تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

رميها بذلك هو الكذب.

٥ ـ لم يكرر السيد سياق هذا الحديث ، وإنما تكرر صدوره عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أذعن بذلك جماعة ممن تقدم منهم وتأخر ، كصاحب « الصواعق » ابن حجر ...

فالإشكال الذي يستحق النظ فيه ـ لكونه في الظاهر علميا ـ هو الإشكال السندي بالنسبة إلى الحديث الأول ... فنقول :

أولا : يكفينا الأحاديث الأخرى التي سلم بصحتها.

وثانيا : إن الحديث الذي ناقش في سنده من أحاديث « الجامع الصحيح » للترمذي ، و « السنن » للنسائي .. وهذان الكتابان من الصحاج الستة عندهم.

وثالثا : إنه لم يناقش في سنده إلا من جهة ( زيد بن الحسن الأنماطي ) واستنادا إلى كلمة أبي حاتم. لكن هذه المناقشة مردودة :

قال ابن حجر : « ت ـ الترمذي. زيد بن الحسن القرشي أبو الحسن الكوفي ، صاحب الأنماط. روى عن : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ومعروف بن خربوذ ، وعلي بن المبارك الهنائي.

وعنه : إسحاق بن راهوية ، وسعيد بن سليمان الواسطي ، وعلي بن المديني ، ونصر بن عبد الرحمن الوشاء ، ونصر بن مزاحم.

قال أبو حاتم : كوفي قدم بغداد ، منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له الترمذي حديثا واحدا في الحج » (١).

فقد ذكر ابن حج أسماء جماعة من الأئمة رووا عن زيد بن الحسن ، وأن ابن حبان ذكره في الثقات.

ويبقى قول أبي حاتم « منكر الحديث » وهو غير مسموع :

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٣ | ٣٥٠.

١٠١

أما أولا : فلأنه لو كان منكر الحديث لما أخرج عنه هؤلاء كابن راهويه وابن المديني وسعيد بن سليمان والترمذي.

وأما ثانيا : فلأن « أبا حاتم » متعنت في الرجال ، ولا يبنى على تجريحه ، كما نص عليه الحافظ الذهبي بترجمته إذ قال :

« إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله ، فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث. وإذا لين رجلا أو قال فيه : لايحتج به ، فلا ، توقف حتى ترى ما قال غيره فيه ، وإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنت في الرجال ، قد قال في طائفةٍ من رجال الصحاح : ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك » (١).

تنبيه :

قد توهم هذا الرجل أن حديث الثقلين في ( صحيح مسلم ) لا يدل على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية من وجوب اتباع أهل البيت والتمسك بهم والأخذ عنهم ...

وقد سبقه في هذا التوهم غيره ، قال الدكتور عليّ أحمد السالوس : « فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم. فالعطف على الصغير ، ورعاية اليتيم ، والأخذ بيد الجاهل ، غير الأخذ من العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ».

وقد دفعنا هذا الوهم في ردنا على الدكتور المذكور ، وبينا عدم الفرق بين رواية مسلم ورواية أحمد والترمذي وغيرهما ، فالحديث هو الحديث ، والمدلول واحد ، والنتيجة واحدة ... فراجعه بالتفصيل (٢).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ | ٢٤٧.

(٢) حديث الثقلين .. تواتره ، فقهه كما في كتب السنة ـ ط ١٤١٣ هـ.

١٠٢

* قال السيد :

في هامش الحديث الأخير من أحاديث الثقلين التي استدل بها : « وأنت تعلم ... » وقد تقدمت عبارته.

فقيل :

« إن المؤلف لا يكفيه أن يبنى قصورا على أوهام ، ولا أن يستشهد بالباطل على ما يريد ، بل يذهب أبعد من ذلك ، فيتخرّص ـ رجما بالغيب ـ ويتهم نقلة الأحاديث ورواتها من أهل السنة : بأنهم خانوا الأمانة ، واختصروا كثيرا من رواياتهم ، خوفا من حاكم. ويقصد أنهم زوروا الحقائق ، وحذفوا ما يتعلق بالوصية لعلي بالخلافة! وكأنه مقر ـ في قرارة نفسه ـ أن كل ما يستشهد به على هذه القضية لا يكفي ولا يشفي غليلا ، فمشى خطوة أخرى فيما وراء النصوص ، وهي مكذوبة ، وتقوّل من غير دليل ، واتهم من غير حجة ، وادعى أن هذه النصوص حدف أكثرها ، وألصقها تعلقا بالمسألة!! ».

أقول :

أما السب فلا نقابله فيه بالمثل!

والحق معا السيد ـ رحمه‌الله ـ فيما قال ، لأن المستفاد من تتبع ألفاظه حديث الغدير في كتب أهل السنة ـ ويساعده الاعتبار وشواهد الأحوال ـ هو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد خطبهم ـ :

ففي « المسند » : « فخطبنا » (١).

وفي « المستدرك على الصحيحين » : « قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ،

____________

(١) مسند أحمد ٤ | ٣٧٢.

١٠٣

وذكّر ووعظ ، فقال ما شاء الله أن يقول » (١).

وفي « مجمع الزوائد » : « فوالله ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلا قد أخبرنا به يومئذ. ثم قال : أيها الناس ... » (٢).

فأين النص الكامل لتلك الخطبة؟!

ولماذا لم يرووا مواعظ الرسول وإرشاداته؟!

وإذا كان قد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكل شيء يكون إلى يوم الساعة ، وبيّن وظيفة الأمة ، فما الذي حملهم على إخفائه عن الأمة؟!

لقد حرموا الأمة من هدي الرسول وتعاليمه وإرشاداته ، بدلا من أن ينقلوها ويكونوا دعاة إليها وناشرين لها ...

وإن الذي حملهم على كتم كثير من الحقائق! وإن الذي منعهم من نقلها هو نفس ما منعهم من أن يقرّبوا إليه دواة وقرطاسا ليكتب للأمة كتابا لن يضلوا بعده!

* قال السيّد :

« ٤ ـ والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة ، وقد صدع بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى : تارة يوم غدير خم كما سمعت ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، ومرة على منبره في المدينة ، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه والحجرة غاصة بأصحابه ، إذ قال : أيها الناس يوشك أن أقبض ... ».

قال في الهامش : « راجعه في أواخر الفصل ٢ من الباب ٩ من الصواعق

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ | ١٠٩.

(٢) مجمع الزوائد ٩ | ١٠٥ وقد وثق رجاله.

١٠٤

المحرقة لابن حجر ، بعد الأربعين حديثا من الأحاديث المذكورة في ذلك الفصل ، ص ٧٥ ».

قيل :

« يكفي أن يعلم أن هذا الذي ساقه على أنه قاله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم في مرضه والحجرة غاصة بأصحابه ، ليس في كتاب من كتب الحديث المعتبرة ، وقد أورده من غير سند ، فالاحتجاج به ساقط حتى تثبت قضيتان : سنده أولا ، ثم صدق هذا السند. وهيهات له أن يثبت هاتين القضيتين ، وليس ذكره لكتاب الصواعق لابن حجر المكي بمصحح هذا الحديث ، ولا بدليل على صحة الاحتجاج به. فابن حجر هذا ليس من علماء الحديث ، ولا له في هذه الصناعة باع ولا ذراع. ومن تأمل كتابه ( الصواعق ) وما حشاه به من الاحاديث الضعيفة والموضوعة يتيقن أن كتابه لا يأبه به إلا أمثال المؤلف وبني جلدته. على أن ابن حجر لم يسلم حتى من هجوم المؤلف عبد الحسين ، وجازاه جزاء سنمار ».

أقول :

عدم اعتراضه إلا على حديث صدوره في مرضه في الحجرة ، ظاهر في موافقته على صدور حديث الثقلين يوم غدير خم ، ويوم عرفة في حجة الوداع ، وبعد انصرافه من الطائف ، وعلى منبره في المدينة ، ووجود ذلك في كتب الحديث المعتبرة ، وعليه يكون موافقا على صدور الحديث في مواقف متعددة ، فيناقض إنكاره ذلك في كلماته السابقة.

وأما رواية أنه قاله في مرض موته فقد جاء في « الصواعق » بعدما روى الحديث بعد انصرافه من الطائف عن ابن أبي شيبة : « وفي رواية ... ».

فابن حجر لم يعز هذا الحديث إلى كتاب ، لكن بالتأمل في كلامه يظهر

١٠٥

تصحيحه له ، لأنه بعدما أورد الحديث السابق عن ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : « وفيه رجل اختلف في تضعيفه ، وبقية رجاله ثقات » (١). ثم أرود هذا الحديث ولم يتكلم على سنده بشيء ... ونحن تكفينا رواية ابن حجر لهذا الحديث لا سيما مع سكوته عن سنده ، لأنه من كبار علماء أهل السنة المدافعين عن الخلفاء ومعاوية وحكومة الطلقاء ، كما لا يخفى على من راجع « الصواعق » و « تطهير الجنان » وغيرهما مما كتبه في هذا الشأن.

ومع ذلك ... نذكر واحدا من رواة هذا الحديث ، المتقدمين على ابن حجر المكي ... ألا وهو الحافظ السمهودي (٢) ، فإنه نص على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه ، كما في رواية لأم سلمة.

ولا بأس بنقل متن عبارته في التنبيه الخامس من تنبيهات حديث الثقلين :

« خامسها : قد تضمنت الأحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم ، لقيامه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بذلك خطيبا يوم غدير خم ، كما في أكثر الروايات المتقدمة ، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته ، كما في رواية الترمذي عن جابر ، وفي خطبته لما قام خطيبا بعد انصرافه من حصار الطائف ، كما في رواية عبد الرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٧٥.

(٢) هو : الحافظ نور الدين عليّ بن عبد الله سمهودي ، المتوفى سنة ٩١١ هـ.

قال الحافظ السخاوي بترجمته بعد كلام له : « وبالجملة ، فهو إنسان فاضل متفنن متميز في الفقه والأصلين ، مديم للعمل والجمع والتأليف ، متوجه للعبادة وللمباحثة والمناظرة ، قوي الجلادة على ذلك ، طلق العبارة فيه ، مغرم به ، مع قوة نفس وتكلف ، خصوصا في مناقشات لشيخنا في الحديث ونحوه ».

الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٥ | ٢٤٥

١٠٦

الحجرة من أصحابه ، كما في رواية لأم سلمة.

بل سبق قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : انظروا كيف تخلفوني فيهما.

وقوله : ألا وإني سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي.

وقوله : ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل.

و : أوصيكم بعترتي خيرا.

و : أذكركم الله في أهل بيتي.

على اختلاف الألفاظ في الروايات المتقدمة.

مع قوله ـ في رواية عبد الله بن زيد عن أبيه ـ : فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه.

وفي الحديث الآخر : فإني أخاصمكم عنهم غدا ، ومن أكن خصيمه أخصمه ، ومن أخصمه دخل النار.

وفي الآخر : من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهدا.

مع ما اشتملت عليه ألفاظ الأحاديث المتقدمة على اختلاف طرقها ، وما سبق فيما أوصى به أمته وأهل بيته.

فأي حث أبلغ من هذا وآكد منه؟!

فجزى الله تعالى نبيه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عن أمته وأهل بيته أفضل ما جزى أحدا من أنبيائه ورسله عليهم‌السلام » (١).

* قال السيد :

« ٥ ـ على أن المفهوم من قوله : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن

__________________

(١) جواهر العقدين ق٢ ج١ | ١١٥ ـ ١١٦

١٠٧

تضلّوا : كتاب الله وعترتي ) : إنما هو ضلال من لم يتمسك بهما معا كما لا يخفى.

ويؤيد ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث الثقلين عند الطبراني ـ : ( فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ).

قال ابن حجر : وفي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم : دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره » إلى آخر كلامه.

قيل :

في الاعتراض على الحديث عن الطبراني :

« هذا جزء من حديث رواه الطبراني عن زيد بن أرقم. وفي هذا السند : حكيم بن جبير. وهو ضعيف. ورمي بالتشيع كما قال المباركفوري. مجمع الزوائد ٩ | ١٦٣.

على أن هذا الحديث ـ لو صح ـ فإن دلالته تشمل بني هاشم جميعا وهم عشيرته صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، لا أبناء عليّ وفاطمة فقط.

ومع غض النظر عن مناقشة ابن حجر المكي فيما استنبطه من حكم من هذا الحديث الضعيف ، هل يصح هذا الحديث دليلا على هذا الحكم؟ ثم أليس في هذا الدليل على عدم أصالة آراء ابن حجر وضعفه الفاضح في الحديث واستنباطه الأحكام؟ ».

أقول :

* أما المفهوم من حديث الثقلين ـ كما ذكره السيد ـ فلا ينكره أحد.

١٠٨

* وأما الحديث المؤيد فهذا سنده :

« حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا جعفر بن حميد (ح) حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا النضر بن سعيد أبو صهيب ، قالا ثنا عبد الله بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن أبي الطفيل ، عن زيد بن أرقم ، قال : نزل النبي صلى الله عليه [ وآله ] » وسلم يوم الجحفة. ثم أقبل على الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله ، وإني يوشك أن أدعى فأجيب ، فما أنتم قائلون؟ قالوا : نصحت. قال : أليس تشهدون أن لا إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا : نشهد. قال : فرفع يديه فوضعهما على صدره ثم قال : وأنا أشهد معكم. ثم قال : ألا تسمعون؟ قالوا : نعم. قال :

فإني فرطكم على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين.

فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟

قال : كتاب الله طرف بيد الله [ عز وجل ] وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ؛ والآخر عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض ، وسألت ذلك لهما ربي.

فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولاتعلّموهم فإنهم أعلم منكم.

ثم أخذ بيد عليّ ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال : من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » (١).

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ | ١٦٦ ـ ١٦٧.

١٠٩

وهذا الحديث رواه الحافظ السيوطي بتفسير قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) (١).

وكذا الشيخ المتقي الهندي (٢).

وقد روى الشيخ المتقي الهندي قبل ذلك هذا الحديث عن الطبراني عن زيد بن ثابت ، قال :

« إني لكم فرط ، إنكم واردون عليّ الحوض ، عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى ، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟

قيل : وما الثقلان يا رسول الله؟

قال : الأكبر كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلوا ؛ والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض ؛ وسألت لهما ذلك ربي ، ولا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم.

طب عن زيد بن ثابت » (٣).

ألا يليق هذا الحديث المروي في هذه الكتب ، عن اثنين من مشاهير الأصحاب ، لأن يكون « مؤيدا »؟!

* ثم إن الحديث عن زيد بن أرقم لم يناقش في سنده إلا من جهة « حكيم بن جبير » .. وقد راجعنا ترجمته في « تهذيب التهذيب » (٤) فوجدناه من رجال أربعة من الصحاح الستة ، وإن من الرواة عنه :

« الأعمش ، والسفيانان ، وزائدة ، وفطر بن خليفة ، وشعبة ، وشريك ،

__________________

(١) الدر المنثور ٢ | ٦٠.

(٢) كنز العمال ١ | رقم ٩٥٧.

(٣) كنز العمّال ١ | رقم ٩٤٦.

(٤) تهذيب التهذيب ٢ | ٣٨٣.

١١٠

وعلي بن صالح ، وجماعة » .. « وقال الفلاس : كان يحيى يحدث عنه ».

ثم إنّ السبب في تضعيف بعضهم إياه هو « التشيع » ليس إلا :

« قال ابن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقال : في رأيه شيء. قلت : ما محله؟ قال : الصدق إن شاء الله ».

وقد تقدم ـ ويأتي ـ أن « التشيع » غير قادح.

* وأما دعوى أن الحديث يشمل بني هاشم كلهم ، فجهل أو تجاهل لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن التقدم على « عترته » وعن تعليمهم ، ويعلل ذلك : بأنهم أعلم منكم ، وكيف يشمل هذا جميع بني هاشم؟!

وليت الرجل راجع كلمات شراح الحديث من أبناء مذهبه! فإن الذي قاله ابن حجر المكي قد نص عليه غير واحد من أعلام الحديث والعلماء الحفاظ :

قال القاري في شرح المشكاة : « أقول : والأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله. فالمراد بهم أهل العلم منهم ، المطلعون على سيرته ، الواقفون على طريقته ، العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال : ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ). ويؤيده ما أخرجه أحمد في المناقب ، عن حميد بن عبدالله بن زيد : أن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلم ذكر عنده قضاء قضى به علي بن أبي طالب فأعجبه وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ... » (١).

وقا المناوي : « وعترتي أهل بيتي. تفصيل بعد إجمال ، بدلا أو بيانا. وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا » (٢).

__________________

(١) المرقاة في شرح المشكاة ٥ | ٦٠٠.

(٢) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ | ١٤.

١١١

وقال عبد الحق الهندي : « والعترة رهط الرجل وأقرباؤه وعشيرته الأدنون ، وفسره صلى الله عليه [ وآله ] بقوله : وأهل بيتي ، للإشارة إلى أن مراده هنا من العترة : أخص عشيرته وأقاربه. وهم أولاد الجد القريب. أي : أولاده وذريته صلى الله عليه [ وآله ] وسلم » (١).

وقال السمهودي : « الذين وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة : هم العلماء بكتاب الله عز وجل ، إذ لا يحث صلى الله عليه [ وآله ] وسلم على التمسك بغيرهم ، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق ، حتى يردا الحوض. ولهذا قال : لا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا » (٢).

* وأما الحكم الذي استنبطه ابن حجر من الحديث ـ والذي لأجله تهجم عليه هذا الرجل ـ فهو موجود كذلك في كلام غير ابن حجر من أئمة الحديث :

ففي « جواهر العقدين » و « شرح المواهب اللدنية » و « فيض القدير » : « أن ذلك يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة ، حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به ، كما أن الكتاب العزيز كذلك. ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أمانا لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض » (٣).

__________________

(١) أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ | ٦٨١.

(٢) جواهر العقدين ق٢ ج١ | ٩٣.

(٣) جواهر العقدين ق٢ ج١ | ٩٤ ، فيض القدير ٣ | ١٥ ، شرح المواهب اللدنية ٧ | ٨.

١١٢

حديث السفينة

قال السيد :

« ٦ ـ ومما يأخذ بالأعناق إلى أهل البيت ويضطر المؤمن إلى الانقطاع في الدين إليهم : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ».

قال في الهامش : « أخرجه الحاكم بالأسناد إلى أبي ذر ، ص١٥١ من الجزء الثالث من المستدرك ».

* « وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له ».

قال في الهامش : « أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد ، وهذا هو الحديث ١٨ من الأربعين ، الخامسة والعشرين من الأربعين أربعين للنبهاني ، ص ٢٦١ من كتابه الأربعين أربعين حديثا ».

أقول :

أولا : لقد اقتصر السيد ـ رحمه‌الله ـ على هذين الفظين من ألفاظ حديث السفينة ، عن الحاكم النيسابوري والحافظ الطبراني ، بالإسناد إلى إثنين من الصحابة ، هما : أبوذر الغفاري ، وأبوسعيد الخدري. وهذا كاف للاحتجاج ، لكون الحاكم الطبراني من أكبر أئمة الحديث عند القوم.

وثانيا : حديث السفينة مروي في كتب القوم بالطرق الكثيرة عن عدة من الصحابة غير من ذكر ، وهم :

١ ـ أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام.

١١٣

٢ ـ عبد الله بن عباس.

٣ ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة.

٤ ـ أنس بن مالك.

٥ ـ عبد الله بن زبير.

٦ ـ سلمة بن الأكوع.

وثالثا : إن رواة حديث السفينة من كبار الأئمة والحفاظ المشاهير كثيرون ، ومن أشهرهم :

١ ـ أحمد بن حنبل ، إمام الحنابلة (١).

٢ ـ مسلم بن الحجاج ، صاحب الكتاب « الصحيح » عندهم.

٣ ـ أحمد بن عبد الخالق البزار ، في « المسند ».

٤ ـ أبو بكر الخطيب البغدادي ، في « تاريخ بغداد ».

٥ ـ الفخر الرازي ، في « تفسيره » الكبير ، بتفسير آية المودة.

٦ ـ شمس الدين الذهبي ، في « الميزان » بترجمة : الحسن بن أبي جعفر الجفري.

٧ ـ ابن حجر العسقلاني ، في « المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ».

ورابعا : إن من أعلام القوم من ينص على صحة الحديث ، أو يعترف بتعدد طرقه وأن بعضها يقوي بعضا ، وإليك عبارات بعضهم :

١ ـ قال الحاكم النيسابوري بعد أن أخرجه : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ».

٢ ـ وقال ابن حجر المكي : « وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضا :

__________________

(١) انظر : مشكاة المصابيح ٣ | ١٧٤٢ ، تاريخ الخلفاء : ٥٧٣.

١١٤

إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا. وفي رواية مسلم (١) : ومن تخلف عنها غرق. وفي رواية : هلك. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له الذنوب » (٢).

٣ ـ وقال شمس الدين السخاوي : « وبعض هذه الطرق يقوّي بعضا » (٣).

٤ ـ وقال جلال الدين السيوطي : « أخرجه الحاكم وهو صحيح » (٤) وقال : « رواه البزار وأبو يعلى في مسنديهما ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم وصححه » (٥).

٥ ـ ابن حجر المكي في « شرح الهمزية للبوصيري » بشرح قوله :

آل بيت النبي طبتم وطاب الـ

ـمدح لي فيكم وطاب الثناء

قال : « وصح حديث : إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ».

٦ ـ وقال العيدروس اليمني : « وصح حديث : إن مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك » (٦).

٧ ـ وقال السيد أحمد زيني دحلان : « وصح عنه صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من طرق كثيرة أنه قال : إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ـ وفي رواية : هلك ـ ومثل أهل بيتي فيكم

__________________

(١) هذه الكلمة حرفوها إلى « سلم » كما حرفوا صحيح مسلم بإسقاط الحديث! والشاهد بما ذكرنا هو أن الشيخ الجهرمي ذكر الكلمة كذلك : « وفي رواية مسلم » في ترجمته الحديث في كتابه « البراهين القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة » إلى الفارسية.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٤٠.

(٣) استجلاب ارتقاء الغرف ـ مخطوط.

(٤) نهاية الإفضال في مناقب الآل ـ مخطوط.

(٥) الأساس في مناقب بني العباس ـ مخطوط.

(٦) العقد النبوي والسر المصطفوي ـ مخطوط.

١١٥

كمثل باب حطة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له » (١).

٨ ـ وقال الشيخ محمد بن يوسف التونسي المالكي ، المعرف بالكافي : « روى البزار عن ابن عباس ، وأبو داود عن ابن زبير ، والحاكم عن أبي ذر ـ بسند حسن ـ : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ».

وقال بعد كلام له : « ويدل على ذلك : الحديث المشهور المتفق على نقله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق.

وهو حديث نقله الفريقان وصححه القبيلان ، لا يمكن لطاعن أن يطعن عليه ، وأمثاله في الأحاديث كثيرة » (٢).

وخامسا : وقد بلغ هذا الحديث من الثبوت مبلغا جعل كبار علماء اللغة من أهل السنة يوردونه في كتبهم ، ويستشهدون بألفاظه على المعاني اللغوية :

قال ابن الأثير « زخ : فيه (٣) : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تخلف عنها زخ به في النار. أي : دفع ورمي ، يقال : زخه يزخه زخا » (٤).

وقال ابن منظور : « وفي الحديث : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تخلف عنها زخ في النار. أي : دفع ورمي. يقال زخه يزخه زخا » (٥).

وقال الزبيدي : « وفي حديث : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تخلف عنها زخ به في النار. أي دفع ورمي » (٦).

__________________

(١) الفضل المبين في فضائل الخلفاء الراشدين وأهل البيت الطاهرين. ط هامش السيرة الدحلانية. باب ذكر فضائل أهل البيت عليهم‌السلام.

(٢) السيف اليماني المسلول في عنق من يطعن في أصحاب الرسول : ٩.

(٣) النهاية : مادة « زخ ».

(٤) أي : في الحديث.

(٥) لسان العرب : مادة « زخ ».

(٦) تاج العروس في شرح القاموس : مادة « زخ ».

١١٦

وسادسا : لقد ذكر كبار المحققين من علماء الحديث عند القوم ، الشارحون للسنة الكريمة والأقوال النبوية في معن حديث السفينة ، عبارات فيها الاعتراف الصريح بدلالته على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية ، ولا بأس بذكر بعض تلك العبارات :

قال الطيبي بشرح الحديث عن أبي ذر الغفاري : « قوله : وهو آخذ باب الكعبة. أراد الراوي بهذا مزيد توكيد لإثبات هذا ، وكذا أبوذر اهتم بشأن روايته ، فأورده في هذا المقام على رؤوس الأنام ليتمسكوا به. وفي رواية له بقوله : من عرفني فأنا من قد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : ألا : إن مثل أهل بيتي ... الحديث. أراد بقوله : فأنا أبوذر ، المشهور بصدق اللهجة وثقة الرواية ، وأنه هذا حديث صحيح لا مجال للرد فيه. وهذا تلميح إلى ما روينا عن عبد الله ين عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء ، أصدق من أبي ذر. وفي رواية أبي ذر : من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم ، فقال عمر بن الخطاب ـ كالحاسد! ـ : يا رسول الله أفتعرف ذلك؟! قال : ذلك فارفوه. أخرجه الترمذي وحسنه الصغاني في كشف الحجاب.

شبة الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات ، والبدع والأهواء الزائغة ، ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، ظلمات بعضها فوق بعض ، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها ، وليس فيه خلاص ومناص إلا تلك السفينة ، وهي : محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم » (١).

وقال القاري بمثل كلمات الطيبي واستشهد بها (٢).

__________________

(١) الكاشف ـ مخطوط.

(٢) المرقاة في شرح المشكاة ٥ | ٦١٠.

١١٧

وقال السمهودي : « قوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه. الحديث. ووجهه : إن النجاة ثبت لأهل السفينة من قوم نوح عليه‌السلام ... ومحصلة : الحث على التعلق بحبلهم وحبهم وإعظامهم شكرا لنعمة مشرفهم صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، والأخذ بهدي علمائهم ومحاسن أخلاقهم وشيمهم. فمن أخذ بذلك نجا بمن ظلمات المخالفة ، وأدى شكر النعمة الوافرة ، ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيّار الطغيان ، فاستوجب النيران » (١).

وقال المناوي [ إن مثل أهل بيتي ] فاطمة وعليّ وابنيهما ، وبينهما اهل العدل والديانة [ فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبهانجا ، ومن تخلف عنها هلك ] وجه التشبيه : أن النجاة ثبت لأهل السفينة من قوم نوح ، فأثبت المصطفى صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة ، وجعلهم وصلة إليها. ومحصوله : الحث على التعلق بحبهم وحبلهم وإعظامهم شكرا لنعمة مشرفهم ، والأخذ بهدي علمائهم ، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة ، وأدى شكر النعمة المترادفة. ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان ، فاستحق النيران ، لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار ، كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة ، الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم ، وبرأهم من الآفات ، وافترض مودتهم في كثير من الآيات ، وهم العروة الوثقى ، ومعدن التقى.

واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم ، اذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض » (٢).

__________________

(١) جواهر العقدين ق٢ ج١ | ١٢٦.

(٢) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٢ | ٥١٩.

١١٨

وقال ابن حجر المكي مثل ذلك ، وقد أورده السيد ـ رحمه‌الله ـ عبارته في المتن.

قيل :

« رواه الحاكم في المستدرك ٣ | ١٥١ عن أبي ذر. وفي سنده : مفضل ابن صالح ، وهو منكر الحديث كما قال البخاري وغيره. وضعفه المناوي في فتح القدير (١). وقال ابن عدي : أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي ، وسائره أرجو أن يكون مستقيما. وقال الذهبي في الميزان : وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر.

ومن رواته أيضا : سويد بن سعيد ، قال البخاري : هو منكر الحديث ويحيى بن معين كذبه وسبه. قال أبو داود : وسمعت يحيى يقول : هو حلال الدم. وقال الحاكم : ويقال إن يحيى لما ذكر له هذا الحديث قال : لو كان لي فرس ورمح غزوت سويدا.

وأما حنش فقد وثقه أبو داود ، وقال أبو حاتم : صالح ، لا أراهم يحتجون به ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقا البخاري : يتكلمون في حدثه ، وقال ابن حبان : لا يحتج به ، ينفرد عن علي بأشياء ، ولا يشبه حديثه حديث الثقات.

وروي الحديث من طريق أخرى فيها ضعيفان :

الحسن بن أبي جعفر الجفري. وعلي بن زيد بن جدعان.

أما الحسن بن أبي جعفر ، فقد قال فيه الفلاس : صدوق منكر الحديث. وقال ابن المديني : ضعيف ضفيف ، وضعفه أحمد والنسائي ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال مسلم بن إبراهيم ـ وهو تلميذه ـ : كان من خيار الناس رحمه‌الله ، وقال يحيى بن معين : ليس بشيء.

__________________

(١) كذا. والصحيح : فيض القدير.

١١٩

ثم ذكر له الذهبي أحاديث منكرة فيها هذا الحديث ، ثم قال : قال ابن عدي : هو عندي ممن لا يتعمد الكذب. وقال ابن حبان : كان الجفري من المتعبدين المجابين الدعوة ، ولكنه ممن غفل عن صناعة الحديث فلا يحتج به. [ الميزان ].

وأما علي بن زيد بن جدعان ، فقال الذهبي : اختلفوا فيه. ثم ذكر من وثقه ثم قال : وقال شعبة : حدثنا علي بن زيد ( وكان رفاعا ، أي : كان يخطئ فيرفع الحديث الموقوف ) وقال مرة : حدثنا علي قبل أن يختلط ، وكان ابن عيينة يضعفه ، وقال حماد بن زيد : أخبرنا ابن زيد وكان يقلب الأحاديث.

وقال الفلاس : كان يحيى القطان يتقي الحديث عن علي بمن زيد.

وروي عن يزيد بن زريع قال : كان علي بن زيد رافضيا.

وقال أحمد العجلي : كان يتشيع وليس بالقوي.

وقال البخاري وأبو حاتم : لا يحتج به.

فهل ـ يا ترى ـ يصلح مثل هذا الحديث الهالك أن يأخذ بالأعناق؟!! »

أقول :

أولا : إنه يكفي لاستدلال الشيعة بهذا الحديث كونه مخرجا في كتب أهل السنة ، من السنن والمسانيد والمجاميع الحديثية الشهيرة ، وبطرق متكثرة ، عن عدة من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ـ كما قال الشيخ الكافي المالكي ـ : « حديث مشهور متفق على نقله » و « نقله الفريقان وصححه القبيلان » و « لا يمكن لطاعن أن يطعن عليه ».

وثانيا : إنه يكفي للاحتجاج تصحيح الحاكم وعدة من مشاهير الأئمة وقول آخرين : حديث مروي بطرق عديدة يقوي بعضها بعضا.

وثالثا : ظاهر كلام الرجل انحصار طرق هذا الحديث بما ذكره وخدش فيه. والحال أن طرقه كثيرة جدا كما اعترف بذلك غير واحد منهم.

١٢٠