تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

الفصل الرابع

في دلالة آية المباهلة على الإمامة

« اعلم أن يوم مباهلة النبي صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوما عظيم الشأن ، اشتمل على عدة آيات وكرامات.

فمن آياته : إنه كان أول مقام فتح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة في هذه الملة الفاضلة عند جحود حججه وبيّناته.

ومن آياته : إنه أول يوم ظهرت لله جل جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزة بإلزام أهل الكتاب من النصارى الذلة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوته ومراداته.

ومن آياته : إنه كان أول يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهية والقدرة النبوية بمن كان يحتج عليه بالمعقول والمنقول والمنكرين لمعجزاته.

ومن آياته : إنه أول يوم أشرقت شموسه بنور التصديق لمحمد صلوات الله عليه من جانب الله جل جلاله بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.

ومن آياته : إنه يوم أظهر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تخصيص أهل بيته بعلو مقاماتهم.

ومن آياته : إنه يوم كشف الله جل جلاله لعباده أن الحسن والحسين عليهما أفضل السلام ، ـ مع ما كانا عليه من صغر السن ـ أحق بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته.

ومن آياته : إنه يوم أظهر الله جل جلاله فيه أن ابنته المعظمة فاطمة

٤٢١

صلوات الله عليها أرجح في مقام المباهلة من أتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.

ومن آياته : إنه يوم أظهر الله جل جلاله فيه أن مولانا علي بن أبي طالب نفس رسول الله صلوات الله عليهما ، وإنه من معدن ذاته وصفاته ، وأن مراده من مراداته ، وإن افترقت الصورة فالمعنى واحد في الفضل من سائر جهاته.

ومن آياته : إنه يوم وسم كل من تأخر عن مقام المباهلة بوسم يقتضي أنه دون من قدم عليه في الاحتجاج لله عزوجل ونشر علاماته.

ومن آياته : إنه يوم لم يجر مثله قبل الإسلام في ما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.

ومن آياته : إنه يوم أخرس ألسنة الدعوى ، وعرس في مجلس منطق الفتوى بأن أهل المباهلة أكرم على الله جل جلاله من كل من لم يصلح لما صلحوا له من المتقربين بطاعاته وعباداته.

ومن آياته : إن يوم المباهلة يوم بيان برهان الصادقين الذين أمر الله جل جلاله باتباعهم في مقدس قرآنه وآياته.

ومن آياته : إن يوم المباهلة يوم شهد الله جل جلاله لكل واحد من أهل المباهلة بعصمته مدة حياته.

ومن آياته : إن يوم المباهلة أقرب في تصديق صاحب النبوة والرسالة من التحدي بالقرآن ، وأظهر في الدلالة ، الذي تحداهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا : ( لو نشاء لقلنا مثل هذا ) (١) ، وإن كان قولهم في مقام

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣١.

٤٢٢

البهتان. ويوم المباهلة ما أقدموا على دعوى الجحود للعجز عن مباهلته لظهور حجته وعلاماته.

ومن آياته : إنه يوم أطفأ الله به نار الحرب ، وصان وجوه المسلمين من الجهاد والكرب ، وخلصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس ، وعتقها من رق الغزو والبؤس لشرف أهل المباهلة الموصوفين فيها بصفاته.

ومن آياته : إن البيان واللسان والجنان اعترفوا بالعجز عن كمال كراماته » (١).

واستدل علماء الإمامية بآية المباهلة ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا إليها الإمام عليا وفاطمة والحسن والحسين فقط ... على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

* استدلال الإمام الرضا عليه‌السلام :

وأما وجه دلالة الآية على الإمامة ، فإن الإمامية أخذت ذلك من الإمام أبي الحسن علي الرضا عليه‌السلام ، فقد قال الشريف المرتضى الموسوي طاب ثراه :

« حدثني الشيخ ـ أدام الله عزه ـ أيضا ، قال : قال المأمون يوما للرضا عليه‌السلام :

أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام يدل عليها القرآن.

قال : فقال له الرضا عليه‌السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جل جلاله : ( فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقال تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل

__________________

(١) الإقبال بصالح الأعمال : ٥١٤.

٤٢٣

لعنة الله على الكاذبين ).

فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين فكانا ابنيه ، ودعا فاطمة فكانت ـ في هذا الموضع ـ نساءه ، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عز وجل.

وقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وافضل ، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحكم الله عز وجل.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنيه خاصة ، وذكر النساء بلفظ الجمع ، وإنما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته وحدها. فلم لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لأمير المؤمنين عليه‌السلام ما ذكرت من الفضل؟!

قال : فقال له الرضا عليه‌السلام : ليس بصحيح ما ذكرت ـ يا أمير المؤمنين ـ وذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره ، كما يكون الآمر آمرا لغيره ، ولا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة ، وإذا لم يدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا في المباهلة إلا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله.

قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال » (١).

* وقال الشيخ المفيد ـ بعد أن ذكر القصة ـ : « وفي قصة أهل نجران

__________________

(١) الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٣٨.

٤٢٤

بيان عن فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، مع ما فيه من الآية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعجز الدال على نبوته.

ألا ترى إلى اعتراف النصارى له بالنبوة ، وقطعه عليه‌السلام على امتناعهم من المباهلة ، وعلمهم بأنهم لو باهلوه لحل بهم العذاب ، وثقته عليه وآله السلام بالظفر بهم والفلج بالحجة عليهم ، وأن الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بأنه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ، ومساواته للنبي عليه وآله وسلم ، كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ، ومساواته للنبي عليه وآله السلام في الكمال والعصمة من الآثام ، وأن الله جل ذكره جعله وزوجته وولديه ـ مع تقارب سنهما ـ حجة لنبيه عليه وآله السلام وبرهانا على دينه ، ونص على الحكم بأن الحسن والحسين أبناؤه ، وأن فاطمة عليها‌السلام نساؤه المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج؟!

وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمة ، ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه ، وهو لاحق بما تقدم من مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام الخاصة به ، على ما ذكرناه » (١).

* وهكذا استدل الشريف المرتضى ، حيث قال : « لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين ، واقتضائها تقدمه على غيره ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة فيه إلا من هو في غاية الفضل وعلق المنزلة.

وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة ، وأن النبي صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ | ١٦٩.

٤٢٥

وسلم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك ...

ونحن نعلم أن قوله ( وأنفسنا وأنفسكم ) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره ، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها ، وإذا كان قوله تعالى : ( وإنفسنا وأنفسكم ) لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم‌السلام في المباهلة » (١).

* وقال الشيخ الطوسي : « أحد ما يستدل به على فضله عليه‌السلام ، قوله تعالى : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل ... ) إلى آخر الآية.

ووجه الدلالة فيها : أنه قد ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام إلى المباهلة ، وأجمع أهل النقل والتفسير على ذلك ، ولا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة ، ونحن نعلم أن قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره ، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها.

وإذا كان قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) لا بد أن يكون إشارة إلى

__________________

(١) الشافي في الإمامة ٢ | ٢٥٤.

٤٢٦

غير الرسول ، وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم‌السلام في المباهلة ... » (١).

وقال بتفسير الآية : « واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان أفضل الصحابة من وجهين :

أحدهما : إن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل ، وذلك لا يصح أن يفعل إلا بمن هو مأمون الباطن ، مقطوعا على صحة عقيدته ، أفضل الناس عند الله.

والثاني : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله مثل نفسه بقوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ... ) (٢).

* وقال الإربلي : « ففي هذه القضية بيان لفضل علي عليه‌السلام ، وظهور معجز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن النصارى علموا أنهم متى باهلوه حل بهم العذاب ، فقبلوا الصلح ودخلوا تحت الهدنة ، وإن الله تعالى أبان أن عليا هو نفس رسول الله كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ، ومساواته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكمال والعصمة من الآثام ، وإن الله جعله وزوجته وولديه ـ مع تقارب سنهما ـ حجة لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرهانا على دينه ونص على الحكم بأن الحسن والحسين أبناؤه ، وأن فاطمة عليها‌السلام نساؤه المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج ؛ وهذا فضل لم يشاركهم فيه أحد من الأمة

__________________

(١) تلخيص الشافي ٣ | ٦ ـ ٧.

(٢) التبيان في تفسير القرآن ٢ | ٤٨٥.

٤٢٧

ولا قاربهم ».

* وقال البياضي : « ولأنه مساو للنبي الذي هو أفضل ، في قوله ( وأنفسنا وأنفسكم ) والمراد : المماثلة ، لامتناع الاتحاد » (٢).

* وقال المحقق نصير الدين الطوسي ـ في أن عليا أفضل الصحابة ـ : « ولقوله تعالى : ( وأنفسنا ) ».

* فقال العلامة الحلي بشرحه : « هذا هو الوجه الثالث الدال على أنه عليه‌السلام أفضل من غيره ، وهو قوله تعالى : ( قل تعالوا ... ) .. واتفق المفسرون كافة أن الأبناء إشارة إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام والنساء إشارة إلى فاطمة عليها‌السلام ، والأنفس إشارة إلى علي عليه‌السلام.

ولا يمكن أن يقال : إن نفسهما واحدة ؛ فلم يبق المراد من ذلك إلا المساوي ، ولا شك في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الناس ، فمساويه كذلك أيضا » (٣).

* وقال العلامة الحلي : « أجمع المفسرون على أن ( أبناءنا ) إشارة إلى الحسن والحسين ، و ( أنفسنا ) إشارة إلى علي عليه‌السلام. فجعله الله نفس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد المساواة ، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرف أكمل وأولى بالتصرف ، وهذه الآية أدل دليل على علو رتبة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنه تعالى حكم بالمساواة لنفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه تعالى عيّنه في استعانة النبي

__________________

(١) كشف الغمة في معرفة الأئمة ١ | ٢٣٣.

(٢) الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ١ | ٢١٠.

(٣) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٣٠٤.

٤٢٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدعاء. وأي فضيلة أعظم من أن يأمر الله نبيه بأن يستعين به على الدعاء غليه والتوسل به؟! ولمن حصلت هذه المرتبة؟! » (١).

أقول :

وعلى هذا الغرار كلمات غيرهم من علمائنا الكبار في مختلف الأعصار ... فإنهم استدلوا على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بطائفتين من الأدلة ، الأولى هي النصوص ، والثانية هي الدالة على الأفضلية ، والأفضلية مستلزمة للإمامة ، وهو المطلوب.

وخلاصة الاستدلال بالآية هو :

١ ـ إن الآية المباركة نص في إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنها تدل على المساواة بين النبي وبينه عليه‌السلام ، ومساوي الأكمل الأولى بالتصرف ، أكمل وأولى بالتصرف.

٢ ـ إن قضية المباهلة وما كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قولا وفعلا ـ تدل على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذلك لوجوه منها :

أولا : إن هذه القضية تدل على أن عليا وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام ، أحب الناس إلى رسول الله ، والأحبية تستلزم الأفضلية.

وقد اعترف المحققون من أهل السنة بالدلالة هنا على الأحبية.

قال البيضاوي : « أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزّة أهله وأصقهم بقلبه إلى المباهلة ... » (٢).

__________________

(١) نهج الحق وكشف الصدق : ١٧٧.

(٢) تفسير البيضاوي. بحاشية الشهاب ٣ | ٣٢.

٤٢٩

فقال الشهاب الخفاجي في حاشيته : « ألصقهم بقلبه ، أي : أحبهم وأقربهم إليه ».

وقال : « قوله : وإنما قدمهم ... ، يعني : أنهم أعز من نفسه ، ولذا يجعلها فداء لهم ، فلذا قدم ذكرهم اهتماما به. وأما فضل آل الله والرسول فالنهار لا يحتاج إلى دليل » (١).

وكذا ، قال الخطيب الشربيني (٢) ، والشيخ سليمان الجمل (٣) ، وغيرهما.

وقال القاري : « فنزله منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوة » (٤).

وثانيا : دلالة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ باهل خصومه بعلي وفاطمة وحسن وحسين فقط ، ولم يدع واحدة من أزواجه ، ولا واحدا من بني هاشم ، ولا امرأة من أقربائه ... فضلا عن أصحابه وقومه ... فإنه يدل على عظمة الموقف ، وجلالة شأن هؤلاء عند الله دون غيرهم ، إذ لو كان لأحدهم في المسلمين مطلقا نظير ، لم يكن لتخصيصهم بذلك وجه.

وثالثا : دلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل البيت ، لما أخرجهم للمباهلة : « إذا أنا دعوت فأمّنوا ».

فقال أسقفهم : « إني لارى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من جباله لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى

__________________

(١) حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي ٣ | ٣٢.

(٢) السراج المنير في تفسير القرآن ١ | ٢٢٢.

(٣) الجمل على الجلالين ١ | ٢٨٢.

(٤) المرقاة في شرح المشكاة ٥ | ٥٨٩.

٤٣٠

يوم القيامة » (١).

فإن ذلك يدل على دخل لهم في ثبوت نبوته وصدق كلامه ، وفي إذلال الخصوم وهلاكهم لو باهلوا ... ، فكان لهم الأثر الكبير والسهم الجزيل في نصرة الدين ورسول رب العالمين. ولا ريب أن من كان له هذا الشأن في مباهلة الأنبياء كان أفضل ممن ليس له ذلك.

قال القاساني : « إن لمباهلة الأنبياء تأثيرا عظيما سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد الله إياهم به ، وهو المؤثر بإذن الله في العالم العنصري ، الواردة عليه ، كالغضب ، والحزن ، والفكر في أحوال المعشوق ، وغير ذلك من تحرك الاعضاء عند حدوث الإرادات والعزائم ، وانفعال النفوس البشرية منه كانفعال حواسنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا ، فإذا اتصل نفس قدسي أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانية منه بما أراد.

ألم تر كيف انفعلت نفوس النصارى من نفسه عليه‌السلام بالخوف ، وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية؟ » (٢).

أقول : فكان أهل البيت عليهم‌السلام شركاء مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا التأثير العظيم ، وهذه مرتبة لم يبلغ عشر معشارها غيرهم من الأقرباء والأصحاب.

وعلى الجملة ، فإن المباهلة تدل على افضلية أمير المؤمنين

__________________

(١) الكشاف ١ | ٣٦٩ ، تفسير الخازن ١ | ٢٤٢ ، السراج المنير في تفسير القرآن ١ | ٢٢٢ ، المراغي ٣ | ١٧٥ ، وغيرهم ممن تقدم أو تأخر.

(٢) تفسير القاسمي ٢ | ٨٥٧.

٤٣١

عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأفضل هو المتعين للإمامة بالإتفاق من المسلمين ، كما اعترف به حتى مثل ابن تيمية (١).

ونتيجة الإستدلال بالآية المباركة وما فعله النبي وقاله ، هو أن الله عز وجل أمر رسوله بأن يسمي عليا نفسه كي يبين للناس أن عليا هو الذي يتلوه ويقوم مقامه في الإمامة الكبرى والولاية العامة ؛ لأن غير الواجد لهذه المناصب لا يأمر الله رسوله بأن يسميه نفسه.

هذا ، وفي الآية دلالة على أن « الحسنين » إبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نص عليه غير واحد من أكابر القوم (٢).

وقد جاء في الكتب أن عليا عليه‌السلام كان الكاتب لكتاب الصلح (٣) وأنه توجه بعد ذلك إلى نجران بأمر النبي لجمع الصدقات ممن أسلم منهم وأخذ الجزية ممن بقي منهم على دينه (٤).

ثم إن أصحابنا يعضدون دلالة الآية الكريمة على المساواة بعدة من الروايات :

كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبريدة بن الحصيب عندما شكا عليا عليه‌السلام : « يا بريدة! لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه » ولعموم المسلمين في تلك القصة : « علي مني وأنا من علي ، وهو وليكم من بعدي » (٥).

وقوله وقد سئل عن بعض أصحابه ، فقيل : فعلي؟! قال : « إنما

__________________

(١) نص عليه في مواضع من منهاجه ، انظر مثلا : ٦ | ٤٧٥ و ٨ | ٢٢٨.

(٢) تفسير الرازي وغيره من التفاسير ، بتفسير الآية.

(٣) سنن البيهقي ١٠ | ١٢٠ ، وغيره.

(٤) شرح المواهب اللدنية ٤ | ٤٣.

(٥) هذا حديث الولاية ، وقد بحثنا عنه بالتفصيل سندا ودلالة في الجزء الخامس عشر من كتابنا الكبير « نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار » وهو ماثل للطبع.

٤٣٢

سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي » (١).

وقوله : « خلقت أنا وعلي من نور واحد ».

وقوله : « خلقت أنا وعلي من شجرة واحدة » (٢).

وقوله ـ في جواب قول جبرئيل في أحد : يا محمد! إن هذه لهي المواساة ـ : « يا جبرئيل ، إنه مني وأنا منه. فقال جبرئيل : وأنا منكما » (٣).

أقول : وستأتي أحاديث أخر فيما بعد ، إن شاء الله.

ومما يستدل به أيضا : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فاطمة بضعة مني ... » حيث استدل به غير واحد من أئمة القوم بأفضلية فاطمة على أبي بكر وعمر ، لكونها بضعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أفضل منها بالإجماع (٤) ، فإن عليا عليه‌السلام أفضل منها بالإجماع كذلك.

ثم إن غير واحد من أعلام أهل السنة اعترف بدلالة القصة على فضيلة فائقة لأهل البيت عليهم‌السلام :

قال الزمخشري : « وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام » (٥).

__________________

(١) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ١٥٥.

(٢) حديث النور ، وحديث الشجرة ، بحثنا عنهما بالتفصيل سندا ودلالة في الجزء الخامس من كتابنا الكبير « نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار » المطبوع منه حتى الآن ١٢ جزء.

(٣) مسند أحمد ٤ | ٤٣٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ | ١١ ، تاريخ الطبري ٣ | ١٧ ، الكامل في التاريخ ٢ | ٦٣ ومصادر أخرى في التاريخ والحديث.

(٤) فتح الباري ٧ | ١٣٢ ، فيض القدير ٤ | ٤٢١ ، المرقاة في شرح المشكاة ٥ | ٣٤٨.

(٥) الكشاف ١ | ٣٧٠.

٤٣٣

وقال ابن روزبهان : « لأمير المؤمنين علي عليه‌السلام في هذه الآية فضيلة عظيمة وهي مسلمة ، ولكن لا تصير دالة على النص بإمامته » (١).

أقول : فلا أقل من الدلالة على الأفضلية ؛ لأن هذه الفضيلة غير حاصلة لغيره ، فهو أفضل الصحابة ، والأفضلية تستلزم الإمامة.

ومن هنا نرى الفخر الرازي لا يقدح في دلالة الآية على أفضلية عليّ على سائر الصحابة ، وإنما يناقش الشيخ الحمصي في استدلاله بها على أفضليته على سائر الأنبياء ، وسيأتي كلامه في الفصل الخامس.

وتبعه النيسابوري وهذه عبارته : « أي : يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ويأت هو بنفسه وبمن هو كنفسه إلى المباهلة ، وإنما يعلم إتيانه بنفسه من قرينة ذكر النفس ومن إحضار من هم أعز من النفس ، ويعلم إتيان من هو بمنزلة النفس من قرينة أن الإنسان لا يدعو نفسه. ( ثم نبتهل ) : ثم نتباهل ...

وفي الآية دلالة على أن الحسن والحسين ـ وهما ابنا البيت ـ يصح أن يقال : إنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لأنه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعد أن يدعو أبناءه ثم جاء بهما.

وقد تمسك الشيعة قديما وحديثا بها في أن عليا أفضل من سائر الصحابة ؛ لأنها دلت على أن نفس عليّ مثل نفس محمد إلا في ما خصه الدليل.

وكان في الريّ رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي ـ وكان

__________________

(١) إبطال الباطل ـ مع إحقاق الحق ـ ٣ | ٦٣.

٤٣٤

متكلم الاثني عشرية ـ يزعم أن عليا أفضل من سائر الأنبياء سوى محمد. قال : وذلك أنه ليس المراد بقوله : ( أنفسنا ) نفس محمد ، لأن الإنسان لا يدعو نفسه ، فالمراد غيره ، وأجمعوا على أن الغير كان علي بن أبي طالب...

وأجيب بأنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمدا أفضل من سائر الأنبياء فكذا انعقد الإجماع بينهم ـ قبل ظهور هذا الانسان ـ على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي. وأجمعوا على أن عليا عليه‌السلام ما كان نبيا ...

وأما فضل أصحاب الكساء فلا شك في دلالة الآية على ذلك ، ولهذا ضمهم إلى نفسه ، بل قدمهم في الذكر ... » (١).

* * *

__________________

(١) تفسير النيسابوري ـ هامش الطبري ـ ٣ | ٢١٤ ـ ٢١٥.

٤٣٥

الفصل الخامس

في دفع شبهات المخالفين

وتخلص الكلام في الفصل السابق في أن الآية المباركة دالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إن لم يكن بالنص فبالدلالة على العصمة على الأفضلية للأحبية والأقربية وغيرهما من الوجوه ... ولم يكن هناك أي مجال للطعن في سند الحديث أو التلاعب بمتنه ...

فلننظر في كلمات المخالفين في مرحلة الدلالة :

* أما إمام المعتزلة ، فقد قال :

« دليل آخر لهم : وربما تعلقوا بآية المباهلة وأنها لما نزلت جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وأن ذلك يدل على أنه الأفضل ، وذلك يقتضي أنه بالإمامة أحق ولا بد من أن يكون هو المراد بقوله ( وأنفسنا وأنفسكم ) الآية. لأنه عليه‌السلام لا يدخل تحت قوله تعالى : ( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) فيجيب أن يكون داخلا تحت قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) ، ولا يجوز أن يجعله من نفسه إلا وهو يتلوه في الفضل.

وهذا مثل الأول في أنه كلام في التفصيل ، ونحن نبين أن الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.

وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أن عليا عليه‌السلام لم يكن

٤٣٦

في المباهلة.

قال شيخنا أبو هاشم : إنما خصص صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تقرب منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل ، ودل على ذلك بأنه عليه‌السلام أدخل فيها الحسن والحسين عليهما‌السلام مع صغرهما لما اختصا به من قرب النسب. وقوله : ( أنفسنا وأنفسكم ) يدل على هذا المعنى ، لأنه أراد قرب القرابة ، كما يقال في الرجل يقرب في النسب من القوم : أنه من أنفسهم.

ولا ينكر أن يدل ذلك على لطف محله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشدة محبته له وفضله ، وإنما أنكرنا أن يدل ذلك على أنه الأفضل أو على الإمامة ... » (١)

أقول :

ويتلخص هذا الكلام في أمور :

الأول : إن الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.

وهذا ـ في الواقع ـ تسليم باستدلال الإمامية بالآية على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكون الإمامة في من ليس بأفضل لم يرتضه حتى مثل ابن تيمية!

والثاني : إن عليا لم يكن في المباهلة.

وهذا أيضا دليل على تمامية استدلال الإمامية ، وإلا لم يلتجؤا إلى هذه

__________________

(١) المغني في الإمامة : ٢٠ القسم ١ | ١٤٢.

٤٣٧

الدعوى ، كما التجأ بعضهم ـ كالفخر الرازي ـ في الجواب عن حديث الغدير ، بأن عليا لم يكن في حجة الوداع!

والثالث : إنه لم يكن القصد إلى الإبانة عن الفضل ، بل أراد قرب القرابة.

وهذا باطل ، لأنه لو أراد ذلك فقط ، لأخرج غيرهم من أقربائه كالعباس ، وهذا ما تنبه إليه ابن تيمية فأجاب بأن العباس لم يكن من السابقين الأولين ، فاعترف ـ حيث يدري أو لا يدري ـ بالحق.

هذا ، ولا يخفى أن معتمد الأشاعرة في المناقشة هو هذا الوجه الخير ، وبهذا يظهر أن القوم عيال على المعتزلة ، وكم له من نظير!!

* وقال ابن تيمية (١) :

« أما أخذه عليا وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة ، فحديث صحيح ، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص. قال في حديث طويل : « لما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي ».

ولكن لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية.

وقوله : ( قد جعل الله نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والاتحاد محال ، فبقي المساواة له ، وله الولاية العامة ، فكذا لمساويه ).

قلنا : لا نسلم أنه لم يبق إلا المساواة ، ولا دليل على ذلك ، بل حمله

__________________

(١) أوردنا كلامه بطوله ، ليظهر أن غيره تبع له. لئلا يظن ظان أنا تركنا منه شيئا له تأثير في البحث!

٤٣٨

على ذلك ممتنع ؛ لأن أحدا لا يساوي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لا عليا ولا غيره.

وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة ، قال تعالى في قصة الإفك : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) وقد قال في قصة بني إسرائيل : ( فتوبوا إلى باررئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ) أي : يقتل بعضكم بعضا ، ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين ، ولا أن يكون من عبد العجل مساويا لمن لم يعبده.

وكذلك قد قيل في قوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، وإن كانوا غير متساويين.

وقال تعالى : ( ولا تلمزوا أنفسكم ) أي : لا يلمز بعضكم بعضا فيطعن عليه ويعيبه ، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن ، مع أنهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة ، ولا الظالم كالمظلوم ، ولا الإمام كالمأموم.

ومن هذا الباب قوله تعالى : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) أي : يقتل بعضكم بعضا.

وإذا كان اللفظ في قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) كاللفظ في قوله ( ولا تلمزوا أنفسكم ) .. ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) ونحو ذلك ، مع أن التساوي هنا ليس بواجب ، بل ممتنع ، فكذلك هناك وأشد.

بل هذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة ، والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك في بعض الأمور ، كالاشتراك في الإيمان ، فالمؤمنون إخوة

٤٣٩

في الإيمان ، وهو المراد بقوله : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) وقوله : ( ولا تلمزوا أنفسكم ).

وقد يكون بالاشتراك في الدين ، وإن كان فيهم المنافق ، كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر ، وإن كان مع ذلك الإشتراك في النسب فهو أوكد ، وقوم موسى كانوا ( أنفسنا ) بهذا الاعتبار.

قوله تعالى : ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) أي : رجالنا ورجالكم ، أي : الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب ، والرجال الذين هم من جنسكم ، والمراد التجانس في القرابة فقط ؛ لأنه قال : ( أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) فذكر الأولاد وذكر النساء والرجال ، فعلم أنه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة ؛ ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء ، ودعا فاطمة من النساء ، ودعا عليا من رجاله ، ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسبا من هؤلاء ، وهم الذين أدار عليهم الكساء.

والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه ، وإلا فلو باهل بالأبعدين في النسب وإن كانوا أفضل عند الله لم يحصل المقصود ، فإن المراد أنهم يدعون الأقربين كما يدعو هو الأقرب إليه.

والنفوس تحنو على أقاربها ما لا تحنو على غيرهم ، وكانوا يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، ويعلمون أنهم إن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم ، واجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم ، فكان ذلك أبلغ في امتناعهم وإلا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه ، والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقي أقاربه في نعمة ومال ، وهذا موجود كثير ، فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين ،

٤٤٠