تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

ذكروا أن للنسائي شرطا في صحيحه أشد من شرط الشيخين (١) .. وقد روى عنه كبار الأئمة الأعلام : كأحمد بن حنبل ، وابن معين ، والفلاس ، وابن سعد ، وأمثالهم (٢).

وقد حكى الحافظ بترجمته ، عن العقيلي ، عن أحمد بن محمد بن هانئ ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ يعني ابن حنبل ـ تحدث عن حسين الأشقر؟! قال : لم يكن عندي ممن يكذب.

وذكر عنه التشيع فقال له العباس بن عبد العظيم : انه يحدث في أبي بكر وعمر. وقلت أنا : يا أبا عبد الله! إنه صنف بابا في معايبهما. فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه » (٣).

وكأنّ هذا هو السبب في تضعيف غير أحمد ، وعن الجوزجاني : غال ، من الشتامين للخِيَرة (٤). ولذا يقولون : له مناكير ، وأمثال هذه الكلمة مما يدل على طعنهم في أحاديث الرجل في فضل علي أو الحط من مناوئيه ، وليس لهم طعن في الرجل نفسه ، ولذا قال ابن معين : كان من الشيعة الغالية. فقيل له : فكيف حديثه؟! قال لا بأس به. قيل : صدوق؟ قال : نعم ، كتبت عنه (٥).

ومن هنا قال الحافظ : « الحسين بن حسن الأشقر ، الفزاري ، الكوفي صدوق ، يهم ويغلو في التشيع ، من العاشرة ، مات سنة ٢٠٨ ، س » (٦).

وأما أبو بكر .. فلم يكن من السابقين الأولين :

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٢ | ٧٠٠.

(٢) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٤) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٥) تهذيب التهذيب ٢ | ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٣) تقريب التهذيب ١ | ١٧٥.

٢٢١

قال أبو جعفر الطبري : « وقال آخرون : أسلم قبل أبي بكر جماعة. ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا كنانة بن جبلة ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن الحجاج بن الحجاج ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن محمد بن سعد ، قال : قلت لأبي :

أكان أبوبكر أولكم إسلاما؟

فقال : لا ؛ ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ؛ ولكن كان أفضلنا إسلاما » (١).

تناقض ابن تيمية :

ثم إن ابن تيمية تعرض لآية التطهير في موضع آخر ، ولكنه هذه المرة لم ينص على صحة الحديث! ولم يعترف بمفاده! بل ادعى كون الأزواج من أهل البيت! وهو القول الثالث الذي نسبه ابن الجوزي إلى الضحاك بن مزاحم ، وهذه هي عبارته.

« وأما آية الطهارة فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم ، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الجس عنهم ، فإن قوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) وقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ) وقوله : ( يريد ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) (٢).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ | ٣١٦ تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم.

٢٢٢

فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا ، وليست هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد ، فإنه لو كان كذلك لكان قد طهر كل من أراد طهارته. وهذا على قول هؤلاء القدرية الشيعة أوجه ، فإن عندهم أن الله يريد ما لا يكون! ويكون ما لا يريد!

فقوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) إذا كان هذا بفعل المأمور وترك المحظور كان ذلك متعلقا بإرادتهم وأفعالهم ، فإن فعلوا ما أمروا به طهروا وإلا فلا.

وهم يقولون : إن الله لا يخلق أفعالهم ولا يقدر على تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم ، وإما المثبتون للقدر فيقولون : إن الله قادر على ذلك ، فإذا أهلمهم فعل ما أمر وترك ما حظر حصلت الطهارة وذهاب الرجس.

ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبروا بوقوعه : ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أدار الكساء على علي وفاطمة وحسن وحسين ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه عن عائشة ، ورواه أهل السنن عن أم سلمة.

وهو يدل على ضد قول الرافضة من وجهين :

أحدهما : أنه دعا لهم بذلك. وهذا دليل على أن الآية لم تخبر بوقوع ذلك ، فإنه لو كان قد وقع لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك ، ولا يقتصر على مجرد الدعاء به.

الثاني : إن هذا يدل على أن الله قادر على إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ، وذلك يدل على أنه خالق أفعال العباد.

ومما يبين أن الآية متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام : ( يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة ... إنما يريد الله ليذهب ...

٢٢٣

واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ).

وهذا السياق يدل على أن ذلك أمر ونهي.

ويدل على أن أزواج النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من أهل بيته ، فإن السياق إنما هو في مخاطبتهن.

ويدل على أن قوله ( ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) عم غير أزواجه ، كعلي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، لأنه ذكره بصيغة التذكير لما اجتمع المذر والمؤنث. وهؤلاء خصوا بكونهم من أهل البيت من أزواجه ، فلهذا خصهم بالدعاء لما أدخلهم في الكساء ، كما أن مسجد قباء أسس على التقوى ، ومسجده صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أيضا أسس على التقوى وهو أكمل في ذلك. فلما نزل قوله تعالى : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ... ) (١) بسبب مسجد قباء تناول اللفظ لمسجد قباء ولمسجده بطريق الأولى.

وقد تنازع العلماء : هل أزواجه من آله؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد ، أصحهما أنهن من آله وأهل بيته ، كما دل على ذلك ما في الصحيحين من قوله : اللهم صلى على محمد وعلى أزواجه وذريته. وهذا مبسوط في موضع آخر » (٢).

أقول :

لقد حاول ابن تيمية التهرب من الالتزام بمفاد الآية المباركة والسنة

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠٨.

(٢) منهاج السنّة ٤ | ٢١ ـ ٢٤.

٢٢٤

النبوية الثابتة الصحيحة الواردة بشأنها ـ كما اعترف هو أيضا ـ بشبها واهية وكلمات متهافتة ، ومن راجع كتب الأصحاب في بيان الاستدلال بالآية المباركة ـ على ضوء السنة المتفق عليها ـ عرف موارد النظر ومواضع التعصب في كلامه ...

وقد ذكرنا نحن أيضا طائفة من الأحاديث المشتملة على وقوع إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم عنه من الله سبحانه بإرادته التكوينية غير المنافية لمذهب أهل البيت في مسألة الجبر والاختيار.

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عيّن المراد من « أهل البيت » عليهم‌السلام في الآية المباركة بعد نزول الآية المباركة ، ودعا لهم أيضا ولا ريب في أن دعاءه مستجاب.

كما علمنا من الخصوصيات الموجودة في نفس الآية ، ومن الأحاديث الصحيحية الواردة في معناها أن الآية خاصة بأهل البيت ت وهذا ما اعترف به جماعة من أئمة الحديث كالطحاوي وابن حبان تبعا لأزواج النبي وأعلام الصحابة ـ وأنها نازلة في قضية خاصة ، غير أنها وضعت ضمن آيات نساء النبي ، وكم له من نظير ، حيث وضعت الآية المكية ضمن آيات مدنية أو المدنية ضمن آيات مكية.

وقد دلت الآية المباركة والأحاديث المذكورة وغيرها على أن عنوان « أهل البيت » ـ أي : أهل بيت النبي ـ لا يعم أزواجه ، بل لا يعم أحدا من عشيرته وأسرته إلا بقرينة.

هذا ، وفي صحيح مسلم في ذيل حديث الثقلين عن زيد بن أرقم ، أنه سئل : هل نساؤه من أهل بيته؟ قال : « لا وأيم الله ، إن المرأة لا تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ».

وهذا هو الذي دلت عليه الأحاديث.

٢٢٥

وأما ما رووه عنه من أن : « أهل بيته من حرم الصدقة من بعده » فيرد تطبيقه على ما نحن فيه الأحاديث المتواترة المذكور بعضها ، ومن الواضح عدم جواز رفع اليد عن مفادها بقول زيد هذا.

* * *

٢٢٦

خلاصة البحث

وتلخص : أن الآية المباركة لم تنزل إلا في العترة الطاهرة ، وهذا ما أشار إليه السيد ـ رحمه‌الله ـ بقوله : « هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم؟! وهل لأحد من العالمين كآية تطهيرهم؟! ».

فقيل :

« هذه الآية لم تنزل في آل البيت ـ كما يفهم المؤلف ـ بل نزلت في نساء النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، وإن كان معناها متضمنا لآل البيت بالمفهوم الضيق الذي يفهمه الشيعة ، وهم أبناء علي وفاطمة.

وليس فيها غخبار بذهاب الرجس وبالطهارة ، وإنمافيها الأمر بما يوجب طهارتهم وذهاب الجس عنهم ، وذلك كقوله تعالى ( المائدة : ٦ ) : ٢ ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ) وكقوله تعالى : ( النساء : ٢٦ ) : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم ) وكقوله ( النساء : ٢٨ ) : ( يريد الله أن يخفف عنكم )...

ومما يبين أن ذلك مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه : إن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أدار الكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. رواه مسلم من حديث عائشة ، ورواه أصحاب السنن من حديث أم سلمة. وفيه دليل على أنه تعالى قادر على إذهاب الرحس والتطهير.

ومما يبين أن الآية متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام

٢٢٧

( الأحزاب : ٣٠ ـ ٣٠ ) (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ) إلى قوله : ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى والأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن ... ).

فهذا السياق يدل على أن ذلك أمر ونهي ، وأن الزوجات من أهل البيت ، فغن السياق إنما هو في مخاطبتهن. ويدل الضمير المذكر على أنه عم غير زوجاته كعلي وفاطمة وابنيهما ، كما أن مسجد قبل أسس على التقوى ، ومسجده أيضا أسس على التقوى وهو أكمل في ذلك ، فلما نزلت ( التوبة : ١٠٨ ) : ( ليس أسس على التقوى ) تناول اللفظ مسجد قبل ولمسجده بطريق الأولى.

وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن أسلم (١) : ( ... وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي. ثلاثا ).

فقال الحصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟!

قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

قال : ومن هم؟

قال : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس.

قال : كل هؤلاء حرم الصدقة؟!

قال : نعم. ( مسلم ٧ | ١٢٢ ـ ١٢٣ ).

وفي الصحيحين : اللهم صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذرّيّته. ( المنتقى : ١٦٩ ).

وعلى هذا ، فإن كلام المؤلف عن هذه بأنها قد حكمت بذهاب الرجس

__________________

(١) كذا.

٢٢٨

عنهم وتطهيرهم كلام تنقصه الدقة ، بل فيها حكم بإرادة الله ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ، وذلك إذا فعلوا ما سبق أن خوطبت به نساء النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في الآيات السابقة ».

أقول :

وهذا الكلام هو كلام ابن تيمية ، وقد ذكرنا غير مرة أن هؤلاء المتأخرين ، المناوئين لأهل البيت الطاهرين ، يلجأون إلى كلمات ابن تيمية متى ما أعوزهم الدليل ، وقد عرفت التهافت والتناقض في كلمات ابن تيمية حول آية التطهير.

لكن هذا الرجل اختار هذا الكلام دون كلامه السابق ، لخلو هذا من التصريح بصحة الحديث وكونه فضيلة خاصة بأهل البيت عليهم‌السلام!!

على أن نفس هذا الكلام أيضا متهافت ـ كما لا يخفى على أهل النظر والتدقيق ـ لأنه يقول أولا : « هذه الآية لم تنزل في آل البيت كما يفهم المؤلف » ففي من نزلت؟!

يقول : « بل نزلت في نساء النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ».

وهذا قول عكرمة الخارجي!

لكنه يستدرك قائلا : « وإن كان معناها متضمنا لآل البيت ... ».

وهذا عدول عن رأي عكرمة وقبول للقول الآخر.

ثم يناقض نفسه فيقول : « ويدل الضمير المذكر على أنه عم غير زوجاته كعلي وفاطمة وابنيهما » لأن ظاهر قوله : « كان معناها متضمنا ... » نزول الآية في النساء فقط وهو قول عكرمة ، وقوله : « ويدل الضمير المذكر ... » صريح في شمول الآية لغير النساء!!

لكن قوله ـ تبعا لابن تيمية ـ : « كعلي ... » خروح عما ذهب إليه

٢٢٩

المسلمون قاطبة ...

وعلى كل حال فإنها محاولات يائسة .. للتملص عما جاءت به السنة النبوية الشريفة الثابتة لدى المسمين ..

وما كل هذه التمحلات والمكابرات وأمثالها من الكُتاب المتأخرين ـ كالدكتور السالوس ، كما في كتابنا : مع الدكتور السالوس في آية التطهير ـ إلا لعلم القوم بما تنطوي عليه الآية المباركة والأحاديث الواردة في معناها من دلالات ...

والله هو العاصم ، وهو ولي التوفيق.

* * *

٢٣٠

آية المودّة

قال السيد رحمه‌الله :

« هل حكم بافتراض المودة لغيرهم محكم التنزيل؟! ».

قال في الهامش :

« كلا ، بل اختصهم الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من سواهم فقال :

( قل لا أسئلكم أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة ( وهي هنا مودتهم ) نزد له فيها حسنا إن الله غفور ( لأهل مودتهم ) شكور ( لهم على ذلك ) ) ».

فقيل :

« هذه الآية قال الإمام أحمد في سبب نزولها :

حدثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثني عبدالملك بن ميسرة ، عن طاووس ، قال : أتى ابن عباس رجل فسأله ..

وسليمان بن داود ، قال : أخبرنا شعبة ، أنبأني عبدالملك ، قال سمعت طاووسا يقول : سأل رجل ابن عباس المعنى عن قول الله عز وجل : ( قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قربى محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ؛ قال ابن عباس : عجلت! وإن

٢٣١

رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فيهم قرابة فنزلت ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.

وكذلك روى البخاري هذا الحديث ، وليس عنده ( فنزلت ). وأخرجه الطبري ٢٥ | ٢٣ وفيه : إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها ؛ وعزاه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية ٣ | ٣٦٨ إلى أحمد بن منيع وقال : صحيح.

هذا ، ويدل أن هذه الآية تدل على هذا المعنى : أن الله تعالى لم يقال : ( إلا المودة لذي القربى ) ، بل قال : ( في القربى ). ألا ترى أنه لما أراد ذوي قربته قال : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ).

وليس موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في شيء ، وهو صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لا يسألنا أجرا ، بل أجره على الله تعالى.

ثم إن الآية مكية باتفاق ، ولم يكن عليّ تزوج بفاطمة بعد ، ولا وُلد ولد لهما.

وبهذا يتبين لك التكلف الممقوت ، وتحميل كلام الله عز وجل مالا يحتمل عندما يقول المؤلق : ( بل اختصهم الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من سواهم : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة ( وهي هنا مودتهم ) نزد له فيها حسنا إن الله غفور ( لاهل مودتهم ) شكور ( لهم على ذلك ) ).

ومن أين له هذا التفسير؟! وهل يستقيم له ذلك بعقل أو نقل؟!

٢٣٢

اللهم لا ».

أقول :

إن هذا الذي ذكر ما هو إلا خلاصة لما قاله المتمادون في العصب من أهل السنة ، ومنهم ابن تيمية في غير موضع من كتابه « منهاج السنة » فليس هذا بشيء جديد ، وإنما هو تقليد ، كما سيظهر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ... فها هنا فصول :

٢٣٣

الفصل الاول

في تعيين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

المراد من « القربى »

إنه إذا كنا تبعا للكتاب والسنة ، ونريد ـ حقا ـ الأخذ ـ اعتقادا وعملا ـ بما جاء في كلام الله العزيز وأتى به الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... كان الواجب علينا الرجوع إلى النبي نفسه وتحكيمه في كل ما شجر بيننا واختلفنا فيه ، كما أمر سبحانه وتعالى بذلك حيث قال : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) (١).

لقد وقع الاختلاف في معنى قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ... ) (٢) ... لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبق وأن بيّن المعنى وأوضح المراد من « القربى » في أخبار طرفي الخلاف كليهما ، فلماذا لا يقبل قوله ويبقى الخلاف على حاله؟!

لقد عيّن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المراد من « القربى » في الآية ، فالمراد أقرباؤه ، وهم عليّ والزهراء وولداهما .. فهؤلاء هم المراد من « القربى » هنا كما كانوا المراد من « أهل البيت » في آية التطهير بتعيين منه

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٦٥.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

٢٣٤

كذلك.

ذكر من رواه من الصحابة والتابعين :

وقد روى ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة كبيرة من الصحابة وأعلام التابعين ، المرجوع إليهم في تفسير آيات الكتاب المبين ، ومنهم :

١ ـ أمير المؤمنين عليه عليه‌السلام.

٢ ـ الإمام السبط الأكبر الحسن بن علي عليه‌السلام.

٣ ـ الإمام السبط الشهيد الحسين بن علي عليه‌السلام.

٤ ـ الإمام السجاد علي بن الحسين عليه‌السلام.

٥ ـ الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام.

٦ ـ الإمام الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام.

٧ ـ عبد الله بن عباس.

٨ ـ عبد الله بن مسعود.

٩ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٠ ـ أبو أمامة الباهلي.

١١ ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي.

١٢ ـ سعيد بن جبير.

١٣ ـ مجاهد بن جبر.

١٤ ـ مقسم بن بجرة.

٢٣٥

١٥ ـ زاذان الكندي.

١٦ ـ السدي.

١٧ ـ فضال بن جبير.

١٨ ـ عمرو بن شعيب.

١٩ ـ ابن المبارك.

٢٠ ـ زر بن حبيش.

٢١ ـ أبو إسحاق السبيعي.

٢٢ ـ زيد بن وهب.

٢٣ ـ عبد الله بن نجي.

٢٤ ـ عاصم بن ضمرة.

وممّن رواه من أئمة الحديث والتفسير :

وقد روى نزول الآية المباركة في أهل البيت عليهم‌السلام ـ هذا الذي أرسله إرسال المسلم إمام الشافعية في شعره المعروف المشهور ، المذكور في الكتب المعتمدة ، كالصواعق المحرقة ـ مشاهير الأئمة في التفسير والحديث وغيرهما في مختلف القرون ، ونحن نذكر أسماء عدة منهم :

١ ـ سعيد بن منصور ، المتوفى سنة ٢٢٧.

٢ ـ أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة ٢٤١.

٣ ـ عبد بن حميد ، المتوفى سنة ٢٤٩.

٤ ـ محمد بن إسماعيل البخاري ، المتوفى سنة ٢٥٦.

٢٣٦

٥ ـ مسلم بن الحجاج النيسابوري ، المتوفى سنة ٢٦١.

٦ ـ أحمد بن يحيى البلاذري ، المتوفى سنة ٢٧٦.

٧ ـ محمد بن عيسى الترمذي ، المتوفى سنة ٢٧٩.

٨ ـ أبو بكر البزار ، المتوفى ٢٩٢.

٩ ـ محمد بن سليمان الحضرمي ، المتوفى سنة ٢٩٧.

١٠ ـ محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة ٣١٠.

١١ ـ أبو بشر الدولابي ، المتوفى سنة ٣١٠.

١٢ ـ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة ٣١٨.

١٣ ـ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، المتوفى سنة ٣٢٧.

١٤ ـ الهيثم بن كليب الشاشي ، المتوفى سنة ٣٣٥.

١٥ ـ أبو القاسم الطبراني ، المتوفى سنة ٣٦٠.

١٦ ـ أبو الشيخ ابن حبان ، المتوفى سنة ٣٦٩.

١٧ ـ محمد بن إسحاق ابن مندة ، المتوفى سنة ٣٩٥.

١٨ ـ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة ٣٩٥.

١٩ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤١٠.

٢٠ ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة ٤٢٧.

٢١ ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤٣٠.

٢٢ ـ علي بن أحمد الواحدي ، المتوفى سنة ٤٦٨.

٢٣ ـ محيي السنة البغوي ، المتوفى سنة ٥١٦.

٢٤ ـ جار الله الزمخشري ، المتوفى سنة ٥٣٨.

٢٥ ـ الملا عمر بن محمد بن خضر ، المتوفى سنة ٥٧٠.

٢٣٧

٢٦ ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة ٥٧١.

٢٧ ـ أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة ٦٠٦.

٢٨ ـ الفخر الرازي ، المتوفى سنة ٦٠٦.

٢٩ ـ عز الدين ابن الأثير ، المتوفى سنة ٦٣٠.

٣٠ ـ محمد بن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة ٦٥٢.

٣١ ـ أبو عبد الله الأنصاري القرطبي ، المتوفى سنة ٦٥٦.

٣٢ ـ أبو عبد الله الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة ٦٥٨.

٣٣ ـ القاضي البيضاوي ، المتوفى سنة ٦٨٥.

٣٤ ـ محب الدين الطبري الشافعي ، المتوفى سنة ٦٩٤.

٣٥ ـ الخطيب الشربيني ، المتوفى سنة ٦٩٨.

٣٧ ـ أبو البركات النسفي ، المتوفى سنة ٧١٠.

٣٨ ـ أبو القاسم الجزي ، المتوفى سنة ٧٤١.

٣٩ ـ علاء الدين الخازن ، المتوفى سنة ٧٤١.

٤٠ ـ أبو حيان الأندلسي ، المتوفى سنة ٧٤٥.

٤١ ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة ٧٧٤.

٤٢ ـ أبو بكر نور الدين الهيثمي ، المتوفى سنة ٨٠٧.

٤٣ ـ ابن حجر العسقلاني ، المتوفى سنة ٨٥٢.

٤٤ ـ نور الدين ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة ٨٥٥.

٤٥ ـ شمس الدين السخاوي ، المتوفى سنة ٩٠٢.

٤٦ ـ نور الدين السمهودي ، المتوفى سنة ٩١١.

٤٧ ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة ٩١١.

٢٣٨

٤٨ ـ شهاب الدين القسطلاني ، المتوفى سنة ٩٢٣.

٤٩ ـ أبو السعود العمادي ، المتوفى سنة ٩٥١.

٥٠ ـ ابن حجر الهيتمي المكي ، المتوفى سنة ٩٧٣.

٥١ ـ الزرقاني المالكي ، المتوفى سنة ١١٢٢.

٥٢ ـ عبدالله الشبراوي ، المتوفى سنة ١١٦٢.

٥٣ ـ محمد الصبان المصري ، المتوفى سنة ١٢٠٦.

٥٤ ـ قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفى سنة ١٢٥٠.

٥٥ ـ شهاب الدين الآلوسي ، المتوفى سنة ١٢٧٠.

٥٦ ـ الصديق حسن خان المتوفى سنة ١٣٠٧.

٥٧ ـ محمد مؤمن الشبلنجي ، المتوفى بعد سنة ١٣٠٨.

نصوص الحديث في الكتب المعتبرة :

وهذه ألفاظ من هذا الحديث بأسانيدها كما في الكتب المعتبرة من الصحاح والمسانيد والمعاجم وغيرها :

* أخرج البخاري قائلا : « قوله : ( إلا المودة في القربى ).

« حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عبدالملك بن ميسرة ، قال : سمعت طاووسا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل عن قوله ( إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. فقال ابن عباس : عجلت! إن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم

٢٣٩

قرابة. فقال : إلا أن تصلوا مابيني وبينكم من القرابة » (١).

* وأخرجه مسلم ، كما نص عليه الحاكم والذهبي ، وسيأتي.

* وأخرجه أحمد ، ففي « المسند » : « حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا يحيى ، عن شعبة ، حدثني عبد الملك بن ميسرة ، عن طاووس ، قال أتى ابن عباس رجل فسأله. وسليمان بن داود ، قال : أخبرنا شعبة ، أنبأني عبد الملك ، قال : سمعت طاووسا يقول : سأل رجل ابن عباس المعنى عن قوله عز وجل : ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) فقال سعيد بن جبير : قرابة محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. قال ابن عباس : عجلت! إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة فنزلت : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم » (٢).

* وفي ( المناقب ) ما هذا نصه : « وفي ما كتب إلينا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، يذكر أن حرب بن الحسن الطحان حدثهم ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت ( قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وابناها » (٣).

__________________

(١) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، المجلد الثالث : ٥٠٢.

(٢) مسند أحمد ١ | ٢٢٩.

(٣) مناقب علي : الحديث ٢٦٣ ، ورواه غير واحد من الحفاظ قائلين : « أحمد في المناقب » كالمحب الطبري في ذخائر العقبى : ٢٥ ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء

٢٤٠