الإنصاف في مسائل الخلاف بين النّحويين : البصريّين والكوفييّن - ج ١

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

الإنصاف في مسائل الخلاف بين النّحويين : البصريّين والكوفييّن - ج ١

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-34-275-X
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

فجمع بين الميم و «يا» ولو كانت الميم عوضا من «يا» لما جاز أن يجمع بينهما ؛ لأن العوض والمعوّض لا يجتمعان.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأنا أجمعنا أن الأصل «يا ألله» إلا أنا لما وجدناهم إذا أدخلوا الميم حذفوا «يا» ووجدنا الميم حرفين و «يا» حرفين ، ويستفاد من قولك «اللهمّ» ما يستفاد من قولك «يا ألله» دلنّا ذلك على أن الميم عوض من «يا» ؛ لأن العوض ما قام مقام المعوض ، وهاهنا الميم قد أفادت ما أفادت «يا» ؛ فدل على أنها عوض منها ، ولهذا لا يجمعون بينهما إلا في ضرورة الشعر ، على ما سنبين في [١٥٢] الجواب إن شاء الله تعالى.

أما الجواب عن كلمات الكوفيين (١) : أما قولهم «إن الأصل يا ألله أمّنا بخير ، فحذفوا بعض الكلام لكثرة الاستعمال» قلنا : الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :

الوجه الأول : أنه لو كان الأمر كما زعمتم وأن الأصل فيه يا ألله أمّنا بخير لكان ينبغي أن يجوز أن يقال اللهمنا بخير ، وفي وقوع الإجماع على امتناعه دليل على فساده.

والوجه الثاني : أنه يجوز أن يقال «اللهمّ أمّنا بخير» ولو كان الأول يراد به «أمّ» لما حسن تكرير الثاني ؛ لأنه لا فائدة فيه.

والوجه الثالث : أنه لو كان الأمر كما زعمتم لما جاز أن يستعمل هذا اللفظ إلا فيما يؤدي عن هذا المعنى ، ولا خلاف أنه يجوز أن يقال «اللهم العنه ، اللهمّ أخزه ، اللهم أهلكه» وما أشبه ذلك ، وقد قال الله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] ولو كان الأمر كما زعموا لكان التقدير : أمّنا بخير ، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، ولا شك أن هذا التقدير ظاهر الفساد والتناقض ؛ لأنه لا يكون أمهم بالخير أن يمطر عليهم حجارة من السماء أو يؤتوا بعذاب أليم.

وهذا الوجه عندي ضعيف ، والصحيح من وجه الاحتجاج بهذه الآية أنه لو كانت الميم من الفعل لما افتقرت إن الشرطية إلى جواب في قوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) [الأنفال : ٣٢] وكانت تسد مسدّ الجواب ، فلما افتقرت إلى الجواب في قوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا) [الأنفال : ٣٢] دل أنها ليست من الفعل.

__________________

(١) انظر رد الزجاج على ما ذهب إليه الفراء من أن أصل «اللهم» يا ألله أمنا بخير ، في لسان العرب (أل ه).

٢٨١

ويحتمل عندي وجها رابعا : أنه لو كان الأصل «يا ألله أمّنا بخير» لكان ينبغي أن يقال : اللهم وارحمنا ، فلما لم يجز أن يقال إلا «اللهم ارحمنا» ولم يجز «وارحمنا» دلّ على فساد ما ادعوه.

وأما قولهم «إن هلم أصلها هل أم» قلنا : لا نسلم ، وإنما أصلها «ها المم» فاجتمع ساكنان : الألف من «ها» واللام من «المم» فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، ونقلت ضمة الميم الأولى إلى اللام ، وأدغمت إحدى الميمين في الأخرى ، فصار هلمّ.

وقولهم «الدليل على أن الميم ليست عوضا من يا أنهم يجمعون بينهما كقوله :

إني إذا ما حدث ألما

أقول يا اللهم يا اللهما [٢١٤]

[١٥٣] وقول الآخر :

وما عليك أن تقولي كلما

سبّحت أو صليت يا اللهم ما» [٢١٥]

فنقول : هذا الشعر لا يعرف قائله ؛ فلا يكون فيه حجة ، وعلى أنه إن صح عن العرب فنقول : إنما جمع بينهما لضرورة الشعر ، وسهّل الجمع بينهما للضرورة أن العوض في آخر الاسم ، والمعوض في أوله ، والجمع بين العوض والمعوض منه جائز في ضرورة الشعر ، قال الشاعر :

[٢١٧] هما نفثا في فيّ من فمويهما

على النّابح العاوي أشدّ رجام

______________________________________________________

[٢١٧] هذا البيت آخر قصيدة للفرزدق همام بن غالب يهجو فيها إبليس وابنه ، وهو من شواهد سيبويه (٢ / ٨٣ و ٢٠٢) وقد أنشده ابن منظور (ف م م ـ ف وه) وعزاه إليه في المرتين ، واستشهد به رضي الدين في باب الإضافة من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ٢٦٩) وكان رجل من موالي باهلة قد أعطى الفرزدق نحي سمن على أن يهب له أعراض قومه ـ يعني يتركهم ولا يهجوهم ـ فقال هذه القصيدة (انظر الديوان ٧٦٩ ـ ٧٧١) وقوله «هما نفثا» رواية الديوان «هما تفلا» وضمير المثنى يعود إلى إبليس وابنه اللذين ذكرهما في قوله قبل بيت الشاهد :

وإن ابن إبليس وإبليس ألبنا

لهم بعذاب الناس كل غلام

وقوله «أشد رجام» أشد هنا أفعل تفضيل مضاف إلى ما بعده ، ووقع في الديوان «أشد لجامي» على أن «أشد» فعل مضارع ، ولعله تحريف ، والاستشهاد بالبيت في قوله «فمويهما» فإن هذا مثنى الفم مضافا إلى ضمير الغائبين ، وللعلماء فيه كلام نلخصه لك فيما يلي : أكثر العلماء على أن أصل الفم «فوه» بدليل قولهم : تفوه فلان بكذا ، وقولهم : فلان أفوه من فلان ، وفلان مفوه ، مثل مكرم ، ثم حذفوا الهاء اعتباطا ، ولم يعوضوا منها شيئا ،

٢٨٢

فجمع بين الميم والواو وهي عوض منها لضرورة الشعر ، فجمع بين العوض والمعوّض ، فكذلك هاهنا ، والله أعلم.

______________________________________________________

ثم حذفوا الواو وعوضوا منها الميم فصار «فم» على وزن «فع» وإذا ثنيت الفم بعد رده إلى أصله قلت «فوهيهما» ولكن الشاعر قال «فمويهما» فأبقى الميم التي قصدوا بها التعويض عن الواو المحذوفة من المفرد ، وأعاد الواو التي هي عين الكلمة ، فجمع بذلك بين العوض ـ وهو الميم ـ والمعوض عنه وهو الواو ، ومن المعلوم أن الجمع بين العوض والمعوض منه لا يقع في كلام العرب ، وقد حاول أبو علي أن يتخلص من هذا المأزق مع البقاء على ما أصّلوه من قاعدة عدم الجمع بين العوض والمعوض منه ؛ لهذا قال : «ويجوز فيها وجه آخر ، وهو أن تكون الواو في فمويهما لاما في موضع الهاء من أفواه ، وتكون الكلمة تعتقب عليها لامان : هاء مرة ، وواو أخرى ، فجرى هذا مجرى سنة وعضة ، ألا ترى أنهما في قول سيبويه واوان ، بدليل : سنوات ، وأسنتوا ، ومساناة ، وعضوات ، وتجدهما في قول من قال : ليست بسنهاء ، وبعير عاضه ، هاءين؟» اه ، وهذا الكلام يحتمل وجهين ؛ الوجه الأول : أن يكون يريد أن الميم عوض عن الهاء التي هي لام الكلمة ، وقد قدمها عن مكانها الأصلي قال الجوهري «وقالوا في التثنية : فموان ، وإنما أجازوا ذلك لأن هناك حرفا آخر محذوفا وهو الهاء ، كأنهم جعلوا الميم في هذه الحال عوضا عنها ، لا عن الواو» اه ، وفيه بعد. والوجه الثاني : أن يكون أراد أن أصل الفم فمو ، فالميم عين الكلمة والواو لامها ، وتقلب هذه الواو ألفا في المفرد لتحركها وانفتاح ما قبلها فتقول : فما ، كما تقول : عصا ، وعلى هذا قول الراجز :

يا حبذا وجه سليمى والفما

والجيد والنحر وثدي قد نما

قال ابن بري «وقد جاء في الشعر فما مقصورة مثل عصا ، وعلى ذلك جاء تثنيته فموان» اه ، وعلى هذا يكون «والفما» في قول الراجز اسما مفردا مقصورا مرفوعا بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، وخرّجه الفرّاء على وجهين آخرين : أحدهما أن يكون أصله «والفمان» على التثنية ، فحذف النون ، والثاني أن تكون الواو واو المعية و «الفما» منصوب على أنه مفعول معه منصوب بالفتحة الظاهرة وألفه للإطلاق وجوز ابن جني وجها ثالثا ، وهو أن يكون منصوبا بفعل مضمر ، كأنه قال : وأحب الفم ، ويكون نصبه بالفتحة الظاهرة أيضا. وقد أطلت عليك في تخريج هذه الكلمة فبحسبك هذا.

٢٨٣

٤٨

مسألة

[هل يجوز ترخيم المضاف بحذف آخر المضاف إليه؟](١)

ذهب الكوفيون إلى أن ترخيم المضاف جائز ، ويوقعون الترخيم في آخر الاسم المضاف إليه ، وذلك نحو قولك «يا آل عام» في يا آل عامر ، و «يا آل مال» في يا آل مالك ، وما أشبه ذلك. وذهب البصريون إلى أن ترخيم المضاف غير جائز.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن ترخيم المضاف جائز أنه قد جاء في استعمالهم كثيرا ، قال زهير بن أبي سلمى :

[٢١٨]خذوا حظّكم يا آل عكرم واحفظوا

أواصرنا والرّحم بالغيب تذكر

______________________________________________________

[٢١٨] هذا البيت من كلام زهير بن أبي سلمى المزني ، وقد استشهد به سيبويه (١ / ٣٤٣) وابن يعيش في شرح المفصل (ص ١٨٥) والرضي في شرح الكافية (١ / ١٣٦) وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٧٣) كما استشهد به الأشموني (رقم ٩١٦) والمؤلف في أسرار العربية (ص ٩٦) وقوله «خذوا حظكم» هو هكذا في كتاب سيبويه وفي شرح الكافية والخزانة ، وورد في شرح المفصل وكتب المتأخرين «خذوا حذركم» وقوله «يا آل عكرم» أراد بني عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ، والأواصر : جمع آصرة ، وهي كل ما يعطفك على آخر ومنها الرحم ، ومزينة قوم زهير وآل عكرمة بن خصفة كلاهما من مضر ، يقول : خذوا حظكم من مودتنا ومسالمتنا ، وكانوا قد اعتزموا غزو قومه. والاستشهاد بالبيت في قوله «يا آل عكرم» فإن «آل عكرم» مركب إضافي ، وقد رخمه بحذف آخر المضاف إليه ؛ فإن أصله «يا آل عكرمة» فحذف التاء ، وقد استدل الكوفيون بهذا البيت وأمثاله على أنه يجوز ترخيم المركب الإضافي المنادى بحذف آخر المضاف إليه ، لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد ، والحذف من آخر الثاني مع أن المنادى هو الأول كأنه حذف من آخر الاسم

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : شرح الأشموني مع حاشية الصبان (٣ / ١٥٠ بولاق) وتشريح الشيخ خالد الأزهري (٢ / ٢٣٢) وأسرار العربية للمؤلف (ص ٩٦) وشرح ابن يعيش على المفصل (ص ١٨٥) وشرح الكافية (١ / ١٣٦).

٢٨٤

أراد «يا آل عكرمة» إلا أنه حذف التاء للترخيم ، وهو عكرمة بن خصفة (١) بن قيس بن عيلان بن مضر ، وهو أبو قبائل كثيرة من قيس. وقال الآخر :

[٢١٩] أب عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة

سيدعوه داعي ميتة فيجيب

أراد «أبا عروة». وقال الآخر :

[٢٢٠] إمّا تريني اليوم أمّ حمز

قاربت بين عنقي وجمزي

______________________________________________________

المفرد غير المضاف وأنكر ذلك عليهم البصريون ، وذكروا أن الترخيم في هذا البيت ونحوه شاذ كالترخيم في غير النداء ، فكما حذف بعض الشعراء من أواخر الأسماء في غير النداء لأنهم اضطروا إلى ذلك حذفوا من أواخر المركبات الإضافية في النداء لأنهم اضطروا إلى ذلك ، وقد عقد سيبويه في كتابه بابا ترجمته «هذا باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطرارا» وقال الأعلم في بيت الشاهد «الشاهد في ترخيم عكرمة وتركه على لفظه ، ويحتمل أن تجعل فتحته إعرابا ، على أنه اسم لمؤنث فلا تصرفه ؛ لأن عكرمة وإن كان اسم رجل فإنه يقع على القبيلة» اه.

[٢١٩] هذا البيت من شواهد شرح المفصل (ص ١٨٥) وشرح الكافية (١ / ١٣٦) وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٧٧) واستشهد به أيضا ابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٥١) وشرحه العيني (٤ / ٢٨٧ بهامش الخزانة) وقوله «لا تبعد» أصل معناه لا تهلك ، ولكنهم يريدون لا ينقطع ذكرك ولا تنسى سوالفك ، و «ميتة» بكسر الميم ولهذا انقلبت الواو الساكنة ياء ، ووقع بدلها عند بعض الذين استشهدوا بالبيت «موتة» بفتح الميم وبقاء الواو على حالها. ومحل الاستشهاد بالبيت في قوله «أبا عرو» فإن هذا منادى بحرف نداء محذوف ، وهو مركب إضافي ، وقد رخّمه الشاعر بحذف آخر المضاف إليه ، فإن أصله «يا أبا عروة» فحذف حرف النداء ، وحذف التاء من عروة ، والكلام فيه كالكلام في البيت السابق.

[٢٢٠] هذان بيتان من مشطور الرجز ، وهما من شواهد سيبويه (١ / ٣٣٣) وقد نسب في صدر الكتاب وفي شرح شواهده ، لرؤبة بن العجاج ، والعنق ـ بفتح العين والنون جميعا ـ ضرب من السير السريع ، والجمز ـ بفتح فسكون ـ أشد من العنق ، وهو يشبه الوثب. وصف كبره وأنه قد قارب بين خطاه ضعفا. والاستشهاد بالبيت في قوله «أم حمز» فإن هذا منادى بحرف نداء محذوف ، وهو مركب إضافي ، وقد رخمه بحذف آخر المضاف إليه «وأصله يا أم حمزة» فحذف حرف النداء وهو يا ، وحذف التاء من المضاف إليه ، وهو نظير ما ذكرناه في شرح الشواهد السابقة.

واعلم أنّا رأيناهم يرخمون المركب الإضافي المنادى على عدة وجوه :

الأول : أن يحذفوا آخر المضاف إليه ، كما في الشواهد ٢١٨ و ٢١٩ و ٢٢٠.

__________________

(١) في «عكرمة بن حفصة» تحريف.

٢٨٥

أراد «أم حمزة» والشواهد على هذا كثيرة جدا ، فدل على جوازه. ولأن المضاف [١٥٤] والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد ، فجاز ترخيمه كالمفرد.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن ترخيم المضاف غير جائز أنه لم توجد فيه شروط الترخيم ، وهي : أن يكون الاسم منادى ، مفردا ، معرفة ، زائدا على ثلاثة أحرف. والدليل على اعتبار هذه الشروط : أما شرط كونه منادى فظاهر ؛ لأنهم لا يرخمون في غير النداء إلا في ضرورة الشعر ، ألا ترى أنهم لا يقولون في حالة الاختيار في غير النداء «قام عام» في عامر ، ولا «ذهب مال» في مالك ، فدل على أنه شرط معتبر. وأما شرط كونه مفردا فظاهر أيضا ؛ لأن النداء يؤثر فيه البناء ، ويغيره عما كان عليه قبل النداء ، ألا ترى أنه كان معربا فصار مبنيّا؟ فلما غيّره النداء عما كان عليه من الإعراب قبل النداء جاز فيه الترخيم ؛ لأنه تغيير ، والتغيير يؤنس بالتغيير ؛ فأما ما كان مضافا فإن النداء لم يؤثر فيه البناء ولم يغيره عما كان عليه قبل النداء ؛ ألا ترى أنه معرب بعد النداء كما هو معرب قبل النداء؟ وإذا كان الترخيم إنما سوّغه تغيير النداء ، والنداء لم يغير المضاف ؛ فوجب أن لا يدخله الترخيم ؛ فصار هذا بمنزلة حذف الياء في النسب من باب فعيلة وفعيلة كقولهم في النسب إلى جهينة «جهني» وإلى ربيعة «ربعي» وإثباتها في باب فعيل وفعيل كقولهم في النسب إلى قشير «قشيري» وإلى جرير «جريريّ» فإن الياء إنما حذفت من باب فعيلة وفعيلة دون باب فعيل وفعيل لأن النسب أثر فيه وغيّره بحذف تاء التأنيث منه ، والتغيير يؤنس بالتغيير ، بخلاف باب فعيل وفعيل ؛ فإن النسب لم يؤثر فيه تغييرا ، فلم يحذف منه الياء ، فأما قولهم في النسب إلى قريش «قرشي» وإلى هذيل «هذليّ» وإلى ثقيف «ثقفيّ» ـ بحذف الياء في إحدى اللغتين ـ فهو من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، واللغة الفصيحة إثبات الياء ، وهي أن تقول : قرشيّ ، وهذيلي ، وثقيفيّ ، وهو القياس. قال الشاعر :

[٢٢١] بكلّ قريشيّ عليه مهابة

سريع إلى داعي النّدى والتكرّم

______________________________________________________

والوجه الثاني : أن يحذفوا آخر المضاف لأنه هو المنادى عند التحقيق ، مثل قول الشاعر :

* يا علقم الخير قد طالت إقامتنا» *

أراد «يا علقمة الخير» فرخّمه بحذف التاء من المضاف إذ كان هو المنادى.

والوجه الثالث : أن يحذفوا المضاف إليه كله ، ومن ذلك قول عدي بن زيد :

يا عبد هل تذكرني ساعة

في موكب أو رائدا للقنيص؟

أراد أن يقول «يا عبد هند» لأنه ينادي عبد هند اللخمي ، فحذف المضاف إليه بتة.

[٢٢١] هذا البيت من شواهد سيبويه (٢ / ٧٠) ولم يعزه ولاعزاه الأعلم في شرح شواهده ، وهو

٢٨٦

وقال الآخر :

[٢٢٢] هذيلية تدعو إذا هي فاخرت

أبا هذليّا من غطارفة نجد

[١٥٥] وكما أن الحذف هاهنا إنما اختص بما غيّره النسب دون غيره ، فكذلك الحذف هاهنا للترخيم إنما يختص بما غيّره النداء ـ وهو المفرد المعرفة ـ دون المضاف والنكرة. وأما شرط كونه زائدا على ثلاثة أحرف فسنذكر ذلك في المسألة التي بعد هذه المسألة إن شاء الله تعالى.

أما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما ما استشهدوا به من الأبيات فلا حجّة فيه ؛ لأنه محمول عندنا على أنه حذف التاء لضرورة الشعر ، والترخيم عندنا يجوز

______________________________________________________

من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل (ص ٧٧١) وقد رواه ابن منظور (ق ر ش) ثالث ثلاثة أبيات ، ولم يعزها إلى قائل معين ، والبيتان اللذان قبله هما قوله :

ولست بشاوي عليه دمامة

إذا ما غدا يغدو بقوس وأسهم

ولكنما أغدو على مفاضة

دلاص كأعيان الجراد المنظم

وأول هذين البيتين من شواهد سيبويه (٢ / ٨٤) وثانيهما من شواهده أيضا (٢ / ١٨٦) وقوله في بيت الشاهد الذي نحن بصدده «سريع إلى داعي الندى» يريد أنه إذا دعاه الندى أو دعي إليه أجاب سريعا نحوه ، ومحل الاستشهاد بهذا البيت هنا قوله «قريشي» حيث أجراه في النسب على أصله ، ووفاه حروفه ، ولم يحذف ياءه ، وهو القياس ؛ لأن الياء لا يطرد حذفها إلا فيما كانت فيه هاء التأنيث نحو جهينة ومزينة ، إلا أن العرب آثرت في قريش الحذف لكثرة الاستعمال له ، فقالوا : قرشي.

[٢٢٢] هذا البيت من شواهد الزمخشري في المفصل (انظر شرح ابن يعيش ٧٦٩ و ٧٧٠) والاستشهاد بهذا البيت في موضعين ، الأول في قوله «هذيلية» والثاني في قوله «أبا هذليا» فإن الشاعر قد جمع بين إثبات الياء في الكلمة الأولى وحذف الياء في الكلمة الثانية ، والقياس في مثله إبقاء الياء وعدم حذفها.

قال أبو البقاء بن يعيش : «وقالوا ثقفي في النسبة إلى ثقيف ، وهو أبو قبيلة من هوازن ، وهو شاذ عند سيبويه ، والقياس ثقيفي ، وهو لغة قوم من العرب بتهامة وما يقرب منها ، وقد كثر ذاك حتى كاد يكون قياسا ، وقالوا : هذلي في النسبة إلى هذيل ، وهو حي من مضر بن مدركة بن إلياس ، والقياس عند سيبويه : هذيلي ، ومنه قوله :

* هذيلية تدعو إذا هي فاخرت* البيت

وقالوا : قرشي ، والقياس قريشي ، نحو قوله :

* بكل قريشي عليه مهابة* البيت

وقالوا : فقمي ، في فقيم ، وفقيم حي من كنانة ، وهم نسأة الشهور ، وقالوا في مليح خزاعة : ملحى ، وقالوا في سليم : سلمي ، وفي خثيم : خثمي ، والداعي إلى هذا الشذوذ.

طلب الخفة ؛ لاجتماع الياء مع الكسرة وياءي النسب» اه.

٢٨٧

لضرورة الشعر في غير النداء ، قال الشاعر :

[٢٢٣] أودى ابن جلهم عبّاد بصرمته

إنّ ابن جلهم أمسى حيّة الوادي

أراد «جلهمة» فحذف التاء لضرورة الشعر ، وقال الآخر :

[٢٢٤] ألا أضحت حبالكم رماما

وأضحت منك شاسعة أماما

______________________________________________________

[٢٢٣] هذا البيت من كلام الأسود بن يعفر ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٤) ورواه ابن منظور (ج ل ه م) وأودى بها : أي ذهب بها ، والصرمة ـ بكسر الصاد وسكون الراء ـ القطعة من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، والوادي : المطمئن من الأرض ، وحية الوادي : كناية عن كونه يحمي ناحيته ويتقى منه كما يتقى من الحية الحامية لواديها المانعة منه. ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «إن ابن جلهم» واعلم أولا أن العرب سمت المرأة جلهم ـ بغير تاء ـ وسمت الرجل جلهمة ـ بالتاء ـ كذا جرى استعمالهم للاسمين ، ثم اعلم أنه يجوز أن يكون الشاعر قد عنى أباه ، ويجوز أن يكون قد عنى أمه ، فإن كان قد عنى أباه كان أصل العبارة «إن ابن جلهمة» فرخمه بحذف التاء مع أنه غير منادى ، بل هو فاعل أودى ومضاف إليه ، ولكن يسأل حينئذ عما دعاه إلى فتح «جلهم» وهو علم لمذكر فلا يكون ممنوعا من الصرف بعد حذف التاء ، والجواب عن هذا أنه لما حذف التاء أبقى الحرف الذي قبلها على ما كان عليه ، كالذي يرخم على لغة من ينتظر الحرف المحذوف ، وإن كان قد عنى أمه كان أصل العبارة «إن ابن جلهم» كما وردت في البيت ؛ فلا يكون في البيت ـ على هذا الوجه ـ ترخيم ، ولا يستدل به على شيء من هذا الباب. ويكون «جلهم» مجرورا بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث كزينب ورباب من أعلام الإناث التي لا تاء فيها ، ومن هنا تعلم أن استشهاد المؤلف بهذا البيت لا يتم إلا على أساس أن الشاعر أراد اسم الأب ، وهو ظاهر بعد هذا الإيضاح. قال سيبويه رحمه‌الله : «وأما قول الأسود بن يعفر :

* أودى ابن جلهم عباد بصرمته*

فإنما أراد أمه جلهم ، والعرب يسمون المرأة جلهم والرجل جلهمة» اه. يعني أنه لا ترخيم فيه عنده ، وقال الأعلم : «الشاهد في قوله جلهم ، وأنه أراد أمه جلهم ؛ فلا ترخيم فيه على هذا ؛ لأن العرب سمت المرأة جلهم بغير هاء ، والرجل جلهمة بالهاء. كذا جرى استعمالهم للاسمين ، وإن كان أراد أباه فقد رخم» اه.

[٢٢٤] هذا البيت من كلام جرير بن عطية بن الخطفي ، وروايته في الديوان على قلق في وزنه (ص ٥٠٢) :

أصبح حبل وصلكم رماما

وما عهد كعهدك يا أماما

وليس في البيت ـ على هذه الرواية ـ ما يستشهد به لشيء في هذه المسألة كما ترى ، وكان أبو العباس المبرد يرد الاستشهاد بهذا البيت ويدعي أن الرواية هي هذه ، والبيت ـ على ما وراه المؤلف ـ من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٣) ورضي الدين في شرح الكافية (١ / ١٣٦) وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٨٩ بولاق) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٥٧)

٢٨٨

أراد «أمامة». وقال الآخر :

[٢٢٥] إنّ ابن حارث إن اشتق لرؤيته

أو أمتدحه فإنّ النّاس قد علموا

______________________________________________________

والأشموني (رقم ٩٢٤) وقد رواه المؤلف كما هنا في أسرار العربية (٩٧) والاستشهاد بالبيت على رواية النحاة في قوله «أماما» فإن أصله «أمامة» فرخّمه الشاعر بحذف التاء في غير النداء لأنه اسم أضحت ، وأبقى الحرف الذي قبل التاء على حركته التي كانت له قبل حذف التاء وهي الفتحة ؛ فهذا يدل على أن ترخيم غير المنادى في الضرورة يجيء على الوجهين اللذين يجيء عليهما ترخيم المنادى ، نعني أنه يجوز عند الضرورة ترخيم الاسم الذي ليس منادى مع قطع النظر عن الحرف الذي حذف للترخيم فتعامل الحرف الذي صار آخر الكلمة بالذي يستحقه من حركات الإعراب ، ويجوز ألا يقطع النظر عن الحرف الذي حذف للترخيم فتبقي الحرف الذي صار آخر الكلمة على حركته التي كانت عليه قبل الترخيم وتجعل حركة الإعراب مقدرة على الحرف الذي حذف ، وما في هذا البيت من هذا الضرب. فأماما : اسم أضحى تأخر عن خبرها ، وهو مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الحرف المحذوف للترخيم ، وتسمى هذه لغة من ينتظر ، وتسمى الأولى لغة من لا ينتظر ، كما تسميان في ترخيم المنادى.

[٢٢٥] هذا البيت من كلام أوس بن حبناء ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٣) والأشموني (رقم ٩٢٥) والمراد بابن حارث ابن حارثة بن بدر الغداني سيد بني غدانة بن يربوع بن تميم ، ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «ابن حارث» فإن أصله حارثة بالتاء ، فرخمه بحذف التاء ، وأبقى الحرف الذي قبل التاء على حركته التي كان عليها قبل الترخيم وهي الفتحة ، ولو لا ذلك لما كان هناك سبب لإعراب «حارث» إعراب الاسم الذي لا ينصرف ، وبيان ذلك أن «حارث» مضاف إليه ؛ فكان يجب أن يجر بالكسرة الظاهرة وينون ؛ لأنه ليس باسم قبيلة ولا بعلم مؤنث ، ولا يكون مجرورا بالفتحة نيابة عن الكسرة إلا إذا كان واحدا من هذين ، لهذا كان تخريج شيخ النحاة سيبويه لهذا وأمثاله على أنه رخمه في غير النداء على لغة من ينتظر الحرف المحذوف كما كان له أن يفعل ذلك في ترخيم المنادى ، ونظيره قول الشاعر :

لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره

طريف بن مال ليلة الجوع والخصر

أراد طريف بن مالك ، فحذف الكاف ، ونظيره قول الآخر :

* ليس حي على المنون بخال*

أراد أن يقول : ليس حي بخالد ، فلم يتيسر له ، فحذف الدال ، ونظيره قول أبي الطيب المتنبي :

لله ما فعل الصوارم والقنا

في عمرو حاب وضبة الأغتام

أراد أن يقول : في عمرو حابس ، فرخمه بحذف السين ، غير أن هذه الأبيات الثلاثة تستوي فيها اللغتان لغة من ينتظر الحرف المحذوف ولغة من لا ينتظر الحرف المحذوف بسبب كون الحركة التي كانت للحرف الذي صار آخر الكلمة هي نفس الحركة التي يقتضيها الإعراب.

٢٨٩

أراد «ابن حارثة» وقال الآخر :

[٢٢٦] أبو حنش يؤرّقني ، وطلق

وعمّار ، وآونه أثالا

أراد «أثالة». وزعم المبرّد أنه ليس في العرب أثالة ، وإنما هو أثال. ونصبه على تقدير : يذكرني آونة أثالا ، وقيل : نصبه لأنه عطفه على الياء والنون في «يؤرقني» كأنه قال : يؤرّقني وأثالا ، وقال بعض بني عبس :

[٢٢٧] أرقّ لأرحام أراها قريبة

لحار بن كعب لا لجرم وراسب

أراد «لحارث بن كعب» وعبس والحارث بن كعب بن ضبّة إخوة فيما

______________________________________________________

[٢٢٦] هذا البيت من كلام عمرو بن أحمر ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٣) والأشموني (رقم ٣٣٩) وابن عقيل (رقم ١٣١) وقد استشهد به أبو الفتح بن جني في الخصائص (٢ / ٣٧٨) وانظر العيني (٢ / ٤٢١ بهامش الخزانة) و «أبو حنش ، وطلق ، وعمار» جماعة من قومه كانوا قد لحقوا بالشام ؛ فصار يراهم في النوم إذا أتى عليه الليل ، ورواه ابن جني «وعباد» في مكان «عمار» ومحل الاستشهاد هنا بهذا البيت قوله «أثالا» فإن أصله «أثالة» بالتاء فرخمه بحذف هذه التاء في غير النداء ، وأبقى الحرف الذي قبل التاء على حركته التي كانت عليها قبل الترخيم ـ وهي الفتحة ـ على لغة من ينتظر الحرف المحذوف ، وهو نظير ما ذكرناه في شرح الشاهد السابق (٢٢٥).

[٢٢٧] أرق : أعطف ، والأرحام : جمع رحم ، وهو في الأصل القرابة من جهة النساء ، وقد يراد به القرابة مطلقا ، وجرم ـ بفتح الجيم وسكون الراء المهملة ـ قبيلة من قضاعة ، وهي جرم بن ربان ، وفي العرب بنو راسب بن الخزرج بن حرة بن جرم بن ربان ، وبنو راسب بن الحارث بن عبد الله بن الأزد ، وبنو راسب بن ميدعان الذين منهم عبد الله بن وهب الراسبي الذي كان على رأس الخوارج في يوم النهروان ، ومحل الشاهد في البيت قوله «لحار بن كعب» فإن أصل الكلام لحارث بن كعب ، فرخم حارث بحذف الثاء التي هي آخره وإن لم يكن منادى ، وأبقى الحرف الذي قبل الثاء ـ وهو الراء ـ على حركته التي كان عليها قبل الترخيم ، وهي الكسرة ، على نحو ما قررناه في شرح الشواهد السابقة.

ومن هذه الشواهد المتعددة تعلم أن الذي وقع من العرب في أشعارها من ترخيم غير المنادى قد جاء على طريقين : أحدهما أن يبقى الحرف الذي قبل المحذوف على ما كان عليه قبل الحذف ويسمى هذا لغة من ينتظر ، والثاني أن يحرك الحرف الذي قبل الحرف المحذوف ، بالحركة التي يقتضيها العامل ، ويعتبر كأنه آخر الكلمة حقيقة ، ويسمى هذا لغة من لا ينتظر أو لغة الاستقلال ، وقد قبل سيبويه الوجهين جميعا نظرا منه إلى ما ورد عن العرب ، وأما أبو العباس المبرد فكان لا يقبل إلا ما جاء على لغة من لا ينتظر الحرف المحذوف ، وهي لغة الاستقلال ، وكان يرد ما جاء على غير هذا الوجه ، قال رضي الدين (١ / ١٣٦) «ويجوز ترخيم غير المنادى للضرورة ، وإن خلا من تأنيث وعلمية ، على تقدير الاستقلال كان أو على نية المحذوف ، عند سيبويه ، والمبرد يوجب تقدير الاستقلال» اه.

٢٩٠

يزعمون. وعلى كل حال فالترخيم في غير النداء للضرورة مما لا خلاف في جوازه ، والشواهد عليه أشهر من أن تذكر ، وأظهر من أن تنكر ، وكما أن الترخيم في ذلك كله لا يدل على جوازه في حالة الاختيار ، فكذلك جميع ما استشهدوا به من الأبيات ، وإذا كان الترخيم يجوز لضرورة الشعر في غير النداء فلأن يجوز ترخيم المضاف لضرورة الشعر في النداء كان ذلك من طريق الأولى.

[١٥٦] وأما قولهم «إن المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد ؛ فجاز ترخيمه كالمفرد» قلنا : هذا فاسد ؛ لأنه لو كان هذا معتبرا لوجب أن يؤثر النداء في المضاف (١) البناء كما يؤثر في المفرد ، فلما لم يؤثر النداء فيه البناء دل على فساد ما ذهبتم إليه والله أعلم.

__________________

(١) في ر «في المضاف إليه البناء» وليس بذاك.

٢٩١

٤٩

مسألة

[هل يجوز ترخيم الاسم الثلاثي؟](١)

ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز ترخيم الاسم الثلاثي إذا كان أوسطه متحركا ، وذلك نحو قولك في عنق «يا عن» وفي حجر «يا حج» وفي كتف «يا كت» وذهب بعضهم إلى أن الترخيم يجوز في الأسماء على الإطلاق.

وذهب البصريون إلى أن ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف لا يجوز بحال ، وإليه ذهب أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي من الكوفيين.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما جوزنا ترخيم ما كان على ثلاثة أحرف إذا كان أوسطه متحركا لأن في الأسماء ما يماثله ويضاهيه نحو يد ودم ، والأصل في يد يدي ، وفي دم دمو في أحد القولين ، بدليل قولهم : دموان ، وقد قال بعضهم : إن دما من ذوات الياء واحتج بقول الشاعر :

[٢٢٨] فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين

______________________________________________________

[٢٢٨] يختلف العلماء كثيرا في نسبة هذا البيت ؛ فنسبه العيني ـ فيما نقله عنه البغدادي ، ولم أعثر عليه بعد طويل البحث ـ تبعا لابن هشام تبعا لصاحب الحماسة البصرية إلى المثقب العبدي ، وينسبه قوم إلى الفرزدق ، وقوم إلى الأخطل ، وقوم إلى المرداس بن عمرو ، واستصوب البغدادي أنه لعلي بن بدال بن سليم ، وأسند رواية ذلك إلى ابن دريد في كتاب المجتبى عن عبد الرحمن عن عمه الأصمعي ، وقد أنشد ابن منظور (د م ى) هذا البيت ثالث ثلاثة أبيات ، والبيت من شواهد الزمخشري في المفصل ، وابن يعيش في شرحه (ص ٦٠٠) والرضي في باب المثنى من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٣ / ٣٤٩) والأشموني (رقم ١١٦٢) ومعنى البيت مبني على ما كان العرب يعتقدونه من أن المتعاديين لو ذبحا وأحدهما جار الآخر لم يختلط دم أحدهما بدم الآخر ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «الدميان» حيث أتى بمثنى الدم وجعل لامه ياء ، ومن المقرر أن التثنية والجمع يردان

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : شرح رضي الدين على الكافية (١ / ١٣٦) وشرح موفق الدين بن يعيش على المفصل (ص ١٨٥) وشرح الأشموني مع حاشية الصبان (٣ / ١٤٩) وتصريح الشيخ خالد (٢ / ٢٣٤).

٢٩٢

والأكثرون على أنه من ذوات الواو ، إلا أنهم استثقلوا الحركة على حرف العلّة فيهما ؛ لأن الحركات تستثقل على حرف العلّة ، فحذفوه طلبا للتخفيف وفرارا من الاستثقال ، فبقيت يد ودم ، فكذلك في محل الخلاف : الترخيم إنما وضع للتخفيف بالحذف ، والحذف قد جاز في مثله للتخفيف ، فوجب أن يكون جائزا.

______________________________________________________

الأشياء إلى أصولها ؛ فمجيء الدميان بالياء يدل على أن اللام المحذوفة من «الدم» كانت ياء ، وهذه المسألة خلافية بين النحاة من ناحيتين ، ونحن نبين لك ذلك في وضوح واختصار فنقول : اعلم أولا أن العرب حذفت اللام من الدم لمجرد التخفيف فقالوا «دم» كما قالوا : غد ، ويد ، وأب ، وأخ ، وحم ، وأنهم اشتقوا فعلا ووصفا من الدم فقالوا : دمى فلان يدمى فهو دم ، بوزن فرح يفرح فرحا فهو فرح من الصحيح وعمي يعمى عمى فهو عم وشجى يشجى شجى فهو شج من المعتل وأن أكثرهم يقولون في تثنية الدم «دميان» ومنهم من يقول في تثنيته «دموان» بفتح الميم التي قبل الياء أو الواو ، وقد اختلف النحاة في المحذوف من «دم» أواو هو أم ياء؟ وفي أصل الميم قبل الحذف أمفتوحة هي أم ساكنة؟ فقال قوم : أصل دم دمي ـ بفتح الميم وبالياء في آخره ـ والدليل على ذلك أنهم قالوا في تثنيته «دميان» بفتح الميم وبالياء ، والتثنية ترد الأشياء إلى أصولها ، وقال قوم : أصل دم دمي ـ بسكون الميم وبالياء في آخره ـ أما الدليل على أن أصل اللام ياء فهو تثنيته على «دميان» وأما الدليل على أن أصل الميم ساكنة فهو القياس ؛ وذلك لأن أكثر ما حذف لامه اعتباطا للتخفيف مثل ابن وغد ساكن العين ، وتحريكها في التثنية لا يقطع بأنها كانت محركة في المفرد ، وقال قوم : أصل اللام المحذوفة من «دم» واو ، بدليل أنهم ثنوه فقالوا «دموان» ونحن بعد هذا نذكر لك كلام ابن الشجري في أماليه في هذه المسألة فإنه ـ فيما نرى ـ أوفي كلام فيها ، قال : «ودم عند بعض التصريفيين دمي ـ ساكن العين ـ قالوا : لأن الأصل في هذه المنقوصات أن تكون أعينها سواكن حتى يقوم دليل على الحركة ، من حيث كان السكون هو الأصل والحركة طارئة ، قالوا : وليس ظهور الحركة في قولنا دميان دليلا على أن العين متحركة في الأصل ؛ لأن الاسم إذا حذفت لامه واستمرت حركات الإعراب على عينه ثم أعيدت اللام في بعض تصاريف الكلمة ألزموا العين الحركة ، وقال من خالف أصحاب هذا القول : أصل دم دمي ـ بفتح العين ـ لأن العرب قلبوا لامه ألفا فألحقوه بباب رحا فقالوا : هذا دما ، مثل قولهم : هذه رحا ، وقال بعض العرب في تثنيته دمان فلم يردوا اللام ، كما قالوا في تثنية يد : يدان ، والوجه أن يكون العمل على الأكثر ، وكذلك حكى قوم دموان ، والأعرف فيه الياء ، وعليه أنشدوا :

* جرى الدميان بالخبر اليقين*

ومن العرب من يقول الدم ـ بتشديد الميم ـ كما تلفظ به العامة ، وهي لغة رديئة ، وأنشدوا لتأبط شرا :

حيث التقت بكر وفهم كلها

والدم يجري بينهم كالجدول

والعامة تفعل مثل هذا في الفم أيضا ، وإنما يكون ذلك في الشعر ، كما قال :

* يا ليتها قد خرجت من فمه*»

اه كلامه ، وفيه كفاية ومقنع.

٢٩٣

قالوا : ولا يلزم على كلامنا إذا كان الأوسط منه ساكنا ؛ فإنه لا يجوز ترخيمه وإن كان له نظير نحو يد وغد ؛ لأنّا نقول : إنما لم يجز عندنا ترخيم ما كان الأوسط منه ساكنا نحو زيد وعمرو لأنه إذا حذف الحرف الأخير وجب حذف الحرف الساكن الذي قبله ؛ فيبقى الاسم على حرف واحد ، وذلك [١٥٧] لا نظير له في كلامهم ، بخلاف ما إذا كان أوسطه متحركا على ما بيّنا.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أنه لا يجوز ترخيمه وذلك أنا أجمعنا على أن الترخيم في عرف النحويين إنما هو حذف دخل في الاسم المنادى إذا كثرت حروفه ، طلبا للتخفيف ، فإذا كان الترخيم إنما وضع في الأصل لهذا المعنى فهذا في محل الخلاف لا حاجة بنا إليه ؛ لأن الاسم الثلاثي في غاية الخفة ؛ فلا يحتمل الحذف ، إذ لو قلنا إنه يخفف بحذف آخره لكان ذلك يؤدي إلى الإجحاف به ؛ فدل على ما قلناه.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إنما جوزنا ترخيمه لأن في الأسماء ما يماثله ، نحو يد ودم» فنقول : الجواب عن هذا من وجهين :

أحدهما : أنّا نقول : إن هذه الأسماء قليلة في الاستعمال ، بعيدة عن القياس : فأما قلتها في الاستعمال فظاهر ؛ لأنها كلمات يسيرة معدودة ، وأما بعدها عن القياس فظاهر أيضا ، وذلك لأن القياس يقتضي أن لا يحذف ؛ لأن حرف العلة إذا كان متحركا فلا يخلو : إما أن يكون ما قبله ساكنا أو متحركا ، فإن كان ساكنا فينبغي أن لا يحذف كما لا يحذف من ظبي ونحي وغزو ولهو ؛ لأن الحركات إنما تستثقل على حرف العلة إذا كان ما قبله متحركا لا ساكنا ، وإن كان ما قبله متحركا فينبغي أن يقلب ألفا ولا يحذف ، كقولهم : رحى ، وعمى ، وعصا ، وقفا ، ألا ترى أن الأصل فيها رحي وعمي وعصو وقفو ؛ بدليل قولهم : رحيان ، وعميان ، وعصوان ، وقفوان ، إلا أنه لما تحركت الياء والواو ، وانفتح ما قبلهما ؛ قلبوا كل واحدة منهما ألفا استثقالا للحركات على حرف العلة مع تحرك ما قبله ، إلى غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه ، وعلى هذا سائر الثلاثي المقصور ، وإذا ثبت أن هذه الأسماء قليلة في الاستعمال بعيدة عن القياس فوجب أن لا يقاس عليها.

والوجه الثاني : وهو أنّا نقول : قياس محلّ الخلاف على يد ودم ، ليس بصحيح ، وذلك لأنهم إنما حذفوا الياء والواو لاستثقال الحركات عليهما ؛ لأنها تستثقل على حرف العلة ، أما في الترخيم فإنما وضع الحذف فيه على خلاف القياس ؛ لتخفيف الاسم الذي كثرت حروفه ، ولم يوجد هاهنا ؛ لأنه أقل الأصول ، وهي في غاية الخفة ، فلو جوزنا ترخيمه [١٥٨] لأدّى إلى أن

٢٩٤

ينقص (١) عن أقل الأصول وإلى الإجحاف به ، وذلك لا يجوز.

والذي يدل على فساد ما ذهبوا إليه أنه إذا كان الأوسط منه ساكنا فإنه لا يجوز ترخيمه.

قولهم «إنما لم يجز ترخيمه إذا كان الأوسط منه ساكنا ؛ لأنه إذا حذف الحرف الأخير وجب حذف الساكن الذي قبله ؛ فيبقى الاسم على حرف واحد» قلنا : لا نسلّم أنه إذا كان قبل الآخر حرف ساكن أنه يجب حذفه في الترخيم ، وإنما هذا شيء ادعيتموه وجعلتموه أصلا لكم لا يشهد به نقل ولا قياس ، وسنبين فساده في المسألة التي بعد هذه ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في ر «لأدى إلى أن ينقض» وهو تحريف ما أثبتناه.

٢٩٥

٥٠

مسألة

[ترخيم الرباعي الذي ثالثه ساكن](١)

ذهب الكوفيون إلى أن ترخيم الاسم الذي قبل آخره حرف ساكن يكون بحذفه وحذف الحرف الذي بعده ، وذلك نحو قولك في قمطر «يا قم» وفي سبطر «يا سب» وما أشبه ذلك. وذهب البصريون إلى أن ترخيمه يكون بحذف الحرف الأخير منه فقط.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه يرخم بحذف حرفين ، وذلك لأن الحرف الأخير إذا سقط من هذه الأسماء بقي آخرها ساكنا ، فلو قلنا إنه لا يحذف لأدى ذلك إلى أن يشابه الأدوات (٢) وما أشبهها من الأسماء ، وذلك لا يجوز.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن الترخيم يكون في هذه الأسماء بحذف حرف واحد أنا نقول : أجمعنا على أن حركة الاسم المرخّم باقية بعد دخول الترخيم كما كانت قبل دخول الترخيم من ضم وفتح وكسر ، ألا ترى أنك تقول في برثن «يا برث» وفي جعفر «يا جعف» وفي مالك «يا مال» وقد قرأ بعض السلف «ونادوا يا مال ليقض علينا ربك» وذكر أنها قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فيبقى كل واحدة من هذه الحركات بعد دخول الترخيم كما كانت قبل وجود الترخيم في أقيس الوجهين ، فكذلك هاهنا ، وهذا لأن الحركات إنما بقيت على ما كانت عليه لينوى بها تمام الاسم ، ولو لم يكن كذلك لكان [١٥٩] يجب أن يحرك المرخّم بحركة واحدة ، فإذا ثبت أن الحركات

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : تصريح الشيخ خالد (٢ / ٢٣٤ بولاق) وشرح الأشموني بحاشية الصبان (٣ / ١٤٩ بولاق) وأسرار العربية للمؤلف (ص ٩٥ ليدن) وشرح ابن يعيش على المفصل (ص ١٨٥ ليبزج) وشرح الكافية (١ / ١٣٦).

(٢) المراد بالأدوات الحروف ، والمراد بما أشبهها من الأسماء هو الأسماء المبنية كأسماء الشرط والاستفهام.

٢٩٦

إنما بقيت لينوى بها تمام الاسم فهذا المعنى موجود في الساكن حسب وجوده في المتحرك ؛ فينبغي أن يبقى على ما كان عليه إذا كان ساكنا كما يبقى على ما كان عليه إذا كان متحركا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : قولهم «لو أسقطنا الحرف الأخير لبقي ما قبله ساكنا فيشبه الأدوات» وهي الحروف. قلنا : هذا فاسد ؛ لأنه لو كان هذا معتبرا لوجب أن يحذف الحرف المكسور ؛ لئلا يشبه المضاف إلى المتكلم ، ولا خلاف أن هذا لا قائل به ؛ فدلّ على فساد ما ذهبوا إليه ، والله أعلم.

٢٩٧

٥١

مسألة

[القول في ندبة النكرة والأسماء الموصولة؟](١)

ذهب الكوفيّون إلى أنه يجوز ندبة النكرة والأسماء الموصولة ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه يجوز ندبة النكرة والأسماء الموصولة ، وذلك لأن الاسم النكرة يقرب من المعرفة بالإشارة نحو «واراكباه» فجازت ندبته كالمعرفة ، والأسماء الموصولة معارف بصلاتها كما أن الأسماء الأعلام معارف ، وكما يجوز ندبة الأسماء الأعلام نحو زيد وعمرو فكذلك يجوز ندبة ما يشبهها ويقرب منها ، والدليل على صحة هذا التعليل ما حكي عنهم من قولهم «وامن حفر بئر زمزماه» وما أشبه ذلك.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك لأن الاسم النكرة مبهم لا يخصّ واحدا بعينه ، والمقصود بالندبة أن يظهر النادب عذره في تفجّعه على المندوب ليساعد في تفجعه فيحصل التأسّي بذلك فيخف ما به من المصيبة ، وذلك إنما يحصل بندبة المعرفة ، لا بندبة النكرة ، وإذا كان ندبة النكرة ليس فيها فائدة وجب أن تكون غير جائزة ، وأما الأسماء الموصولة فإنها أيضا مبهمة ، فأشبهت النكرة ؛ فوجب أن لا تجوز ندبتها كالنكرة.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن الإشارة قد قرّبت الاسم النكرة من المعرفة فجازت ندبته كالمعرفة» قلنا : إلا أنه باق على إبهامه ، والمندوب يجب [١٦٠] أن يندب بأعرف أسمائه ، وأما الأسماء الموصولة وإن كانت قد تخصصت بالصلة فإنها لا تخلو عن إبهام ؛ لأن تخصيصها إنما يحصل بالجمل ، والجمل في الأصل نكرات.

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : تصريح الشيخ خالد الأزهري (٢ / ٢٣٩) وشرح الأشموني بحاشية الصبان (٣ / ١٤٤) وشرح ابن يعيش على المفصل (ص ١٨٧) وشرح الرضي على الكافية (١ / ١٤٤ وما بعدها).

٢٩٨

وأما ما حكوه من قولهم «وامن حفر بئر زمزماه» فهو من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، على أنا نقول : إنما جاء مع شذوذه هاهنا لأنه كان معروفا ، وهو عبد المطلب جدّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان قد عرف بحفر بئر زمزم ، وله يقول خويلد بن أسد :

[٢٢٩] أقول وما قولي عليكم بسبّة

إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم

حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر

وركضة جبريل على عهد آدم

فقال عبد المطلب : ما وجدت أحدا ورث العلم الأقدم غير خويلد بن أسد ؛ فلما كان عبد المطلب معروفا بحفرها تنزّل الاسم الموصول الدالّ عليه منزلة اسمه العلم ، والله أعلم.

______________________________________________________

[٢٢٩] هذان البيتان لخويلد بن أسد بن عبد العزى ، كما قال المؤلف ، وهو أبو عدي خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، أبو أم المؤمنين وصفية رسول رب العالمين السيدة خديجة بنت خويلد ، وجد الزبير بن العوام بن خويلد حواري سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن عمته صفية بنت عبد المطلب ، و «ابن سلمى» هو عبد المطلب بن هاشم جد سيدنا ومولانا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وأم عبد المطلب هي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بن تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ، وإبراهيم : أراد به أبا الأنبياء إبراهيم خليل الله ، وابن هاجر : هو إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وهو الجد الأعلى لقريش ، بل وللعرب جميعا ، والاستشهاد بالبيت في قوله «إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم» فإنه يدل على أن عبد المطلب ابن هاشم ـ وهو ابن سلمى ـ كان مشهورا بأنه حافر بئر زمزم ، فإذا قال قائل «وامن حفر بئر زمزماه» فكأنه قال : واعبد المطلباه.

٢٩٩

٥٢

مسألة

[هل يجوز إلقاء علامة الندبة على الصفة؟](١)

ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن تلقى علامة الندبة على الصفة ، نحو قولك «وازيد الظريفاه» وإليه ذهب يونس بن حبيب البصريّ وأبو الحسن بن كيسان.

وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : أجمعنا على أنه يجوز أن نلقي علامة الندبة على المضاف إليه ، نحو قولك «واعبد زيداه ، واغلام عمراه» فكذلك هاهنا ؛ لأن الصفة مع الموصوف بمنزلة المضاف مع المضاف إليه ؛ فإذا جاز أن تلقى علامة النّدبة على المضاف إليه فكذلك يجوز أن تلقى على الصفة.

والذي يدلّ على ذلك ما روي عن بعض العرب أنه ضاع منه جمجمتان ـ أي قدحان ـ فقال «واجمجمتيّ الشّاميّتيناه» وألقى علامة الندبة على الصفة ؛ فدلّ على ما قلناه.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز أن تلقى علامة الندبة على الصفة لأن علامة الندبة إنما تلقى على ما يلحقه تنبيه النداء لمدّ الصوت ، وليس ذلك موجودا [١٦١] في الصفة ؛ لأنها لا يلزم ذكرها مع الموصوف ؛ فوجب أن لا يجوز وسنبين هذا في الجواب إن شاء الله تعالى.

أما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم : «إنّا أجمعنا على أنه يجوز أن تلقى علامة الندبة على المضاف إليه فكذلك على الصفة ؛ لأن الصفة مع الموصوف بمنزلة المضاف مع المضاف إليه» ، قلنا : لا نسلم ؛ فإن المضاف لا يتم بدون ذكر المضاف إليه ، بخلاف الموصوف مع الصفة فإن الموصوف يتم بدون ذكر الصفة. ألا ترى أنك لو قلت «عبد» في قولك عبد زيد أو «غلام» في قولك غلام عمرو

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : شرح الكافية لرضي الدين (١ / ١٤٥) وشرح الأشموني بحاشية الصبان (٣ / ١٤٥) وتصريح الشيخ خالد (٢ / ٢٣٠) وشرح ابن يعيش على المفصل (ص ١٧٨).

٣٠٠