مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والودي (١) التي لم تغرس ، والمغروس الذي لم يثبت ، ولم يستقرّ بعد ، و (بحصّة من ثمرها) يخرج الإجارة.

ويمكن ان يكون المراد بالثمرة هو نماء الشجرة المغروسة الثابتة ، فيدخل في المساقاة المعاملة على ما يقصد ورده وورقه ، مع ثبوت أصله ، كالحنّاء والتّوت.

ويحتمل ارادة المعهود ، فلا يصحّ المساقاة الّا على أصول لها ثمرة متعارفة ، ويؤيّده عدم صدق التعريف ظاهرا ، وعدم شمول دليلها لها يقينا ، وعدم ثبوت نقل المساقاة في غيرها ، فتأمّل.

وأمّا دليل جواز هذه المعاملة فهو الإجماع المدّعى في التذكرة (٢) ، والاخبار من العامة والخاصة.

مثل ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السّلام ، انّ أباه حدّثه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أعطى خيبر بالنّصف أرضها ونخلها (الحديث) (٣).

وصحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن الرّجل يعطى الرّجل أرضه وفيها الرّمان والنخل والفاكهة ، فيقول : اسق هذا من الماء (من هذا الماء) واعمره ، ولك نصف ما خرج؟ قال : لا بأس (٤) وصدق العقد والمعاملة والشرطيّة ، مع (وـ خ) عدم المنع ، فيشملها عموم الأدلّة ، فتأمّل.

وأمّا كون أركانها ، الأربعة المذكورة ـ العقد المركّب من الإيجاب والقبول الصادرين من أهلهما ، والمحل الذي يقع المساقاة عليه ، وهو الأصل ، والمدّة المشترطة ،

__________________

(١) الوديّ ـ صغار النخل.

(٢) قال في التذكرة : هذه المعاملة جائزة عند علمائنا اجمع انتهى ج ٢ ص ٣٤١.

(٣) الوسائل الباب ٩ الرواية ١ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ج ١٣ ص ٢٠١.

(٤) الوسائل الباب ٩ الرواية ٢ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة ولاحظ التعليقة المرتبطة بهذه الرواية ج ١٣ ص ٢٠٢.

١٢١

وصيغة الإيجاب ساقيتك ، أو عاملتك ، أو سلّمت (أسلمت ـ خ) إليك ، وشبهه.

______________________________________________________

والفائدة التي هي الثمرة ، والحصّة ـ فهي (فهو ـ خ) بحسب الاصطلاح ، فإنّه قد يجعل الأركان غير تلك ، وقد يجعل ايّاها ، والمقصود معلوم ، ولا نزاع فيه ، فتأمّل.

قوله : وصيغة الإيجاب ساقيتك إلخ. قاعدتهم التي ذكروها مكرّرا ـ أنّ كل عقد لازم يحتاج إلى صيغة إيجاب وقبول لفظي ، مع الاعراب ، والعربية ، والمقارنة ، والماضويّة ، وعدم الاكتفاء بغيرها ـ تقتضي ذلك في هذا العقد أيضا.

وقد أشار إليه في التذكرة وغيرها.

ولكن قد عرفت التأمل في تلك القاعدة ، وعدم ثبوتها ، لعدم دليل عليها.

نعم لا بدّ من صدور ما يدلّ على الرّضا الذي هو أمر باطني ، وشرط بالعقل والنقل.

ولعلّ في ترك المصنف والمحقق القبول هنا إشارة الى ذلك ، وكذا في تجويز التذكرة الإيجاب بكل لفظ.

قال في التذكرة : وبالجملة كل لفظ يؤدّي هذا المعنى ، كقوله : تعهدت نخلي بكذا ، أو اعمل فيه بكذا ، ولكن قال : لا بدّ من القبول.

والظاهر انّ كلّما يصدق عليه العقد والمساقاة ، فهو صحيح ، والظاهر أنّه صادق على الأمر وغيره العقد والمساقاة.

ويدلّ عليه ما في الاخبار الصحيحة ، مثل ما في صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، (في حديث) فيقول : اسق من هذا الماء ، واعمره ، ولك نصف ما خرج (١) (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من كتاب المزارعة الرواية ٢.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : فمنع ع ل وز بعيد.

١٢٢

وهي لازمة ، لا تبطل بالموت ، ولا بالبيع ، بل بالتقايل.

وتصحّ قبل ظهور الثمرة وبعدها ، ان ظهر للعمل زيادة.

______________________________________________________

فالجواز غير بعيد ، كما تقدم في المزارعة ، ويؤيّده تجويز أقسام العقود اللازمة ، مع عدم دليل بخصوصه سوى العام ، فلا يتمّ أنّه لا بدّ من النقل ، وليس ، فلا يصح.

وكذا أنّه لا بدّ من الاقتصار على اليقين ، فلا يقين إذ عموم الأدلة مفيدة لليقين الشرعي الذي لا بدّ منه فتأمّل.

والاحتياط أمر واضح.

والظاهر صحّة المعاملة أيضا كما مرّ في البيع وغيره ، وان منع في التذكرة المعاطاة فيه وفي البيع.

قوله : وهي لازمة إلخ دليله ما تقدم في أمثاله ، من أوفوا ، والمسلمون عند شروطهم ، فلا يبطل بموت احد المتعاقدين ، الّا ان يشترط العمل بنفس العامل ، فيبطل بموته ، ولا بالبيع كما تقدم ، خصوصا في الإجارة والمزارعة ، بل يبطل بالتقايل.

لعلّ دليل البطلان بالتقايل هو الإجماع ، وما تقدم ، فتأمّل.

ومعلوم انّ المراد بالبطلان ، بعد الصحّة ، وباختيار المتعاقدين ، فلا يضرّ ثبوت البطلان بغير التقايل أيضا ، مثل ظهور البطلان لعدم حصول شرط ، ولا البطلان ، لتعذر الانتفاع ، مثل انقطاع الماء ونحوه ، كما تقدم في المزارعة فتأمّل.

قوله : وتصحّ قبل ظهور الثمرة إلخ. لا شك في صحة المساقاة ، قبل ظهور الثمرة ، لعموم الأدلة ، وظهور تأثير العمل ، فيستحق الحصّة بالعمل ، وكذا بعده ، ان بقي لعمل اثر يستحق به الأجر والحصّة ، بأن تزيد به الثمرة عينا ، أو كيفية ، بحيث يزيد ثمنه ، لظهور الأدلة ، وظهور الأثر ، وأمّا إذا لم يؤثر العمل أصلا ، بل يكون لمجرّد الحفظ مثلا ، فالظاهر أنّه لا يصحّ المساقاة لعدم تحقق مفهومها ، ولعلّه لا خلاف فيه

١٢٣

واما المحل فهو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها ، مع بقائه ، كالنخل والشجر.

______________________________________________________

أيضا.

قال في التذكرة : لا تصح المساقاة على ثمرة قد وجدت ، وبد إصلاحها ، واستغنت عن السّقي ، ولم يبق لعمل العامل فيها مستزاد ، إجماعا ، لأنّها ـ والحال هذه ـ قد ملكها ربّ البستان ، ولم يحصل بالمساقاة زيادة الثمار ، والغرض بها تحصيل الثمار ، أو جودة اتباعها ، فإذا لم يحصل الغرض خلا العقد عن الفائدة ، فيكون باطلا ، وامّا إذا كانت الثمار قد ظهرت ولم يبد (ولم يبد ـ التذكرة) صلاحها ، فإن بقي للعامل ما فيه مستزاد الثمرة كالتأبير والسقي وإصلاح الثمرة جازت المساقاة تحصيلا لتلك الفائدة (١).

قوله : وأمّا المحل فهو كل أصل إلخ. يعني الثاني من الأركان هو المحلّ الذي يرد عليه عقد المساقاة ، وهو كل أصل ، أي شجر ، وهو الذي له ساق ، فلا يصحّ على مثل النبات الذي لا ساق له ، كالبطيخ والقثّاء وقصب السّكر وغيرها ، وكذا البقول التي لا تجزّ إلا مرّة واحدة.

قال في التذكرة : لا تثبت المساقاة عليها إجماعا ، وامّا ما يثبت في الأرض ويجزّ مرّة بعد أخرى فكذلك إذا لم يسمّ شجرا (٢) الى قوله : وهو أصحّ قولي الشافعي (٣) ، فكأنّ هذا أيضا إجماعي عندنا.

ولا بدّ ان يكون ذلك الأصل والشجر ثابتا له ثمر ينتفع بها ، مع بقاء

__________________

(١) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٤٣.

(٢) قال في التذكرة : ونعني بالشجر ما له ساق ، وهو مخصوص بذلك المساقى ، قال الله تعالى (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) ، قيل في التفسير ، النجم ما لا ساق له من النبات ، والشجر ما له ساق (نقل ذلك في بعض النسخة الخطية بخطه ره) ج ٢ ص ٣٤٢.

(٣) انتهى كلام التذكرة ج ٢ ص ٣٤٢.

١٢٤

وفي التوت والحنّاء نظر.

______________________________________________________

الأصل ، كالنخل والشجر ، فلا تصح على غرس المقلوع والودي.

ولعلّه دليله إجماع ، وعدم صدق المساقاة ، على ما عرفت من تعريفها.

وكذا على ما لا ثمرة له أصلا ، مثل الخلاف ، أو له ثمرة غير منتفع بها مثل الصنوبر.

قوله : وفي التّوت والحنّاء نظر. وجه النظر أنّه ليس لهما ثمرة عادة ، إذ لا يقال لما يحصل منهما الثمر من الورق أنّه الثمر (١) فلا يصدق التعريف.

وأنّه ما كان فيما ثبت فيه المساقاة في زمانهم مثل الخيبر ، وأنّه ثمرة بالنسبة إليهما ، وأنّ المقصود الحاصل من الثمرة يحصل منهما ، فيلحقان بما له ثمرة.

الظاهر أنّ الخلاف في التّوت الذكر ، قال في التذكرة : أمّا التّوت الأنثى ، فإنّه يجوز المساقاة عليه عندنا لأنّه مثمر ، وأمّا التوت الذكر وما أشبهه مما يقصد ورقه كالحنّاء وشبهه ، ففي جواز المساقاة عليه خلاف ، والأقرب جوازها ، لأنّ الورق في معنى الثمرة ، لكونه ممّا يتكرّر في كل عام ، ويمكن أخذه والمساقاة عليه بجزء منه فيثبت له مثل حكم غيره ، وكذا شجر الخلاف لاغصانها التي تقصد كل سنة أو سنتين ، والأقرب الجواز في التوت بنوعيه وكلّما يقصد ورقه ، أو ورده كالورد والنيلوفر والياسمين والآس وأشباه ذلك وكذا في فحول النخل ، لانّ لها طلعا يصلح كشّا للتلقيح ، فأشبه الثمرة (٢).

ولا يبعد قرب ما قرّبه ، لعموم أوفوا ، والمسلمون عند شروطهم ، ولانّ الناس مسلّطون على أموالهم فلهم ما يفعلون فيها الّا ما منع منه.

ولأنّه تصرّف في مال الغير باذنه ، بل أكل مال بتجارة عن تراض ، فيصحّ ،

__________________

(١) في النسخة المطبوعة لما يحصل منهما من الورق أنّه الثمر.

(٢) التذكرة : ج ٢ ص ٣٤٤.

١٢٥

وانما تصحّ إذا كانت الأشجار ، مرثية.

ولو ساقاه على وديّ (١) غير مغروس ففاسد.

______________________________________________________

ولما تقدم ، ولانّه قد يحتاج الإنسان إليها في أمثاله ، فمنعها لا يناسب الشريعة السمحة.

ولانّ الظاهر انّ بساتين الخيبر ، وأرضه ما كانت خالية عمّا لا ثمرة يعتدّ بها ، مثل فحول النخل ، وغير معلوم أخذ التعريف من دليل ، بحيث لا يجوز غيره ، إذ قد يكون ذكره لكونه متفقا عليه ، أو أكثريّا ، وغير معلوم ، عدم كون مثله في الخيبر ، بل الظاهر وجوده فيها ، وعدم وقوع مثله في زمانهم ـ على تقدير التسليم ـ لا يدلّ على العدم ، كما في كثير من الفواكه التي ما كانت فيه ، مع جواز المساقاة فيه إجماعا.

قال في شرح الشرائع : وفي بعض الاخبار ، ما يدل على دخوله ، أي دخول مثل الحنّاء في المساقاة.

ما رأيت شيئا خاصّا ، الّا ما يدل على عموم الفواكه في الجملة.

لعلّه يريد العمومات ، كما أشرنا إليه ، لكنّه موجود في الكتاب (٢) أيضا ، فتأمّل.

ولو لا نقل الإجماع المذكور ـ في شرح الشرائع في عدمها في غير المغروس ونحوه ـ لكان القول بالجواز فيه أيضا متجها ، لما تقدّم.

قوله : وإنّما تصحّ ، إلخ. كأنّه يلزم ذلك من تعريفها ، حيث قيل فيه : لا بدّ ان يكون شجرا له أصل ثابت ، ولا يكون كذلك ، إلّا إذا كانت مرئية ، ولأنّه مع عدم الرؤية مجهول ، فتأمّل.

قوله : ولو ساقاه على ودىّ ، إلخ. ينبغي جعل هذا تفريع ما سبق.

__________________

(١) الودي بالياء المشدّدة هو صغار النخل قبل ان يحمل (مجمع البحرين).

(٢) الظاهر أنّ المراد منه القرآن.

١٢٦

ولو كان مغروسا وقدّر العمل بمدّة لا يثمر فيها قطعا أو ظنّا أو تساوي الاحتمالان بطل.

وتصح إلى مدة يحمل فيها غالبا ، وان لم يحمل.

______________________________________________________

قوله : ولو كان مغروسا وقدّر بمدّة إلخ. يعني لو كان الوديّ مغروسا وظاهرا ، كان مشتملا على صحة شرطه من جهة المحل.

ولكن وقع الخلل في شرط المدة ، فإن شرط مدة معيّنة ، لا تثمر في تلك المدّة ـ مثل هذا الوديّ علما يقينا أو ظنا مأخوذا من العرف والعادة ، أو يكون الاحتمالان متساويين في حصول الثمر الى تلك المدّة وعدمه ـ مبطل لعقد المساقاة ، لجهالة المدّة وعدم الجزم بحصول الثمرة.

ولا يبعد تقييد ذلك بعدم الحصول ، فإنّه لو حصل الثمر في الأخيرين يحتمل صحة العقد ويأخذ الحصة ، للاحتمال عند العقد ، ومطابقته للواقع وأصل عدم اشتراط شي‌ء آخر ، وصدق التعريف ، وعموم الأدلّة.

وعدم تقدير البطلان لا يبعد عدم اجرة المثل أيضا للعامل مع علمه ، فإنّه متبرّع ، كمن غارس على ان لا يكون له شي‌ء ، واستأجر كذلك ، كما تقدم.

وامّا مع الجهل فلا يبعد له اجرة المثل ، خصوصا مع علم صاحب الأرض ، بناء على قاعدتهم ، انّ كل ما بطل العقد يحصل للعامل اجرة المثل ، لانّ الحاصل لصاحب الأرض خاصّة ، لبطلان العقد ، فلا بد للعامل من عوض لعمله ، حيث ما كان متبرّعا فتأمّل.

قوله : ويصحّ إلى مدّة إلخ. أي يصحّ عقد المساقاة إلى مدّة يحمل في تلك المدّة غالبا ، وان اتّفق على خلاف العادة ، فلم يحمل ، ففائدة الحكم بالصحّة عدم استحقاق اجرة المثل للعامل.

وأمّا تكليفه بإتمام العمل طول المدّة ـ مع حصول العلم بعدم حصول الحصّة ، كما في إنفاذ المال في القراض مع الجزم بعدم الربح والحصة ، ففيه

١٢٧

ولو كانت الثمرة لا تتوقع إلّا في آخر المدّة صحّ.

ويشترط في المدة تقديرها بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، وان تحصل الثمرة فيها غالبا.

______________________________________________________

اشكال ، كما نقل عن التذكرة ، والظاهر العدم ، فانّ الظاهر أنّه كالمعاوضة ، فمع عدم العوض لا ينبغي التكليف ، فإنّه مثل تلف المبيع قبل القبض ، ولو سلّم في القراض ما ذكر لدليل ، فلا يقاس ، والّا يجي‌ء المنع فيه أيضا ، مع إمكان الفرق ، فتأمّل.

قوله : ولو كانت الثمرة إلخ. يعني لا يشترط في صحة (حصول ـ خ) العقد حصول الثمرة في أثناء جميع هذه المدة المشترطة ، بحيث يكون في أوّلها ووسطها أيضا ، أو بحيث يبقى بعد حصول الثمرة مدّة كثيرة من تلك المدّة ، بل يكفي حصولها في تلك المدّة ، وان كان في آخرها ، فلو ساقاه عشر سنين ولم يحصل الثمرة إلّا في السنة الأخيرة صح العقد.

ودليله عموم الأدلّة ، ويكون العمل كلّه في مقابلة حصة السنّة الأخيرة ، فلا يضرّ خلو الباقي عن عوض معيّن.

قوله : ويشترط في المدة إلخ. كأنّه إشارة إلى الركن الثالث وبيانه ، ويكون ما تقدم من تتمّة بيان المحلّ ، وان كان للمدّة أيضا دخل فيه ، ويحتمل ان يكون من قوله : (ولو كانت إلخ) في بيان المدّة ، وكلاهما غير جيّد ، ولكن الأمر هيّن.

وأمّا اشتراط تقدير المدّة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، فلرفع الجهالة ، كما تقدم في المزارعة والإجارة وغيرهما.

وقد نقل عن ابن الجنيد الاكتفاء في التقدير بحصول الثمرة ، وأنّه مع الخلو عن المدة مطلقا باطل ، قولا واحدا.

وذلك غير بعيد ، للضبط عادة في الجملة ، وللأصل ، وعموم الأدلّة ، فتأمّل.

ولا بدّ أيضا من كون تلك المدّة ممّا يحصل فيها الثمرة المطلوبة (غالبا ـ خ) ،

١٢٨

ويشترط شياع الفائدة.

فلو اختصّ بها أحدهما ـ أو شرط مقدارا معيّنا ، لا بالجزء المشاع ، والباقي للآخر أولهما ، أو شرط ثمرة نخلات بعينها ، والباقي للآخر ـ لم يصحّ.

ويجوز اختلاف الحصّة من الأنواع ، إذا علم العامل مقدار الأنواع.

______________________________________________________

ولو ظنّا مأخوذا من العادة ، لأن الغرض حصولها ، فلو لم يكن العقد مشتملا على الغرض فلا يحصل ، وقد أشار إليه المصنف ، فيما قبل ، فتأمّل.

قوله : ويشترط شياع الفائدة. إشارة إلى الركن الرّابع ، وهي الثمرة الحاصلة من الأشجار التي هي محل العقد ، ولا شك في اشتراط كونها شايعة ، ليكون مساقاة ، فإنه لو لم يكن كذلك لم يكن مساقاة ، بل اجارة ، ان كانت معيّنة ، وجوّزت الإجارة بلفظ المساقاة ، وكان العقد بلفظها والا فالمساقاة (مساقة ـ خ) باطلة.

قوله : فلو اختص بها أحدهما إلخ. تفريعها على شيوع الفائدة ظاهر ، أي إذا كان شيوع الفائدة شرطا ، فلو اختص الفائدة بأحد المتعاقدين ـ العامل وصاحب الغرس ، أو شرط مقدارا معيّنا من الثمرة لا جزء مشاعا لأحدهما وشرط الباقي للآخر أو شرط الباقي لهما أو شرط ثمرة نخلات بعينها من البستان الذي وقع المساقاة عليه لأحدهما وجعل الباقي للآخر ـ لم يصح العقد ، وهو ظاهر مع ثبوت أصله ، فتأمّل.

قوله : ويجوز اختلاف الحصة إلخ. يعني إذا كان في البستان الذي ساقا عليه أنواع مختلفة من الثمرة ، واشترط الثلث من أحدهما والنصف من الآخر مثلا صحّ المساقاة ، بشرط علم العامل بمقدار كل نوع من تلك الأنواع.

ومفهوم الكلام يدل على عدم الصحة ، لو لم يعلم ، وجهه الجهالة ، وكذا

١٢٩

ويكره اشتراط ربّ الأرض مع الحصّة شيئا من الذهب والفضة (ذهب وفضة ـ خ) ويجب الوفاء مع السلامة.

______________________________________________________

مفهومه الصحة لو لم يكن الحصة مختلفة ، بل إذا ساقاه على ذلك البستان بالنصف مثلا صحّ مطلقا ، سواء علم مقدار الأنواع أم لا.

وهو مشكل ، فإن الجهالة واقعة ، فلو كانت مانعة من الصحة لمنعت هنا أيضا ، وكونه مفهوما من الكلام غير واضح ، فلا يبعد عدم الصحة ، بناء على اعتبار العلم وعدم الجهالة ، فتأمّل.

قوله : ويكره اشتراط رب الأرض إلخ. يعني يكره ان يشترط مالك الأرض على العامل ان يأخذ منه مقدارا معيّنا من الذهب أو الفضّة ، بل يكره له أيضا قبول ذلك ، ولكن يجب الوفاء بما شرط ، مع سلامة ، ما ساقاه عليه ، من الآفات مطلقا ، وان كان ما حصل له أقلّ ممّا أخذ منه ، من الذهب أو الفضّة مع حصول التّعب.

وأمّا دليل الجواز واللزوم فهو أدلة الشرط ولزومه ، مثل أوفوا ، والمسلمون عند شروطهم.

وامّا كونه مشروطا بالسلامة فلحصول الغرر (الضرر ـ خ) إذ يذهب تعبه ، ويحصل عليه ضرر آخر بإعطاء الزائد من الذهب ، والفضة ، فلا يبعد دخوله تحت أكل مال بالباطل.

ويحتمل ان يكون السلامة في الجملة ، والسلامة عادة ، بحيث لا ينقص من الثمر المعتاد شي‌ء (أمر ـ خ) يعتاد به عرفا.

والظاهر عدم الفرق بين كونهما أكثر من الحصّة وعدمه.

والظاهر أيضا عدم الفرق بينهما وبين غيرهما من الأموال.

ولعلّ دليل الكراهة الإجماع على ما يفهم من شرح الشرائع ، مع ما يتخيّل من احتمال الضرر ، وأنّه إذا كان زائدا ، أو مثل ثمن الحصة التي تحصل له تخمينا ،

١٣٠

ولو شرط فيما سقت السماء النصف ، وفيما سقي بالناضح الثلث ، أو شرط مع الحصّة جزء من الأصل ، بطل.

______________________________________________________

لا يبعد تحريمه ، وعدم صحة العقد ، فإنّه ضرر منفيّ ، بل يمكن خروج العامل بذلك من (عن ـ خ) الرّشد ، الّا ان يعرض له نفع يعتدّ به.

وكأنّه الى ذلك نظر العامّة ، حيث حكموا بالحرمة ، ولكنّه أيضا على إطلاقه غير ظاهر ، فينبغي التفصيل.

والظاهر أنّ حكم الأصحاب على الكراهة مبنيّ على عدم الضرر والسفاهة ، فإنّه معتبر في جميع المعاملات ، وتركوه للظهور والكراهة ـ لاحتمال النقص والحصّة فيستغرقها ما شرط ، وينقصها مع حصول التعب ـ بعيد (١).

نعم لو شرط العامل على المالك شيئا غير الحصّة ، فلا يبعد عدم الكراهة ، والكراهة أيضا للاحتمال المتقدم ، وجبر النقص بتعمير الأرض والشجر وعدم اشتراطه بالسلامة لذلك ، فتأمّل.

قال في التذكرة : يكره ان يشترط أحدهما لنفسه شيئا من ذهب أو فضة ، وان شرط ذلك وجب الوفاء به مع السلامة.

قوله : ولو شرط فيما سقت السماء إلخ. ظاهر العبارة انّ المراد إذا كان في البستان ما يسقى بالسماء ، أي لا يحتاج إلى السقي بنحو (بمثل ـ خ) الناضح ، بل يحتاج الى عمل يسهل معه دخول الماء تحت الأشجار وغيره من العمل ، وفيه ما يسقى بمثل الناضح ، وهو البعير الّذي يسقى عليه من البئر ، وشرط المالك لنفسه نصف الثمرة ممّا يسقى بالسماء والثلث ممّا يسقى بالناضح ، يبطل هذا العقد.

وسبب البطلان غير واضح ، الّا ان يحمل على الجهل بمقدار كل واحد منهما بالكليّة ، فيصحّ مع العلم في الجملة.

__________________

(١) ولعل الصواب بعيدة بدل بعيد.

١٣١

«المقام الثاني في الاحكام»

وإطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل عمل يتكرّر في كل سنة ، وتحتاج الثمرة إليه من السقي والتقليب وتنقية الأجاجين (١) والأنهار

______________________________________________________

وهذه غير المسألة المذكورة في القواعد والشرائع : ان سقى بالسماء فله النصف ، وان سقى بالناضح فله الثلث ، يبطل للجهالة ، فلا يمكن ان يقال : وعبارة القواعد أجود من هذه ، لأنّ المسألة مغايرة.

نعم ان كان المراد بهذه العبارة مراد عبارة القواعد ، لا شك في ذلك ، ولكن لا يفهم ذلك من هذه أصلا ، بل المفهوم ما ذكرنا.

مع إمكان المناقشة ، في عدم صحة ما ذكر في القواعد ، ولذلك قال في الشرائع : وفيه تردّد ، فإنه يمكن الصحّة ، كما مرّ في الإجارة ، ان خطّه فارسيّا فلك كذا وروميّا فلك كذا ، مع احتمال البطلان هناك أيضا ، أو خروجه بدليل خاصّ أيضا ، وقد مرّ مفصلا ، فتأمّل.

وكذا يبطل لو شرط للعامل جزء من الأصل مع الحصّة.

ولعل دليل البطلان أنّه خارج عن مفهوم المساقاة ، فإن مفهومها يقتضي الاقتصار في الأجرة على الحصّة من دون الاشتراك في الأصل.

وفيه تأمل إذ ما نجد مانعا من الصحّة ، وكونه مساقاة أيضا الّا ان يقال : قد وقع الإجماع على عدم انعقاد مثله مساقاة وبلفظ المساقاة ، فتأمّل.

«المقام الثاني في الاحكام»

قوله : وإطلاق العقد يقتضي إلخ. إشارة الى ما يجب على العامل

__________________

(١) الإجّانة موضع الماء تحت الشجرة والجمع اجاجين ومنه يجب على العامل تنقية الأجاجين

١٣٢

وازالة الحشيش المضرّ وتهذيب الجريد والتلقيح والتعديل واللقاط وإصلاح موضع التشميس (الشمس ـ خ ل) ونقل الثمرة اليه وحفظها.

______________________________________________________

من العمل مع الإطلاق.

واما مع الشرط فلا شك في لزومه ، مع عدم كونه حراما ومنافيا لمقتضى العقد ، وهو ظاهر.

وامّا دليل اقتضاء الإطلاق ما ذكر ، فهو العرف والعادة ، فإن العادة تقتضي انّ جميع ما يحصل به نفس الثمرة وجودتها وزيادتها عرفا من الاعمال ، على العامل ، وكأنّ ضابطه ما يتكرّر كلّ سنة ، مما فيه صلاح الثمرة وتحتاج إليه حصولا وزيادة وجودة ، منه السقي وتقليب الأرض وحرثها المحتاج اليه عرفا وتنقية الأجاجين وتهذيبها ممّا يمنع مكث الماء ووصوله إلى أصل الشجرة ، وهي جمع إجّانة بالكسر والتشديد ، والمراد بها هنا الحفرة التي تحت أصل الشجرة ، يقف فيها الماء ، وكذا تنقية الأنهار وازالة الحشيش المضرّ وتهذيب الجرائد ، أي قطع ما يحتاج الى قطعه ، كالأجزاء اليابسة ، من كرم العنب والأغصان اليابسة ، بل المضرة من الأشجار ، سواء كانت يابسة أو رطبة ، وسواء كانت مضرّة للأصل أو للثمرة ، مع اقتضاء العرف ، وتلقيح الأنثى من الذكّر على الوجه المعتبر ، وتعديل الثمرة أي إصلاحها بإزالة ما يضرّها عنها من الأغصان والأوراق ، ليصل إليها الهواء والشمس ، وما يحتاج إليها ، وليسهل أخذها عند الإدراك ، بل وازالة بعض الثمرة أيضا ، إذا كان لها دخل في نموّ الباقي وجودته على الوجه المعتبر عرفا ، ووضع الحشيش أيضا ونحوه عليها لمنعها عن الشمس المضرّة ورفعها عن الأرض مع المضرّة ، إذا كانت على الأرض ، وغير ذلك ممّا يعلم ، ويقضى به (عليه ـ خ) العرف.

ومنه اللقاط أيضا ، قيل بفتح اللام وكسرها ، لقاط الثمرة أخذها في أوانها

__________________

والمراد ما يحوط حول الأشجار (مجمع البحرين).

١٣٣

وما لا يتكرّر في كل (لكل ـ خ ل) سنة ، ويعدّ من الأصول ، فهو على المالك ، كحفر الآبار والأنهار وبناء الحائط ونصب الدّولاب والدالية والكش (١).

______________________________________________________

عن محلّها ، بحسب العادة ، فما يؤخذ عنبا أو رطبا ، ففي وقتهما ، وكذا ما يؤخذ للزبيب أو التمر أو القصب في زمنها ، وما يؤخذ للدّبس ويعمل ، فلا يؤخذ إلا آخرا بعد صلاحيّته لذلك ، ويحتمل إرادة أخذ ما يسقط (سقط ـ خ) من الشجر على الأرض.

ومنه أيضا إصلاح موضع التشميس أي الموضع الّذي يجعل الثمرة هناك الى الشمس (التشميس ـ خ) لتيبس بها ، ان كانت العادة فيه ذلك ، ونقل الثمرة الى ذلك الموضع ، وحفظ الثمرة إلى محلّ القسمة عادة ، سواء كانت على أصولها أو في موضع التشميس أو غير ذلك ، والنقل الى البيوت عادة ، وغير ذلك ، وكلّ ذلك يعلم من العرف وعادة كل بلد وكل الثمرة (ثمرة ـ خ).

قوله : وما لا يتكرّر في كل سنة إلخ. أي جميع ما لا يتكرر في كل سنة ـ ويعدّ ذلك ممّا يتعلّق بالأصول ، أي يصل نفعه إلى الأصول بالذات ، وان حصل للثمرة أيضا نفع ـ فهو على مالك الأصل دون العامل ، وهو بحسب العادة كحفر الآبار والأنهار التي منهما تسقى الأصول وبهما تبقى ، وبناء الحائط.

قيل : لا فرق بين الجميع والبعض ، حتى وضع الشوك على رأس الحائط ، كذا ذكره في شرح الشرائع والتذكرة ، فتأمّل.

ولا شك في ذلك بعد اقتضاء العرف ، ونصب الدولاب والدالية والكش وهو ما يلقح من الفحل على الأنثى ، ولا بعد في ذلك ، لأنّ الذي على العامل هو العمل ، يعنى التلقيح مثلا ، لا ما يحتاج اليه كالكاغذ والخيوط للكاتب والخيّاط.

نعم لو اقتضت العادة خلاف ذلك يتّبع ، وغير ذلك.

__________________

(١) الكش ما يلقح به النخل (المنجد).

١٣٤

ولو شرط على العامل لزم.

ولو شرط العامل العمل كلّه على المالك ، بطل ، ولو شرط البعض لزم.

ولو شرط ان يعمل غلام المالك معه جازولو شرط عمله ،لخاصّته،(لخاصّة ـ خ).

______________________________________________________

وبالجملة أكثر هذه الأحكام مأخوذ من العرف ، ومبني هذا العقد على المساهلة ، فلا يضرّ الجهل في الجملة ، والغرر كذلك ، فتأمّل.

قوله : ولو شرط على العامل لزم. لا شك في لزوم ما شرط على العامل ممّا هو غير لازم عليه ، بل على المالك فقط ، لدليل المسلمون ، وأوفوا ، مع عدم المانع ، وكذا العكس ، مع إبقاء عمل تستزاد به الثمرة ، وقد نقل المنع من هذا عن الشيخ ، في شرح الشرائع ، والوجه غير ظاهر.

قوله : ولو شرط العامل العمل إلخ. دليل بطلان المساقاة ـ على تقدير شرط العامل العمل كلّه على مالك الأرض ـ ظاهر ، وهو أنّه يصير مساقاة من غير عوض من جانب العامل ، فهو كالبيع بلا عوض ، والإجارة كذلك.

ولا شك في الصحّة أيضا لو شرط على المالك بعض العمل ، على تقدير التعيين ، بحيث لا يلزم الجهل المضرّ المبطل ، لانّ المسلمين عند شروطهم وأوفوا ، مع عدم المانع المخصص.

قوله : ولو شرط ان يعمل غلام المالك إلخ. أي لو شرط العامل ان يعمل عبد المالك معه الذي عمله ملك له ، في البستان الذي محلّ المساقاة ، مع العامل ، صحّ العقد والشرط.

دليله ما تقدم ، وغاية ما يلزم ان يكون الحصّة في مقابلة بعض العمل ، ولا محذور فيه ، مع التراضي ، وان كان عمل العامل قليلا.

١٣٥

ويصحّ لو شرط عليه أجرة الاجراء ، أو خروج أجرتهم منها (منهما ـ خ).

وكل موضع يفسد فيه المساقاة ، فللعامل الأجرة ، والثمرة للمالك.

______________________________________________________

وكذا لو شرط العامل على المالك كون عمل غلامه لخاصّه ، أي في ملك العامل خاصّة ، بأن يكون له ارض مثلا ، بشرط ان يعمل الغلام في تلك الأرض ، وقد منع في شرح الشرائع أوّلا ، ثمّ تردّد ، ثم رجّح مطلقا ، وهو غير جيّد.

نعم يمكن ان يقال لا ينبغي ذلك ، إذا كان عمل الغلام مساويا لعمل العامل أو أكثر ، لأنّه يلزم كون الحصّة بلا عوض ، لان عمل العامل في مقابلة عمل الغلام له وفي ملكه خاصّة ، فيصير عقد المساقاة بلا عوض من جانب العامل فيلزم البطلان.

ويمكن ان يقال : قد يكون عمل الغلام كلّه في مقابلة بعض عمل العامل ، وان كان عمل الغلام أضعاف ذلك ، ولا مانع منه مع التراضي ، فتبقى الحصّة في مقابل (مقابلة ـ خ) العمل ، وان كان قليلا جدّا والحصّة كثيرة كذلك ، لعدم المانع ، وعموم أدلّة الصحّة من وجوب الإيفاء بالعقود والشروط ، فالصحّة مطلقا ـ كما في المتن ـ أرجح.

قوله : ويصحّ لو شرط عليه إلخ. يصحّ الشرط والعقد لو شرط العامل على المالك أجرة الأجراء ، مع تعيين الأجرة والعمل.

وكذا لو شرط خروجها من البين ثم يقسّم الحاصل.

دليله يعلم ممّا تقدم ، ومعلوم أيضا انّ المراد مع بقاء بعض العمل الذي يستزاد به الثمرة للعامل ، وانّما ذكره ، إشارة إلى ردّ منع الشيخ ، كما نقل في شرح الشرائع ، وهو غير ظاهر ، وكذا منعه من اشتراط شي‌ء ممّا على العامل على المالك.

قوله : وكل موضع يبطل (يفسد ـ خ) فيه المساقاة إلخ. تحريرها

١٣٦

ولو ساقاه الاثنان واختلفا في النصيب صحّ ، ان علم حصّة كل منهما والّا فلا.

______________________________________________________

ودليلها ، والاستثناء (١) ، يعلم ممّا تقدم في المزارعة وغيرها فتذكر.

الّا أنّه يمكن حصول أقلّ الأمرين في بعض الصور ، مثل ان عيّن أجرة معيّنة ، أو عين ثمرة نخلات لأحدهما والباقي لهما ، أو للآخر ، وبالجملة في جميع الصّور التي ذكر له عوض ، وبطل ، له أقلّ الأمرين ، لأنّ الأقلّ ان كان (٢) اجرة المثل فظاهر ، وان كان ما عيّن فلا يعطى أكثر منه ، لأنّه صار كالمتبرّع.

وأيضا يمكن ان يقال : ينبغي ان يقيّد صورة الاستثناء بالعلم ، بعدم استحقاقه شيئا ، والّا فمجرّد عدم اشتراط الحصّة ، بل شرط عدمها أيضا لا يستلزم التبرّع المستلزم لعدم الأجرة وكذا العلم بالفساد في جميع صور البطلان ، فتأمّل.

قوله : ولو ساقاه الاثنان إلخ. يعني لو كان بستان لمالكين ، وقال أحدهما بوكالة الآخر أيضا لعامل واحد : ـ ساقيناك هذا البستان ، بان يكون لك من حصّتي النّصف ومن حصّة شريكي الثلث مثلا ـ صحت.

بشرط علم العامل بمقدار حصّة كل واحد في البستان ، ولا يكفيه العلم بالبستان فقط ، لئلا يلزم الجهل في الحصّة المضر بالصحّة.

فلو جهل بطلت المساقاة ، فيلزم اجرة المثل له ، والثمرة لهما مع الجهل بالمسألة ، ولا شي‌ء له مع العلم ، فتأمّل ، فإنّه يصير حينئذ متبرّعا بالعمل فلا اجرة له.

وتصحّ مع اتحاد الحصّة ، بانّ له في كلّ البستان النصف مثلا ، ولا يحتاج حينئذ إلى معرفة مقدار ما لكلّ واحد من الأشجار التي فيه ، لعدم الجهل بالحصة

__________________

(١) يمكن ان يكون إشارة الى ما تقدم في المزارعة ـ عند شرح قول المصنف : وللمالك اجرة المثل ـ من قوله : ويمكن استثناء ما كان البطلان بإسقاط الحصّة للمالك إلخ.

(٢) في النسختين المخطوطتين : ان كان له.

١٣٧

ولو ساقاه على بستان على أن يساقيه على الآخر صحّ. ولو هرب العامل ولا باذل جاز له الفسخ والاستيجار عنه بإذن الحاكم ، وان تعذر فبغير اذنه مع الاشهاد ، لا بدونه.

______________________________________________________

المانع ، فيشمله عموم الأدلة.

ويمكن أن يقال : انّ الناس قد يتفاوتون في المعاملة ، ويحتمل ان يكون أحدهما ممّن لا يرضى بمعاملته العامل ، ان كانت حصته كثيرة ، ويرضى مع القلّة ، فلا بد من المعرفة ، ولكن الأصل ينفيه.

وكذا ترك العامل التفصيل مع علمه بالشركة ، نعم ينبغي الاعلام بالشركة ، فتأمّل.

قوله : ولو ساقاه على بستان إلخ. أي إذا قال : ساقيتك على هذا البستان على ان أساقيك على (١) بستان آخر صحّ العقد ، ويجب عليه الوفاء بالشرط ، بمعنى أنّه يلزم ذلك للزوم العقد الأوّل ، فلو لم يفعل يتسلّط (٢) الآخر على الفسخ ، مع احتمال حصول الإثم بترك الأمر بالوفاء بالعقد والشرط ، وهذا الشرط مثل سائر الشروط ، في البيع ونحوه.

فمنع الشيخ رحمه الله صحّة هذا العقد ـ محتجّا بأنّه كالبيعين في بيع واحد ، بان يقول : بعتك هذا العبد بألف على ان تبيعني عبدك ، بمأة ، وهو غير صحيح ، فكذلك هذا ، على ما نقله (نقل عنه ـ خ) في شرح الشرائع ـ غير واضح أصلا وفرعا ، فانّا نجده شرطا غير مخالف للكتاب والسنّة ، وغير مناف لمقتضى العقد ، فيصحّ كغيره ، لعموم الأدلة.

قوله : ولو هرب العامل إلخ. يعني إذا ساقاه ثمّ هرب العامل مع بقاء

__________________

(١) في بعض النسخ : على الآخر.

(٢) في النسختين : لم يتسلط الآخر ولعلّ الصحيح ما أثبتناه.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل ، لم ينفسخ بمجرد هربه ، ولا يجوز له الفسخ أيضا بمجرده ، للزومه ، فيستصحب ، حتى يثبت الفسخ ، كما إذا امتنع مع حضوره عن العمل ، بل له ان يطلبه ويكلّفه العمل ، فان أبى أو تعذّر ، فان بذل بدله العمل شخص آخر ـ ولو كان المالك بنفسه أو بمن يقوم مقامه ـ فهو كما فعله العامل ، والّا رفع امره الى الحاكم ، فيطلبه ويجبره ، فان تعذّر يأخذ من ماله ، ويستأجر للعمل ، وان لم يكن له مال فليستأجر بالدّين عليه ، وان تعذّر فيمكن أن يستأجر من بيت المال مع المصلحة ، ثمّ يأخذ من حصّته ذلك ، ويحطّ في بيت المال ، فان تعذّر الحاكم ، ولو باعتبار عدم قدرته على احد الأمور المذكورة لمانع ـ ولا يبعد كون المشقّة مثل التعذّر ـ فيستأجر المالك عنه بأجرة المثل ، بالإشهاد ، ثمّ يوفيه من الحصّة ، ان تعذّر الاستيفاء من العامل.

ولا يبعد حينئذ أيضا بعد اذن الحاكم مع الإمكان ، وان زادت (١) يردّ عليه ، وان نقصت يؤخذ منه ، وهو دين عليه يلزم به.

وان لم يكن الاشهاد يمكن ذلك أيضا ، للضّرر ، ولزوم العقد ، ولكن يقصد (بقصد ـ خ) الرجوع والاستيجار عنه ، لا متبرّعا.

وظاهر المتن عدم ذلك الّا مع الاشهاد مطلقا ، كما هو ظاهر البعض.

ويمكن تقييده بالإمكان ، كما هو الظاهر ، لما تقدم.

وقيل بجواز الرّجوع ، بمحض القصد ونيّة الرّجوع ، وان ترك الاشهاد ، مع الإمكان ، وانّما الاشهاد للإلزام والأخذ بالحكم ، لا للثبوت في هذا الأمر ، وان منع ذلك يكون القول قوله مع اليمين على ذلك ، فانّ الاطلاع على قصده غير ممكن لكن

__________________

(١) يعنى وان زادت الحصّة على اجرة المثل يرد المالك الزيادة على العامل وفي جانب النقصان يؤخذ من العامل.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التسلط على مال الناس ، والاستيجار لهم محلّ التأمّل.

ثم اعلم أنّه يمكن ان يقال : ان كان العقد يقتضي كون العمل من العامل لا غير ، أو بحيث لا يوجد (يؤخذ ـ خ) الشرط من غيره ، فينبغي جواز الفسخ للمالك ، للزوم الحرج والضرر ، لو لم يجوّز ذلك ، وان وجد باذل متبرّع وحاكم يعيّن بدله من يعمل.

وهو ظاهر ، بل مع الإطلاق والإتيان بالعمل المشترط أيضا ، خصوصا مع عدم الباذل ، وتعذّر الحاكم ، بل مع الاحتياج إلى إعلامه.

لأنّ ذلك تكليف منفي بالأصل ، ولانّ حقّه ثابت في ذمة العامل ، فله ان لا يقبل عن غيره ، ولا يجب عليه تحصيله من غيره ، وان أمكنه.

ولأنّ الحصة له بشرط العمل ، وإذا أبا عنه أسقط هو حقّه ، كما قيل : إنّ لأحد طرفي البيع الامتناع من حق الآخر على تقدير امتناع الآخر ، وكذا الإجارة.

ولانّ شرط العمل ليس بأقلّ من اشتراط شرط في العقود كلّها ، فإنّهم صرّحوا بأنّ فائدة الشرط فيها على تقدير عدم إتيان من شرط عليه به جواز الفسخ للآخر.

ولأنّهم جوزوا للبائع الخيار بعد الثلاثة قبل قبض المبيع ، وان جاء بعده بالثمن.

واعلم أيضا انّ أصل هذا الحكم والبحوث التي ذكرناها يجرى (يجي‌ء ـ خ) في أكثر العقود ، مع انّهم ما ذكروه ، فتأمّل.

وان الذي ذكرناه خصوصا : (ولانّ شرط العمل إلخ) (١) يجري حاصله في العقود التي يجوز فيها اشتراط شي‌ء ، ويلزم جواز الفسخ على تقدير الامتناع ، مثل

__________________

(١) هذه الجملة بيان لقوله قدّس سرّه : وانّ الذي ذكرناه.

١٤٠