مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

وحينئذ يثبت أقلّ الأمرين من اجرة المثل وما ادّعاه العامل ، الّا ان يزيد ما ادّعاه الجاعل على الأجرة ، فيثبت عليه ما ادّعاه.

______________________________________________________

غارما ، وعدم خروج مال عن مالكه (ملكه ـ خ) الا برضاه ، وهو غير ثابت.

واما ثبوت الأقل ، فلأنه قد علم انّه عمل عملا بأجرة غير متبرّع ، وبطل ما عيّن باليمين ، فبقي عمل موجب للأجرة ، مع عدم تعيين الأجرة ، فله اجرة المثل ، الّا أنّه لو كان اجرة المثل أكثر ممّا يدّعيه لا يجوز له الطلب بإقراره لاستحقاقه دون ذلك.

وهذا في المقدار واضح ، وفي الجنس ينظر الى قيمته واجرة المثل ، الّا ان يكون اجرة المثل أقل ممّا ادعاه الجاعل أو مساويا مع كونه أقلّ ممّا يدّعيه العامل ، فيثبت ذلك له ، ويجب على الجاعل إعطاءه ولم يجز للعامل طلبه.

وبالجملة الحكم بحسب الظاهر ظاهر وبالنسبة إلى نفس الأمر كلّ ، مكلّف بما هو معلوم عنده.

وقال البعض ، ما ذكره المصنف صحيح بشرط التحالف ، فيحلف العامل أيضا على نفى ما يدّعيه الجاعل ، لأنّه بالحقيقة هنا دعويان فكل مدّع ومنكر كما تقدم مثله ، وبعده يثبت للعامل ما ذكره المصنّف إلخ.

والظاهر ان التحالف في المقدار محلّ التأمل ، وفي التحالف في الجنس يمكن ذلك ، لأنّه بمجرد يمين الجاعل على نفي ما يدّعيه العامل لا يثبت اجرة المثل ، إذ قد يكون الأجرة تلك المعينة التي ادعاها الجاعل ، فلا بد من نفيها أيضا حتى تبطل الأجرة بالكلية ، ويثبت اجرة المثل ، وهو ظاهر.

ولعل مراد المصنف ما ذكره المحشّي ، ولهذا قال : بأقلّ الأمرين ، وتركه للظهور ، ولانّ العامل قد لا يدعيه والجاعل يبذله فكأنّه تسامح الجاعل بترك جعله ورضى بأجرة المثل.

وبالجملة الحق له فأسقط ورضي وقال انا ما أحلفه (١) ، فليس له الّا اجرة

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة بعد قوله قدّس سرّه انا ما أحلفه : وهو لا يدّعى ما رددته باليمين.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

المثل بناء على دعواه.

نعم له ان لا يرضى بأجرة المثل الّا بعد ان يحلفه على نفي ما ادّعى كونه اجرة ، فلا قصور في المتن بل ولا ترك ما لا بدّ من ذكره ، فإنه ما قال انّه يجب اجرة المثل غضبا عليه ، بل بناء على هذه الدعوى فقط ، ولو أراد هو نفيها يجوز.

ولكن الكلّ مكلّف بما بينهم وبين الله ، بل ينبغي الإبراء والاسقاط والصلح ، فان الجاعل كيف يتصرف فيما قاله أنه الأجرة ، وكذا العامل كيف يتصرّف في اجرة المثل مع اعتقاده استحقاق العين المعيّنة ، فكأنّه وقع الرّضا من كل واحد بعد اليمين بأخذ هذا الحق بدل حقّه ، وان كان له زيادة ، فتأمّل.

ثمّ اعلم انّ العذر المذكور عن المصنف لعدم ذكره لا بأس به ، ولكن أظن انّ التحالف وما ذكره المصنف أيضا غير جيّد ، لانّ العامل إذا ادّعى أجرة معيّنة وحلف منكره ، سقط حقّه ، يعني انّه ما بقي له حق يمكن له طلبه في الدنيا وأخذه بينه وبين الله ، على ما ثبت في بحث القضاء ان اليمين مسقط للحق في الدنيا ، وهو ما يدّعي غيره ، فلا يستحق في ذمّته شيئا ، وأصل براءة الذمّة أيضا يقتضي العدم ، فلا وجه لإثبات أجرة المثل قبل التحالف ، كما يفهم من ظاهر كلام المصنف ولا بعده ، كما قاله المحقق الثاني ، وقد أشرنا إلى مثله مرارا ، فتذكّر ، كأنّه قد أشار إليه في القواعد.

قال في التذكرة : لو جاء بعبده أو ضالّته أو لقطته أو ثوبه مخيطا ، وطالبه بالعوض ، فأنكر المالك شرط الجعالة وقال : لم اجعل لك شيئا ، فالقول قول المالك لأصالة عدم الشرط إلخ.

ظاهره ان لا شي‌ء له ، وليس ببعيد ، للأصل ، وقد يكون متبرعا ، ولكن كلامهم في أمثاله يقتضي أجرة المثل ، والوجه غير ظاهر.

١٦٢

«المقصد الرابع في السبق والرماية»

وانّما يصحّان في السّهم ، والنشّاب (١) والحراب (٢) ، والسيف ، والإبل ، والفيلة ، والفرس ، والحمار ، والبغل ، دون الطيور ، والقدم ، والسفن ، والمصارعة ، وشبهها.

______________________________________________________

«المقصد الرابع في السبق والرماية»

قوله : المقصد الرابع في السبق والرماية إلخ. قال في التذكرة : قد ثبت جواز هذا العقد بالنصّ والإجماع ، اما النّص فالكتاب والسنّة ، قال الله تعالى : (يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) (٣) فأخبر الله تعالى بذلك ، ولم يعقّبه بإنكار ، فدلّ على مشروعيته عندنا ، وقال الله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) (٤) وروى عقبة بن عامر أن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، قال : ألا انّ القوّة

__________________

(١) والنشّاب ـ بالضمّ والتشديد ـ السهام ، الواحدة النشّابة (مجمع البحرين).

(٢) الحربة كالرمح تجمع على حراب ككلبة وكلاب (مجمع البحرين).

(٣) يوسف : ١٧.

(٤) الأنفال : ٦٠.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الرّمي قاله ثلاثا (١).

وجه الاستدلال انّ الله تعالى أمرنا بأعداد الرّمي ورباط الخيل للحرب ولقاء العدو ، والاعداد لذلك انما يحصل بالتعلّم ، والنهاية في التعلّم المسابقة بذلك ، إلخ (٢).

وأنت تعلم ان لا دلالة في الآية الأولى على العقد المطلوب ، وعلى تقديره لا تدل على مشروعيّته ، فإن فعلهم ليس بحجّة ، ومجرد عدم الإنكار لا يدلّ عليها ، فإنه ليس في وقت الفعل ، وقد نقل في القرآن العزيز كثير من المنكرات بدون الإنكار ، وعلى تقديرها شرع من قبلنا ليس بحجة علينا.

والآية الثانية أبعد ، وهو ظاهر.

وأما السنّة فما روي (فاروى ـ خ) عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، أنه قال : لا سبق إلّا في نصل أو خفّ أو حافر (٣) ، والنّصل يشمل النّشاب ، وهي للعجم ، والسهم ، وهو للعرب ، والمزاريق (٤) وهي الرّدينيّات (٥) والرّماح والسّيوف ، كل ذلك من النصل واسمه صادق على الجميع. وأمّا الخفّ فالإبل والفيلة ، وأمّا الحافر فيشمل الخيل والبغال والحمير (الى قوله) : ومن طريق الخاصة قولهم عليهم السّلام

__________________

(١) سمع عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يقول وهو على المنبر : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ألا إن القوّة الرمي ، إلا إن القوّة الرمي ، إلا إن القوّة الرمي. مسند أحمد ج ٤ ص ١٥٧ سطر ١.

(٢) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٥٣ وتمامه : ليكد كل واحد نفسه في بلوغ النهاية والحذق فيه. انتهى موضع الحاجة من كلامه قدّس سرّه.

(٣) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٢٦٥ ولاحظ ذيله.

(٤) المرزاق : رمح قصير (القاموس).

(٥) الرّديني : اسم (القاموس).

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

انّ الملائكة لتنفر عند الرّهان وتلعن صاحبه ما خلا الخافر والخفّ والريش والنصل (١).

واما الإجماع فلا خلاف بين الأمّة في جوازه على الجملة ، وان اختلفوا في تفاصيله (٢).

وقد عرفت عدم دلالة الكتاب ، وأمّا السنة فالخبر الأوّل عامي ، وكذا غيره ممّا نقله بعده فيها.

وان قال في شرح الشرائع : انّ الخبر الأوّل (٣) حسن ، فيما رواه أصحابنا ، ولكن ما رأيته ، وكلام التذكرة ، يدلّ على كونه عاميا فقط ، حيث قال بعده ، وأمّا من طريق الخاصة إلخ.

والثاني أيضا غير معلوم صحّة سنده ، رواه في الفقيه في باب من يجب ردّ شهادته ، عن العلاء بن سيابة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال : لا بأس ، إذا كان لا يعرف بفسق ، قلت : فانّ من قبلنا يقولون : قال عمر هو شيطان ، فقال : سبحان الله ، أما علمت انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ان الملئكة لتنفر عند الرّهان وتلعن صاحبه ، ما خلا الحافر والخف والريش والنّصل ، فإنها تحضره الملائكة إلخ (٤).

وقريب منه في باب بيّنات التهذيب ـ قال بعد ذكر ما في الفقيه ـ : وبهذا الاسناد سمعته يقول : أي أبو عبد الله عليه السّلام ، لا بأس بشهادة من (الذي ـ يب) يلعب بالحمام ، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه ، فان رسول الله صلّى

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٣ ص ٣٤٧ ، الباب ١ من كتاب السبق والرماية ، ح ٦.

(٢) انتهى كلام التذكرة ص ٣٥٣.

(٣) يعني رواية عقبة بن خالد.

(٤) الوسائل الباب ٥٤ من كتاب الشهادات الرواية ٣ ج ١٨ ص ٣٠٥ وتمام الرّواية : وقد سابق رسول الله صلّى الله عليه وآله أسامة بن زيد واجرى الخيل والخبر الذي قبله ، سنده هكذا : احمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن موسى ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه عن علي بن عقبة ، عن موسى بن النميري ، عن العلاء بن سبابة قال :

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الله عليه وآله قد اجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : انّ الملائكة تحضر الرّهان في الخف والحافر والريش ، وما سوى ذلك قمار حرام (١).

فيهما دلالة على جواز الرهانة بالحمام ، وانّ من لا يعرف بفسق يقبل شهادته ، مع اشتماله على ما لم يقل به الأصحاب من جواز القمار بالريش أي الطير.

والعجب انّه غير موجود في الخبر العامي ، مع قولهم به ، وموجود في الخاصّي مع عدم القول به ، وحمل الريش على التقيّة ـ للإجماع وغيره ـ لا يخلو من بعد ، ولكن لا بدّ منه مع ثبوته.

ثم شمول النصل لجميع أقسام النشّاب التي في رأسها الحديد غير بعيد ، وكذا شموله للسيف والرّمح ، (والثلاثة ـ خ) (٢) مجمع عليه ، قاله في التذكرة وشرح الشرائع.

قال في القاموس : النصل والنصلان حديدة السهم والرّمح والسيف ما لم يكن له مقبض ، فيريد (فيزيد ـ خ) هنا ما فيه الحديدة.

وامّا شمول الخف للفيل فغير واضح ، قال في القاموس : الخفّ لا يكون الّا للبعير والنّعام.

والظاهر شمول الحافر للثلاثة المذكورة (٣) ، كأنّه لإجماع الأصحاب مع عدم الحرب بالحمار ، ولكن جوازه بالفيل مجمع الأصحاب قاله في التذكرة وشرح الشرائع ، فليس هنا دليل واضح إلّا الإجماع المستند الى ما تقدم ، والأصل.

الّا انّ تحريم القمار مطلقا كأنّه إجماعي ، فما بقي الأصل ، الّا أنّ المذكورات خرجت بالإجماع والنصّ المتقدّم.

ثم انّ الظاهر ان لا خلاف في تحريم القمار بالعوض عند الأصحاب ، وعليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كتاب السبق والرماية ، الرواية ٣.

(٢) أي الخف والنصل والحافر.

(٣) يعني الخيل والبغال والحمير.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر الكتاب (١) والسنّة ومنها الخبران المتقدمان ان قرء السبق محركة ، وهو العوض ، قال في القاموس : هو الخطر ، وقال فيه : هو السبق يتراهن عليه ، وهو العوض ، صرّح به في التذكرة ، قال في شرح الشرائع (٢) : المشهور قراءة سبق بفتح الباء وهو العوض المبذول للعمل ، وليس المراد نفي الماهيّة ، بل أقرب المجازات ، أي لا يصحّ بذل عوض في ملاعبة إلّا في هذه الملاعبة بالثلاثة ، وعلى هذا لا ينفي جواز غيرها بغير عوض ، وربما رواه بعضهم بسكون الباء ، أي لا يقع هذا الفعل إلّا في ثلاثة ، فيكون ما عداها غير جائز ، ومن ثمّ اختلف في المسابقة بنحو الأقدام ورفع الحجر والمصارعة ، وبالآلات الّتي لا تشتمل على نصل بغير عوض هل يجوز أم لا فعلى رواية الفتح يجوز وعلى السكون لا وفي الجواز مع شهرة روايته بين المحدثين موافقة للأصل ، خصوصا مع فرض غرض صحيح على تلك الاعمال.

واعلم انّ الأصل جواز كل شي‌ء حتّى يعلم تحريمه ، فكأنّ القمار أي الرهانة علم تحريمه ، كما مضى حتى لعب الصبيان بالجوز.

وقد علم أيضا تحريم بعض اللهو بآلات القمار وان لم يكن فيه رهن وعوض ، مثل النرد والشطرنج.

__________________

(١) هو قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ.) البقرة ٢١٩.

(٢) في المسالك : المشهور في الرواية فتح الباء من سبق وهو العوض المبذول للعمل ، كما سيأتي وماهيّة المنفيّة غير مرادة بل المراد نفي حكم من أحكامها أو مجموعها بطريق المجاز كنظائره وأقرب المجازات اليه نفي الصحة ، والمراد انه لا يصحّ بذل العوض في هذه المعاملة ، إلّا في هذه الثلاثة ، وعلى هذا لا ينفى جواز غيرها بغير تعوّض ، وربّما رواه بعضهم بسكون الباء ، وهو المصدر ، أي لا يقع هذا الفعل إلا في الثلاثة ، فيكون ما عداها غير جائز ، ومن ثم اختلف في المسابقة بنحو الأقدام ورمى الحجر ورفعه والمصارعة وبالآلات التي يشتمل على نصل بغير عوض هل يجوز أم لا فعلى رواية الفتح يجوز وعلى السكون لا وفي الجواز قوّة ، مع شهرة روايته بين المحدثين ، وموافقته للأصل ، خصوصا مع ترتب غرض صحيح على تلك الاعمال. راجع المجلد الأوّل من المسالك في كتاب السبق والرماية.

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا مثل السبق بالأقدام والمصارعة وغير ذلك ، فالظاهر الجواز للأصل ، ويدل بعض الروايات على جواز المصارعة وفعل الحسنين عليهما السّلام مشهور ، وهو موجود في الأمالي (١) وغيره.

ويؤيّده وجوده بين المسلمين من غير منع ، وانّ فيه غرضا صحيحا غير ظاهر القبح.

ولا دلالة في الخبر (٢) ـ على الوجهين ـ على التحريم امّا على الأوّل فلما ذكر ولأنّه قد يقال معناه ان لا لزوم أو لا يملك للسبق والعوض إلّا في هذه الثلاثة من بين الأسباق والأفعال الّتي يسابق عليها ، فلا يدلّ على تحريم الفعل والملاعبة مع العوض والرهانة أيضا ، بل لا يدلّ على تحريم العوض أيضا ، وهو ظاهر.

وأمّا على الثاني فلأنّه يحتمل ان يكون معناه ـ حيث انّ السبق بالسكون مصدر سبق صرح به في التذكرة وعدمه ـ ان لا اعتداد لسبق في أمثال هذه الأمور إلّا في هذه الثلاثة ، أو أنّه لا يجوز الملاعبة بالسبق والمسابقة إلا في هذه الثلاثة ، فلا يدلّ على تحريم الفعل من غير رهانة وقمار ، بل الأخير يدلّ على تحريم هذا الا انّ معناه ان لا مشروعيّة والجواز للسبق الّا للسبق في هذه الأمور الثلاثة فإن هذه المعنى وان كان يمكن فهمه ، ولكن ليس بنصّ فيه ولا ظاهر ، فإنّه يحتاج الى تقدير ، بل إخراج السبق الذي هو مصدر سبقه يسبقه عن معناه ، وجعله بمعنى فعل يمكن فيه ، مع عدم ظهور سندها.

ويحتمل ان يكون منشأ الخلاف غير ذلك.

ثمّ انّ الذي يظهر من التذكرة الإجماع على جواز المسابقة على الأمور

__________________

(١) راجع الأمالي للصدوق رحمه الله ، المجلس الثامن والستين ص ٢٦٧ من الطبعة العلمية بقم.

(٢) يعني الخبر المشتمل على قوله : لا سبق إلخ. بفتح الباء والسكون.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المذكورة ، وهي في غير السّيف والرمح ظاهرة ، وامّا فيهما فقال فيها : يجوز المسابقة بالسّيوف والرّماح على معنى الردّ والتردّد بهما.

لعلّه يريد اللعب المتعارف بهما بردّ أحدهما ما لصاحبه وضربه وحفظ نفسه عنه.

وقال أيضا : ولا يجوز المسابقة على الأقدام الى موضع ، كجبل أو غيره لا بعوض ولا بغيره ، لأنّه نهي صلّى الله عليه وآله عن السبق إلّا في (الأشياء ـ خ) الثلاثة ، ثم قال بعده : ولهم قول آخر لا يجوز المسابقة على الأقدام ، فالمسابقة على السّباحة أولى بالمنع (١) ـ الى قوله ـ واعلم ان المسابقة بالاقدام ضربان أحدهما ان يتعاديا فأيّهما سبق صاحبه فهو السابق و (٢) يكون المدى شيئا معلوما وكلاهما عندنا غير جائز ، لا بعوض ولا بغير عوض (٣).

فهذه تدلّ على إجماعنا على ذلك ، وقد عرفت ان لا نهي في قوله : ولا سبق.

وقال أيضا : ولا يجوز المسابقة على المصارعة لا بعوض ولا بغير عوض عند علمائنا اجمع ، لعموم النّهي (٤) إلا في الثلاثة الخف والحافر والنصل إلخ.

وقد عرفت عدم النّهي عنها ، بل جوازها ، نعم لو ثبت الإجماع ثبت التحريم.

__________________

(١) الذي ذكره في التذكرة هكذا : قد بيّنا انّه لا يجوز المسابقة على الاقدام والمسابقة على السباحة أولى بالمنع وبه قال الشافعيّة ، ولهم قول آخر تجوز المسابقة على الاقدام ففي جواز المسابقة على السباحة على هذا القول وجهان عندهم فالفرق أنّ المأثور في السّباحة والأرض لا تؤثّر في السّعي والمشهور عندهم المنع واعلم انّ المسابقة إلخ.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب أو بدل الواو كما في التذكرة أيضا.

(٣) انتهى كلام التذكرة : ج ٢ ص ٣٥٤.

(٤) في التذكرة : لعموم نهيه صلّى الله عليه وآله.

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال أيضا : لا يجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد والمقلاع والمنجنيق ، سواء كان بعوض أو بغير عوض عند علمائنا إلخ (١).

وقال لا تجوز المسابقة على اشالة الحجر باليد ـ الى قوله ـ وامّا مرامات (مداحاة ـ تذكرة) الحجر وهو ان يرمي كل واحد الحجر الى صاحبه فلا يجوز عندنا ، كما لا يجوز ان يرمي (يرامى ـ خ) كل واحد السّهم الى الآخر ، وكذا لا يجوز ان يسابق على ان يد حرج (يدحو ـ تذكرة) حجرا أو (وـ خ) يدفعه من مكان الى مكان ليعرف به الأشدّ بعوض ولا بغير عوض ، لانّه لا يقاتل بها وقال أيضا : لا يجوز المسابقة على الطيور من الحمامات وغيرها بالعوض ، عند علمائنا ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة ـ إلى قوله ـ قال الشيخ رحمه الله في المبسوط : فأمّا المسابقة بالطّيور فان كان بغير عوض ، جاز عندهم (يعني العامة) وان كان بعوض فعلى قولين ، وعندنا لا يجوز للخبر (٢) ، وهذا يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض ، مع انّ المشهور عندنا انّه يجوز اتّخاذ الحمام للأنس وإنفاذ الكتب ويكره للتفرّج والتطيّر ، ولا خلاف في تحريم الرهانة عليها (٣)

وأنت تعلم ان لا منافاة بين جواز اتّخاذه للأنس وإنفاذ الكتب وبين عدم جواز المسابقة بغير عوض.

وقال أيضا : لا يجوز المسابقة على المراكب والسفن والطيارات والزمارات (٤) عند علمائنا.

__________________

(١) قال في التذكرة (بعد ذلك) : لان ذلك ليس من آلات الحرب ، وللخبر الدّال على المنع من المسابقة في غير الثلاثة إلخ.

(٢) يحتمل ان يكون إشارة إلى الرواية الثالثة من الباب ٣ من كتاب السبق والرماية فراجع ج ٣ ص ٣٤٩.

(٣) انتهى كلام التذكرة.

(٤) هكذا في بعض النسخ وفي بعضها الزنارات ويحتمل ان يكون الزياريق كما ذكره في المبسوط.

١٧٠

فان اكتفينا بالإيجاب فهو جائز ، والّا فلازم.

______________________________________________________

وقال أيضا : ولا يجوز المسابقة على مناطحة الغنم (١) ، وممارسة الدّيك بعوض ولا بغير عوض ، وبه قال الشافعي ، وكذا لا يجوز المسابقة على ما لا ينتفع في الحرب ، كاللّعب بالشطرنج ، والنرد ، والخاتم ، والصولجان ، ورمي البنادق ، والجلاهق ، والوقف على رجل واحدة ، ومعرفة ما في اليد من الفرد والزّوج ، وسائر الملاعب ، ولا اللبث في الماء ، وجوّزه بعض الشافعيّة ، وليس بجيّد.

وبالجملة أنّه يفهم من التذكرة النهي عن جميع ما يمكن ان يسابق عليه بعوض وغير عوض ، إلّا الطائر ، فإنه حرام بعوض فقط ، وغير الثلاثة ، وان شئت استثنيت ما للحرب ، فكل ما لم يكن له دخل في الحرب فهو حرام ، ولهذا استدلّ على تحريم جميع الأمور المذكورة بأنّه ليس للحرب.

وقال في القواعد : وانّما يصحّ على ما هو عدّة للقتال إلخ على انّ للبعض مدخلا عظيما في الحرب ، فالمدار على النصّ ، وقد عرفت أنّه أيضا غير صريح في النهي ، والأصل دليل قويّ ، فما لم يوجد دليل أقوى منه لا يخرج عنه ، والاعتماد على الإجماع الذي ادّعاه في الأكثر مشكل ، ولهذا وقع الخلاف عندنا.

وتنظر في القواعد في الطير ، والأقدام ، والسّفن ، والمصارعة ، ورفع الأحجار ، مع الخلوّ عن العوض ، فلا يعتمد على مثل هذه الإجماعات فتأمّل.

قوله : فان اكتفينا إلخ. يعنى ان قلنا ان المسابقة لا تحتاج الى القبول اللفظي المقارن للإيجاب ، على الوجه المتعارف عندهم ، والّا فالقبول ـ بمعنى ما يدلّ على رضا الآخر ـ لا بد منه ليتحقق المسابقة وأشار إليه في التذكرة : يكون (٢) حينئذ من العقود الجائزة ، فلا يلزم بمجرد الإيجاب والرّضا ، فيكون مثل الجعالة قبل

__________________

(١) في التذكرة : ولا يجوز المسابقة على مفاتحة الغنم ومهارشة الديكة إلخ.

(٢) هكذا في جميع النسخ ، والصواب ، فيكون.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل.

نعم يلزم السبق بعد العمل الموجب لذلك ، كما في الجعالة.

وجهه الأصل عدم اللّزوم ، وعدم تحقّق دخولها حينئذ تحت العقود ، حتى يلزم بمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) إذ لا يقال العقد الّا على الإيجاب والقبول معا ، فتأمّل فيه.

وأمّا الاكتفاء به على الوجه الذي قلنا ، فالظاهر القول به واللزوم بعد العمل ، إذ الأصل الجواز وللإنسان أن يفعل في نفسه وما له بما يريد ، الّا ما ثبت تحريمه ، ولصدق السبق الموجود في المستند (٢) ، ولقوله صلّى الله عليه وآله : المسلمون عند شروطهم (٣) ونحو ذلك بل يمكن صدق العقد أيضا.

ولكن ما قلنا باللزوم ، للأصل وعدم التحقّق ، ولاحتمال ان يكون معنى (أوفوا) ، إيجاب الإيفاء بمقتضى العقد ان كان جائزا فجائز وان كان واجبا فواجب ، وان كان هذا لا يخلو من تأمل ، فتأمّل فيه.

وامّا ان لم يكتف بالإيجاب ، بل يشترط القبول فهو لازم ، لانّ الظاهر أنّه عقد ، إذ هو مركب منهما على ما هو المقرّر.

وفيه منع ، فإنه قد يكون كالجعالة ، ولما مرّ ، وبالجملة مع الاكتفاء غير معقول ان يكون عقدا لازما ، ومع عدمه يكون كذلك لدخوله تحت العقود ، والأصل فيه اللزوم ، لأوفوا ، ونحوه ، وان منع اللزوم مع عدم الاكتفاء ، فإن المضاربة لا بد فيها من القبول ، مع كونها جائزة ، وكذا منع لزوم كل عقد كالمضاربة والوديعة والعارية ، ولما تقدّم من احتمال ان يكون معناه يجب الإيفاء بمقتضى العقد.

__________________

(١) المائدة ١.

(٢) إشارة الى الخبر الدال على المسابقة وقد مرّ ذكره.

(٣) راجع الوسائل باب ٦ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٢.

١٧٢

وتفتقر المسابقة إلى تقدير المسافة.

وتقدير العوض ، دينا كان أو عينا ، من أحدهما أو أجنبيّ.

______________________________________________________

ويمكن ان يدفع بانّا ما نقول انّ اللزوم لازم لإيجاب والقبول (لاشتراط القبول ـ خ) ، وعدم الاكتفاء بالإيجاب من حيث هو ، بل من حيث انه حينئذ يدخل تحت العقود جزما ، فيلزم لدليل لزومها ، فلا يضرّ عدم لزوم المضاربة ومنع الكليّة أيضا غير مناسب ، لأنّ ظاهر الأمر هو الوجوب واللزوم ، وخروج الوديعة والعارية على تقدير كونهما عقدين بدليل ، لا يضرّ كالمضاربة ، والمعنى المذكور للآية بعيد ، إذ المتبادر انّ العمل بمضمون العقد واجب ، فإذا كان مضمون (اسابقك) ان سبقتك آخذ منك السبق ، وان سبقتني أعطيك ذلك ، يكون العمل به واجبا ولازما ، لأنّه العقد لا غير ، فتأمّل.

قوله : ويفتقر المسابقة إلخ. إشارة إلى شرائط المسابقة ، وهي خمسة (الأوّل) تعيين المسافة ابتداء وانتهاء أي الموضع الذي يبتدئان منه ، والغاية التي ينتهيان إليها.

ودليله أنّه انما وقع هكذا في زمانه صلّى الله عليه وآله وأنّه لو لم يعيّنا يقع النزاع ، وانّه قد يهلك الدابة.

ولعله لا خلاف فيه ، بل هو إجماعي ، والّا فلا مانع ان يتسابقا حتى يقف أحدهما ، فيسبق الآخر فتأمّل.

وأيضا ظاهرهم أنّه يشترط كونهما متساويين في الموقف ، فلو شرط لأحدهما السبق المعيّن في الجملة لم يجز ، صرّح به في التذكرة ، ودليله غير واضح ، وذكر انّ الغرض هو العلم بجودة سير الفرس ، وهو لم يحصل ، وفيهما منع.

(الثاني) تعيين المال الذي يتسابقان عليه جنسا وقدرا ، لأنّه عوض عن فعل محلّل ، فلا بد من العلم به ، كما في الإجارة وغيرها ، ولئلا يحصل الغرر والنّزاع.

والدليل غير واضح ، الّا ان يكون إجماعا ، إذ لا مانع ان يقال : من سبق

١٧٣

وتعيين ما يسابق عليه.

واحتمال السبق.

______________________________________________________

فله ما يعيّن زيد أو هو أو أنا ، كما في المهر أو فرس أو ثوب ، ونحو ذلك ، فيلزم ما صدق ، أو العبد الآبق أو جزء منه ، كما في الجعالة ، ويجوز كونه عينا أو دينا.

واعلم أن عقد المسابقة لا يلزمه مال ، وانما يلزم التعيين لو شرط ، ولا فرق في ذلك المال بين كونه من احد المتسابقين أو من الأجنبيّ.

(الثالث) تعيين ما يسابق عليه ـ من الدّواب المذكورة التي يجوز المسابقة عليها ـ بالمشاهدة ، لأنّ المقصود من المسابقة امتحان الفرس لتعرف شدّة سيرها وتضمير الخيل (١) وتمرينها (تمرنها ـ خ) على العدو ، وكل واحد يقتضي وجوب التعيين ، فان حضرت الأفراس مثلا ، وعقد العقد على أعيانها ، جاز إجماعا ، وان لم تحضر ووصفت وعقد العقد على الوصف ، ثم أحضرت ، فالأقرب المنع ، لانّ المعول في المسابقة على أعيان الخيل فلا يكفي الوصف ، وهو أحد وجهي الشافعيّة والثاني الجواز لأنّ الوصف والإحضار بعده يقومان مقام التعيين في العقد في السّلم ، وفي عقود الرياء ، فكذا هنا ، والفرق ظاهر ، لأنّ في المسابقة الغرض متعلق بالشخص ، وفي السّلم وغيره بالكلّي ، فافترقا ، هكذا في التذكرة (٢).

وهو غير واضح وعموم الأدلة يقتضي الجواز مع الوصف ، إذ لا مانع أصلا ، والفرق الذي ادّعي ظهوره هو محلّ النزاع فالظاهر عدمه.

(الرابع) احتمال ما يسابق عليه للسبق ، بمعنى انه يحتمل عند العقد ان يسبق كل واحد صاحبه ، ولا يكون سبق أحدهما بعينه يقينا ، ولا يشترط تساوي الاحتمالين ، بل لو كان أحدهما ضعيفا والآخر قويّا لا يضرّ ، ما لم يعلم ويتعيّن

__________________

(١) في التذكرة : تضمر الخيل.

(٢) راجع التذكرة ج ٢ ص ٣٥٥.

١٧٤

وجعل العوض لهما ، أو للمحلّل ، أو الأجنبي ، (لأجنبي ـ خ ل) على اشكال.

______________________________________________________

سبق أحدهما ، وكذا هذا شرط في فرس المحلّل أيضا (١).

ووجهه ظاهر ، فان الغرض العلم بالسابق ، فإذا كان قبله حاصلا فلا معنى لتحصيله ، لأنّه تحصيل الحاصل ، فهو لهو وعبث.

(الخامس) جعل المال ، سواء كان من المتسابقين أو من أحدهما فقط ، بمعنى أنّه ان سبق ما يعطي شيئا ، ولا يأخذ ، بل يحفظ ماله عن أن يأخذه أحد ، أو من أجنبيّ ، إما ما كان ، أو غيره ، لأحدهما أو المحلّل.

والظاهر ان لا خلاف فيهما (٢) عند الأصحاب ، وقد استشكل المصنّف في جواز كونه للأجنبيّ ، وعموم الأدلة ـ من غير مانع ظاهر ، لا شرعا ولا عقلا ـ يقتضي الجواز ، والمال ليس بشرط في عقد المسابقة ، فشرط مال لغير السابق ليس بأدنى من عدم مال ، مثل ان يقول : ان سبقت أنت ما أعطيتك شيئا ، وان سبقت انا فأعط درهما لزيد ، وغير ذلك ، ولانّ تحصيل غرض (الغير ـ خ) يكون مقصودا للعقلاء ، للثواب وغيره.

اعلم ان قول المصنف : (وجعل العوض ـ الى قوله ـ : على اشكال) لا يخلو من شي‌ء ، فتأمّل.

وزاد في التذكرة خمسة أخرى (٣).

١ ـ عدم تضمّن العقد شرطا فاسدا ، وهو ظاهر ، فترك للظهور.

٢ ـ ان يجعل المسافة بحيث يتحمّل الفرسان قطعها ، ولا ينقطعان دونها ، وهو ظاهر أيضا.

__________________

(١) انتهى مفاد ما في التذكرة فراجع.

(٢) يعنى من المتسابقين أو من أحدهما.

(٣) حيث جعل الشرائط اثنا عشر شرطا فراجع ج ٢ ص ٣٥٤.

١٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

٣ ـ ان يستبقا الدابتين (١) بالركوب. كأنّه المفروض ، ولهذا ترك ، ودليله أيضا واضح ، الّا ان يكون إجماعا.

٤ ـ إرسال الدابتين دفعة ، هذا أيضا علم من شرط تعيين المسافة مع المساواة في الابتداء.

٥ ـ تساوى الدابتين في الجنس ، فلا يجوز المسابقة بين الخيل والبغال ، ولا بين الإبل والفيلة (٢) ولا بين الإبل والخيل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، لأنّه مناف للغرض من استعلام قوّة الفرس ، وتمرينها على السباق مع جنسها ، والأقرب عدم اشتراط تساويهما صنفا ، فيجوز المسابقة في الخيل بين العربي والبرذون ، وفي الإبل بين البختي والعربي (٣) ، لتناول اسم الجنس للصّنفين ، سواء تباعد الجنسان كالعتيق والهجين من الخيل والنجيب والبختي من الإبل أم لا ، وهو قول أكثر الشافعيّة وقال بعضهم : إذا تباعد لم يجز ، كالجنسين ، وهو بعيد (٤).

وجه جواز الصّنفين مع التباعد هو عموم الأدلة ، مع احتمال السبق في الجملة ، وأصل عدم مانع آخر ، وهذا جار في الجنسين أيضا ، الّا ان يكون مجمعا عليه ، فتأمّل.

وباقي الزيادة في الشروط يرجع الى ما ذكرنا في العوض.

واعلم أنّه قال في التذكرة : لا يجوز التسابق للنساء لانّ الغرض التأهّب للقتال ولا قتال عليهنّ.

وأنّه على تقدير اللّزوم لا يجوز فسخه الّا بالتقايل ، كما في سائر العقود

__________________

(١) في التذكرة : على الدابتين.

(٢) في التذكرة : ولا بين الفيلة.

(٣) في التذكرة : والعرابي.

(٤) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٥٦.

١٧٦

والرمي إلى عدد (عدده ـ خ) ، وعدد الإصابة ، وصفتها.

وقدر المسافة ، والعوض ، والغرض.

وتماثل جنس الآلة.

______________________________________________________

اللازمة.

ولا يجوز الزيادة في العوض والعمل الّا بفسخ العقد واستيناف عقد آخر ، وامّا على تقدير جوازه جازت الزيادة والنّقصان في المسافة ، وفي المال مع التراضي.

قوله : «والرّمي إلى عدده إلخ» عطف على المسابقة ، أي يفتقر عقد الرّمي أيضا الى شروط ، وهي أيضا أمور عدد ما يرميه كل واحد وعدد الإصابة التي تحصل به الغلبة ، أي عدد ما يصيب الغرض كخمسة من عشرة مثلا ، وكيفية الإصابة من الخرق وغيره.

ودليله غير واضح ، فان الظاهر ان الإصابة معنى واضح ، يكفي مجرد الصدق على أي وجه كان.

قال في التذكرة : لا يشترط الاعلام بصفة الإصابة (إلى قوله) : وإذا أطلق (١) حمل على البرع (٢) (القرع ـ خ ل) وهو مجرد الإصابة ، لأنّه المتعارف ، ولانّه المطلق معنا فيحمل المطلق لفظا عليه (٣).

نعم ان شرط نوعا خاصّا من الإصابة يتعيّن.

وقدر المسافة (٤) التي بين ، الرّامي والغرض ، ويشترط كونها بحيث يمكن الإصابة فيها وهو ظاهر ومذكور في التذكرة ، وتعيين الغرض ، أي ما يقصد إصابته أي شي‌ء كان ، وتعيين العوض ، وتماثل جنس الآلة ، كنشاب ورمح ، ووجهه ما تقدّم فيما يسابق عليه.

__________________

(١) في التذكرة وإذا أطلقا.

(٢) برع براعة وزان ضخم ضخامة فاق أصحابه في العلم وغيره فهو بارع (مجمع البحرين).

(٣) انتهى كلام التذكرة.

(٤) عطف على قوله : وكيفية الإصابة.

١٧٧

ولا يشترط تعيين القوس ولا السهم.

______________________________________________________

وامّا اتحاد نوع ما يرمى به ، فالظاهر أنّه لا يشترط عند أصحابنا ، قال في التذكرة : أمّا اختلاف أنواع القسي والسّهام ، فإنّه لا يضرّ ، وذلك كالقسّى العربية مع الفارسيّة والدودانية مع الهنديّة ، وكالنّبل ، وهو ما يرمي عن القوس العربيّة مع النشاب وهو ما يرمى به عن القوس الفارسيّة (إلى قوله) : لأنّا ذكرنا انّ اختلاف نوع الإبل والفرس لا يضرّ ، فاختلاف النوع في الآلة أولى ، وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز المناضلة على النبل والنشاب ، لأنّهما ينزّلان منزل الخيل والبغال إلخ (١).

ويؤيده عموم أدلة جواز هذا العقد ، وعدم المانع عقلا وشرعا ، بل لو لم يكن الإجماع في اشتراط الاتّحاد جنسا ، لأمكن القول بعدمه أيضا فمراده هنا بتماثل جنس الآلة الاتّحاد في جنس الآلة ، مثل الرمح والنشاب لا غير.

قوله : ولا يشترط تعيين القوس إلخ. أي لا يشترط في صحة هذا العقد تعيين الآلة بالشخص بالمشاهدة ، كما يشترط فيما يسابق عليه ، مثل هذا القوس ، فلا يشترط ان يقال هذا القوس أو هذا النشاب ، بل بالجنس والوصف أيضا ، بأن يقال بالنشاب العربي والقوس العربي أو العجمي وغير ذلك ، للأصل ، وعموم الأدلة ، ولان الاختلاف بالنوع يجوز ، ولانّ التعويل على الرّامي في الرّمي ، ولا عمل للآلة ، فتأمّل.

ولكن لا شكّ أنّه لو شرط نوع الآلة ، أو عينها ، تعيّن ، لدليل الشرط ، ولا يجوز العدول الّا برضا صاحبه ، فلو شرط الرّمي عن القوس العربي لا يجوز العدول إلى العجمي ، الّا ان يتّفقا على العدول ، صرّح به في التذكرة.

هذا باعتبار العدول إلى الأجود ، وجوز في التذكرة العدول إلى الأضعف والأردى ، مثل ان شرط العربيّة ، فعدل إلى الفارسيّة ، وقال : هو أحد وجهي

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٦١.

١٧٨

ولا المبادرة (ولا ـ خ) المحاطة.

ولا تساوي الموقف.

______________________________________________________

الشافعية ، والأظهر عندهم المنع هنا أيضا إلّا بالرّضا ، كأنّه الأظهر للشرط.

ثم قال : ولا يتعين السهم والقوس بالشخص ، وان عيّناه بالشرط ، فلو عيّنا شخصا من نوعي القسي أو السهام لم يتعيّن ، وجاز ابداله بمثله من ذلك النوع فيه ، سواء تجدّد فيه خلل يمنع من استعماله أو لم يتجدّد ـ الى قوله ـ وهو أظهر قولي الشافعية والثاني انّه يصحّ الشرط ، لإمكان تعلق الغرض بذلك المعيّن ، وتفاوت القوس الشديدة والليّنة ، قريب من تفاوت القوس العربيّة والعجميّة (١) كأنّه الأظهر للشرط ، فتأمّل.

قوله : ولا المبادرة ولا المحاطة. المبادرة أن يبادر أحدهما إلى إصابة عدد معيّن من مجموع الرشق مع التساوي في العدد ، مثل عشرة من مأة ، فمتى وجد أحدهما عدد الإصابة المشترط من عدد معيّن ـ مثل عشرة من خمسين ، وما حصل من الآخر ، ذلك العدد من الإصابة ، مثل ان أصاب تسعة من خمسين ـ فقد نضل الأوّل ، واستحق المال ، وليس بلازم ان يشترط ذلك.

ولا المحاطة ، وهو إسقاط ما أصاب واحد بآخر ، الى ان يتمّ الرشق ، فكل من يكون عدد اصابته فاضلا على الآخر بواحد ، يكون هو فاضلا.

ولكن يحمل المطلق من غير قيد على المحاطة ، لأنه المتبادر فتأمل وكل ما ذكر وقيّد يعمل به من المبادرة والمحاطة وغيرهما.

دليل عدم الشرط واتباع الشرط مع الذكر هو عموم الأدلة ، والأصل ، ودليل الشرط.

قوله : ولا تساوي الموقف. أي لا يشترط أن يذكّر أو يشترطا التساوي في

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٦١.

١٧٩

وكما يصحّ الرهن على الإصابة ، يصحّ على التباعد.

وان يبذل العوض أجنبي ، أو من بيت المال.

______________________________________________________

الموقف ، فيجوز أن يشترطا كون أحدهما أقرب الى الغرض من الآخر ، للأصل ، وعموم الأدلّة ، مع عدم المانع عقلا وشرعا ، ولأنّ الغرض إظهار الغلبة ، وقد يحصل بالتأخّر.

نعم مع عدم الاشتراط لا بدّ من التساوي ، وهذا مؤيّد لما قلناه من احتمال عدم اشتراط التساوي في الموقف في السابقة أيضا ، فتذكّر ، وقد اشترط هناك التساوي في الموقف ، فيبطل مع الشرط التأخر.

وشرط في التذكرة أيضا تعيين المراميين وهو ظاهر ، لأنّهما المتعاقدان ، ولأنّ الغرض ما يحصل بدونه ، ولما ذكر في المركوب ، فإنّهما بمنزلة المركوب في المسابقة ، فتأمّل.

وأيضا ذكر اشتراط ذكر من يبتدئ ، ومع الإهمال يحتمل البطلان ، والقرعة ، لأنّ الابتداء غرض مهمّ عند المرامين ، (المراميين ـ خ) فان الغرض يكون خاليا ، والنفس مستقرة يكون أدخل للإصابة.

وذلك غير واضح ، فيحتمل الصحة مع الإهمال ، والعمل بالقرعة إن تشاحّا.

قوله : وكما يصحّ الرهن إلخ. أي كما يصحّ الرهانة وشرط أخذ مال على اصابة الغرض مع الشرائط المتقدمة ، يجوز على التباعد بان يرميا من موضع معيّن الى صوب معين بانّ من يبعد سهمه عن الآخر فله كذا وكذا من المال ، ودليل جوازه عموم الأدلة ، وكأنه مجمع عليه أيضا.

قوله : وان يبذل العوض إلخ. أي يجوز ان يكون الباذل لمال عقد السبق مطلقا أجنبيّ ، أي من لا يسبق ولا يرم ، لانّ فيه مصلحة المسلمين وتقويهم (يقويهم ـ خ) للقتل والقتال (للقتال ـ خ) مثل الامام ونائبه ، ويجوز ان يبذل العوض من بيت المال ، لانه من المصالح ، لانّه يحصل به معرفة القتل والقتال

١٨٠