلقا ، بل إذا علم التلف به فقط ، لا الاحتمال أيضا.

والخلاف (١) إشارة إلى قول بعض بالضّمان في هذه الصورة أيضا ، والاشكال في الرّجوع ، مع وجوب الإنفاق على المالك والمستودع بعيد ، فينبغي الجزم بالرجوع على تقدير الإيجاب ، فتأمّل.

ثمّ قال : إذا احتاج المستودع إلى إخراج الدابّة لعلفها أو سقيها جاز له ذلك ، لأنّ الحفظ متوقف (يتوقف ـ خ) عليه ولا ضمان ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الطريق أمنا أو مخوفا ، إذا خاف التلف بترك السقي ، واضطر إلى إخراجها ، وان (ولو ـ خ) أخرجها من غير ضرورة للعلف ، فان كان الطريق أمنا لا خوف فيه وأمكنه سقيها في موضعها ، فالأقرب عدم الضمان ، لاطراد العادة بذلك ، وهو أظهر قولي الشافعيّة (٢) فمع عدمه بالطريق الاولى ، فلو قال : (وان أمكنه) ، لكان اولى ، ولكن ما كان (أقرب) جيّدا ، فكأنّه لذلك شرط (٣).

وكأنّه يريد بقوله : (واضطر) أنّ خوف التلف بترك السّقي أكثر من تلفه في الطريق لخوفه وأيضا انّ خلاف الأقرب قول بعض الشافعية وان كان الموجود في بعض ظاهر عبارات الأصحاب ، مثل الكتاب أنّه لا يخرجها من منزله للسقي ، إلا مع الحاجة ، يدلّ على عدم جواز الإخراج إلّا مع الضرورة والحاجة فيضمن ، فكأنّه مقيّد بما قاله هنا من عدم الأمن أو مع عدم العادة ، بل كون العادة السقي في البيت أو خوف التبرّد ونحو ذلك.

ثمّ قال : إذا تولّى المستودع السّقي والعلف بنفسه أو أمر به صاحبه أو غلامه ، وكان حاضرا لم تزل يده ، فذاك ، وان بعثها على يده السقي (للسقي ـ خ) أو

__________________

(١) يعني في كلام العلامة قدّس سرّه في التذكرة.

(٢) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٣.

(٣) التذكرة ج ٢ ص ٢٠٣.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

امره بعلفها ، واخرج (إخراج ـ خ) الدابة من يده ، فان لم يكن صاحبها (صاحبه ـ خ) أو غلامه أمينا ضمن ، وان كان أمينا ، فالأقرب عدم الضمان ، لقضاء العادة بالاستنابة في ذلك ، وهو أظهر وجهي الشافعي (الشافعيّة ـ خ) (١) ، فينبغي ان لا يكون الخلاف في جواز السقي والعلف بالإخراج بيد الغلام والصاحب مع العادة ، وكون المستودع ممّن لا يتعاطى مثله بنفسه ، لأنّ إيداع مثله تجويز لذلك ، وينبغي كذلك في جميع صور الإيداع ، في جميع الأمور مثل حفظ المتاع بالليل وكنسه وبسطه ونشره الى الهواء ونحو ذلك.

وأنّه إذا كان هو حاضرا بنفسه ناظرا اليه ـ بحيث يغيب عنه بحيث لا يمكن (٢) الخيانة.

لا يكون فيه أيضا ضمان واثم ، للعادة والعلّة ، وانّ مجرد وضع علف أو ماء قدّامه ليس تصرفا موجبا للضمان ، بل المراد الإعطاء بيده لذلك ، كما يفهم من قوله : (أو أمره بعلفها وإخراج الدابة من يده) وما قبله.

والظاهر أنّه يريد بالأمين هنا الذي يوثق بأنّه لم يخن الوديعة ، ولم يخالف ما أمر به غالبا وعادة ، ويمكن ارادة العدل فيشكل الأمر.

ولعلّ المراد بالصاحب كل من يصلح لذلك.

والظاهر أنّه لا يضرّ كون الوديعة في البيت محفوظا (محرزا ـ خ) مع وجود اهله وأولاده فيه بحيث يرونها ، وان كان في بعض الأوقات ، وهم يكونون في بيت الوديعة فقط للعادة ، بأن كان بساطا (فان تساهلا ـ خ ل) مثلا إذا كانت الوديعة محفوظة في البيت الذي هو حرزه ، وفي البيت أهل الإنسان وأولاده ، وقد يغيب

__________________

(١) يعني قال : فان كان الطريق أمنا إلخ.

(٢) في بعض النسخ : ولا يمكن الخيانة بدل بحيث لا يمكن الخيانة.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عنهم للصلاة وللزيارة والضيافة ، بل قد يكون الليل غائبا عنها ، فيمكن ان لا يضرّ مثله ، للعادة ، مع كون الأولاد والأهل أمينا ، بالمعنى المتقدّم ، وعلى تقدير التلف لم يكن ضامنا ، للعادة ، وعدم تكليف أكثر من ذلك ، فانّ التكليف لحفظ أمر قليل ـ مثل بسط عتيق (عفيق ـ خ) بمثل هذا التكليف الخارج عن العادة بلا دليل واضح ونصّ ـ لا يخلو عن اشكال ، وسدّ لقبول الوديعة التي هي (١) من المصالح العامّة العظيمة.

وكذا القول لهم : افتح باب هذا البيت الذي فيه الوديعة بحضوره وغلقه وقفله ، بل تسليم المفتاح إلى أمين للحفظ ، بل للشك ان لا يأخذ أمتعة نفسه (٢) من البيت من دون ان تباشر الوديعة (ان يباشر الوديعة ـ خ) وان كان ظاهر بعض الأمور يقتضي عدم ذلك كلّه ، للشك والاحتياط في ذلك ان أمكن ، فتأمّل في أمثال ما أشرنا اليه ، مع أنّه يمكن ، ولا يبعد الضمان مع كونه جائزا ، ان كان ذلك سببا فقط ، للتلف ، مع عدم ظهور اذن المالك بذلك ، هذا.

وقال في شرح الشرائع : واعلم أنّه ليس مطلق الصندوق كافيا في الحرز ، بل لا بد منه من كونه محرزا عن غيره ، بان لا يشاركه في البيت الذي فيه الصندوق ، يد أخرى مع كون البيت محرزا بالقفل ونحوه ، أو كون الصندوق محرزا بالقفل كذلك ، وكونه كبيرا لا ينقل عادة إلخ.

وأنت تعلم أنّ الشريك مع حضور الودعي لا يضرّ ، وأنّه إذا كان الدار فيه تاس والبيت كذلك مع الصندوق ، ويمكن فتح الباب وفتحه وكسره وأخذ ما فيه ممّا ذكره ـ مع أنّه صعب ـ لم يكف.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ والصواب هو ، إذ الضمير يرجع الى قبول الوديعة كما لا يخفى.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة ، بل لأخذ أمتعة نفسه بدل قوله : ان لا يأخذ أمتعة نفسه.

٢٩٣

ولو أهمل ضمن الّا ان ينهاه المالك ، فيزول الضمان ، لا التحريم.

______________________________________________________

ويمكن الاكتفاء بما قلناه للعادة ، مع الأمانة ، خصوصا إذا كان معلوم من حال المودع الرّضا عليه وعدم ارادة الضبط الى هذا المقدار ، وعدم معرفته ، بانّ مثل هذا المقدار واجب ، فتأمّل.

ثمّ قال : لو نهاه عن العلف لعلّة تقتضي النّهي ، كالقولنج ، وشبهه ، فعلفها قبل زوال العلة فماتت ، ضمن ، لأنّه مفرّط.

هذا مع العلم بالعلّة ظاهر ، ويمكن مع الجهل ، حيث قصّر في التحقيق.

ثمّ قال العبد المودع ، والأمة المودعة كالدابّة في جميع الاحكام (١).

يمكن عدم النزاع هنا في وجوب الإنفاق مع النهي أيضا ، لحرمة الآدمي المسلم ، الّا ان يكون كافرا ، ففيه تأمّل وإيجابهم الإطعام ـ وان أريد قتله من الحربي المسبي ـ يدل على ذلك هنا ، بالطريق الاولى.

ثمّ قال : لو أودعه نخلا ، الأقرب انّ سقيه واجب ، كما قلناه في الدابة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، وفي الثاني أنّه لا يضمن بترك السقي ، إذا لم يأمره بالسقي.

فيدل على أنّه يريد بالوجوب الأوّل الضمان أو معه الضمان.

ودليل الضمان مع الترك انه ترك لحفظ الوديعة ، فإن حفظها بالسقي كالدابة ، أو الثوب الصوف من منع الدود ، وتعريضه للرّيح ونحو ذلك مثل الكتب وجميع ما يحتاج الى المراعاة من السقي وغيره.

وانّ الظاهر مع النهي عدم الوجوب لعدم الرّوح ، كما مرّ وعدم الضمان أيضا بالطريق الاولى.

قوله : ولو أهمل ضمن إلخ. ظاهر أنّه يصير بالتقصير ضامنا مطلقا ، سواء

__________________

(١) في التذكرة ، (ما تقدّم) بدل (الأحكام).

٢٩٤

ويقتصر على ما يعيّنه المالك من الحرز.

______________________________________________________

تلف بذلك التقصير أم بغيره بعد مدّة ، فيكون التعدي موجبا لكونه غاصبا وضامنا ، دائما ومطلقا ، الّا ان ينهى عن العلف والسقي ، فيأثم ، ولا يضمن ، وقد مرّ تفصيله وتحقيقه فتأمّل.

قوله : ويقتصر على ما يعيّنه إلخ. إشارة إلى الخامس الذي أشار إليه في التذكرة ، بقوله : الخامس في المخالفة في كيفية الحفظ إلخ.

قد مرّ انّه يجب حفظ الوديعة مع تعيين طريق له على حسب العادة ، والذي أفهمه انّ ذلك يختلف باختلاف المستودع والوديعة ، إذا أودع بقرا أو غنما ممّن ليس شأنه حفظهما بنفسه ولا بأهله ، بل إنّما يحفظهما ، راعيهما فالعادة جارية بأن يسلّمهما إلى الراعي ، فطريق حفظهما ان يسلّم الى راع لم يكن ظاهرا خائنا ، كما يسلّم ماله اليه ، فيكون الليل والنهار عنده.

وبالجملة كل مال يقتضي العادة تحفظه على نحو خاصّ لو استودع من شخص ، لم يكن عليه حفظه أكثر من ذلك الطريق الذي يقتضي العادة مثله ، بل الظاهر أنّه لو أودع شيئا من شخص معيّن ليس من شأنه حفظه بنفسه ، مثل السلطان ، فيجوز له الحفظ بغلمانه ووكلائه وكذا بأهله وولده ان كانوا من اهله.

ويؤيّده ما قال في شرح القواعد ، بعد ان نقل انّ الأقرب أنّه يجوز الإخراج من يده للسقي بيد الغلام والصاحب مع الامانة وما قربه قريب وربما قيل ، ان الوجهين مخصوصان بمن يتولّى ذلك بنفسه ، فامّا غيره فلا ضمان قطعا ، ولا يخلو عن وجه.

وهذا كلام حسن جدّا وبالجملة إيجاب أكثر ممّا يقتضيه العادة والعرف مشكل بل زيادة على ما يحفظ العاقل الرشيد الضابط الغير المسامح في ماله بوجه.

وحينئذ يسهل قبول الوديعة في الجملة ، والّا على ما يفهم (١) من ظاهر

__________________

(١) يعني وان لم نقل في كيفيّة حفظ الوديعة بما يقتضيه العادة والعرف فلا بدّ من المراجعة الى ما يفهم

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كلام الأصحاب ، من جواز تسليمها للعلف والسقي أيضا الى الغلام والصاحب ، الّا مع الأمانة أو كون الودعي معها ، وان كان بعض العبارات مثل عبارة الشرائع مطلقة غير مقيّدة ، ولكن قيّدها الشارح.

وأيضا قال : أيضا ، واعلم أنّه ليس مطلق الصندوق كافيا في الحفظ ، بل لا بدّ معه من كونه محرزا عن غيره ، الّا بان لا يشاركه في البيت الذي فيه الصندوق يد أخرى ، مع كون البيت محرزا بالقفل ونحوه أو كون الصندوق محرزا بالقفل كذلك ، وكونه كبيرا لا ينقل عادة بحيث لا يمكن سرقته كذلك مقفّلا ، وهكذا القول في الإصطبل والمراح وغيرهما.

مع انّي ما فهمت كون الصندوق فقط محرزا للدراهم والثياب.

وأيضا قال في التذكرة : لو كانت له خزانة مشتركة بينه وبين ابنه فدفع الوديعة ليضع (فيضيع ـ خ) في الخزانة المشتركة ، فالأقرب الضمان ، إلّا إذا علم المالك بالحال.

وقال أيضا : لا يجوز ان يضع الوديعة في مكان مشترك بينه وبين غيره ، وأيضا يشترطون عدم التصرف ، وإمكان دخول احد سوى الودعي على البيت الذي فيه الوديعة سواء في ذلك زوجته وولده والأجنبيّ ، وأنّه لا يجوز ان يكون لهم عليه يد ، فلا يجوز أن يخلّى ساعة واحدة عندهم ، مع انّ الإنسان محتاج الى الخروج من بيته للمعاش ، وهو ظاهر.

والظاهر أنّه لا كلام مع عدم كونهم أمناء أو مع عدم جواز الإيداع (١) ،

__________________

من ظاهر كلام الأصحاب من جواز تسليمها إلخ. وفي النسخة المطبوعة هكذا : والّا يصعب على ما يفهم من ظاهر كلام الأصحاب إلخ وعلى هذا لا يحتاج الى ما كتبناه فتذكر.

(١) في بعض النسخ : أو مع جواز الإيداع.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الرّمي قاله ثلاثا (١) وجه الاستدلال انّ الله تعالى أمرنا بأعداد الرّمي ورباط الخيل للحرب ولقاء العدو ، والاعداد لذلك انما يحصل بالتعلّم ، والنهاية في التعلّم المسابقة بذلك إلخ (٢)

وأنت تعلم ان لا دلالة في الآية الأولى على العقد المطلوب ، وعلى تقديره لا تدل على مشروعيّته ، فان فعلهم ليس بحجّة ، ومجرد عدم الإنكار لا يدل عليها ، فإنه ليس في وقت الفعل ، وقد نقل في القرآن العزيز كثير من المنكرات بدون الإنكار ، وعلى تقديرها شرع من قبلنا ليس بحجة علينا.

والآية الثانية ، أبعد ، وهو ظاهر.

واما السنّة فما روى (ما روى ـ خ) عن النّبي صلّى الله عليه وآله ، انّه قال : لا سبق إلا في نصل أو خفّ أو حافر (٣) ، والنّصل يشمل النشاب ، وهي للعجم ، والسهم ، وهو للعرب ، والمزاريق (٤) وهي الرّدينيات (٥) والرّماح والسيوف ، كل ذلك من النصل واسمه صادق على الجميع وامّا الخفّ فالإبل والفيلة ، وامّا الحافر فيشمل الخيل والبغال والحمير (الى قوله) : ومن طريق الخاصة قولهم عليهم السّلام

__________________

(١) سمع عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يقول وهو على المنبر : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ، ألا ان القوّة الرمي ، إلا ان القوة الرمي ، إلا أن القوة الرمي مسند احمد ج ٤ ص ١٥٧ س ١.

(٢) انتهى كلام التذكرة : ج ٢ ص ٣٥٣ وتمامه : ليكد كل واحد نفسه في بلوغ النهاية والحذق فيه انتهى موضع الحاجة من كلامه قدّس سرّه.

(٣) عوالي اللئالي ج ٣ ، ص ٢٦٥.

(٤) والمزراق من الرماح رمح قصير وهو أخف من العنزة وقد زرقه بالمزراق زرقا إذا طعنه أو رماه به ، لسان العرب ج ١٠ ص ١٣٩.

(٥) الرّدينة : اسم امرأة والرماح الردينية منسوبة إليها الجوهري : القناة الردينية والرمح الرديني زعموا انه منسوب الى امرأة السمهري تسمّى ردينة وكانا يقوّمان القنا بخط حجر ، إلخ. لسان العرب ج ١٣ ص ١٧٨ لغة ردن.

٢٩٧

فان نقل ضمن ، الّا مع الخوف ، أو الى أحرز ، ولو قال : لا تنقلها كيف كان ضمن الّا مع الخوف وان قال : وان تلفت.

______________________________________________________

كما يظهر من عدم جواز تسليم الوديعة إلى أهلها ، ومع التعذّر الى الحاكم ، ومع التعذر الى العدل ، فيكون هو حينئذ ودعيا ، وقد صرّح بعدم جوازه عند الأهل والولد والزّوجة كالأجنبيّ ، إلّا عند تعذّر المالك والحاكم والحاجة ، مع كونهم أمناء كالأجنبيّ ، وان كان ظاهر كلامهم من جواز التسليم الى الغلام للسقي والعلف مشعرا بذلك.

وكيف لا يجوز ذلك ، فانّ عدمه يسدّ باب قبول الوديعة ، فإن المال الذي يحتاج إلى الرّعي وحفظ الرّاعي كيف يكلّف به السلطان أو رجل كبير حاكم أو من أهل العلم أو العاجز عن الرّعي ، والحفظ في المراح ، بهما ، ولكن الاحتياط هو طريق السلامة ، والله الهادي.

واما عدم جواز تغيير ما عيّنه المالك من الحرز فالظاهر عدم الجواز ولو الى الأحرز ، وقوفا في التصرف في مال الغير بما هو مأذون فيه يقينا.

نعم لو علم بالقرائن أنّه يجوز التغيير إلى المساوي بل الأدون أيضا ، ان علم أنّ غرضه من التعيين أنّه أحرز أو حرز أو أباح له التصرف في ماله مطلقا ، وعلى أي وجه اراده ، فيجوز.

وكذا إذا علم التلف فيما عيّنه ، وحينئذ ينقل ، ولا يضمن لأنّه محسن ولا سبيل عليه (١) ولأنه أقرب الى الحال الّتي هي أحسن ، ويجوز بالآية بل بالعقل أيضا في مال اليتيم أنّ الاهتمام به أكثر بالعقل والنقل (٢).

قوله : فان نقل ضمن ، إلخ. يعني إذا نقل الوديعة الودعي عن الحرز

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) التوبة : ٩٣.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الانعام : ١٥٤.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي عينه المالك يصير بذلك ضامنا مطلقا.

والظاهر يكون آثما أيضا ، ولا يخلص عنه الّا بوضعه في يد المالك.

والظاهر أنّه يكفى الإسقاط والاذن في التصرف بعده ، أو الإعادة مرّة أخرى ، لأنّ ذلك كلّه بمنزلة وضع يد المالك ، ثم الإعطاء وقيل لا بد من الأخذ ثم الإعطاء لانّ على اليد ما أخذت حتى تؤدّى (١) على تقدير تسليم سنده وعمومه ، فإن ذلك بمنزلة الأداء.

الّا ان يكون النقل للخوف عن التلف لو لم ينقل ، فإنّه حينئذ لم يضمن ولا يأثم ، لأنّه محسن.

هذا مع العلم بأنّه يتلف لو لم ينقل ، ظاهر ، كعدمه مع الوهم والشك وامّا مع الظنّ ، فالظاهر أنّه كالعلم لاشتراك الدليل ، ولأنّ الغالب أنّ حكمه حكمه.

وكذا لو نقل الى الأحرز ، وقد مرّ البحث فيه ، وانّ الظاهر الضمان حينئذ أيضا ، وهو مختار ابن إدريس بل الشيخ على أيضا.

هذا إذا لم ينه ، وأمّا إذا نهى ، وقال : لا تنقلها ، ضمن كيف كان ، أي سواء نقل الى الأحرز أم لا.

ولا يضمن حينئذ مع الخوف أيضا ، فإنه لا يضمن حينئذ بوجه ، وان قال : لا تنقل ، وان تلفت وان حصل الخوف على تلفها ، بل علم انّها تتلف مع عدم النقل وسلامته بدونه لما مرّ.

ولكن الظاهر حينئذ الضمان بل الإثم أيضا ، إلّا مع العلم بالتلف مع عدمه.

والظاهر انه لم يجب النقل حينئذ للأصل ، ولانّ المالك قد يعرض عنه ،

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٣ باب في تضمين العارية ص ٢٩٦.

٢٩٩

والمستودع أمين لا يضمن بدون التفريط ، ولا يأخذها منه قهرا.

ويجوز الحلف للظالم ويورّي.

______________________________________________________

ولا يجب على الغير حفظه والسعي في حفظه ، فكذا هنا ، إذ ليس بأقلّ من الاعراض ، وهو مثل ترك النشر في الثوب واللبس الذي هما سببان لحفظ الوديعة وبدونهما يتلف مع النّهي ، وقد مرّ من التذكرة ، أنّه مكروه في موضع ، والاشكال ، والأقرب أنّه حرام في آخر.

قوله : والمستودع أمين إلخ. قد مرّ أيضا ما يدلّ على أنّه أمين ، ولا يضمن الّا بفعل ما يجب تركه مثل الانتفاع بالوديعة ، والإيداع بغير الاذن ، أو بترك ما يجب فعله ، مثل ترك الحفظ والمراعاة وترك السّقي والعلف ونحوها.

ولا يضمن أيضا إذا أخذ من يده قهرا ، إذا لم يكن هو سببا لذلك ، كما لو سعى الى الظالم ، وقال له (١) ، ثم لم يقدر على منعه ، حتى أخذه قهرا ، لانّه مفرّط في الحفظ ، فهو ضامن للتفريط والتقصير ، والظالم أيضا للأخذ ، بخلاف ما لو كان الساعي غيره ، فان القابض يضمن فقط ، دون السّاعي.

وكذا لو أخبر السارق فسرق ، والظاهر انه في صورة ليس له دخل وسبب في الضمان لا فرق في عدم ضمانه بين أخذ الظالم بيده من مكانه وبين امره قهرا ، بان يسلمها الودعيّ إليه ، فليس له الّا مطالبة الظالم ، لا (٢) أنّه مخيّر بين مطالبة أيّهما شاء ، الّا أنّ الودعي يرجع الى الظالم ، ويستقرّ الضمان على الظالم دونه ، لأنّه أمين ما ظهر منه سبب الضمان وخيانة بالفرض.

قوله : ويجوز الحلف للظالم ويورّى إلخ. يعني إذا احتاج الى اليمين بان ليس عنده مال فلان ليندفع الظالم بذلك يجوز هذا الحلف وليس بمحرّم ، بل قد يجب ، لأنّه سبب للحفظ ، بل هو نفس الحفظ ، وهو واجب ، ولكن يورّي في الحلف ، وكذا

__________________

(١) يعنى قال له : عندي امانة.

(٢) في النسختين في النسخ الّا ، بدل لا ، والصواب ما أثبتناه.

٣٠٠