الإنصاف في مسائل الخلاف بين النّحويين : البصريّين والكوفييّن - ج ١

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]

الإنصاف في مسائل الخلاف بين النّحويين : البصريّين والكوفييّن - ج ١

المؤلف:

كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة العصريّة للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
ISBN: 9953-34-275-X
الصفحات: ٣٤٣
الجزء ١ الجزء ٢

أراد «بنات أوبر» وكما قال الآخر :

[٢٠٢] وإنّي حبست اليوم والأمس قبله

ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب

أراد «وأمس» ولهذا تركه على جهته الأولى مكسورا ، وكما قال الآخر :

[٢٠٣] * فإنّ الأولاء يعلمونك منهم*

______________________________________________________

[٢٠٢] هذا البيت من كلام نصيب بن رباح ، الأموي بالولاء ، وقد أنشده ابن منظور (أ م س) وعزاه إليه ، واستشهد به ابن هشام في شرح شذور الذهب (رقم ٤٤) والاستشهاد به في قوله «والأمس» حيث أدخل الألف واللام على أمس ، مع أن المراد به اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه ، وهو في هذه الحالة علم ، والعلم لا تدخله أل ، لكنه لما اضطر أدخل عليه أل ليقيم وزن البيت ، واعلم أن «أمس» إما أن يراد به يوم ما من الأيام السابقة ، وإما أن يراد به خصوص اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه ، وعلى كل حال إما أن يجمع جمع التكسير أو يصغر أو تدخله الألف واللام وإما ألا يكون شيئا من ذلك ، بل يكون مفردا مكبرا غير مقترن بأل ، فإن أريد به يوم ما من الأيام الماضية أو جمع جمع تكسير أو صغّر أو دخلته أل المعرفة فهو معرب ، وإن أريد به اليوم الذي قبل يومك الحاضر ولم يجمع ولم يصغر ولم تدخل عليه أل المعرفة فللعرب فيه لغتان : الأولى بناؤه على الكسر وهي لغة أهل الحجاز ، والثانية إعرابه إعراب ما لا ينصرف بالضمة من غير تنوين في حالة الرفع ، وبالفتحة من غير تنوين في حالتي الجر والنصب ، وقال الله تعالى : (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) فالأمس في هذه الآية الكريمة لا يراد به خصوص اليوم السابق على يومك الذي أنت فيه فهو نكرة ، وهو معرب على اللغتين جميعا ، وهو مجرور بالكسرة لاقترانه بأل ، وإذا علمت ذلك فاعلم أن «الأمس» في بيت نصيب يروى بالنصب وبالجر ، أما رواية النصب فلا إشكال فيها ؛ لأنه يكون حينئذ ظرفا معطوفا على «اليوم» والمعطوف على المنصوب منصوب ، وأما رواية الجر فإنها تحتاج إلى نظر ؛ فمن العلماء من قال : هو مبني على الكسر في محل نصب ، واضطر إلى أن يدعي أن أل الداخلة عليه ليست أل المعرفة ، ولكنها زائدة مثل زيادتها في «بنات الأوبر» وفي «أم العمرو» وفي «طبت النفس» وهذا هو الذي يجري عليه كلام المؤلف في هذا الموضع ، وقال قوم : لا ، بل هذه الألف واللام معرفة ، والأمس معطوف على اليوم ، والمعطوف على المنصوب منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة التوهم ، وذلك أن الشاعر بعد أن قال «وقفت اليوم» توهم أنه أدخل على اليوم «في» التي ينتصب الظرف على معناها ، فجاء بالمعطوف مجرورا على هذا التوهم ، وفي لسان العرب (أ م س) بحث لا بأس به في كلمة «أمس» وموضع بنائها ومواضع إعرابها.

[٢٠٣] أنشد ابن منظور هذا الشاهد صدر بيت ولم يذكر تتمته (باب الألف اللينة ٢٠ / ٣٢١) و «الأولاء» ههنا اسم إشارة ، وأصلها «أولاء» فزاد الألف واللام ، ولو لم يزدها لم يتأثر البيت ، فإن الوزن مستقيم بذكرها وبحذفها ، ولكنه مع هذا لا يخلو عن الضرورة ، وذلك لأن أسماء الإشارة معرفة من غير حاجة إلى الألف واللام ، وكأنه قال : فإن هؤلاء يعلمونك

٢٦١

[١٤٢] أراد «أولاء» فكما أن زيادة الألف واللام في هذه المواضع لا تدل على جواز زيادتها في اختيار الكلام فلا يجوز أن يقال في زيد الزّيد وفي عمرو العمرو ؛ لمجيئه شاذا ، فكذلك هاهنا ، وأما بعده عن القياس فقد بيّنّاه في دليلنا ، والله أعلم.

______________________________________________________

كثير ، بل هي مما لازمتها من حين وضعها ، ومن ذلك قول الشاعر :

فإن الألى بالطف من آل هاشم

تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

ومن ذلك قول خلف بن حازم :

إلى النفر البيض الأولاء كأنهم

صفائح يوم الروع أخلصها الصقل

ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص غير أنه حذف الصلة للعلم بها :

نحن الأولى فاجمع جمو

عك ثم وجههم إلينا

أي نحن الذين عرفوا بالشجاعة والإقدام وعدم المبالاة بالعدو ، فزيادة «أل» في «الأولاء» الموصولة زيادة لازمة لا تفارقها ، سواء أكانت مقصورة كما في البيت الأول أم كانت ممدودة كما في البيتين بعده ، أما «أولاء» الإشارية فأصل استعمالها أن تكون مجردة من أل ، وزيادة أل فيها مما ألجأت إليه الضرورة ، فاعرف هذا وتنبه له والله يرشدك.

٢٦٢

٤٤

مسألة

[القول في إضافة العدد المركب إلى مثله](١)

ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز أن يقال «ثالث عشر ثلاثة عشر».

وذهب البصريون إلى أنه يجوز أن يقال «ثالث عشر ثلاثة عشر».

أمّا الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : أجمعنا على أنه لا يمكن أن يبنى من لفظ ثلاثة عشر فاعل ، وإنما يمكن أن يبنى من لفظ أحدهما ، وهو العدد الأول الذي هو الثلاثة ، ولا يمكن أن يبنى من لفظ العدد الثاني ـ وهو العشر ـ فذكر العشر مع ثالث لا وجه له.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأن الأصل أن يقال «ثالث عشر ثلاثة عشر» وقد جاء عن العرب ، فإذا ساعده النقل والقياس ـ وهو الأصل ـ وجب أن يكون جائزا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إنه لا يمكن أن يبنى منهما فاعل ، وإنما يمكن أن يبنى من أحدهما» قلنا : هذا هو الحجة عليكم ؛ فإنه لما لم يمكن أن يبنى منهما وبني من أحدهما احتيج إلى ذكر الآخر ؛ ليتميز ما هو واحد ثلاثة مما هو واحد ثلاثة عشر ، فأتى باللفظ كله ، والله أعلم.

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : تصريح الشيخ خالد (٢ / ٣٥٧) وشرح الأشموني مع حاشية الصبان (٤ / ٦٤ بولاق).

٢٦٣

٤٥

مسألة

[المنادى المفرد العلم ، معرب أو مبنيّ؟](١)

ذهب الكوفيّون إلى أن الاسم المنادى المعرف المفرد معرب مرفوع بغير تنوين. وذهب الفراء من الكوفيين إلى أنه مبنيّ على الضم ، وليس بفاعل ولا مفعول. وذهب البصريون إلى أنه مبنيّ على الضم ، وموضعه النصب ؛ لأنه مفعول.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأنا وجدناه لا معرب [١٤٣] له يصحبه من رافع ولا ناصب ولا خافض ، ووجدناه مفعول المعنى ؛ فلم نخفضه لئلا يشبه المضاف ، ولم ننصبه لئلا يشبه ما لا ينصرف ؛ فرفعناه بغير تنوين ليكون بينه وبين ما هو مرفوع برافع صحيح فرق ، فأما المضاف فنصبناه لأنّا وجدنا أكثر الكلام منصوبا ؛ فحملناه على وجه من النصب لأنه أكثر استعمالا من غيره.

وأما الفرّاء فتمسّك بأن قال : الأصل في النداء أن يقال «يا زيداه» ، كالندبة ؛ فيكون الاسم بين صوتين مديدين ـ وهما «يا» في أول الاسم ، والألف في آخره ـ والاسم فيه ليس بفاعل ولا مفعول ولا مضاف إليه ، فلما كثر في كلامهم استغنوا بالصوت الأول وهو «يا» في أوله عن الثاني وهو الألف في آخره ، فحذفوها وبنوا آخر الاسم على الضم تشبيها بقبل وبعد ؛ لأن الألف لما حذفت وهي مرادة معه ، والاسم كالمضاف إليها إذ كان متعلقا بها ؛ أشبه آخره آخر ما حذف منه المضاف إليه وهو مراد معه نحو «جئت من قبل ومن بعد» أي من قبل ذلك ومن بعد ذلك ، قال الله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤] أي من قبل ذلك ومن بعد ذلك ؛ فكذلك هاهنا.

قالوا : ولا يجوز أن يقال «لو كانت الألف في آخر المنادى بمنزلة المضاف

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : أسرار العربية للمؤلف (ص ٩٠ ليدن) وشرح المفصل لابن يعيش (ص ١٥٩ ليبزج) وشرح رضي الدين على كافية ابن الحاجب (١ / ١٢٠) وشرح الأشموني مع حاشية الصبان (٣ / ١١٩ بولاق) وتصريح الشيخ خالد (٢ / ٢٠٨).

٢٦٤

إليه لوجب أن تسقط نون الجمع معها في نحو «واقنّسروناه» لأنا نقول : نحن لا نجوّز ندبة الجمع الذي على هجاءين ؛ فلا يجوز عندنا ندبة «قنسرون» بحذف النون ولا إثباتها كما لا يجوز تثنيته ولا جمعه.

قالوا : ولا يجوز أيضا أن يقال «إن هذا يبطل بالمنادى المضاف ، نحو : يا عبد عمرو ؛ فإنه يفتقر في باب الصوت إلى ما يفتقر إليه المفرد ؛ فكان ينبغي أن يقال : يا عبد عمرو ـ بالضم ـ لأن أصله : يا عبد عمراه» لأنا نقول : إنما لم يقدر ذلك في المنادى المضاف لأجل طوله ، بخلاف المفرد ، فبان الفرق بينهما.

وأما المضاف فإنما وجب أن يكون مفتوحا لأن الاسم الثاني حلّ محل ألف الندبة في قولك «يا زيداه» والدال في «يا زيداه» مفتوحة ، فبقيت الفتحة على ما كانت في «يا عبد عمرو» كما كانت في «يا زيداه» والمضموم هاهنا بمنزلة المنصوب ، والمنصوب بمنزلة المندوب ، ولا يقال إنه نصب بفعل ولا أداة.

قال : والذي يدل على أن المفرد بمنزلة المضاف [١٤٤] امتناع دخول الألف واللام عليه ، والذي يدل على أنه ليس منصوبا بفعل امتناع الحال أن تقع معه ؛ فلا يجوز أن يقال «يا زيد راكبا» ، والذي يدل على أنه بمنزلة المضاف وإن أفرد حملك نعته على النصب نحو «يا زيد الظّريف» كما يحمل نعته على الرفع نحو : «يا زيد الظريف».

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه مبنيّ وإن كان يجب في الأصل أن يكون معربا لأنه أشبه كاف الخطاب ، وكاف الخطاب مبنية ؛ فكذلك ما أشبهها. ووجه الشبه بينهما من ثلاثة أوجه : الخطاب ، والتعريف ، والإفراد ، فلما أشبه كاف الخطاب من هذه الأوجه وجب أن يكون مبنيا كما أن كاف الخطاب مبنية.

ومنهم من تمسك بأن قال : إنما وجب أن يكون مبنيا لأنه وقع موقع اسم الخطاب ؛ لأن الأصل في «يا زيد» أن تقول : يا إيّاك ، أو يا أنت ؛ لأن المنادى لما كان مخاطبا كان ينبغي أن يستغنى عن ذكر اسمه ويؤتى باسم الخطاب فيقال : «يا إياك» أو «يا أنت» كما قال الشاعر :

[٢٠٤] يامرّ يا ابن واقع يا أنتا

أنت الذي طلّقت عام جعتا

______________________________________________________

[٢٠٤] هذه خمسة أبيات من الرجز المشطور ، وهي لسالم بن دارة يقولها في مر بن واقع (انظر شرح التبريزي على الحماسة بتحقيقنا) وقد استشهد بالبيتين الأول والثاني رضي الدين في باب النداء من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٢٨٩) وابن يعيش في شرح

٢٦٥

حتّى إذا اصطبحت واغتبقتا

أقبلت معتادا لما تركتا

* قد أحسن الله وقد أسأتا*

فلما وقع الاسم المنادى موقع اسم الخطاب وجب أن يكون مبنيا كما أن اسم الخطاب مبني ، وإنما وجب أن يكون مبنيا على الضم لوجهين :

أحدهما : أنه لا يخلو : إما أن يبنى على الفتح ، أو الكسر ، أو الضم ، بطل أن يبنى على الفتح لأنه كان يلتبس بما لا ينصرف ، وبطل أن يبنى على الكسر لأنه كان يلتبس بالمضاف إلى النفس ، وإذا بطل أن يبنى على الفتح وأن يبنى على الكسر تعين أن يبنى على الضم.

والوجه الثاني : أنه بني على الضم فرقا بينه وبين المضاف ؛ لأنه إن كان مضافا إلى النفس كان مكسورا ، وإن كان مضافا إلى غيرك كان منصوبا ، فبني على الضم ؛ لئلا يلتبس بالمضاف ؛ لأنه لا يدخل المضاف.

وإنما قلنا «إنه في موضع نصب» لأنه مفعول ؛ لأن التقدير في قولك «يا زيد» أدعو زيدا ، أو أنادي زيدا ، فلما قامت «يا» مقام أدعو عملت عمله ، والذي يدل [١٤٥] على أنها قامت مقامه من وجهين ؛ أحدهما : أنها تدخلها الإمالة نحو «يا

______________________________________________________

المفصل (ص ٥٧ و ١٦٠ ليبزج) والأشموني (رقم ٨٦٦) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٣١) والاستشهاد به ههنا في قوله «يامر يابن واقع» وفي قوله «يا أنتا» فإن النداء الثاني ـ وهو قوله «يا أنتا» ـ يدل على النداء الأول ـ وهو قوله «يامر يابن واقع» ـ في معناه ، فيكون الاسم العلم المنادى واقعا موقع الضمير ، وقد علم أن الضمير مبني ، فيكون الواقع موقعه مبنيا أيضا ، قال ابن يعيش (ص ١٦٠) «فإن قيل : فلم بني ، وحق الأسماء أن تكون معربة؟ فالجواب أنه إنما بني لوقوعه موقع غير المتمكن ، ألا ترى أنه وقع موقع المضمر ، والمتمكنة من الأسماء إنما جعلت للغيبة ؛ فلا تقول قام زيد وأنت تحدثه عن نفسه ، إنما إذا أردت أن تحدثه عن نفسه فتأتي بضميره فتقول : قمت ، والنداء حال خطاب ، والمنادى مخاطب ، فالقياس في قولك يا زيد أن تقول : يا أنت ، والدليل على ذلك أن من العرب من ينادي صاحبه إذا كان مقبلا عليه ومما لا يلتبس نداؤه بالمكنى ، فيناديه بالمكنى على الأصل فيقول : يا أنت ، قال الشاعر :

* يامر يا ابن واقع يا أنتا*

غير أن المنادى قد يكون بعيدا منك أو غافلا ، فإذا ناديته بأنت أو إياك لم يعلم أنك تخاطبه أو تخاطب غيره ؛ فجئت بالاسم الذي يخصه دون غيره وهو زيد ، فوقع ذلك الاسم موقع المكنى ، فتبنيه لما صار إليه من مشاركة المكنى الذي يجب بناؤه» اه.

واعلم أن العرب إذا استعملت الضمير في النداء استعملته على وجهين : أحدهما أن يأتوا به ضميرا من ضمائر النصب فيقولوا «يا إياك» والثاني أن يأتوا به ضميرا من ضمائر الرفع فيقولوا «يا أنت» كما في البيت المستشهد به.

٢٦٦

زيد ، ويا عمرو» والإمامة إنما تكون في الاسم والفعل ، دون الحرف ، فلما جازت فيها الإمالة دلّ على أنها قد قامت مقام الفعل ، والوجه الثاني : أن لام الجر تتعلق بها نحو «يا لزيد ، ويا لعمرو» فإن هذه اللام لام الاستغاثة ، وهي حرف جر ؛ فلو لم تكن «يا» قد قامت مقام الفعل وإلا لما جاز أن يتعلق بها حرف الجر ؛ لأن الحرف لا يتعلق بالحرف ، فدلّ على أنها قد قامت مقام الفعل ، ولهذا زعم بعض النحويين أن فيها ضميرا كالفعل.

وذهب بعض البصريين إلى أن «يا» لم تقم مقام أدعو ، وأن العامل في الاسم المنادى أدعو المقدر ، دون يا ، والذي عليه الأكثرون هو الأول.

فإذا ثبت بهذا أنه منصوب ، إلا أنهم بنوه على الضم لما ذكرنا.

والذي يدل على أنه في موضع نصب أنك تقول في وصفه «يا زيد الظريف» بالنصب حملا على الموضع ، كما تقول «يا زيد الظريف» بالرفع حملا على اللفظ ، كما تقول «مررت بزيد الظريف والظريف» فالجر على اللفظ ، والنصب على الموضع ، فكذلك هاهنا : نصب لأن المنادى المفرد في موضع نصب لأنه مفعول ، وهذا هو الأصل في كل منادى ، ولهذا لمّا لم يعرض للمضاف والمشبه بالمضاف ما يوجب بناءهما كالمفرد بقيا على أصلهما في النصب.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين ، أما قولهم «إن المنادى لا معرب له يصحبه» قلنا : لا نسلم ، وقد بيّنا ذلك في دليلنا.

وقولهم «إنّا رفعناه» قلنا : وكيف رفعتموه ولا رافع له؟ وهل لذلك قطّ نظير في العربية؟ وأين يوجد فيها مرفوع بلا رافع أو منصوب بلا ناصب أو مخفوض بلا خافض؟ وهل ذلك إلا تحكم محض لا يستند إلى دليل؟! ثم نقول : ولم رفعتموه بلا تنوين؟ قولهم «ليكون بينه وبين ما هو مرفوع برافع فرق» قلنا : هذا باطل ؛ فإن فيما يرفع بغير تنوين ما هو صحيح الإعراب ، وذلك الاسم الذي لا ينصرف.

وقولهم «إنّا حملنا المضاف على لفظ المنصوب لكثرته في الكلام» قلنا : هذا يبطل بالمفرد ؛ فإنه كان ينبغي أن يحمل على النصب لكثرته في الكلام ، فلما لم يحمل المفرد على النصب دل على أنه ليس لهذا التعليل أصل.

وأما قول الفراء «إن الأصل في النداء أن يقال يا زيداه [١٤٦] كالندبة» فمجرد دعوى يفتقر إلى دليل.

وقوله «إن الألف المزيدة في آخره بمنزلة المضاف إليه ، فلما حذفوها بنوه على الضم ، كما إذا حذف المضاف إليه من قبل ومن بعد» قلنا : هذا يبطل

٢٦٧

بالمنادى المضاف ، نحو «يا عبد عمرو» ؛ فإنه يفتقر في باب الصوت إلى ما يفتقر إليه المفرد ؛ فكان يجب أن يقال «يا عبد عمرو» بالضم ؛ لأن أصله يا عبد عمراه.

قوله «إنما لم يقدر ذلك في المنادى المضاف لطوله» قلنا : هذا باطل ؛ لأن الطول لا يمنع تقرير الكلمة على حقها من تقدير الصوت في أوله وآخره ؛ لأنه لا فرق في باب النداء بين طويل الأسماء وقصيرها ، ألا ترى أنك لو ناديت رجلا اسمه قرعبلانة أو هزنبران أو أشناندانة وما أشبه ذلك لوجب فيه الضم ، وإن كان أكثر حروفا من «يا عبد عمرو» فدل على بطلان ما ذهب إليه.

وأما جعله نصب المضاف مبنيا على فتح ما قبل الألف المزيدة في آخر المنادى فباطل أيضا بما إذا قال «يا خيرا من زيد» إذا كان مفردا مقصودا له ، فإنه لا يخلو : إما أن يحمل نصب خير على الألف التي تدخل للصوت الرفيع ، أو على غيره ، فإن قال «على الألف» فكان ينبغي أن نقول «يا خيرا من (١) زيد» وهذا لا يقوله أحد ، وإذا لم تدخله الألف وقد نصب دلّ على أنه لم يحمل على الألف ، وأنه محمول على غيره.

والذي يدل على بطلان ما ذهب إليه من جعله الألف في آخر المنادى بمنزلة المضاف إليه أنه لو كان كذلك لوجب أن تسقط نون الجمع معها في نحو : «واقنسروناه» قولهم «نحن لا نجوّز ندبة الجمع الذي على هجاءين فلا يجوز عندنا ندبة قنسرون بحذف النون ولا إثباتها» قلنا : هذا يلزمكم إذا جعلتم مكان الواو ياء ؛ فإنه يجوز عندكم أن تقولوا : واقنسريناه ، وإن امتنع عندكم واقنسروناه ، وكلاهما لفظ الجمع.

وأما قوله «إن المفرد بمنزلة المضاف ؛ بدليل امتناع دخول الألف واللام عليه» قلنا : لا نسلم أن امتناع دخول الألف واللام عليه لما ذكرت ، وإنما امتنع دخول الألف واللام عليه لأن الإشارة إليه والإقبال عليه أغنت عن دخول الألف واللام عليه.

وأما قوله «الذي يدل على أنه ليس منصوبا بفعل امتناع الحال أن تقع معه» قلنا : [١٤٧] لا نسلم أن امتناع الحال أن تقع معه إنما كان لأجل العامل ، ولكن لتناقض معنى الكلام فيه ، وذلك لأنا لو قلنا «يا زيد راكبا» على معنى الحال لكان التقدير أن النداء في حال الركوب ، وإن لم يكن راكبا فلا نداء ، وهذا مستحيل ؛ لأن النداء قد وقع بقوله «يا زيد» فإن لم يكن راكبا لم يخرجه ذلك عن أن يكون قد

__________________

(١) أي من غير تنوين «خير».

٢٦٨

نادى زيدا بقوله «يا زيد» وليس ذلك في سائر الكلام ، ألا ترى أنك لو قلت «اضرب زيدا راكبا» فلم تجده راكبا لم يجز أن تضربه ، على أنه قد حكى أبو بكر بن السراج عن أبي العباس المبرد أنه قال : قلت لأبي عثمان المازني : ما أنكرت من الحال للمدعوّ؟ قال : لم أنكر منه شيئا ، إلا أن العرب لم تدع على شريطة ؛ فإنهم لا يقولون «يا زيد راكبا» أي : ندعوك في هذه الحالة ونمسك عن دعائك ماشيا ؛ لأنه إذا قال «يا زيد» فقد وقع الدعاء على كل حال ، قلت : فإن احتاج إليه راكبا ولم يحتج إليه في غير هذه الحالة ، فقال : ألست تقول يا زيد دعاء حقا؟ فقلت : بلى ، فقال : على ما تحمل المصدر؟ قلت : لأن قولي يا زيد كقولي أدعو زيدا ؛ فكأني قلت : أدعو دعاء حقا ، فقال : لا أرى بأسا بأن تقول على هذا : يا زيد راكبا ، فالزم القياس ، قال أبو العباس : وجدت أنا تصديقا لهذا قول النابغة :

[٢٠٥] قالت بنو عامر : خالوا بني أسد ،

يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام

______________________________________________________

[٢٠٥] هذا البيت للنابغة الذبياني كما قال المؤلف ، وكان بنو عامر قد طلبوا إلى قوم النابغة أن يقاطعوا بني أسد ، فجهلهم النابغة في ذلك ، والبيت من شواهد سيبويه (١ / ٣٤٦) ورضي الدين في أول باب المنادى من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٢٨٥) ومعنى «خالوا بني أسد» أي تاركوهم وقاطعوهم ، وحرفيته خلوا بينهم وبين أنفسهم ولا تكونوا معهم ، ومنه قالوا للمرأة المطلقة «خلية» وقالوا «خليت النبت» أي قطعته ، وقوله «يا بؤس للجهل» معناه ما أبأس الجهل على صاحبه وأضره له ، والاستشهاد بالبيت ههنا في قوله «يا بؤس للجهل ضرارا» فإن هذه الكلمة حال ، وقد جعله المبرد حالا من المضاف الذي هو المنادى ، ومن المعلوم أن العامل في الحال هو العامل في صاحبها ؛ فيكون العامل في هذه الحال هو العامل في المنادى ـ وهو حرف النداء النائب مناب أدعو ـ وكأنه قال : أدعو بؤس الجهل أدعوه حال كونه ضرارا لأقوام ، ومن العلماء من جعل هذه الحال من المضاف إليه الذي هو الجهل ؛ فيكون العامل فيه هو المضاف لأنه هو العامل في صاحبه ، ومن هؤلاء رضي الدين في شرح الكافية والأعلم الشنتمري ، قال رضي الدين (١ / ١٢٠) : «واعلم أنه قد ينصب عامل المنادى المصدر اتفاقا نحو : يا زيد دعاء حقا ، وأجاز المبرد نصبه للحال نحو : يا زيد قائما ، إذا ناديته في حال قيامه ، قال : ومنه قوله :

* يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام*

والظاهر أن عامله بؤس الذي بمعنى الشدة ، وهو مضاف إلى صاحب الحال ـ أعني الجهل ـ تقديرا ؛ لزيادة اللام ؛ فهو مثل : أعجبني مجيء زيد راكبا» اه فأنت ترى أنه بعد أن نقل مذهب المبرد استظهر غيره وهو الذي حكيناه عنه ، وقال الأعلم «ونصب ضرارا على الحال من الجهل» اه ، والاستشهاد الثاني بهذه الجملة في زيادة اللام وإقحامها بين المضاف الذي هو بؤس والمضاف إليه الذي هو الجهل ، قال سيبويه «ومثل هذا قول الشاعر إذا اضطر :

* يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام*

حملوه على أن اللام لو لم تجىء لقلت : يا بؤس الجهل» يريد أن الشاعر مع مجيء اللام

٢٦٩

وقوله «والذي يدل على أنه بمنزلة المضاف وإن أفرد حملك نعته على النصب نحو يا زيد الظريف كما يحمل نعته على الرفع نحو يا زيد الظريف» قلنا : لا نسلّم أن نصب الوصف لأن المفرد بمنزلة المضاف ، وإنما نصبه لأن الموصوف وإن كان مبنيا على الضم فهو في موضع نصب لأنه مفعول ؛ فنصب وصفه حملا على الموضع كما رفع حملا على اللفظ ، وحمل الوصف والعطف على الموضع جائز في كلامهم كما يحمل على اللفظ ؛ ولهذا يجوز بالإجماع «ما جاءني من أحد غيرك» بالرفع ، كما يجوز بالجرّ ، قال الله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩] بالرفع والجرّ ؛ فالرفع على الموضع ، والجرّ على اللفظ.

قال الشاعر :

حتّى تهجّر في الرّواح وهاجها

طلب المعقّب حقّه المظلوم [١٤٥]

[١٤٨] فرفع «المظلوم» وهو صفة للمجرور الذي هو «المعقّب» حملا على الموضع ؛ لأنه في موضع رفع بأنه فاعل ، إلا أنه لما أضيف المصدر إليه دخله الجرّ للإضافة ، وكذلك يجوز أيضا الحمل على الموضع في العطف نحو «مررت بزيد وعمرا» كما يجوز «وعمرو» قال الشاعر :

[٢٠٦] فلست بذي نيرب في الصّديق

ومنّاع خير وسبّابها

ولا من إذا كان في جانب

أضاع العشيرة فاغتابها

______________________________________________________

ترك التنوين ؛ لأنه قدر اللام غير موجودة وأن الاسم مضاف إلى ما بعده ، وقال الأعلم «الشاهد فيه إقحام اللام بين المضاف والمضاف إليه في قوله يا بؤس للجهل ، توكيدا للإضافة» اه.

[٢٠٦] هذان البيتان من كلام عدي بن خزاعي ، وقد رواهما صاحب الصحاح (ن ر ب) كما رواهما المؤلف ، ولكن ابن منظور نقل عن ابن بري أن صواب الإنشاد هكذا :

ولست بذي نيرب في الكلام

ومناع قومي وسبابها

ولا من إذا كان في معشر

أضاع العشيرة واغتابها

ولكن أطاوع ساداتها

ولا أعلم الناس ألقابها

والنيرب ـ بوزن جعفر وكوثر ـ الشر والنميمة ، وتقول «نيرب الرجل» ـ مثل بيطر مما ألحق بدحرج بزيادة الياء ـ تريد سعى ونم ، وتقول «نيرب الكلام» تريد خلطه ، ورجل نيرب ، ورجل ذو نيرب ؛ أي ذو شر ونميمة ، ومحل الاستشهاد قوله «ومناع خير» على ما رواه المؤلف ؛ فإن الرواية في هذه الكلمة وردت بنصب «مناع» المعطوف على قوله «بذي نيرب» الذي هو خبر ليس مزيدا فيه الباء ، وإنما أتى الشاعر بالمعطوف منصوبا لأن موضع المعطوف عليه النصب لكونه خبر ليس ، وهذه الباء الداخلة عليه زائدة لا عمل لها إلا في اللفظ.

٢٧٠

وقال الآخر وهو عقيبة الأسدي :

[٢٠٧] معاوي إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

فنصب «الحديد» حملا على موضع «بالجبال» لأن موضعها النصب بأنها خبر ليس ، ومن زعم أن الرواية «ولا الحديد» بالخفض فقد أخطأ ؛ لأن البيت الذي بعده :

أدبروها بني حرب عليكم

ولا ترموا بها الغرض البعيدا

والرويّ المخفوض لا يكون مع الرويّ المنصوب في قصيدة واحدة ؛ وقال العجاج :

[٢٠٨] كشحا طوى من بلد مختارا

من يأسة اليائس أو حذارا

______________________________________________________

[٢٠٧] هذا البيت والبيت الذي رواه المؤلف بعد قليل على أنه تال لهذا البيت لتبيين قافية الكلمة وأنها منصوبة ، هما من كلام لعقيبة بن هبيرة الأسدي يقوله لمعاوية بن أبي سفيان يشكو إليه جور عماله ، وهما من شواهد سيبويه (١ / ٣٤ و ٣٥٢ و ٣٧٥ و ٤٤٨) وابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٧٤٠) ورضي الدين في أثناء باب توابع المنادى من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٤٣) واعلم أولا أن قصيدة عقيبة بن هبيرة الأسدي رويها مجرور ، وهي تروى هكذا :

معاوي إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

أكلتم أرضنا فجرزتموها

فهل من قائم أو من حصيد

أتطمع في الخلود إذا هلكنا

وليس لنا ولا لك من خلود؟

وقد روى سيبويه البيتين اللذين رواهما المؤلف بالنصب ، وقال الأعلم «وقد رد على سيبويه رواية البيت بالنصب ؛ لأن البيت من قصيدة مجرورة معروفة ، وبعده ما يدل على ذلك ، وهو قوله :

* أكلتم أرضنا فجرزتموها ـ البيت*

وسيبويه غير متهم فيما نقله رواية عن العرب ، ويجوز أن يكون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه المعروفة ، أو يكون الذي أنشده رده إلى لغته فقبله منه سيبويه ، فيكون الاحتجاج بلغة المنشد ، لا بقول الشاعر» اه كلامه ، ومنه يتبين أن الذي كان في نسخة كتاب سيبويه التي كانت بيد الأعلم بيت واحد ؛ فالظاهر أن نقلة كتاب سيبويه أضافوا البيت الثاني ليظهر أن ثمة قصيدة بالنصب وأن البيت من هذه القصيدة ، ومحل الاستشهاد قوله «ولا الحديدا» حيث نصب المعطوف نظرا إلى موضع المعطوف عليه ، قال سيبويه «ومما جاء من الشعر في الإجراء على الموضع قول عقيبة الأسدي ، وأنشد البيتين» اه وقال الأعلم : «استشهد به على جواز المعطوف على موضع الباء وما عملت فيه ؛ لأن معنى لسنا بالجبال ولسنا الجبال واحد» اه.

[٢٠٨] الكشح ـ بفتح الكاف وسكون الشين ـ ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف ، وهو موضع السيف من المتقلد ، ويقال «طوى فلان كشحه على الأمر» إذا استمر ودام عليه ، ويقال ـ

٢٧١

وقال الآخر :

[٢٠٩] فإن لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ فلتزعك العواذل

وقال الآخر أيضا :

[٢١٠] ألا حيّ ندماني عمير بن عامر

إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا

______________________________________________________

«طوى كشحه عنا» إذا ذهب وقطع أواصر الرحم قال الشاعر :

طوى كشحا خليلك والجناحا

لبين منك ، ثم غدا صراحا

ويقال «طوى فلان كشحا على ضغن» إذا عاداك وفاسدك ، قال زهير :

وكان طوى كشحا على مستكنة

فلا هو أبداها ولم يتجمجم

ومحل الاستشهاد هنا قوله «أو حذرا» حيث عطف هذا المنصوب على قوله «يأسة اليائس» المجرور لكون محل هذا المجرور النصب لكونه مفعولا لأجله ، وقد علمت أن المفعول لأجله يجوز جره بحرف جر دال على التعليل ولو استوفى شروط النصب ، ألا ترى أنه لو لم يأت بمن لكان يقول : يأسة اليائس أو حذارا ، فينصب المعطوف والمعطوف عليه جميعا؟ وقد ذكرنا لك جملة من الشواهد للعطف على المحل تجري في أبواب مختلفة في شرح الشاهد رقم ١١٦ فارجع إليها إن شئت.

[٢٠٩] هذا البيت من كلام لبيد بن ربيعة العامري ، وقد استشهد به سيبويه (١ / ٣٤) ورضي الدين في أثناء باب توابع المنادى ، وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٣٩) وابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٧٣٣) وانظر شرح شواهد المغني للسيوطي (ص ٥٥) ومحل الاستشهاد قوله «ودون معد» حيث عطف «دون» هذه المنصوبة على «دون» السابقة المجرورة ؛ لكون محل الأولى المجرورة هو النصب ؛ فإن المجرور بحرف الجر مفعول به في المعنى ، ألا ترى أن العامل هنا ـ وهو قوله «تجد» يتعدى إلى ثاني مفعوليه بنفسه تارة وبحرف الجر تارة آخرى ، قال الأعلم : «حمل دون الآخرة على موضع الأولى لأن معنى لم تجد من دون عدنان ولم تجد دون عدنان واحد» اه. وقال ابن هشام في المغني (ص ٤٧٣ بتحقيقنا) : «وللعطف على المحل ثلاثة شروط : الأول إمكان ظهوره في الفصيح ، ألا ترى أنه يجوز في ليس زيد بقائم وما جاءني من امرأة أن تسقط الباء فتنصب ومن فترفع ؛ فعلى هذا لا يجوز : مررت بزيد وعمرا ، خلافا لابن جني ؛ لأنه لا يجوز في الفصيح : مررت زيدا ، ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائدا كما مثلنا ، بدليل قوله :

* فإن لم تجد من دون عدنان والدا* البيت

وأجاز الفارسي في قوله تعالى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أن يكون (يَوْمَ الْقِيامَةِ) عطفا على محل (هذِهِ) لأنه محله النصب» اه المقصود منه بتصرف يسير جدا.

[٢١٠] الندمان ـ ومثله النديم ـ الذي يجالسك ويشاربك ، وقال الشاعر :

وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت وقد تغورت النجوم

والاستشهاد بالبيت في قوله «أو غدا» حيث جاء به منصوبا تبعا لمحل «اليوم» الذي هو المعطوف عليه ؛ على مثال ما قلنا في شرح الشواهد السابقة ، ومن العلماء من خرج هذا ـ

٢٧٢

فنصب «غدا» حملا على موضع «من اليوم» وموضعها نصب.

والشواهد على الحمل على الموضع في الوصف والعطف أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصى ، والله أعلم.

______________________________________________________

البيت على أن «من» في قوله «من اليوم» زائدة ؛ فيكون «اليوم» منصوبا على الظرفية ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وسيذكر المؤلف هذا التخريج في آخر المسألة ٥٤.

٢٧٣

٤٦

مسألة

[القول في نداء الاسم المحلّى بأل](١)

ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز نداء ما فيه الألف واللام نحو «يا الرجل ويا الغلام» ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن [١٤٩] قالوا : الدليل على أنه جائز أنه قد جاء ذلك في كلامهم ، قال الشاعر :

[٢١١] فيا الغلامان اللّذان فرّا

إيّاكما أن تكسباني شرّا

______________________________________________________

[٢١١] هذان بيتان من الرجز المشطور ، وقد استشهد بهما ابن يعيش في شرح المفصل (ص ١٧٢) ورضي الدين في أثناء باب توابع المنادى من شرح الكافية (١ / ١٣٢) وشرحهما البغدادي في الخزانة (١ / ٣٥٨ بولاق) والأشموني (رقم ٨٧٩) وابن عقيل (رقم ٣٠٩) وقوله «إياكما أن تكسباني شرا» روى في مكانه «إياكما أن تعقبانا شرا» وهو تحذير ، وتقديره : احذرا من أن تكسباني شرا ، ويجوز في حرف المضارعة في «تكسباني» الفتح على أنه مضارع كسب الثلاثي والضم على أنه مضارع أكسب ، وكل أهل اللغة يجيزون أن تقول «كسب زيدا مالا ، أو علما» إلا ابن الأعرابي فإنه كان يوجب أن تقول «أكسبت زيدا مالا» بالهمزة. ومحل الاستشهاد قوله «فيا الغلامان» حيث جمع بين حرف النداء وأل ، والبصريون يقررون أن الجمع بين حرف النداء وأل جائز في موضعين : أحدهما في نداء اسم الله تعالى في نحو قولك «يا الله» وثانيهما فيما تحكيه من الجمل نحو أن تسمي رجلا «الرجل منطلق» ، وفيما عدا هذين لا يجوز الجمع بين حرف النداء وأل في الاختيار ، وأما الكوفيون فقد أجازوا ذلك اعتمادا على ما ورد منه في نحو البيت المستشهد به ، ونحو قول الآخر وهو من شواهد الأشموني (رقم ٨٧٨) :

عباس يا الملك المتوج والذي

عرفت له بيت العلا عدنان

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : شرح ابن يعيش على المفصل (ص ١٧١ ليبزج) وكتاب سيبويه (١ / ٣١٠) وشرح الأشموني مع حاشية الصبان (٣ / ١٢٥) وتصريح الشيخ خالد الأزهري (٢ / ٢١٦) وأسرار العربية للمؤلف (ص ٩٣ ليدن) وشرح رضي الدين على الكافية (١ / ١٢٨ و ١٣٢).

٢٧٤

فقال «يا الغلامان» فأدخل حرف النداء على ما فيه الألف واللام.

وقال الآخر :

[٢١٢] فديتك يا الّتي تيّمت قلبي

وأنت بخيلة بالودّ عنّي

فقال «يا التي» فأدخل حرف النداء على ما فيه الألف واللام ؛ فدلّ على جوازه.

والذي يدل على صحة ذلك أنّا أجمعنا على أنه يجوز أن نقول في الدعاء «يا الله اغفر لنا» والألف واللام فيه زائدان ؛ فدل على صحة ما قلناه.

وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز ذلك لأن الألف واللام تفيد التعريف ، و «يا» تفيد التعريف ، وتعريفان في كلمة لا يجتمعان ؛ ولهذا

______________________________________________________

[٢١٢] هذا البيت من شواهد سيبويه (١ / ٣١٠) والزمخشري في المفصل (رقم ٣٥ بتحقيقنا) وابن يعيش في شرحه (ص ١٧٢) وأسرار العربية للمؤلف (ص ٩٣) ورضي الدين في شرح الكافية (١ / ١٣٢) وشرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٣٥٨) وقوله «فديتك» قد روي «من أجلك يا التي» بإلقاء حركة الهمزة من «أجلك» وهي الفتحة على النون قبلها وحذف الهمزة ، و «تيمت قلبي» أي استعبدته وأذللته ، وقوله «بالود» هو كذلك في كتاب سيبويه وشرح الأعلم ، وورد في المفصل «بالوصل» ومحل الاستشهاد قوله «يا التي» حيث جمع بين حرف النداء وأل ، مع أن أل في هذه الكلمة لازمة لا يجوز إسقاطها ؛ لأنها لازمتها من حال الوضع ، ولهذا يزعم البصريون أن هذا البيت أخف شذوذا من البيت السابق (رقم ٢١١) لأن الألف واللام في قول الشاعر «فيا الغلامان» ليسا بلازمين ، قال الأعلم : «الشاهد فيه دخول حرف النداء على الألف واللام في قوله «يا التي» تشبيها بقولهم «يا الله» للزوم الألف واللام لها ، ضرورة ، ولا يجوز ذلك في الكلام» اه.

وقال ابن يعيش «وأما بيت الكتاب :

* من أجلك يا التي تيمت قلبي ـ إلخ»

فشاذ قياسا واستعمالا ، فأما القياس فلما في نداء ما فيه الألف واللام على ما ذكر ، وأما الاستعمال فظاهر ، فإنه لم يأت منه إلا ما ذكر ، وهو حرف أو حرفان ، ووجه تشبيهه بيا الله من جهة لزوم الألف واللام وإن لم يكن مثله ، والفرق بينهما أن الذي والتي صفتان يمكن أن ينادى موصوفهما وينوي بهما صفتين كقولك : يا زيد الذي في الدار ويا هند التي أكرمتني ، ويقع صفة لأيها ، نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) و (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) وليستا اسمين ، ولا يكون ذلك في اسم الله تعالى ؛ لأنه اسم غالب جرى مجرى الأعلام كزيد وعمرو» اه.

وقال أبو سعيد السيرافي : «كان أبو العباس لا يجيز يا التي ، ويطعن على البيت ، وسيبويه غير متهم فيما رواه ، ومن أصحابنا من يقول : إن قوله يا التي تيمت قلبي على الحذف ، كأنه قال : يأيها التي تيمت قلبي ، فحذف ، وأقام النعت مقام المنعوت» اه.

٢٧٥

لا يجوز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية في الاسم المنادى العلم نحو «يا زيد» بل يعرّى عن تعريف العلمية ويعرّف بالنداء ؛ لئلا يجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية ، وإذا لم يجز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية فلأن لا يجوز الجمع بين تعريف النداء وتعريف الألف واللام أولى ، وذلك لأن تعريف النداء بعلامة لفظية ، وتعريف العلمية ليس بعلامة لفظية ، وتعريف الألف واللام بعلامة لفظية ، كما أن تعريف النداء بعلامة لفظية ، وإذا لم يجز الجمع بين تعريف النداء وتعريف العلمية وأحدهما بعلامة لفظية والآخر ليس بعلامة لفظية فلأن لا يجوز الجمع بين تعريف النداء وتعريف الألف واللام وكلاهما بعلامة لفظية كان ذلك من طريق الأولى (١).

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قوله :

* فيا الغلامان اللّذان فرّا*

[٢١١] فلا حجّة لهم فيه ؛ لأن التقدير فيه «فيا أيها الغلامان» فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، وكذلك قول الآخر :

* فديتك يا الّتي تيّمت قلبي*[٢١٢]

حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، على أن هذا قليل ، إنما يجيء في الشعر ؛ [١٥٠] فلا يكون فيه حجّة ، على أنه سهّل ذلك أن الألف واللام من «التي» لا تنفصل منها ، فنزلت بعض حروفها الأصلية ، فيتسهل دخول حرف النداء عليها.

وأما قولهم «إنّا نقول في الدعاء يا ألله» فالجواب عنه من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الألف واللام عوض عن همزة «إله» فتنزلت منزلة حرف من نفس الكلمة ، وإذا تنزّلت منزلة حرف من نفس الكلمة جاز أن يدخل حرف النداء عليه ، والذي يدل على أنها بمنزلة حرف من نفس الكلمة أنه يجوز أن يقال في النداء «يا

__________________

(١) هذه إحدى ثلاث علل ذكرها البصريون وأنصارهم ، والعلة الثانية أن تعريف الألف واللام تعريف العهد ، وهو يتضمن معنى الغيبة ؛ لأن العهد يكون بين اثنين ـ هما المتكلم والمخاطب ـ في شأن ثالث غائب عنهما ، والنداء خطاب لحاضر ، فلو جمعت بينهما لتنافى التعريفان ، والعلة الثالثة أن المنادى المقرون بأل إما أن يبنى وإما أن يعرب ، وكلاهما مشكل ، أما البناء فوجه إشكاله من جهتين : الأولى أن الألف واللام من خصائص الأسماء ؛ فهي تبعد الاسم من شبه الحرف الذي هو علة البناء ، والجهة الثانية أن الألف واللام معاقبة للتنوين ، فهي كالتنوين ، فكأن الاسم المقترن بهما منون فمن أجل ذلك استكرهوا دخول الألف واللام مطردا في المنادى المبني ، وأما الإعراب فوجه إشكاله أن العلة التي من أجلها بنوا المنادى ـ وهي وقوع المنادى موقع الضمير ، ومشابهته الضمير في الإفراد والتعريف ـ موجودة في ذي الألف واللام إذا نودي ، فكيف يعرب؟

٢٧٦

ألله» بقطع الهمزة ، قال الشاعر :

[٢١٣] مبارك هو ومن سمّاه

على اسمك اللهمّ يا ألله

ولو كانت كالهمزة التي تدخل مع لام التعريف لوجب أن تكون موصولة ، فلما جاز فيها هاهنا القطع دلّ على أنها نزلت منزلة حرف من نفس الكلمة ، كما أن الفعل إذا سمي به فإنه تقطع همزة الوصل منه نحو اضرب واقتل ، تقول «جاءني إضرب ، ورأيت إضرب ، ومررت بإضرب» و «جاءني أقتل ، ورأيت أقتل ، ومررت بأقتل (١)» بقطع الهمزة ـ ليدل على أنها ليست كالهمزة التي كانت في الفعل قبل التسمية ، وأنها بمنزلة حرف من نفس الكلمة ، فكذلك هاهنا.

والذي يدل على ذلك أنهم لو أجروا هذا الاسم مجرى غيره مما فيه ألف ولام لكانوا يقولون «يا أيها الله» كما يقولون «يا أيها الرجل» : إما على طريق الوجوب عندنا ، أو على طريق الجواز عندكم ، فلما لم يجز أن يقال ذلك على كل حال دلّ على صحّة ما ذهبنا إليه.

______________________________________________________

[٢١٣] هذان بيتان من مشطور الرجز ، وقد أنشدهما ابن منظور (أل ه) ولم يعزهما ، والاستشهاد بهما في قوله «يا ألله» حيث ورد لفظ الجلالة منادى مقطوع الهمزة وقد زعم المؤلف ـ تبعا لأنصار البصريين ـ أن قطع الهمزة يدل على أنها نزلت من اللفظ الكريم منزلة جزء منه ، وإلا لجاءت همزة وصل غير مقطوعة ؛ لكونها في الأصل همزة أل المعرفة ، وهمزة أل المعرفة همزة وصل كما هو معروف ، وفي كل دعوى من هذه الدعاوى الكثيرة مقال ، قال ابن منظور «الفراء : ومن العرب من يقول إذا طرح الميم : يا ألله اغفر لي ـ بهمزة ـ ومنهم من يقول : يا الله ـ بغير همز ـ فمن حذف الهمزة فهو على السبيل ؛ لأنها ألف ولام مثل لام الحارث من الأسماء وأشباهه ، ومن همزها توهم الهمزة من الحرف ؛ إذ كانت لا تسقط منه الهمزة ، قال :

* مبارك هو ومن سماه ـ البيت*» اه كلامه.

__________________

(١) من ذلك قول الراعي ، وهو من شواهد المفصل (رقم ٢ بتحقيقنا) :

أشلى سلوقية باتت وبات بها

بوحش إصمت في أصلابها أود

أشلى : أي أغرى ، وأنكر ثعلب مجيء أشلى بمعنى أغرى ، وهو محجوج بمثل هذا البيت ، وسلوقية : أي كلابا منسوبة إلى سلوق ، وإصمت : اسم علم على برية بعينها ، وقال أبو زيد : يقال : لقيته ببلدة إصمت ، أي في بلد قفر ، وفي أصلابها أود : أي في وسط ظهورها اعوجاج ، والاستشهاد به في قوله «إصمت» فإن أصله فعل أمر من صمت يصمت صماتا ، فسمي به مكان معين ، وقد غيروه حين النقل من فعلى الأمر إلى العلمية ثلاثة تغييرات : التغيير الأول أنهم قطعوا همزة فصيروها همزة قطع بعد أن كانت همزة وصل ، الثاني أنهم كسروا ميمه بعد أن كانت مضمومة ، والثالث أنهم حركوا آخره بعد أن كان ساكنا.

٢٧٧

والوجه الثاني : أن هذه الكلمة كثر استعمالها في كلامهم ؛ فلا يقاس عليها غيرها.

والوجه الثالث : أن هذا الاسم علم غير مشتقّ أتي به على هذا المثال من البناء من غير أصل يردّ إليه ؛ فينزل منزلة سائر الأسماء الأعلام ، وكما يجوز دخول حرف النداء على سائر الأسماء الأعلام فكذلك هاهنا.

والمعتمد من هذه الأوجه هو الوجه الأول ، والله أعلم.

٢٧٨

[١٥١] ٤٧

مسألة

[القول في الميم في «اللهمّ» أعوض من حرف النداء أم لا؟](١)

ذهب الكوفيون إلى أن الميم المشددة في «اللهمّ» ليست عوضا من «يا» التي للتنبيه في النداء. وذهب البصريون إلى أنها عوض من «يا» التي للتنبيه في النداء ، والهاء مبنيّة على الضم لأنه نداء.

أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأن الأصل فيه «يا ألله أمّنا بخير» إلا أنه لما كثر في كلامهم وجرى على ألسنتهم حذفوا بعض الكلام طلبا للخفة ، والحذف في كلام العرب لطلب الخفة كثير ، ألا ترى أنهم قالوا «هلمّ ، وويلمّه» والأصل فيه : هل أمّ ، وويل أمه ، وقالوا «أيش» والأصل : أيّ شيء. وقالوا «عم صباحا» والأصل : انعم صباحا. وهذا كثير في كلامهم.

قالوا : والذي يدل على أن الميم المشددة ليست عوضا من «يا» أنهم يجمعون بينهما ، قال الشاعر :

[٢١٤] إنّي إذا ما حدث ألمّا

أقول : يا اللهمّ ، يا اللهمّا

______________________________________________________

[٢١٤] هذان بيتان من الرجز المشطور ، وقد أنشدهما ابن منظور في لسان العرب (أل ه) ورضي الدين في شرح الكافية (١ / ١٣٢) وشرحهما البغدادي في الخزانة (١ / ٣٥٨) وأنشدهما الأشموني (رقم ٨٨٠) وابن عقيل (رقم ٣١٠) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٣٩) وابن يعيش (ص ١٨١) والحدث ـ بالتحريك ما يحدث من الأمور ، ومحل الاستشهاد هنا قوله «يا اللهم» حيث جمع الشاعر بين حرف النداء والميم المشددة في نداء لفظ الجلالة ، واعلم ـ أولا أن نداء لفظ الجلالة قد ورد على عدة أوجه ؛ الوجه الأول ـ وهو الأصل ، والأكثر استعمالا ـ أن تقول : يا ألله ، تدخل حرف النداء على الاسم الجليل ، وتقطع الهمزة ، والوجه الثاني : أن تقول : يا الله ، تدخل حرف النداء على الاسم العظيم ، ـ

__________________

(١) انظر في هذه المسألة : لسان العرب (أل ه) وشرح الكافية (١ / ١٣٢) وشرح المفصل لابن يعيش (ص ١٨١) وشرح الأشموني مع حاشية الصبان (٣ / ١٢٦ بولاق) وتصريح الشيخ خالد الأزهري (٢ / ٢١٧ بولاق).

٢٧٩

وقال الآخر :

[٢١٥] وما عليك أن تقولي كلّما

صلّيت أو سبّحت : يا اللهمّ ما

* أردد علينا شيخنا مسلّما*

وقال الآخر :

[٢١٦] * غفرت أو عذّبت يا اللهمّا*

______________________________________________________

وتجعل همزته همزة وصل ، وقد سبق ذكر هذين الوجهين في شرح الشاهد السابق (رقم ٢١٣) والوجه الثالث : أن تقول : اللهم ، تحذف حرف النداء وتأتي في آخر الاسم الكريم بميم مشددة ، وقد اختلف النحاة في هذه الميم المشددة ؛ فقال البصريون وأنصارهم : هي عوض عن حرف النداء ، وقال قوم ـ منهم الفراء ـ هذه الميم المشددة بقية كلمة ، وأصل العبارة : يا الله أمنا بخير ، وقد أنكر ذلك الزجاج ، وشنع على القائل به ، فمن ذهب إلى أن الميم المشددة عوض عن حرف النداء قال : لا يجمع بين حرف النداء والميم المشددة في الكلام ، فإن ورد ذلك في شعر فهو شاذ لا يقاس عليه ، لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه ، ومن هؤلاء شيخ المحققين ابن مالك الذي يقول في الخلاصة (الألفية) :

والأكثر اللهم ، بالتعويض

وشذ يا اللهم في قريض

ومن ذهب مذهب الفراء لم ينكر الجمع بين الميم المشددة وحرف النداء ، والوجه الرابع : أن تقول : لا هم ، فتحذف حرف النداء وأل من أول الاسم الكريم ، وتجيء بالميم المشددة في آخره ، ومنه قول الراجز :

لا هم إن كنت قبلت حجتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

يريد : إن كنت قبلت حجتي ويأتيك بي ، فأبدل الياء جيما ، وأكثر هذه الوجوه هو الوجه الثالث ، وهو الذي ورد استعماله في القرآن الكريم ، نحو قوله سبحانه : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

[٢١٥] هذه ثلاثة أبيات من الرجز المشطور ، وقد أنشدها ابن منظور في اللسان (أل ه) ورضي الدين في شرح الكافية (١ / ١٣٢) وشرحها البغدادي في الخزانة (١ / ٣٥٩) و «ما» في قوله (وما عليك) استفهامية تقع مبتدأ خبره الجار والمجرور ، والمعنى : أي شيء عليك؟ وسبحت : أي نزهت ربك وعظمته وقدسته. أو قلت : سبحان الله. وصليت : دعوت ، وشيخنا : أراد أبانا ، ونظير ذلك قول الأعشى ميمون بن قيس :

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا

يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت ؛ فاغتمضي

نوما ، فإن لجنب المرء مضطجعا

ومحل الاستشهاد قوله «يا اللهم ما» حيث جمع بين حرف النداء والميم المشددة ، ولم يكتف بذلك ، بل زاد ميما مفردة بعد الميم المشددة ، وقد بيّنا أقوال العلماء في الجمع بين حرف النداء والميم في شرح الشاهد السابق (٢١٤).

[٢١٦] هذا بيت من مشطور الرجز ، ولم أقف له على سوابق أو لواحق ، والاستشهاد به في قوله «يا اللهم» حيث جمع بين حرف النداء والميم المشددة في آخر لفظ الجلالة ، والكلام فيه على نحو ما ذكرناه في شرح الشواهد السابقة.

٢٨٠