شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

أشار فى هذا البيت إلى ما تقدّم ذكره ، من أن «إذا» تلزم الإضافة إلى الجملة الفعلية ، ولا تضاف إلى الجملة الاسمية ، خلافا للأخفش والكوفيين ، فلا تقول : «أجيئك إذا زيد قائم» وأما «أجيئك إذا زيد قام» فـ «زيد» مرفوع بفعل محذوف ، وليس مرفوعا على الابتداء ، هذا مذهب سيبويه.

وخالفه الأخفش ؛ فجوّز كونه مبتدأ خبره الفعل الذى بعده.

وزعم السيرافىّ أنه لا خلاف بين سيبويه والأخفش فى جواز وقوع المبتدأ بعد إذا ، وإنما الخلاف بينهما فى خبره ؛ فسيبويه يوجب أن يكون فعلا ، والأخفش يجوّز أن يكون اسما ؛ فيجوز فى «أجيئك إذا زيد قام» جعل «زيد» مبتدأ عند سيبويه والأخفش ، ويجوز «أجيثك إذا زيد قائم» عند الأخفش فقط (١).

* * *

لمفهم اثنين معرّف ـ بلا

تفرّق ـ أضيف «كلتا» ، و «كلا» (٢)

__________________

فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط ، وجملة «اعتلى» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجواب «إذا» محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(١) قد يستدل للأخفش بقول الشاعر :

إذا باهلىّ تحته حنظليّة

له ولد منها فذاك المذرّع

وأنصار سيبويه يخرجون هذا البيت على أن «كان» مضمرة بعد إذا ، وكأنه قد قال : إذا كان باهلى ؛ فتكون إذا مضافة إلى جملة فعلية ، وهو تكلف.

(٢) «لمفهم» جار ومجرور متعلق بقوله «أضيف» الآتى ، ومفهم مضاف و «اثنين» مضاف إليه «معرف» صفة لمفهم «بلا تفرق» الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لمفهم «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول «كلتا» نائب فاعل «وكلا» معطوف على كلتا.

٦١

من الأسماء الملازمة للاضافة لفظا ومعنى : «كلتا» و «كلا» ؛ ولا يضافان إلا إلى معرفة ، مثنى لفظا [ومعنى] ، نحو : «جاءنى كلا الرّجلين ، وكلتا المرأتين» أو معنى دون لفظ ، نحو «جاءنى كلاهما ، وكلتاهما» ومنه قوله :

(٢٢٨) ـ

إنّ للخير وللشّرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

وهذا هو المراد بقوله : «لمفهم اثنين معرف» ، واحترز بقوله «بلا تفرق» من معرّف أفهم الاثنين بتفرق (٢) ، فإنه لا يضاف إليه «كلا ، وكلتا» فلا تقول «كلا زيد وعمرو جاء» ، وقد جاء شاذا ، كقوله :

__________________

٢٢٨ ـ البيت لعبد الله بن الزبعرى ، أحد شعراء قريش المعدودين ، وكان فى أول الدعوة الإسلامية مشركا يهجو المسلمين ، ثم أسلم ، والبيت من كلمة له يقولها ـ وهو مشرك ـ فى يوم أحد.

اللغة : «مدى» غاية ومنتهى «وجه» جهة «وقبل» بفتحتين ـ له عدة معان ، ومنها المحجة الواضحة.

المعنى : يقول : إن للخير وللشر غاية ينتهى إليها كل واحد منهما ، وإن ذلك أمر واضح لا يخفى على أحد.

الإعراب : «إن» حرف توكيد ونصب «للخير» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «إن» مقدم على اسمه «وللشر» معطوف على للخير «مدى» اسم «إن» مؤخر عن خبره «وكلا» مبتدأ ، وكلا مضاف واسم الإشارة فى «ذلك» مضاف إليه ، واللام للبعد. والكاف حرف خطاب «وجه» خبر المبتدأ «وقبل» معطوف عليه.

الشاهد فيه : قوله «وكلا ذلك» حيث أضاف «كلا» إلى مفرد لفظا ، وهو «ذلك» لأنه مثنى فى المعنى ؛ لعوده على اثنين وهما الخير والشر.

(١) فقد صارت شروط ما تضاف كلا وكلتا إليه ثلاثة ؛ أولها : أن يكون المضاف إليه معرفة ، وثانيها : أن يدل على اثنين أو اثنتين ، وثالثها : أن يكون لفظا واحدا ، كرجلين وامرأتين ، وخليلين.

٦٢

(٢٢٩) ـ

كلا أخى وخليلى واجدى عضدا

فى النّائبات وإلمام الملمّات

* * *

ولا تضف لمفرد معرّف

«أيّا» ، وإن كرّرتها فأضف (٢)

أو تنو الأجزا ، واخصصن بالمعرفه

موصولة أيّا ، وبالعكس الصّفه (٣)

__________________

٢٢٩ ـ البيت من الشواهد التى لم يذكر العلماء لها قائلا معينا فيما نعلم.

اللغة : «عضدا» معينا ، وناصرا «النائبات» جمع نائبة ، وهى ما ينتاب الإنسان ويعرض له من نوازل الدهر «إلمام» نزول «الملمات» جمع ملمة ، وهى ما ينزل بالمرء من المحن والمصائب.

المعنى : يقول : كل من أخى وصديقى يجدنى عونا له وناصرا ، عندما تتزل به نازلة أو تنتابه محنة ، فإننى أقف إلى جواره وآخذ بيده حتى يزول ما نزل به.

الإعراب : «كلا» مبتدأ ، وكلا مضاف وأخ من «أخى» مضاف إليه ، وأخ مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «وخليلى» معطوف على أخى «واجدى» واجد : خبر المبتدأ ، وواجد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله الأول ، وإفراد الخبر مع أن المبتدأ مثنى لأن «كلا» لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى المثنى ، وتجوز مراعاة لفظه كما تجوز مراعاة معناه (انظر مباحث المثنى وما ألحق به فى أول الكتاب) «عضدا» مفعول ثان لواجد «فى النائبات» جار ومجرور متعلق بواجد «وإلمام» معطوف على النائبات ، وإلمام مضاف و «الملمات» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «كلا أخى وخليلى» حيث أضاف «كلا» إلى متعدد مع التفرق بالعطف ، وهو شاذ.

(١) «ولا» ناهية «تضف» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لمفرد» جار ومجرور متعلق بتضف «معرف» نعت لمفرد «أيا» مفعول به لتضف «وإن» شرطية «كررتها» فعل ماض فعل الشرط ، وفاعله ومفعوله «فأضف» الفاء لربط الجواب بالشرط ، أضف : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط.

(٢) «أو» عاطفة «تنو» فعل مضارع معطوف على «كررتها» وفاعله ضمير

٦٣

وإن تكن شرطا أو استفهاما

فمطلقا كمّل بها الكلاما (١)

من الأسماء الملازمة للاضافة معنى «أىّ» (٢) ولا تضاف إلى مفرد معرفة ، إلا إذا تكررت ، ومنه قوله :

(٢٣٠) ـ

ألا تسألون النّاس أيّى وأيّكم

غداة التقينا كان خيرا وأكرما

__________________

مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الاجزا» مفعول به لتنوى «واخصصن» اخصص : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والنون نون التوكيد «بالمعرفة» جار ومجرور متعلق باخصص «موصولة» حال من أى قدم على صاحبه «أيا» مفعول به لاخصص «وبالعكس الصفة» مبتدأ وخبر.

(١) «وإن» شرطية «تكن» فعل مضارع ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على أى «شرطا» خبر تكن «أو» عاطفة «استفهاما» معطوف على قوله «شرطا» «فمطلقا» الفاء لربط الجواب بالشرط ، مطلقا : مفعول مطلق ، وأصله صفة لمصدر محذوف ، أى : فتكميلا مطلقا «كمل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بها» جار ومجرور متعلق بكمل «الكلاما» مفعول به لكمل ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط.

(٢) اعلم أولا أن «أى» على أربعة أنواع كما سيذكره الشارح : الشرطية ، والموصولة ، والاستفهامية ، والوصفية ، وكل واحدة من الثلاثة الأولى قد تتكرر ، وقد ينوى بها الأجزاء ، فأما الوصفية بنوعيها فلا يجوز تكرارها ، ولا يجوز أن تنوى بها الأجزاء ، ثم اعلم ثانيا أن مثل إرادة الأجزاء أن تقصد الجنس بالمضاف إليه ، وذلك نحو أن تقول : أى الكسب أطيب؟ وأى الدينار دينارك؟ ومثله أيضا العطف بالواو ، كأن تقول : أى زيد وعمرو أفضل؟

٢٣٠ ـ البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها :

الإعراب : «ألا» أداة استفتاح وتنبيه «تسألون» فعل مضارع وفاعله «الناس» مفعول به لتسألون «أيى» أى : مبتدأ ، وأى مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «وأيكم» معطوف على أيى «غداة» ظرف زمان متعلق بكان الآتية عند من

٦٤

أو قصدت الأجزاء ، كقولك : «أىّ زيد أحسن»؟ أى : أىّ أجزاء زيد أحسن ، ولذلك يجاب بالأجزاء ، فيقال : عينه ، أو أنفه ، وهذا إنما يكون فيها إذا قصد بها الاستفهام (١).

وأىّ تكون : استفهامية ، وشرطية ، وصفة ، وموصولة.

فأما الموصولة فذكر المصنف أنها لا تضاف إلا إلى معرفة ؛ فتقول : «يعجبنى أيهم قائم» ، وذكر غيره أنها تضاف ـ أيضا ـ إلى نكرة ، ولكنه قليل ، نحو «يعجبنى أىّ رجلين قاما».

وأما الصفة فالمراد بها ما كان صفة لنكرة ، أو حالا من معرفة ، ولا تضاف إلا إلى نكرة ، نحو «مررت برجل أىّ رجل ، ومررت بزيد أىّ فتى» ومنه قوله :

(٢٣١) ـ

فأومأت إيماء خفيّا لحبتر

فلله عينا حبتر أيّما فتى

__________________

يجوز تعليق الظروف بالأفعال الناقصة ، وأما من لا يجيزون ذلك فإنهم يعلقونه بقوله «خيرا وأكرما» الذى هو الخبر «التقينا» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة قوله غداة إليها «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أيى وأيكم «خيرا» خبر كان «وأكرما» معطوف على قوله خيرا ، والجملة من «كان» واسمه وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو أى ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مفعول ثان لتسألون.

الشاهد فيه : قوله «أيى ، وأيكم» حيث أضاف «أيا» إلى المعرفة ، وهى ضمير المتكلم فى الأول وضمير المخاطب فى الثانى ، والذى سوغ ذلك تكرارها.

(١) قد علمت مما ذكرناه قريبا أن الشرطية والموصولة قد يتكرران ، وقد يراد بكل واحدة منهما الأجزاء ؛ فالحصر الذى ذكره الشارح هنا غير مسلم له.

٢٣١ ـ البيت للراعى النميرى.

اللغة : «أو مأت» الإيماء : الإشارة باليد أو بالحاجب أو نحوهما.

٦٥

وأما الشرطية والاستفهامية : فيضافان إلى المعرفة وإلى النكرة مطلقا ، أى سواء كانا مثنيين ، أو مجموعين ، أو مفردين ـ إلا المفرد المعرفة ؛ فإنهما لا يضافان إليه ، إلا الاستفهامية ؛ فإنها تضاف إليه كما تقدم ذكره.

واعلم أن «أيا» إن كانت صفة أو حالا ، فهى ملازمة للاضافة لفظا ومعنى ، نحو «مررت برجل أىّ رجل ، وبزيد أىّ فتى» ، وإن كانت استفهامية أو شرطية أو موصولة ، فهى ملازمة للإضافة معنى لا لفظا ، نحو : «أىّ رجل عندك؟ وأىّ عندك؟ وأىّ رجل تضرب أضرب ، وأيّا تضرب أضرب ، ويعجبنى أيهم عندك ، وأىّ عندك» ونحو «أىّ الرّجلين تضرب أضرب ، وأىّ رجلين تضرب أضرب ، وأىّ الرّجال تضرب أضرب ، وأىّ رجال تضرب أضرب ، وأىّ الرجلين عندك؟ وأىّ الرجال عندك؟ وأىّ رجل ، وأىّ رجلين ، وأىّ رجال؟».

* * *

وألزموا إضافة «لدن» فجر

ونصب «غدوة» بها عنهم ندر (١)

__________________

المعنى : يقول : إنى أشرت إلى حبتر إشارة خفية ؛ فما كان أحد بصره وأنفذه ؛ لأنه رآنى مع خفاء إشارتى.

الإعراب : «فأومأت» فعل وفاعل «إيماء» مفعول مطلق «خفيا» صفة لإيماء «لحبتر» جار ومجرور متعلق بأومأت «فلله» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «عينا» مبتدأ مؤخر ، وعينا مضاف و «حبتر» مضاف إليه ، وقد قصد بهذه الجملة الخبرية إنشاء التعجب «أيما» أى : حال من حبتر ، وما : زائدة ، وأى مضاف ، و «فتى» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «أيما فتى» حيث أضاف «أيا» الوصفية إلى النكرة.

(١) «وألزموا» فعل وفاعل «إضافة» مفعول ثان قدم على الأول ، و «لدن» قصد لفظه : مفعول أول لألزم «فجر» الفاء عاطفة ، جر : فعل ماض ، والفاعل ضمير

٦٦

ومع مع فيها قليل ، ونقل

فتح وكسر لسكون يتّصل (١)

من الأسماء الملازمة للإضافة «لدن ، ومع».

فأما «لدن» (٢) فلابتداء غاية زمان أو مكان ، وهى مبنيّة عند أكثر العرب ؛ لشبهها بالحرف فى لزوم استعمال واحد ـ وهو الظرفية ، وابتداء الغاية ـ وعدم جواز الإخبار بها ، ولا تخرج عن الظرفية إلا بجرها بمن ، وهو الكثير فيها ، ولذلك لم ترد فى القرآن إلا بمن ، كقوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) وقيس تعربها ، ومنه قراءة أبى بكر عن عاصم : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) لكنه أسكن الدال ، وأشمّها الضم.

__________________

مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لدن «ونصب» مبتدأ ، ونصب مضاف و «غدوة» مضاف إليه «بها» جار ومجرور متعلق بنصب «عنهم» جار ومجرور متعلق بندر الآتى «ندر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نصب ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

(١) «ومع» معطوف على «لدن» فى البيت السابق «مع» قصد لفظه : مبتدأ «فيها» جار ومجرور متعلق بقليل الآتى «قليل» خبر المبتدأ «ونقل» فعل ماض مبنى للمجهول «فتح» نائب فاعل نقل «وكسر» معطوف على فتح «لسكون» تنازعه كل من فتح وكسر «يتصل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى سكون ، والجملة فى محل جر صفة لسكون.

(٢) اعلم أن لدن تخالف عند من أربعة أوجه : أولها أن لدن مبنية وعند معربة ، وثانيها أن لدن ملازمة للدلالة على مبتدأ غاية زمان أو مكان ، وأما عند فقد تكون لمبتدأ الغاية وذلك إذ اقترنت بمن ، وقد لا تدل على ذلك ، وثالثها أنه لا يخبر بلدن ، وقد يخبر بعند ، نحو زيد عندك ، ورابعها أن لدن قد تضاف إلى جملة كقول الشاعر :

صريع غوان راقهنّ ورقنه

لدن شبّ حتّى شاب سود الذوائب

وهى عندئذ ظرف زمان ، وأما عند فلا تضاف إلا إلى مفرد.

٦٧

قال المصنف : ويحتمل أن يكون منه قوله :

(٢٣٢) ـ

تنتهض الرّعدة فى ظهيرى

من لدن الظّهر إلى العصير

ويجرّ ما ولى «لدن» بالإضافة ، إلا «غدوة» فإنهم نصبوها بعد «لدن» كقوله :

(٢٣٣) ـ

وما زال مهرى مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتّى دنت لغروب

__________________

٢٣٢ ـ هذا الشاهد من الأبيات المجهولة نسبتها ، وكل ما قيل فيه إنه لراجز من طيىء.

اللغة : «تنتهض» تتحرك وتسرع «الرعدة» بكسر الراء ـ اسم للارتعاد وهو الارتعاش والاضطراب ، وأراد بها الحمى ، وما ذكره أعراض الحمى التى تسمى الآن (الملاريا) «ظهيرى» تصغير ظهر مقابل البطن «العصير» مصغر عصر ، وهو الوقت المعروف.

المعنى : إن الحمى تصيبنى فيسرع الارتعاد إلى ، ويستمر هذا الارتعاد من وقت الظهر إلى وقت العصر.

الإعراب : «تنتهض» فعل مضارع «الرعدة» فاعل «فى ظهيرى» الجار والمجرور متعلق بتنتهض ، وظهير مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «من لدن» جار ومجرور متعلق بتنتهض أيضا ، ولدن مضاف و «الظهر» مضاف إليه «إلى العصير» جار ومجرور متعلق بتنتهض أيضا.

الشاهد فيه : قوله «من لدن» حيث كسر نون لدن وقبلها حرف جر ، فيحتمل أنه أعرب «لدن» على لغة قيس ، فجرها بالكسرة ، ويحتمل أنها مبنية على السكون فى محل جر وأن هذا الكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، لا للاعراب ، ولهذا لم يستدل به العلامة ابن مالك للغة قيس ، وإنما قال : إنه يحتمل أن يكون قد جاء عليها ، فتفطن لذلك.

٢٣٣ ـ هذا البيت ـ أيضا ـ من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «مزجر الكلب» أصله اسم مكان من الزجر ، أى المكان الذى يطرد

٦٨

وهى منصوبة على التمييز (١) ، وهو اختيار المصنف ، ولهذا قال : «ونصب غدوة بها عنهم ندر» وقيل : هى خبر لكان المحذوفة ، والتقدير : لدن كانت الساعة غدوة.

ويجوز فى «غدوة» الجر ، وهو القياس ، ونصبها نادر فى القياس ؛ فلو عطفت على «غدوة» المنصوبة بعد «لدن» جاز النصب عطفا على اللفظ ، والجرّ مراعاة للأصل ؛ فتقول «لدن غدوة وعشيّة ، وعشيّة» ذكر ذلك الأخفش.

وحكى الكوفيون الرّفع فى «غدوة» بعد «لدن» وهو مرفوع بكان المحذوفة ، والتقدير : لدن كانت غدوة [و «كان» تامة].

__________________

وينحى الكلب إليه ، والمراد به البعد (انظر مباحث المفعول فيه من هذا الكتاب).

المعنى : يقول : ما زال مهرى بعيدا عنهم من أول النهار إلى آخره.

الإعراب : «ما زال» ما : نافية ، زال : فعل ماض ناقص «مهرى» مهر : اسم زال ، ومهر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «مزجر» ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر زال ، ومزجر مضاف و «الكلب» مضاف إليه «منهم» جار ومجرور متعلق بمزجر ، لأنه فى معنى المشتق ، أى البعيد «لدن» ظرف لابتداء الغاية مبنى على السكون فى محل نصب متعلق بزال أو بخبرها «غدوة» منصوب على التمييز ، لأن غدوة تدل على أول زمان مبهم ، وقد قصدوا تفسير هذا الإبهام بغدوة «حتى» ابتدائية «دنت» دنا : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود على الشمس المفهومة من المقام كما فى قوله تعالى (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) «لغروب» جار ومجرور متعلق بدنت.

الشاهد فيه : قوله «لدن غدوة» حيث نصب «غدوة» بعد «لدن» على التمييز ، ولم يجره بالإضافة.

(١) فى نصب غدوة ثلاثة أقوال ذكر الشارح اثنين منها ، وثالثها أنه على التشبيه بالمفعول به.

٦٩

وأما «مع» فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته ، نحو «جلس زيد مع عمرو ، وجاء زيد مع بكر» والمشهور فيها فتح العين ، وهى معربة ، وفتحتها فتحة إعراب ، ومن العرب من يسكنها ، ومنه قوله :

(٢٣٤) ـ

فريشى منكم وهواى معكم

وإن كانت زيارتكم لماما

وزعم سيبويه أن تسكينها ضرورة ، وليس كذلك ، بل هو لغة ربيعة ، وهى عندهم مبنية على السكون ، وزعم بعضهم أن الساكنة العين حرف ، وادّعى النّحّاس الإجماع على ذلك ، وهو فاسد ؛ فإن سيبويه زعم أن ساكنة العين اسم.

__________________

٢٣٤ ـ البيت لجرير بن عطية ، من قصيدة له يمدح فيها هشام بن عبد الملك.

اللغة : «ريشى» الريش والرياش يطلقان على عدة معان ، منها اللباس الفاخر ، والخصب ، والمعاش ، والقوة «لماما» بكسر اللام ـ متقطعة ، بعد كل حين مرة.

الإعراب : «فريشى» ريش : مبتدأ ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «منكم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «وهواى» هوى : مبتدأ ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «معكم» مع : ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، ومع مضاف والضمير مضاف إليه «وإن» الواو واو الحال ، إن : قال العينى وغيره : زائدة «كان» فعل ماض «زيارتكم» زيارة : اسم كان ، وزيارة مضاف والضمير مضاف إليه ، من إضافة المصدر لمفعوله ، والفاعل محذوف ، لأن العامل مصدر فيجوز معه حذف الفاعل أى زيارتى إياكم ، ويجوز أن تكون من إضافة المصدر لفاعله : أى زيارتكم إياى «لماما» خبر كان.

الشاهد فيه : قوله «معكم» حيث سكن العين من «مع» وهو عند سيبويه ضرورة لا يجوز ارتكابها إلا فى الشعر. لكن الذى نقله غيره من العلماء أن قوما من العرب بأعيانهم ـ وهم قيس ـ من لغتهم تسكينها ؛ فعلى هذه اللغة يجوز تسكينها فى سعة الكلام ، ولا شك أن من حفظ حجة على من لم يحفظ.

٧٠

هذا حكمها إن وليها متحرك ـ أعنى أنها تفتح ، وهو المشهور ، وتسكن ، وهى لغة ربيعة ـ فإن وليها ساكن ، فالذى ينصبها على الظرفية يبقى فتحها فيقول «مع ابنك» والذى يبنيها على السكون يكسر لالتقاء الساكنين فيقول «مع ابنك» :

* * *

واضمم ـ بناء ـ «غيرا» ان عدمت ما

له أضيف ، ناويا ما عدما (١)

قبل كغير ، بعد ، حسب ، أوّل

ودون ، والجهات أيضا ، وعل (٢)

وأعربوا نصبا إذا ما نكّرا

«قبلا» وما من بعده قد ذكرا (٣)

__________________

(١) «واضمم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بناء» مفعول مطلق على حذف مضاف ، أى : اضمم ضم بناء «غيرا» مفعول به لاضمم «إن» شرطية «عدمت» عدم : فعل ماض فعل الشرط ، وتاء المخاطب فاعل «ما» اسم موصول : مفعول به لعدم «له» جار ومجرور متعلق بقوله أضيف الآتى «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جواز تقديره هو يعود إلى غير ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد الضمير المجرور محلا باللام «ناويا» حال من فاعل اضمم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أتت «ما» اسم موصول : مفعول به لناو ، وجملة «عدما» لا محل لها صلة الموصول.

(٢) «قبل» مبتدأ «كغير» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «بعد ، حسب ، أول ، ودون ، والجهات» معطوفات على «قبل» بعاطف مقدر فى بعضهن «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «وعل» معطوف على قبل.

(٣) «وأعربوا» فعل وفاعل «نصبا» حال من الفاعل : أى ناصبين «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «نكرا» نكر : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المذكور ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها «قبلا» مفعول به لأعربوا السابق «وما»

٧١

هذه الأسماء المذكورة ـ وهى : غير ، وقبل ، وبعد ، وحسب ، وأول ، ودون ، والجهات الست ـ وهى : أمامك ، وخلفك ، وفوقك ، وتحتك ، ويمينك ، وشمالك ـ وعل ؛ لها أربعة أحوال : تبنى فى حالة منها ، وتعرب فى بقيتها.

فتعرب إذا أضيفت لفظا ، نحو «أصبت درهما لا غيره ، وجئت من قبل زيد» أو حذف المضاف إليه ونوى اللفظ ، كقوله :

(٢٣٥) ـ

ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف

وتبقى فى هذه الحالة كالمضاف لفظا ؛ فلا تنوّن إلا إذا حذف ما تضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه ، فتكون [حينئذ] نكرة ، ومنه قراءة من قرأ : (لله الأمر من قبل ومن بعد) بجر «قبل ، وبعد» وتنوينهما ؛ وكقوله :

__________________

الواو عاطفة ، ما : اسم موصول معطوف على قوله «قبلا» «من بعده» الجار والمجرور متعلق بقوله «ذكرا» الآتى ، وبعد مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «ذكرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة.

٢٣٥ ـ هذا البيت من الشواهد التى استشهد بها النحاة ولم ينسبوها إلى قائل معين.

الإعراب : «من قبل» جار ومجرور متعلق بقوله «نادى» الآتى «نادى» فعل ماض «كل» فاعل نادى ، وكل مضاف و «مولى» مضاف إليه «قرابة» مفعول به لنادى «فما» الفاء عاطفة ، وما : نافية «عطفت» عطف : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «مولى» مفعول به لعطفت «عليه» جار ومجرور متعلق بعطف «العواطف» فاعل عطفت.

الشاهد فيه : قوله «من قبل» حيث أعرب «قبل» من غير تنوين ؛ لأنه حذف المضاف إليه ونوى لفظه ، وكأنه قد قال : ومن قبل ذلك ـ مثلا ـ والمحذوف المنوى الذى لم يقطع النظر عنه مثل الثابت ، وهو لو ذكر هذا المحذوف لم ينون.

٧٢

(٢٣٦) ـ

فساغ لى الشّراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم

هذه هى الأحوال الثلاثة التى تعرب فيها.

__________________

٢٣٦ ـ البيت ليزيد بن الصعق ، حدث أبو عبيدة ، قال : كانت بلاد غطفان مخصبة ، فرعت بنو عامر بن صعصعة ناحية منها ، فأغار الربيع بن زياد العبسى على يزيد ابن الصعق ، وكان يزيد فى جماعة من الناس ، فلم يستطعه الربيع ، فأقبل على سروح بنى جعفر والوحيد ابنى كلاب ، فأخذ نعمه ، فحرم يزيد على نفسه النساء والطيب حتى يغير عليه ، فجمع قبائل شتى ، فاستاق نعما كثيرة له ولغيره ، وأصاب عصافير النعمان بن المنذر ـ وهى إبل معروفة عندهم ـ ففى ذلك يقول يزيد بن الصعق أبياتا منها بيت الشاهد ، ومنها قوله :

ألا أبلغ لديك أبا حريث

وعاقبة الملامة للمليم

فكيف ترى معاقبتى وسعيى

بأذواد القصيبة والقصيم

وهذا دليل على أن من روى عجز البيت «بالماء الفرات» لم يصب.

اللغة : «ساغ» سهل جريانه فى الحلق «أغص» مضارع من الغصص ـ بالتحريك ـ وهو اعتراض اللقمة ونحوها فى الحلق حتى لا تكاد تنزل «الماء الحميم» هو هنا البارد ، وهو من الأضداد ، بطلق على الحار وعلى البارد «المليم» الذى فعل ما يلام عليه.

المعنى : يقول : لم يكن يهنأ لى طعام ولا يلذ لى شراب بسبب ما كان لى من الثأر عند هؤلاء ، فلما غزوتهم وأطفأت لهيب صدرى بالغلبة عليهم ساغ شرابى ولذت حياتى.

الإعراب : «فساغ» فعل ماض «لى» جار ومجرور متعلق بساغ «الشراب» فاعل ساغ «وكنت» الواو للحال ، كان : فعل ماض ناقص ، والتاء ضمير المتكلم اسمه «قبلا» منصوب على الظرفية يتعلق بكان «أكاد» فعل مضارع ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «أغص» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة فى محل نصب خبر أكاد ، وجملة «أكاد» واسمها وخبرها فى محل نصب

٧٣

أما الحالة [الرابعة] التى تبنى فيها فهى إذا حذف ما تضاف إليه ونوى معناه دون لفظه ؛ فإنها تبنى حينئذ على الضم ، نحو (لله الأمر من قبل ومن بعد) وقوله :

(٢٣٧) ـ

* أقبّ من تحت عريض من عل*

وحكى أبو على الفارسى «ابدأ بذا من أوّل» بضم اللام وفتحها وكسرها ـ فالضمّ على البناء لنية المضاف إليه معنى ، والفتح على الإعراب لعدم نية المضاف

__________________

خبر «كان» وجملة كان واسمها وخبرها فى محل نصب حال «بالماء» جار ومجرور متعلق بقوله «أغص» و «الحميم» صفة للماء.

الشاهد فيه : قوله «قبلا» حيث أعربه منونا ؛ لأنه قطعه عن الإضافة لفظا ومعنى.

٢٣٧ ـ هذا البيت لأبى النجم العجلى يصف فيه الفرس ، من أرجوزة له يصف فيها أشياء كثيرة ، وأول هذه الأرجوزة قوله :

الحمد لله العلىّ الأجلل

الواسع الفضل الوهوب المجزل

اللغة : «أقب» مأخوذ من القبب ، وهو دقة الخصر وضمور البطن.

الإعراب : «أقب» خبر لمبتدأ محذوف : أى هو أقب «من» حرف جر «تحت» ظرف مبنى على الضم فى محل جر بمن ، والجار والمجرور متعلق بقوله «أقب» ، وقوله «عريض» خبر ثان «من عل» جار ومجرور متعلق بعريض.

الشاهد فيه : ذكروا أن مكان الاستشهاد بهذا البيت فى قوله : «من تحت ، ومن عل» حيث بنى الظرفان على الضم ؛ لأن كلا منهما قد حذف منه لفظ المضاف إليه ونوى معناه.

هكذا قالوا ، وهو كلام خال عن التحقيق ؛ لأن قوافى الأرجوزة كلها مجرورة كما رأيت فى البيتين اللذين أنشدناهما فى أول الكلام على هذا الشاهد ؛ فيكون قوله : «من عل» مجرورا لفظا بمن ، ويكون من الحالة الثانية التى حذف فيها المضاف إليه ونوى لفظه ، ويكون الاستشهاد بقوله : «من تحت» وحده ، فاحفظ ذلك ، ولا تكن أسير التقليد.

٧٤

إليه ، لفظا ومعنى ، وإعرابها إعراب ما لا ينصرف للصفة ووزن الفعل ، والكسر على نية المضاف إليه لفظا.

فقول المصنف «واضمم بناء ـ البيت» إشارة إلى الحالة الرابعة.

وقوله : «ناويا ما عدما» مراده أنّك تبنيها على الضم إذا حذفت ما تضاف إليه ونويته معنى لا لفظا.

وأشار بقوله : «وأعربوا نصبا» إلى الحالة الثالثة ، وهى ما إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه ؛ فإنها تكون حينئذ نكرة معربة.

وقوله : «نصبا» معناه أنها تنصب إذا لم يدخل عليها جار ، فإن دخل [عليها] جرّت ، نحو «من قبل ومن بعد».

ولم يتعرض المصنف للحالتين الباقيتين ـ أعنى الأولى ، والثانية ـ لأن حكمهما ظاهر معلوم من أول الباب ـ وهو : الإعراب ، وسقوط التنوين ـ كما تقدم [فى كل ما يفعل بكل مضاف مثلها].

* * *

وما يلى المضاف يأتى خلفا

عنه فى الاعراب إذا ما حذفا (١)

__________________

(١) «وما» اسم موصول مبتدأ «يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما «المضاف» مفعول به ليلى ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «يأتى» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «خلفا» حال من الضمير المستتر فى يأتى «عنه» جار ومجرور متعلق بقوله «خلفا» «فى الإعراب» جار ومجرور متعلق بقوله : «يأتى» «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «ما» زائدة «حذفا» حذف : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجوابها محذوف ، وتقدير البيت : والمضاف إليه الذى يلى المضاف يأتى خلفا عنه فى الإعراب إذا حذف المضاف

٧٥

يحذف المضاف لقيام قرينة تدلّ عليه ، ويقام المضاف إليه مقامه ، فيعرب بإعرابه ، كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) أى : حبّ العجل ، وكقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) أى : أمر ربّك ، فحذف المضاف ـ وهو «حب ، وأمر» ـ وأعرب المضاف إليه ـ وهو «العجل ، وربّك» ـ بإعرابه.

* * *

وربّما جرّوا الّذى أبقوا كما

قد كان قبل حذف ما تقدّما (١)

لكن بشرط أن يكون ما حذف

مماثلا لما عليه قد عطف (٢)

__________________

(١) «وربما» رب : حرف تقليل وجر ، ما : كافة «جروا» فعل وفاعل «الذى» مفعول به لجروا «أبقوا» فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها صلة «كما» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف «قد» حرف تحقيق «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «قبل» ظرف متعلق بمحذوف خبر كان ، والجملة من «كان» واسمه وخبره لا محل لها صلة ما ، وقبل مضاف و «حذف» مضاف إليه ، وحذف مضاف و «ما» اسم موصول بمعنى الذي مضاف إليه ، والجملة من «تقدما» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، لا محل لها صلة «ما».

(٢) «لكن» حرف استدراك «بشرط» جار ومجرور قال المعربون : إنه متعلق بمحذوف حال : إما من فاعل «جروا» فى البيت السابق ، وإما من مفعوله ، وعندى أنه لا يمتنع أن يكون متعلقا بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : لكن ذلك الجر كائن بشرط إلخ «أن» مصدرية «يكون» فعل مضارع ناقص منصوب بأن «ما» اسم موصول اسم يكون ، وجملة «حذف» ونائب الفاعل المستتر فيه لا محل لها صلة «مماثلا» خبر يكون «لما» جار ومجرور متعلق بمماثل «عليه» جار ومجرور متعلق بعطف الآتى ، وجملة «عطف» مع نائب الفاعل المستتر فيه لا محل لها صلة ما الموصولة المجرورة محلا باللام.

٧٦

قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا ، كما كان عند ذكر المضاف ، لكن بشرط أن يكون المحذوف مماثلا لما عليه قد عطف ، كقول الشاعر :

(٢٣٨) ـ

أكلّ امرىء تحسبين أمرأ

ونار توقّد باللّيل نارا

[و] التقدير «وكلّ نار» فحذف «كل» وبقى المضاف إليه مجرورا

__________________

٢٣٨ ـ البيت لأبى دواد الإيادى ، واسمه جارية بن الحجاج.

الإعراب : «أكل» الهمزة للاستفهام الإنكارى ، كل : مفعول أول لتحسبين مقدم عليه ، وكل مضاف و «امرىء» مضاف إليه «تحسبين» فعل وفاعل «امرأ» مفعول ثان «ونار» الواو عاطفة ، والمعطوف محذوف ، والتقدير : وكل نار ، فنار مضاف إليه فى الأصل وذلك المعطوف المحذوف ـ وهو المضاف ـ هو المعطوف على «كل امرىء» المتقدم «توقد» أصله تتوقد ، فحذف إحدى التاءين ، وهو فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى نار ، والجملة صفة لنار «بالليل» جار ومجرور متعلق بتوقد «نارا» معطوف على قوله «امرأ» المنصوب السابق.

الشاهد فيه : قوله «ونار» حيث حذف المضاف ـ وهو «كل» الذى قدرناه فى إعراب البيت ـ وأبقى المضاف إليه مجرورا كما كان قبل الحذف ، لتحقق الشرط ، وهو أن المضاف المحذوف معطوف على مماثل له وهو «كل» فى قوله «أكل امرىء».

وإنما لم نجعل «نار» المجرور معطوفا على «امرىء» المجرور لأنه يلزم عليه أن يكون الكلام مشتملا على شيئين ـ وهما «نار» «ونارا» ـ معطوفين على معمولين ـ وهما «امرىء» و «امرأ» ـ لعاملين مختلفين ، وهما «كل» العامل فى «امرىء» المجرور بناء على أن انجرار المضاف إليه بالمضاف ، والعامل الثانى «تحسبين» العامل فى «امرأ» المنصوب ، والعاطف واحد ، وهو الواو ، وذلك لا يجوز ، ولكنا لما جعلنا «نار» المجرور مجرورا بتقدير المضاف المحذوف ، وجعلنا هذا المحذوف معطوفا على «كل» لم يبق إلا عامل واحد فى المعطوف عليهما وهو «تحسبين» إذ هو عامل فى «كل» وفى «امرأ» المنصوبين على أنهما مفعولان لتحسبين ، والعطف على معمولين لعامل واحد جائز بالإجماع ، وهذا واضح بعد هذا البيان ، إن شاء الله.

٧٧

كما كان عند ذكرها ، والشرط موجود ، وهو : العطف على مماثل المحذوف وهو «كل» فى قوله «أكلّ امرىء».

وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جرّه ، والمحذوف ليس مماثلا للملفوظ ، بل مقابل له ، كقوله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ، وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) فى قراءة من جرّ «الآخرة» والتقدير «والله يريد باقى الآخرة» ومنهم من يقدره «والله يريد عرض الآخرة» فيكون المحذوف على هذا مماثلا للملفوظ [به] ، والأوّل أولى ، وكذا قدّره ابن أبى الربيع فى شرحه للإيضاح.

* * *

ويحذف الثّانى فيبقى الأوّل

كحاله ، إذا به يتّصل (١)

بشرط عطف وإضافة إلى

مثل الّذى له أضفت الأوّلا (٢)

يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا ؛ فيحذف تنوينه

__________________

(١) «ويحذف» فعل مضارع مبنى للمجهول «الثانى» نائب فاعل يحذف «فيبقى» فعل مضارع «الأول» فاعل يبقى «كحاله» الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الأول ، وحال مضاف وضمير الغائب مضاف إليه «إذا» ظرف متعلق بالحال «به» جار ومجرور متعلق بقوله «يتصل» الآتى «يتصل» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها.

(٢) «بشرط» جار ومجرور متعلق بقوله «يحذف» فى البيت السابق ، وشرط مضاف و «عطف» مضاف إليه «وإضافة» معطوف على عطف «إلى مثل» جار ومجرور متعلق بإضافة ، ومثل مضاف و «الذى» اسم موصول : مضاف إليه «له» جار ومجرور متعلق بأضفت الآتى «أضفت» فعل وفاعل «الأولا» مفعول به لأضفت ، والجملة لا محل لها صلة.

٧٨

وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الأول ، كقولهم : «قطع الله يد ورجل من قالها» التقدير : «قطع الله يد من قالها ، ورجل من قالها» فحذف ما أضيف إليه «يد» وهو «من قالها» لدلالة ما أضيف إليه «رجل» عليه ، ومثله قوله :

(٢٣٩) ـ

* سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها*

__________________

٢٣٩ ـ هذا صدر بيت أنشده الفراء ولم ينسبه إلى قائل معين ، وعجزه قوله :

* فنيطت عرى الآمال بالزّرع والضّرع*

اللغة : «الحزن» ما غلظ من الأرض و «السهل» بخلافه «نيطت» أى : علقت «عرى» جمع عروة وإضافته إلى الآمال كإضافة الأظفار إلى المنية فى قولهم : نشبت أظفار المنية بفلان «الضرع» هو لذات الظلف كالثدى للمرأة.

المعنى : إن المطر قد عم الأرض سهلها وحزنها ، أى كلها ، فقوى رجاء الناس فى نماء الزرع وغزارة الألبان.

الإعراب : «سقى» فعل ماض «الأرضين» مفعول به لسقى قدم على الفاعل «الغيث» فاعل بسقى «سهل» بدل من الأرضين ، بدل بعض من كل «وحزنها» الواو حرف عطف ، وحزن : معطوف على سهل ، والضمير الراجع إلى الأرضين مضاف إليه «فنيطت» نيط : فعل ماض مبنى للمجهول ، والتاء للتأنيث «عرى» نائب فاغل نيط ، وعرى مضاف و «الآمال» مضاف إليه «بالزرع» جار ومجرور متعلق بنيطت «والضرع» معطوف على الزرع.

الشاهد فيه : قوله «سهل وحزنها» حيث حذف المضاف إليه ، وأبقى المضاف ـ وهو قوله سهل ـ على حاله قبل الحذف من غير تنوين ، وذلك لتحقق الشرطين : العطف ، وكون المعطوف مضافا إلى مثل المحذوف ، وكان أصل الكلام : سقى الغيث الأرضين سهلها وحزنها.

ومن ذلك قول الشاعر :

مه عاذلى ، فهائما لن أبرحا

بمثل أو أحسن من شمس الضّحى

٧٩

[التقدير «سهلها وحزنها»] فحذف ما أضيف إليه «سهل» ؛ لدلالة ما أضيف إليه «حزن» عليه.

هذا تقرير كلام المصنف ، وقد يفعل ذلك وإن لم يعطف مضاف إلى مثل المحذوف من الأول ، كقوله :

ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف [٢٣٥](١)

فحذف ما أضيف إليه «قبل» وأبقاه على حاله لو كان مضافا ، ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف ، والتقدير : «ومن قبل ذلك» ومثله قراءة من قرأ شذوذا : (فلا خوف عليهم) أى : فلا خوف شىء عليهم (٢).

وهذا الذى ذكره المصنف ـ من أن الحذف من الأول ، وأن الثانى هو المضاف إلى المذكور ـ هو مذهب المبرد.

__________________

أصل الكلام : بمثل شمس الضحى أو أحسن من شمس الضحى ، فحذف «شمس الضحى» الذى أضيف له «مثل» لدلالة عامل آخر عليه وإن لم يكن العمل هو الجر بالإضافة.

(١) هذا هو الشاهد رقم ٢٣٥ وقد تقدم الكلام على هذا الشاهد مستوفى ، والشاهد فيه هنا قوله «قبل» حيث حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على حاله الذى كان قبل الحذف من غير تنوين ، مع أن الشرطين ـ وهما العطف والمماثلة ـ غير متحققين ، لأنه ليس معطوقا عليه اسم مضاف إلى مثل المحذوف ، وهذا قليل.

(٢) هى قراءة ابن محيصن ، بضم الفاء من «خوف» من غير تنوين ، على أن «لا» مهملة أو عاملة عمل ليس ، وقرأ يعقوب بفتح الفاء من «خوف» بلا تنوين أيضا ، ويجوز ـ على هذه القراءة ـ أن تكون «لا» عاملة عمل إن ، والفتحة فتحة بناء ، ولا شاهد فى الآية على ذلك ، كما يجوز أن تكون عاملة عمل إن والفتحة فتحة إعراب ، والمضاف إليه منوى : أى فلا خوف شىء ، فيكون الكلام مما نحن بصدده أيضا.

٨٠