تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

وقال الآلوسي : « روي ذلك عن ابن عباس والسدي » (١).

وهذا القدر كاف ، وهو للقلب السليم شاف ، وللمطلب واف.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين الأشراف.

* * *

__________________

(١) روح المعاني ٢٥ | ٣٣.

٣٤١

آية المباهلة

قال السيد طاب ثراه :

« وهل هبط بآية المباهلة بسواهم جبرئيل؟! ».

فقال في الهامش :

« كلا ، وإنما هبط بآية المباهلة بهم خاصة ، فقال عز من قائل : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم )الآية ».

فقيل :

« هذه الآية مما يتمسك به الشيعة على أنه دليل على الإمامة ، وعلى أن آل البيت هم بمرتبة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فإن الآية لم تفرق بينهم وبينه ، بل ساوتهم به إذ جمعت أنفسهم مع نفسه ، فقال تعالى : ( وأنفسنا وأنفسكم ).

وهذا اللفظ لا يقتضي المساواة ، فقد قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) ( النور : ١٢ ) ، ولا يدل هذا على أن المؤمنين والمؤمنات متساوون ، ومن ذلك أيضا قوله تعالى : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) ( البقرة : ٨٥ ) ، فهذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة في أمور :

فقوله تعالى : ( وأنفسنا وأنفسكم ) أي : ورجالنا ورجالكم ، أي :

٣٤٢

« الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب ، والمراد : التجانس مع الإيمان ». انتهى.

أقول :

وهذا أيضا خلاصة ما جاء به ابن تيمية ، في الجواب عن الاستدلال بالآية الكريمة ، وليس لهذا القائل منه شيء ولا كلمة!!

ونحن ذاكرون سبب نزول الآية المباركة ، ووجه الاستدلال بها ، والجواب عما قيل في ذلك ، فهاهنا فصول ، وبالله التوفيق.

٣٤٣

الفصل الأول

في نزول الآية في أهل البيت عليهم‌السلام

قال الله عز وجل : ( إنَّ مَثَلَ عيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الحَقُّ مِن ربِّكَ فَلا تَكُن مِنَ المُمتَرينَ * فَمَن حاجّك فيهِ مِن بعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تعالَوا نَدعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ونِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لعنَةَ اللهِ على الكاذِبينَ * إنَّ هذا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ وما مِن إلهٍ إلّا اللهُ وإنَّ اللهَ لَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ * فإَن تَوَلَّوا فَإنَّ اللهَ عَليمٌ بالمُفسِدينَ ) (١).

هذه هي الآية المعروفة بآية المباهلة ، وسنورد قصتها في أول الفصل الآتي.

وقد خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المباهلة بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.

ذكر من رواه من الصحابة والتابعين :

وروي هذا الخبر عن جماعة من أعلام الصحابة والتابعين ، نذكر هنا من جاءت الرواية عنه ف كتب غير الإمامية ، منهم :

١ ـ امير المؤمنين علي عليه‌السلام.

٢ ـ عبد الله بن عباس.

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٥٩ ـ ٦٣.

٣٤٤

٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

٤ ـ سعد بن أبي وقاص.

٥ ـ عثمان بن عفان.

٦ ـ سعيد بن زيد.

٧ ـ طلحة بن عبيد الله.

٨ ـ الزبير بن العوام.

٩ ـ عبد الرحمن بن عوف.

١٠ ـ البراء بن عازب.

١١ ـ حذيفة بن اليمان.

١٢ ـ أبو سعيد الخدري.

١٣ ـ أبو الطفيل الليثي.

١٤ ـ جد سلمة بن عبد يشوع.

١٥ ـ أم سلمة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٦ ـ زيد بن علي بن الحسين عليهما‌السلام.

١٧ ـ علباء بن أحمر اليشكري.

١٨ ـ الشعبي.

١٩ ـ الحسن البصري.

٢٠ ـ مقاتل.

٢١ ـ الكلبي.

٢٢ ـ السدي.

٢٣ ـ قتادة.

٢٤ ـ مجاهد.

٣٤٥

أما أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد ناشد القوم في الشورى بنزول الآية فيه ... وسيأتي الخبر قريبا.

وأما عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن ابي وقاص ، فقد أقروا لعلي عليه‌السلام في ذلك.

كما روى سعد الخبر ، وكان مما به اعتذر عن سب مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما في صحيح الأثر ... وسيأتي نصه.

وأما أبو الطفيل فهو راوي خبر المناشدة.

وأما الآخرون ... فستأتي نصوص الأخبار في روايتهم.

ومن رواته من كبار الأئمة في الحديث والتفسير :

وقد اتفقت كتب الحديث والتفسير والكلام على رواية حديث المباهلة ، إما بالأسانيد ، وإما بإرساله إرسال المسلمات ، من أشهرهم :

١ ـ سعيد بن منصور ، المتوفى سنة ٢٢٧.

٢ ـ أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة ، المتوفى سنة ٢٣٥.

٣ ـ أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة ٢٤١.

٤ ـ عبد بن حميد ، المتوفى سنة ٢٤٩.

٥ ـ مسلم بن الحجاج ، المتوفى سنة ٢٦١.

٦ ـ أبو زيد عمر بن شبة البصري ، المتوفى سنة ٢٦٢.

٧ ـ محمد بن عيسى الترمذي ، المتوفى سنة ٢٧٩.

٨ ـ أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفى سنة ٣٠٣.

٩ ـ محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة ٣١٠.

١٠ ـ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة ٣١٨.

٣٤٦

١١ ـ أبوبكر الجصاص ، المتوفى سنة ٣٧٠.

١٢ ـ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة ٤٠٥.

١٣ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤١٠.

١٤ ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة ٤٢٧.

١٥ ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤٣٠.

١٦ ـ أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة ٤٥٨.

١٧ ـ علي بن أحمد الواحدي ، المتوفى سنة ٤٦٨.

١٨ ـ محيي السنة البغوي ، المتوفى سنة ٥١٦.

١٩ ـ جارالله الزمخشري ، المتوفى سنة ٥٣٨.

٢٠ ـ القاضي عياض اليحصبي ، المتوفى سنة ٥٤٤.

٢١ ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة ٥٧١.

٢٢ ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفى سنة ٥٧٩.

٢٣ ـ أبو السعادات ابن الأثر الجزري ، المتوفى سنة ٦٠٦.

٢٤ ـ الفخر الرازي ، المتوفى سنة ٦٠٦.

٢٥ ـ عز الدين أبو الحسن ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة ٦٣٠.

٢٦ ـ محمد بن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة ٦٥٢.

٢٧ ـ شمس الدين سبط ابن الجوزي ، المتوفى سنة ٦٥٤.

٢٨ ـ أبو عبدالله القرطبي الأنصاري ، المتوفى سنة ٦٥٦.

٢٩ ـ القاضي البيضاوي ، المتوفى سنة ٦٥٨.

٣٠ ـ محب الدين الطبري ، المتوفى سنة ٦٩٤.

٣١ ـ نظام الدين الأعرج النيسابوري ، المتوفى سنة

٣٢ ـ أبو البركات النسفي ، المتوفى سنة ٧١٠.

٣٤٧

٣٣ ـ صدر الدين أبو المجامع إبراهيم الحموئي ، المتوفى سنة ٧٢٢.

٣٤ ـ أبو القاسم ابن الجزي الكلبي ، المتوفى سنة ٧٤١.

٣٥ ـ علاء الدين الخازن ، المتوفى سنة ٧٤١.

٣٦ ـ أبو حيان الأندلسي ، المتوفى سنة ٧٤٥.

٣٧ ـ شمس الدين الذهبي ، المتوفى سنة ٧٤٨.

٣٨ ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة ٧٧٤.

٣٩ ـ ولي الدين الخطيب التبريزي ، المتوفى سنة

٤٠ ـ ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة ٨٥٢.

٤١ ـ نور الدين ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة ٨٥٥.

٤٢ ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة ٩١١.

٤٣ ـ أبو السعود العمادي ، المتوفى سنة ٩٥١.

٤٤ ـ الخطيب الشربيني ، المتوفى سنة ٩٦٨.

٤٥ ـ ابن حجر الهيتمي المكي ، المتوفى سنة ٩٧٣.

٤٦ ـ علي بن سلطان القاري ، المتوفى سنة ١٠١٣.

٤٧ ـ نور الدين الحلبي ، المتوفى سنة ١٠٣٣.

٤٨ ـ شهاب الدين الخفاجي ، المتوفى سنة ١٠٦٩

٤٩ ـ الزرقاني المالكي ، المتوفى سنة ١١٢٢.

٥٠ ـ عبدالله الشبراوي ، المتوفى سنة ١١٦٢.

٥١ ـ قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفى سنة ١٢٥٠.

٥٢ ـ شهاب الدين الآلوسي ، المتوفى سنة ١٢٧٠.

وغيرهم من أعلام الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.

٣٤٨

من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة :

وهذه الفاظ من الأخبار الواردة في نزول الآية المباركة في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام كما رواها الحفاظ بأسانيدهم ، في الكتب المعتبرة :

* أخرج ابن عساكر بسنده ، وابن حجر من طريق الدارقطني ، عن أبي الطفيل : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام ناشد أصحاب الشورى واحتج عليهم بجملة من فضائله ومناقبه ، ومن ذلك أن قال لهم :

« نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم في الرحم ، ومن جعله رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم نفسه ، وابناه وأبناءه ، ونساءه ونساءه غيري؟!

قالوا : اللهم لا » (١).

أقول :

ومناشدة أمير المؤمنين في الشورى رواها عدد كبير من علماء الفريقين ، بأسانيدهم عن : أبي ذر وأبي الطفيل ، وممن أخرجها من حفاظ الجمهور : الدارقطني ، وابن مردويه ، وابن عبد البر ، والحاكم ، والسيوطي ، وابن حجر المكي ، والمتقي الهندي.

وسيأتي تفصيل ذلك حيث يتعرض لها السيد رحمه‌الله إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ : ٣ | ٩٠ ح ١١٣١.

٣٤٩

* وفي « المسند » : « حدثنا عبد الله ، قال أبي : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له ، وخلفه في بعض مغازيه ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : أتخلفني مع النساء والصبيان؟!

قال : يا علي! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي؟!

وسمعته يقول ـ يوم خيبر ـ : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا رضي‌الله‌عنه فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية ( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضوان الله عليهم أجمعين ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (١).

* وأخرج مسلم قائلا : « حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : حدثنا حاتم ـ وهو ابن اسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟!

فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم :

سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له [ وقد ] خلفه

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ | ١٨٥.

٣٥٠

في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله! خلقتني مع النساء والصبيان!

فقال له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.

قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية : ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (١).

* وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ ، فقال :

* هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه » (٢).

* وأخرج النسائي : « أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمار الدمشقي ، قالا : حدثنا حاتم ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعدا فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟!

فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهاأحب إليّ من حمر النعم :

سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له ، وخلفه في

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ | ١٢٠.

(٢) صحيح الترمذي ٥ | ٥٩٦ كتاب المناقب ، مناقب علي.

٣٥١

بعض مغازيه فقال له علي : يا رسول الله! أتخلفني مع النساء والصبيان؟!

فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون بموسى إلا أنه لا نبوة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله.

فتطاولنا إليها فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق عينيه ودفع الراية إليه.

ولما نزلت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي » (١).

* وأخرج الحاكم فقال : « أخبرني جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن موسى ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما نزلت هذه الآية ( ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (٢).

* ووافقه الذهبي في ( تلخيصه ).

* وستأتي رواية الحاكم عن جابر.

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ | ١٥٠.

٣٥٢

* وأخرجه عن ابن عباس ، قال : « ذكر النوع السابع عشر من علوم الحديث : هذا النوع من هذا العلم معرفة أولاد الصحابة ، فإن من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات.

أول ما يلزم الحديثي معرفته من ذلك : أولاد سيد البشر محمد المصطفى صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ومن صحت الرواية عنه منهم :

حدثنا علي بن عبد الرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال : ثنا حبان بن علي العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : ( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ـ إلى آخر ـ الكاذبين ) نزلت على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، وعلي نفسه ، ( ونساءنا ونساءكم ) : فاطمة ، ( وأبناءنا وأبناءكم ) : حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابهم » (١).

* وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة : « ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي ، قال : قال معاوية لسعد : ما منعك أن تسب أبا تراب؟!

قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ...

فذكر هذا الحديث ، وقوله لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ... وقوله : لما نزلت ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا عليا وفاطمة

__________________

(١) معرفة علوم الحديث : ٤٩ ـ ٥٠.

٣٥٣

والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (١).

تنبيه :

الملاحظ أنهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكال مختلفة مع أن السند واحد ، والقضية واحدة!!

بل يرويه المحدث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال ، فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.

وبينما رواه بلفظ آخر عن بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد يقول : قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب؟!

قال : لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله عليه [ وآله ] وسلم لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، ولا أسبه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة ، فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهل بيتي ـ أو : أهلي ـ ... » (٢).

ورواه بلفظ ثالث : إن معاوية ذكر علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال سعد بن أبي وقاص : والله لئن لي واحدة من خلال ثلاث أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

لأن يكون قال لي ما قال له حين رده من تبوك : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاأنه لا نبي بعدي ؛ أحب إلي من أن يكون

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ | ٦٠.

(٢) خصائص أمير المؤمنين : ٨١.

٣٥٤

لي ما طلعت عليه الشمس.

ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار ؛ أحب إليّمن أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس » (١).

ورواه بلفظ رابع عن سعد ، قال : « كنت جالسا فتنقصوا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقلت : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول في علي خصالا ثلاث ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.

سمعته يقول : إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

وسمعته يقول : من كنت مولاه فهذا علي مولاه » (٢).

وهو عند ابن ماجة باللفظ الآتي : « قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا ، فنال منه ، فغضب سعد وقال : تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : من كنت مولا فعلي مولاه.

وسمعته يقول : أنت بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين : ١١٦.

(٢) خصائص أمير المؤمنين : ٤٩ ـ ٥٠.

٣٥٥

بعدي.

وسمعته يقول : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله » (١).

أقول :

إنه إن أمكن حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال الثلاث على وجه صحيح ، ولا يكون هناك تحريف ـ ومن هنا كان الأمر بالتأمل في بحثنا حول آية التطهير ـ فلا ريب في تحريف القوم للفظ في ناحية أخرى ، وهي قضية سب أمير المؤمنين عليه‌السلام والنيل منه ، خاصة مع السند الواحد! فإن أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن عساكر (٢) كلهم اشتركوا في الروابة بسند واحد ، فجاء عند غير أحمد : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال : أما ماذكرت ثلاثا ... سمعت ... ».

لكن أحمد حذف ذلك كله وبدأ الحديث من « سمعت ... » وكأنه لم تكن هناك أية مناسبة لكلام سعد هذا!!

أما الحاكم فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة وخصلتين من الخصال الثلاث!!

والنسائي يحذف المناسبة في لفظ ، ويقول : « إن معاوية ذكر علي بن أبي طالب ، فقال سعد ... »!!

وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة « كنت جالسا فتنقصوا علي بن

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ | ٤٥.

(٢) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ١ | ٢٠٦ ح٢٧١.

٣٥٦

أبي طالب ... »!!

وابن ماجة ، قال : « قدم معاوية في بعض حجاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليا ، فنال منه ، فغضب سعد وقال ... ».

فجاء ابن كثير وحذف منه « فنال منه ، فغضب سعد » (١).

وفي ( الفضائل ) لأحمد : « ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص ، فقالله سعد : أتذكر عليا؟! » (٢).

وأبو نعيم وبعضهم حذف القصة من أصلها ، فقال : « عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله : في علي ثلاث خلال ... » (٣).

هذا ، والسبب في ذلك كله معلوم! إنهم يحاولون التغطية على مساوئ سادتهم ولو بالكذب والتزوير! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم ، كالنووي ، حيث قال : « قال العلماء : الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها ، قالوا : ولا يقع ففي روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله ، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه ، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب ، كأنه يقول : هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك؟! فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.

لعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم ، وعجز عن الإنكار ، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال.

قالوا : ويحتمل تأويلا آخرا ، أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٧ | ٣٤٠.

(٢) فضائل علي ـ لأحمد بن حنبل ـ : مخطوط.

(٣) حلية الأولياء ٤ | ٣٥٦.

٣٥٧

واجتهاده ، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ؟ ». انتهى (١).

ونقله المباركفوري بشرح الحديث (٢).

أقول :

وهل ترتضي ـ أيها القارئ ـ هذا الكلام في مثل هذا المقام؟!

أولا : إن كان هناك مجال لحمل كلام المتكلم على الصحة وتأويله على وجه مقبول ، فهذا لا يختص بكلام الصحابي دون غيره.

وثانيا : إذا كانت هذه قاعدة يجب اتباعها بالنسبة إلى أقوال الصحابة ، فلماذا لا يطبقونها بالنسبة لكل الصحابة؟!

وثالثا : إذا كانت هذه القاعدة للأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي! فلماذا يطبقونها في الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلم يأخذوا بظواهرها ، بل أعرضوا عن النصوص منها؟! ومنها حديث المباهلة ، حيث لا تأويل فحسب ، بل التعتيم والتحريف ، كما سنرى في الفصل الآتي.

ورابعا : إن التأويل والحمل على الصحة إنما يكون حيث يمكن ، وقولهم : « ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه ، وإنما سأله » كذب ، فقد تقدم في بعض النصوص التصريح بـ « الأمر » و « النيل » و « التنقيص » وهذا كله مع تهذيب العبارة ، كما لا يخفى.

بل ذكر ابن تيمية : أن معاوية أمر بسب علي (٣).

__________________

(١) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم بن الحجاج ـ ١٥ | ١٧٥.

(٢) تحفة الأحوذي ـ شرح جامع الترمذي ـ ١٠ | ١٥٦.

(٣) منهاج السنة ٥ | ٤٢.

٣٥٨

بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي على واقعها ، ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما ، قال : « وعن سهل بن سعد ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا أن يسب أبا التراب ، قال : أما ما ذكرت ثلاثا .... أخرجه مسلم والترمذي » (١).

وخامسا : قولهم : « كأنه يقول ... فإن كان تورعا ... فأنت مصيب محسن » يكذبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أن سعدا خرج من مجلس معاوية غضبان وحلف إلا يعود إليه!!

وعلى كل حال ... فهذا نموذج من تلاعبهم بمساوئ أسيادهم ، لإخفائها ، وسترى ـ في الفصل اللاحق ـ نموذج تلاعبهم بفضائل علي عليه‌السلام ، لإخفائها ، وهذا دين القوم وديدنهم ، حشرهم الله مع الذين يدافعون عنهم ويودونهم!!

* وروى ابن شبة ، المتوفى سنة ٢٦٢ ، قال : « حدثنا الحزامي ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن من حدثه ، قال : جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بعرض عليهما الإسلام ... قال : فدعاهما النبي إلى المباهلة وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، فقال أحدهما للآخر : قد أنصفك الرجل.

فقالا : لا نباهلك.

وأقرا بالجزية وكرها الإسلام » (٢).

__________________

(١) ينابيع المودة : ١٩٣.

(٢) تاريخ المدينة المنورة ، المجلد ١ | ٥٨٣.

٣٥٩

* وروى الحسين بن الحكم الحبري (١) ، المتوفى سنة ٢٨٦ ، قال : « حدثني إسماعيل بن أبان ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما نزلت هذه الآية ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) قال : فخرج رسول الله صلى عليه [ وآله ] وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين » (٢).

وأخرج الطبري : « حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي ، في قوله : ( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية ، قال : كان النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ».

« حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ) الآية ، فأخذ ـ يعني النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعلي : اتبعنا ، فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى وقالوا : إنا نخاف ... ».

« حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من

__________________

(١) وهو أيضا في طريق الحاكم في « المستدرك ».

(٢) تفسير الحبري : ٢٤٨.

قال محققه ـ وهو العلامة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ـ : « الحديث عن أبي سعيد الخدري قد تفرد بنقله المؤلف ، فلم يروه غيره من المؤلفين ، بل ينحصر وجوده بنسختينا ولم يوجد في سائر النسخ ».

قلت : وما جاء في ذخائر العقبى ، ص٢٥ : « عن أبي سعيد ... » فغلط ، بقرينة قوله في الآخر : أخرجه مسلم والترمذي ، لأن الذي أخرجاه هو عن سعد.

٣٦٠