مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٠

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم لا يبعد المنع إذا شرط كونها من ذلك الزرع ، لاحتمال ان لا يحصل شي‌ء أصلا ، وان كانت الأرض واسعة (١).

ولرواية الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام ، عن إجارة الأرض بالطعام؟ قال : ان كان من طعامها فلا خير فيه (٢).

وكذا ما رواه الوشّاء (كأنّه الحسن بن علي ، في الصحيح) قال : سألت الرضا عليه السّلام ، عن الرجل اشترى من رجل (الرجل ـ خ) أرضا جربانا معلومة بمأة كرّ على ان يعطيه من الأرض؟ فقال : حرام ، قال : فقلت له : فما تقول جعلني الله فداك ان اشترى منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال : لا بأس (٣).

ورواية (ابن ـ خ) أبي بردة (في حديث) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام (في حديث) ، عن إجارة الأرض بالطعام؟ فقال : ان كان من طعامها فلا خير فيه (٤).

وصحيحة الحلبي (في الفقيه) عن أبي عبد الله عليه السّلام ، أنّه قال : لا تستأجر الأرض بالحنطة ، ثم تزرعها حنطة (٥) (٦).

فلا قوّة في قول ابن البرّاج النادر بالمنع مطلقا ، لصحيحة الحلبي المتقدمة (٧) ،

__________________

(١) إشارة إلى دفع ما قاله في الخلاف بأن الأرض إذا كانت واسعة يندر عدم الحصول فلا يضرّ ، وليس بجيّد ، ويؤيّده ما شرطوا في السّلم من عدم جواز اشتراط كونه من قرية معيّنة (منه ره) (هكذا في بعض النسخ المخطوطة).

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المزارعة والمساقاة الرواية ٥.

(٣) راجع التهذيب باب المزارعة الحديث ١١.

(٤) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المزارعة والمساقاة الرواية ٩.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المزارعة والمساقاة الرواية ٣ بالطريق الثاني.

(٦) في بعض النسخ المخطوطة عقيب قوله : حنطة هكذا ويحتمل ان يكون ساقطا ولكن هذا رأيته في الفقيه الذي عندي.

(٧) لإطلاقها.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

كما قال في شرح الشرائع ، لإمكان حملها على المزارعة.

ويؤيّده (١) حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا يقبل الأرض بحنطة مسمّاة ولكن بالنصف إلخ (٢).

وما في صحيحة أبي المعزى عنه عليه السلام (في حديث) ، أمّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ نصيب اليتيم منه ، الّا ان تؤاجرها بالربع إلخ (٣) وغيرهما ، فتأمّل.

والمناقشة في الصحيحة (٤) ، لاشتراك ابن مسكان (٥) ، وان كان الظاهر أنّه عبد الله الثقة ، لنقل صفوان عنه ، ونقله عن الحلبي.

ولعموم الأدلة ، وللدليل العقلي ، واحتمال النهي للكراهة ، مع المعارضة (وللجمع بين الأدلة ـ خ) ، إذ ما نقلناه عن الفقيه ينافيها صريحا (٦) ، ولروايتي الفضيل (وابن ـ خ) أبي بردة (٧) فإنّهما ظاهرتان في الجواز فان مفهوميهما ، الشرطيّة التي هي حجّة وجود الخير في الإجارة للزراعة بالطعام ان لم يكن من الطعام التي يزرع (زرع ـ خ) فيها ، ولا خير في الحرام.

وللجمع بين الأدلة لحمل المطلق مثل صحيحة الحلبي على المقيّد ، مثل

__________________

(١) يعني يؤيد الحمل المذكور.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المزارعة والمساقاة الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من أبواب المزارعة الرواية ٧.

(٤) عطف على قوله : لا مكان حملها والمراد من الصحيحة صحيحة الحلبي.

(٥) وسندها كما في الكافي هكذا : أبو علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي (باب ما يجوز ان تؤاجر به الأرض).

(٦) يستفاد من هذا ان النسخة التي عند الشارح من الفقيه ليست فيه لفظ «لا» كما في بعض نسخ الكتاب أيضا.

(٧) راجع الوسائل الباب ١٦ من أبواب المزارعة والمساقاة الرواية ٥ و ٩.

١٠٢

ولو مضت المدة المشروطة والزرع باق فللمالك ازالته ، سواء كان بتفريط من الزارع ، أو بسببه تعالى كتغير الأهوية ، وتأخّر المياه ، ويجوز التبقية مدّة معلومة بالعوض.

______________________________________________________

رواية الفضيل ، وغيرها.

فصحّ الاستدلال على نفي مذهب ابن البرّاج وإثبات الجواز مع عدم اشتراط كون الحنطة من زرع الأرض المستأجرة وعدمه معه.

فتنظّر شرح الشرائع في ذلك الاستدلال ـ بقوله : وفيه نظر ، لأنّ النهي مطلق ، ولا منافاة بينه وبين تحريم شرطه من طعامها حتى يجمع بحمله عليه الى قوله : وبملاحظة ذلك يتخرّج فساد كبير (كثير ـ خ) فيما قرروه في مثل هذا الباب الى قوله : وقول ابن البرّاج رحمه الله بالمنع لا يخلو من قوّة نظرا إلى الرواية الصحيحة ، الّا انّ المشهور خلافه ـ محلّ النظر.

فانظر ، فان التنظر ليس بواضح.

نعم لو قال : انّ رواية المنع صحيحة ، ورواية الفضيل (وابن ـ خ) أبي بردة غير صحيحة لكان واضحا ، ولكن قد عرفت غيرهما أيضا ، فتأمّل. وأنّه لا عموم للصحيحة ، والقول : بان لا قائل بالفرق ، غير واضح.

وكذا قوله : انّ المباح والمكروه أيضا ليسا بخير إلخ لأنّهما حسن وليسا بشرّ ، فكيف لا يكونان خيرا.

قوله : ولو مضت المدة المشروطة إلخ. يعني إذا شرطه للمزارعة في الأرض ، أو الإجارة أيضا مدّة معلومة ، ومضت المدّة والزرع باق ولم يدرك بعد ، يجوز لمالك الأرض إزالته ، سواء كان عدم الإدراك بسبب تأخير الزرع عن وقت الزرع ، أم بسبب من الله تعالى بتغير الأهوية.

وكذا لو أخّر بعد الإدراك ، ولا يجب عليه تبقيته.

وجهه ظاهر ، وهو انقضاء المدّة المشترطة ، وعدم بقاء حق إبقاء في تلك

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأرض له ، والناس مسلطون على أموالهم (١).

الّا أنّه ينبغي أوّلا تكليف المالك للمزارع (٢) ، فان لم يفعل فاعلام الحاكم ، فان لم يمكن (يكن ـ خ ل) فله ان يفعل بنفسه.

وظاهره ان لا أرش عليه حينئذ مع احتماله ، خصوصا إذا كان التأخير بسبب من الله تعالى ، كتغيّر الأهوية فيكون للمالك الإبقاء بغير عوض وبعوض ، مع رضا العامل ، والقلع مع الأرش ، وهو التفاوت ما بين كون الزرع مقلوعا وباقيا بالأجرة ، لما تقدم ، فالمقلوع مشترك بالحصص بينهما في المزارعة ، ولا شي‌ء على مالك الأرض.

ولا يبعد إيجاب أجرة مثل مدّة التأخير على مالك الأرض ، لو كان التأخير بسببه ، وله المسمّى في صورة الإجارة.

فالقول بعدم جواز الإزالة والقلع ـ لانّ الزّرع قد استحق الكون فيها بالعقد فيثبت حقّه ما دام لم يدرك ، لأن مدّة الزرع غير مضبوطة محقّقا ، لأنّه قد يتخلف بالتقدم والتأخّر ، كما لو استأجر للزرع فانقضت ، قبل إدراكه.

ضعيف لما تقدم ، ولأنّ دليله مثل المدعى ، في عدم الثبوت ، وما قلناه في المزارعة بعينه جار في الإجارة ، ولهذا عمّمنا ، وكذا القول بالجواز مع الأرش ، لما مرّ.

نعم لا يبعد المنع ، إذا كان الزّمان قليلا جدّا ، لا اعتبار له عرفا في الإجارات والمزارعات ، فلا ينبغي الإزالة حينئذ ، بل لا ينبغي الإزالة مطلقا ، من باب الإحسان.

ولا شك أنّ لهما التبقية إلى مدّة معينة بأجرة وغيرها ، فإن أدرك ، والّا

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : (تكليف المزارع) بدل قوله رحمه الله (تكليف المالك للمزارع).

١٠٤

ولو شرطا في العقد تأخيره ان بقي بعدها ، بطل.

ولو أهمل الزراعة حتى خرجت المدّة ، لزمه اجرة المثل.

ولو زارع على ما لا ماء له بطل ، الّا مع علمه.

______________________________________________________

فالى مدّة أخرى ، وهكذا ، والى مدّة غير معيّنة أيضا بغير عوض بعوض ، مثل ان يقول : لكل يوم بقي كذا ، ونحو ذلك ، لانّ الحق لهما ، ولا يعدوهما ، فلهما أن يفعلا ما أرادا ممّا لا تحريم فيه.

قوله : ولو شرطا في العقد إلخ. يعني إذا عقد الإجارة أو المزارعة إلى مدّة معيّنة وشرطا في متن العقد تأخير الزرع الى ان يدرك أو الى مدّة أخرى ، ان بقي الزرع بعد المدّة المشترطة غير مدرك بطل العقد ، لأنّه يعود إلى الجهالة في المدّة ، فتأمّل.

قوله : ولو أهمل الزراعة حتى خرجت المدّة إلخ. (يعني خ) لو أهمل المزارع بعد عقد المزارعة الزراعة حتى خرجت المدة ، لزمه اجرة مثل الأرض التي زارع عليها ، فإنّه فوّت على المالك منفعتها فيضمنها ، فلزمه الأجرة ، وهو ظاهر.

كما أنّ في الإجارة إذا أهمل المستأجر ، يلزمه الأجرة المسمّاة.

قوله : ولو زارع على ما لا ماء له إلخ. يعني لو زارع شخص على ارض لا ماء لها بطل هذا العقد ، مع الجهل ، لاشتراط إمكان الانتفاع لما زارع له ، ومع عدمه لا إمكان.

هذا ظاهر ، الّا أنّه يلزم البطلان مع العلم أيضا ، لعدم الشرط الذي هو إمكان الانتفاع ، ولا فرق في ذلك بين العلم والجهل ، والقول بالاشتراط مع عدم العلم وبعدمه معه بعيد.

وقال في القواعد : ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها ، تخيّر العامل مع الجهل (الجهالة ـ القواعد) لا مع العلم ، لكن في الأجرة يثبت المسمّى.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو ظاهر في صحة (لزوم ـ خ) العقد مع العلم وعدمه مع عدمه ، وفيه تأمل فإنّه لا يحتمل ذلك مع إمكان (شرط ـ خ) الانتفاع.

مع أنّه صرّح بالشرط في الإجارة والمزارعة فيه ، فهو بعيد ، وكيف يصحّ عقد (العقد ـ خ ل) مع عدم إمكان العوض ، بل لم يظهر لصحته أثر في المزارعة ، وغاية ما يمكن ان يقال إنّه رجع أو أنّه شرط للزوم (١) وأنّه يمكن الانتفاع بغير المزارعة التي تحتاج الى الماء ، ولا يتعيّن ذلك بل يجوز له زرع ما يساوى لما شرط أو أقل ضررا أو انه يجوز المزارعة مطلقا من غير تعيين كما سيجي‌ء فيجوز له ان يزرع حينئذ ما لا يحتاج الى الماء فعدم الماء لا يستلزم عدم إمكان الانتفاع مع القول باشتراط إمكان الانتفاع كالانتفاع بغير الزرع إذ لا تندر (٢) في الإجارة له.

ما أورده في شرح القواعد ، من انّ إمكان الانتفاع شرط فتأمل (٣).

ففي صورة العلم لا خيار له ، بل يلزمه ، حيث أقدم ، مع إمكان الانتفاع في الجملة ، بخلاف صورة الجهل ، فيكون له الخيار.

ولكن لا يمكن هنا فإنّه ظاهر في انّه تبطل مع الجهل ، وتصحّ مع العلم ، الّا ان يريد عدم اللزوم مع الجهل واللزوم مع العلم ، فيصير مثل عبارة القواعد ، والاشكال الوارد عليه يرد هنا أيضا.

ويمكن ان يكون المراد ما لا ماء له غالبا ، لا أنّه لا ماء له أصلا.

قال في التذكرة : إذا لم يكن للأرض ماء يمكن زرعها به الّا نادرا ، ففي جواز المزارعة عليها إشكال.

__________________

(١) يعني غاية ما يمكن ان يقال في توجه كلام العلّامة قدّس سرّه أمران إمّا أنّه قدّس سرّه رجع عن فتواه أو ان العلم شرط للزوم العقد إلخ.

(٢) في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة : إذا تعذر.

(٣) في النسخة المطبوعة بعد قوله : فتأمل ما لفظه كالانتفاع بغير الزرع إذا تعذر في الإجارة له إلخ.

١٠٦

ولو انقطع في الأثناء تخيّر العامل.

______________________________________________________

ويكون رجّح في القواعد عدم الصحّة مع الخيار في صورة الجهل فلا منافاة ، فتأمل.

ثم اعلم أنّه قال في شرح القواعد : الذي يقتضيه النظر ، هو بطلان العقد من رأس إذا عرفت هذا فاعلم أن قول المصنف (لا مع العلم) يريد به عدم بطلان المزارعة والإجارة للزرع مع العلم بأنّ الأرض لا ماء لها ، وهو صحيح على القول بجواز التخطي الى غير المنفعة المشروطة ممّا يكون متساويا أو أقلّ ضررا ، وحينئذ فلا شي‌ء للمالك في المزارعة ، لعدم إمكان الانتفاع الذي حصول الحصّة المشترطة متوقف عليه ، أمّا في الإجارة فيجب المسمّى لصحة الإجارة ، وعلى البطلان فلا يجب شي‌ء (١) ، فالبطلان رأسا محلّ التأمّل ، لعدم ظهور الاشتراط المذكور ، خصوصا مع العلم وتجويز الانتفاع بوجه آخر ، أو (وـ خ) حمله على ما ذكره في التذكرة (٢).

وأيضا يحتمل ان يريد المصنف بقوله : «لا مع العلم) عدم الخيار ، بل البطلان (٣)

وأيضا يبعد عدم لزوم شي‌ء في المزارعة ، مع أخذ الانتفاع ، فإنّه ما سلّم المالك الأرض بلا عوض ، فيمكن الحصّة ، فيما زرع من المساوي أو الأقل أو اجرة المثل كالمسمّى في الإجارة الّا ان يريد على تقدير عدم التخطي فحينئذ عدم شي‌ء للمالك ظاهر ، ولكن لزوم اجرة المثل في الإجارة غير ظاهر ، فتأمل.

قوله : ولو انقطع في الأثناء تخير العامل. مجي‌ء البطلان على القول به في الأوّل ، فإن وجود الماء على تقدير كونه شرطا شرط ما دام الزرع احتاج اليه ، بل

__________________

(١) الى هنا كلام شارح القواعد.

(٢) يعنى حمله على ما إذا لم يمكن زرعها بدون الماء الا نادرا.

(٣) هذا مفاد ما ذكره في شرح القواعد فراجع.

١٠٧

فان فسخ فعليه اجرة ما سلف (بتلف ـ خ).

وله زرع ما شاء مع الإطلاق.

______________________________________________________

يمكن ان يكون هنا اولى لعدم انتفاع آخر ، هنا ، فتأمّل.

قوله : فان فسخ فعليه اجرة ما سلف. وجهه أنّه فسخ العقد باختياره فبطل العقد بفعله ، وما حصلت الحصة ، والأرض لا بدّ لها من الأجرة فيعطي اجرة زمان كانت الأرض تحت تصرفه ، والمالك كان ممنوعا عنها.

وفي الأجرة تأمل ، إذ الفسخ بسبب انقطاع ما هو شرط للحصّة ، ولا اجرة لها سواها.

هذا إذا فسخ ، وامّا إذا لم يفسخ ، فان حصل شي‌ء ، والّا لا شي‌ء لأحدهما على الآخر ، وهو ظاهر.

والظاهر عدم الفرق بين المزارعة والإجارة هنا ، فتأمل.

قوله : وله زرع ما شاء مع الإطلاق. المراد بالإطلاق هنا ترك التعيين ، سواء كان بما يدلّ على العموم وضعا من الألفاظ الموضوعة له ، أو ما يدلّ على الفرد المنتشر وضعا ، وعلى التقديرين ظاهر جواز زرع ما شاء سواء كان آخر أضرّ أم لا ، امّا على الأوّل (١) ، فهو ظاهر ، وامّا على الثاني فلانّ تجويز فرد منتشر تجويز لكل واحد بدلا عن الآخر ، ولهذا الأمر بالكلّي أمر بواحد أي واحد كان من افراد الماهيّة بمعنى تحقق براءة ذمة الإتيان بالمأمور به بأي فرد فعل ، والّا فيلزم الاجمال ، والتكليف بالمحال ، ولهذا لو أراد فردا معيّنا يكون مجملا يحتاج الى البيان ، ولا يجوز التكليف به الّا مع البيان ، وهو ظاهر.

بل المتبادر عرفا من الإطلاق في مثل هذه الأمور ، هو العموم ، وهو ظاهر.

نعم يمكن المناقشة في عدم صحة مثل هذا العقد لاشتماله على الغرر كما

__________________

(١) يعني إذا كان بما يدل على العموم.

١٠٨

ولو عين فزرع الأضرّ (الآخر ـ خ ل) تخيّر المالك في الفسخ ، فيأخذ أجرة المثل ، أو الإمضاء ، فيأخذ المسمى مع الأرش.

______________________________________________________

منع بعتك هذا بما تريد ، أو بأي شي‌ء تعطى ، ونحو ذلك.

وقد يفرّق بالنّص والإجماع ، وبأنه لا شك في جواز زراعة ما هو الأضرّ للمالك ، فله ان يعطيه لغيره ان يفعل ذلك له بأجرة وغيرها.

قوله : ولو عيّن فزرع الآخر إلخ. لا شك في عدم جواز التعدّي عمّا عين إلى الأضر (الآخر ـ خ) ، سواء كان في إجارة الأرض أم مزارعتها ، ولا إلى المساوي والأقلّ في المزارعة ، إلّا مع قبول الحصّة المشترطة بالمثل تخمينا ، ولا يكفى تخيّل أنّه إذا كان أقل ضررا أو مساويا لما عيّن ، يعلم الرضا به ، إذ ليس الغرض منحصرا في عدم ضرر الأرض ، بل الحصّة هي الغرض (الأصلي ـ خ) ، ومعلوم انّها تتفاوت.

نعم يمكن ذلك في الإجارة ، مع احتمال المنع في المساوي.

والمراد بالتعيين أعمّ من الشخصي والصنفي والنوعي والجنسي.

وفي أنّه (١) يلزمه اجرة المثل على تقدير التعدي ، وينفسخ العقد ، الّا ان يكون مدة الانتفاع باقية ، لأنّه ضيّع منفعة الغير بغير اذنه ، فيلزمه عوضها ، وهو اجرة المثل كما في غيرها (غيرهما ـ خ ل).

وقال المصنف : تخير المالك ، اي مالك الأرض في فسخ العقد ـ فيأخذ أجرة المثل ـ وعدمه ، فيأخذ المسمّى والأرش أيضا ان نقص الأرض.

وفيه تأمّل يعلم ممّا تقدّم ، على أنّ المسمّى في المزارعة غير واضح ، فان الشرط هو نصف من الحنطة مثلا كيف يأخذه من الشعير.

ويحتمل ان يكون المراد الإجارة أو عوض الحصص أي مثلها ، فتأمّل.

ثم انّ وجه التخيير أيضا غير واضح ، إذ الإجارة والمزارعة عقد لازم ، وتعدى

__________________

(١) عطف على قوله قدّس سرّه في عدم جواز إلخ.

١٠٩

ولو شرط الزرع والغرس افتقر الى تعيين كل منهما ، وكذا الزرعين متفاوتي الضرر.

وللعامل المشاركة ، وان يعامل من غير اذن.

______________________________________________________

العامل لا يقتضي جواز الفسخ ، بل ينبغي ان يكون له امّا أجرة المثل أو المسمّى ، والمنع عن الأضرّ إن أمكن ، والّا فالمسمّى مع الأرش في الإجارة ، وفي المزارعة يمكن عوض الحصّة ، المسمّى مع الأرش ، أو أجرة المثل ، ويحتمل أكثر الأمرين منهما ، وهو الاولى ، وللعامل المنفعة التي حصلت ، فتأمّل.

قوله : ولو شرط الزرع والغرس إلخ. وجه لزوم الشرط عموم الأدلة ، ووجه احتياج تعيين الزرع والغرس هو اشتراط العلم وعدم الجهل والغرر ، فلا بدّ من تعيينهما ، واشتراطهما في الإجارة ظاهر ، وهو ان يؤاجر أرضا للزراعة والغرس.

وامّا في المزارعة فاشتراط الغرس بان يكون شرط في (مع ـ خ) المزارعة غرس أشجار له (الأشجار ـ خ) ، قاله المحقق الثاني.

وكذا لا بد من تعيين كل واحد من الزرعين المتفاوتين في الضرر في الإجارة والمزارعة ، كالحنطة والشعير ، بل غير المتفاوتين في الضرر أيضا ، خصوصا في المزارعة لما تقدم ، من أنّ الحصة هي الغرض الأصلي.

ويحتمل الصحة مع الإطلاق ، ويحكم على النصف ، فحاصله تجويز انتفاع شخص بأرض آخر بنوعين ، فيحمل على الشركة والمناصفة ، كما يحكم في مثلها ، لعدم الترجيح ، وجواز المسامحة في المزارعة ، حيث جوّزت بالحصة الغير المعلومة في الجملة ، لاحتمال عدم حصول شي‌ء أصلا ، وعلى تقدير الحصول ، الحاصل غير معلوم ، والاحتياط واضح.

قوله : وللعامل المشاركة إلخ. يعني لعامل المزارعة ان يعمل بنفسه وان يشارك غيره في العمل بالأجرة وغيرها ، وان يعامل الغير أي له ان يزارع غيره من غير اذن مالك الأرض ، إذا لم يكن شرط العمل بنفسه ، لما تقدم في الإجارة ، ولكن

١١٠

ولو شرط التخصيص لم يجز التعدي.

والقول قول منكر زيادة المدّة. وقول صاحب البذر في الحصة.

______________________________________________________

لا يسلّم الأرض اليه الّا بإذن المالك ، فيضمن عند من يقول به في الإجارة ، ولا يزارع بأقلّ ممّا أخذه من غير عمل عند من منع الأكثر في الإجارة وهو ظاهر.

واشترط البعض في هذا كون البذر من العامل ، وبه يفرّق بين المزارعة والمساقاة حيث لا تجوز المساقاة من المساقي ، ويجوز المزارعة من العامل ، وعموم الأدلة ـ وتسلط الناس على أموالهم ، وتملّك المنفعة والحصّة مع العمل ، وعدم ظهور مانع ـ يفيد الجواز ، ولو كان في المساقاة ما يمنع من إجماع ونحوه فهو ، والّا فينبغي القول به فيها أيضا.

ثم انّه قال (١) : في شرح الشرائع : المراد بالمشاركة بيع العامل بعض حصّته المعلومة من الحصّة التي له في الأرض ، بعوض معيّن ، وهو انما يكون ببلوغ الزرع أو ان البيع ، ويكون الثمن غير العمل على الظاهر.

وظاهر العبارات أعم من ذلك بل غير ذلك ، فانا نفهم أنّ المراد أن يشارك غيره ، بان يعمل معه العمل المشترط بعوض وغيره وكون العوض جزء من حصته ، فكأنّه يرجع الى المزارعة في البعض أو إجارة شخص لعمل بعوض أو استعماله بغير عوض ، فتأمّل.

قوله : ولو شرط التخصيص إلخ. لا شك في أنّه لا يجوز التعدي عما عيّن المالك الّا الى الأقلّ ضررا أو مساويا ، وقد تقدم مع التأمّل ، ولا يبعد ان يكون المراد عدم المشاركة ، وعدم المزارعة ، مع تخصيص العامل بذلك ، وهو الظاهر.

قوله : والقول قول منكر زيادة المدّة. لا شك في كون القول قول المنكر مع يمينه ، ولكن ينبغي ان لا يكون ممّا يكذّبه العرف.

قوله : وقول صاحب البذر إلخ. يعني إذا تنازع مالك الأرض والعامل

__________________

(١) هكذا في بعض النسخ المخطوطة وفي سائر النسخ قيل بدل قال.

١١١

وقول المالك في عدم العارية ، فيثبت الأجرة مع يمين الزارع على انتفاء الحصة ، والوجه الأقلّ ، وللزارع التبقية.

______________________________________________________

في الحصّة ، فالقول قول صاحب البذر مع يمينه ، لأنّ الحصّة نماء ملكه ، والأصل بقائه على مالكه ، حتى يتحقق الانتقال شرعا ، فكان الحاصل في يد صاحب البذر ، وثبت كونه له ، والمنازع خارج يدّعيه ، فعليه البينة ، فالقول قول صاحب البذر مع اليمين إذا عدمت ، كما في المدّة.

قوله : وقول المالك في عدم العارية إلخ. يعني إذا ادّعى مالك الأرض المزروعة المزارعة بحصّة معيّنة ، والعامل منع ذلك ، وقال : هي عارية عندي ، فأنكره المالك ، فالقول قول المالك (مع اليمين ـ خ) في عدم العارية ، فيحلف ، وتسقط دعوى العامل ، ويبقى دعوى المالك ، فالقول قول العامل في عدم المزارعة والحصّة ، لأنّ الأصل عدمها كالعارية ، ولأنّه منكر كالمالك للعارية ، وقد أخذ الانتفاع من ارض الغير ، والأصل فيه الأجرة ، ولمّا لم يتعيّن ثبت اجرة المثل لمالكها.

ثم قال : الوجه الأقل ، أي الوجه في هذه الدعوى ثبوت أقلّ الأمرين من الحصّة التي يدّعيها المالك ، واجرة المثل التي لزمته بعد التحالف ، لأنّ الزائد على الحصة منفي على المالك بإقراره ، فللعامل تبقية زرعه في الأرض الى ان يدرك ، لأنّه باتفاقهما زرع بحق ، ثم إعطاء الأجرة.

ولو قلع المالك فليس له اجرة تلك المدّة.

ويمكن ان يقال : لا يجوز له أخذ شي‌ء ، لأنّه ادّعى الحصة ، وقد سقطت باليمين ، فان الحق وعوضه لا يمكن الأخذ في الدنيا بعد الحلف ، كما هو مقرّر عندهم ، ولأنّه لا يدّعى عليه الّا الحصّة ، وقد ثبت شرعا نفيها ، ولا يدّعى غيرها ، بل قائل بعدمه ، فكيف يكلّف الشارع العامل بشي‌ء آخر ، ويأخذه هو ، فلا يحتاج الى التحالف ، بان يحلف المالك بنفي العارية ، إذ ليس للعامل عوض في تلك الدعوى ، بل غرضه نفي الحصّة ، وقد نفاها بيمينه.

١١٢

ولو ادّعى المالك الغصب طالب بالأجرة ، والأرش ، وطمّ الحفر ، والإزالة.

والخراج على المالك الا مع الشرط.

______________________________________________________

وبالجملة لا شك انّ المدعى هنا هو المالك للحصة فقط ، والعامل منكر ، وإذا حلف سقطت ، وليس للمالك ، دعوى أخرى ، فإن كانت مسموعة عمل بمقتضاها ، وليس للعامل غرض متعلق بدعوى العارية ، بل غرضه نفي دعوى الحصة وقد حصل ، فلا تحالف ، فتأمّل وسيجي‌ء مثله في دعوى الإجارة والعارية.

واحتمل في القواعد فيهما ما قلناه هنا ، وجعله اولى ، فلا بأس به.

قوله : ولو ادّعى المالك الغصب إلخ. يعني لو ادّعى المالك غصبيّة الأرض في المسألة المفروضة مع معلوميّة كونها له ، فله مطالبة العامل بأجرة المثل للأرض وأرش الأرض وطمّ الحفر وازالة ما أوجده فيها من الأمور التي تمنع من الانتفاع ، وللمالك أيضا قلع زرع العامل ، لأنّه غاصب ، ولا يسقط ذلك كلّه بدعوى العارية.

نعم له إحلاف المالك ، فإذا حلف المالك سقطت تلك الدعوى ، بل ثبت حكم الغصبيّة.

قوله : والخراج من المالك الا مع الشرط. معلوم أنّ الخراج على صاحب الأرض ، لأنّه أجرتها ، ويدلّ عليه الرواية (١) أيضا ، بل في الرواية أنه ان زاد (٢) الخراج ـ بعد الأجرة والتقبيل ـ ظلما ، على ان يكون الخراج على العامل له حذف الأرض بأنّه المنفور (النفور ـ خ) (٣) ، لأنّه ظلم على صاحبه.

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١٠ و ١٦ من أبواب المزارعة.

(٢) في بعض النسخ الخطّية : ان أراد بدل (زاد).

(٣) هكذا في النسخ.

١١٣

وللمالك اجرة المثل في كل موضع تبطل المزارعة.

ويجوز الخرص ، ويستقر بالسّلامة.

______________________________________________________

نعم إذا شرط كونه من البين لا شك في صحته ، لعموم أدلّة الاشتراط (١) ، وهو ظاهر.

قوله : وللمالك اجرة المثل في كل موضع تبطل المزارعة. يعني إذا بطل المزارعة يثبت اجرة المثل لمالك الأرض في جميع صور البطلان ، مع تصرف العامل فيها بأخذ الانتفاع ، مع كون البذر له ، فيكون الحاصل له ، وللمالك أجرة الأرض.

وجهه ظاهر ، لأنّه أخذ الانتفاع من مال شخص من غير تبرّع وتعيين اجرة شرعا ، فيلزم العوض ، وهو اجرة المثل ، وله الحاصل لأنّه نماء ملكه وهو البذر.

وامّا إذا كان البذر من المالك يكون للمالك اجرة مثله ، مع عدم علمه بالبطلان ، إذ لا تبرّع حينئذ ويكون الحاصل للمالك.

وإذا كان البذر منهما فالحاصل لهما بالنسبة ، ولكل واحد على الآخر الأجرة.

ويمكن استثناء ما كان البطلان بإسقاط الحصّة للمالك ، كما تقدّم في الإجارة ، فإنّه حينئذ يكون أرض المزارعة كالعارية ، فتأمّل.

قوله : ويجوز الخرص ويستقرّ بالسلامة. يعني يجوز ان يخرص العامل ويتقبّل الزرع بمقدار معلوم ، وكذا للمالك ان يتقبّل بان يقول كل من يتقبّل : (على أن أعطيك مقدار كذا وكذا) ونحو ذلك ، ورضي الآخر به.

والظاهر أنّه لا يحتاج إلى القبول اللفظي المقارن ، وسائر شرائط العقود اللازمة ، بل يكفي ما يدلّ على الرّضا من الطرفين ، وحينئذ يلزم ذلك.

ولكن استقرار اللزوم مشروط بالسّلامة ، بان لا يحصل آفة من الله تعالى ،

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وإذا حصل يسقط بالنسبة ، وليس لأحدهما الرجوع على الآخر.

والظاهر ان لا اعتبار بالنقص بتقصير العامل ، وانّ الفاضل له مهما كان ، وأنّه يكفى تخمينهما أو أحدهما مع قبول الآخر ، من غير اشتراط العدالة ، فانّ الحق لا يعدوهما ، وللإنسان التصرف في ماله بما يريد ما لم يمنعه مانع شرعي ، وليس هنا ذلك.

والأصل في ذلك بعض الاخبار المتقدمة ، فتذكّر ، مثل صحيحتي الحلبي ويعقوب بن شعيب المتقدمتين (١) وغيرهما.

ولكن ليس فيهما انّ استقرار اللزوم مشروط بالسلامة ، بل التقبيل بعد إدراك الثمرة.

ولكن دليله ظاهر.

وكذا دليل كون الزيادة له والنقص عليه ، وهو العمل بالشرط ، وأنّه كالمعاملة ، وأنّ المقصود ذلك ، (وعمومهما أيضا يدلّ عليه ـ خ).

ويدل عليه أيضا موثقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام ، قال : سألته عن الرّجل يمضى ما خرص عليه بالنخل (في النخل ـ خ ل) قال : نعم ، قلت : أرأيت ان كان أفضل ممّا خرص (يخرص ـ ئل) عليه الخارص أيجزيه ذلك؟ قال : نعم (٢).

وما رواه محمّد بن عيسى (في الصحيح) عن بعض أصحابه ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السّلام انّ لنا أكرة فنزارعهم (فيجيئون ـ خ) فيقولون لنا قد حرزنا هذا الزرع بكذا وكذا ، فأعطوناه ونحن نضمن لكم ان نعطيكم حصّته

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١٠ من أبواب المزارعة والمساقاة الرواية ٢ والباب ١٨ منها الرواية ٣.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الرواية ٣.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

حصّتكم ـ خ ل) على هذا الحرز ، قال : وقد بلغ؟ قلت : نعم ، قال : لا بأس بهذا ، قلت : فإنّه يجي‌ء بعد ذلك ، فيقول لنا ان الحرز لم يجي‌ء كما حرزت ، وقد نقص ، قال : فإذا يزاد يرد عليكم؟ قلت : لا ، قال : فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز ، كما أنّه إذا زاد كان له ، كذلك إذا نقص (١).

ولا يضرّ عدم الصحة بجهالة البعض (٢) لأنّه مؤيّد.

واعلم أنّ محل التقبيل هو إدراك الغلّة ، كما هو المفهوم من الأخبار ، وقد فسّر بانعقاد الحبّ ، فتأمّل.

وأيضا قيل يتوقف صحته على إيقاع عقد بشرائطه كما في سائر العقود بلفظ الصلح أو التقبيل على ما ذكره الأصحاب ، وقد أشرنا الى انّ الأدلّة تدل على عدم ذلك كما في غيره ، فتأمّل واحتط.

ووجه توقفه على السلامة من الآفات السماوية والأرضيّة أنّه بمنزلة معاملة مشروطة بقبض العوض ، ووصوله الى يد صاحبه الجديد ، فلو لم يسلم ، لم يحصل ذلك ، كالمبيع إذا تلف قبل القبض ، وامّا ان أتلفه متلف فهو ضامن ، كما أنّه إذا تلف بتقصير من المتقبل ، فهو مضمون على نفسه ، فالحكم غير خال عن وجه ، مع شهرته ، بل كاد أن يكون إجماعا ، إذ المخالف غير ظاهر ، مع التتبع ، غير ما نقل عن ابن إدريس من منع هذه المعاملة ، وهو غير جيّد ، للنصوص المتقدمة ، وعموم أدلة العقود والشروط.

نعم قد يحصل التردّد في بعض اللوازم ، مثل توقفه على السّلامة ، مع كونه لازما ، على انّ ذلك غير بعيد لما قدّمناه من عدم الخلاف من القائلين به ، فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الرواية ٤.

(٢) يعني (بعض أصحابه).

١١٦

ولو كان الغرس يبقى بعد المدّة فعلى المالك الإبقاء ، أو الأرش لو ازاله.

______________________________________________________

قوله : ولو كان الغرس يبقى إلخ. يعني إذا استأجر أرضا للغرس مدّة معلومة مع العلم ببقاء الغرس بعد تلك المدّة ، فيجب على مالك الأرض إبقاء الغرس بأجرته ما دام باقيا أو الأرش ، لو قلعه ، فليس له القلع مجانا ، وكذا الكلام في الإجارة للزراعة ، بل في المزارعة والمساقاة أيضا.

وكان ينبغي ذكرها في الإجارة ، ولعل وجه الحكم أنّه لما علم المالك بقائه وأقدم فهو اذن بالبقاء ، ولكن لمّا لم يكن صريحا ، ولم يكن متبرّعا يلزم (له ـ خ) الأجرة ، فإن قلع يلزمه الأرش ، حيث غرّ المستأجر.

ولكن قد يقال انّ المستأجر لمّا أقدم على الإجارة بتلك المدّة خاصّة ، فكأنّه أقدم على ان لا استحقاق له بعدها ، وأنّه يجوز للمالك القلع.

ويؤيّده انّ الناس مسلطون على أموالهم (١) وأنّه لا يخرج المنفعة من يد المالك الّا برضاه ، وما حصل.

ونقل الخلاف في الشرائع ، ورجّح الأوّل ، والشارح رجّح الثاني ، وهو غير بعيد ، الّا أنّه نقل عن فخر العلماء ، أنه قال : لقد اجمع الأصوليون على اعتبار مفهوم حديث ليس لعرق ظالم حق (٢) وان اختلفوا في مفهوم الوصف مطلقا.

وكأنّ هذا الحديث ثابت عند الكلّ ، وهو موجود في التهذيب بسند غير صحيح في باب المزارعة ، فهو دليل على الأوّل.

لعلّ منشأ اعتبار المفهوم هنا هو ما ثبت بالعقل والنقل أنّ لعرق محقّ وغير ظالم

__________________

(١) عوالي اللئالى ج ٣ ص ٢٠٨ الحديث ٤٩.

(٢) رواها في التهذيب في باب المزارعة الرواية ٥٥ راجع ج ٧ من الطبع الحديث ص ٢٠٦ ورواها في الوسائل في كتاب الغصب الباب ٣ الرواية ١ ح ١٧ ص ٣١١ وفي عوالي اللئالي ج ٢ الحديث ٦ ص ٢٥٧.

١١٧

ولو كان من أحدهما الأرض ومن الآخر البذر والعمل والعوامل ، أو من أحدهما الأرض والبذر ومن الآخر العمل ، أو من أحدهما الأرض والعمل ومن الآخر البذر ، صحّ بلفظ المزارعة.

______________________________________________________

حق ، وذلك كاف ، ولا يحتاج إلى هذا المفهوم ، فانّ ذلك ظاهر ، ولا شك أنّ العامل غير ظالم فلعرقه حقّ ، امّا بان يخلّى بالأجرة أو بقلع الغرس ، وهو جمع بين المصلحتين أيضا ، فإن لكلّ منهما دخلا في الإبقاء وتقصير (تقصيرا ـ خ) ما ، فمنع الإجماع غير جيّد.

وكذا منع كونه بحق بأنّه بعد المدّة ظلم ، كما فعله في شرح الشرائع ، لأنّه ثبت بحق ، وان كان المنع الثاني أولى.

ووجه الثاني لا يخلو عن قوّة ، لما تقدم ، الّا أنّ الأوّل أحوط ، وبالنّصف أقرب ، فتأمّل.

قوله : ولو كان من أحدهما الأرض إلخ. الظاهر ان لا خفاء في جواز الاحتمالات الممكنة في هذه مع الاشتراك في الأمور الأربعة (١) كلا أو بعضا ، ودليله عموم أدلة المزارعة وأدلة الإيفاء بالعقود والشروط ، مع عدم منع ظاهر ، وأيضا ان لا خصوصية بالاثنين ، فيجوز بين الثلاثة وما زاد ، لما تقدم ، وليست المعاملة مطلقا ولا هذه موقوفة على النص الخاص شرعا ، بل يكفي العموم ، ولهذا ليس في شي‌ء من المعاملة بخصوصه دليل شرعي ، كيف ولو احتاج الى ذلك لا شكل الأمر ، فإنّه معلوم عدم ورود نصوص (نص ـ خ) في كل صنف صنف من كل معاملة مع العلم بالمغايرة بمثل هذه أي كون المتعاملين أكثر من الاثنين ، وهو ظاهر ، ولهذا يجوزون النكاح من الزوج فقط ، بان يكون موجبا وقابلا معا مع وجوب الاحتياط في الفروج ، وكذا يجوّزون في الطلاق كون المطلق زوجة بالوكالة (٢) مع

__________________

(١) المشار إليها في المتن.

(٢) في بعض النسخ المخطوطة هكذا : وكذا يجوّزون في طلاق زوجته بالوكالة.

١١٨

ولو آجره بالحصة بطل.

______________________________________________________

عدم دليل بخصوصه ، ومنع البعض الوكالة في الطلاق مع الحضور ومنع البعض وكالة النّساء خصوصا المطلقة ، وغيرهما ، مع عدم نصّ ، بل ورد نصّ (١) بعدم جواز الاتّحاد في النكاح ، وليس لهم دليل الّا عموم العقود ، وصدق النكاح ، مع عدم ثبوت المنع.

وبالجملة أمثاله كثيرة جدّا ، ولا يشترطون فيه النقل بخصوصه ، وأنّه لو شرط لبطل أكثر ما ذكروه.

فقول شارح الشرائع بعدم الصحّة ـ إذا زاد على الاثنين محتجّا بانّ القابل والموجب اثنان فيتمّ بهما ، ولا يتعدّى الى الغير ، وانّ دليل المزارعة خبر حكاية خيبر ، وليس فيه غير الاثنين ، وكذا غيره من الاخبار عندنا ، لما تقدم ـ غير ظاهر ، على أنّه ما يظهر من حكاية خيبر وغيرها كونهما اثنين فقط بل هو أعم.

بل الظاهر أنّ أهل خيبر كانوا كثيرين ، فوقع بينه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبينهم ، وبالجملة ما ذكره نجده بعيدا جدّا وهو اعرف.

والظاهر أنّه يمنع المزارعة فيما إذا اعطى أحد الأرض والآخر البذر والآخر العوامل ، ويكون العامل آخر لا اشتراك الاثنين فقط في البذر والعمل فقط مثلا ، فتأمّل.

فإنّ دليله لو تمّ لدلّ على نفيه أيضا ، إذ الفرق مشكل.

قوله : ولو آجره بالحصة بطل. يعنى لو أجر الأرض إجارة لا مزارعة ، وجعل الأجرة الحصّة لم يصحّ هذه الإجارة ، لوجوب العلم بالعوض في الإجارة ، وليس ، وهو ظاهر ، ومفهوم من بعض الاخبار أيضا.

ويحتمل ان يكون المراد لا يصحّ المزارعة بلفظ الإجارة أي إذا أراد عقد

__________________

(١) راجع الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من أبواب عقد النكاح ج ١٤ ص ٢١٧.

١١٩

«المطلب الثاني في المساقاة»

وفيه مقامان الأوّل في الأركان وهي أربعة ، العقد ، والمحلّ ، والمدّة ، والفائدة.

______________________________________________________

مزارعة لا يصحّ بلفظ الإجارة وهو بعيد.

قال في الشرائع ولو كان بلفظ الإجارة لم تصحّ ، وقال في شرحه : لا إشكال في عدم وقوع المزارعة بلفظ الإجارة لاختلاف أحكامهما ، فإن الإجارة تقتضي أجرة معينة إلخ.

وفيه تأمّل لأنّه لا مانع من وقوع المزارعة بلفظ الإجارة مع القصد والقرينة فإن غايته كونه مجازا معها ولا فساد فيه.

وأيضا يدلّ على صحّة المزارعة بلفظ الإجارة ـ ظاهرا مع الإتيان بشرائطها من ذكر الحصة وغيرها أيضا ـ مثل ما في صحيحة أبي المعزى عن أبي عبد الله عليه السّلام ، امّا إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ نصيب اليتيم منه الّا ان تؤاجرها بالرّبع إلخ (١) وما في حسنة الحلبي عنه عليه السّلام ، قال : لا تقبل الأرض بحنطة مسمّاة ، ولكن بالنصف الخبر (٢) وغيرهما.

«المطلب الثاني في المساقاة»

وفيه مقامان الأوّل في الأركان إلخ. المساقاة معاملة على أصول ثابتة بحصّة من ثمرها ، وهو ظاهر ، ولهذا تركه ، كأكثر التعاريف.

ومعلوم أنّ «المعاملة» بمنزلة الجنس ، وانّ (على أصول) الخ بمنزلة الفصل ، يخرج به المزارعة ، و (ثابتة) لإخراج ما لا ثبوت لأصله وعرقه ، كالخضراوات ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الرواية ٧.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الرواية ١.

١٢٠