تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

والمعنى المذكور لا يناسب مقام النبوة ، وإنما ذلك من شأن أهل الدنيا ، وأيضا ينافيه الآيات الكثيرة كقوله تعالى : ( ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ) فلو كان خاتم الأنبياء طالبا للأجر لزم أن تكون منزلته أدنى من سائر الأنبياء ، وهو خلاف الإجماع » (١).

فهذه شبهات أعلام القوم في هذا المقام ، فلنذكر الشبهات بالترتيب ونتكلّم عليها :

١ ـ سورة الشورى مكية والحسنان غير موجودين :

ولعل هذه أهم الشبهات في المسألة ، وهي الأساس ... ونحن تارة نبحث عن الآية المباركة بالنظر إلى الروايات ، وأخرى بقطع النظر عنها ، فيقع البحث على كلا التقديرين.

أما على الأول : فإن الآية المباركة بالنظر إلى الروايات المختلفة الواردة ـ سواء المفسرة بأهل البيت ، أو القائلة بأنها نزلت بمناسبة قول الأنصار كذا وكذا ـ مدنية ، ولذا قال جماعة بأن سورى الشورى مكية إلا الآيات :

قال القرطبي : « سورة الشورى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة : إلا أربع آيات منها أنزلت بالمدينة : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلى آخرها » (٢).

وقال أبو حيان : « قال ابن عباس : مكية إلا أربع آيات ، من قوله

__________________

(١) التحفة الاثنا عشرية : ٢٠٥.

(٢) تفسير القرطبي ١٦ | ١.

٢٨١

تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلى آخر الأربع آيات فإنها نزلت بالمدينة » (١).

وقال الشوكاني : « وروي عن ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا أربع آيات منها أنزلت بالمدينة ( قل لا أسئلكم ... ) (٢).

وقا الآلوسي : « وفي البحر : هي مكية إلا أربع آيات من قوله تعالى : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا ) إلى آخر آيات. وقال مقاتل : فيها مدني ، قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشر الله عباده ... ) واستثنى بعضهم قوله تعالى : ( أم يقولون افترى )...

وجوّز أن يكون الإطلاق باعتبار الأغلب » (٣).

وبهذا القدر كفاية.

ووجود آيات مدنية في سورة مكية أو بالعكس كثير ، ولا كلام لأحد في ذلك.

وأما على الثاني : فالآية دالة على وجوب مودة « القربى » أي : أقرباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والخطاب للمسلمين لا لغيرهم.

أما أنها دالة على وجوب مودة « قربى » النبي ، فلتبادر هذا المعنى منه ، وقد أذعن بهذا التبادر غير واحد من الأئمة ، نذكر منهم :

الكرماني ، صاحب « الكواكب الداري في شرح البخاري » (٤).

والعيني ، صاحب « عمدة القاري في شرح البخاري ».

__________________

(١) البحر المحيط ٧ | ٥٠٧.

(٢) فتح القدير ٤ | ٥٢٤.

(٣) روح المعاني ٢٥ | ١٠.

(٤) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ١٨ | ٨٠.

٢٨٢

قال العيني بشرح حديث طاووس : « وحاصل كلام ابن عباس : إن جميع قريش أقارب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وليس المراد من الآية بنو هاشم ونحوهم كما يتبادر الذهن إلى قول سعيد بن جبير » (١).

وأما أنّ الخطاب للمسلمين ، فلوجوه ، منها : السياق ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول :

( ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشّر الله عباده الّذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور * أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور * وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ).

فقد جاء الآية المباركة بعد قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ).

فإن قلت :

فبعدها : ( أم يقولون افترى على الله كذبا ... )؟!

__________________

(١) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ١٩ | ١٥٧.

٢٨٣

قلت :

ليس المراد من ذلك المشركين ، بل المراد هم المسلمون ظظاهرا المنافقون باطنا ، يذل على ذلك قوله بعده : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) فالخطاب ليس للمشركين ، ولم تستعمل « التوبة » في القرآن إلا في العصاة من المسلمين.

فإن قلت :

فقد كان في المسمين في مكة منافقون؟!

قلت :

نعم ، فراجع ( سورة المنافقون ) و ( سورة المدثر ) وما قاله المفسرون (١).

وعلى هذا ، فقد كان الواجب على المسلمين عامة « مودة » أقرباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فهل ـ يا ترى ـ أمروا حينذاك بمودة أعمامه وبني عمومته؟!

__________________

(١) يراجع بهذا الصدد : تفاسير الفريقين ، خاصة في سورة المدثر ، المكية عند الجميع ، ويلاحظ اضطراب كلمات أبناء العامة وتناقضها ، في محاولات يائسة لصرف الآيات الدالة على ذلك عن ظواهرها ، فرارا ، من الإجابة عن السؤال بـ « من هم إذا؟ »!!

أما الشيعة .. فقد عرفوا المنافقين منذ الوم الأول ... وللتفصيل مكان آخر ، ولو وجدنا متسعا لوضعنا في هذه المسألة القرآنية التاريخية المهمة جدا رسالة مفردة وبالله التوفيق.

٢٨٤

أما المشركون منهم .. فلا ، قطعا .. وأما المؤمنون منهم وقت نزول الآية أو بعده ... فأولئك لم يكن لهم أي دور يذكر في مكة ...

بل المراد « علي » عليه‌السلام ، فإنه الذي كان المشركون يبغضونه ويعادونه ، والمنافقون يحسدونه ويعاندونه ، والمؤمنون يحبونه ويوادونه.

ولا يخفى ما تدل عليه كلمتا « المودة » و « يقترف ».

ثم إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سئل ـ في المدينة ـ عن المراد من « القربى » في الآية المباركة قال : « علي وفاطمة والحسن والحسين ».

٢ ـ الرسول لا يسأل أجرا :

إن الرسول من قِبَل الله سبحانه وتعالى لا يسأل الناس أجرا على تبليغ الرسالة إليهم أصلا ، وإنما أجره على الله ، وهكذا كان الأنبياء السابقون :

قال نوح لقومه : ( إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) (١).

وقال هود : ( يا قوم لا أسئلكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ) (٢).

وقال صالح : ( إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجي إلا على رب العالمين ) (٣).

ومن هنا أصر بعضهم على أن الاستثناء منقطع ، وجوّز بعضهم ـ كالزمخشري وجماعة ـ أن يكون متصلا وأن يكون منقطعا.

__________________

(١) سورة الشعراء ٢٦ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) سورة هود ١١ : ٥١.

(٣) سورة الشعراء ٢٦ : ١٤٣ ـ ١٤٥.

٢٨٥

أقول :

ونبينا أيضا كذلك كما جاء في آيات عديدة ، منها :

( ... قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين * إن هو إلا ذكر للعالمين ) (١).

( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ) (٢).

( قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ) (٢).

وقد أجاب المفسرون من الفريقين عن هذه الشبهة بأكثر من وجه ، وفي تفسيريّ الخازن والخطيب الشربيني منها وجهان ...

ولكن يظهر ـ بالدقة ـ أن الآيات في الباب بالنسبة إلى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أربعة أنحاء :

١ ـ ما اشتمل على عدم سؤال الأجر.

٢ ـ ما اشتمل على سؤال الأجر لكنه « لكم ».

٣ ـ ما اشتمل على عدم سؤال الأجر ، وطلب « اتخاذ السبيل إلى الله » عن اختيار.

٤ ـ ما اشتمل على سؤال الأجر وهو « المودة في القربى ».

وأي تناف بين هذه الآيات؟! يا منصفون!

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ٩٠.

(٢) سورة سبأ ٣٤ : ٤٧.

(٣) سورة الفرقان ٢٥ : ٥٧.

٢٨٦

إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسأل الناس أجرا ، وإنما يريد منهم أن يتخذوا سبيلا إلى الله ، وهو ما لا يتحقق إلا بمودة أهل البيت ، وهو لهم ... ولذا ورد عنهم عليه‌السلام : « نحن السبيل » (١) ... نعم هم السبل وخاصة « إذا صارت الدنيا هرجا ومرحبا ، وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل ... » (٢).

فإذن .. هم .. السبيل ... وهذا معنى هذه الآية في محكم التنزيل ، ولا يخفى لوازم هذا الدليل فافهم واغتنم ، و ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ... ) وحسبنا الله ونعم الوكيل.

٣ ـ لماذا لم يقل : إلا المودة للقربى؟

وطرح هذه الشبهة من مثل الدهلوي غير بعيد ، لكنه من مثل ابن تيمية الذي يدّعي العربية عجيب!! وليته راجع كلام أهل الفن :

قال الزمخشري : « يجوز أن يكون استثناء متصلا ، أي : لا أسألكم أجرا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ، ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة ، لأن قرابته قرابتهم ، فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة.

ويجوز أن يكون منقطعا ، أي : لا أسئلكم أجرا قط ولكنني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم.

فإن قلت : هلا قيل : إلا مودة القربى ، أو : إلا المودة للقربى؟ وما معنى قوله : ( إلا المودة في القربى )؟

__________________

(١) فرائد السمطين ، وعنه في ينابيع المودة : ٢٢.

(٢) مجمع الزوائد ٩ | ١٦٥.

٢٨٧

قلت : جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودة ، ولي فيهم هوى وحب شديد. تريد : أحبهم وهم مكان حبي ومحله ، وليست « في » بصلة للمودة كاللام إذا قلت : إلا المودة للقربى ، إنما هي متعلقة بمحذوفٍ تعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس. وتقديره : إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى قرابة ، والمراد : في أهل القربى. وروي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وابناهما.

ويدل عليه ما روي عن علي رضي‌الله‌عنه : شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حسد الناس لي ، فقال أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن إيماننا وشمائلنا ، وذريتنا خلف أزواجنا! » (١).

وقرره الفخر الرازي حيث قال : « أورد صاحب الكشاف على نفسه سؤالا فقال : هلا قيل : إلا مودة القربى ، أو : إلا المودة للقربى ، وما معنى قوله : ( إلا المودة في القربى )؟

وأجاب بأن قال : جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك : لي في آل فلان مودة ، ولي فيهم هوى وحب شديد. تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله » (٢)

وكذا أبو حيان واستحسنه (٣).

__________________

(١) الكشاف في تفسير القرآن ٤ | ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٢) التفسير الكبير ٢٧ | ١٦٧.

(٣) البحر المحيط ٧ | ٥١٦.

٢٨٨

وقال النيسابوري : « ثم أمر رسوله بأن يقول : ( لا أسألكم ) على هذا التبليغ ( أجرا إلا المودة ) الكائنة ( في القربى ) جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ، ولهذا لم يقل : مودة القربى ، أو : المودة للقربى ، وهي مصدر بمعنى القرابة ، أي : في أهل القربى ، وفي حقهم » (١).

وقال أبو السعود بعد أن جعل الاستثناء متصلا : « وقيل : الاستثناء منقطع والمعنى : لا أسألكم أجرا قط ولكن أسألكم المودة.

و ( في القربى ) حال منها. أي : المودة ثابتة في القربى متمكنة في أهلها أو في حق القرابة. والقربى مصدر كالزلفى ، بمعنى القرابة. روي : أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله ، من قرابتك ... » (٢).

وراجع أيضا تفاسير : البيضاوي والنفسي والشربيني ، وغيرهم.

٤ ـ المعارضة :

وهذه هي الشبهة الأخيرة ، وهي تتوقف على اعتبار ما أخرج أحمد وغيره عن طاووس عن ابن عباس ، والجواب عنها بالتفصيل في الفصل الرابع ..

* * *

__________________

(١) تفسير النيسابوري ـ هامش الطبري ـ ٢٥ | ٣٣.

(٢) تفسير أبي السعود ٨ | ٣٠.

٢٨٩

الفصل الرابع

الأخبار والأقوال

قد ظهر إلى الآن أن نزول الآية المباركة في « أهل البيت » هو المتبادر من الآية ، وأن القول بذلك مستند إلى أدلة معتبرة في كتب السنة ، وأنه محكي عن أئمة أهل البيت : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو أعلم الأصحاب بكتاب الله بالإجماع ، والحسن السبط عليه‌السلام ، والحسين الشهيد عليه‌السلام ، والإمام السجاد علي بن الحسين عليه‌السلام ، والإمام الباقر عليه‌السلام ، والإمام الصادق عليه‌السلام.

ورواه عدة من كبار الصحابة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال به ابن عباس ، في ما رواه عنه سعيد بن جبير ومجاهد والكلبي وغيرهم ، بل أرسله عنه أبو حيان إرسال المسلّم ، وسنذكر عبارته.

وهو قول : سعيد بن جبير ، وعمرو بن شعيب ، والسدي ، وجماعة.

أدلة وشواهد أخرى للقول بنزول الآية في أهل البيت :

وقد ذكر هذا القول غير واحد من المفسرين وغيرهم فلم يردوه.

بل لم يرجحوا عليه غيره ، بل ذكروا له أدلة وشواهد ومؤيدات ، من الأخبار والروايات.

* كالزمخشري ، فإنه ذكر هذا القول ، وروى فيه الحديث عن النبي

٢٩٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قيل : يا رسول الله ، من قرابتك ... » قال : « ويدل عليه ما روي عن علي ... » الحديث ، وقد تقدم ، ثم قال بعده :

« وعن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غذا إذا لقيني يوم القيامة.

وروي : إن الأنصار قالوا : فعلنا وفعلنا ... » الحديث ، وقد تقدم.

قال : « وقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن ما ت على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة » (١).

* والرازي حيث قال : « روى الكلبي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لما قدم المدينة كانت تعروه نوائب وحقوق ، وليس في يده سعة ، فقال الأنصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله على يده وهو ابن اختكم وجاركم في بلدكم ، فاجمعوا له

__________________

(١) الكشاف في تفسير القرآن ٤ | ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٢٩١

طائفة من أموالكم ، ففعلوا ، ثم أتوه به فردّه عليهم ، فنزل قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا ) أي على الإيمان إلا أن تودوا أقاربي. فحثهم على مودة أقاربه ».

ثم إنه أورد الرواية عن الزمخشري قائلا : « نقل صاحب الكشاف عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال : من مات على حب آل محمد ... » إلى آخره. ثم قال :

« وأنا أقول : آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.

وأيضا : اختلف الناس في الآل ، فقيل : هم الأقارب ، وقيل : هم أمته. فإن حملناه على القرابة فهم الآل ، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل. فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل ، وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه.

وروى صاحب الكشاف : إنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال : علي وفاطمة وابناهما. فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي.

وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ويدل عليه وجوه :

الأول : قوله تعالى : ( إلا المودة في القربى ) ووجه الاستدلال به ما سبق.

٢٩٢

الثاني : لا شك أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كان يحب فاطمة عليها‌السلام ، قال صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : فاطمة بضعة مني ، يؤذيني من يؤذيها. وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله أنه كان يحب عليا والحسن والحسين. وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله : ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ولقوله سبحانه : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).

الثالث : إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جُعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب. وقا الشافعي رضي‌الله‌عنه :

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتـف بساكـن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضـا كما نظـم الفرات الفائض

إن كان رفضا حب آل محمـد

فليشهد الثقلان أني رافضي » (١)

* وذكر النيسابوري محصل كلام الرازي قائلا : « ولا ريب أن هذا فخر عظيم ، وشرف تام ؛ ويؤيده ما روي ... » (٢).

* وقال القرطبي : « وقيل : ( القربى ) قرابة الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، أي : لا أسألكم أجرا إلا أن تودوا قرابتي وأهل بيتي ، كما أمر بإعظامهم ذوى القربى. وهذا قول علي بن حسين وعمرو بن شعيب والسدي. وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما أنزل الله عز وجل

__________________

(١) التفسير الكبير ٢٧ | ١٦٦.

(٢) تفسير النيسابوري ـ هامش الطبري ـ ٢٥ | ٣٣.

٢٩٣

( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودهم؟ قال : علي وفاطمة وابناؤها. ويدل عليه أيضا ما روي عن علي رضي‌الله‌عنه : قال : شكوت غلى النبي حسد الناس ... وعن النبي : حرّمت الجنة ...

وكفى قبحا بقول من يقول : إن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأهل بيته منسوخ ، وقد قال النبي : من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ومن مات على حب آل محمد جعل الله زواره قبره الملائكة والرحمة (١) ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : أيس اليوم من رحمة الله ، ومن مات على بغض آل محمد لم يرح رائحة الجنة ، ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي.

قلت : وذكر هذا الخبر الزمخشري في تفسيره بأطول من هذا فقال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ... » فذكره ... (٢).

* وقال الخطيب الشربيني : « فقيل : هم فاطمة وعلي وابناؤهما. وفيهم نزل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) » (٣).

* وقال الآلوسي : « وقيل : علي وفاطمة وولدها رضي الله تعالى عنهم ، وروي ذلك مرفوعا : أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، من طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه

__________________

(١) كذا.

(٢) تفسير القرطبي ١٦ | ٢٣.

(٣) السراج المنير ٣ | ٥٣٧ ـ ٥٣٨.

٢٩٤

الآية ( قل لا أسألكم ) إلى آخره. قالوا : يا رسول الله ... وقد تقدم.

إلا أنه روي عن جماعة من أهل البيت ما يؤيد ذلك ... ».

فروى خبر ابن جرير عن أبي الديلم « لما جيء بعلي بن الحسين ... » وخبر زاذان عن علي عليه‌السلام ... وأورد قول كميت الشاعر والهيتي أحد أقاربه ... وقد تقدم ذلك كله. ثم روى حديث الثقلين ، ثم قال :

« وأخرج الترمذي وحسّنه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس ، قال : قال عليه الصلاة والسلام : أحبوا الله تعالى لما يغذوكم به من نعمة ، وأحبوني لحب الله تعالى ، وأحبوا أهل بيتي.

وأخرج ابن حبان والحاكم ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : والذي نفسي بيده ، لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله تعالى النار. إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الأخبار ، وفي بعضها ما يدل على عموم القربى وشمولها لبني عبد المطلب :

أخرج أحمد والترمذي ـ وصححه ـ والنسائي ، عن المطلب بن ربيعة ، قال : دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال : إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث ، فإذا رأونا سكتوا ؛ فغضب رسول الله ودر عرق بين عينيه ، ثم قال : والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله تعالى ولقرابتي.

وهذا ظاهر إن خص ( القربى ) بالمؤمنين منهم ، وإلا فقيل : إن الحكم منسوخ. وفيه نظر. والحق وجوب محبة قرابته عليه الصلاة والسلام من حيث إنهم قرابته كيف كانوا ، وما أحسن ما قيل :

داريت أهلك في هواك وهم عدى

ولأجل عين ألف عين تكرم

٢٩٥

وكلما كانت جهة القرابة أقوى كان طلب المودة أشد ، فمودة العلويين ألزم من محبة العباسيين على القول بعموم ( القربى ) وهي على القول بالخصوص قد تتفاوت أيضا باعتبار تفاوت الجهات والاعتبارات ، وآثار تلك المودة التعظيم والاحترام والقيام بأداء الحقوق أتم قيام ، وقد تهاون كثير من الناس بذلك حتى عدّوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك ، وأنا أقول قول الشافعي الشافي العي :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى ..... » الأبيات (١).

أقول :

هذا هو القول الأول ، وهو الحق ، أعني نزول الآية المباركة في خصوص : علي وفاطمة والحسنين ، وعلى فرض التنزّل وشمولها لجميع قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما ورد في خصوص أهل البيت يخصصها.

فهذا هو القول الأول.

الرد على الأقوال الأخرى :

وفي مقابله أقوال :

أحدها : إن المراد من ( القربى ) القرابة التي بينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين قريش « فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة ».

والثاني : إن المراد من ( القربى ) هو القرب والتقرب إلى الله ، أي :

__________________

(١) روح المعاني ٢٥ | ٣١ ـ ٣٢.

٢٩٦

إلا أن تودوا إلى الله في ما يقربكم إليه من التودد إليه بالعمل الصالح.

والثالث : إن المراد من ( القربى ) هو « الأقرباء » ولكن لا أقرباء النبي مطلقا ، بل المعنى : إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم.

والرابع : إن الآية المنسوخة بقوله تعالى : ( قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم ) (١).

أقول :

أما القول الأخير فقد رده الكل ، حتى نص بعضهم على قبحه ، وقد بينا أن لا منافاة بين الآيتين أصلا ، بل إحداهما مؤكدة لمعنى الأخرى.

وأما الذي قبله ، فلا ينبغي أن يذكر في الأقاويل ، لأنه قول بلا دليل ، ولذا لم يعبأ به أهل التفسير والتأويل.

وأما القول بأن المراد هو « التقرب » فقد حكي عن الحسن البصري (٢) وظاهر العيني اختياره له (٣). واستدل له في « فتح الباري » بما أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن ابن عباس أيضا : إن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : « قل لا أسألكم عليه أجرا على ما جئتكم به من البينات والهدى إلا أن تقربوا إلى الله بطاعته ».

لكن قال ابن حجر : « وفي إسناده ضعف » (٤).

وهو مردود أيضا بأنه خلاف المتبادر من الآية ، وأن النصوص على

__________________

(١) سورة سبأ ٣٤ : ٤٧.

(٢) تفسير الرازي ٢٧ | ١٦٥ ، فتح الباري ٨ | ٤٥٨ وغيرهما.

(٣) عمدة القاري ١٩ | ١٥٧.

(٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٨ | ٤٥٨.

٢٩٧

خلافه ... وهو خلاف الذوق السليم.

وأما القول الأول من هذه الأقوال ، فهو الذي اقتصر عليه ابن تيمية فلم يذكر غيره ، واختاره ابن حجر ، ورجحه الشوكاني ... والدليل عليه ما اخرجه أحمد والشيخان وغيرهم عن طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقد تقدم في أول أخبار المسألة.

ويقع الكلام على هذا الخبر في جهتين :

الجهة الأولى : جهة السند :

فإن مدار الخبر على « شعبة بن الحجاج » وقد كان هذا الرجل ممن يكذب ويضع على أهل البيت ، فقد ذكر الشريف المرتضى رحمه‌الله (١) أنه روى عن جعفر بن محمد أنه كان يتولى الشيخين! فمن يضع مثل هذا لا يستبعد منه أن يضع على ابن عباس في نزول الآية.

ثم إن الراوي عن شعبة عند أحمد « يحيى بن عباد الضبعي البصري » قال الخطيب : « نزل بغداد وحدث بها عن شعبة ... روى عنه أحمد بن حنبل ... » (٢).

وقد أورد ابن حجر هذا الرجل فيمن تكلم فيه من رجال البخاري ، فنقل عن الساجي أنه ضعيف ، وعن ابن معين أنه ليس بذاك وإن صدّقه (٣).

وروى الخطيب بإسناده عن ابن المديني ، قال : سمعت أبي يقول : يحيى بن عباد ليس ممن أحدث عنه ، وبشار الخفاف أمثل منه.

__________________

(١) الشافي في الإمامة ٤ | ١١٦.

(٢) تاريخ بغداد ١٤ | ١٤٤.

(٣) مقدمة فتح الباري : ٤٥٢.

٢٩٨

وبإسناده عن يحيى بن معين : لم يكن بذاك ، قد سمع وكان صدوقا ، وقد أتيناه فأخرج كتابا فإذا هو لا يحسن يقرأه فانصرفنا عنه.

وبإسناده عن الساجي : ضعيف ، حدّث عنه أهل بغداد. سمعت الحسن بن محمد الزعفراني يحدث عنه عن الشعبي وغيره ، لم يحدّث عنه أحد من أصحابنا بالبصرة ، لا بندار ولا ابن المثنى.

وقد أورده الذهبي في ميزانه مقتصرا على تضعيف الساجي (١).

والراوي عن شعبة عند البخاري « محمد بن جعفر ـ غندر » وقد أدرجه ابن حجر فيمن تكلم فيه بمناسبة قول أبي حاتم : « يكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتج به » (٢) ، وبهذه المناسبة أيضا أورده الذهبي ميزانه (٣).

والراوي عنه : « محمد بن بشار » وهو أيضا ممن تكلم فيه غير واحد من أئمتهم ، وأدرجه ابن حجر فيمن تكلم فيه فذكر تضعيف الفلاس ، وأن يحيى بن معين كان يستضعفه ، وعن أبي داود : لولا سلامة فيه لترك حديثه (٤).

لكن في ميزان الاعتدال : « كذبه الفلاس » وروى عن الدورقي : « كنا عند يحيى بن معين فجرى ذكر بندار ، فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه » قال : « ورأيت القواريري لا يرضاه » « وكان صاحب حمام » (٥).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٤ | ٣٨٧.

(٢) مقدمة فتح الباري : ٤٣٧.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ | ٥٠٢.

(٤) مقدمة فتح الباري : ٤٣٧.

(٥) ميزان الاعتدال ٣ | ٤٩٠.

٢٩٩

أقول :

لقد كان هذا حال عمدة أسانيد حديث طاووس عن ابن عباس ، والإنصاف أنه لا يصلح للاحتجاج فضلا عن المعارضة ، على أن كلام الحاكم في كتاب التفسير صريح في رواية البخاري ومسلم هذا الحديث عن طريق طاووس عن ابن عباس باللفظ الدال على القول الحق ، وهذا نص كلامه : « إنما اتفقا في تفسير هذه الآية على حديث عبد الملك بن ميسرة الزراد عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه في قربى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وأرسل ذلك أبو حيان عن ابن عباس إرسال المسلم ، فإنه بعد أن ذكر القول الحق قال : « وقال بهذا المعنى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيرا ، وهو قول ابن جبير والسدي وعمرو بن شعيب. وعلى هذا التأويل قال ابن عباس : قيل : يا رسول الله ، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال : علي وفاطمة وابناهما » (١).

والجهة الثانية : جهة فقه الحديث :

وفيه :

أولا : إن من غير المعقول أن يخاطب الله ورسوله المشركين بطلب

__________________

(١) البحر المحيط ٧ | ٥١٦.

٣٠٠