شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

(٥) ويجىء بناء أفعل للتعدية ، نحو أجلس وأخرج وأقام ، أو للدلالة على أن الفاعل قد صار صاحب ما اشتقّ منه الفعل ، نحو ألبنت الشاة ، وأثمر البستان ، أو للدلالة على المصادفة ، نحو أبخلته وأعظمته ، أو للدلالة على السلب ، نحو أشكيته وأقذيته ، أى : أزلت شكواه وقذى عينه ، أو للدلالة على الدخول فى زمان أو مكان ، نحو أصحر وأعرق وأتهم وأنجد وأصبح وأمسى وأضحى ، أو للدلالة على الحينونة ، وهى قرب الفاعل من الدخول فى أصل الفعل ، نحو أحصد الزّرع وأصرم النّخل : أى قرب حصاده وصرامه ، أو لغير ذلك.

(٦) ويجىء بناء فعّل للدلالة على التكثير ، نحو جوّلت وطوّفت ، أو للتعدية ، نحو خرّجته وفرّحته ، أو للدلالة على نسبة المفعول إلى أصل الفعل نحو كذّبته وفسّقته ؛ أو للدلالة على السّلب ، نحو قرّدت البعير وقشّرت الفاكهة : أى أزلت قراده وقشرها ، أو للدلالة على التوجه نحو ما أخذ الفعل منه ، نحو شرّق وغرّب وصعّد ، أو لاختصار حكاية المركب ، نحو كبّر وهلّل وحمّد وسبّح ، أو للدلالة على أن الفاعل يشبه ما أخذ منه الفعل ، نحو قوّس ظهر علىّ ، أى : انحنى حتى أشبه القوس ، أو غير ذلك.

(٧) ويجىء بناء فاعل للدلالة على المفاعلة ، نحو جاذبت عليا ثوبه ، أو للدلالة على التكثير ، نحو ضاعفت أجر المجتهد ، وكاثرت إحسانى عليه ، أو للدلالة على الموالاة ، نحو تابعت للقراءة ، وواليت الصّوم ، أو لغير ذلك.

(٨) ويجىء بناء انفعل للدلالة على المطاوعة ، وأكثر ما تكون مطاوعة هذا البناء للثلاثى المتعدّى لواحد ، نحو كسرته قانكسر ، وقدته فانقاد ، وقد يأتى لمطاوعة صيغة أفعل ، نحو أغلقت الباب فانغلق ، وأزعجت عليّا فانزعج.

(٩) ويجىء بناء افتعل للدلالة على المطاوعة ، ويطاوع الثلاثىّ ، نحو جمعته فاجتمع ، وغممته فاغتمّ ، ويطاوع بناء أفعل ، نحو أنصفته فانتصف ،

٦٠١

ويطاوع بناء فعّل ، نحو عدّلت الرمح فاعتدل ، ويأتى للدلالة على الاتخاذ ، نحو اشتوى واختتم (١) ، أو للدلالة على التشارك ، نحو اجتورا واشتورا ، أو للدلالة على التصرف باجتهاد ومبالغة ، نحو اكتسب واكتتب ، أو للدلالة على الاختيار ، نحو انتقى واصطفى واختار ، أو لغير ذلك.

(١٠) ويجىء بناء افعلّ من الأفعال الدالة على لون أو عيب لقصد الدلالة على المبالغة فيها وإظهار قوتها ، نحو احمرّ واصفرّ واعورّ واحولّ.

(١١) ويجىء بناء تفعّل للدلالة على المطاوعة ، وهو يطاوع فعّل ، نحو هذّبته فتهذّب وعلمته فتعلّم ، أو للدلالة على التكلف (٢) ، نحو تكرّم وتشجّع ، أو للدلالة على الطلب ، نحو تعظّم وتيقّن ، أى : طلب أن يكون عظيما وذا يقين ، أو لغير ذلك.

(١٢) ويجىء بناء تفاعل للدلالة على المشاركة ، نحو تخاصما وتعاركا ، أو للدلالة على التكلف ، نحو تجاهل وتكاسل وتغابى (٣) ، أو للدلالة على المطاوعة ، وهو يطاوع فاعل ، نحو باعدته فتباعد وتابعته فتتابع.

(١٣) ويجىء بناء استفعل للدلالة على الطّلب ، نحو استغفرت الله واستوهبته ، أو للدلالة على التحول من حال إلى حال ، نحو استنوق الجمل ، واستنسر البغات ، واستتيست الشاة ، واستحجر الطّين ، أو للدلالة على

__________________

(١) اشتوى : انخذ شواء ، واختتم : أى اتخذ خاتما.

(٢) الفرق بين التكلف بصيغة تفعل والتكلف بصيغة تفاعل أن الأول يستعمل فيما يحب الفاعل أن يصير إليه ، والثانى يستعمل فيما لا يحب الفاعل أن يصير إليه ، وتأمل فى لفظ «تكرم» تجد الفاعل الذى يتكلف الكرم يحب أن يكون كريما ، ثم تأمل فى لفظ «تغابى» أو «تجاهل» أو «تكاسل» ثجده لا يحب أن يكون غبيا أو جاهلا أو كسولا ، ومن هنا تعلم أنه لا يجوز لك أن تبنى من الصفات المحمودة على مثال تفاعل لمعنى التكلف ؛ فلا تقول تكارم ولا تشاجع ، كما أنه لا يجوز لك أن تبنى من الصفات المذمومة على مثال تفعل لمعنى التكلف ؛ فلا تقول تجهل ولا تكسل.

٦٠٢

المصادفة ، نحو استكرمته واستسمنته ، أو لاختصار حكاية المركب ، نحو استرجع ، إذا قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أو لغير ذلك.

(١٤) ويجىء بناء تفعلل لمطاوعة بناء فعلل ، نحو دحرجت الكرة فتدحرجت ، وبعثرت الحبّ فتبعثر.

(١٥) ويجىء بناء افعنلل لمطاوعة بناء فعلل أيضا ، نحو حرجمت الإبل فاحرنجمت.

(١٦) ويجىء بناء افعللّ للدلالة على المبالغة ، نحو اشمعلّ فى مشيه ، واشمأزّ ، واطمأنّ ، واقشعرّ.

الفصل الثالث

فى وجوه مضارع الفعل الثلاثى

قد عرفت أن الماضى الثلاثى يجىء على ثلاثة أوجه ؛ لأن عينه إما مفتوحة ، وإما مكسورة ، وإما مضمومة ، واعلم أن الماضى المفتوح العين يأتى مضارعه مكسور العين ، أو مضمومها ، أو مفتوحها ، وأن الماضى المكسور العين يأتى مضارعه مفتوح العين ، أو مكسورها ، ولا يأتى مضمومها ، وأن الماضى المضموم العين لا يأتى مضارعه إلا مضموم العين أيضا ؛ فهذه ستة أوجه وردت مستعملة بكثرة فى مضارع الفعل الثلاثى ، وبعضها أكثر استعمالا من بعض.

(١) الوجه الأول : فعل يفعل ـ بفتح عين الماضى ، وكسر عين المضارع ـ ويجىء متعديا ، نحو ضربه يضربه ورماه يرميه وباعه يبيعه ، ولازما نحو جلس يجلس ؛ وهو مقيس مطّرد فى واوىّ (١) ، الفاء ، نحو وعد يعد

__________________

(١) بشرط ألا تكون لامه حرف حلق ، فإن كانت لامه حرف حلق كان من باب فتح ، نحو وجأ يجأ.

٦٠٣

ووصف يصف ووجب يجب ، وفى يائى العين ، نحو جاء يجىء وفاء يفىء (١) وباع يبيع ومان يمين (٢) ، وفى يائى اللام (٣) ، نحو أوى يأوى وبرى يبرى وثوى يثوى وجرى يجرى ، وفى المضعّف اللازم ، نحو تبّت يده تتبّ ورثّ الحبل يرثّ وصحّ الأمر يصحّ ؛ وهو مسموع فى غير هذه الأنواع.

(٢) الوجه الثانى : فعل يفعل ـ بفتح عين الماضى ، وضم عين المضارع ـ ويجىء متعديا نحو نصره ينصره وكتبه يكتبه وأمره يأمره ، ويجىء لازما ، نحو قعد يقعد وخرج يخرج ؛ وهو مقيس مطّرد فى واوى العين ، نحو باء يبوء وجاب يجوب وناء ينوء وآب يثوب ، وفى واوىّ اللام ، نحو أسا يأسو وتلا يتلو وجفا يجفو وصفا يصفو ، وفى المضعف المتعدّى ، نحو صبّ الماه يصعّه وعبّه يعبّه وحثّه يحثّه ومجّ الشراب يمجّه ، وفى كل فعل قصد به الدلالة على أن اثنين تفاخرا فى أمر فغلب أحدهما الآخر فيه ، سواء أكان قد سمع على غير هذا الوجه أم لم يسمع ، إلا أن يكون ذلك الفعل من أحد الأنواع الأربعة التى يجب فيها كسر عين المضارع ، وقد ذكرناها فى الوجه السابق ، فتقول : تضاربنا فضربته فأنا أضربه ، وتناصرنا فنصرته فأنا أنصره.

(٣) الوجه الثالث : فعل يفعل ـ يفتح عين الماضى والمضارع جميعا ـ ولم يجىء هذا الوجه إلا حيث تكون عين الفعل أو لامه حرفا من أحرف

__________________

(١) فاء إلى الأمر : رجع.

(٢) مان يمين : كذب.

(٣) بشرط أن تكون عينه غير حرف من أحرف الحلق ، فإن وقعت عينه حرفا من أحرف الحلق كان من باب فنح ، نحو رعى يرعى ، وسعى يسعى ، ونأى ينأى ، ونهى ينهى ، وبأى يبأى.

٦٠٤

الحلق الستة التى هى الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، والغين ، والخاء ، نحو : فتح يفتح وبدأ يبدأ وبهته يبهته ، وليس معنى ذلك أنه كلما كانت العين أو اللام حرفا من هذه الأحرف كان الفعل على هذا الوجه.

ويجىء الفعل على هذا الوجه لازما ، نحو : نأى ينأى ، ومتعديا نحو : فتح يفتح ، ونهى ينهى.

(٤) الوجه الرابع : فعل يفعل ـ بكسر عين الماضى ، وفتح عين المضارع ـ وهذا هو الأصل من الوجهين اللذين يجىء عليهما مضارع الفعل الماضى المكسور العين ؛ لأنه أخف ، وأدلّ على التصرف ، وأكثر مادة ، وكل فعل ماض سمعته مكسور العين فاعلم أن مضارعه مفتوح العين ، إلا خمسة عشر فعلا من الواوىّ الفاء فإنها وردت مكسورة العين فى الماضى والمضارع. وسنذكرها فى الوجه الخامس.

ويجىء الفعل على هذا الوجه لازما ، نحو ظفر بحقّه يظفر ، ومتعدّيا نحو علم الأمر يعلمه وفهم المسألة يفهمها.

(٥) الوجه الخامس : فعل يفعل ـ بكسر عين الماضى والمضارع جميعا ـ وهو شاذ أو نادر ، ولم ينفرد إلا فى خمسة عشر فعلا من المعتل ، وهى : ورث ، وولى ، وورم ، وورع ، وومق ، ووفق ، ووثق ، وورى المحّ ، ووجد به ، ووعق عليه ، وورك ، ووكم ، ووقه ، ووهم ، ووعم.

(٦) الوجه السادس : فعل يفعل ـ بضم عين الماضى والمضارع جميعا ـ وقد عرفت أنه لا يأتى إلا لازما ، ولا يكون إلا دالا على وصف خلقى ، أى : ذى مكث.

ولك أن تنقل إلى هذا البناء كلّ فعل أردت الدلالة على أنه صار كالغريزة ، أو أردت التعجب منه ، أو التمدح به ، ومن أمثلة هذا الوجه : حسن يحسن ، وكرم يكرم ، ورفه يرفه.

٦٠٥

الباب الثانى

فى الصحيح والمعتل ، وأقسامهما

وأحكام كل قسم

ينقسم الفعل إلى صحيح ومعتل.

فالصحيح : ما خلت حروفه الأصول من أحرف العلة الثلاثة ـ وهى الألف ، والواو ، والياء ـ

والمعتلّ : ما كان فى أصوله حرف منها أو أكثر.

والصحيح ثلاثة أقسام : سالم ، ومهموز ، ومضعّف.

فالسالم : ما ليس فى أصوله همز ، ولا حرفان من جنس واحد ، بعد خلوّه من أحرف العلة ، نحو ضرب ، ونصر ، وفتح ، وفهم ، وحسب ، وكرم.

والممهوز : ما كان أحد أصوله همزا ، نحو أخذ وأكل ، وسأل ودأب ، وقرأ وبدأ.

والمضعف نوعان : مضعف الثلاثى ، ومضعف الرباعى ، فأما مضعف الثلاثى فهو : ما كانت عينه ولامه من جنس واحد ، نحو عضّ ، وشذّ ، ومدّ ، وأما مضعف الرباعى فهو : ما كانت فاؤه ولامه الأولى من جنس وعينه ولامه الثانية من جنس آخر ، نحو زلزل ، ووسوس ، وشأشأ.

والمعتل خمسة أقسام : مثال ، وأجوف ، وناقص ، ولفيف مفروق ، ولفيف مقرون.

فالمثال : ما كانت فاؤه حرف علة ، نحو وعد وورث وينع ويسر.

والأجوف : ما كانت عينه حرف علة ، نحو قال : وباع ، وهاب ، وخاف.

والناقص : ما كانت لامه حرف علة ، نحو رضى ، وسرو ، ونهى.

واللفيف المفروق : ما كانت فاؤه ولامه حرفى علة ، نحو وفى ، ووعى ، ووقى.

واللفيف المقرون : ما كانت عينه ولامه حرفى علة ، نحو طوى ، وهوى ، وحيى.

والكلام على أنواع الصحيح والمعتل تفصيلا يقع فى ثمانية فصول.

٦٠٦

الفصل الأول

فى السالم ، وأحكامه

وهو ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ ما سلمت حروفه الأصلية من الهمز ، والتضعيف ، وحروف العلة

وقولنا : «حروفه الأصلية» للإشارة إلى أنه لا يضرّ اشتماله على حرف زائد : من همزة ، أو حرف علة ، أو غير ذلك ، وعلى هذا فنحو «أكرم ، وأسلم ، وأنعم» يسمى سالما ، وإن كانت فيه الهمزة ؛ لأنها لا تقابل فاءه أو عينه أو لامه ، وإنما هى حرف زائد ، وكذا نحو «قاتل ، وناصر ، وشارك» ونحو «بيطر ، وشريف ، ورودن ، وهوجل» يسمّى سالما وإن اشتمل على الألف أو الواو أو الياء ؛ لأنهن لسن فى مقابلة واحد من أصول الكلمة ، وإنما هن أحرف زائدة ، وكذا نحو «اعلوّط واهبيّخ» يسمى سالما وإن كان فيه حرفان من جنس واحد ؛ لأن أحدهما ليس فى مقابل أصل ، وإنما هما زائدان.

وحكم السالم بجميع فروعه : أنه لا يحذف منه شىء عند اتصال الضمائر ، أو نحوها (١) به ، ولا عند اشتقاق غير الماضى ، لكن يجب أن تلحق به تاء التأنيث إذا كان الفاعل مؤنثا (٢) ، ويجب تسكين آخره إذا اتصل به ضمير رفع متحرك (٣) ، أما إذا اتصل به ضمير رفع ساكن : فإن كان ألفا فتح آخر الفعل

__________________

(١) كتاء التأنيث.

(٢) فى مواضع تذكر فى باب الفاعل من علم الإعراب (النحو)

(٣) لأن الفعل والفاعل كالكلمة الواحدة وهم يكرهون أن يتوالى أربع متحركات فى الكلمة الواحدة أو ما يشابهها ؛ ولهذا لو كان الضمير ضمير نصب لم يسكن آخر الفعل للاتصال به ، نحو «ضربنى ، وضربك ، وضربه» إذ ليس المفعول مع الفعل كالكلمة الواحدة.

٦٠٧

إن لم يكن مفتوحا ، نحو «يضربان ، وينصران ، واضربا ، وانصرا» وإن كان آخر الفعل مفتوحا بقى ذلك الفتح ، نحو «ضربا ، ونصرا» (١) ، وإن كان الضمير واوا ضمّ له آخر الفعل ، نحو «ضربوا ، ونصروا ، ويضربون ، وينصرون ، واضربوا ، وانصروا» وإن كان الضمير ياء كسر له آخر الفعل (٢) ، نحو «تضربين ، وتنصرين ، واضربى ، وانصرى» ، وإنما يفتح آخره أو يضم أو يكسر لمناسبة أحرف الضمائر.

ويجب أن تقارن صيغ جميع أنواع الأفعال عند إسنادها إلى الضمائر بصيغ هذا النوع ؛ فكل تغيير يكون فى أحد الأنواع فلا بدّ أن يكون له سبب اقتضاه ، وسنذكر مع كل نوع ما يحدث فيه من التغيّرات وأسبابها ، إن شاء الله.

__________________

(١) ومن العلماء من يذهب إلى أن الفتحة التى كانت فى «ضرب ، ونصر» قد زالت وخلفتها فتحة أخرى لمناسبة ألف الاثنين فى «ضربا ، ونصرا» وعلى المذهب الذى ذكرناه فى الأصل يقال فى «ضربا» : مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب ، وعلى المذهب الآخر يقال فى «ضربا» : مبنى على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة ؛ لأن الفتحة فى «ضربا» على الأول فتحة البناء ، وعلى الآخر هى فتحة اجتلبت لمناسبة الألف ، فأما فتحة البناء فليست موجودة فى اللفظ ، فافهم ذلك.

(٢) إذا تأملت فى أنهم كسروا آخر الفعل عند اتصاله بياء المؤنثة المخاطبة لكونها فاعلا نحو «اضربى» وراعيت أنهم التزموا أن يجيئوا بتون الوقاية قبل ياء المتكلم ـ نحو «ضربنى ونصرنى» تحرزا عن كسر آخر الفعل ؛ لكون ياء المتكلم مفعولا ـ علمت تمام العلم أنهم يعتبرون الفعل والفاعل اعتبار الكلمة الواحدة ؛ فالكسرة التى قبل ياء المخاطبة كأنها وقعت حشوا ، ككسرة اللام فى علم ، وكسرة الراء فى يضرب وفى اضرب ، بخلاف ما قبل ياء المتكلم فإنها لما كانت مفعولا كانت منفصلة حقيقة وحكما ، فناسب أن يفروا من كسر آخر الفعل.

٦٠٨

الفصل الثانى

فى المضعّف ، وأحكامه

هو ـ كما علمت ـ نوعان : مضعّف الرباعىّ ، ومضعّف الثلاثىّ.

فأما مضعف الرباعىّ فهو الذى تكون فاؤه ولامه الأولى من جنس ، وعينه ولامه الثانية من جنس آخر (١) ، نحو «زلزل ، ودمدم ، وعسعس» ، ويسمى مطابقا أيضا.

ولعدم تجاور الحرفين المتجانسين فيه كان مثل السالم فى جميع أحكامه ؛ فلا حاجة بنا إلى ذكر شىء عنه. بعد أن فصّلنا لك أحكام السالم فى الفصل السابق.

وأما مضعف الثلاثى ـ ويقال له «الأصمّ» أيضا ـ فهو : ما كانت عينه ولامه من جنس واحد.

وقولنا «عينه ولامه» يخرج به ما كان فيه حرفان من جنس واحد ، ولكن ليس أحدهما فى مقابل العين والآخر فى مقابل اللام ، نحو «اجلوّذ ، واعلوّط» فإن هذه الواو المشددة لا تقابل العين ولا اللام ، بل هى زائدة ، وكذلك يخرج بهذه العبارة ما كان فيه حرفان من جنس واحد ، وأحدهما فى مقابل العين والثانى ليس فى مقابل اللام ، نحو «قطع وذهّب» فإن الحرف الثانى من الحرفين المتجانسين فى هذين المثالين وأشباههما ليس مقابلا للام الكلمة ، وإنما هو تكرير لعينها ، وكذلك ما كان أحد الحرفين المتجانسين فى مقابل اللام والآخر ليس فى مقابل العين ، نحو «احمرّ ، واحمارّ» (٢) ، ونحو «اقشعرّ ، واطمأنّ» (٣) ؛ فإن أحد الحرفين المتجانسين فى هذه المثل ونحوها ليس فى مقابلة العين ، بل هو تكرير للام الكلمة.

__________________

(١) يؤخذ هذا النوع من أسماء الأصوات كثيرا بتكرير الصوت ، نحو : سأسأ ، وشأشأ ، وصرصر ، وبأبأ ، وهأهأ ، وقهقه ، وبسبس.

(٢ و٣) لا يسمى هذان النوعان مضعفين اصطلاحا ، وإن جرت عليهما أحكامه من حيث الإدغام والفك.

٦٠٩

والمثال الذى ينطبق عليه التعريف قولك : «مدّ ، وشدّ ، وامتدّ ، واشتدّ ، واستمدّ ، واستمرّ» (١).

ولم يجىء المضاعف من بابى «فتح يفتح ، وحسب يحسب» ـ بفتح العين فى الماضى والمضارع ، أو كسرها فيهما ـ أصالة ، كما لم يجىء من باب «كرم يكرم» ـ بضم العين فيهما ـ إلا فى ألفاظ قليلة : منها لببت وفككت (٢) ، أى : صرت ذا لبّ وفكّة ، وإنما يجىء من ثلاثة الأبواب الباقية ، نحو شذّ يشذ ، وشدّ يشدّ ، وظلّ يظلّ.

حكم ماضيه :

إذا أسند إلى اسم ظاهر ، أو ضمير مستتر ، أو ضمير رفع متصل ساكن ـ وذلك : ألف الاثنين ، وواو الجماعة ـ أو اتصلت به تاء التأنيث ؛ وجب فيه الإدغام ، تقول : «مدّ علىّ ، وخفّ محمود ، وملّ خالد» وتقول : «المحمدان مدّا ، وخفّا ، وملّا» وتقول : «البكرون مدّوا ، وخفّوا ، وملّوا» وتقول : «ملّت فاطمة ، وخفّت ، ومدّت».

فإن اتصل به ضمير رفع متحرك ـ وذلك : تاء الفاعل ، ونا ، ونون النسوة ـ وجب فيه فكّ الإدغام (٣) ، تقول : «مددت ، وخففت ، ومللت ، ومددنا ، وخففنا ، ومللنا ، ومددن ، وخففن ، ومللن».

ثم إن كان ذلك الماضى المسند للضمير المتحرك مكسور العين ـ نحو ظلّ ، وملّ (٤) ـ جاز فيه ثلاثة أوجه :

__________________

(١) من هنا تعلم أنه لا اعتداد بالحروف الزائدة ما دام الحرفان المتجانسان فى مقابل العين واللام.

(٢) ومن ذلك أيضا قولهم «عززت الناقة تعزز» ـ من باب كرم ـ إذا ضاق مجرى لبنها ، وقد جاء هذا الفعل عنهم مدغما ومفكوكا ، والأصل هو الإدعام

(٣) ومن العرب من يبقى الإدغام كما لو أسند إلى اسم ظاهر ، وهى لغة رديئة.

(٤) أصلهما : «ظلل ، وملل» بوزن «علم».

٦١٠

الأول : بقاؤه على حاله الذى ذكرناه ، وهذه لغة أكثر العرب.

الثانى : حذف عينه مع بقاء حركة الفاء على حالها ـ وهى الفتحة ـ فتقول : «ظلت ، وملت» وهذه لغة بنى عامر ، وعليها جاء قوله تعالى (٥٦ ـ ٦٥) : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) وقوله جلت كلمته (٢٠ ـ ٩٨) : (الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً)(١).

الثالث : حذف العين بعد نقل كسرتها إلى الفاء ، تقول : «ظلت ، وملت» وهذه لغة بعض أهل الحجاز.

حكم مضارعه :

إذا أسند إلى ضمير بارز ساكن ـ وذلك ألف الاثنين ، وواو الجماعة ، وياء المؤنثة المخاطبة ـ مجزوما كان أو غير مجزوم ، أو أسند إلى اسم ظاهر أو ضمير مستتر ولم يكن مجزوما ؛ وجب فيه الإدغام ، تقول : «المحمدان يمدّان ، ويخفّان ، ويملّان ، ولن يمدّا ، ولن يخفّا ، ولن يملّا ، ولم يمدّا ، ولم يخفّا ، ولم يملّا» وتقول : «المحمدون يمدّون ، ويخفّون ، ويملّون ، ولن يملّوا ، ولم يمدّوا» وتقول : «أنت تملّين يا زينب ، ولن تملّى ، ولم تملّى» وكذلك تقول : «يملّ زيد ، ولن يملّ ، ومحمد يملّ ، ولن يملّ» ، قال الله تعالى (٢٨ ـ ٣٥) : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) وقال : (٢٠ ـ ٨١) : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) وفى الحديث : «لن يملّ الله حتّى تملّوا».

فإن أسند إلى ضمير بارز متحرك ـ وذلك نون النسوة ـ وجب فكّ الإدغام ، تقول : «النّساء يمللن ، ويشددن ، ويخففن».

__________________

(١) ومن شواهد ذلك قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى :

فظلت بمرأى شائق وبمسمع

ألا حبّذا مرأى هناك ومسمع

وقوله أيضا :

ظلت فيها ذات يوم واقفا

أسأل المنزل هل فيه خبر؟

وقد جمع عمر أيضا بين الإتمام والحذف فى بيت واحد ، وهو قوله :

وما مللت ولكن زاد حبّكم

وما ذكرتك إلّا ظلت كالسّدر

٦١١

وإن كان مسندا إلى الاسم الظاهر أو الضمير المستتر ، وكان مجزوما ـ جاز فيه الإدغام ، والفك ، تقول : «لم يشدّ ، ولم يملّ ، ولم يخفّ» وتقول : «لم يشدد ، ولم يملل ، ولم يخفف» والفك أكثر استعمالا ، قال الله تعالى (٢٠ ـ ٨١) : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) وقال (٧٤ ـ ٦) : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) وقال (٢ ـ ٢٨٢) : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) ـ (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ).

حكم أمره :

إذا أسند إلى ضمير ساكن وجب فيه الإدغام ، نحو «مدّا ، ومدّوا ، ومدّى» وإذا أسند إلى ضمير متحرك – وهو نون النسوة ـ وجب فيه الفك ، نحو «امددن» وإذا أسند إلى الضمير المستتر جاز فيه الأمران : الإدغام ، والفك ، والفك أكثر استعمالا ، وهو لغة أهل الحجاز ، قال الله تعالى (٣١ ـ ١٩) : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ).

وسائر العرب على الإدغام ، ولكنهم اختلفوا فى تحريك الآخر :

فلغة أهل نجد فتحه ؛ قصدا إلى التخفيف ، ولأن الفتح أخو السكون المنقول عنه ، وتشبيها له بنحو «أين ، وكيف» مما بنى على الفتح وقبله حرف ساكن ؛ فهم يقولون : «غضّ ، وظلّ (١) ، وخفّ».

ولغة بنى أسد كلغة أهل نجد ، إلا أن يقع بعد الفعل حرف ساكن ، فإن وقع بعده ساكن كسروا آخر الفعل ؛ فيقولون : «غضّ طرفك ، وغضّ الطرف».

ولغة بنى كعب الكسر مطلقا ؛ فيقولون : «غضّ طرفك ، وغضّ الطرف»

ومن العرب من يحرك الآخر بحركة الأول ؛ فيقولون : «غضّ ، وخفّ ، وظلّ (٢)».

__________________

(١ و٢) من العلماء من ذكر أن الأمر من المضعف الذى من باب «علم يعلم» نحو «ظل ومل» يلزم فيه فك الإدغام ، فتقول : «اظلل ، واملل» ولا يجوز الإدغام

٦١٢

والضابط فى وجوب الإدغام أو الفك أو جوازهما فى الأنواع الثلاثة أن تقول :

(١) كل موضع يكون فيه مكان المثلين من السالم حرفان متحركان يجب فيه الإدغام ، ألا ترى أن «مدّ» فى قولك : «مدّ على ، والمحمدان مدّا» تقابل الدال الأولى صاد «نصر ، ونصرا» وتقابل الدال الثانية الراء ، وهما متحركان؟

(٢) وكل موضع يكون فيه مكان ثانى المثلين من السالم حرف ساكن لعلة الاتصال بالضمير المتحرك يجب فيه الفكّ ، ألا ترى أن «مد» فى قولك : «مددت ، ومددن» وكذلك «يمدّ ، ومدّ» فى قولك : «يمددن ، وامددن» تقابل الدال الأولى فيهن الصاد فى «نصرت ، ونصرن ، وينصرن ، وانصرن» وهى متحركة ، وتقابل الدال الثانية فيهن الراء وهى ساكنة؟

(٢) وكل موضع يكون فيه مكان ثانى المثلين من السالم حرف ساكن لغير العلة المذكورة يجوز فيه الفك والإدغام ، ألا ترى أن الدال الأولى فى نحو «لم يمدد ، وامدد» تقابل الصاد فى نحو «لم ينصر ، وانصر» وأن الدال الثانية تقابل الراء وهى ساكنة لغير الاتصال بالضمير المتحرك (١)؟

وهذا الضابط مطّرد فى جميع ما ذكرنا.

__________________

مخافة التباس صورة الأمر بصورة الماضى ، ومنهم من أنكر ذلك ، وقال : إن ألف الوصل إنما تجتلب لأجل الساكن ، والفاء محركة فى المضارع ، وقد علمنا أن الأمر مقتطع منه ؛ فلم يكن هناك حاجة إلى الألف.

(١) لأن السكون فى «لم يمدد» ونحوه للجزم ، والسكون فى «امدد» ونحوه للبناء.

٦١٣

الفصل الثالث

فى المهموز ، وأحكامه

وهو ـ كما يعلم مما سبق ـ ما كان فى مقابلة فائه ، أو عينه ، أو لامه همز.

فأما مهموز الفاء (١) فيجىء على مثال نصر ينصر ، نحو أخذ يأخذ ، وأمر يأمر ، وأجر يأجر ، وأكل يأكل ، وعلى مثال ضرب يضرب ، نحو أدب يأدب (٢) ، وأبر النخل يأبره (٣) وأفر يأفر (٤) وأسر يأسر ، وعلى مثال فتح يفتح ، نحو أهب يأهب (٥) وأله يأله (٦) ، وعلى مثال علم يعلم ، نحو أرج يأرج ، وأشر يأشر ، وأزبت الإبل تأزب (٧) وأشح يأشح (٨) ، وعلى مثال حسن يحسن ، نحو أسل يأسل (٩).

وأما الصحيح من مهموز العين فيجىء على مثال فتح بفتح (١٠) ، نحو رأس يرأس ، وسأل يسأل ، ودأب يدأب ، ورأب الصّدع يرأبه ، وعلى مثال علم

__________________

(١) وقد يخص هذا النوع باسم «المقطوع» لانقطاع الهمزة عما قبلها بشدتها.

(٢) أدب فهو آدب : دعا إلى طعام ، وأما أدب ـ بمعنى ظرف وحسن تناوله ـ فهو أديب ؛ فإنه من باب كرم يكرم.

(٣) أبر النخل والزرع : أصلحه ، وقد جاء من باب نصر أيضا.

(٤) أفر : عدا ، ووثب.

(٥) أهب : استعد.

(٦) أله : عبد ، وأجار ، وجاء من باب فرح ، بمعنى تحير.

(٧) أزبت الإبل : لم تجتر.

(٨) أشح ـ من باب فرح ـ غضب.

(٩) يقال : رجل أسيل الخد ، أى لين الخد طويله.

(١٠) ويجىء على مثال ضرب يضرب من المعتل المثال كثيرا ، نحو : وأل يئل ، ووأى يئى.

٦١٤

يعلم ، نحو يئس ييأس ، وسئم يسأم ، ورئم يرأم ، وبئس يبأس ، وعلى مثال حسن يحسن ، نحو لؤم يلؤم.

وأما مهموز اللام فيجىء على مثال ضرب يضرب ، نحو : هنأه الطعام يهنئه (١) ، وعلى مثال فتح يفتح ، نحو سبأ يسبأ ، وختأه يختؤه ، وخجأه يخجؤه ، وخسأه يخسؤه ، وحكأ العقدة يحكؤها (٢) ، وردأه يردؤه (٣) ، وعلى مثال علم يعلم ، نحو صدىء يصدأ ، وخطىء يخطأ ، ورزىء يرزأ ، وجبىء يجبأ (٤) ، وعلى مثال حسن يحسن ، نحو بطؤ يبطؤ ، وجرؤ يجرؤ ، ودنؤ يدنؤ ، وعلى مثال تصر ينصر ، نحو برأ يبرؤ (٥).

حكمه :

حكم المهموز بجميع أنواعه كحكم السالم : لا يحذف منه شىء عند الاتصال بالضمائر ونحوها ، ولا عند اشتقاق صيغة غير الماضى منه ؛ إلا كلمات محصورة : قد كثر دورانها فى كلامهم فحذفوا همزتها قصدا إلى التخفيف ، وهى :

أولا : أخذ وأكل. حذفو همزتهما من صيغة الأمر ، ثم حذفوا همزة الوصل فقالوا : «خذ وكل» (٦) وهم يلتزمون حذف الهمزة عند وقوع الكلمة ابتداء.

__________________

(١) وقد جاء هذا الفعل من بابى نصر وفتح.

ويجىء على هذا المثال كثير من المعتل نحو : جاء يجىء ، وقاء يقىء ، وفاء يفىء.

(٢) حكأ العقدة ، أى : شدها ، ومثله أحكأها ، واحتكأها.

(٣) ردأه به : جعله ردءا وقوة وعمادا.

(٤) جبىء : ارتدع ، وكره ، وخرج ، وتوارى ، وجاء هذا الفعل على مثال فتح يفتح.

(٥) برأ المريض : نقه من مرضه ، وجاء على مثال فتح وكرم وفرح.

ويجىء مثال نصر من مهموز اللام فى المعتل الأجوف كثيرا ، نحو : ياء يبوء ، وساءه يسوؤه ، وناء ينوء.

(٦) أصلهما : «أأخذ ، أأكل» على مثال انصر ، فحذفوا فاء الكلمة منهما فصارا «أخذ ، أكل» فاستغنوا عن همزة الوصل ؛ لأنها كانت مجتلبة للتوصل إلى النطق بالساكن وقد زال ، فخذفوها ، فصارا «خذ ، وكل».

٦١٥

ويكثر حذفها إذا كانت مسبوقة بشىء ، ولكنه غير ملتزم التزامه فى الابتداء (١) قال الله تعالى (٢ ـ ٣٢) : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) وقال سبحانه (٧ ـ ٣١) : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) وقال (٢ ـ ١٧٧) : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ) وقال (٧ ـ ٣١) : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).

فأما فى المضارع : فلم يحذفوا الهمزة منهما ، بل أبقوها على قياس نظائرهما ، قال الله تعالى (٧ ـ ١٤٤) : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) وقال جل شأنه (٤ ـ ٢) : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ).

ثانيا : أمر وسأل ، حذفوا همزتهما من صيغة الأمر أيضا ، ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها ، فقالوا : «مر ، وسل» إلا أنهم لا يلتزمون هذا الحذف إلا عند الابتداء بالكلمة ؛ فإن كانت مسبوقة بشىء لم يلتزموا حذفها ، بل الأكثر استعمالا عندهم فى هاتين الكلمتين حينئذ إعادة الهمزة ـ التى هى الفاء أو العين ـ إليهما ؛ قال الله تعالى (٣ ـ ٢١١) : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) وقال (٢١ ـ ٧) : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقال (٢٠ ـ ١٣٢) : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ).

فأما فى صيغة المضارع : فإنها لا تحذف ، قال الله تعالى (٢ ـ ٤٤) : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) وقال (٣ ـ ١١٠) : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وقال (٥ ـ ١٠١) : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ، وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها).

فوزن «مر ، وخذ ، وكل» عل ، ووزن «سل» فل.

__________________

(١) وتتميمهما على قياس نظائرهما ـ حينئذ ـ نادر ، بل قيل : لا يجوز.

٦١٦

ثالثا : رأى ، حذفوا همزة الكلمة فى صيغتى المضارع والأمر ، بعد نقل حركة الهمز إلى الفاء ، فقالوا : «يرى ، وره» (١) ، قال تعالى (٩٦ ـ ١٤) : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى).

فوزن «يرى» يفل ، ووزن «ره» فه.

رابعا : أرى ، حذفوا همزة الكلمة ، وهى عينها فى جميع صيغه : الماضى ، والمضارع ، والأمر (٢) ، وسائر المشتقات ؛ قال الله تعالى (٣١ ـ ٥٣) : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) وقال (٧ ـ ١٤٣) : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) وقال (٤ ـ ١٥٣) : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) وقال (٣١ ـ ٢٩) : (أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا).

فوزن «أرى» أفل ، ووزن «يرى» يفل ، ووزن «أر» أف.

(تنبيه) إذا كان الفعل المهموز اللام على فعل ، نحو «قرأ ، ونشأ ، وبدأ» ثم أسند للضمير المتحرك ؛ فعامة العرب على تحقيق الهمزة ؛ فتقول : قرأت ،

__________________

(١) أصل «يرى» يرأى ، على مثال يفتح ، تحركت الياء ـ التى هى لام الكلمة ـ وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، ثم نقلوا حركة الهمزة ـ الى هى العين ـ إلى الساكن قبلها ، فالتقى ساكنان : العين ، واللام ، فحذفوا العين للتخلص من التقاء الساكنين. وأصل «ره» «ارأ» بعد حذف اللام لبناء الأمر عليه ، فنقلوا حركة الهمزة ، ثم حذفوها حملا على حذفها فى المضارع ، ثم استغنوا عن همزة الوصل فحذفوها ، فصار الفعل على حرف واحد ، فاجتلبوا له هاء السكت.

(٢) أصل أرى الماضى «أرأى» على مثال أكرم ، تحركت الياء ـ التى هى اللام ـ وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفا ، ثم نقلت حركة الهمزة ـ التى هى العين ـ إلى الفاء ، ثم حذفت العين للتخلص من التقاء الساكنين ، وأصل يرى المضارع «يرئى» على مثال يكرم ، استثقلت الضمة على الياء فحذفت ، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الفاء ، ثم حذفت ، وأصل «أر» الأمر «أرء» بعد حذف اللام لبناء الأمر عليه ، ثم نقلت حركة الهمزة التى هى عين الكلمة إلى الراء ، ثم حذفت الهمزة حملا على حذفها فى المضارع.

٦١٧

ونشأت ، وبدأت ، وحكى سيبويه عن أبى زيد أن من العرب من يخفف الهمزة ؛ فيقول : قريت ، ونشيت ، وبديت ، ومليت الإناء ، وخبيت المتاع ، وذكر أنهم يقولون فى مضارعه : أقرا ، وأخبا ، وأنشا ـ بالتخفيف أيضا ـ فعلى هذا لو دخل على المضارع جازم : فإن كان التخفيف بعد دخول الجازم كان التخفيف قياسيا ، ولم تحذف الألف لاستيفاء الجازم حظّه قبل التخفيف ، تقول : لم أقرا ، ولم أبدا ، ولم أنشا ، وإن كان التخفيف قبل دخول الجازم كان التخفيف غير قياسى ، ومع هذا لم يلزمك أن تحذف هذه الألف عند دخول الجازم ، كما تصنع فى الناقص ، بل يجوز لك أن تحذفها كما يجوز لك أن تبقيها ؛ فتقول : لم أقر ، ولم أبد ، ولم أنش ، وتقول : لم أقرا ، ولم أبدا ، ولم أنشا ، وهو الأكثر.

وقد يخفف مهموز العين ـ نحو سأل ـ فيقال فيه : سال ، وفى مضارعه : يسال ، وفى أمره : سل (١).

وقد جاء على هذا قول الشاعر :

سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما قالوا ، وما صدقوا

__________________

(١) وعلى هذا لا يكون حذف العين من أمر «سأل» شاذا فى القياس كما ذكرنا آنفا ، بل إنما يكون الحذف للتخلص من التقاء الساكنين : كالحذف فى «خف ، ونم» وأصل «سل» على هذا : اسأل ، نقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ، ثم خففت الهمزة ، واستغنى عن همزة الوصل ، فصار «سال» فحذفت العين تخلصا من التقاء الساكنين ، ويذهب بعض العلماء إلى التزام هذا التقدير فى هذه الكلمة.

قال أبو رجاء : ويلزمه أن يكون «سل» بالحذف لغة من يخفف الهمزة وحدهم ، مع أن العلماء ذكروا أن النطق به محذوف الهمزة لغة عامة العرب.

٦١٨

الفصل الرابع

فى المثال ، وأحكامه

وهو ـ كما علمت مما تقدم ـ ما كانت فاؤه حرف علّة (١) ، وتكون فاؤه واوا ، أو ياء ، ولا يمكن أن تكون ألفا (٢) ، كما لا يمكن إعلال واوه أو يائه.

فأما المثال الواوىّ فيجىء على خمسة أوجه ؛ الأول : «علم يعلم» نحو «وبىء ، ووجع ، ووجل ، ووحل ، ووحمت ، ووذر ، ووسخ ، ووسع ، ووسن ، ووصب ، ووضر ، ووطف ، ووطىء ، ووغر ، ووقرت أذنه ، ووكع ، وولع ، ووله ، ووهل». الثانى : مثال «كرم يكرم» نحو «وثر ، ووثق ، ووجز ، ووجه ، ووخم ، ووضؤ ، ووقح». الثالث : مثال «نفع ينفع» نحو «وجأ ، وودع ، ووزع ، ووقع ، ووهب ، ووضع ، وولغ». الرابع : مثال «حسب يحسب» نحو «ورث ، وورع ، وورم ، ووفق ، وولغ». الخامس : مثال «ضرب يضرب» نحو «وعد ، ووثب ، ووجب».

ولم يجىء من الواوى على مثال «نصر ينصر» إلا كلمة واحدة فى لغة بنى عامر ، وهى قولهم : «وجد يجد» (٣). وعليها قول جرير :

__________________

(١) إنما سمى «مثالا» لأن ماضيه مثل السالم فى الصحة وعدم الإعلال ، أو لأن أمره مثل أمر الأجوف ، وقد يقال له «المعتل» بالإطلاق.

(٢) لأن الألف لا تكون إلا ساكنة ، والساكن لا يقع ابتداء ، بخلاف الواو والياء ، فإنهما لما كانا يقبلان الحركة وقعا فاء ، أما الألف فإنها تقع وسطا وآخرا وإن لم تكن أصلية ، نحو : «قال ، وباع ، وخاف ، ورمى ، وغزا».

(٣) كان مقتضى القياس أن تبقى الواو التى هى فاء الكلمة ، ولا تحذف ، لما ستعلمه قريبا ، فكان حقهم أن يقولوا : يوجد ـ بوزان «ينصر» ـ غبر أنهم حذفوا الواو قبل الضمة كما يحذفها العرب كافة قبل الكسرة : شذوذا ، واستثقالا.

٦١٩

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا (١)

وأما المثال اليائى (٢) فإن أمثلته فى العربية قليلة جدا ، وقد جاءت على أربعة أوجه ؛ الأول : مثال «علم يعلم» نحو «يبس ، ويتم ، ويقظ ، وبقن ، ويئس». الثانى : مثال «نفع ينفع» نحو «يفع ، وينع (٣)» الثالث : مثال «نصر ينصر» نحو «يمن» الرابع : مثال «ضرب يضرب» نحو «ينع (٤) ، ويسر».

حكم ماضيه :

ماضى المثال ـ سواء أكان واويا أم كان يائيا ـ كماضى السالم فى جميع حالاته (٥) تقول : «وعدت ، وعدنا ، وعدت ، وعدت ، وعدتما ، وعدتم ،

__________________

(١) نقع : روى ، الحوائم : العطاش ، غليلا : حرارة عطش ، يقول : لو أنك تشائين لروى المحب بشربة من ريقك العذب تترك العطاش لا يجدن حرارة العطش ، وذلك فى يدك بترك المجانبة والهجر.

(٢) لم أجد أحدا من العلماء قد بين هذا ، ولكنى أردت ذكره تتميما للبحث ، وقد راجعت القاموس والمختار والمصباح ؛ لاستيعاب ما جاءوا به وبيان أبوابه التى ورد عليها ، والعلة فى ترك الصرفيين لهذا النوع سلامة فائه فى سائر تصاريفه.

(٣) جاء هذا الفعل من بابين كما ترى.

(٤) المراد أنه لا يعتل بأى نوع من أنواع الإعلال ؛ لأن جميعها غير ميسور فيه ؛ وبيان ذلك أن الإعلال ثلاثة أنواع : إعلال بالقلب ، وإعلال بالسكون ، وإعلال بالحذف ؛ أما الإعلال بالقلب فلأنك لو قلبت الفاء لم تقلبها إلا حرفا من أحرف العلة ؛ إذ هو الغالب فى هذا النوع ، وحرف العلة لا يكون إلا ساكنا ، ولا يمكن الابتداء بالساكن ؛ فلا يكون حرف العلة فى مكان الفاء ؛ وأما الإعلال بالسكون فغير مقدور ؛ وعلته ظاهرة ؛ وأما الإعلال بالحذف فإما أن تحذف ولا تعوض عن المحذوف شيئا فيكون غبنا وإلباسا بصورة الأمر ، وإما أن تحذف وتعوض : فى الأول ، أو فى الآخر ؛ فيقع اللبس بالمضارع أو بالمصدر.

٦٢٠