مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه الأوّل أنّها جارية مشتركة أو مخصوصة ، فيجوز وطؤها للشريك باذن مالكها.

وفيه تأمل إذ سبب الإباحة منحصر في العقد والملك وقد قال أكثر الأصحاب بالتحليل أيضا ، وأرجعوه إلى أحدهما ، وهذا ليس منهما ، إذ التحليل لا بدّ له من إيجاب وقبول والفرض خلّوه عنهما ، الّا ان يحمل عليه.

وأيضا على تقدير ظهور الرّبح وتملّكه به يشكل الجواز بالتحليل ، بسبب التبعيض ، وسيجي‌ء تحقيقه ، فلا يجوز بمجرّد الاذن ، ولو كان بعده وكأنّه (فكأنّه ـ خ) الأصحّ والأحوط ، لظاهر الآيات والاخبار ، وملاحظة الاحتياط في الفروج ، كما يدلّ عليه العقل والنقل ووجه الثاني (١) ما علم من الأوّل ، ولأنّ الإذن قبل البيع لا يؤثّر ، لأنّه اذن في المعدوم ، والآذن لا بدّ ان يأذن في وقت يجوز له ذلك وإذا لم يجز الوطء له فلغيره أولى.

وفيه تأمل ، إذ يأذن لأكله وتصدّقه وهبته ، والبيع وغيرها بعد البيع والشراء ، وهذه المسألة من المشكلات ، وقد مرّت في الوكالة ، فتأمّل.

وكأن قوله : (على رأى) إشارة إلى القول الآخر ، وهو الجواز بالاذن قبل البيع ، وهو قول الشيخ لرواية الكاهلي ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، قال : قلت له رجل سألني أن أسألك ، انّ رجلا أعطاه مالا مضاربة يشترى له ما يرى من شي‌ء فقال : اشتر جارية تكون معك والجارية انّما هي لصاحب المال ، ان كان فيها وضيعة فعليه ، وان كان فيها ربح فله ، (قلت ـ خ) للمضاربة ان يطأها؟ قال : نعم (٢).

__________________

(١) يعني لو قال للشريك إلخ.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب المضاربة الرواية ١.

٢٦١

والتالف بعد دورانه في التجارة ، من الربح.

______________________________________________________

وهي ضعيفة لعدم صحّة السند الى الحسن بن محمّد بن سماعة (١) ، فإنّ فيه حميد بن زياد ، والحسن هو أيضا واقفي ، وغير واضح الدلالة وفي المتن أيضا شي‌ء ، فالعمل بها خصوصا في مثل هذه المسألة مشكل جدّا.

ويحتمل ان يكون إشارة إلى الخلاف فيما بعد أيضا ، فإنّ جواز الوطء بالاذن بعد البيع أيضا محل التأمّل ، خصوصا مع ظهور الرّبح ، لما مرّ فتأمّل.

الّا ان يريد بالاذن التحليل ، مع عدم ظهور الرّبح ، ومع ذلك فيه تأمّل ، لأنّ القيمة في المتقوّمات غير مضبوطة ، وقد يظهر الرّبح فيما بعد ، ولهذا صرّح في شرح القواعد فيما سبق ان ليس للمالك أيضا وطئها حينئذ.

نعم ذلك صحيح بعد القسمة ، مع أنّه يجي‌ء فيه خلاف التحليل.

قوله : والتّالف بعد دورانه إلخ. الظاهر أنّه لا خلاف في انّ التّالف مأخوذ من الرّبح بعد دوران رأس المال في التجارة ، بمعنى أنّه وقع بيع وشراء ، لا مجرّد السفر بقصده ، كما هو المتبادر.

قال في شرح القواعد وشرح الشرائع : المراد بدوران المال في التجارة التصرف فيه بالبيع والشراء ، ولا فرق في ذلك بين كون السّفر واحدا أو متعدّدا وهو ظاهر (٢).

و (أيضا قال في شرح الشرائع ـ خ) : الظاهر عدم الفرق بين فوت (فوات ـ خ) المال بالسرقة والغصب وغيرهما (٣) ، وما يتلف في يد من عليه الضمان أم لا ، مثل ان

__________________

(١) والسند ـ كما في التهذيب ـ هكذا : وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسن بن محمّد بن سماعة فقد أخبرني به أحمد بن عبدون عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة.

(٢) في بعض النسخ زاد بعد قوله وهو ظاهر : قاله في شرح الشرائع.

(٣) في بعض النسخ بعد قوله : وغيرهما : مثل ان يتلف بآفة سماويّة من غير ان يكون مضمونا على احد وبما يتلف في يد من عليه الضمان أم لا.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يتلف بآفة سماويّة ، من غير ان يكون مضمونا على أحد.

وكأن البعض خصّ بالقسم الثاني ولعلّ الدليل هو ان معنى القراض هو استعمال المال والانتفاع بربحه مشتركا بينه وبين العامل فالفرض (فالغرض ـ خ) أنّه لا بدّ من إبقاء أصل المال وتقسيم الرّبح بعد إخراجه ، فلا بدّ من إبقاء المال ، ثم تقسيم الرّبح فيلزم كون التالف من الرّبح.

وأيضا الروايات الدالة على كون الرّبح بينهما تدلّ عليه مثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السّلام ، قال : سألته عن الرّجل يعطى المال مضاربة ، وينهى عن يخرج به فيخرج (فخرج ـ خ)؟ قال : يضمن المال ، والرّبح بينهما (١).

فان المتبادر من الرّبح هنا هو الزائد على أصل (رأس ـ خ) مال التجارة ، فلا بد من إخراج كلّه ، الّا انّ الّذي يكون في ذمّة التّالف يكون بينهما ، مثل الرّبح المشترك.

وامّا إذا تلف قبل دورانه في التجارة ، بالمعنى المتقدم ، ـ بأن أخذه العامل فتلف ، قبل ان يشتري به من غير تفريط ـ ففيه تأمّل ، يحتمل إخراجه أيضا من الربح ، لما تقدّم ، وعدمه للأصل ، وعدم الدليل خرج بعده بالإجماع ، بقي الباقي ، ولأنّ معنى كون الرّبح بينهما الذي هو الغرض من القراض بالنصّ والإجماع هو الحاصل من المال الذي عومل ، واستعمل (يستعمل ـ خ) فرأس المال الذي يخرج أوّلا هو المستعمل في التجارة ، وكونه مال تجارة ، وهو حقيقة إنّما يصدق بعد الدوران لا قبله ، ولعموم ما تقدّم من الاخبار ، فإنّه لو كان مطلق التّلف (التالف ـ خ) داخلا ومأخوذا من الرّبح ينبغي ان نقول في الروايات مثل صحيحتي محمّد بن مسلم

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب المضاربة الرواية ١.

٢٦٣

ولو خسر من مائة عشرة ، ثم أخذ المالك عشرة ، ثمّ ربح (عشرة ـ خ) فرأس المال تسعة وثمانون الا تسعا.

______________________________________________________

والحلبي (١) (والرّبح بينهما) بعد ان يخرج ما تلف قبل المعاملات ، تم الرّبح بينهما ، فان الرّبح صادق من غير شك على جميع ما زاد على رأس مال المعاملة ، بل (٢) الذي استعمل بالفعل ، بل (٣) على الزائد في كل معاملة معاملة ، فيجعل المجموع معاملة واحدة. وينسب الربح اليه ، للإجماع ، والّا كان يمكن إخراج رأس كل معاملة (٤) معاملة ، وتقسيم ربحه ، فلا شكّ حينئذ أنّه يصدق على الزائد على ذلك المال كلّه ـ وان فات أضعاف مضاعفة قبل الاستعمال ـ أنّه ربح ، وانّ التّالف مثل التّالف في بيته قبل ذلك.

فالظاهر أنّه حينئذ جميع الروايات هو دليل هذا ، فتأمّل.

ولانّ العامل ملك الرّبح بالظهور ، على ما تقدّم ، وأنّه مشترك بينهما بالاتّفاق ، والأصل براءة ذمّته ، وعدم خروج ماله عن ملكه ، وهو ظاهر.

واعلم أنّه لا يتصور هنا فوت (فوات ـ خ) الجميع مع بقاء القراض ، فإنّه ينفسخ ، الّا ان يشتري في ذمّة المالك مع اذنه ، كما سيجي‌ء.

قوله : ولو خسر من المائة إلخ. أي لو كان مال القراض مأة وخسر عشرة ، ثم أخذ المالك عشرة ، وله ذلك ، حيث انّ القراض جائز ، ثم ربح بثمانين ، فرأس المال الذي يخرج حينئذ هو تسعة وثمانون الّا تسعا ثمّ الباقي ربح يقسم بينهما على ما شرط ، لانّ الخسران الذي كان يجب جبره من الرّبح هو عشرة ، يجب جبران

__________________

(١) الاولى منهما تقدّمت آنفا ، والثانية في الباب ١ من تلك الأبواب الرواية ٢. وفي هذه الرواية في الوسائل : وان ربح فهو بينهما.

(٢) يعني ما زاد على الّذي استعمل بالفعل إلخ.

(٣) يعني بل انّ الربح صادق على الزائد إلخ.

(٤) يعني رأس مال كل معاملة إلخ.

٢٦٤

ولو اشترى بالعين فتلف الثمن قبل الدفع بطل ، وان اشترى في الذمة بالإذن ، ألزم صاحب المال عوض التالف ، وهكذا دائما ، ويكون الجميع (من ـ خ) رأس المال ، وان كان بغير اذن بطل ، مع الإضافة.

______________________________________________________

كلّه من ربح التسعين ، لأنّ الباقي بعده رأس مال ، فإذا أخذ المالك عشرة ، فقد أسقط جبر تلك العشرة ، وهو احد (واحد ـ خ) وتسع من واحد ، فانّ جبره عن (على ـ خ) التسعين ، فعلى كلّ عشرة ذلك ، فبقي حينئذ رأس المال تسعة وثمانون الّا تسعا ، لأنّه سقط جبر العشرة المأخوذة من التالف ، وهو واحد وتسع ، بقي من العشرة تسعة إلّا تسعا ، وإذا ضمّ الى الثمانين الباقية تصير تسعة وثمانين الّا تسعا ، وهو ظاهر.

قوله : ولو اشترى بالعين إلخ. أي لو اشترى العامل بعين مال المضاربة فتلف العين قبل دفعه الى المشتري كلّه ، بطل البيع (العقد ـ خ) ولا ضمان عليه ، مع عدم التفريط ، لانّ تلف احد العوضين قبل القبض موجب لبطلان العقد بالاتفاق ، وإذا لم يكن تفريط لا ضمان عليه كذلك.

وإذا (ان ـ خ) اشترى في ذمّة المالك باذنه صحّ البيع ، ويلزم (لزمه ـ خ) العوض ، فان تلف الذي عند العامل والذي أراد العامل الوفاء منه ، وهو مال المضارب به ، لزمه عوض آخر ، وهكذا ، ويكون جميع ما تلف رأس المال ، فيخرج من الرّبح ثمّ يقسّم ، على ما شرطا.

وان كان بغير اذنه بطل العقد ، بناء على عدم الفضولي ، والّا يكون موقوفا على الإجازة ، فلا يلزم.

هذا ان أضاف البيع الى المالك أو قصده بالنيّة ، وقبل ذلك منه.

فقوله : (بطل مع الإضافة) محلّ التأمّل ، وان أضاف إلى نفسه أو لم يضف وقال : قصدت للمالك ، لم يقبل منه ذلك ، فبحسب الظاهر له ، وينبغي ان يفعل

٢٦٥

ولو فسخ المالك فللعامل أجرته إلى وقت الفسخ ، وعليه جباية السّلف ، لا الإنضاض.

______________________________________________________

ما يخلصه (عنده ، وما ـ خ) في نفس الأمر.

قوله : ولو فسخ المالك إلخ. لمّا كان عقد المضاربة جائزا ، يجوز لكل واحد فسخه ، فإذا فسخ المالك ، بقوله : فسخت القراض أو (دفعته ـ خ) أو أبطلته ، وما ادّى هذا المعنى ، ـ وبقوله للعامل : لا تتصرّف بعد هذا ، وقد أزلت يدك عنه ، وبانتزاع المال من العامل بقصد رفع القراض ، وكذا بيع المال بقصد ذلك ، لا بقصد اعانة العامل ـ بطل العقد ، فان كان هناك ربح يقسّم بعد إخراج رأس المال للمالك ، وان لم يكن ربح فعليه اجرة عمل العامل الى حين الفسخ ، وعليه أيضا جمع الأموال المتفرقة عند المعاملين ، ولا يجب عليه الإنضاض ، هذا مجمل المتن.

قال (وفصّل ـ خ) في التذكرة : (وقال ـ خ) قد بيّنا انّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين كالوكالة والشركة ، بل هو عينهما ، فإنّه وكالة في الابتداء ، ثم يصير شركة في الأثناء ، فلكل واحد من المالك والعامل فسخه ، والخروج منه متى شاء ، ولا يحتاج فيه الى حضور الآخر ورضاه ، لأنّ العامل يشترى ويبيع لربّ المال باذنه ، فكان له فسخه كالوكالة ـ إلى قوله ـ : إذا ثبت هذا ، فان فسخا العقد أو أحدهما ، فإن كان قبل العمل عاد المالك في رأس المال ، ولم يكن للعامل ان يشترى بعده ولا شي‌ء له وان كان قد عمل ، فان كان المال ناضّا ، ولا ربح فيه ، أخذه المالك أيضا ، وكان للعامل اجرة عمله الى ذلك الوقت ، وان كان فيه ربح أخذ رأس ماله ، وحصّته من الرّبح ، وأخذ العامل حصّته منه ، وان لم يكن المال ناضّا ، فان كان دينا ، فان باع نسيئة بإذن المالك ، فان كان في المال ربح كان على المالك جبايته ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وان لم يكن هناك ربح ، قال الشيخ

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

رحمه الله : يجب على العامل جبايته أيضا وبه قال الشافعي إلخ (١).

لا يخفى أنّ الحكم بأجرة عمله على تقدير كون المال ناضّا بلا ربح ، مشكل ، خصوصا إذا كان الفاسخ هو العامل باختياره ، فانّ ما تقرّر لعمله هو الرّبح على تقدير وجوده ، فإذا لم يوجد والعقد ممّا يجوز فسخه وفسخ ، فلا وجه للأجرة له ان كان هو الفاسخ أصلا.

وكذا ان كان الفاسخ هو المالك ، وان لم يرض العامل ، لأنّ العقد جائز ، وانما شرط له الرّبح ، ولا ربح ، ولا يجب عليه إبقاء (هذا ـ خ) المال دائما حتّى يحصل الرّبح (هذا ـ خ) للضرر ، إذ قد لا يحصل له الرّبح أصلا فلا يفسخ ، فيبقى المال في يد العامل ، وقد يتلف ، وان فسخ يلزمه الأجرة ، وهو تكليف وإخراج مال عن يد شخص بلا دليل.

نعم قد يتصوّر له الأجرة ، إذا كان العقد مؤجّلا بأجل ، وفسخ المالك قبله ، وكان ممّا يتوقع الرّبح ولو في آخر تلك المدّة وامّا وجوب الجباية على تقدير بيعه نسيئة بإذنه ، فما نجد فرقا (الفرق ـ خ) بين وجود الرّبح وعدمه.

نعم يمكن ان يقال : لو طلب هو الرّبح حينئذ كلّف بالجباية ، إذ قد لا يحصل جميع ما في أيدي الناس ، فلا يتمّ له الرّبح ، فإن أراد الرّبح ، فلا بدّ له من الجباية ، كالانضاض في صورة كونه عروضا مع ظهور الرّبح ، فالظاهر ان ليس له جبره على ذلك.

وكذا ليس للعامل جبره على جبايته وإنضاضه بعد الفسخ ، الّا ان يدّعى حصول الرّبح ، فجواز ذلك حينئذ غير بعيد.

ولكن الظاهر انّ للمالك تعيين الناظر معه ، وان كانت (٢) الوكالة مع

__________________

(١) التذكرة : ج ٢ ص ٢٤٦.

(٢) وفي بعض النسخ ، وان يكون الوكالة.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بطلان القراض باقيا (١) الّا ان يقال له ملك (٢) ، فعلى تقدير عدم جبايته يصير الرّبح المشترك ممّا يشكل قبضه ، فهو مكلّف بجمع المال ، الّا أنّه يمكن ان يقال : انه قد يسقط حقه بمعنى ان يوهبه من المالك ، فيمكن ان يقال : لا يجب القبول ، ولكن تكليفه بجمع ماله ـ مع إعراضه عنه ومال الغير لانّ وجود ماله فيه ـ مشكل ، فتأمّل.

ووجه التكليف (بالكليّة ـ خ) أنه قد جعل مال المالك في أيدي النّاس ، فيجب ان يجعله بحيث يصل الى اهله.

وفيه منع ، خصوصا إذا كان الفاسخ هو المالك ، لأنّه عقد جائز ، وينفسخ بالفسخ ، والأصل براءة الذمّة عن تكليف الجمع وغيره بعده.

نعم يمكن ان يكلّفه امّا بالجمع أو جعل ذمّة المتعاملين ، بحيث يجب عليهم تسليم جميع المال الى المالك بغير شركة ، إمّا بابرائهم عن حصّة الرّبح أو غيره وإمّا وجوب الإنضاض إذا كانت الأموال عروضا ، بمعنى كونه من غير جنس المال الذي أخذه ، ولو كان أخذ النقدين والمال ، النقد الآخر ، أو كان صحيحا ، والموجود مكسّرا ، بمعنى جعله من ذلك الجنس الّذي أخذه ، ولو كان بجعل المكسور صحيحا ، وتغيير احد النقدين بآخر.

ولو كان بالمال ربح فقضيّة جواز العقد ، وأصل براءة الذمّة ، يقتضي العدم ، خصوصا إذا كان الفسخ من جانب المالك.

ولكن ينبغي إسقاط الحصّة بوجه شرعي ان كانت (٣) بصلح أو إبراء ، ويمكن سقوطه بمحض الإسقاط أو الاعراض ، كما في سائر الأموال المعرضة

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، والصواب باقية.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : الّا أنّ يقال له أنّه قد يسقط حقّه ، بمعنى ان يوهبه من المالك ، فيمكن ان يقال له ملك فعلى تقدير إلخ.

(٣) أي ان كانت الحصة بصلح إلخ.

٢٦٨

ولو ضارب العامل باذنه صحّ ، والربح بين الثاني والمالك ، وبغير اذنه لا يصحّ ، والرّيح بين المالك والأوّل ، وعلى الأوّل الأجرة للثاني.

______________________________________________________

)عنها ، ـ خ) فتأمّل.

والظاهر أنّه لا يجب على المالك أيضا تمكينه من الإنضاض على تقدير التماسه ، إذ قد لا يأمنه حينئذ.

ولكن مع ظهور الرّبح أو دعواه ينبغي ان يكون له ذلك ، مع انضمام أمين إليه ، كما أشرنا إليه ، فتأمّل.

قوله : ولو ضارب العامل إلخ. أي لو ضارب عامل المضاربة شخصا آخر بمال المضاربة فإن كان باذن المالك صحّت المضاربة الثانية ، والربح يكون بين المالك والمضارب الثاني ان جعل مجموع الحصّة التي له ، للثاني ، والباقي للمالك ، كما كان معه.

وجهه أنّه يصير وكيلا للمالك بإيقاع عقد المضاربة ، فبالحقيقة يكون فسخا لعقد نفسه ، وعقد بوكالة المالك لغيره ، كما في صورة منع الموكّل ، أو وكيله الآخر ما وكّل فيه ، بل مضاربتهما بعد مضاربته ، فتأمّل.

فهو وكيل محض ، وحينئذ لا بدّ ان يكون الإيقاع بقصد كونه مضاربا للمالك لا له ، وهو ظاهر ، والّا لم يصحّ ، لأنّ المضاربة لا بدّ ان تقع من مالك رأس المال أو وكيله ، وهو واضح من تعريف المضاربة ، وان كان بغير اذنه فلا يصحّ ، وقد عرفت وجهه أيضا.

ولكن قوله : ـ والرّبح بين المالك وبين الأوّل ـ محل التأمّل ، لأن (الواقع ـ خ) ، الشراء حينئذ من الثاني ، وهو غير مأذون ، فيقع العقد باطلا.

وعلى تقدير جواز الفضولي واجازة المالك ، فينبغي ان يكون الربح للمالك فقط (فلا شي‌ء له ، ومع ذلك عليه اجرة عمل الثاني ـ خ) ان اشترى بعين ماله ، لأنّه نماء ماله ، ولا حصّة للمضارب الأوّل ، لأنّه انّما يستحق الحصّة بالعمل ، ولا

٢٦٩

ولو خسر بعد قسمة الربح ردّ العامل أقلّ الأمرين.

وكل موضع تفسد فيه المضاربة يكون الرّبح للمالك ، وعليه الأجرة.

______________________________________________________

عمل له فرضا ، فلا شي‌ء له ، ومع ذلك عليه اجرة عمل الثاني.

الّا ان يقال (١) : انّ الثاني وكيل الأوّل ، فيكون الحصّة له ، بشرط كون عقد المضاربة مشتملا على تجويز المعاملة بالوكالة أيضا ، فتأمّل ، وعلى الأوّل أجرة عمل الثاني ، وإذا لم يكن عالما بالفساد ، وامّا مع علمه بالفساد وعدم الاستحقاق ، فلا شي‌ء له ، فتأمّل.

وامّا إذا عيّن بعض الحصّة له ، فيكونان عاملين لمالك واحد ، فلا بدّ من جعل الأوّل وكيلا للمالك ، ويكون الحصّة لكل واحد بعمله ، فلو لم يكن وكيلا ، وجعله شريكا لنفسه ، فالظاهر البطلان حينئذ أيضا ، فتأمّل.

قوله : ولو خسر بعد قسمة الرّبح إلخ. إشارة إلى كون الرّبح وقاية لرأس المال وان كان الخسران بعد القسمة ، بأن حصل ربحه فقسّم ، ثم حصل في معاملة أخرى خسران ، فلا بد من جبره ، فلو صبر المالك حتى ينجبر بأخرى وهكذا ، فبها ، والّا فله ان يرجع الى العامل بأقلّ الأمرين من حصته من الربح التي أخذها وممّا فات ، يعنى ينظر (شطر ـ خ) الذي أخذ من الرّبح ، والّذي فات من رأس المال ، فان كان ضعف حصته يؤخذ تمام حصته لان يضيفه على حصة المالك ويضيفه على حصّته وان كان أكثر لا يؤخذ إلّا ذلك ، إذ لا يكلّف بأكثر من عين الرّبح ، وان كان أقلّ فيؤخذ بالنسبة ، فإن (فلو ـ خ) كان نصف الربح ، فيؤخذ منه نصف حصّته ، وهو ظاهر.

قوله : وكل موضع تفسد إلخ. كون الرّبح للمالك ، في صورة فساد عقد

__________________

(١) الظاهر أنّه استثناء من قوله : ولا حصّة للمضارب الأوّل.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المضاربة ، بناء على كون وقوع العقد على العين والعمل بالاذن المفهوم ضمنا في المعاملة الفاسدة.

والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك بين المسلمين في المضاربة.

قال في التذكرة : القراض الفاسد له حكم آخر ، وهو صحة تصرّف العامل ونفوذه ، لأنّه اذن له فيه ، فوقع بمجرد اذنه ، وان كان العقد فاسدا ، كما لو وكله وكالة فاسدة ، وتصرّف ، فإنّه يصحّ تصرّفه.

وهو دليل ما قدّمناه من حصول الاذن في الوكالة الفاسدة ، فإنّك قد عرفت مرارا انّها وكالة خصوصا ، عن قريب ، عن التذكرة.

ولا يحتمل حمل كلامهم على الرضا بعد العقد ، مع القول بالفضولي ، إذ كلامهم صريح في الأوّل.

وأيضا الظاهر أنّ حصول اجرة المثل للعامل موقوف على عدم علمه بالفساد ، والحكم بعدم الأجرة والحصّة ، والّا فلا اجرة له لأنّه متبرّع.

وأيضا قد استثنى منه ما إذا كان سبب البطلان غير اشتراط عدم الحصّة للعامل ، بان قال : قارضتك بان لا حصة لك ، أو يكون الرّبح لي فقط ، وان قلنا انّه إجارة فاسدة لأنّه متبرّع ، كما استثنى مثل هذه الصورة في الإجارة والمساقاة والمزارعة ، وقد مرّ.

ويمكن ان يقال : هذا متوجّه على تقدير علمه بالحكم بأنّه لا حصة له ، بل ولا أجرة أيضا حتى يصحّ قولهم : لأنّه متبرّع ، بخلاف ما إذا اعتقد أنّه وان لم يكن له حصّة ، ولكن له اجرة المثل ، فلا تبرّع ، فيمكن الرجوع اليه والقبول منه ما قال ، فتأمّل.

ويمكن الأقلّ من اجرة المثل ، وما رضي ، لما تقدّم مرارا على القول بلزوم الأجرة في كل صورة يكون ما عيّن له شيئا معلوما وفساده (وفسد ـ خ) من غير ذلك الوجه.

٢٧١

«المقصد السابع في الوديعة»

وهي عقد جائز من الطرفين.

______________________________________________________

قوله : المقصد السابع في الوديعة وهي عقد جائز إلخ. ترك التعريف لما مرّ قال ، في التذكرة ، وهي في عرف الفقهاء عبارة عن عقد يفيد الاستنابة في الحفظ ، ثم قال : لا بد فيه من إيجاب وقبول ، فالإيجاب كل لفظ دالّ على الاستنابة بأيّ عبارة كانت ، ولا ينحصر في لغة دون اخرى ، ولا في عبارة دون اخرى ، ولا يفتقر الى التصريح ، بل يكفي التلويح والإشارة والاستعطاء ، والقبول قد يكون بالقول ، وهو كل لفظ دالّ (دل ـ خ) (يدلّ ـ التذكرة) على الرّضا بالنيابة في الحفظ ، بأيّ عبارة كانت ، وقد يكون بالفعل ، وهل الوديعة عقد برأسه أو اذن مجرد؟ الأقرب الأوّل (١). اعلم أنّه لا يظهر عندي لهذا الخلاف ثمرة ، ويفهم من شرح القواعد ، انّ الفائدة أنّه ان كان عقدا لا بد من كون القبول باللفظ والّا فلا ، ومن التذكرة أيضا يفهم ذلك ، ولكن نقل عن بعض الشافعيّة.

وقد يمنع اشتراط اللفظ في القبول مع كونه عقدا ، وقد فهم جواز كونه فعلا حينئذ عن التذكرة فيما سبق (أيضا ـ خ) ويجوز في الوكالة قبول الفعل مع كونها عقدا.

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة : ج ٢ ص ١٩٦.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأيضا نقل عن بعض الشافعيّة أنّه انّ كان عقدا فولد المودوعة (١) وديعة كالأم وان كان مجرّد اذن فلا ، بل لا بدّ من اذن جديد (٢) أو الرّد ، فانّ الولد حينئذ أمانة شرعيّة (٣) وهو غير ظاهر.

وأيضا قال : ان كان عقدا لم يضمن الصبي والمجنون المودعان ، والا يضمنان ، ولكن قال : الحقّ الضمان مع الإتلاف مطلقا ، مثل الأكل ، والّا فلا.

فتأمّل ، فإنّ الأصل يقتضي عدمه ، مع انّ المالك سلّط غير المكلّف على الإتلاف مطلقا.

ويمكن الفرق بالتمييز التامّ وعدمه مع الاعلام ، بالضمان وعدمه ، فتأمّل.

ويمكن ان يقال يجوز مع كونه عقدا ، كون القبول بالفعل (العمل ـ خ) ، كما يفهم من عبارة التذكرة المتقدمة ، وكما في الوكالة والمضاربة.

وأيضا قد عرفت انّ الإيجاب أيضا ليس بلازم ان يكون بلفظ صريح ، بل يكفي الإشارة والتلويح ، وصرّح به في شرح الشرائع أيضا ، ومع ذلك قال : مقتضى العقد كون الإيجاب والقبول بالقول.

والظاهر أنّه يكفي ما يدلّ على الاستنابة وقبولها مطلقا ، وأنّه مجرد اذن في النيابة ، وأنّه ما لم يقبض أو يقبل ـ بما يفيد القبول ، بعد ما يدلّ على الإيجاب ـ لم يدخل في الضمان ، ومعه يدخل مطلقا.

فتأمّل فيما قال في شرح الشرائع في شرح قوله : ولو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها ، المراد بالقبول هنا القبول الفعلي خاصّة ، لأنّ القبول

__________________

(١) يعنى ولد الجارية المودعة وديعة كأمّها.

(٢) يعني بالنسبة إلى ولد المودعة.

(٣) عبارة التذكرة هكذا : وقال بعض الشافعية : ان جعلنا الوديعة عقدا فالولد كالأّم تكون وديعة والّا لم تكن وديعة بل أمانة شرعيّة مردودة في الحال إلخ ج ٢ ص ١٩٧.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اللفظي غير كاف في تحقق الوديعة قطعا ، بل لا بدّ معه من الإيجاب ، ولم يحصل هنا بمجرد الطرح.

إذ الظاهر أنّ هنا ما يفيد ذلك مثل تسميته وديعة ، فإنّها لغة بل شرعا أيضا هو المال المودع ، والغالب أنّه أيضا ان انضمّ هنا بالطّرح ما يفيد الاستنابة ، فمع القبول تحصل الوديعة ، لما مرّ من عدم حصره في التصريح باللفظ ، وان لم يكن كذلك فلا ، فكان ينبغي التفصيل ، فتأمّل.

ونقل أيضا في التذكرة ، عن بعض العامّة إذا كان الإيجاب بلفظ أودعتك وشبهه ممّا عليه صيغة (صيغ ـ خ) العقود وجب القبول لفظا ، وان قال : احفظه ونحوه لم يفتقر الى القبول اللفظي ، كالوكالة ثم قال في شرح الشرائع وهو كلام موجه.

ما فهمت وجهه ، بل الظاهر أنّه لا فرق أصلا ، وأنّه يحصل بكلّ ما يدلّ على الإيجاب والقبول ، لفظا وغيره ، للأصل وحصول المقصود ، وهو الرّضا بالاستنابة وقبولها ، كما صرّح به في التذكرة وغيرها.

ثم أنّه قد نقض التعريف المذكور بالوكالة ، وأجيب بأنّه يجوز التزام كونها وكالة باعتبار النيابة في الحفظ دون الاذن في التصرف ، وبأنّ (١) المراد كون المقصود هنا الحفظ فقط وليس في الوكالة ذلك ، والّا يكون وديعة.

ثمّ انّ العقل والنقل دلّ على جواز الاستنابة وقبولها ، وأنّه حسن ، فإنّه قضاء لحاجة المؤمن ، وإدخال السرور (٢) وقد ادّعى الإجماع في التذكرة وغيرها على الجواز بمعنى عدم الحظر.

__________________

(١) عطف على قوله : بأنّه يجوز إلخ.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٢٢ من أبواب أحكام العشرة ج ٨ ص ٥٤٢ والباب ٣ من أبواب جهاد النفس ج ١١ ص ١٣١ وأبواب فعل المعروف الباب ٢٤ و ٢٥ من تلك الأبواب.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنّه لا كلام في رجحان القبول ، مع عدم المانع ، من عدم استيثاق من نفسه ، وعدم الاعتداد بحفظه كما هو.

قال في التذكرة : ولو كان قادرا على الحفظ واثقا بأمانة نفسه استحب له القبول ، لما فيه من المعونة على البرّ وقضاء حوائج الاخوان ، ولو لم يكن هناك غيره ، فالأقوى أنّه يجب عليه القبول ، لأنّه من المصالح العامّة وبالجملة فالقبول واجب على الكفاية (١).

وفي كون القبول مطلقا معاونة على البرّ تأمّل ، ثمّ في الوجوب ، فإنّه تكليف لا يخلو عن صعوبة واشكال ، كما سيجي‌ء ، فإيجابه بمثل الدليل المذكور محل تأمّل.

وأيضا إيجاب حفظ مال شخص على آخر بلا أجرة وعوض يحتاج الى دليل قوى ، وكونه من المصالح العامّة بحيث يجب على الناس كلّهم ذلك ، غير ظاهر.

نعم قد يضطرّ الإنسان إلى الإيداع فيمكن إيجاب مثله حينئذ بأجرة ليتمّ به المعاش ، كما في سائر الأمور التي عدّت من الوجوب الكفائي ، ويشعر به كلام التذكرة ، قال مستدلا على جوازها : ولأنّ الحكمة تقتضي تسويغها ، فإنّ الحاجة قد تدعو إليها ، لاحتياج الناس الى حفظ أموالهم ، وربما تعذر ذلك عليهم بأنفسهم إمّا لخوف أو سفر أو عدم حرز ، فلو لم يشرع الاستيداع لزم الحرج المنفي بقوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢).

وهو الذي أشار إليه أوّلا أيضا بقوله : لأنّه من المصالح العامّة ، ولكن في إفادته الوجوب بلا عوض دائما ، تأمّل فتأمّل.

ثمّ انّه يمكن وجود الأحكام الخمسة فيها.

الوجوب مع الضرورة وعدم المعارض.

__________________

(١) انتهى ج ٢ ص ١٩٦.

(٢) انتهى كلام التذكرة والآية الشريفة : الحج : ٧٨.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والحرام مع الضّرر لنفسه أو لغيره وعدم أمانته ، وأخذها مع عدم قصد (حصول ـ خ) الحفظ والأمانة.

والاستحباب مع عدم ما ذكر وما سيذكر.

والكراهة مع احتمال الخيانة والضرر البعيد ، وبدون طلب المودع ، مع استيثاق في الجملة.

والإباحة لا مع ذلك كلّه بدون الطلب (١) فتأمّل.

ثمّ أنّه لا خلاف في كونه عقدا جائزا غير لازم ، فيجوز لكل واحد فسخه ، بالإجماع.

وأنّه يشترط في المتعاقدين التكليف فلا يصحّ الإيداع الّا من مكلّف ، فلو أودع الصبي أو المجنون يجب ردّها إلى الولي ، وكأنّه يكون حكمها حكم الأمانة الشرعيّة ، فيضمن القابض مطلقا ، فرّط أو لم يفرّط ، فلا يخرج من الضمان الّا بالرد الى الناظر في أمرهما ، فلو ردّه إليهما لا يخرج عنه ، قاله في التذكرة.

وكذا لا يصحّ الّا عند مكلّف ، لانّ غيره ليس من أهل الحفظ ، فلو أودعا مالا لم يضمنا ، لانّ المالك سلّطه وعرّض ماله للتلف.

قال في التذكرة : ولو أتلف الصبي أو المجنون ، فالأقرب عندي أنّ عليهما الضمان ، لأنّهما أتلفا مال الغير بالأكل أو غيره فضمناه كغيره (كغير الوديعة ـ التذكرة) (٢).

ويؤيّده على اليد ما أخذت حتى تؤدي (٣) ولكن ان صحّ فأعمّ ، ويخصّص لدليل.

__________________

(١) فإنه مع الطلب لكان مستحبا.

(٢) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ١٩٧.

(٣) تقدّم ذكره في ص ٢٥٠ من هذا الجزء ، فراجع.

٢٧٦

تبطل بالموت والجنون.

______________________________________________________

ويحتمل عدم الضمان مطلقا ، لأنّ المالك سلّطهما على إتلاف ماله ، كما لو اقرضهما أو باعهما واقبضاهما ، فاتلفاه لم يكن عليه ضمان ، والأصل براءة الذمّة ، ويحتمل التفصيل السابق ، فتأمّل.

وقال أيضا : لا بد من كونهما جائزي التصرف ، لا مثل السفيه ، ولكن قال : الأقرب عندي جواز استيداع المفلّس.

وهو حسن ، إذ له صلاحية الاستيداع ، فان الفرض ذلك ، فانّ الفلس لا يخرجه عن الأهليّة ، وهو ظاهر.

فلو أخذ الوديعة من السفيه يجب ردّها إلى الولي والناظر ، كما في الصبيّ والمجنون.

ولو أودع يحتمل عدم ضمانه مطلقا ، لأنّ المالك مفرّط في تسليطه ، والضمان مطلقا (١) لحديث ، على اليد ما أخذت ، ولأنّه قابل للأمانة والحفظ ، فان عدم حفظه لماله لا يستلزم عدم حفظ مال الغير ، والتفصيل الذي ذكره في الصبيّ والمجنون.

والظاهر أنّه لا ينبغي هنا الحكم بالضمان مع الإتلاف ، وقد مرّ في بحث الحجر ، فتذكر.

ويجي‌ء هذه البحوث في العبد مع عدم اذن السيّد ، والظاهر أنّ الضمان في صورته انّما يكون في رقبته يتبع به ولو كان مأذونا في الاستيداع ، قاله في التذكرة ، فتأمّل.

قوله : تبطل بالموت إلخ. وجه البطلان على تقدير كون الوديعة إذنا ، واضح ، وكذا على تقدير العقد أيضا ، فإنّه جائز إجماعا ، ولأنّه عقد وكالة خاصّة ، وقد

__________________

(١) يعني ويحتمل الضمان مطلقا.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثبت بطلانه به ، ولأنّ المال انتقل الى غيره بالموت ، فلا يصحّ التصرف إلّا بإذن المالك ، وهو الوارث.

وكذا بالمجنون فإنّه خرج عن صلاحية الاذن والتصرف ، فهو كالميّت.

وكذا الإغماء ، وجميع ما يبطل به العقود الجائزة.

وعلى تقدير (١) البطلان يصير المال أمانة شرعيّة في يد المستودع ، ان كان الميّت أو الخارج عن صلاحيّة الإيداع هو المالك ، فيمكن وجوب الردّ الى الوارث ، والظاهر وجوبه أو جوازه ان لم يعلم الانحصار فيه ، ولا يجوز مع الشّك في وجود وارث آخر.

دليل الأوّل ، الأصل عدم وارث آخر ، مع العلم باستحقاق الموجود ، ولا يعارض بأصل عدم استحقاقه للكلّ ، لانّ الاستحقاق واضح ، ووجود (آخر ـ خ) مانع ، غير ظاهر.

وظاهر كلام البعض عدم الوجوب ، بل عدم الجواز ، مع عدم العلم بالحصر (بالانحصار ـ خ) ، وهو محل التأمّل.

وأيضا الظاهر انّه حينئذ يجوز الحمل (٢) للردّ ، فلو تلف ، لم يضمن ، الّا مع التفريط.

(واعلم أيضا ـ خ) الظاهر أنّه لم يجب ، ويجوز له الإعلام ، فإذا طلب وجب الردّ ، فإذا اعلم أيضا ، الظاهر أنّه لم يجب الّا بالطلب ، لأنّه غير غاصب ، ولكن لا يتصرّف الّا للحفظ فقط.

وقال في شرح الشرائع : يجب المبادرة إلى الرّد ، ولا فرق بين علم المالك

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة : وبعد البطلان يصير إلخ.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة : النقل ، بدل الحمل ، ومعناه نقل الوديعة إلى مالكها.

٢٧٨

ولا بد من إيجاب ، وهو كل لفظ يدل على الاستنابة في الحفظ ، ولا يشترط القبول لفظا.

ويجب حفظها مع القبول ، بما جرت عادتها بالحفظ ، ويختلف الحرز كالصندوق للثوب ، والنقد ، والإصطبل للدابة ، والمراح للشاة.

______________________________________________________

وعدمه ، فيضمن بالتأخير مطلقا.

فتأمّل الّا ان يكون (١) مجمعا عليه ، والظاهر أنّه ليس كذلك ، كأنّه أشار إليه في كنز العرفان.

وان كان (٢) المستودع وجب على وارثه دفعها الى المودع ، فيكون في يده أمانة شرعيّة ، فتأمّل.

قوله : ولا بدّ من إيجاب (الإيجاب ـ خ) إلخ. بل كل ما دلّ على الاستنابة في الحفظ ، وقد مرّ تحقيقه ، وعدم اشتراط اللفظ ، فيه ، وكذا في القبول بالطريق الاولى.

ويجب حفظها (الحفظ ـ خ) إلخ. الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب الحفظ بعد القبول مطلقا ، لأنّه وفاء بالعقد ، وإتيان بالشرط ، مع أنّ تركه مستلزم لتضييع المال المنهيّ عنه.

والعقل أيضا يحكم به ، لأنّه استأمن شخصا (٣) (٤) ، فقبل ، فتركه إضاعة مال الغير بعد القبول وهو قبيح.

وكذا الحفظ بما جرى الحفظ به عادة ، فإنّ الأمور المطلقة الغير المعيّنة في

__________________

(١) يعني يكون وجوب المبادرة مجمعا عليه ، كما يظهر من عبارة المسالك بقوله : ولا فرق في ذلك (أي في وجوب الردّ بين علم المالك بأنّها (الوديعة) عنده وعدمه) عندنا.

(٢) عطف على قوله قبل أسطر : ان كان الميّت أو الخارج عن صلاحيّة الإيداع هو المالك.

(٣) في التذكرة : ج ٢ ص ٢٠٣ زاد بعدها : قال الله تعالى (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

(٤) وفي بعض النسخ استأمنه شخص ، وفي بعض آخر استأمن شخص.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرع يرجع فيها إلى العادة والعرف ، فمع عدم تعيين كيفيّة الحفظ يجب ان يحفظها على ما يقتضي العرف حفظه مثل تلك الوديعة ، بأن يحفظ الدراهم في الصندوق ، وكذا الثّياب ، والدابّة في الإصطبل أي البيت الّذي هيّأ لها ، والمراح للشّاة ، أي الموضع الذي أعدّ لكونها فيه ليلا ، ونحو ذلك ، فان خالف إلى أدون (١) ما في العادّة في الحرز أثم ، وضمن ، وفي المساوي أيضا محتمل ، بل في الأعلى أيضا ، فتأمّل.

ثمّ انّ في بعض هذه الأمثلة تأمّلا ، إذ الدّراهم لا تحفظ دائما في الصندوق ، ولا الثياب ، وهو ظاهر.

وامّا مع التعيين فيجب حفظها على ذلك الوجه.

قال في التذكرة : ويجب على المستودع اعتماد ما امره المالك في كيفيّة الحفظ ، فإذا أمره بالحفظ على وجه مخصوص فعدل عنه الى وجه آخر وتلفت الوديعة ، فإن كان التلف بسبب الجهة المعدول إليها ضمن ، وكانت المخالفة تقصيرا لأنّه لو راعى الوجه المأمور به لم يتحقق التلف ولو حصل التلف بسبب آخر فلا ضمان ، هذا إذا لم يتحقق المستودع التلف لو امتثل الأمر ، امّا إذا تحقّق التلف بالامتثال فخالف للاحتياط في الحفظ ، فاتّفق التلف فلا ضمان لأنّه محسن ، فلا سبيل اليه للاية (٢).

وحكم أيضا ، بأنه لو فعل ما هو الأحرز ، للاحتياط ، لا يضمن بذلك ، وان كان مخالفا لما عيّنه المالك ، مثل ان قال : لا تخل (لا تحل ـ خ) الصندوق تحت رأسك ، فوضعه ، قال : فالأقرب عدم الضمان ، ونقل عن بعض الشافعيّة وجها آخر بالضمان ، وكذا عن مالك ، لأنّ رقوده على الصندوق تنبيه على تعظيم لما فيه ، وموهم للسارق بنفاسة ما فيه ، فيقصده ، قال : وهو غلط.

__________________

(١) في النسختين ، من النسخ فان خالف المأذون ما في العادة إلخ.

(٢) التوبة : ٩٣.

٢٨٠