تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

جبير ، عن ابن عباس ... وهذا إسناد ضعيف ، فيه مبهم لا يعرف ، عن شيح شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر ».

وتبعه القسطلاني بقوله : « وأما حديث ابن عباس أيضا عند ابن أبي حاتم ، قال : لما نزلت هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال : فاطمة وولدها عليهم‌السلام. فقال ابن كثير إسناده ضعيف ، فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر » (١).

وقال الهيثمي : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة وبقية رجاله ثقات ».

أقول :

فالأخبار الدالة على القول الحق ، المروية في كتب القوم ، منقسمة بحسب آرائهم في رجالها إلى ثلاثة أقسام :

١ ـ ما اتفقوا على القول بصحته ؛ وهو حديث طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

٢ ـ ما ذكروه وسكتوا عن التكلم في سنده ولم يتفوهوا حوله ببنت شفة! بل منه ما لم يجدوا بدا من الاعتراف باعتباره ، كأخبار قول النبي لمن سأله عما يطلب في قبال دعوته ، وخطبة الإمام الحسن عليه‌السلام بعد وفاة أبيه ،

__________________

(١) إرشاد الساري : ٧ | ٣٣١.

٢٦١

وكلام الإمام السجاد في الشام ، ونحو ذلك.

٣ ـ ما رووه وتكلموا في سنده.

أما الأول فلنا كلام حوله ، وسيأتي في أول الفصل الرابع.

وأما القسم الثاني ، فلا حاجة إلى بيان صحة بعد أن أقر القوم بذلك.

وأما القسم الثالث ، فهو المقصود بالبحث هنا.

ولنفصل الكلام في تراجم من ضعفوه من رجال أسانيد هذه الأخبار ، ليتبين أن جميع ما ذكروه ساقط مردود! على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل منهم :

١ ـ ترجمة يزيد بن أبي زياد :

وهو : القرشي الهاشمي الكوفي ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل.

هو من رجال الكتب الستة ، قال المزي : « قال البخاري في اللباس من صحيحه عقيب حديث عاصم بن كليب عن أبي بردة : قلنا لعلي : ما القسية؟ وقال جرير عن يزيد في حديثه : القسية ثياب مضلعة ... الحديث.

وروى له في كتاب رفع اليدين في الصلاة. وفي الأدب. وروى له مسلم مقرونا بغيره ، واحتج به الباقون » (١).

وروى عنه جماعة كبيرة من أعلام الأئمة كسفيان الثوري ، وسفيان عيينة ، وشريك بن عبدالله ، وشعبة بن الحجاج ، وعبدالله بن نمير ،

__________________

(١) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٣٢ | ١٤٠.

٢٦٢

وأمثالهم (١).

قال الذهبي : حدّث عنه شعبة مع براعته في نقد الرجال (٢).

أقول :

يكفي في جواز الاعتماد عليه وصحة الاحتجاج به رواية أصحاب الكتب الستة وكبار الأئمة عنه.

مضافا إلى قول مسلم في مقدمة كتابه : « فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم » (٣).

وقد وثّقه عدة من الأئمة أيضا :

قال ابن سعد : كان ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب.

وقال ابن شاهين ـ في الثقات ـ : قال أحمد بن صالح المصري : يزيد ابن أبي زياد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه.

وقال ابن حبان : كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير ، وكان يلقن ما لقّن فوقعت المناكير في حديثه.

وقال الآجري عن أبي داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وغيره أحب إليّ منه.

__________________

(١) تهذيب الكمال ٣٢ | ١٣٧ ، سير أعلام النبلاء ٦ | ١٢٩ ، تهذيب التهذيب ١١ | ٢٨٧ رقم ٥٣١.

(٢) سير أعلام النبلاء ٦ | ١٣٠.

(٣) صحيح مسلم ١ | ٥ ـ ٦.

٢٦٣

وقال يعقوب بن سفيان : ويزيد وإن كانوا يتكلمون فيه لتغيره فهو على العدالة الوثقة وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور (١).

ثم إنا نظرنا في كلمات القادحين ـ بالرغم من كون الرجل من رجال الكتب الستة ، إذ احتج به الأربعة وروى له الشيخان ـ فوجدنا أول شيء يقولونه :

كان من أئمة الشيعة الكبار (٢).

فسألنا : ما المراد من « الشيعة »؟ ومن أين عرف كونه « من أئمة الشيعة الكبار »؟

فجاء الجواب : تدل على ذلك أحاديث رواها ، موضوعة (٣).

فنظرنا فإذا به يروي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن أبي برزة ، قال : « تغنّى معاوية وعمرو بن العاص ، فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ، ودعهما في النار دعّا » (٤).

فهذا الحديث موضوع (٥) أو غريب منكر (٦) لأنه ذم لمعاوية رأس

__________________

(١) هذه الكلمات بترجمته من تهذيب التهذيب ٦ | ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، وغيره.

(٢) الكامل ـ لابن عدي ـ ٧ | ٢٧٢٩ ، تهذيب الكمال ٣٢ | ١٣٨ ، تهذيب التهذيب ١١ | ٢٨٨.

(٣) تهذيب الكمال ٣٢ | ١٣٨. الهامش.

(٤) أخرجه أحمد في المسند ٤ | ٤٢١ ، والطبراني والبزار كما في مجمع الزوائد ٨ | ١٢١.

(٥) الموضوعات لابن الجوزي ، لكن لا يخفى أنه لم يطعن في الحديث إلا من جهة « يزيد » ولم يقل فيه إلا « كان يلقّن بأخرة فيتلقّن » ، ولذا تعقّبه السيوطي بما سنذكره.

(٦) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٤ | ٤٢٤.

٢٦٤

الفئة الباغية وعمرو بن العاص رأس النفاق!! فيكون راوهي « من أئمة الشيعة الكبار »!!

لكن يبدو أنهم ما اكتفوا ـ في مقام الدفاع عن معاوية وعمرو ـ برمي الحديث بالوضع وراويه بالتشيع ، فالتجأوا إلى تحريف لفظ الحديث ، ووضع كلمة « فلان وفلان » في موضع الاسمين ، ففي المسند :

« حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد ـ وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ـ ، ثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في سفر ، فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :

لا يزال جوادي تلوح عظامه

ذوي الحرب عنه أن يجن فيقبرا

فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : انظروا من هما؟ قال : فقالوا : فلان وفلان!!

قال : فقال النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : اللهم اركسهما ركسا ، ودعهما إلى النار دعا ».

وكأن هذا المقدار لم يشف غليل القوم ، أو كان هذا التحريف لأجل الإبهام ، فيكون مقدمة ليأتي آخر فيزيله ويضع « معاوية » و « عمرا » آخرين!! بخبر مختلق :

قال السيوطي ـ بعد أن أورد الحديث عن أبي يعلى وتعقب ابن الجوزي بقوله : هذا لا يقتضي الوضع ، والحديث أخرجه أحمد في مسنده :

٢٦٥

حدثنا ... وله شاهد من حديث ابن عباس : قال الطبراني في الكبير ... ـ : « وقال ابن قانع في معجمه : حدثنا محمد بن عبدوس كامل ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا سعيد أبو العباس التيمي ، حدثنا سيف بن عمر ، حدثني أبو عمر مولى إبراهيم بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن صالح ، عن شقران ، قال : بينما نحن ليلة في سفر ، إذا سمع النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم صوتا فقال : ما هذا؟! فذهبت أنظر ، فإذا هو معاوية بن رافع ، وعمرو بن رفاعة بن تابوت يقول :

لا يزال جوادي تلوح عظامه

ذوى الحرب عنه أن يموت فيقبرا

فأتيت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأخبرته فقال : اللهم اركسهما ودعهما إلى نار جهنم دعا. فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من السفر ».

قال السيوطي : « وهذه الرواية أزالت الإشكال وبيّنت أن الوهم وقع في الحديث الأول ، في لفظة واحدة وهي قوله : ابن العاص ، وإنما هو ابن رفاعة أحد المنافقين ، وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين ، والله أعلم » (١).

بل السيوطي نفسه أيضا يعلم واقع الحال وحقيقة الأمر ، وإلا فما أجهله!!

أما أولا : فلم يكن في الحديث الأول الإشكال أو وهم حتى يزال!! غاية ما هناك أن في « المسند » لفظ « فلان وفلان » بدل « معاوية وعمرو » والسيوطي يعلم ـ كغيره ـ أنه تحريف ، إن لم يكن عن عمد فعن سهو!!

__________________

(١) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ | ٤٢٧.

٢٦٦

على أنه لم يوافق ابن الجوزي في الطعن في الحديث ، بل ذكر له ما يشهد له بالصحة.

وأما ثانيا : فلو سلمنا وجود إبهام وإشكال في الحديث الأول ، فهل عمر » ... ولنلق نظرة سريعة في ترجمته (١).

قال ابن معين : ضعيف الحديث.

وقال ابو حاتم : متروك الحديث.

وقال أبو داود : ليس بشيء.

وقال النسائي : ضعيف.

وقال الدارقطني : ضعيف.

وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها.

وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الاثبات. قالوا : كان يضع الحديث ، اتهم بالزندقة.

وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك.

وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.

والعجيب أن السيوطي نفسه يرد أحاديثه قائلا : « إنه وضّاع » (٢)!

أقول :

فلينظر الباحث المنصف كيف يردون حديثا ـ يروونه عن رجل

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ | ٢٥٩.

(٢) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ | ١٩٩.

٢٦٧

اعتمد عليه أباب الصحاح الستة ـ لكونه في ذم ابن هند وابنا النابغة ، وهم شيعة لهما ... ويقابلونه بحديث يرويه رجل اتفقوا على سقوطه واتهموه بالوضع والزندقة!!

فلينظر! كيف يتلاعبون بالدين وسنة رسول رب العالمين!!

ولا يتوهّمنّ أن هذه طريقتهم في أبواب المناقب والمثالب فحسب ، بل هي في الأصولين والفقه أيضا!!

فلنرجع إلى ما كنا بصدده ، ونقول :

إن « يزيد بن أبي زياد » ثقة ، ومن رجال الكتب الستة ، ولا عيب فيه إلا روايته بعض مثالب أئمة القوم!! ولذا جعلوه « من أئمة الشيعة الكبار »!!

على أن كون الراوي شيعيا ، بل رافضيا ـ حسب اصطلاحهم ـ لا يضر بوثاقته كما قرروا في محله وبنوا عليه في مواضع كثيرة (١).

٢ ـ ترجمة حسين الأشقر :

وقد ترجمنا لأبي عبدالله الحسين بن حسن الاشقر الفزاري الكوفي ، في مبحث آية التطهير ، وقلنا هناك بأنه من رجال النسائي في ( صحيحه ) وأنهم قد ذكروا أنّ للنسائي شرطا في صحيحه أشد من شرط الشيخين (٢).

وأنه روى عنه كبار الأئمة الأعلام : كأحمد بن حنبل ، وابن معين ،

__________________

(١) مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري : ٣٩٨.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ | ٧٠٠.

٢٦٨

والفلاس ، وابن سعد ، وأمثالهم (١).

وقد حكى الحافظ ابن حجر بترجمته عن العقيلي ، عن أحمد بن محمد بن هانئ ، قال : قلت : لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تحدث عن حسين الأشقر؟ قال : لم يكن عندي ممن يكذب.

وذكر عنه التشيع فقال له العباس بن عبد العظيم : إنه يحدث في أبي بكر وعمر ، وقلت أنا : يا أبا عبد الله ، إنه صنف بابا في معايبهما! فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه (٢).

وهذا هو السبب في تضعيف غير أحمد.

وعن الجوزجاني : غال من الشتامين للخيرة (٢).

ولذا يقولون : « له مناكير » وأمثال هذه الكلمة ، مما يدل على طعنهم في أحاديث الرجل في فضل عليّ أو الحط من مناوئيه ، وليس لهم طعن في الرجل نفسه ، ولذا قال يحيى بن معين :

كان من الشيعة الغالية ، فقيل له : فكيف حديثه؟! قال : لا بأس به. قيل : صدوق؟ قال : نعم ، كتبت عنه (٤).

هذا : ، فالرجل ثقة وصدوق عند : أحمد ، والنسائي ، ويحيى بن معين ، وابن حبّان ... وإنما ذنبه الوحيد هو « التشيع » وقد نصوا على أنه غير مضر.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١.

(٢) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٤) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

٢٦٩

أقول :

لكن المهم ـ هنا ـ أنه « صدوق » عند الحافظ ابن حجر أيضا ، فقد قال : « الحسين بن حسن الأشقر ، الفزاري ، الكوفي ، صدوق ، يهم ويغلو في التشيع ، من العاشرة ، مات سنة ٢٠٨. س » (١).

وإنما أعدنا ترجمة الرجل هنا لنؤكد على أن ابن حجر قد ناقض نفسه مرتين :

١ ـ في تضعيفه الرجل في « تخريج أحاديث الكشاف » مع وصفه بـ « الصدق » في « تقريب التهذيب »!

٢ ـ في طعنه في الرجل بسبب التشيع أو الرفض ـ حسب تعبيره ـ مع أنه نص في « مقدمة فتح الباري » على أن الرفض ـ فضلا عن التشيع ـ غير مضر.

وبذلك يسقط طعنه في حديثنا ، وكذا طعن غيره تبعا له.

تنبيه :

قد اختلف طعن الطاعنين في رواية الأئمة : الطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه : عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ...

فالسيوطي لم يقل إلا « بسند ضعيف » وتبعه الآلوسي.

____________

(١) تقريب التهذيب ١ | ١٧٥.

٢٧٠

وابن حجر قال في « تخريج أحاديث الكشاف » : « وحسين ضعيف ساقط » فلا كلام له في غيره ، لكن في « فتح الباري » : « إسناده واه ، فيه ضعيف ورافضي ».

وابن كثير ـ وتبعه القسطلاني ـ قال عن حسين الأشقر : « شيخ شيعي محترق » وأضاف ـ خصوص إسناد ابن أبي حاتم لقوله : حدثنا رجل سماه ـ : « فيه مبهم لا يعرف ».

والهيثمي أفرط فقال : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع. وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات ».

وبما ذكرنا ـ في ترجمة الأشقر ـ يسقط كلام السيوطي والآلوسي ، وكذا كلام ابن كثير في « الأشقر » أما قوله : « فيه مبهم لا يعرف » فيرده أنه إن كان هو « حرب بن الحسن الطحان » فهو ، وإن كان غيره فالإشكال مرتفع بمتابعته.

وكذا يسقط كلام ابن حجر في « تخريج أحاديث الكشاف ».

أما كلامه في « فتح الباري » فيمكن أن يكون ناظرا إلى « الأشقر » فقط ، بأن يكون وصفه بالرفض وضعفه من أجل ذلك ، ويمكن أن يكون مراده من « ضعيف » غير الأشقر الذي وصفه بالرفض ... وهذا هو الأظهر ، ومراده ـ على الظاهر ـ هو « قيس بن الربيع » الذي زعم غيره ضعفه ، فلنترجم له :

٣ ـ ترجمة قيس بن الربيع :

وهو : قيس بن الربيع الأسدي ، أبو محمد الكوفي :

٢٧١

من رجال : أبي داود والترمذي ، وابن ماجة (١).

روى عنه جماعة كبيره من الأئمة في الصحاح وغيرها ، كسفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، وعبد الرزاق بن همام ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وأبي داود الطيالسي ، ومعاذ بن معاذ ، وغيرهم (٢).

وهذه بعض الكلمات في توثيقه ومدحه والثناء عليه باختصار :

قال : أبو داود الطيالسي عن شعبة : سمعت أبا حصين يثني على قيس ابن الربيع.

قال : قال لنا شعبة : أدركوا قيسا قبل أن يموت!

قال عفان : قلت ليحيى بن سعد : أفتتهمه بكذب؟! قال : لا.

قال عفان : كان قيس ثقة ، يوثقه الثوري وشعبة.

قال حاتم بن الليث ، عن أبي الوليد الطيالسي : كان قيس بن الربيع ثقة حسن الحديث.

قال أحمد بن صالح : قلت لأبي نعيم : في نفسك من قيس بن الربيع شيء؟ قال : لا.

قال عمرو بن علي : سمعت معاذ بن معاذ يحسن الثناء على قيس.

وقال يعقوب بن شيبة السدوسي : وقيس بن الربيع عند حميع أصحابنا صدوق ، وكتابه صالح ، وهو رديء الحفظ جدا مضطربه ، كثير الخطأ ، ضعيف في روايته.

وقال ابن عدي : عامة رواياته مستقيمة ، والقول فيه ما قال شعبة.

هذا ، وقد أخذ عليه أمور :

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٤ | ٢٥ ، تهذيب التهذيب ٨ | ٣٥٠ ، وغيرهما.

(٢) تهذيب الكمال ٢٤ | ٢٧.

٢٧٢

أحدها : إنه ولي المدائن من قبل المنصور ، فأساء إلى الناس فنفروا عنه.

والثاني : التشيع ، نقله الذهبي عن أحمد (١).

والثالث : وجود أحاديث منكرة عنده. قال حرب بن إسماعيل : قلت لأحمد بن حنبل : قيس بن الربيع أي شيء ضعفه؟ قال : روى أحاديث منكرة.

لكن قالوا : هذه الأحاديث أدخلها عليه ابنه لما كبر فحدث بها (٢).

ولكونه صدوقا في نفسه ، ثقة ، وإن هذه الروايات مدخولة عليه وليست منه ، قال الذهبي : « صدوق في نفسه ، سيّئ الحفظ » (٣).

وقال الحافظ ابن حجر : « صدوق ، تغير لما كبر ، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث بها » (٤).

فإن كان يقصد في « مقدمة فتح الباري » تضعيف هذا الرجل فقد ناقض نفسه كذلك ...

٤ ـ ترجمة حرب بن حسن الطحان :

هذا الرجل لم يتعرض له بالتضعيف ، ولم ينقل كلاما فيه إلا الهيثمي ، ولكنه مع ذلك نص على أنه « وُثّق » ولم يذكر المضعف ولا وجه التضعيف.

__________________

(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ | ٣٩٣.

(٢) تاريخ بغداد ١٢ | ٤٥٦ ـ ٤٦٢ ، تهذيب الكمال ٢٤ | ٢٥ ـ ٣٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ | ٤١ ـ ٤٤ ، تهذيب التهذيب ٨ | ٣٥٠ ـ ٣٥٣.

(٣) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ | ٣٩٣.

(٤) تقريب التهذيب ٢ | ١٢٨.

٢٧٣

وقال ابن أبي حاتم : « سألت أبي عنه فقال : شيخ » (١).

وقال ابن حجر : « حرب الحسن الطحان. ليس حديثه بذاك. قاله لأزدي. انتهى.

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال ابن النجاشي : عامي الرواية. أي شيعي قريب الأمر. له كتاب.

روى عنه : يحيى بن زكريا اللؤلؤي » (٢).

أقول :

لكن لا يلتفت إلى قول الأزدي ، كما نص عليه الذهبي ، حيث قال : « لا يلتفت إلى قول الأزدي ، فإن في لسانه في الجرح رهقا » (٣).

تتمة :

فيها مطلبان :

الأول : قال الذهبي معقبا ـ على حديث خطبة الإمام الحسن عليه‌السلام ، الذي أخرجه الحاكم عن أبناء أئمة أهل البيت والذرية الطاهرة ـ : « ليس بصحيح »! (٤).

ولما كان هذا القدح مجملا ومبهما ، فإنه لا يعبأ به ... وأظن أنه من جهة المتن والمعنى لا السند ، وعذر الذهبي في قدحه في مناقب آل البيت

__________________

(١) الجرح والتعديل ٣ | ٢٥٢.

(٢) لسان الميزان ٢ | ١٨٤.

(٣) ميزان الاعتدال ١ | ٦١.

(٤) تلخيص المستدرك ٣ | ١٧٢.

٢٧٤

عليهم‌السلام معلوم!!

والثاني : قال ابن عساكر ـ بعد أن أخرج من طريق الطبراني حديث أبي أمامة الباهلي ـ : « هذا حديث منكر ، وقد وقع إليّ جزء ابن عباد بعلو وليس هذا الحديث فيه » (١).

وهذا الحديث بهذا اللفظ رواه عن طريق الطبراني الحافظ أبو عبد الله الكنجي ، وقال : « هذا حديث حسن عال ، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء ، ورواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى » (٢) والحافظ ابن حجر (٣). ورواه لا عن طريق الطبراني : الحاكم الحسكاني النيسابوري (٤).

أما عدم وجوده في الجزء الذي وقع إلى ابن عساكر من حديث طالوت بن عباد فغير مضر كما هو واضح.

وأما نكارة الحديث ففي أي فقرة منه؟! أفي حديث الشجرة؟! أو في قوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : « لو أن عبدا ... »؟! أو في تلاوة آية المودة في هذا الموضع؟!

أما حديث الشجرة فقد رواه من أئمة الحديث كثيرون (٥)وإليه أشار أمير المؤمنين (٦) ولم يقل أحد بنكارته.

وأما تلاوته الآية هنا ، فقد عرفت أنها نازلة في علي وفاطمة

__________________

(١) تاريخ دمشق ، ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ١ | ١٣٣.

(٢) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٣١٧.

(٣) لسان الميزان ٤ | ٤٣٤.

(٤) شواهد التنزيل ٢ | ١٤١.

(٥) راجع الجزء الخامس من كتابنا الكبير « نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار » ففيه روايات أنهما مخلوقان من نور واحد ، ومن شجرة واحدة.

(٦) نهج البلاغة : ١٦٢.

٢٧٥

وابنيهما.

بقي قوله : « ولو أن عبدا ... » وأظنه يريد هذا ، وهو كلام جليل ، ومعناه دقيق ، وخلاصة بيانه أن الحب هو وسيلة الاتباع والقرب ، والعمل بلا درك حب النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مقرب إلىالله سبحانه وتعالى ، وكل عمل لا تقرب فيه إليه فهو باطل ، وصاحبه نم أهل النار وبئس القرار.

هذا إذا أخذنا الكلام على ظاهره.

وأما إذا كان كناية عن البغض ، فالأمر أوضح ، لأن بغض النبي وأهل بيته مبعد عن الله عز وجل ، ولا ينفع معه عمل ...

اللهم اجعلنا من المحبين للنبي وآله ، ومن المتقربين بهم إليك.

* * *

٢٧٦

الفصل الثالث

في دفع شبهات المخالفين

وإذا ثبتت صحة الأحاديث الدالة على نزول الآية المباركة في « أهل البيت » حتى التي تكلم في أسانيدها ، بعد بيان سقوط ما تذرعوا به ، تندفع جميع الشبهات التي يطرحونها حول ذلك.

ولكنا مع ذلك نذكر ما قالوه في هذا الباب ، ونجيب عنه بالأدلة والشواهد القويمة ، ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ).

ولعل أشد القوم مخالفة في المقام هو ابن تيمية في « منهاج السنة » فلنقدم كلماته :

* يقول ابن تيمية : « ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير : أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قال : فقلت : إلا أن تودوا قربى محمد. فقال ابن عباس : عجلت! إنه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله منهم قرابة فقال : قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا أن تؤدوني في القرابة التي بيني وبينكم.

فابن عباس كان من كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القران ، وهذا تفسيره الثابت عنه.

ويدل على ذلك أنه لم يقل : إلا المودة لذوي القربى ، ولكن قال : إلا المودة في القربى. ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال : ( واعلموا أنما

٢٧٧

غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ). ولا يقال : المودة في ذوي القربى ، وإنما يقال : المودة لذوي القربى ، فكيف وقد قال ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )؟!

ويبين ذلك : إن الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لا يسأل أجرا أصلا ، إنما أجره على الله ، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلة أخرى غير هذه الآية وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي في شيء.

وأيضا ، فإن هذه الآية مكية ، ولم يكن علي قد تزوج بفاطمة ، ولا ولد له أولاد » (١).

* وقال ابن تيمية :

« وأما قوله : وأنزل الله فيهم ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) فهذا كذب ظاهر ، فإن هذه الآية في سورة الشورى ، وسورة الشورى مكية بلا ريب ، نزلت قبل أن يتزوج عليّ بفاطمة ...

وقد تقدم الكلام على الآية وأن المراد بها ما بيّنه ابن عباس ... رواه البخاري وغيره.

وقد ذكر طائفة المصنفين من أهل السنة والجماعة والشيعة ، من أصحاب أحمد وغيرهم ، حديثا عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن هذه الآية لما نزلت قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء؟ قال : علي وفاطمة وابناهما.

وهذا كذب باتفاق أهل المعرفة »! (٢).

__________________

(١) منهاج السنة ٤ | ٢٥ ـ ٢٧.

(٢) منهاج السنة ٤ | ٥٦٢ ـ ٥٦٣.

٢٧٨

* وكرر ابن تيمية :

تكذيب الحديث المذكور ..

وأن الآية في سورة الشورى هي مكية ، وأن عليا إنما تزوج فاطمة بالمدينة ..

وأن التفسير الذي في الصحيحين يناقض ذلك الحديث ، قال : سئل ابن عباس ..

وأنه قال : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ولم يقل : إلا المودة للقربى ، ولا المودة لذوي القربى كما قال : ( واعلموا ) ..

وأن النبي لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجرا البتة ، بل أجره على الله ..

وأن القربى معرّفه باللام ، فلاب د أن تكون معروفة عند المخاطبين ، وقد ذكرنا أنها لما نزلت لم يكن قد خلق الحسن ولا الحسين ، ولا تزوج علي بفاطمة ، فالقربى التي بينه وبينهم ، فإنها معروفة عندهم (١).

* ولم يذكر ابن حجر العسقلاني في ( تخريج الكشفا ) إلا « المعارضة » قال : « وقد عارضه ما هو أولى منه ، ففي البخاري ... » (٢) وكذا في « فتح الباري » وأضاف : « يؤيد ذلك أن السورة مكية » (٣).

* وقال ابن كثير : « وذكر نزول الآية في المدينة بعيد ، فإنها مكية ،

__________________

(١) منهاج السنة ٧ | ٩٥ ـ ١٠٣.

(٢) الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ـ مع الكشاف ـ ٤ | ٢٢٠.

(٣) فتح الباري في شرح البخاري ٨ | ٤٥٨.

٢٧٩

ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية ، فإنها لم تتزوج بعلي ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة. والحق تفسير هذه الآية بما فسّرها حبر الأمة ... » (١).

* وقال القسطلاني : « والآية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية ، فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية منالهجرة. وتفسير الآية بما فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس أحق وأولى » (٢).

* والشوكاني اقتصر على المعارضة وترجيح الحديث عن طاووس عن ابن عباس (٣).

* وابن روزبهان ما قال إلا : « ظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم » (٤).

* وقال عبد العزيز الدهولي ما حاصله :

« إنه وإن أخرج أحمد والطبراني ذلك عن ابن عباس ، لكن جمهور المحدثين يضعفونه ، لكون سورة الشورى بتمامها مكية ، وما خلق الحسن والحسين حينئذاك ، لو يتزوج علي بعد بفاطمة ... والحديث في طريقه بعض الشيعة الغلاة ، وقد وصفه المحدثون بالصدق ، والظن الغالب أنه لم يكذب وإنما نقل الحديث بالمعنى. إذ كان لفظه « أهل بيتي » فخصهم الشيعي بالأربعة ...

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٤ | ١٠١.

(٢) إرشاد الساري في شرح البخاري ٧ | ٣٣١.

(٣) فتح القدير ٤ | ٥٣٧.

(٤) إبطال الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحق ـ ٣ | ٢٠.

٢٨٠