شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

ومذهب سيبويه أن الأصل «قطع الله يد من قالها ورجل من قالها» فحذف ما أضيف إليه «رجل» فصار «قطع الله يد من قالها ورجل» ثم أقحم قوله «ورجل» بين المضاف ـ وهو «يد» ـ والمضاف إليه ـ الذى هو «من قالها» ـ فصار «قطع الله يد ورجل من قالها» (١).

فعلى هذا يكون الحذف من الثانى ، لا من الأول ، وعلى مذهب المبرد بالعكس.

قال بعض شرّاح الكتاب : وعند الفرّاء (٢) يكون الاسمان مضافين إلى «من قالها» ولا حذف فى الكلام : لا من الأول ، ولا من الثانى.

* * *

__________________

(١) وقد جرى الخلاف المذكور بين المبرد وسيبويه فى قول الشاعر ، وهو من شواهد المسألة :

يا تيم تيم عدىّ لا أبالكم

لا يلقينّكم فى سوأة عمر

وقوله الآخر ، وهو من شواهد المسألة أيضا :

يا زيد زيد اليعملات الذّبّل

تطاول اللّيل عليك فانزل

إذا نصبت أول النداءين ، فقال المبرد : المنادى الأول مضاف إلى مماثل للمذكور مع الثانى ، وقال سيبويه : الأول مضاف إلى ما بعد الثانى ، وقد حذف الذى يضاف الثانى إليه ، والثانى مقحم بين المضاف والمضاف إليه.

(٢) الفراء يخص هذا بلفظين يكثر استعمالهما معا ، كاليد والرجل فى «قطع الله يد ورجل من قالها» والربع والنصف فى نحو «خذ ربع ونصف هذا» وقبل وبعد فى قولك «رضيت عنك قبل وبعد ما حدث» بخلاف نحو «هذا غلام ودار هند» من كل لفظين لا يكثر استعمالهما معا.

٨١

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولا او ظرفا أجز ، ولم يعب (١)

فصل يمين ، واضطرارا وجدا

: بأجنبىّ ، أو بنعت ، أو ندا (٢)

أجاز المصنف أن يفصل ـ فى الاختيار ـ بين المضاف الذى هو شبه الفعل ـ والمراد به المصدر ، واسم الفاعل ـ والمضاف إليه ، بما نصبه المضاف : من مفعول به ، أو ظرف ، أو شبهه.

فمثال ما فصل فيه بينهما بمفعول المضاف قوله تعالى : (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم) فى قراءة ابن عامر ، بنصب «أولاد» وجر الشركاء.

ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف نصبه المضاف الذى هو مصدر ما حكى عن بعض من يوثق بعربيته : «ترك يوما نفسك وهواها ، سعى لها فى رداها».

__________________

(١) «فصل» مفعول به مقدم لأجز ، وفصل مضاف و «مضاف» مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله «شبه» نعت لمضاف ، وشبه مضاف و «فعل» مضاف إليه «ما» فاعل المصدر «نصب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة ما ، والعائد محذوف ، وأصله ما نصبه «مفعولا» حال من «ما» الموصولة «أو» عاطفة «ظرفا» معطوف على قوله مفعولا «أجز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ولم» نافية جازمة «يعب» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون.

(٢) «فصل» نائب فاعل ليعب فى البيت السابق ، وفصل مضاف و «يمين» مضاف إليه «واضطرارا» مفعول لأجله «وجدا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فصل «بأجنبى» جار ومجرور متعلق بوجد «أو بنعت» معطوف على بأجنبى «أو ندا» معطوف على نعت ، وقصر قوله ندا للضرورة.

٨٢

ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذى هو اسم فاعل قراءة بعض السلف (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) بنصب «وعد» وجر «رسل».

ومثال الفصل بشبه الظرف قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى الدّرداء : «هل أنتم تاركولى صاحبى» وهذا معنى قوله «فصل مضاف ـ إلى آخره».

وجاء الفصل أيضا فى الاختيار بالقسم ، حكى الكسائى : «هذا غلام والله زيد» ولهذا قال المصنف : «ولم يعب فصل يمين».

وأشار بقوله : «واضطرارا وجدا» إلى أنه قد جاء الفصل بين المضاف والمضاف إليه فى الضرورة : بأجنبى من المضاف ، وبنعت المضاف ، وبالنداء.

فمثال الأجنبىّ قوله :

(٢٤٠) ـ

كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهودىّ يقارب أو يزيل

ففصل بـ «يوما» بين «كف» و «يهودى» وهو أجنبى من «كف» ؛ لأنه معمول لـ «خطّ».

__________________

٢٤٠ ـ البيت لأبى حية النميرى ، يصف رسم دار.

اللغة : «يهودى» إنما خص اليهودى لأنهم كانوا أهل الكتابة حينذاك «يقارب» أى : يضم بعض ما يكتبه إلى بعض «أو يزيل» يفرق بين كتابته.

المعنى : يشبه ما بقى متناثرا من رسوم الديار هنا وهناك ، بكتابة اليهودى كتابا جعل بعضه متقاربا وبعضه متفرقا.

الإعراب : «كما» الكاف حرف تشبيه وجر ، وما : مصدرية «خط» فعل ماض مبنى للمجهول «الكتاب» نائب فاعل خط «بكف» جار مجرور متعلق بخط «يوما» منصوب على الظرفية يتعلق بخط أيضا ، وكف مضاف و «يهودى» مضاف إليه ، وقد فصل بينهما بالظرف ، وما مع دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ،

٨٣

ومثال النعت قوله :

(٢٤١) ـ

نجوت وقد بلّ المرادىّ سيفه

من ابن أبى شيخ الأباطح طالب

__________________

والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : رسم هذه الدار كائن كخط الكتاب ـ إلخ ، وجملة يقارب وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو العائد إلى اليهودى فى محل جر صفة ليهودى ، وجملة يزيل مع فاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو العائد لليهودى أيضا معطوفة عليها بأو.

الشاهد فيه : قوله «بكف يوما يهودى» حيث فصل بين المضاف وهو كف والمضاف إليه وهو يهودى بأجنبى من المضاف وهو يوما ، وإنما كان الفاصل أجنبيا لأن هذا الظرف ليس متعلقا بالمضاف ، وإنما هو متعلق بقوله خط ، وقد بينه الشارح.

٢٤١ ـ نسبوا هذا البيت لمعاوية بن أبى سفيان رضى الله تعالى عنهما.

اللغة : «المرادى» نسبة إلى مراد ، وهى قبيلة من اليمن ، ويريد بالمرادى قاتل أمير المؤمنين على بن أبى طلب كرم الله وجهه ، وهو عبد الرحمن بن ملجم ، لعنه الله! وحديثه أشهر من أن يقال عنه شىء «الأباطح» جمع أبطح ، وهو المكان الواسع ، أو المسيل فيه دقاق الحصى ، وأراد بالأباطح مكة ، وأراد بشيخها أبا طالب بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ووالد على رضى الله عنه ، وقد كان أبو طالب من وجوه مكة وعظمائها.

الإعراب : «نجوت» فعل وفاعل «وقد» الواو واو الحال ، قد : حرف تحقيق «بل» فعل ماض «المرادى» فاعل بل «سيفه» سيف : مفعول به لبل ، وسيف مضاف والضمير مضاف إليه «من ابن» جار ومجرور متعلق ببل ، وابن مضاف و «أبى» مضاف إليه «شيخ الأباطح» نعت لأبى ، ومضاف إليه ، وأبى مضاف و «طالب» مضاف إليه

الشاهد فيه : قوله «أبى شيخ الأباطح طالب» حيث فصل بين المضاف وهو أبى ، والمضاف إليه وهو طالب ، بالنعت وهو شيخ الأباطح ، وأصل الكلام : من ابن أبى طالب شيخ الأباطح.

٨٤

الأصل «من ابن أبى طالب شيخ الأباطح» وقوله :

(٢٤٢) ـ

ولئن حلفت على يديك لأحلفن

بيمين أصدق من يمينك مقسم

الأصل «بيمين مقسم أصدق من يمينك».

ومثال النداء قوله :

__________________

٢٤٢ ـ هذا البيت للفرزدق همام بن غالب.

اللغة : «على يديك» أراد على فعل يديك ، فحذف المضاف ، والمقصود بفعل يديه العطاء والجود والكرم وسعة الإنفاق.

المعنى : يقرر أنه متأكد من كرم المخاطب وجوده ، حتى إنه لو حلف عليه لكان حلفه يمين مقسم صادق لا يشوب حلفه شك ، وبين ذلك بأن يمينه آكد من يمين الممدوح على فعل نفسه.

الإعراب : «لئن» اللام موطئة للقسم ، إن : شرطية «حلفت» حلف : فعل ماض ، فعل الشرط ، وتاء المتكلم فاعله «على يديك» الجار والمجرور متعلق بحلفت ، ويدى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «لأحلفن» اللام واقعة فى جواب القسم المدلول عليه باللام ، أحلفن : فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف وجوبا يدل عليه جواب القسم «بيمين» جار ومجرور متعلق بأحلف «أصدق» نعت ليمين «من يمينك» الجار والمجرور متعلق بأصدق ويمين الثانى مضاف وكاف المخاطب مضاف إليه ، ويمين الأول مضاف و «مقسم» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «بيمين أصدق من يمينك مقسم» حيث فصل بين المضاف ـ وهو يمين ـ والمضاف إليه ، وهو مقسم ، بنعت المضاف ، وهو : أصدق من يمينك ، كما فى البيت السابق ، وأصل الكلام : بيمين مقسم أصدق من يمينك.

وفى البيت شاهد آخر ، وهو فى قوله «لأحلفن» حيث أتى بجواب القسم وحذف جواب الشرط لكون القسم الموطأ له باللام فى قوله «لئن» مقدما على الشرط.

٨٥

(٢٤٣) ـ

وفاق كعب بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة والخلد فى سقر

وقوله :

(٢٤٤) ـ

كأنّ برذون أبا عصام

زيد حمار دقّ باللّجام

الأصل «وفاق بجير يا كعب» و «كأنّ برذون زيد يا أبا عصام».

* * *

__________________

٢٤٢ ـ هذا البيت لبجير بن أبى سلمى المزنى ، يقوله لأخيه كعب بن زهير ، وكان بجير قد أسلم قبل كعب ، فلامه كعب على ذلك ، وتعرض للرسول صلى الله عليه وسلم فنال بلسانه منه ، فأهدر النبى دمه.

اللغة : «وفاق» مصدر وافق فلان فلانا ، إذا فعل مثل فعله «تهلكة» أى هلاك «سقر» اسم من أسماء النار التى هى دار العذاب.

المعنى : يقول : إن فعلك يا كعب مثل فعل أخيك بجير ـ يريد الإسلام ـ ينقذك من الوقوع فى الهلكة ومن الخلود يوم الآخرة فى دار العذاب.

الإعراب : «وفاق» مبتدأ «كعب» منادى بحرف نداء محذوف مبنى على الضم فى محل نصب ، ووفاق مضاف و «بجير» مضاف إليه «منقذ» خبر المبتدأ «لك» جار ومجرور متعلق بمنقذ «من تعجيل» جار ومجرور متعلق بمنقذ أيضا ، وتعجيل مضاف و «تهلكة» مضاف إليه «والخلد» معطوف على تعجيل «فى سقر» جار ومجرور متعلق بالخلد.

الشاهد فيه : قوله «وفاق كعب بجير» حيث فصل بين المضاف ، وهو «وفاق» والمضاف إليه ، وهو بجير ، بالنداء وهو قوله «كعب» وأصل الكلام : وفاق بجير يا كعب منقذ لك.

٢٤٤ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم ينسبوها إلى قائل معين.

اللغة : «برذون» البرذون من الخيل : ما ليس بعربى.

٨٦

 ..........................................................................

__________________

المعنى : يصف برذون رجل اسمه زيد بأنه غير جيد ولا ممدوح ، وأنه لو لا اللجام الذى يظهره فى مظهر الخيل لكان حمارا لصغره فى عين الناظر ولضعفه.

الإعراب : «كأن» حرف تشبيه ونصب «برذون» اسم كأن «أبا» منادى حذف منه حرف النداء ، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة ، وأبا مضاف و «عصام» مضاف إليه ، وبرذون مضاف ، و «زيد» مضاف إليه «حمار» خبر كأن «دق» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حمار ، والجملة فى محل رفع نعت لحمار «باللجام» جار ومجرور متعلق بدق.

الشاهد فيه : قوله «كأن برذون أبا عصام زيد» حيث فصل بين المضاف ، وهو «برذون» والمضاف إليه وهو «زيد» بالنداء وهو قوله : «أبا عصام» ، وأصل الكلام : كأن برذون زيد يا أبا عصام ، كما ذكره الشارح العلامة رحمه الله!.

٨٧

المضاف إلى ياء المتكلّم

آخر ما أضيف لليا اكسر ، إذا

لم يك معتلّا : كرام ، وقذى (١)

أو يك كابنين وزيدين ؛ فذى

جميعها اليا بعد فتحها احتذى (٢)

وتدغم اليا فيه والواو ، وإن

ما قبل واو ضمّ فاكسره يهن (٣)

__________________

(١) «آخر» مفعول مقدم على عامله وهو قوله اكسر الآنى ، وآخر مضاف و «ما» اسم موصول مضاف إليه «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «لليا» جار ومجرور متعلق بأضيف «اكسر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «لم» نافية جازمة «يك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف ، واسمه ضمير مستتر فيه «معتلا» خبر يك ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا «كرام» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «وقذى» معطوف على «رام» وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(٢) «أو» عاطفة «يك» معطوف على يك السابق فى البيت الذى قبله ، وفيه ضمير مستتر هو اسمه «كابنين» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر يك «وزيدين» معطوف على ابنين «فذى» اسم إشارة : مبتدأ أول «جميعها» جميع : توكيد ، وجميع مضاف وها مضاف إليه «اليا» مبتدأ ثان «بعد» ظرف مبنى على الضم فى محل نصب ، متعلق بمحذوف حال «فتحها» فتح : مبتدأ ثالث ، وفتح مضاف والضمير مضاف إليه «احتذى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فتحها ، وجملة الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الثالث ، وجملة المبتدأ الثالث وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

(٣) «وتدغم» فعل مضارع مبنى للمجهول «اليا» نائب فاعل لتدغم «فيه» جار ومجرور متعلق بتدغم ، والضمير يعود إلى ياء المتكلم ، وذكره لتأويله باللفظ «والواو» معطوف على الياء «وإن» شرطية «ما» اسم موصول : نائب فاعل

٨٨

وألفا سلّم ، وفى المقصور ـ عن

هذيل ـ انقلابها ياء حسن (١)

يكسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم (٢) ، إن لم يكن مقصورا ، ولا منقوصا ، ولا مثنى ، ولا مجموعا جمع سلامة لمذكر ، كالمفرد وجمعى التكسير الصحيحين ، وجمع السلامة للمؤنث ، والمعتل الجارى مجرى الصحيح ، نحو «غلامى ، وغلمانى ، وفتياتى ، ودلوى ، وظبيى».

وإن كان معتلا ؛ فإما أن يكون مقصورا أو منقوصا ، فإن كان منقوصا

__________________

لفعل محذوف يفسره ما بعده ، أى : وإن ضم ما قبل ـ إلخ ، وذلك الفعل المحذوف فى محل جزم فعل الشرط «قبل» ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وقبل مضاف و «واو» مضاف إليه «ضم» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها مفسرة «فاكسره» الفاء لربط الجواب بالشرط ، اكسر : فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «يهن» فعل مضارع مجزوم فى جواب الأمر.

(١) «وألفا» مفعول به مقدم على عامله ، وهو قوله سلم الآتى «سلم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وفى المقصور ، عن هذيل» جاران ومجروران يتعلقان بقوله «حسن» الآتى فى آخر البيت «انقلابها» انقلاب : مبتدأ ، وانقلاب مضاف وها : مضاف إليه ، من إضافة المصدر لفاعله «ياء» مفعول المصدر «حسن» خبر المبتدأ.

(٢) اعلم أن لك فى ياء المتكلم خمسة أوجه ؛ الأول : بقاؤها ساكنة ، والثانى : بقاؤها مفتوحة ، والثالث : حذفها مع بقاء الكسرة قبلها لتدل عليها ، والرابع : قلبها ألفا بعد فتح ما قبلها نحو «غلاما» ، والخامس : حذفها بعد قلبها ألفا وإبقاء الفتحة لتدل عليها.

ثم اعلم أن هذه الوجوه الخمسة إنما تجرى فى الإضافة المحضة ، نحو غلامى وأخى ، فأما الإضافة اللفظية فليس إلا وجهان : إثباتها ساكنة ، أو مفتوحة ؛ لأنها فى الإضافة اللفظية على نية الانفصال فهى كلمة مستقلة ، ولا يمكن أن تعتبرها كجزء كلمة.

ثم اعلم أن هذه الوجوه الخمسة لا تختص بباب النداء ، خلافا لابن مالك فى تسهيله (وانظر الهامشة رقم ١ فى ص ٩٢ الآتية) وما قاله الشارح هناك.

٨٩

أدغمت ياؤه فى ياء المتكلم ، وفتحت ياء المتكلم ؛ فتقول : «قاضىّ» رفعا ونصبا وجرّا ، وكذلك تفعل بالمثنى وجمع المذكر السالم فى حالة الجر والنصب ؛ فتقول : «رأيت غلامىّ وزيدىّ» و «مررت بغلامىّ وزيدىّ» والأصل : بغلامين لى وزيدين لى ، فحذفت النون واللام للاضافة (١) ، ثم أدغمت الياء فى الياء ، وفتحت ياء المتكلم.

وأما جمع المذكر السالم ـ فى حالة الرفع ـ فتقول فيه أيضا : «جاء زيدىّ» ، كما تقول فى حالة النصب والجر ، والأصل : زيدوى ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ؛ فقلبت الواو ياء ، ثم قلبت الضمة كسرة لتصحّ الياء ؛ فصار اللفظ : زيدىّ.

وأما المثنى ـ فى حالة الرفع ـ فتسلم ألفه وتفتح ياء المتكلم بعده ؛ فتقول : «زيداى ، وغلاماى» عند جميع العرب.

وأما المقصور فالمشهور فى لغة العرب جعله كالمثنى المرفوع ؛ فتقول «عصاى ، وفتاى».

وهذيل تقلب ألفه ياء وتدغمها فى ياء المتكلم وتفتح ياء المتكلم ؛ فتقول : «عصىّ» ومنه قوله :

(٢٤٥) ـ

سبقوا هوىّ ، وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ، ولكلّ جنب مصرع؟

__________________

(١) المحذوف للاضافة هو النون ، وأما اللام فحذفها للتخفيف.

٢٤٥ ـ هذا البيت لأبى ذؤيب الهذلى ، من قصيدة له يرثى فيها أبناءه ، وكانوا قد ماتوا فى سنة واحدة ، وأول هذه القصيدة قوله :

أمن المنون وريبه تتوجّع

والدّهر ليس بمعتب من يجزع؟

اللغة : «هوى» أصل هذه الكلمة : هواى ـ بألف المقصور ، وياء المتكلم

٩٠

فالحاصل : أن يا المتكلم تفتح مع المنقوص : كـ «رامىّ» ، والمقصور : كـ «عصاى» والمثنى : كـ «غلاماى» رفعا ، و «غلامىّ» نصبا وجرّا ، وجمع المذكر السالم : كـ «زيدىّ» رفعا ونصبا وجرّا.

وهذا معنى قوله : «فذى جميعها اليا بعد فتحها احتذى».

وأشار بقوله : «وتدغم» إلى أن الواو فى جمع المذكر السالم والياء فى المنقوص وجمع المذكر السالم والمثنى ، تدغم فى ياء المتكلم.

وأشار بقوله : «وإن ما قبل واو ضمّ» إلى أن ما قبل واو الجمع : إن انضمّ عند وجود الواو يجب كسره عند قلبها ياء لتسلم الياء ، فإن لم ينضم ـ بل انفتح ـ بقى على فتحه ، نحو «مصطفون» ؛ فتقول : «مصطفىّ».

__________________

فقلبت ألف المقصور ياء ، ثم أدغمت فى ياء المتكلم ، والهوى : ما تهواه النفس ، وترغب فيه ، وتحرص عليه ، و «أعنقوا» بادروا ، وسارعوا ، مأخوذ من الإعناق ، وهو كالعتق ـ بفتحتين ـ ضرب من السير فيه سرعة «فتخرموا» بالبناء للمجهول ـ أى : استؤصلوا وأفنتهم المنية «جنب» هو ما تحت الإبط «مصرع» مكان يصرع فيه.

المعنى : يقول : إن هؤلاء الأولاد سبقوا ما أرغب فيه لهم وأحرص عليه ، وهو بقاؤهم ، وبادروا مسرعين إلى ما يهوونه ويرغبون فيه ، وهو الموت ـ وجعله هوى لهم من باب المشاكلة ـ وليس مختصا بهم ، وإنما هو أمر يلاقيه كل إنسان.

الإعراب : «سبقوا» فعل وفاعل «هوى» مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف المنقلبة ياء منع من ظهورها التعذر ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «وأعنقوا» فعل وفاعل «لهواهم» الجار والمجرور متعلق بأعنقوا ، وهوى مضاف ، وهم : مضاف إليه «فتخرموا» فعل ماض مبنى للمجهول ، وواو الجماعة نائب فاعل «لكل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وكل مضاف و «جنب» مضاف إليه «مصرع» مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله «هوى» حيث قلب ألف المقصور ياء ، ثم أدغمها فى ياء المتكلم ، وأصله «هواى» على ما بيناه لك ، وهذه لغة هذيل.

٩١

وأشار بقوله : «وألفا سلّم» إلى أن ما كان آخره ألفا كالمثنى والمقصور ، لا تقلب ألفه ياء ، بل تسلم ، نحو «غلاماى» و «عصاى».

وأشار بقوله : «وفى المقصور» إلى أنّ هذيلا تقلب ألف المقصور خاصة ؛ فتقول : «عصىّ».

وأما ما عدا هذه الأربعة (١) فيجوز فى الياء معه : الفتح ، والتسكين ؛ فتقول : «غلامى ، وغلامى» (٢).

* * *

__________________

(١) ما عدا هذه الأربعة هو أربعة أخرى ؛ أولها : المفرد الصحيح الآخر كغلام ، وثانيها جمع التكسير الصحيح الآخر كغلمان ، وثالثها المفرد المعتل الشبيه بالصحيح ـ وهو ما آخره واو أو ياء ساكن ما قبلها ـ نحو ظبى ودلو ، ورابعها جمع المؤنث السالم كفتيات ، وقد قدمنا لك (ص ٨٩) أن الوجوه الجائزة فى ياء المتكلم ـ مع هذه الأربعة ـ خمسة أوجه.

(٢) وبقى نوع من الأسماء وهو ما آخره ياء مشددة ـ نحو كرسى ، وبنى ـ تصغير ابن ـ فهذا النوع من المعتل الشبيه بالصحيح ، وإذا أضفته إلى ياء المتكلم قلت : كرسي وبنيى ـ بثلاث ياءات ـ ويجوز لك إبقاء الياءات الثلاث ، وحذف إحداهن ، وقد ذكر القوم أن الوجه الثانى ـ وهو حذف إحدى الياءات لتوالى الأمثال ـ واجب لا يجوز غيره ، وليس ما ذهبوا إليه بسديد ، لأن توالى الأمثال يجيز ولا يوجب ، ولأنه قد ورد الأول فى قول أمية بن أبى الصلت ، يذكر قصة إبراهيم الخليل ، وهمه بذبح ابنه :

يا بنيّى ، إنّى نذرتك لله شحيطا ، فاصبر فدى لك خالى

٩٢

إعمال المصدر

بفعله المصدر ألحق فى العمل

: مضافا ، او مجرّدا ، أو مع أل (١)

إن كان فعل مع «أن» أو «ما» يحلّ

محلّه ، ولاسم مصدر عمل (٢)

يعمل المصدر عمل الفعل فى موضعين :

أحدهما : أن يكون نائبا مناب الفعل ، نحو : «ضربا زيدا» فـ «زيدا» منصوب بـ «ضربا» لنيابته مناب «اضرب» وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما فى «اضرب» وقد تقدم ذلك فى باب المصدر (٣).

والموضع الثانى : أن يكون المصدر مقدّرا بـ «أن» والفعل ، أو بـ «ما» والفعل ، وهو المراد بهذا الفصل ؛ فيقدر بـ «أن» إذا أريد المضىّ أو

__________________

(١) «بفعله» الجار والمجرور متعلق بألحق الآتى ، وفعل مضاف والهاء مضاف إليه «المصدر» مفعول به تقدم على عامله ، وهو ألحق «ألحق» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فى العمل» جار ومجرور متعلق بألحق أيضا «مضافا» حال من المصدر «أو مجردا ، أو مع أل» معطوفان على الحال الذى هو قوله : «مضافا».

(٢) «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص ، فعل الشرط «فعل» اسم كان «مع» ظرف متعلق بمحذوف نعت لفعل ، ومع مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «أو» عاطفة «ما» معطوف على أن «يحل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل الذى هو اسم كان ، والجملة فى محل نصب خبر كان «محله» محل : منصوب على الظرفية المكانية ، ومحل مضاف والهاء العائد إلى المصدر مضاف إليه «ولاسم» الواو للاستئناف ، لاسم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، واسم مضاف و «مصدر» مضاف إليه «عمل» مبتدأ مؤخر.

(٣) يريد باب المفعول المطلق.

٩٣

الاستقبال ، نحو «عجبت من ضربك زيدا ـ أمس ، أو غدا» والتقدير : من أن ضربت زيدا أمس ، أو من أن تضرب زيدا غدا ، ويقدر بـ «ما» إذا أريد به الحال ، نحو : «عجبت من ضربك زيدا الآن» التقدير : ممّا تضرب زيدا الآن.

وهذا المصدر المقدّر يعمل فى ثلاثة أحوال : مضافا ، نحو «عجبت من ضربك زيدا» ومجردا عن الإضافة وأل ـ وهو المنون ـ نحو : «عجبت من ضرب زيدا» ومحلّى بالألف واللام ، نحو «عجبت من الضّرب زيدا».

وإعمال المضاف أكثر من إعمال المنون ، وإعمال المنون أكثر من إعمال المحلى بـ «أل» ، ولهذا بدأ المصنف بذكر المضاف ، ثم المجرّد ، ثم المحلّى.

ومن إعمال المنون قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) فـ «يتيما» منصوب بـ «إطعام» ، وقول الشاعر :

(٢٤٦) ـ

بضرب بالسّيوف رؤوس قوم

أزلنا هامهنّ عن المقيل

__________________

٢٤٦ ـ البيت للمرار ـ بفتح الميم وتشديد الراء ـ بن منقذ ، التميمى ، وهو من شواهد الأشمونى (رقم ٦٧٧) وشواهد سيبويه (١ / ٦٠ ، ٩٧).

اللغة : «هام» جمع هامة ، وهى الرأس كلها «المقيل» أصله موضع النوم فى القائلة ؛ فنقل فى هذا الموضع إلى موضع الرأس ؛ لأن الرأس يستقر فى النوم حين القائلة.

المعنى : يصف قومه بالقوة والجلادة ، فيقول : أزلنا هام هؤلاء عن مواضع استقرارها فضربنا بالسيوف رؤسهم.

الإعراب : «بضرب» جار ومجرور متعلق بقوله «أزلنا» الآتى «بالسيوف» جار ومجرور متعلق بضرب ، أو بمحذوف صفة له «رؤوس» مفعول به لضرب ، ورؤوس مضاف ، و «قوم» مضاف إليه «أزلنا» فعل وفاعل «هامهن» هام : مفعول به لأزال ، وهام مضاف والضمير مضاف إليه «عن المقيل» جار ومجرور متعلق بأزلنا.

الشاهد فيه : قوله «بضرب .. رؤوس» حيث نصب بضرب ـ وهو مصدر منون ـ مفعولا به كما ينصبه بالفعل ، وهذا المفعول به هو قوله «رؤوس».

٩٤

فـ «رؤوس» منصوب بـ «ضرب».

ومن إعماله وهو محلّى بـ «أل» قوله :

(٢٤٧) ـ

ضعيف النّكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل

__________________

٢٤٧ ـ هذا البيت من شواهد سيبويه (١ / ٩٩) التى لم يعرفوا لها قائلا ، وهو من شواهد الأشمونى أيضا (رقم ٦٧٨).

اللغة : «النكاية» بكسر النون ـ مصدر نكيت فى العدو ، إذا أثرت فيه «يخال» يظن «الفرار» بكسر الفاء ـ الكول والتولى والهرب «يراخى» يؤجل.

المعنى : يهجو رجلا ، ويقول : إنه ضعيف عن أن يؤثر فى عدوه ، وجبان عن الثبات فى مواطن القتال ، ولكنه يلجأ إلى الهرب ، ويظنه مؤخرا لأجله.

الإعراب : «ضعيف» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو ضعيف ، وضعيف مضاف و «النكاية» مضاف إليه «أعداءه» أعداء : مفعول به للنكاية ، وأعداء مضاف والضمير مضاف إليه «يخال» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه «الفرار» مفعول أول ليخال «براخى» فعل مضارع ، والضمير المستتر فيه الذى يعود إلى الفرار فاعل «الأجل» مفعول به ليراخى ، والجملة فى محل نصب مفعول ثان ليخال.

الشاهد فيه : قوله «النكابة أعداءه» حيث نصب بالمصدر المحلى بأل ، وهو قوله «النكاية» مفعولا ـ وهو قوله «أعداءه» ـ كما ينصبه بالفعل.

وهذا الذى ذهب إليه المصنف والشارح هو ما رآه إماما النحويين سيبويه والخليل ابن أحمد.

وذهب أبو العباس المبرد إلى أن نصب المفعول به بعد المصدر المحلى بأل ليس بالمصدر السابق ، وإنما هو بمصدر منكر يقدر فى الكلام ؛ فتقدير الكلام عنده «ضعيف النكاية نكاية أعداءه» وفى هذا من التكلف ما ليس يخفى عليك.

وذهب أبو سعيد السيرافى إلى أن «أعداءه» ونحوه منصوب بنزع الخافض ، وتقدير الكلام «ضعيف النكاية فى أعدائه» وفيه أن النصب بنزع الخافض سماعى ؛ فلا يخرج عليه إلا إذا لم يكن للكلام محمل سواه.

٩٥

وقوله :

(٢٤٨) ـ

فإنّك والتّأبين عروة بعدما

دعاك وأيدينا إليه شوارع

__________________

٢٤٨ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعرف قائلها ، وبعده :

لكالرّجل الحادى وقد تلع الضّحى

وطير المنايا فوقهنّ أواقع

اللغة : «التأبين» مصدر ابن الميت ، إذا أثنى عليه وذكر محاسنه ، و «أل» فيه عوض من المضاف إليه «عروة» اسم رجل «شوارع» جمع شارعة ، وهى الممتدة المرتفعة «الحادى» سائق الإبل «تلع الضحى» كناية عن ارتفاع الشمس «أواقع» جمع واقعة ، وأصله وواقع ؛ فقلب الواو الأولى همزة لاستثقال واوين فى أول الكلمة ، ونظير ذلك قولهم «أواقى» فى «وواقى» جمع واقية ، ومن ذلك قول المهلهل وهو عدى بن ربيعة أخى كليب :

ضربت صدرها إلى وقالت :

يا عديّا لقد وقتك الأواقى

المعنى : يندد برجل استنجد به صديق له فلم ينجده ، فلما مات أقبل عليه يرثيه ، ويقول : إن حالتك هذه فى بكائك عروة والثناء عليه ـ بعد استغاثته بك ودعائه إياك إلى الأخذ بناصره فى حال امتداد سيوفنا إليه ـ تشبه حال رجل يحدو بإبله ويهيجها للسير وقت ارتفاع الشمس والحال أن طيور المنايا منقضة عليها وواقعة فوقها.

الإعراب : «فإنك» إن : حرف توكيد ونصب ، والكاف اسمه «والتأبين» يجوز أن يكون معطوفا على اسم إن ، فالواو عاطفة ، ويجوز أن يكون مفعولا معه فالواو واو المعية «عروة» مفعول به للتأبين «بعد» ظرف متعلق بالتأبين «ما» مصدرية «دعاك» دعا : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عروة ، والكاف مفعول به لدعا ، و «ما» المصدرية مع مدخولها فى تأويل مصدر مجرور بإضافة بعد إليه ، والتقدير : بعد دعائه إياك «وأيدينا» الواو واو الحال ، أيدى : مبتدأ ، وأيدى مضاف ، ونا : مضاف إليه «إليه» جار ومجرور متعلق بشوارع «شوارع» خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال ، وخبر «إن» فى البيت الذى أنشدناه أول الكلام على هذا البيت ، وهو متعلق قوله «كالرجل».

٩٦

وقوله :

(٢٤٩) ـ

لقد علمت أولى المغيرة أنّنى

كررت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا

__________________

الشاهد فيه : قوله «والتأبين عروة» حيث نصب بالمصدر المحلى بأل ، وهو قوله «التأبين» مفعولا به ، وهو قوله «عروة» وفيه خلاف العلماء الذين ذكرناهم ، وذكرنا أقوالهم ، فى شرح الشاهد السابق.

٢٤٩ ـ هذا البيت لمالك بن زغبة ـ بضم الزاى وسكون الغين ـ أحد بنى باهلة ، وقد أنشده سيبويه ١ / ٩٩ والأشمونى فى باب التنازع (رقم ٤٠٩) وفى باب إعمال المصدر.

اللغة : «أولى المغيرة» أراد به أول المغيرة ، والمغيرة : صفة لموصوف محذوف ، ويحتمل أن يكون مراده : الخيل المغيرة ، وأن يكون إنما قصد : الجماعة المغيرة ، وهو على كل حال اسم فاعل من أغار على القوم إغارة ، أى : كر عليهم «أنكل» مضارع من النكول ، وهو الرجوع عن قتال العدو جبنا.

المعنى : يصف نفسه بالشجاعة ، وبقول : قد علمت الجماعة التى هى أول المغيرين ، وفى طليعتهم ، أننى جرىء القلب شجاع ، وأننى صرفتهم عن وجههم هازما لهم ، ولحقت بهم ، فلم أنكل عن ضرب مسمع رئيسهم وسيدهم ، وخص أول المحاربين ليشير إلى أنه كان فى مقدم الصفوف الأولى.

الإعراب : «لقد» اللام واقعة فى جواب قسم محذوف ، أى : والله لقد ـ إلخ ، قد : حرف تحقيق «علمت» علم : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «أولى» فاعل علم ، وأولى مضاف و «المغيرة» مضاف إليه «أننى» أن : حرف توكيد ونصب ، والنون بعدها للوقاية ، وياء المتكلم اسم أن «كررت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل رفع خبر آن ، وجملة أن واسمه وخبره سدت مسد مفعولى علم «فلم» نافية جازمة «أنكل» فعل مضارع مجزوم بلم «عن الضرب» جار ومجرور متعلق بأنكل «مسمعا» مفعول به للضرب.

الشاهد فيه : قوله «الضرب مسمعا» حيث أعمل المصدر المحلى بأل ، وهو قوله «الضرب» عمل الفعل ، فنصب به المفعول به وهو قوله «مسمعا».

٩٧

فـ «أعداءه» : منصوب بـ «النّكاية» ، و «عروة» منصوب بـ «التّأبين» و «مسمعا» منصوب بـ «الضّرب».

* * *

وأشار بقوله : «ولاسم مصدر عمل» إلى أنّ اسم المصدر قد يعمل عمل الفعل ، والمراد باسم المصدر : ما ساوى المصدر فى الدلالة (١) [على معناه] ، وخالفه بخلوّه ـ لفظا وتقديرا ـ من بعض ما فى فعله دون تعويض : كعطاء ؛ فإنه مساو لإعطاء معنى ، ومخالف له بخلوه من الهمزة الموجودة فى فعله ، وهو خال منها لفظا وتقديرا ، ولم يعوّض عنها شىء.

واحترز بذلك مما خلا من بعض ما فى فعله لفظا ولم يخل منه تقديرا ؛ فإنه

__________________

(١) اعلم أولا أن العلماء يختلفون فيما يدل عليه اسم المصدر ؛ فقال قوم : هو دال على الحدث الذى يدل عليه المصدر ، وعلى هذا يكون معنى المصدر واسم المصدر واحدا ، وقال قوم : اسم المصدر يدل على لفظ المصدر الذى يدل على الحدث ؛ فيكون اسم المصدر دالا على الحدث بواسطة دلالته على لفظ المصدر ، وعلى هذا يكون معنى المصدر ومعنى اسم المصدر مختلفا ، واعلم ثانيا أن المصدر لا بد أن يشتمل على حروف فعله الأصلية والزائدة جميعا : إما بتساو مثل تغافل تغافلا وتصدق نصدقا ، وإما بزيادة مثل أكرم إكراما وزلزل زلزلة ، وأنه لا ينقص فيه من حروف فعله شىء ، إلا أن يحذف لعلة تصريفية ، ثم تارة يعوض عن ذلك المحذوف حرف فيكون المحذوف كالمذكور نحو أقام إقامة ووعد عدة ، وتارة يحذف لفظا لا لعلة تصريفية ولكنه منوى معنى نحو قاتل قتالا ونازلته نزالا ، والأصل فيهما قيتالا ونيزالا ، وقد أوضح لك الشارح ذلك.

فإن نقص الدال على الحدث عن حروف فعله ولم يعوض عن ذلك الناقص ولم يكن الناقص منويا كان اسم مصدر ، نحو أعطى عطاء وتوضأ وضوءا وتكلم كلاما وأجاب جابة وأطاع طاعة وسلم سلاما وتطهر طهورا.

وإن كان المراد به اسم الذات مثل الكحل والدهن فليس بمصدر ، ولا باسم مصدر ، وإن اشتمل على حروف الفعل ، وقد اتضح لك من هذا البيان اسم المصدر اتضاحا لا لبس فيه.

٩٨

لا يكون اسم مصدر ، بل يكون مصدرا ، وذلك نحو : «قتال» فإنه مصدر «قاتل» وقد خلا من الألف التى قبل التاء فى الفعل ، لكن خلا منها لفظا ، ولم يخل [منها] تقديرا ، ولذلك نطق بها فى بعض المواضع ، نحو : «قاتل قيتالا ، وضارب ضيرابا» لكن انقلبت الألف ياء لكسر ما قبلها.

واحترز بقوله «دون تعويض» مما خلا من بعض ما فى فعله لفظا وتقديرا ، ولكن عوّض عنه شىء ، فإنه لا يكون اسم مصدر ، نل هو مصدر ، وذلك نحو عدة ؛ فإنه مصدر «وعد» وقد خلا من الواو التى فى فعله لفظا وتقديرا ، ولكن عوّض عنها التاء.

وزعم ابن المصنف أن «عطاء» مصدر ، وأن همزته حذفت تخفيفا ، وهو خلاف ما صرّح به غيره من النحويين.

ومن إعمال اسم المصدر قوله :

(٢٥٠) ـ

أكفرا بعد ردّ الموت عنّى

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

__________________

٢٥٠ ـ البيت للقطامى ، واسمه عمير بن شييم ، وهو ابن أخت الأخطل ، من كلمة له يمدح فيها زفر بن الحارث الكلابى ، وهو من شواهد الأشمونى (رقم ٦٨٤).

اللغة : «أكفرا» جحودا للنعمة ، ونكرانا للجميل «رد» منع «الرتاع» جمع راتعة ، وهى من الإبل التى تبرك كى ترعى كيف شاءت لكرامتها على أصحابها.

المعنى : أنا لا أجحد نعمتك ، ولا أنكر صنيعك معى ، ولا يمكن أن أصنع ذلك بعد إذ منعت عنى الموت ، وأعطيتنى مائة من خيار الإبل.

الإعراب : «أكفرا» الهمزة للاستفهام الإنكارى ، كفرا : مفعول مطلق لفعل محذوف : أى أأكفر كفرا «بعد» ظرف متعلق بمحذوف صفة لكفرا ، و «بعد» مضاف و «رد» مضاف إليه ، ورد مضاف و «الموت» مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله ، وقد حذف فاعله ، وأصله : ردك الموت «عنى» جار ومجرور متعلق برد «وبعد» معطوف على الظرف السابق ، وبعد مضاف وعطاء من «عطائك» اسم مصدر : مضاف إليه ،

٩٩

فـ «المائة» منصوب بـ «عطائك» ومنه حديث الموطّأ : «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء» ، فـ «امرأته» منصوب بـ «قبلة» وقوله :

(٢٥١) ـ

إذا صحّ عون الخالق المرء لم يجد

عسيرا من الآمال إلّا ميسّرا

وقوله :

(٢٥٢) ـ

بعشرتك الكرام تعدّ منهم

فلا ترين لغيرهم ألوفا

__________________

وعطاء مضاف والكاف مضاف إليه ، من إضافة اسم المصدر إلى فاعله «المائة» مفعول به لاسم المصدر الذى هو عطاء «الرتاعا» صفه للمائة.

الشاهد فيه : قوله «عطائك المائة» حيث أعمل اسم المصدر وهو قوله «عطاء» عمل الفعل ؛ فنصب به المفعول وهو قوله «المائة» بعد أن أضاف اسم المصدر لفاعله.

٢٥١ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها ، وقد أنشده الأصمعى ولم يعزه.

اللغة : «عون» اسم بمعنى الإعانة ، والفعل المستعمل هو أعان ، تقول : أعان فلان فلانا يعينه ؛ تريد نصره وأخذ بيده فيما يعتزم عمله.

الإعراب : «إذا» ظرف للزمان المستقبل تضمن معنى الشرط «صح» فعل ماض «عون» فاعل صح ، وعون مضاف و «الخالق» مضاف إليه ، من إضافة اسم المصدر إلى فاعله «المرء» مفعول به لاسم المصدر ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، والجملة من «صح» وفاعله فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «لم» نافية جازمة «يجد» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المرء «عسيرا» مفعول أول ليجد «من الآمال» جار ومجرور متعلق بعسير أو بمحذوف صفة له «إلا» أداة استثناء ملغاة «ميسرا» مفعول ثان ليجد.

الشاهد فيه : قوله «عون الخالق المرء» حيث أعمل اسم المصدر ـ وهو قوله «عون» ـ عمل الفعل ؛ فنصب به المفعول ـ وهو قوله «المرء» ـ بعد إضافته لفاعله كما بيناه فى إعراب البيت.

٢٥٢ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها ، وهو من شواهد الأشمونى (رقم ٦٨٥) ـ.

١٠٠