تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

قال فحدثني عن قول الله عز وجل ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله ( ثم أنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) (١) أتعلم من المؤمنين الذين أراد الله في هذا الموضع؟

قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين.

قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلا سبعة نفر من بني هاشم ، علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القوم شيء ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر ، فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم.

قال : فمن أفضل؟ من كان مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في ذلك الوقت ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟

قلت : بل من أنزلت عليه السكينة.

قال : يا إسحاق ، من أفضل؟ من كان معه الغار ، أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتى تم لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ما أراد الهجرة؟

إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بذلك ، فبكى علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ ، فقال له رسول الله : ما يبكيك يا علي؟! أجزعا من الموت؟!

قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ،

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٢٥ و ٢٦.

١٨١

أفتسلم يا رسول الله؟

قال : نعم.

قال : سمعا وطاعة نفسي بالفداء لك يا رسول الله.

ثم أتى مضجعه واضطجع وتسجى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفوا به لا يشكون أنه رسول الله ، وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه وعلي يسمع ما القوم فيه من تلاف نفسه ، ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار.

ولم يزل علي صابرا محتسبا ، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش ، حتى أصبح ، فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه ، فقالوا : أين محمد؟! قال : وما علمي بمحمد أين هو! قالوا : فلا نراك إلا مغرورا بنفسك منذ ليلتنا.

فلم يزل علي أفضل ، ما بدا به يزيد ولا ينقص ، حتى قبضه الله إليه » (١).

وأما الآية الأخرى ، فقد ذكرنا في تعليقة « المواقف » في الجواب عن الاستدلال بها وجوها :

الأول : إن نزولها في ابي بكر غير متفق عليه بين المفسرين من أهل السنة ، وحتى كونه قول أكثر المفسرين غير ثابت ، وإن جاء ذلك في شرح المواقف (٢).

ومن المفسرين من حمل الآية على العموم ، ومنهم من قال بنزولها في

__________________

(١) العقد الفريد ٥ | ٣٤٩.

(٢) شرح المواقف ٨ | ٣٦٦.

١٨٢

قصة أبي الدحداح وصاحب النخلة ، كما ذكر السيوطي (١).

والثاني : إنّ رواة نزولها في حق أبي بكر ما هم إلا آل الزبير ، وهؤلاء قوم منحرفون عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام ومعروفون بذلك.

والثالث : إن سند خبر نزولها في ابي بكر غير معتبر ، قال الحافظ الهيثمي :

« وعن عبدالله بن زبير ، قال : نزلت في أبي بكر الصديق : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى ) (٢).

رواه الطبراني ، وفيه : مصعب بن ثابت. وفيه ضعف » (٣).

قلت :

وهذا الرجل هو : مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ؛ ولاحظ الكلمات في تضعيفه بترجمته (٤).

هذا بالنسبة إلى أبي بكر.

وأما عمر وعثمان ، فلم يزعموا نزول شيء فيهما من القرآن ...

٥ ـ بل لو تتبعت كتبهم في مختلف العلوم لوجدت للقوم مثالب في القرآن الكريم ، ونحن الآن في غني عن التعرض لمثل هذه الأمور ، غير أنا نشير إلى أن نزول قوله تعالى ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة

__________________

(١) الدر المنثور ٦ | ٣٥٨.

(٢) سورة الليل ٩٢ : ١٩ | ٢١.

(٣) مجمع الزوائد ٩ | ٥٠.

(٤) تهذيب التهذيب ١٠ | ١٤٤.

١٨٣

إيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قال من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات ... ) (١) في عائشة وحفصة مذكور في أشهر كتب القوم من الصحاح وغيرها ، فراجع إن شئت :

مسند أحمد بن حنبل ١ | ٣٣.

صحيح البخاري : كتاب النكاح ، باب في موعظة الرجل ابنته.

صحيح البخاري : كتاب التفسير ، بتفسير الآية : ( تبتغي مرضات أزواجك ).

صحيح مسلم : كتاب الرضاع ، باب في الإيلاء واعتزال النساء.

صحيح الترمذي ٢ | ٢٣١.

صحيح النسائي ٢ | ١٤٠.

وفي هذا القدر كفاية ، لتعلم أن القصة التي أوردها الشيخ محسن الكاشاني مذكورة في كتبهم ، ولتعرف من المتقول المفتري!!

وبعد المقدمة ، وقبل الورود في ( تشييد المراجعات ) نقول :

لقد كان ابن تيمية ـ كما أشرنا من قبل ـ قدوة للمكابرين من بعده ، فهم متى ما أعوزهم الدليل ، وعجزوا عن المناقشة ، لجأوا إلى كلماته المضطربة المتهافتة ، التي لا علاقة لها بالمطلب ، ولا أساس لها من الصحة ... ومن ذلك هذا المورد ، وبيان ذلك بإيجاز هو :

__________________

(١) سورة التحريم ٦٦ : ١ ـ ٥.

١٨٤

إنّ المقام ليس مقام البحث عن المناهج التفسيرية عند هذه الفرقة أو تلك ، وإنما المقصود ذكر الأخبار والأقوال الواردة في كتب أهل السنة المعروفة ، في طائفة من آيات الكتاب النازلة في حق أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم‌السلام ... فهذا هوالمقصود.

وأما أن منهج الشيعة في التفسير ما هو؟ ومنهج غيرهم ما هو؟ وأي منهما هو الصحيح؟ فتلك بحوث تطرح في محلها.

ثم إن للشيعي أن يقول نفس هذا الكلام الذي قاله القائل ، فيقول : « إن الدارس للفِرق والمذاهب ... ولكن الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلاميّة ، وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة ... ».

لكن من هم « أصحاب الآراء الصحيحة »؟! ومن هم « أصحاب المذاهب المبتدعة »؟!

فنحن نقول : إن « أصحاب الآراء الصحيحة » في فهم القرآن الكريم ، هم أتباع الأئمة الطاهرين من أهل البيت ، كالإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ...

وإن « أصحاب المذاهب المبتدعة » هم : عكرمة البربري ... وأمثاله.

وسنفصل الكلام في التعريف بعكرمة وأمثاله على ضوء كلمات أهل السنة.

وعلى الجملة : فإن السيد ـ رحمه‌الله ـ لم يستدل في بحوثه هذه بالآيات الكريمة على « منهج الشيعة في التفسير » ، وإنما استدل بروايات أهل السنة وأقوال مفسريهم المشاهير على ما هو « منهج البحث والمناظرة ».

وتعرض هذا القائل هنا لمسألة « تحريف القرآن » .. وهذه أيضا لا علاقة

١٨٥

لها بالبحث ، وإنما لاغرض من ذكرها هنا تشويه مذهب الشيعة ، ونحن نحيل القارئ المنصف إلى كتابنا المطبوع المنتشر في الموضوع وهو : « التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف » (١) ليظهر له رأينا في المسألة ، ويتبين له من القائل بالتحريف!

فلنشرع في ( تشييد المراجعات ) : في ( حجج الكتاب ) :

__________________

(١) نشر أولا في حلقات في مجلة تراثنا ، في الأعداد ٦ ـ ١٤ ، ثم نشرته مؤسسة دار القرآن الكريم في ٣٧١ صفحة ، ولعله خير كتاب أخرج للناس في موضوعه.

١٨٦

آية التطهير

قال السيد ،

مخاطبا الشيخ سليم البشري :

« إنكم ـ بحمد الله ـ ممن وسعوا الكتاب علما ، وأحاطوا بجليه وخفيه خبرا ، فهل نزل من آياته الباهرة في أحد ما نزل في العترة الطاهرة؟! هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم؟! وهل لأحد من العالمين كآية تطهيرهم؟! ».

أقول :

هذه الآية مباركة هي قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم رجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (١).

وقد استدل بها أصحابنا ـ تبعا لأئمة العترة الطاهرة ـ على عصمة « أهل البيت » ومن ثم فهي من أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمة الطاهرين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد كابر بشأنها الخوارج ، والنواصب ، والمخالفون لـ « أهل البيت » منذ اليوم الأول ، وإلى يومنا هذا ... ولذا كانت هذه الآية موضع البحث والتحقيق ، والأخذ والرد ، وكتبت حولها الكتب والدارسات الكثيرة (٢).

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) ولنا فيها كتاب ردا على كتيّب للدكتور علي أحمد السالوس ، أسماه : « آية التطهير بين أمهات المؤمنين وأهل الكساء » صدر بعنوان « مع الدكتور السالوس في آية التطهير » وهناك التفصيل الأكثر.

١٨٧

ونحن نذكر وجه الاستدلال ، ولينظر الناظرون هل هو « ضمن دائرة التمسك بالكتاب والسنة » .. أو لا؟!

وهذه هي الأقوال في المسألة نقلا عن أحد المتعصبين ضد الشيعة الإمامية :

« وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لأنهن في بيته. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكد هذا القول أن ما قبله وما بعده متعلق بأزواج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض ، وهو : إن جمع المؤنث بالنون فكيف قيل ( عنكم ) و( يطهركم )؟ فالجواب : إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فيهن فغلب المذكر.

والثاني : إنه خاص في : رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين. قاله أبو سعيد الخدري ، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك.

والثالث : إنهم أهل رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأزواجه ، قاله الضحاك » (١٨).

فهذه عبارة الحافظ ابن الجوزي ..

فالقائل باختصاص الآية بالرسول وبضعته ووصيه وسبطيه عليهم الصلاة والسلام ، هم جماعة من الصحابة ، وعلى رأسهم : أم سلمة وعائشة ... من زوجاته ...

__________________

(١) زاد المسير في علم التفسير ـ للحافظ ابن الجوزي ، المتوفى ستة ٥٩٧ ـ ٦ | ٣٨١ ـ ٣٨٢.

١٨٨

وعلى رأس القائلين بكونها خاصة بالأزواج : عكرمة البربري ... لما سيأتي من أن ابن عباس من القائلين بالقول الثاني.

أما القول الثالث فلم يحكه إلا عن الضحاك!

فمن هم « أصحاب الآراء الصحيحة »؟! ولماذا أعرض الذين ادعوا أنهم « كانوا تابعين لما تدل عليه معاني القرآن الكريم ، موضحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمة وعلماؤها ، وكما فسرها الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان » عن قول أم سلمة وعائشة وجماعة من كبار الصحابة ومشاهيرهم ـ كما سيجيء ـ وأخذوا بقول « عكرمة » الذي ستعرفه ، وأمثاله؟!

وأما تفصيل المطلب ، ففي فصول :

١٨٩

الفصل الأول

في تعيين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا وفعلا

المراد من « أهل البيت »

فقد أخرج جماعة من كبار الأئمة والحفاظ والأئمة حديث الكساء ، الصريح في اختصاص الآية المباركة بالرسول وأهل بيته الطاهرين علهيم الصلاة والسلام ، عن عشرات من الصحابة :

من الصحابة الرواة لحديث الكساء :

ونحن نذكر عدة منهم فقط :

١ ـ عائشة بنت أبي بكر.

٢ ـ أم سلمة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ عبدالله بن العباس.

٤ ـ سعد بن أبي وقاص.

٥ ـ أبو الدرداء.

٦ ـ أنس بن مالك.

٧ ـ أبو سعيد الخدري.

٨ ـ واثلة بن الأسقع.

٩ ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.

١٠ ـ زيد بن أرقم.

١١ ـ عمر بن ابي سلمة.

١٩٠

١٢ ـ ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

من الأئمة الرواة لحديث الكساء :

ونكتفي بذكر أشهر المشاهير منهم :

١ ـ أحمد بن حنبل ، المتوفى سنة ٢٤١.

٢ ـ عبد بن حميد الكشي ، المتوفى سنة ٢٤٩.

٣ ـ مسلم بن الحجاج ، صاحب الصحيح ، المتوفى سنة ٢٦١.

٤ ـ أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، المتوفى سنة ٢٧٧.

٥ ـ أحمد بن عبد الخالق البزار ، المتوفى ٢٩٢.

٦ ـ محمد بن عيسى الترمذي ، المتوفى سنة ٢٩٧.

٧ ـ أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفى سنة ٣٠٣.

٨ ـ أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي.

٩ ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة ٣١٠.

١٠ ـ عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ، الشهير بابن أبي حاتم ، المتوفى سنة ٣٢٧.

١١ ـ سليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفى سنة ٣٦٠.

١٢ ـ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة ٤٠٥.

١٣ ـ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤٣٠.

١٤ ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، المتوفى سنة ٤٥٨.

١٥ ـ أبو بكر أحمد بن علي ، المعروف بالخطيب البغدادي ، المتوفى سنة ٤٦٣.

١٦ ـ أبو السعادات المبارك بن محمد ، المعروف بابن الأثير ، المتوفى

١٩١

سنة ٦٠٦.

١٧ ـ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ، المتوفى سنة ٧٤٨.

١٨ ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفى سنة ٩١١.

من ألفاظ الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها :

وهذه نبذة من ألفاظ الحديث بأسانيدها (١) :

ففي المسند : « حدثنا عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا عبدالله بن نمير ، قال : ثنا عبد الملك ـ يعني ابن أبي سليمان ـ ، عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثني من سمع أم سلمة تذكر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كان في بيتها ، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه ، فقال لها : ادعي زوجك وابنيك.

قالت : فجاء علي والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري.

قالت : وأنا أصلي في الحجرة ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم رجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ).

قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يا رسول الله؟

__________________

(١) نعم ، هذه نبذة من الروايات ، إذ لم نورد كل ما في المسند أو المستدرك أو غيرهما ، بل لم نورد شيئا من تفسير الطبري وقد أخرجه من أربعة عشر طريقا ، ولا من كثير من المصادر المعتبرة في التفسير والحديث وتراجم الصحابة وغيرها.

١٩٢

قال : إنك إلى خير ، إنك إلى خير.

قال عبد الملك : وحدثني ابو ليلى عن أم سلمة مثل حديث عطاء سواء.

وفي المسند : « حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا علي بن زيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال لفاطمة : ائتيني بزوجك وابنيك ؛ فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا.

قال : ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، إنك حميد مجيد.

قال أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : إنك على خير » (٣).

وفي المسند : « حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانة ثنا أبو بلج ، ثنا عمرو بن ميمون ، قال : إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عباس ، إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا هؤلاء.

قال : فقال ابن عباس : بل أقوم معكم.

قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى. قال : فاتندوا فتحدثوا ، فلا ندري ما قالوا.

__________________

(١) كذا.

(٢) مسند أحمد ٦ | ٢٩٢.

(٣) مسند أحمد ٦ | ٣٢٣.

١٩٣

قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف ، وقعوا في رجل له عشر ، وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ( فذكر مناقب لعلي منها : ) « وأخذ رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) » (١).

وفي صحيح مسلم : « حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله ابن نمير ـ واللفظ لأبي بكر ـ قالا : حدثنا محمد بن بشر ، عن زكريا عن مصعب بن شيبة ، عن صفية بنت شيبة ، قالت : قالت عائشة : خرج النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم رجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (٢).

وفي جامع الأصول : «٦٦٨٩ ت ، أم سلمة ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن هذه الآية نزلت في بيتي : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) قالت : وأنا جالسة عند الباب فقلت : يا رسول الله ، ألست من أهل البيت؟ فقال : إنك إلى خير ، أنت من أزواج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

قالت : وفي البيت : رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين ، فجللهم بكسائه وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وفي رواية : إن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم جلل على الحسن

__________________

(١) مسند أحمد ١ | ٣٣٠.

(٢) صحيح مسلم ٧ | ١٣٠.

١٩٤

والحسين وعلي وفاطمة ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله؟ قال : إنك إلى خير.

أخرج الترمذي الرواية الآخرة ، والأولى ذكرها رزين.

٦٦٩٠ ت ، عمر بن أبي سلمة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) في بيت أم سلمة ، فدعا النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فاطمة وحسنا وحسينا ، فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله؟

قال : أنت على مكانك وأنت على خير.

أخرجه الترمذي.

٦٦٩١ ت ، أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ إن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية ، قريبا من ستة أشهر ، يقول : الصلاة أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ).

أخرجه الترمذي.

٦٦٩٢ م ، عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : خرج النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وعليه مرط مرجل أسود ، فجاءه الحسن فأدخله ، ثم جاءه الحسين فأدخله ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) الآية.

١٩٥

أخرجه مسلم » (١).

وفي الخصائص : « أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : أخبرنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا بكر بن مسمار ، قال سمعت عامر بن سعد يقول : قال معاوية لسعد بن أبي وقاص :

ما يمنعك أن تسب ابن أبي طالب؟!

قال : لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم :

لا أسبه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه ، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال : رب هؤلاء أهل بيتي وأهلي وأهلي.

ولا أسبه ما ذكرت حين خلفه في غزوة غزاها ...

ولا أسبه ما ذكرت يوم خيبر ... ».

وفي الخصائص : « أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمار الدمشقي ، قالا : حدثنا حاتم ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعدا فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟!

فقال : أنا إن ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ، لئن يكون لي واحدة منها أحب إليّ من حمر النعم :

سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول له ، وخلّفه في بعض مغازيه ...

وسمعته يقول يوم خيبر : ...

ولما نزلت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت

__________________

(١) جامع الأصول ١٠ | ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) خصائص عليّ : ٨١ طبعة النجف الأشرف.

١٩٦

ويطهركم تطهيرا ) دعا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي » (١).

أقول :

أخرجه ابن حجر العسقلاني باللفظ الأول في « فتح الباري » بشرح حديث : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون ... » فقال :

« ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقاص عند مسلم والترمذي ، قال : قال معاوية لسعد : ما منعك أن تسب أبا تراب؟!

قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فلن أسبه ؛ فذكر هذا الحديث.

وقوله : لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله.

وقوله لما نزلت ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) (٢) دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي » (٣).

وهذا تحريف للحديث! إذ أسقط أولا : « فأدخلهم تحت ثوبه » ، ثم جعلت الآية النازلة هي آية المباهلة لا آية التطهير! فتأمل.

وفي الخصائص : أخرج حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس المتقدم عن المسند (٤).

وفي المستدرك : « حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا عبد الرحمن بن عبدالله بن دينار ، ثنا

__________________

(١) خصائص علي : ٤٩.

(٢) سورة آل عمران ٣. ١.

(٣) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٧ | ٦٠.

(٤) خصائص علي : ٦٢.

١٩٧

شريك بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت :

في بيتي نزلت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) ، قالت ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي.

قالت أم سلمة : يا رسول الله ، وأنا من أهل البيت؟

قال : إنك أهلي خير (١) ، وهؤلاء أهل بيتي ، اللهم أهلي أحق.

هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنبأ العباس بن الوليد بن مزيد : أخبرني أبي ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : حدثني أبو عمار ، قال : حدثني واثلة بن الأسقع ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : جئت عليا ـ رضي‌الله‌عنه ـ فلم أجده. فقالت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ : إنطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوه فاجلس ، فجاء مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل ودخلت معهما. قال : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسنا وحسينا فأجلس كل واحد منهما على فخذه ، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ، ثم لف عليهم ثوبه وأنا شاهد ، فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) اللهم هؤلاء أهل بيتي.

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » (٢).

وفي تلخيص المستدرك : وافق الحاكم على التصحيح (٣).

__________________

(١) كذا.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ | ٤١٦ كتاب التفسير.

(٣) تلخيص المستدرك ٢ | ٤١٦.

١٩٨

ورواه الذهبي بإسناد له عن شهر بن حوشب عن أم سلمة ، وفيه : « قالت : فأدخلت رأسي فقلت : يا رسول الله ، وأنا معكم؟

قال : أنت إلى خير ـ مرتين ـ ».

ثم قال : « رواه الترمذي مختصرا وصححه من طريق الثوري ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب » (١).

وفي الصواعق المحرقة : « الآية الأولى : قال الله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين. لتذكير ضمير ( عنكم ) وما بعده » (٢).

ممن نص على صحة الحديث :

هذا ، وقد قال جماعة من الأئمة بصحة الحديث الدال على اختصاص الآية الكريمة بأهل البيت عليهم‌السلام ، إذ أخرجوه في الصحيح أو نصوا على صحته ، ومن هؤلاء :

١ ـ أحمد بن حنبل. بناء على التزامه بالصحة في « المسند ».

٢ ـ مسلم بن الحجاج ، إذ أخرجه في ( صحيحه ).

٣ ـ ابن حبان ، إذ أخرجه في ( صحيحه ).

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، إذ صححه في « المستدرك ».

٥ ـ الذهبي ، إذ صححه في « تلخيص المستدرك » تبعا للحاكم.

٦ ـ ابن تيمية ، إذ قال : « فصل ـ وأما حديث الكساء فهو صحيح ، رواه

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠ | ٣٤٦.

(٢) الصواعق المحرقة : ٨٥.

١٩٩

أحمد والترمذي من حديث أم سلمة ، ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة ... » (١).

ما دلت عليه الأحاديث :

وهذه الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد ومعاجم الحديث باسانيد صحيحة متكاثرة جدا ، أفادت نقطتين :

أولا : إن المراد بـ « أهل البيت » في الآية المباركة هم : النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، لا يشركهم أحد ، لا من الأزواج ولا من غيرهن مطلقا.

أما الازواج ، فلأن الأحاديث نصت على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأذن بدخول واحدة منهن تحت الكساء.

وأما غيرهن ، فلأن النبي إنما أمر فاطمة بأن تجيء بزوجها وولديها فحسب ، فلو أراد أحدا غيرهم ـ حتى من الأسرة النبوية ـ لأمر بإحضاره.

وثانيا : إن الآية المباركة نزلت في واقعة معينة وقضية خاصة ، ولا علاقة لها بما قبلها وما بعدها ... ولا ينافيه وضعها بين الآيات المتعلقة بنساء النبي ، إذ ما أكثر الآيات المدنية بين الآيات المكية وبالعكس ، ويشهد بذلك :

١ ـ مجيء الضمير : « عنكم » و « يطهركم » دون : عنكن ويطهركن.

٢ ـ إتصال الآيات التي بعد آية التطهير بالتي قبلها ، بحيث لو رفعت آية التطهير لم يختل الكلام أصلا ... فليست هي عجزا لآية ولا صدرا لأخرى ... كما لا يخفى.

__________________

(١) منهاج السنة ٥ | ١٣.

٢٠٠