مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

والقول قول العامل في عدم الخيانة ، وعدم التفريط.

ولو ظهر الاستحقاق للأصل ، فللعامل الأجرة على الآمر ، ويرجع المالك على كل منهما بنصيبه.

______________________________________________________

البيع ، فافهم.

فلو امتنع أحدهما عن (من ـ خ) بذل العوض ، ينبغي ان يكون للآخر الفسخ ، ولكن ثبوت المال للآخر بالدّليل ـ مع عدم دليل صريح بجواز الفسخ ، وان جاز في الشرط لدليل خاص ، مثل إجماع ونحوه ـ منعهم عن ذلك احتياطا.

فتأمّل في كونه احتياطا وحسنا ، بعد تجويزهم ذلك للشرط ، فانّا نفهم كونه في مثل هذا العقد بالطريق الاولى.

ويؤيّده قولهم بجواز الامتناع عن التسليم ، حتى يتسلم العوض ، مع وجود الملكيّة والحقّ.

قوله : والقول قول العامل إلخ. أي لو ادّعى المالك على العامل خيانة أو تفريطا ، فالقول قوله مع اليمين ، لأنّه منكر.

قوله : ولو ظهر استحقاق الأصل إلخ. يعني لو كان الأصل الذي هو محلّ عقد المساقاة مال الغير ، وقد عومل بغير اذنه ، فللعامل اجرة المثل على الآمر ، أي الذي ساقاه. والظاهر انّ المراد مع جهله بالحال ، لأنّه غرّه.

ويمكن هنا أقلّ الأمرين (١) ، كما تقدم عن قريب ، ويرجع المالك على العامل ، بنصيبه الذي أخذه ، وكذا على الآمر ، ويأخذ الأصل عمّن كان بيده ، لانّ له أخذ ماله ممّن أخذ.

ولا يبعد بناء على قواعدهم ـ انّ للمالك (٢) الرّجوع على كل من وضع يده

__________________

(١) يعني أقل الأمرين من الأجرة والحصة.

(٢) بيان لقوله قدّس سرّه : لقواعدهم.

١٤١

وليس للعامل ان يساقي غيره.

والخراج على المالك ، الّا مع الشرط.

______________________________________________________

على الغصب وتصرّف فيه ـ الرجوع على كل واحد منهما بالجميع ، مع تصرّفهما في النّماء الذي يوجب الضمّان وتلف ذلك ، حيث وضع يده عليه ، وتصرف فيه ، ولكن يرجع كل منهما (على الأخر ـ خ) بما حصل له وبالجملة حكمه حكم الغصب.

ولا يرجع على تقدير عدم حصول الثمرة وتلفها بآفة من دون اختيارهما ، وهو ظاهر ، فتأمل في صورة التلف.

قوله : وليس للعامل ان يساقي غيره. هذا مع اشتمال العقد على كون العمل بنفس العامل ظاهر ، لا غير ، بل يمكن مع الإطلاق الشامل له ولغيره ، المساقاة لغيره ، كما في الإجارة والمزارعة ، ولهذا يجوز له ان يستأجر حينئذ من يعمل له عوضا عنه ، فان حاصلها استيجار العامل العمل في الذمة ، فله ان يفعل بنفسه وبغيره.

ولكن لا يسلّم الأصل إلّا بإذن المالك ، بناء على ما تقدم ، وقد عرفت ما فيه ، فتذكر.

والاستدلال على عدم جواز المساقاة للعامل ـ بأنّ المساقاة معاملة على أصول مملوكة للمساقي (للساقي ـ خ) وهنا ليس كذلك ، فلا يجوز كما قيل مثل ذلك في المزارعة ، كما تقدم ـ غير تامّ ، فإنّه غير مسلّم ، نعم لا بد من أصول مأذون في العمل بها ، كما قلناه في أرض المزارعة ، فتجوز بالنقص والمساوي ، دون الزيادة والفرض وجود الاذن.

ويفهم من شرح الشرائع ، جوازها بعد ظهور الثمرة ، فعلم عدم الشرط.

وبالجملة الجواز غير بعيد ، لعموم الأدلة ، وعدم المانع ، إذا فهم الاذن من المالك بوجه ، ولا يمكن الفرق بينهما (بينها ـ خ) وبين المزارعة فتأمّل.

قوله : والخراج على المالك الّا مع الشرط. أي خراج الأرض في الأرض

١٤٢

والفائدة تملك بالظهور.

والمغارسة باطلة. والغرس لصاحبه ، وعليه أجرة الأرض ، ولصاحبه أرش نقص القلع ، ولو بذل أحدهما للآخر القيمة لم يجب القبول.

______________________________________________________

الخراجيّة عليه.

دليله أنّ الخراج أجرة الأرض ، فالمالك انّما يستحق الحصّة بسبب ملكيّة الأشجار ، وكون منفعتها ملكا له ، فالحصّة لا تحصل له الّا بعد مؤنتهما وبالجملة الأرض والأشجار وما عليهما وما يحتاجان إليهما في أصلهما فهو على المالك ، والخراج منه.

نعم إذا شرط ذلك على كونه من الحاصل يجوز بغير شبهة ، ولا يضرّ عدم إمكان حصول شي‌ء غيره ، فيكون فيه غرر ، لأنّ مثل هذا الغرر في هذا العقد ليس بضائر ، بالنصّ والإجماع ، لأنّه قد لا يحصل شي‌ء أصلا مع عدم الشرط.

ولكن شرطه على العامل مشكل ، إذ قد لا يحصل شي‌ء أصلا ، أو لم يمكن (يكن ـ خ) ذلك المقدار ، فهو ضرر عظيم وغرر كثير ، الّا ان يجعل من حصّته ، مع ظنّ أنّ الحصّة أكثر ، فتأمّل.

قوله : والفائدة تملك بالظهور. دليله ظاهر ، لانّ ملكه هو الحصّة من الثمرة ، فمع ظهورها يملكها ، كالمالك ، وكالرّبح في المضاربة.

وقال في التذكرة : عليه علمائنا ، فيدلّ على كونه إجماعيّا عندنا ، والمخالف فيه بعض العامّة ، فلا يتوقف الملك عندنا بالحصول في يده.

وتظهر الفائدة في تعلق الزكاة ، ومنع ابن حمزة وجوبها (١) ـ مع القول بالتملك ـ بعيد ، لعدم الدليل ، مع شمول عموم أدلة الزكاة لها ، فتأمّل.

قوله : والمغارسة باطلة إلخ. هي معاملة على ان يغرس شخص في أرض

__________________

(١) وفي هامش بعض النسخ المخطوطة : في نسخة الظاهر ابن زهرة (ولعله الصّواب).

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الغير ، الأشجار ويكون المغروس بينهما ، فما يحصل منهما يكون بينهما.

دليل البطلان عدم الدليل على الجواز ، مع الغرر والجهالة ، بل الإجماع أيضا عندنا.

ولو لا ذلك لأمكن القول بالصحّة ، لبعض العمومات ، فمع وقوع العقد الباطل ، يكون الغرس لمالكه ، وعليه أجرة الأرض مدّة بقائه ، ان استحق بها الأجرة ، ولم يكن لصاحب الأرض ، وله أرش نقص القلع ، ان قلع صاحب الأرض المغروس ، وعليه إصلاح الأرض وأرشها ، لأنّه مغروس بالاذن ، وليس بعرق ظالم (١).

وقيل : المراد بالأرش هنا التفاوت ما بين كونها قائمة بالأجرة ـ وضمّ اليه الشهيد الثاني ، ومستحقّا للقلع بالأرش ـ ومقلوعة ، فتأمّل فيه.

ولو كان الغرس لصاحب الأرض فللعامل عليه اجرة عمله ، لأنّه ليس بمتبرّع ، وكل ذلك مع الجهل غير بعيد ، فتأمل.

ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس ، ويقول لصاحبه : بعه عليّ ، لم يجب القبول ، كما لا يجب عليه قبول أجرة أرضه ودليله انّ الناس مسلطون على أموالهم فتأمل.

__________________

(١) هذا مضمون الرواية وقد تقدم نقلها سابقا.

١٤٤

«المقصد الثالث في الجعالة»

وهي تصحّ على كل عمل مقصود محلّل ، معلوما كان أو مجهولا.

______________________________________________________

«المقصد الثالث في الجعالة»

قوله : وهي تصحّ على كلّ عمل مقصود إلخ. قال في التذكرة : الجعالة في اللّغة ما يجعل للإنسان على شي‌ء بفعله ، فكذلك الجعل والجعلية ، وامّا في الشّرع عبارة عن عقد دالّ على عوض في عمل محلّل مقصود.

وصيغتها كل لفظ دالّ على الاذن في العمل بعوض ، مثل من ردّ عبدي فله كذا ، ولا يحتاج الى القبول اللفظي ، ولهذا غير داخل في الصيغة والتعريف ، وقد صرح به في التذكرة ، كما في سائر العقود.

ودليل جوازه هو النّص والإجماع المفهوم من التذكرة ، قال : ولا نعلم فيه خلافا ، وامّا النّص فمثل قوله تعالى (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) (١) والاخبار من طرق العامة (٢) والخاصّة ، مثل ما رواه وهب بن وهب عن الصادق عليه السّلام ، قال :

__________________

(١) سورة يوسف ـ ٧٢.

(٢) صحيح البخاري باب في الإجارة ، باب ما يعطى فيه الرقية ومسند احمد بن حنبل ج ٣ ص ٤٤ وج ٥ ص ٢١١.

١٤٥

ويجب العلم بالعوض بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو العدد.

______________________________________________________

سألته عن جعل الآبق والضّالة؟ فقال : لا بأس (١).

وعن مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه السّلام ، قال : انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله جعل في الآبق دينارا إذا أخذ ووجد في مصره وان أخذ في غير مصره فأربعة دنانير (٢).

ولا يضرّ عدم صحة السّند (٣) ، ولا دلالة الثانية على ثبوت جعل معيّن من غير أمر المالك للآبق ، لأنّهما مؤيدتان.

ويمكن حملها على كون التعيين بأمر المالك مجملا ، بان قال : من ردّ عبدي فله أجر وعوض مثلا ، وكان العرف ـ بين أهل ذلك المصر كلّهم في ذلك المصر في ذلك الزمان ـ ذلك.

ولا فرق في ذلك العمل بين كونه موجبا للأجرة عادة أم لا ، مع تعيين الأجرة ، وان يكون ذلك معلوما ، مثل من يردّ عبدي من بغداد أم لا ، مثل من يردّ عبدي ، أو من وجد ضالّتي ، ونحو ذلك.

قوله : ويجب العلم بالعوض إلخ. ذكر في التذكرة للجعالة أربعة أركان ، الأوّل الصيغة ، وقد تقدّمت ، والثاني العاقد ، وهو الآمر بالعمل ، ويلتزم بالعوض ، ولا يشترط كونه مالكا للآبق مثلا ، وكون المنفعة له ، فإنّه يجوز الجعل على ردّ مال

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من كتاب اللقطة الرواية ١ ج ١٧ ص ٣٧١ وروى مثله في الباب ١ من كتاب الجعالة الرواية ١ عن علي بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام ، ج ١٦ ، ص ١١٢ ، ورواه أيضا في الباب ٥ من كتاب العتق الرواية ١ ، عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السّلام.

(٢) رواه في التهذيب في باب اللقطة آخر حديث الباب.

(٣) وسنده كما في التهذيب ـ هكذا : محمّد بن يعقوب عن محمّد بن علي عن أبي سعيد عن سهل بن زياد عن محمّد بن الحسن بن شمون البصري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ عن مسمع بن عبد الملك قال في الوافي بعد نقل الحديث : بيان ، هذا الحديث لم نجده في الكافي.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الغير ، والعمل له ويلزمه.

نعم يشترط أهليّة التصرف ، كما في سائر العقود ، فلا يصحّ من الصّبي والمجنون والسّفيه والمفلس بعد الحجر ، والمكره وغير القاصد.

قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا.

وامّا العامل فالظاهر انّه لا يشترط فيه الّا العمل بقصد الأجرة ، بعد سماع الصيغة التي تشملها ، فليس للكافر ردّ العبد ، إذا قال : كل مسلم ردّ عبدي فله كذا وكذا لو قال : كل احد ردّ عبدي فله مصحفي وعبدي المسلم ، ان قلنا بعدم ملكيّته (ملكية الكافر ـ خ) لهما أصلا.

ولا يبعد عدم اعتبار جواز تصرفه الذي قلناه في العاقد ، لأنّ الغرض حصول هذا العمل ، وقد يمكن من الصبي المميّز ، وكأنّه لذلك سكت عنه في التذكرة.

وفيه تأمّل من حيث انّه عقد ، فيحتاج الى كون طرفه مثل أطراف سائر العقود ، ولعلّ العاقد الذي ذكره في التذكرة أعمّ فتأمّل.

والثالث العمل ، ويشترط فيه ان يكون محلّلا مقصودا للعقلاء عادة ، فلا يصحّ إذا قال : من شرب خمرا فله كذا ، وقال : من استقي من الدّجلة فرمى في الفرات فله كذا.

ويشترط ان لا يكون العمل واجبا لا يستحق الأجرة ، فلو قال : من صلّى الفريضة فله كذا ، لم يصح ، ومثله من قال : من دلّني على مالي فله كذا ، فدلّه من المال في يده ، لم يستحقّ الجعل ، لانّ ذلك واجب عليه في الشرع ، فلا يجوز أخذ العوض عليه.

امّا لو كان في يد غيره فدلّه عليه استحق ، بخلاف من ردّ على مالي فله كذا فردّه من كان المال في يده ، فان كان في ردّه من يده كلفة ومؤنة كالعبد الآبق

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

استحق الجعل ، وان لم يكن كالدراهم والدنانير فلا ، لانّ مالا كلفة فيه لا يقابل بالعوض.

يفهم منه عدم وجوب اعلام المالك كون ماله في يد الغير ، وفيه تأمّل.

ويفهم منه أيضا وجوب إعلام ذي اليد بكون المال عنده ، ووجوب ردّه عليه بلا عوض مع عدم المؤنة ، إذ وجوبه ثابت عليه بالأصل ، وبغير العوض ، فلا يستحق به العوض ، فانّ الله تعالى أوجبه بغير عوض ، وعين له عوضا ، فلا يستحق غيره ، والّا ما اتى بما أوجبه الله عليه فتأمل فيه وتفصيل هذه المسألة يحتاج الى تطويل ، وقد مرّ في الجملة في أحكام الجنازة ، فتأمّل فيه وفي لزوم العوض لمن كان المال عنده مع احتياج ردّه الى المؤنة ، إذ قد يكون غاصبا فيلزمه ردّه بلا عوض.

نعم لو كان عنده أمانة شرعية يلزم ذلك بالضالّة ومكانها.

قال في التذكرة : ولا يشترط في العمل العلم إجماعا ، لأنّ الغرض الكلي في الجعالة بذل العمل على ما لا يمكن التوصل بعقد الإجارة إليه لجهالته إلخ.

هذه صريحة في انّ اشتراط العلم فيما شرطوه ليس ضروريّا يحكم بديهة العقل باشتراطه ، فالاشتراط فيما شرطوه يحتاج إلى دليل ، فاحفظ هذا ينفعك.

والرّابع الجعل وهو العوض للعامل ، قال في التذكرة : ويشترط ان يكون الجعل مملوكا مباحا للعامل معلوما إلخ.

اشتراط كونه مملوكا للآمر ومباحا للعامل ظاهر ، إذ لا بد ان يكون الباذل مالكا للعوض ، كما في سائر المعاملات ، فإنّه تمليك عوض ، فكيف يملك ما ليس بملك له ، فلا يصحّ لمسلم ان يقول للكافر ان رددت عبدي فلك على خمر أو خنزير ونحو ذلك ، ولو لم يكن مباحا للعامل لم يجز له أخذه ولم يتملك ، فلا يصير عوضا لعمله ، كما إذا قال كافر : من ردّ عبدي فله على خمر أو خنزير ، فردّه مسلم لم يستحقهما ولا عوضهما.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وامّا المعلوميّة فما نرى عليه دليلا سوى أنّه مذكور في كلام الأصحاب ، فتأمّل. وما نجد مانعا إذا رضيا بالمجهول في الجملة ، بحيث لا يقع فيه نزاع ، بان يقول : من ردّ عبدي فله هذه الصبرة من الحنطة وهذه الفضة وهذا الذهب ، ونحو ذلك ، بل له عندي ثوب فيعطيه ما يصدق عليه الثوب ، كما في الكفارات ، فاشتراطها لا دليل عليه خصوصا بالتفصيل الذي ذكروه من اشتراط كونها بالكيل والوزن والعدد ان كان من جنسها ، كما ذكروه في البيع وغيره ، فلا يبعد الجواز كما في جهل العمل ، ويؤيّده أنّه يجوز ان يقال من ردّ عبدي فله نصفه.

والفرق الذي ذكره في التذكرة غير ظاهر ، قال : والفرق بينه وبين العمل حيث جاز ان يكون (هنا ـ خ) مجهولا دعوى الحاجة الى كون العمل هنا مجهولا ، فانّ الغالب أنّه لا يعلم موضع الآبق والضالّ ، فلو شرطنا العلم لزم الحرج وعدم (١) دعوى الحاجة الى كون العوض مجهولا.

وأيضا العمل في الجهالة (٢) لا يصير لازما ، فلهذا لم يجب كونه معلوما ، وليس كذلك العوض فإنّه يصير بوجود العمل لازما فوجب كونه معلوما.

وأيضا فإنّه لا يكاد يرغب أحد في العمل ، إذا لم يعلم الجعل ، فلا يحصل مقصود العقد إلخ (٣).

وأنت تعلم انّ الوجه الأوّل للفرق لم يتمّ ، الّا أن (٤) كان دليل على اشتراط العلم ، فيقال انّه خرج العمل بدليل ، وليس بظاهر ، وخروجه دليل على عدم كونه شرطا الا بدليل يفيد ذلك.

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه : دعوى الحاجة.

(٢) هكذا في جميع النسخ ولكن الصواب الجعالة كما في التذكرة أيضا.

(٣) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٨٧.

(٤) هكذا في جميع النسخ ، ولعلّ الصواب : إذا كان إلخ.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وان الثاني انما يتمّ إذا كان العوض مجهولا ، بحيث لا يمكن تسليمه وتسلّمه.

وامّا إذا كان معلوما في الجملة مثل هذه الصبرة من الحنطة ، أو ملأ هذا الظرف ، أو دابّة أو ثوب فلا ، فهو مثل العمل ، فان العمل أيضا لو كان مجهولا بالكليّة ـ سواء كان لازما أو جائزا ـ لم يصحّ.

وإن الثالث غير محل النزاع لأنّه مع عدم الرضا والرغبة لا بدّ من التعيين ان احتاج اليه لتحصيل ماله ، وما أوجب الجهل حتى لا يتمكن ، بل جوّز الجهل ، فلو وجه راغب فهو ، والا يعيّن ان أراد ما أراد.

وبالجملة ما نجد عليه دليلا ، ولا فرق بين العمل والعوض ، فإن أمكن فعله وأخذه فيجوز الجهالة فيهما ، والّا فلا.

وقد أشار الى مثل ما قال المصنّف في التذكرة ، الشيخ علي رحمه الله في بعض حواشي الكتاب ، قال : القول بجواز الجهالة في الجعل إذا لم يمتنع من التسليم لا يخلو عن قوّة ، مثل من ردّ عبدي فله نصفه ، بخلاف من ردّه فله ثوب ، لأنّ جهالة الثوب يمنع من تسليمه ، وفيه تأمل.

والظاهر ان لا إجماع لأنّه ما ذكره في التذكرة ، مع التزامه مثله ، الله يعلم.

اعلم انّ الظاهر أنه يريد بقوله بالكيل أو الوزن أو المشاهدة ، أو العدد الكيل في المكيل والوزن في الموزون والعدد في المعدود ، والمشاهدة في غيرها ، كما هو مقرّر في غيرها.

ويؤيّده ما قال في التذكرة : يجب ان يكون معلوما بالكيل أو الوزن أو العدد ان كانت العادة جارية بعدّه كالأجرة إلخ.

حيث ما ذكر المشاهدة في البين.

ويحتمل الاكتفاء بالمشاهدة فيهما ، كما هو مقتضى ظاهر الاعراب ، وهو

١٥٠

ولو جهله مثل من ردّ عبدي فله ثوب أو دابّة ، فأجرة المثل.

وكون الجاعل جائز التصرف.

______________________________________________________

أولى ، لقلّة المناقشة ، لعدم الدليل (١).

قوله : ولو جهله ، مثل من ردّ عبدي إلخ. (نعم ـ خ) لو كانت المعلوميّة شرطا يلزم بطلان عقد الجعل ، فيلزم اجرة المثل للعمل ، كما في سائر العقود الباطلة ، بناء على ما ثبت عندهم من كليّة تلك المقدّمة.

ويجي‌ء هنا أيضا احتمال أقلّ الأمرين ، لأنّا لا نسلم انّ كلما بطلت الأجرة المعيّنة لبطلان العقد ، ولم يكن العمل تبرّعا يلزم اجرة المثل.

نعم هذه صحيحة إذا لم يكن هناك شي‌ء يمكن تقويمه في الجملة ، واما معه فلا ، مثل ان خرج مستحقا أو رضى (العامل ـ خ) بكون الأجرة ذلك المعين ، فهو بالنسبة إلى الزائد على ذلك متبرّع ، ولمّا بطل المعيّن يستحق ما هو بمقداره فتأمّل.

فإنّه يجري في أكثر المواضع التي حكموا فيها بأجرة المثل ، وفي كلام شارح الشرائع في بحث المساقاة ، اشارة اليه ، ولكن يلزم إعطاء الأكثر من اجرة المثل على تقدير كون ذلك المعيّن أكثر.

والظاهر أنّ نظر الأصحاب إلى أنّه لمّا بطلت الأجرة المعينة ما بقي للرّضا الحاصل بها اثر ، سواء كان من جانب الأجير فلم يكن متبرعا في الزائد أو من جانب الموجر ، فلا يكون باذلا للزيادة ، بل صار بمنزلة عدم وقوع عقد على تعيين أمر بعمل ذي اجرة ، فيتعيّن اجرة المثل.

ولكن يشكل استثنائهم فيما إذا شرط عدم اجرة ، فإنّهم يقولون انّه حينئذ لا يلزم شي‌ء أصلا ، لأنّه متبرّع ، إذ قد يقال أنّه لا اعتبار بهذا الرّضا ، فتأمّل.

قوله : وكون الجاعل جائز التصرف. إشارة إلى الركن الثاني بعد الإشارة

__________________

(١) تعليل لقوله قدّس سرّه : ويحتمل الاكتفاء.

١٥١

وإمكان العمل من العامل.

ويلزم المتبرّع ما جعله عن غيره.

ولا يستحق المتبرّع بالعمل ، وان جعل لغيره.

______________________________________________________

الى الركن الأوّل والثالث ، بقوله : كل عمل مقصود إلخ. والى الرابع بقوله : ويجب العمل بالعوض إلخ وقد عرفت الكل وشرائطه.

قوله : وإمكان العمل من العامل. كأنّه إشارة إلى بيان شرائط العامل ، فيمكن ان يريد منه الإمكان الشرعي ، فهو كناية من كون العامل جائز التصرف ، فهو بعيد وخلاف الظاهر ، فإنه إذا أمر صبيّا مثلا برد عبده بعوض ، فردّ ، الظاهر أنّه يلزمه العوض.

ويمكن ان يقال : نعم يلزمه العوض أي أجرة المثل لبطلان العقد ، فتأمل (١).

وامّا حمله على الإمكان العقلي والعرفي فبعيد ، إذ ما يحتاج الى الشرط ، فان غير الممكن لا يمكن فعله ، فلا يستحق به الأجرة ، فلا يحتاج الى القول به الّا لخروج النادر.

ويمكن ان يكون المراد الإمكان شرعا وصحّته ، فلو قال : من زار عالما أو أعتق ونحوه مما يشترط فيه القربة وحصوله من المسلم أو المؤمن ، فلا يستحق غيره الأجرة بذلك ، وهذا الشرط قد أهمل في التذكرة وغيرها ، فتأمّل.

قوله : ويلزم المتبرّع ما جعله عن غيره. يعني إذا قال شخص تبرّعا : من ردّ عبد فلان فله كذا ، يجب عليه ما شرط ، وجعله عوضا عن ردّ عبد الغير وبدلا عنه ، ولا يرجع على مالك العبد ، ولا يلزمه شي‌ء ، فانّ الآمر متبرع.

قوله : ولا يستحقّ المتبرّع بالعمل إلخ. أي لا يستحق الجعل والعوض من

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ المخطوطة : ولكن في النسخة المطبوعة هكذا : فالظاهر انه يلزمه العوض أي أجرة المثل ، لبطلان العقد فتأمّل.

١٥٢

ويستحق الجعل بالتسليم.

وهي جائزة قبل التلبّس ، ومعه ليس للجاعل الفسخ ، الّا مع بذل اجرة ما عمل.

______________________________________________________

تبرّع بالعمل ، من غير ان يقال له ما يدلّ على العوض لعمله ، وان قال : وشرط الجعل لغيره ، مثل ان قال لزيد : ان رددت عبدي فلك كذا ، وسمع الغير ذلك وردّ فهو حينئذ لم يستحق شيئا ، لأنّه متبرّع ، حيث فعل من غير شرط عمل له لا عموما ولا خصوصا.

قوله : ويستحق الجعل بالتسليم. أي يستحق العامل طلب العوض وتملّكه بعد تسليم العين التي عمل فيها ، بان كان عبدا فسلّمه أو ثوبا مخيطا فسلمه ، وغير ذلك.

وأنت تعلم أنّه ان كان العمل الذي شرط له مستلزما للتسليم أو شرط فيه ذلك يلزم ذلك والا فلا ، فلو قال من ردّ عبدي الى هذا البلد فله كذا لم يجب التسليم للعوض ، وكذا لو قال : من خاط لي هذا الثوب فله كذا.

والظاهر أنّه يستحق بالعمل ، فان العوض جعل في مقابلة العمل الّذي هو الخياطة فقط دون التسليم ، وقد مرّ مثله في بحث الإجارة ، ولهذا قال في التذكرة : استحقاق العامل للجعل موقوف على تمام العمل ، فتذكّر وتأمّل.

قوله : وهي جائزة قبل التلبس إلخ. قال في التذكرة : الجعالة عقد جائز من الطرفين إجماعا لكل منهما فسخها قبل التلبس بالعمل وبعده قبل تمامه ، ولا معنى للفسخ بعد تمام العمل ، وإذا فسخ العامل متى فسخ فلا شي‌ء له ، لانّ شرط الأجرة تمام العمل ، فلا اجرة له قبله ، وقد فسخ بنفسه فادخل النقص على نفسه.

وامّا إذا فسخ الجاعل بعد التلبس ، فان كان فعل ما يوجب اجرا فعليه اجرة ما فعل بالنسبة ، فإن كان بعد نصف العمل ، فله نصف الأجرة ، وعلى هذا الوجه ، فان كان بعده ولكن ما عمل ما يستحق الأجرة ، فلا شي‌ء له أصلا ،

١٥٣

ويعمل بالمتأخّر من الجعالتين.

______________________________________________________

فان العقد جائز ، فيجوز الفسخ ، وما عمل ما يستحق به شيئا ، بخلاف ما عمل (وله اجرة ـ خ) فان فسخه إدخال نقص عليه ، فلا يجوز بغير عوض ، فإنّه لو فتح هذا الباب يلزم ان لا يقدر الإنسان ان يكمل عمله لشي‌ء وهو فساد وضرر.

وكذا ينفسخ بالموت ، فهو بمنزلة الفسخ ، فان مات الجاعل قبل عمل يستحق به الأجرة أو العامل كذلك فلا أجرة ، الّا انّه لو مات هنا العامل بعد عمل يستحق به الأجرة ، فالظاهر انّ له اجرة لأنّ الفسخ ليس باختياره ، وما ادخل النقص على نفسه فله اجرة ما فعل بالنسبة.

امّا لو فعل بعد موت الجاعل فهو متبرّع ، كما إذا فعل بعد فسخ الجاعل ، والظاهر انّ له الأجرة مع عدم العلم في الصورتين ، خصوصا في الأولى ، حيث ما أعلمه الجاعل ، وكذا في الثانية مع علم الوارث بالجعالة ، فإن لزوم الأجرة أوضح من صورة عدم العلم ، والظاهر اللزوم لحصول عمل بأجرة من غير تبرّع مع الجهل بفساده ، على أنّه لا يذهب على الوارث والمالك شي‌ء ، لأنّ لعمله عوضا غالبا ، فتأمّل.

قال في التذكرة : وظاهر أن الجعالة على العمل ليس كالإجارة أيضا ، فلو قال : من خاط ثوبي فله درهم فخاط واحد بعضه ، ثمّ أهمل ، لم يستحق شيئا ، مع احتمال استحقاقه ، ولو مات ، فالاحتمال أقوى.

ولا يخفى أنّ في قوله (١) : ـ ومعه ليس للجاعل الفسخ الا مع بذل اجرة ما عمل ـ مسامحة ، إذ ليس المراد عدم الجواز وعدم صحة الفسخ الّا مع البذل ، بل لزوم اجرة ما عمل مع الفسخ ، فافهم.

قوله : ويعمل بالمتأخر من الجعالتين ، يعني إذا قال مثلا : من ردّ عبدي

__________________

(١) يعني في قول الماتن قدّس سرّه.

١٥٤

ولو حصلت الضالة في يده قبل الجعل فلا شي‌ء ، ووجب الردّ.

وإذا عين سلّم مع الردّ وان (فان ـ خ ل) لم يعيّن فاجرة المثل ، إلّا في البعير والآبق يردّهما (بردهما ـ خ) من غير المصر فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما ومن المصر دينار ، وان نقصت القيمة.

______________________________________________________

فله خمسة دراهم ، ثم قال : من ردّ عبدي فله عشرة دراهم يؤخذ بالأخير ويعمل به فمن ردّ العبد فله عشرة دراهم لا خمسة.

هذا واضح ان كان القول الثاني قبل العمل ، وامّا ما (إذا ـ خ) كان بعد العمل فليس للعامل إلّا الأوّل ، وهو ظاهر.

قوله : ولو حصلت الضالة إلخ. يعني لو قال شخص : من ردّ ضالّتي فله كذا ، وقد حصلت هذه الضالة في يد شخص قبل صدور هذا القول من الجاعل ، فلا يستحق شيئا من الجعل ، بل يجب عليه ردّ ما في يده الى مالكه ، فان الردّ واجب ، ولا جعل على الواجب ، كما تقدم.

فيه أنّه ينبغي ان يكون له العوض إذا كان الردّ ذا عوض ، وقد تقدّم.

قوله : وإذا عيّن سلّم مع الردّ إلخ. دليل وجوب تسليم الأجرة المعيّنة ـ بعد العمل الذي هو ردّ الضالة مثلا ـ واضح وقد تقدم.

وكذا وجوب اجرة المثل مع عدم التعيين ، بل قال : من ردّ عبدي أو ضالّتي فله اجرة وعوض على ، فإنّه عمل ذو اجرة ، وما تبرّع عليه فاعله ، وما عيّن له الأجرة ، فليس الّا اجرة المثل ، إذ لا وجه غيرها.

إلّا في البعير والآبق ، فإنّه إن ردّهما من غير المصر الّذي هو فيه فله أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما ، ومن المصر دينار واحد ، وان نقصت قيمة البعير والآبق عن أربعة دنانير والدينار.

ودليله رواية مسمع المتقدمة ، مع عدم الصحة ، ومخالفة القاعدة وقصر

١٥٥

ولو استدعي الرد ولم يبذل اجرة ، فلا شي‌ء.

______________________________________________________

الدلالة على الآبق ، فإنه ليس فيها الّا الآبق ، فدليل البعير غير واضح ، بل الآبق أيضا ، الّا ان الحكم مشهور بين الأصحاب.

وجعل الحكم في الشرائع مخصوصا بالآبق للرواية ، ونقل عن الشيخ انّه قال في المبسوط انّ هذا الحكم على الأفضل لا الوجوب ، والعمل على الرواية أولى.

وكذا في التذكرة أيضا ، وزاد فيها ، ولو نقصت قيمة العبد عن ذلك ، ففي وجوب ذلك اشكال وقال بعض علمائنا : الحكم في البعير الشّارد كذلك ، ان ردّه من المصر كان عليه دينار ، قيمته عشرة دراهم ، وان ردّه من غير مصره كان عليه أربعة دنانير وفيه نظر لعدم الظفر بدليل عليه إلخ.

فلا يناسب الحكم في البعير بوجه ، بل في الآبق أيضا ، ان لم يكن مجمعا عليه ، لما مرّ من عدم الصحّة ، وعدم انطباقها على القاعدة ، وأنّه قد يكون الدينار أو أربعة دنانير أكثر من الآبق ، وإمكان حملها على كون تلك الأجرة عادة في ذلك المصر ، فليس بظاهر وجه أولوية العمل على الرواية ، كما قاله المحقق والمصنف في التذكرة.

وأيضا لا وجه لتقدير الدنانير ، لما (بما ـ خ) تقدّم ، فإنه غير موجود في هذه الرواية ، وما رأيته في موضع أخر سوى المتن ونحوه مثل التذكرة.

قوله : ولو استدعى الرد إلخ. يعني لو قال : من ردّ عبدي ، أو يرد عبدي أو ضالّتي ، وأمثال ذلك ، ولم يذكر العوض وعدمه فلا شي‌ء للرّاد ، كما في صورة ذكره مجانا أو بلا اجرة وعوض ، للأصل ، وعدم ثبوت حق للغير إلا في صورة دلّ الدليل ، ولا دليل ، فان استدعاء الردّ أعمّ ، فإنه قد يكون بالعوض ، وقد يكون بغيره فلا دلالة على الأوّل بخصوصه.

وهذا لا يخلو عن وجه ، ولكن العادة في مثله يقتضي العوض ، ويؤيّده انّهم ذكروا ـ وقد تقدم أيضا ـ أنّ من أمر شخصا بفعل ذي أجرة عادة يلزمه الأجرة.

١٥٦

ولو جعل للراد شيئا فردّه جماعة استحقّوه ، ويقسّم بينهم ولو جعل ذلك للدخول فدخل جماعة ، فلكل واحد ذلك الشي‌ء.

______________________________________________________

وأيضا قالوا : إن أمر بالشراء ، وادّى ثمنه يلزمه العوض ، وان كان لي في ذلك تأمّل ، وقد مرّ ، وهذا مؤيّد لذلك.

قال في التذكرة : لو استدعي ، فقال لغيره رد آبقي (١) استحق الجعل ، لأنّه عمل يستحق في مثله الأجرة ، وكان عليه الجعل ، كما لو استدعي ردّ اللقطة ، كان عليه اجرة المثل ، وان لم ينصّ له على الأجرة.

وكذا إذا أذن الرّجل في ردّ عبده الآبق ، ولم يشترط له عوضا بردّه ، فالأقوى استحقاق الجعل إلخ (٢).

وكلامها (٣) لا يخلو عن شي‌ء ، والأصل يقتضي العدم ، فان كان هناك عرف جار بلزوم الأجرة ـ بالاستعمال مع عدم ذكر العوض بحيث صار الذكر وعدمه سواء في ذلك ـ اقتضى الأجرة.

أو قرينة بأن كان العامل معلوما أنّه لم يعمل إلا بالأجرة ، وكذا الآمر لم يأمر مثله بمثل هذا العمل الّا بالأجرة ، فكذلك والا فلا ، للأصل ، فمن يثبت (ثبت ـ خ) الأجرة فعليه البيان.

ومن هذا علم ما تقدم لنا من التأمل في استحقاق العوض بالأمر بفعل يستحق الأجرة ، وكذا العوض في الاذن بأداء الدين وبالضمان ، فان هذه الأمور أعمّ من العوض وعدمه ، والعام لا دلالة له على الخاص ، فتأمّل.

قوله : ولو جعل للرادّ شيئا فردّه جماعة إلخ. يعني إذا قال من ردّ عبدي

__________________

(١) هكذا في التذكرة وجميع نسخ الكتاب ، ويحتمل ان تكون العبارة ردّ ابني.

(٢) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٢٨٦ (كتاب الجعالة).

(٣) يعني كلام التذكرة ، ويحتمل ان تكون العبارة وكلاهما.

١٥٧

ولو جعل لكلّ (واحد خ) من الثلاثة جعلا مخالفا للآخر ، فردّوه ، فلكلّ ثلث ما عينه (١) وكذا لو اتفقوا في الجعل ، ولو جعل للبعض معيّنا وللآخر مجهولا ، فلكل من المعيّن الثلث ، وللمجهول ثلث اجرة المثل.

______________________________________________________

فله درهم ، فردّه جماعة بأن أخذوه دفعة وردّوه جميعا ، استحق الجميع الدرهم المجعول لهم ، فيقتسمون (فيقسمون ـ خ) بينهم بالسوية ، بخلاف ان قال : من دخل داري فله درهم فدخلها جماعة ، وان دخلوا دفعة ، فانّ لكل واحد درهم.

والفرق واضح فان الجعل لمن صدر عنه الردّ مستقلا وبانفراده واحدا كان أو متعددا والذي صدر عنه الرد بالاستقلال انما هو الجماعة لا فرد منهم ، بخلاف الدخول فإنه جعل لمن صدر عنه الدخول مستقلا ولا شك في حصوله عن كل واحد منهم فيكون لكل واحد ما شرط.

نعم إذا كان الجعل امرا شخصيا لا يقبل التعدد ، يكون للجميع إذا دخلوا جميعا ، ومع الترتيب ، للاوّل فقط ، لأنّه أخذه الأوّل بفعله الدخول ، ولا جعل للثاني.

قوله : ولو جعل لكل واحد من الثلاثة جعلا إلخ. يعني إذا قال لواحد من الثلاثة : ان رددت أنت عبدي فلك تسعة دراهم ، وان رددت أنت فلك الثلاثة ، ولآخر ان رددت أنت فلك ستة ، فردّه الجميع معا ـ لقصد الجعل لنفسه لا متبرعا للمالك ، ولا اعانة للعامل ، ـ فلكل واحد ثلث ما عين له ، لانّ كل واحد فعل ثلث ما عين له من العمل ، فيستحق ثلث الأجرة.

وكذا لو كانت أجرتهم متفقة لا مختلفة ، سواء كان معينا للكلّ أو غير معيّن ، فيكون اجرة المثل ، أو معيّنا للبعض دون البعض ، فيكون له اجرة المثل بالنسبة إلى عمله وهو ثلثيها ، وللمعيّن له ثلث أجرة الذي عيّن له.

__________________

(١) وفي نسخة : كان لكل واحد ثلث ما عيّنه.

١٥٨

ولو تبرع واحد مع المجعول له ، فلا شي‌ء له ، وللمجعول له النصف.

ولو ردّ من البعض فله بالنسبة.

______________________________________________________

قوله : ولو تبرّع واحد مع المجعول له إلخ. يعني لو تبرّع واحد ، وأعان العامل في الردّ لا شي‌ء للمعين ، وللعامل نصف ما عيّن أو نصف اجرة المثل.

هذا واضح ان كان متبرعا للمالك أو قصد اجرة وامّا لو كان معينا للعامل ـ بأن أراد فعل ما عين له فعله بمنزلة الوكالة والإعانة مع عدم شرط الفعل عليه بعينه ـ بمعنى أنه لا يفعل الا بنفسه ـ فلا.

بل الظاهر انه يكون له أخذ تمام الأجرة ، لأنّ فعل المعين فعله حينئذ والفرض جوازه بنفسه وبغيره ، واستحقاقه الأجرة مطلقا ، فإنّه حينئذ لو حصل الضالّ وردّه لا بفعله بل بأجرة أو تبرّع كان مستحقا لتمام الأجرة لا محالة ، فكذا هنا كما في الإجارة المطلقة والمزارعة ، فتأمّل.

نعم لو قصد اجرة لنفسه أو تبرّع للمالك ، فهو متبرّع لعدم تعيين الجعل له.

قوله : ولو ردّ من البعض فهو بالنسبة. يعني من قال : من ردّ عبدي من بغداد فله درهم ، فردّه شخص من نصف الطريق فله نصف درهم ، فانّ الدرهم ينقسم على الكلّ ، فلكل جزء جزء منه.

وفيه تأمل ، إذ قد يقال : ما فعل ما جعل له : فانّ الجعل انّما حصل للرد من بغداد ، ولا يلزم منه جعل الجزء لبعض الطريق ، وهو ظاهر ، إذ قد يكون الغرض متعلقا بتحصيله من بغداد ، فإنه هناك يكون صعبا ، وامّا في الطريق فلا ، بل هو يكون يقدر ان يردّه بنفسه وبغير اجرة.

فكما (١) لا يستحق الأجرة للزيادة ان ردّه من فوق بغداد.

__________________

(١) الظاهر ان مراده قدس سرّه : فهو كما لا يستحق الأجرة إلخ.

١٥٩

والقول قول المالك في عدم الاشتراط ، وفي حصول الضالّ في يد العامل قبل الجعل.

وفي كون المأتي به غير المقصود.

وفي قدر الجعل وجنسه.

لكن يحلف على نفي ما ادّعاه العامل.

______________________________________________________

بل يمكن هنا أيضا عدم الأجرة أصلا ، لما تقدّم.

الا ان يكون هناك قرينة دالّة على ان المطلوب الردّ مع الأجرة ، وانّما المعين للبعد ، لا غير ، فيستحق تمام الأجرة في الأبعد ، وبالنسبة فيما دون بغداد.

قوله : والقول قول المالك إلخ. يعني إذا قال العامل بعد ردّ الآبق مثلا : قد جعلت أنت الجعل معيّنا أو غير معيّن ، وأنكره المالك الجاعل ، بل قال : أنت متبرّع فالقول قوله مع يمينه ، لانه منكر ، وعليه البيّنة ، لأنه مدّع للتعريف ، ومع عدمها واليمين لا شي‌ء للعامل.

وكذا لو قال العامل : انى حصّلت الضالة بعد الجعل وأنكر المالك ، وقال بل وقعت الضالة في يدك قبل الجعل مع اتفاقهما على جعل الردّ ، لما تقدّم.

وفيه تأمل ، إذا لأصل عدم التبرّع ، وعدم وقوع الضالة بيد العامل حتى يعلم ، ومعلوم بعد الجعل لا قبله ، الّا ان التعريف يقتضي ما ذكره المصنف ، وهو ما تقدم.

وكذا القول قوله لو أنكر كون المأتي به والمردود (عليه ـ خ) غير ما جعلت (جعل ـ خ) له الجعل ، وهذا لا بأس به ، لما تقدم.

وكذا القول قوله لو أنكر زيادة الجعل أو جنس ما يدّعيه العامل ، الّا أنّه في صورة تخالف الجنس والقدر ، وحلف المالك على نفي مدّعاه يثبت للعامل أقلّ الأمرين من اجرة المثل وما ادّعاه العامل.

امّا ان القول قوله مع اليمين ، فلما تقدم ، من التعريف والأصل ، وكونه

١٦٠