مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

وجعله للسابق أو للمحلّل.

ولو جعل للسابق من خمسة فتساووا ، فلا شي‌ء. ولو سبق واحد أو اثنان فلهما اوله.

______________________________________________________

والملكة ، وهو أهمّ المصالح ، ولا شكّ في جوازه من المتسابقين وأحدهما عندنا ، وقد أشرنا إليه فيما تقدم.

قوله : وجعله للسابق إلخ. أي يجوز جعل العوض لمن غلب وسبق صاحبه ، سواء كان العوض من الأجنبي أو من بيت المال أو الرفيق أيضا أو للمحلّل وهو الذي ان سبق أخذ وان لم يسبق لم يغرم.

قوله : ولو جعل للسابق إلخ. أي لو قيل هذا المال للسابق من أشخاص خمسة مثلا ، فتساووا أي ما سبق أحدهم ، بل صار الكلّ متساويا ، فلا شي‌ء حينئذ لأحدهم ، ولو سبق واحد أو اثنان أو ثلاثة بل أربعة ، فالسبق المعيّن لمن سبق ، واحدا كان أو أكثر بالسّوية والسبق من بيت المال أو الأجنبيّ أو من المتسابقين.

وفي استحقاق المتعدد خصوصا ثلاثة أو أربعة تأمل ، لأنّ المتبادر من قوله : (هذا لمن سبق منكم ، مثلا) هو الواحد عرفا ، وان كان لغة يصح إطلاقه على أكثر ، ولان الغرض حصول عمل يستحق بذلك ، وهو هنا سبقه على الكل ، لا سبق الكل على الواحد ، فان كان هنا قرينة معلومة يرجع إليها ، والّا يعمل بمقتضى العرف ان كان ، والّا فاللغة ، فتأمل.

قال في التذكرة : ولو قال : كل من سبق فله دينار ، فسبق ثلاثة فالأقرب ان لكل واحد دينارا ، ويحتمل في قوله من سبق فله دينار ذلك ، أيضا حتّى لو سبق ثلاثة استحق كل واحد دينارا (١).

فقوله : (فالأقرب) يحتمل ان يكون إشارة إلى كون الدينار الواحد للسابقين ،

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٥٨.

١٨١

وجعل السبق للسابق وان تعدّد ، وجعل المصلي لمن يصلّي (صلّى ـ خ ل) وان تكثّر ، ولا شي‌ء للأخير.

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون إشارة الى عدم استحقاق شي‌ء مع التعدّد أصلا ، الّا انّ ذلك بدون (الكلّ) أقوى لتأكيد (كل) افادة من سبق ، وكذا في الثلاثة والأكثر لكثرة التعدد ، ولكن ما ذكر انّ المخاطبين الذين اشترط لهم كم هم؟ وقد يتفاوت الحكم على الظاهر بكثرتهم وقلتهم ، فتأمّل.

وفي قوله (١) : فلهما اوله ، لفّ ونشر غير مرتّب.

قوله : وجعل السبق للسابق إلخ. فيكون السّابقون مع تعيين المال متساويين فيه ، ومع تعيين شي‌ء على حدّه يكون ذلك لكل واحد واحد ، فلو قال : كل من سبق فله هذا أو درهم ، فمع تعدّد السابق يقسّمون الأوّل بالسّوية ، ويأخذ كل واحد درهما في الثاني.

وكذا يجوز جعل المصلى اسم المفعول أي ما يجعل من المال للمصلي اسم فاعل واحدا كان أو متكثّرا ، على الوجه الذي تقدم ، ولا شي‌ء للأخير ، أي الذي تأخّر عن المصلّي ، فالسابق يأخذ ماله ، وكذا المصلي ، وان تعدّد فلا شي‌ء لغيره.

وجه الكل واضح ، وليس فيه شي‌ء إلّا ما أشرنا إليه ، فتذكر.

المصلّي هو الذي يحاذي رأسه صلوي السابق ، والصّلوان عظمان نابتان عن يمين الذنب وشماله ، وقيل منه اشتق للصلاة الّتي هي العبادة ، لأنّ المتعبد يرفع صلوه في الركوع.

والظاهر ان المراد أقل المرتبة التي يصدق عليه المصلّي هو هذا ، فلو تعدّى عنه فهو أيضا مصلّي ، فأخذ المصلّي.

كما انّ السابق هو الذي (إن ـ خ) يسبق ويتقدم بالعنق والكتد ، وقيل

__________________

(١) يعني المصنف في المتن.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاذن ، وهو المجلّى والكتد وهو الكاهل ، وهو العالي ، ما يتواصل بالعنق والظهر ، وهو من الخيل مكان سنام من البقر ، وهو مجتمع الكتفين كذا في التذكرة.

ومعلوم انّ المراد هو أقلّ المراتب ، فلو سبق بالأكثر هو سابق جزما.

وقال في شرح الشرائع (١) : والمشهور هذا الخبر ، وردّه بانّ الخبر محمول على ضرب المثل ، على حدّ قوله صلّى الله عليه وآله : كمفحص قطاة (٢) ، المعنى بين الأصحاب وغيره ، ونسب القول بأنّه يكفي السبق بالاذن الى ابن الجنيد ، خبر ابن الجنيد ، قال النبي صلّى الله عليه وآله : بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما ان يسبق الآخر باذنه (٣) ثم استشكل القول به ، وقال : للسابق معان كثيرة عند الفقهاء فتارة يعبّرونه بالقوائم وأخرى بالعنق وثالثة بالكتد (بالكتف ـ خ) والرابعة

__________________

(١) وحيث إن نقله لعبارة المسالك في غاية الاجمال فلهذا نقلناه من المسالك ، قال (عند قول الماتن فالسابق هو الذي يتقدم بالعنق إلخ) المشهور بين الأصحاب وغيرهم انّ السابق هو المتقدم بعنق دابّته وكتدها بفتح التاء وكسرها وهو العالي بين أصل العنق والظهر ويعبّر عنه بالكاهل ، وذهب بن الجنيد رحمه الله الى الاكتفاء بالاذن لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله بعثت والساعة كفرسي رهان كاد أحدهما ان يسبق الآخر باذنه ، وأجيب بالحمل على المبالغة وان ذلك خرج مخرج ضرب المثل على حدّ قوله صلّى الله عليه وآله : من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ، مع امتناع بناء مسجد كذلك ، وبانّ احد الفرسين قد يكون هو السابق فيرفع رأسه فيقدّم اذن الآخر عليه واعلم ان في كلا القولين إشكالا ، لأن السبق معنى من المعاني يختلف بحسب اللغة والعرف وله اعتبارات متعددة عند الفقهاء ، وغيرهم فتارة يعتبرونه بالقوائم واخرى بالعنق وثالثة برفع الكتد ورابعة بالإذن ، فإذا أطلق المتسابقان العقد وجعلا العوض للسابق ، ففي حمله على بعض هذه المعاني دون بعض نظر بل في صحة إطلاق العقد كذلك ، الّا ان يدل العرف على إرادة شي‌ء منها فيحمل عليه ولا كلام ، انتهى.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب أحكام المساجد ، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال : من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة إلخ.

(٣) في كنز العمال : بعثت انا والساعة كهاتين ـ وأشار بإصبعه والوسطى ـ كفرس رهان استبقا ، فسبق أحدهما صاحبه بإذنه إلخ ج ١٤ ص ٥٤٧ تحت رقم ٣٩٥٧١.

١٨٣

ولو أخرجا وقالا من سبق فهما له ، وان سبق أحدهما أو المحلّل فهما له ، وان سبقا فلكل ماله ، وان سبق أحدهما والمحلّل ، فللسّابق مال نفسه ونصف الآخر ، وللمحلّل الباقي.

______________________________________________________

بالإذن ، فإذا أطلق المتسابقان (أسبق) (١) ، فحمله على بعضها دون بعض نظر ، بل في صحة إطلاق العقد كذلك ، الّا ان يدلّ القرينة على إرادة شي‌ء منها فيحمل عليه ، ولا كلام فيه (٢).

ويمكن ان يقال كون السبق بهذا المعنى عرفيّا في هذا المقام ، وانّ الظاهر ان (أنّه ـ خ) لا خلاف في صدق السابق على السابق بالمعنى المشهور ، فهو مجمع عليه ، وما دونه غير معلوم.

وما ثبت العرف ولا اللغة في انّ هذا الفرس سابق أو راكبه سابق إذا سبق دون ذلك ، مثل الاذن ، بل اذنه لا غير.

والأصل عدم السبق وعدم لزوم شي‌ء ، وبراءة الذّمة ، حتى يتحقق ، وقد يتحقق بالمشهور لا بدونه ، فلا اشكال ، وعموم الأدلة يدلّ على صحّة العقد ، مع عدم تعيّن السبق بالمعنى المعين.

واما ما ذكره في ردّ مذهب ابن الجنيد فليس ببعيد ، إذ غير معلوم كونه ضرب مثل ، وعلى تقدير كونه فهو سابق فينبغي ان يقال : بعدم صحة الخبر ، بل سنده غير واضح ، وعلى تقدير التسليم هو لغة سبق في الجملة ، ومقيّد بالاذن ، ولا يلزم من إطلاق السبق بالاذن أنه إذا ذكر السابق في عقد الرّهان المقرّر عند الفقهاء يكون المراد ذلك ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

قوله : ولو أخرجا وقالا إلخ. أي لو اخرج المتسابقان مالا ، وقالا هذا لمن سبق منا ومن المحلّل ، فان سبق أحدهما أو المحلّل فالكل له ، وان سبقاهما فلكل مال

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ.

(٢) انتهى كلام المسالك.

١٨٤

ولو شرطا المبادرة والرّشق عشرين والإصابة خمسة فأصابا خمسة من عشرة ، لم يجب الإكمال ، ولو أصاب أحدهما خمسة منها والآخر أربعة ، نضل صاحب الخمسة.

ولو شرطا المحاطة فأصابا خمسة منها تحاطا ، وأكملا ، ولو

______________________________________________________

نفسه ، فهو بمنزلة من لم يسبق أحدهما أصلا ، وهو ظاهر ، وان سبق أحدهما والمحلّل على الآخر ، فللسابق مال نفسه ، لأنّه ما سبقه أحد حتى يأخذ ماله ونصف (١) مال المسبوق أيضا ، لأنّه سبقه مع المحلّل ، والمال لمن سبق والسابق اثنان ، فيقسّم بينهما بالسّوية ، فيكون النصف الآخر للمحلّل.

قوله : ولو شرطا المبادرة إلخ. قد عرفت معنى المبادرة ، والرّشق بالكسر هو عدد الرّمي من النشاب ، فلو أصاب كل واحد بالخمسة التي كانت اصابتها شرطا من العشرة ، فلم يغلب أحدهما الآخر ، ولم يجب إكمال العشرين ، إذ لا فائدة بالحصول إلّا الإتيان بالشرط الموجب للغلبة.

أمّا لو أصاب أحدهما خمسة من العشرة والآخر أربعة منها نضل صاحبه وغلبه ، فيأخذ العوض ، لأنّه قد شرط المبادرة ، بمعنى (يعني ـ خ) كل من أصاب خمسة من عدد عشرين ، وما أصاب صاحب الخمسة من تلك العدد من العشرين فهو نضل.

والظاهر أنّه لا يجب حينئذ إكمال العشرين أيضا لحصول الغلبة ، بل الشرط أيضا.

ونقل في التذكرة عن بعض العامة وجوب الإكمال لينتفع صاحبه بالعلم (٢) من راميه ، ونحو ذلك ، وفيه ما تقدم.

قوله : ولو شرطا المحاطة إلخ. أي لو شرط المحاطة في عشرين رشقا واصابة

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : مال نفسه.

(٢) في بعض النسخ : لتعلّم ، وفي بعضها بالتعلّم.

١٨٥

أصاب أحدهما تسعة منها والآخر خمسة تحاطا ، وأكملا ، ولو بادر أحدهما بعد المحاطة إلى إكمال العدد مع انتهاء الرشق ، فقد نضل صاحبه ، وان كان قبله وطلب المسبوق الإكمال ، أجيب مع الفائدة كرجاء الرجحان أو المساواة أو القصور عن العدد ، وان لم تكن فائدة لم يجب ، كما لو رميا خمسة عشر فأصابها أحدهما والآخر خمسة ، ويملك العوض بتمام النّضال.

______________________________________________________

الخمسة ، فأصاب كل منهما خمسة من عشرة تحاطا وأكملا ، فيجب الإكمال على تقدير وجوب العقد ، الّا مع التراضي بالفسخ ، لظهور الفائدة ، فهو بمنزلة ما لم يصيبا شيئا.

وكذا لو أصاب أحدهما تسعة من العشرة والآخر خمسة تحاطّا ، وأكملا العشرين ، لاحتمال أن يخطأ صاحب التسعة في كل العشرة الباقية ، ويصيب الكل صاحب الخمسة ، فيغلب صاحبه.

ولو بادر أحدهما بعد المحاطة إلى إكمال عدد الإصابة الذي هو شرط ، يعني أصاب أحدهما فقط دون الآخر خمسة ، مع انتهاء كل رشق منهما ، وهو العشرون ، فقد نضل صاحبه وهو ظاهر ، وان كان إكمال العدد (١) قبل انتهاء رشق صاحبه المسبوق وطلب لنفسه إكمال عدده ، يجب اجابته مع الفائدة كرجاء الرجحان ، مثل ان يرمى كل واحد عشرة ، فيصيب أحدهما ستّة والآخر واحدا ، ويبقى من الرّشق عشرة فيصيبها صاحب الواحد ، فيكمل له احد عشر ، ويخطأها الآخر فيحاطان ستة بستّة ، فيبقى لصاحب احد عشر خمسة أو المساواة (٢) مثل ان يرمى كل واحد خمسة عشر فيصيب أحدهما عشرة والآخر خمسة ، فإذا أكملا الرّشق أصاب صاحب الخمسة وأخطأ الآخر ، فيحصل لكلّ منهما عشرة.

__________________

(١) في بعض النسخ وان كان إكماله الخمسة إلخ.

(٢) عطف على قوله : كرجاء الرجحان.

١٨٦

ولو فسد العقد فلا عوض ، ولو خرج مستحقّا فعلى باذله المثل أو القيمة.

______________________________________________________

أو القصور عن العدد مثل ان يرمي كل واحد خمسة عشر وأصاب أحدهما عشرة والآخر اثنين ثم يرميان خمسة فيصيب صاحب الاثنين ويخطي صاحب العشرة فيقصر.

وان لم يكن فائدة لم تجب كما لو رميا خمسة عشر ، فأصاب أحدهما خمسة عشر والآخر خمسة ، ويملك العوض بتمام النضال لحصول شرط الملك حينئذ.

قوله : ولو فسد العقد إلخ. وجه عدم لزوم العوض المعيّن الذي شرط ، مع فساد العقد ، أنّ فساد العقد موجب للبطلان ، فلا شي‌ء حينئذ.

ويمكن ان يلزم اجرة المثل ، سواء قلنا انّ العقد لازم كالإجارة أو جائز كالجعالة.

والظاهر أيضا انّ المراد بالأجرة أجرة المثل لمجموع ركض الفرس ، لا مقدار السبق فقط ، وكذا رمى السّهام.

والظاهر انّ هذا مع جهل النّاضل والسابق لا مع العلم.

ولو كان الفساد بسبب كونه مستحقا للغير ، فعلى باذله مثل ذلك ان كان مثليّا ، والّا قيمته ، فإنّه رضى بذلك العوض فإذا تعذّر يلزم العوض.

ويمكن حينئذ أيضا أجرة المثل للفساد ، وهو الحكم في غير المسابقة مع غصبيّة العوض ، ويحتمل أقلّ الأمرين من العوض بالمثل أو القيمة ، ومن اجرة المثل ، لانّه قد رضي بالعوض المعين فمع التعذر تعين عوضه ولم يكن له الزيادة ، فإنّه أسقطها باختياره وعلمه ، ومع كون الأجرة أكثر.

ويمكن ان يقال : الأصل عدم لزوم شي‌ء ، وقد فسد هذا العقد فلا يستحقّ اجرة عمله ، كما لو فسد (العقد ـ خ) لغير ذلك.

ويحتمل ان يكون المراد بقوله : (ولو خرج مستحقا) أنّه ما فسد العقد

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بخروجه مستحقا ، بان كان العوض في الذمّة ، فدفعه وخرج المدفوع مستحقا ، وحينئذ يصحّ العقد ويلزم مثل ما دفع أو قيمته اعنى ما ذمّته ، فتأمّل.

ثم اعلم انّه على تقدير كونه جائزا كالجعالة يقوى عدم لزوم شي‌ء في صورة الفساد مطلقا ، لعدم الدليل.

ويؤيده ما قال في التذكرة : إذا وقع عقد المناضلة والمسابقة في الصحّة ودفع المال في مرض الموت ، فهو من رأس المال ان جعلناه اجارة ، وان جعلناه جعالة فهو من المتبرعات التي يخرج من الثلث ، وللشافعية وجهان ، ولو وقع العقد في المرض احتمل احتسابه من الثلث ، والتفصيل ، فان جعلناه جعالة فكذلك ، والّا فمن الأصل (١).

والتأييد ظاهر ، ولكن في كلام التذكرة نظر ، لانّ الجعل إذا كان غير زائد على اجرة المثل ، فينبغي خروجه عن الأصل ، سواء كان لازما أو جائزا ، واجرة الإجارة ، ان كانت زائدة فالزائد من الثلث والباقي من الأصل ، ولا دخل للزوم وعدمه في ذلك.

وبالجملة المال إذا كان سبب لزومه قبل المرض فهو من الأصل ، سواء دفع في المرض أم لا ، وانّ العقد إذا كان بأجرة المثل ، كان الجعل من الأصل ، والّا فالزائد من الثلث لازما كان أو جائزا ، فتأمّل في كلامها.

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة : ج ٢ ص ٣٧١.

١٨٨

«المقصد الخامس في الشركة»

وفيه بحثان الأوّل الشركة عقد جائز من الطرفين.

______________________________________________________

«المقصد الخامس في الشركة»

قوله : المقصد الخامس في الشركة وفيه بحثان إلخ. قال في التذكرة : الشركة هي اجتماع حقوق الملاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع إلخ.

فكون الشركة مطلقا عقدا (١) محلّ التأمّل ، فإن سببها قد يكون إرثا ، وقد يكون مزجا ، وقد يكون حيازة ، بأن يقلعا شجرة أو يغترفا ماء دفعة.

نعم قد يكون عقدا ، بان اشترى بعض حيوان ببعض حيوان آخر فصارا كلاهما مشتركين ، وهما شريكان ، وليس في شي‌ء منهما الشركة التي هي عقد.

ففي كونها عقدا مسامحة ، وهو ظاهر ، فإنّ الشركة هي الاجتماع المتقدّم ، فلا معنى لكونها عقدا وجائزا.

نعم البقاء على حكمه أمر جائز ، بمعنى انه لا يجب الصبر على الشركة ، بل يجوز دفعها ، وإبقائها ، فكأنّه يريد بالعقد معنى آخر للشركة غير ما تقدّم ، كما سيجي‌ء ذلك ، وبالجائز أنّه إذا أذن للتجارة وغيرها لا يلزم ذلك ، بل يجوز منعه بعد وطلب

__________________

(١) كما عرّفه قدّس سرّه في المتن.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

القسمة.

قال في التذكرة : الشركة جائزة بالنص والإجماع ، امّا النص فالكتاب والسنّة ، امّا الكتاب فقوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١) أضاف الغنيمة إليهم ، وجعل الخمس مشتركا بين الأصناف المذكورين ، وقوله تعالى (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) (٢) واما السّنة فنقل الروايات من العامة ـ إلى قوله ـ ومن طريق الخاصّة ما رواه هشام بن سالم (في الصحيح) عن الصادق عليه الصلاة والسّلام ، قال : سألته عن الرّجل يشارك الرجل في السلعة؟ قال : ان ربح فله ، وان وضع فعليه (٣).

وعن الحسين بن المختار ، أنّه سأل الصادق عليه السّلام ، عن الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه (وـ خ) قد اختان منه شيئا إله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من غير ان يبيّن ذلك (له ـ ئل يب)؟ فقال : شوه (٤) لهما ، اشتركا بامانة الله وانّى لأحبّ له ان رأى شيئا من ذلك ان يستر عليه ، وما أحبّ له ان يأخذ منه شيئا بغير علمه (٥).

والاخبار في ذلك كثيرة من طرق العامة (٦) ومن طرق الخاصّة ، وامّا

__________________

(١) الأنفال : ٤٠.

(٢) النّساء : ١٢.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب الشركة الرواية ١ ج ١٣ ص ١٧٤ وفي التهذيب يشاركه الرجل بدل يشارك الرجل.

(٤) بمعنى التنكير والتقبيح كما في الوافي.

(٥) الوسائل الباب ٥ من أبواب الشركة الرواية ١ ورواها في التهذيب في باب الشركة والمضاربة تحت رقم ٣٥ ج ٧ ص ١٩٢. ونقل الرواية أيضا في آخر هذا الباب هكذا : وانى لا أحب له ان رأى منه شيئا من ذلك ان يشير عليه.

(٦) منها ما يستفاد من سنن أبي داود ج ٣ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ وص ٢٨٥.

١٩٠

ولا يصحّ شرط الأجل ، لكن يثمر المنع من التصرف إلا بإذن جديد.

وتحقّق بمزج المتساويين ، وباستحقاق الاثنين الشي‌ء ، إمّا بالإرث أو الحيازة ، أو بابتياع جزء من احد المختلفين بجزء من الآخر.

وانما تصحّ بالأموال ، دون الأبدان والوجوه والمفاوضة.

______________________________________________________

الإجماع ، فإنه لا خلاف بين المسلمين على الجملة ، وان اختلفوا في أنواع منها (١).

كأنّه يريد الاستدلال على حصول حكم الاشتراك ، والّا حصولها ضروريّ أو (وـ خ) المعنى العرفي غير المعنى المتقدم ، وهو عقد ثمرته جواز تصرّف مالك في ماله ومال غيره ، كما سيجي‌ء تحقيقه ، فتأمّل.

قوله : ولا يصحّ شرط الأجل إلخ. أي لو شرط أجلا في نوع من الشركة المتقدّمة بالمعنى في العقد لم يلزم ذلك الأجل ، بمعنى أنّه لم تنته بانتهاء الأجل ، بل هي حاصلة بعده أيضا ، ما لم تحصل القسمة.

لكن ثمرة شرط الأجل المنع للشريك من التصرف في المشترك حتى يحصل اذن جديد ، فلو مزجا ماليهما ، وقال أحدهما للآخر تصرف بالبيع ونحوه ، ونحن نكون شركاء إلى سنة ، فالشركة بعد السنة باقية ، ولم يجز لأحدهما التصرف ، الا (الى ـ خ) ان يعلم اذنه ، فتأمّل.

قوله : وتتحقّق بمزج المتساويين إلخ. وقد مرّ تحقيقه.

قوله : وانّما تصحّ بالأموال إلخ. قال في التذكرة : الشركة على أربعة أنواع ، شركة العنان (من عنّ ـ خ) وهي ان يخرج كلّ مالا ويمزجاه ، ويشترط (ويشترطا ـ خ) العمل فيه بأبدانهما ، ونقل الخلاف في سبب التسمية ، واشتقاق

__________________

(١) انتهى ما في التذكرة ج ٢ ص ٢١٩ كتاب الشركة.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

العنان من أين؟ ـ الى ان قال ـ ولذلك وقع الإجماع من العلماء على صحّتها ، واختلفوا في غيرها ، وامّا شركة الأبدان فهي أن يشترك اثنان فصاعدا فيما يكتسبان بأيديهم كالصنّاع يشتركون على ان يعملون في متاعهم فما رزق الله فهو بينهم على التّساوي أو التفاوت (١).

والظاهر انّ هذه الشركة أعمّ من ذلك فإنّها تعم شركة الصّانع في متاعه وغيره.

وشركة المفاوضة هي (فهي ـ خ) ان يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلزمان (٢) من غرم ويحصل لهما من غنم ، فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر ، من أرش جناية أو غصب أو قيمة متلف وغرامة لضمان أو كفالة ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة أو يكتسبه من (في ـ خ) تجارة بما له المختص به ، قال صاحب إصلاح المنطق (٣) : شركة المفاوضة ان يكون ما لهما من كل شي‌ء يملكانه ، بينهما ، وشركة الوجوه قد فسرت بمعان ، أشهرها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ، ليبتاعا في الذمة إلى أجل ، على ان ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما فيبيعاه ويؤدّيا الأثمان ، فما فضل فهو بينهما وقيل ان يبتاع وجيه في الذمة ويفوّض بيعه الى حامل ويشترطا ان يكون الربح بينهما ، وقيل ان يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ،

__________________

(١) قال في التذكرة : الشركة على أربعة أنواع ، شركة العنان وشركة الأبدان وشركة المفاوضة وشركة الوجوه إلخ ج ٢ ص ٢١٩.

(٢) في التذكرة : ويلتزمان.

(٣) لإمام اللغة والنحو أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن سكيت الشهيد سنة ٢٤٣ قتله المتوكل في يوم الاثنين لخمس خلون من رجب ويحتمل ان يكون المؤلّف هو أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري المتوفى سنة ٢٩٠ هو تلميذ ابن السكيت (الذريعة ج ٢ ص ١٧٣ تحت رقم ٦٣٨.)

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويكون المال في يده لا يسلّمه الى الوجيه ، والربح بينهما ، وقيل ان يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له ـ ثم قال ـ : لا يصحّ شي‌ء من أنواع الشركة سوى شركة العنان ، وقد بيّنا أنّ شركة العنان جائزة ، وعليه إجماع العلماء في جميع الأعصار ، وامّا شركة الأبدان فعندنا أنّها باطلة سواء اتفق عملهما أو اختلف ، بان يكون كل واحد منهما خياطا ، ويشتركان في فعل الخياطة ، أو يكون أحدهما خياطا والآخر نجّارا ، أو يعمل كل واحد منهما في صنعته ويكون الحاصل بينهما ، وسواء كانت الصنعة البدنية في مال مملوك ، أو في تحصيل مال مباح كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش (١).

ولا يظهر دليل على عدم الجواز سوى الإجماع ، فإن كان فهو ، والّا فلا مانع ، فإنّه يرجع الى الوكالة في بعض الأمور وتمليك مال في البعض الآخر وبذل نفس وعمل في مقابلة عوض ، ولا مانع منه في العقل والشرع ، ولهذا جوّز بعض أقسامها بعض العامة ، ونقل انّ مذهب الشافعي كمذهب الأصحاب ثم قال : وشركة المفاوضة عندنا باطلة ، وليس لها أصل ، وبه قال الشافعي ومالك ، ثم قال : وشركة الوجوه عندنا باطلة ، وبه قال الشافعي ومالك (٢).

والبحث فيهما مثل ما تقدّم ، فتأمّل.

ثمّ قال : أركان الشركة ثلاثة الأوّل المتعاقدان ويشترط في كل منهما البلوغ والرشد والعقل والاختيار والقصد وجواز التصرّف ، والضابط (الضابطة ـ خ) أهلية التوكيل والتوكّل ، لأنّ كل واحد من الشريكين متصرف في جميع المال ، امّا فيما يخصّه فبحق الملك ، وامّا في مال غيره فبحق الاذن من ذلك الغير ، فهو وكيل عن صاحبه وموكّل لصاحبه بالتصرف في ماله.

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة.

(٢) انتهى كلام التذكرة.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يصحّ وكالة الصبي ، لعدم اعتبار عبارته في نظر الشرع ، ولا المجنون لذلك ، ولا السفيه ، ولا المكره ، ولا الساهي والغافل والنائم ولا المفلّس المحجور عليه ، لأنّه ممنوع من جهة الشرع من التصرف في أمواله.

ولا فرق في ذلك بين ان يأذن من له الولاية عليهم في ذلك أولا ، إلّا المفلّس ، فإنّه إذا اذن له الحاكم في التوكيل أو التوكل جاز ، وكذا السفيه (١).

ـ الى قوله ـ الثاني الصيغة ، وقد بيّنا انّ الأصل عصمة الأموال على أربابها وحفظها لهم ، فلا يصحّ التصرف فيها إلّا بإذنهم ، وانّما يعلم الرّضا والاذن باللفظ الدالّ عليه فاشترط اللفظ الدالّ على الاذن في التصرف والتجارة ، فإذا (فإن ـ خ) اذن كل واحد منهما لصاحبه صريحا ، فلا خلاف في صحته ، ولو قال كل منهما : اشتركنا ، واقتصرا عليه مع قصدهما الشركة بذلك ، فالأقرب الاكتفاء به في تسلّطهما على التصرف به من الجانبين لفهم المقصود عرفا ، وهو أظهر وجهي (قولي ـ خ) الشافعية ، وبه قال أبو حنيفة ، والثاني أنّه لا يكفي لقصور اللفظ عن الاذن.

ـ الى قوله ـ : الثالث المال ، يشترط في المال المعقود عليه الشركة ان يكون متساوي الجنس ، بحيث لو مزج ارتفع الامتياز بينهما ، وحصل الاشتباه بينهما ، سواء كان المال من الأثمان أو العروض ، كما لو مزج ذهب بذهب مثله أو فضة بمثلها أو حنطة بمثلها ، أو دخنا (٢) بمثله الى غير ذلك ، ممّا يرتفع فيه المائز بينهما (٣).

وقد صرّح مرارا انّ الشركة لا بدّ لها من عدم امتياز المالين ، سواء كان مثليّا أو قيميّا ، وأنّه قد تكون اختيارية ، وقد لا تكون اختيارية ، وادّعى إجماع علمائنا على أنّها تجري في العروض والأثمان ، وانّها لا تصحّ بدون مزج المالين وقد

__________________

(١) راجع ص ٢٢١ من التذكرة ح ٢.

(٢) الدخنة ذريرة تدخن بها البيوت والظاهر أنّه دخن بالرفع لا دخنا بالنصب.

(٣) ص ٢٢١ من التذكرة.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفت أيضا فيما سبق.

وأنت تعرف انّ تلك الشركة ما تحتاج الى عقد ولا عاقد ، ولعلّ مراده غير تلك الشركة ، بل هي باعتبار الأحكام المترتبة عليها من جواز التصرف والتجارة وحصول الرّبح وغيرها.

وقال أيضا فيها المقصود في هذا المقصد ، البحث عن الشركة الاختيارية المتعلقة بالتجارة وتحصيل الرّبح والفائدة ، فيمكن أن يؤخذ تعريفا آخر للشركة ، ويكون هذه الأركان والأحكام لها دون ما عرّفها بالتعريف المشهور.

فكأنّ المراد بها عقد ثمرته جواز تصرّف الملاك في مال نفسه (١) وغيره ، وحينئذ يحتاج الى عقد ، وهو لفظ ، بل أمر دالّ على الاذن في ذلك بأيّ وجه كان ، بحيث لا يحتمل غيره مجازا أو حقيقة ، ولا يحتاج الى قبول لفظي والمقارنة كما في سائر العقود ، لأنّه توكيل واذن في التصرّف ، ففي عدّه من العقود تسامح.

وأمّا اعتبار ما اعتبره في التذكرة في المتعاقدين ، كما نقلنا عنه آنفا فجيّد ، الّا أنّه قال : (لان كل واحد منهما متصرف إلخ) وذلك غير معتبر في الشركة ، بل يكفي جواز التصرف من أحدهما.

وأيضا قال : ولا فرق في ذلك بين ان يأذن له من له الولاية عليهم في ذلك أولا ، إلّا المفلّس ، فإنه إذا اذن له الحاكم في التوكيل والتوكّل جاز وكذا السفيه.

وفي السفيه إشكال ، إذ ليس له أهليّة التصرف والمعرفة بالمعاملة وكيفية حفظ مال نفسه ، فكيف يسلّطه الحاكم على تصرّفه في ماله أو تصريفه غيره فيه.

ولعل نظره الى انّ مجرد السّفه غير مانع من التصرف ، الّا مع حجر الحاكم وانّ الحجر على الحاكم ما دام سفيها غير واجب ، والأوّل مذهبه في السّفه العارض

__________________

(١) يعني كل في مال نفسه.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الرشد ، ولكن الثاني بعيد ، فإنّه الولي كولي الأيتام والمجانين ، ويعرف انه يضيّع الأموال.

ويحتمل ان يكون مقصوده انّه يصحّ (يصلح ـ خ) مجرد عقد الشركة بعبارة السفيه باذن الحاكم ، فانّ عبارته معتبرة ، الّا انّ الحاكم منعه لوجه ، فإذا جوّز الحاكم أفاد كلامه مفاده ، وصار معتبرا كسائره ، ككلام غيره ، وإذا تصرّف بنظر الحاكم يجوز تصرّفه أيضا ، لأنّه علم أنّه مع المصلحة ، وعبارته للبيع والشراء أيضا معتبرة ، وليس بمسلوب القابليّة كالطفل والمجنون ، فالنظر والاعتبار في عقد الشركة وما يترتّب عليها من التصرف بالحقيقة إلى الحاكم ، وانّما السفيه هو الآلة ولافظ وقاصد ، وذلك غير مسلوب عنه.

وحينئذ يمكن مثل ذلك في الصبيّ المميّز ، خصوصا صاحب التمييز القويّ المراهق.

وأيضا فيما اعتبره (فيما سبق ـ خ) في الصيغة تأمّل ، حيث قال : فلا يصحّ التصرف فيها إلّا بإذنهم (فيها ـ خ) وانّما يعلم الرّضا والاذن باللفظ الدالّ عليه ، فاشترط اللفظ الدالّ على الاذن في التصرف والتجارة ، لأنّ العلم بالاذن والرضا ليس منحصرا في اللفظ ، بل يعلم بالإشارة والفعل والكتابة أيضا ، وهو ظاهر.

فكأنّه يريد اللفظ وما يقوم مقامه من الدلائل ، ولهذا اكتفى ب (اشتركنا) مع أنّه أعم ، إذا الشركة تحصل بالاختيار وغيره ، ولا يستلزم بمجردها الاذن في التصرف ، وهو ظاهر.

الّا انه اكتفى بالقرائن وظهور قصد ذلك ، وان لم يكن اللفظ صريحا في ذلك ، فعلم ان المدار على العلم بالرّضا والاذن كما في الوكالة.

واعلم انّ مرادهم بالشركة حكم الشّارع بانّ هذا صار شركة بينهما لعدم التمييز بين الحقوق ، لا صيرورة المال وكل جزء جزء منه كذلك في نفس الأمر ، فإن

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الغالب من أسبابها هو المزج ، وقد صرّح في التذكرة فيما سبق ، انّ ذلك أعمّ من ان يكون في الأثمان أو العروض التي من ذوات الأمثال ، مثل الحنطة والدخن.

نعم قد يتحقق ذلك في الإرث وشراء شي‌ء بالاشتراك ونحو ذلك. وحينئذ فيما ذكره ـ في بيان المال الّذي يجري في الشركة فيما تقدم في التذكرة ـ أيضا تأمّل ، حيث اشترط تساوى الجنسين في المال المشترك أثمانا وعروضا إذ يجري حينئذ بالمعنى المتقدم في غير المتجانسين أيضا ، حيث ارتفع المائز.

ويؤيده ان ليس الّا الاشتباه ، وهو حاصل (مشترك ـ خ) ، وانّه أيضا قد يحصل التفاوت قيمة ووصفا في المتجانسين أيضا ، وهو واضح.

وأيضا لا شكّ في تحقق الاذن في التصرف على وجه الشركة بالشّراء بالعين المماثل وغيره ، فيحصل فائدة الشركة ، بل يحصل ذلك مع الامتياز أيضا ، الّا أنّه (ان ـ خ) يكون الشركة باعتبار القيمة ، فلا مانع منها حينئذ.

ولهذا قال في التذكرة بعد الركن الثالث : المال ، وبيان الشركة بعده ـ على ما نقلناه ـ تذنيب (١) ، إذا اشتركا فيما لا مثل له كالثّياب وحصل المزج الرافع للامتياز تحققت الشركة ، وكان المال بينهما ، فان علمت قيمة كل واحد منهما ، كان الرجوع الى نسبة تلك القيمة ، والّا تساويا ، عملا بأصالة التساوي إلخ (٢).

يعلم انّ عقد الشركة والشركة بالمعنى الأوّل يتحقق في غير المتجانسين من العروض غير ذات الأمثال ، بل تكون قيميّات ومختلفات ، فيمكن ان يحصل الربح ، كما في غيرها بأن يأذن أحدهما لصاحبه في التجارة بها فاتّجر وحصل الربح ، كما صرّح في التذنيب ، الّا ان في الحكم ـ مع عدم العلم بالقيمة بالتساوي للأصل ـ

__________________

(١) في التذكرة قال : مسألة إذا اشتركا إلخ.

(٢) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٢٢ (كتاب الشركة).

١٩٧

والرّبح والخسران على قدر رأس المالين (المال ـ خ) ما لم يشترطا الضدّ ، على رأى.

______________________________________________________

محلّ التأمل ، بل ينبغي هنا الصلح والتراضي فإن مساواة الاعراض بحسب القيمة مع تخالف الجنس نادر ، والأصل لا يقتضي ذلك.

نعم مع التشاحّ وعدم الرضا بالصلح بوجه ، لإخلاص سوى ما ذكره المصنّف رحمه الله فيقسّمان جميع المال متساوية مع عدم العلم بالتفاوت أصلا ، ومعه ومع الاشتباه يمكن القرعة.

واعلم أيضا أنّه كان ينبغي ان يعرفوا رحمهم الله الشركة في هذا المقام بغير التعريف المشهور ، لأنّ غرضهم بيان الشركة التي هي مثل العقود ، ويترتّب عليها الاحكام من ربح ونحوه ، ويذكرون أنّه عقد جائز ، وله أركان ، فليس المراد اجتماع حقوق الملاك في مال واحد ، لما بيّنا ، بل التي يحصل معها التصرّف في المال المشترك ، ومع ذلك لم يعرّفوها بهذا التعريف ، بل عرّفوها في هذا المقام بالتعريف الأوّل في كثير من الكتب مثل الشرائع والتذكرة ، وكأنّهم بنوا كلامهم على انّ المقصود واضح ، وهو انّ الشركة الحقيقية هو الاجتماع ، وامّا الأحكام فرتّبت (فيترتّب ـ خ) بالإذن في التصرف في المال المشترك وذلك عقد جائز وله أركان ثلاثة.

قوله : والرّبح والخسران على قدر رأس المالين إلخ. يعني إطلاق عقد الشركة يقتضي قسمة الرّبح بنسبة رأس المالين ، مع تساوي العملين ، بل مع تفاوت العمل أيضا ، فيكون صاحب زيادة العمل متبرعا بها ، ويحتمل اجرة المثل لزيادة عمله ، والأصل ينفيها ، فمع تساوي المالين الرّبح يكون متساويا بينهما مطلقا مع الإطلاق والرّبح والخسران على الضعف لو كان المالان كذلك ، فلصاحب ضعفه ضعف الرّبح والخسران ، لانّ الرّبح كالجزء من الأصل فيكون حكمه حكم الأصل ، والخسران نقص (١) من جزء رأس المال ، فإذا كان مشتركا على الضعف ،

__________________

(١) في النسخة المطبوعة نقص جزء من رأس المال.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا محالة يكون التالف من صاحب الضّعف ضعف التالف من الآخر.

اما لو شرط التفاوت مع تساوي المالين ، فان كان لصاحب الزيادة عمل زائد على عمل الآخر يقابل تلك الزيادة ، فالظاهر ان لا خلاف في جواز هذا العقد ولزوم العمل بالشرط ، في القسمة ، وكذا مع تفاوتهما لو كان زيادة العمل تقابل زيادة المال.

وانّما الخلاف فيما شرط زيادة الرّبح لقاصر العمل أو للمساوي أو للزائد ، مع وجود ما يقابلها في المال ، وكذا إذا شرط التساوي مع تفاوت المالين ، فنقل عن الشيخ في التذكرة بطلان الشركة ومقتضاها لبطلان شرطها ، فان من شرط صحة العقد عنده كون الرّبح والخسران على قدر المالين ، وهو مذهب الشافعي ومالك ، لأنّه لو شرط التفاوت في الخسران مع التساوي لم يصحّ الشركة ، بل يكون تفاوت التالف بالنسبة ، لا بحسب الشرط ، والظاهر اللّزوم ، لاوفوا ، والمسلمون عند شروطهم ولأنّه شرط ليس فيه خلاف الكتاب والسنّة ، لأنّ لصاحب المال ان يفعل به ما يريد ، الّا الممنوع منه شرعا ، وليس هنا منع واضح ، فيلزم كسائر الشروط في سائر العقود ، ولان هذا كالمضاربة ، فكما يجوز التفاوت فيها مع الشرط ، وبدونه محمول على التناصف كذلك هنا ، فان المال هنا بمنزلة العمل هناك (١).

وقد يقال كون ذلك شرطا ممنوع ، بل هو المتنازع فيه ، والقياس على الخسران لو صحّ فهو قياس ، مع أنّه فرق بينهما ، لانّ التالف عن المال المشترك الّذي ضعفه لواحد ونصفه لآخر لا يمكن ان يكون منهما على التساوي ، فالشرط هنا باطل ، لأنّه بمنزلة أن يشترط كون تلف مال نفسه الخاص من غيره ، وذلك ممّا

__________________

(١) هذا ملخص ما قاله في التذكرة راجع ج ٢ ص ٢٢٥ مسألة ، إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على قدر رؤس الأموال انتهى.

١٩٩

ولا يصحّ لأحدهما التصرّف ، إلّا بإذن شريكه ، ويقتصر على المأذون فيضمن لو خالف.

______________________________________________________

لا يمكن إلّا بمعاملة وعقد.

ثم انّ ظاهر ما هنا موافق للتذكرة ، من قوله : (على قدر رأس المالين ما لم يشترطا الضدّ) ، أنّه على تقدير شرط الضد رأي خلاف نسبة المالين ـ لم يصحّ ، سواء اشترط الزيادة لصاحب زيادة عمل أو ناقصة ، مع المساواة في المال ، أو نقصانه فيه أيضا.

ولكن يشعر بان الخلاف يكون في الجملة ، كما يشعر به قول الشيخ انّ التساوي شرط ، الّا انّ ظاهر التذكرة عدم الخلاف فيما إذا كان لصاحب الزيادة زيادة عمل.

قال في التذكرة : لو اختص أحدهما لمزيد (بمزيد ـ خ) عمل وشرط مزيد ربح له صحّ عندنا.

ويحتمل ان يريد ب (عندنا) عند نفسه لا عند الشيخ أيضا ، ويؤيّده قوله : وهو ظاهر على أصلنا وأصل أبي حنيفة ، وللشافعي قولان ، فان مذهب الشيخ كان مذهب الشافعي (مذهبا للشافعي ـ خ) فيحتمل ان يكون للشافعي هنا أيضا قول موافق للمساواة ، لقول الشافعي ، ولكن التفاوت موجود ، ولهذا كان مذهب الشافعي ـ فيما إذا لم يكن لصاحب الزيادة عمل ـ عدم الصحّة قولا واحدا ، لأن عبارة المصنف توهم أنّه لو شرط زيادة الخسران على أحدهما يكون لازما ومتّبعا كالرّبح أو جعلهما واحدا ، وهو خلاف للظاهر ، بل الحق ، لما (ما ـ خ) عرفت ، فتأمّل.

قوله : ولا يصحّ لأحدهما التصرف إلخ. لمّا كان المال المشترك تعلق به حق كل من الشريكين ، وقد ثبت بالعقل والنقل عدم جواز التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه فلا يجوز لأحد الشركاء التصرف في المشترك إلّا بإذن باقي الشركاء ،

٢٠٠