شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

لأنه من الرّضوان ـ فقلبت واوه بعد الفتحة ياء ، حملا لبناء المفعول على بناء الفاعل نحو يرضيان.

وقوله «ووجب إبدال واو بعد ضم من ألف» معناه أنه يجب أن يبدل من الألف واو إذا وقعت بعد ضمة كقولك فى «بايع» : «بويع» ، وفى «ضارب» : «ضورب».

وقوله «ويا كموقن بذالها اعترف» معناه أن الياء إذا سكنت فى مفرد بعد ضمة ؛ وجب إبدالها واوا ، نحو موقن وموسر ـ أصلهما ميقن وميسر ؛ لأنهما من أيقن وأيسر ـ فلو تحركت الياء لم تعلّ ، نحو هيام.

* * *

ويكسر المضموم فى جمع كما

يقال «هيم» عند جمع «أهيما» (١)

يجمع فعلاء وأفعل على فعل ـ بضم الفاء ، وسكون العين ـ كما سبق فى التكسير ، كحمراء وحمر وأحمر وحمر ؛ فإذا اعتلّت عين هذا النوع من الجمع بالياء قلبت الضمة كسرة لتصحّ الياء ، نحو : هيماء وهيم ، وبيضاء وبيض ، ولم تقلب الياء واوا كما فعلوا فى المفرد ـ كموقن ـ استثقالا لذلك فى الجمع.

* * *

__________________

(١) «ويكسر» فعل مضارع مبنى للمجهول «المضموم» نائب فاعل يكسر «فى جمع» جار ومجرور متعلق بيكسر «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «يقال» فعل مضارع مبنى للمجهول «هيم» قصد لفظه : نائب فاعل يقال «عند» ظرف متعلق بيقال ، وعند مضاف و «جمع» مضاف إليه ، وجمع مضاف و «أهيما» مضاف إليه ، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه لا ينصرف للوصفية ووزن الفعل.

٥٦١

وواوا اثر الضّمّ ردّ اليا متى

ألفى لام فعل او من قبل تا (١)

كتاء بان من رمى كمقدره

كذا إذا كسبعان صيّره (٢)

إذا وقعت الياء لام فعل ، أو من قبل تاء التأنيث ، أو زيادتى فعلان ، وانضمّ ما قبلها فى الأصول الثلاثة ـ وجب قلبها واوا.

فالأول : نحو قضو الرجل (٣).

__________________

(١) «وواوا» مفعول ثان لقوله «رد» الآتى «إثر» ظرف متعلق برد ، وإثر مضاف و «الضم» مضاف إليه «رد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «اليا» قصر للضرورة : مفعول أول لرد «متى» اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل نصب بألفى «ألفى» فعل ماض مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه «لام» مفعول ثان لألفى ، ولام مضاف و «فعل» مضاف إليه ، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه ، وتقديره : متى ألفى الياء لام فعل فرده واوا «أو» حرف عطف «من قبل» جار ومجرور متعلق بمحذوف يدل عليه قوله ألفى ، وقبل مضاف و «تا» قصر للضرورة : مضاف إليه.

(٢) «كتاء» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، وتاء مضاف و «بان» مضاف إليه «من رمى» جار ومجرور متعلق بيان «كمقدرة» جار ومجرور متعلق ببان أيضا «كذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف يدل عليه قوله «رد» فى البيت قبله «إذا» ظرف زمان متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله «كسبعان» جار ومجرور يقع فى موضع المفعول الثانى لصير تقدم عليه «صيره» صير : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بان ، والضمير البارز مفعول أول لصير.

(٣) قضو الرجل : معناه ما أقضاه ، وذلك أنك حولت «قضى» إلى مثال ظرف للدلالة على التعجب على ما مر فى بابه ، ونظير ذلك : رمو الرجل بمعنى ما أرماه ، وسرو الرجل بمعنى ما أسراه : أى ما أقوى سيره ليلا ، أما سرو الرجل ـ بمعنى ما أسماه وما أعظم مروءته ـ فواوه أصلية.

٥٦٢

والثانى : كما إذا بنيت من رمى اسما على وزن مقدرة ؛ فإنك تقول : مرموة.

والثالث : كما إذا بنيت من رمى اسما على وزن سبعان ؛ فإنك تقول : رموان.

فتقلب الياء واوا فى هذه المواضع الثلاثة لانضمام ما قبلها.

* * *

وإن تكن عينا لفعلى وصفا

فذاك بالوجهين عنهم يلفى (١)

إذا وقعت الياء عينا لصفة ، على وزن فعلى ـ جاز فيها وجهان :

أحدهما : قلب الضمة كسرة لتصحّ الياء.

والثانى : إبقاء الضمة ؛ فتقلب الياء واوا ، نحو : الضيّقى ، والكيسى ، والضّوقى ، والكوسى ، وهما تأنيث الأضيق والأكيس.

* * *

__________________

(١) «وإن» شرطية «تكن» فعل مضارع ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الياء «عينا» خبر تكن «لفعلى» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعينا «وصفا» حال من فعلى «فذاك» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، وذا اسم إشارة : مبتدأ ، والكاف حرف خطاب «بالوجهين» جار ومجرور متعلق بقوله «يلفى» الآتى على أنه مفعوله الثانى «عنهم» جار ومجرور متعلق بيلفى «يلفى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ـ وهو المفعول الأول ـ ضمير مستتر فيه ، وجملة يلفى ومعموليه فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جزم جواب الشرط.

٥٦٣

فصل

من لام فعلى اسما أتى الواو بدل

ياء ، كتقوى ، غالبا جاذا البدل (١)

تبدل الواو من الياء الواقعة لام اسم على وزن فعلى ، نحو تقوى ، وأصله تقيا ؛ لأنه من تقيت ـ فإن كانت فعلى صفة لم تبدل الياء واوا ، نحو صديا وخزيا ، ومثل تقوى : فتوى ـ بمعنى الفتيا ، وبقوى ـ بمعنى البقيا ، واحترز بقوله «غالبا» مما لم تبدل الياء فيه واوا وهى لام اسم على فعلى كقولهم للرائحة : ريّا.

* * *

بالعكس جاء لام فعلى وصفا

وكون قصوى نادرا لا يخفى (٢)

أى : تبدل الواو الواقعة لاما لفعلى وصفا ياء ، نحو الدّنيا ، والعليا ، وشذّ

__________________

(١) «من لام» جار ومجرور متعلق بقوله «بدل» الآتى ، ولام مضاف و «فعلى» مضاف إليه «اسما» حال من فعلى «أتى» فعل ماض «الواو» فاعل أتى «بدل» حال من الواو ، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة ، وبدل مضاف و «ياء» مضاف إليه «كتقوى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف «غالبا» حال من قوله «ذا» الآتى «جا» قصر للضرورة : فعل ماض «ذا» اسم إشارة فاعل جاء «البدل» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له.

(٢) «بالعكس» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «لام فعلى» الآتى «جاء» فعل ماض «لام» فاعل جاء ، ولام مضاف و «فعلى» مضاف إليه «وصفا» حال من فعلى «وكون» مبتدأ ، وكون مضاف و «قصوى» مضاف إليه ، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه «نادرا» خير المصدر الناقص «لا» نافية «يخفى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

٥٦٤

قول أهل الحجاز : القصوى ؛ فإن كان فعلى اسما سلمت الواو ، كحزوى (١).

* * *

فصل

إن يسكن السّابق من واو ويا

واتّصلا ومن عروض عريا (٢)

فياء الواو اقلبنّ مدغما

وشذّ معطى غير ما قد رسما (٣)

إذا اجتمعت الواو والياء فى كلمة ، وسبقت إحداهما بالسكون ، وكان

__________________

(١) حزوى ـ بضم الحاء وسكون الزاى ـ اسم مكان بعينه ، ويرد كثيرا فى شعر ذى الرمة ؛ فمن ذلك قوله :

أدارا بجزوى هجت للعين عبرة

فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق

(٢) «إن» شرطية «يسكن» فعل مضارع ، فعل الشرط «السابق» فاعل «من واو» جار ومجرور متعلق بقوله يسكن «ويا» قصر للضرورة : معطوف على واو «واتصلا» الواو عاطفة ، اتصل : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعل ، وهو معطوف على فعل الشرط «ومن عروض» جار ومجرور متعلق بقوله «عريا» الآتى «عريا» عرى : فعل ماض ، وألف الاثنين فاعل ، وهو ـ أيضا ـ معطوف على فعل الشرط بالواو الداخلة على الجار والمجرور.

(٣) «فياء» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، ياء : مفعول ثان لاقلبن الآتى «الواو» مفعول أول لاقلبن «اقلبن» اقلب : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مدغما» بصيغة اسم الفاعل : حال من فاعل اقلبن «وشذ» فعل ماض «معطى» فاعل شذ ، وهو اسم مفعول يتعدى كفعله لاثنين أحدهما نائب الفاعل وهو ضمير مستتر فيه «غير» مفعول ثان لمعطى ، وغير مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «رسما» رسم : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول

٥٦٥

سكونها أصليّا ـ أبدلت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء ، وذلك نحو «سيّد ، وميّت» ـ والأصل سيود وميوت ؛ فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ؛ فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء ؛ فصار سيّد وميّت ـ فإن كانت الياء والواو فى كلمتين لم يؤثر ذلك ، نحو يعطى واقد ، وكذا إن عرضت الياء أو الواو للسكون كقولك فى رؤية : «روية» وفى «قوى» : «قوى» وشذّ التصحيح فى قولهم : «يوم أيوم» وشذّ ـ أيضا ـ إبدال الياء واوا فى قولهم : «عوى الكلب عوّة (١)».

* * *

من ياء او واو بتحريك أصل

ألفا ابدل بعد فتح متّصل (٢)

__________________

(١) يقال : عوى الكلب يعوى ـ مثل رمى يرمى ـ عيا ـ بوزن رمى ـ وعواء وعوة ، وعوية ـ على فعلة كرمية ـ إذا لوى خطمه ثم صوت ، أومد صوته ولم يفصح ، والأخيرتان نادرتان ، والقياس عية ـ بفتح العين وتشديد الياء مفتوحة ـ وشذوذ أولاهما من جهة قلب الياء التى هى لام الكلمة واوا ، عكس القياس القاضى بقلب الواو ياء لما ذكر الشارح ، وشذوذ ثانيتهما من جهة بقاء كل من الواو والياء على أصلهما مع أنهما اجتمعتا فى كلمة واحدة وسبقت إحداهما بالسكون.

(٢) «من ياء» جار ومجرور متعلق بقوله «أبدل» الآتى «أو» عاطفة «واو» معطوف على ياء «بتحريك» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لياء وما عطف عليه «أصل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تحريك ، والجملة فى محل جر نعت لتحريك «ألفا» مفعول تقدم على عامله ـ وهو قوله «أبدل» الآتى ـ «أبدل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بعد» ظرف متعلق بأبدل ، وبعد مضاف و «فتح» مضاف إليه «متصل» نعت لفتح.

٥٦٦

إن حرّك التّالى ، وإن سكّن كفّ

إعلال غير اللّام ، وهى لا يكفّ (١)

إعلالها بساكن غير ألف

أو ياء التّشديد فيها قد ألف (٢)

إذا وقعت الواو والياء متحركة بعد فتحة قلبت ألفا ، نحو قال وباع ، أصلهما قول وبيع ، فقلبت [الواو والياء] ألفا ؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ، هذا إن كانت حركتهما أصلية ؛ فإن كانت عارضة لم يعتدّ بها كجيل وتوم ـ أصلهما جيأل وتوأم ، نقلت حركة الهمزة إلى الياء والواو فصار جيلا وتوما.

فلو سكن ما بعد الياء أو الواو ولم تكن لاما وجب التصحيح ، نحو بيان وطويل ؛ فإن كانتا لاما وجب الإعلال ، ما لم يكن الساكن بعدهما ألفا

__________________

(١) «إن» شرطية «حرك» فعل ماض مبنى للمجهول ، فعل الشرط «التالى» نائب فاعل حرك ، وجواب الشرط محذوف لدلالة سابق الكلام عليه «وإن» شرطية «سكن» فعل ماض مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التالى «كف» فعل ماض ، جواب الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه «إعلال» مفعول به لكف ، وإعلال مضاف و «غير» مضاف إليه ، وغير مضاف و «اللام» مضاف إليه «وهى» ضمير منفصل مبتدأ «لا» نافية «يكف» فعل مضارع مبنى للمجهول.

(٢) «إعلالها» إعلال : نائب فاعل «يكف» فى آخر البيت السابق ، وإعلال مضاف ، وها : مضاف إليه ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله «وهى» فى البيت السابق «بساكن» جار ومجرور متعلق بقوله «يكف» السابق «غير» نعت لساكن ، وغير مضاف و «ألف» مضاف إليه «أو» عاطفة «ياء» معطوف على ألف «التشديد» مبتدأ «فيها» جار ومجرور متعلق بقوله «ألف» الآتى «قد» حرف تحقيق «ألف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى التشديد ، والجملة من ألف ونائب فاعله فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل جر نعت لياء.

٥٦٧

أو ياء مشددة ـ كرميا وعلوىّ ، وذلك نحو يخشون ـ أصله يخشيون فقلبت الياء ألفا ؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت ؛ لالتقائها ساكنة مع الواو الساكنة.

* * *

وصحّ عين فعل وفعلا

ذا أفعل كأغيد وأحولا (١)

كلّ فعل كان اسم الفاعل منه على وزن أفعل فإنه يلزم عينه التصحيح ، نحو عور فهو أعور ، وهيف فهو أهيف ، وغيد فهو أغيد ، [وحول فهو أحول] وحمل المصدر على فعله ، نحو هيف وغيد وعور وحول.

* * *

وإن يبن تفاعل من افتعل

والعين واو سلمت ولم تعلّ (٢)

إذا كان افتعل معتلّ العين فحقّه أن تبدل عينه ألفا ـ نحو اعتاد وارتاد ـ لتحركها وانفتاح ما قبلها ؛ فإن أبان افتعل معنى تفاعل ـ وهو

__________________

(١) «وصح» فعل ماض «عين» فاعل صح ، وعين مضاف و «فعل» بفتحتين ـ مضاف إليه «وفعلا» بفتح فكسر ، وأصله فعل ماض فحكاه : معطوف على فعل ، والألف للاطلاق «ذا» بمعنى صاحب : حال من فعل المكسور العين ، وذا مضاف و «أفعل» مضاف إليه «كأغيد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف «وأحولا» معطوف على أغيد ، والألف للاطلاق.

(٢) «إن» شرطية «يبن» فعل مضارع ، فعل الشرط «تفاعل» فاعل يبن «من افتعل» جار ومجرور متعلق بيبن «والعين» الواو واو الحال ، العين : مبتدأ «واو» خبر ، والجملة فى محل نصب حال ، والرابط الواو «سلمت» سلم : فعل ماض جواب الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الواو ، أو إلى العين بهذا القيد ، والتاء للتأنيث «ولم» الواو حالية ، لم : نافية جازمة «تعل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل نصب حال.

٥٦٨

الاشتراك فى الفاعلية والمفعولية ـ حمل عليه فى التصحيح إن كان واويّا نحو اشتوروا (١) ؛ فإن كانت العين ياء وجب إعلالها ، نحو ابتاعوا ، واستافوا ـ أى : تضاربوا بالسيوف.

* * *

وإن لحرفين ذا الاعلال استحقّ

صحّح أوّل ، وعكس قد يحقّ (٢)

إذا كان فى كلمة حرفا علّة ، كلّ واحد متحرك ، مفتوح ما قبله ـ لم يجز إعلالهما معا ؛ لئلا يتوالى فى كلمة واحدة إعلالان ؛ فيجب إعلال أحدهما وتصحيح الآخر ، والأحقّ منهما بالإعلال الثانى ، نحو الحيا والهوى ، والأصل حيى وهوى ، فوجد فى كل من العين واللام سبب الإعلال ؛ فعمل به فى اللام وحدها لكونها طرفا ، والأطراف محلّ التغيير. وشذّ إعلال العين وتصحيح اللام نحو «غاية».

* * *

__________________

(١) اشتوروا : أى تشاوروا ، وذلك أن يشير كل منهم على الآخر فى الأمر الذى يشير الآخر عليه فيه ؛ وأما «اشتار فلان العسل» فإنه يعل بقلب الواو ألفا لتحركها مع انفتاح ما قبلها ، لأنه لا يدل على التفاعل ، ومعنى اشتار العسل : أخذه من كوارته ، مثل «شاره يشوره».

(٢) «إن» شرطية «لحرفين» جار ومجرور متعلق بقوله «استحق» الآتى «ذا» اسم إشارة : نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده «الإعلال» بدل من الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له «استحق» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها مفسرة «صحح» فعل ماض ، مبنى للمجهول ، جواب الشرط «أول» نائب الفاعل «وعكس» مبتدأ ، وهو على تقدير الإضافة إلى محذوف ، ولهذا جاز الابتداء به مع كونه نكرة «قد» حرف تقليل «يحق» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود إلى عكس ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو قوله عكس.

٥٦٩

وعين ما آخره قد زيد ما

يخصّ الاسم واجب أن يسلما (١)

إذا كان عين الكلمة واوا ، متحركة ، مفتوحا ما قبلها ، أو ياء متحركة مفتوحا ما قبلها ، وكان فى آخرها زيادة تخصّ الاسم ـ لم يجز قلبها ألفا ، بل يجب تصحيحها ، وذلك نحو «جولان ، وهيمان» وشذ «ماهان ، وداران».

* * *

وقبل با افلب ميما النّون ، إذا

كان مسكّنا كمن بتّ انبذا (٢)

لما كان النّطق بالنون الساكنة قبل الباء عسرا وجب قلب النون ميما ،

__________________

(١) «وعين» مبتدأ ، وعين مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «آخره» آخر : ظرف متعلق بقوله «زيد» الآتى ، منصوب على الظرفية المكانية ، وآخر مضاف والهاء مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «زيد» فعل ماض مبنى للمجهول «ما» اسم موصول : نائب فاعل زيد ، والجملة لا محل صلة الموصول الأول «يخص» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه «الاسم» مفعول به ليخص ، والجملة لا محل لها صلة الموصول الثانى «واجب» خبر المبتدأ «أن» حرف مصدرى ونصب «يسلما» يسلم : فعل مضارع منصوب بأن ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر فاعل لواجب ، وتقدير البيت : وعين ما قد زيد فى آخره ما يخص الاسم واجب سلامته.

(٢) «وقبل» ظرف متعلق بقوله «اقلب» الآتى ، وقبل مضاف و «با» قصر للضرورة : مضاف إليه «اقلب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ميما» مفعول ثان لاقلب تقدم على المفعول الأول «النون» مفعول أول لاقلب «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه «مسكنا» خبر كان ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجواب الشرط محذوف لدلالة سابق الكلام عليه «كمن» الكاف جارة لقول محذوف ، وإعراب باقى الكلام ظاهر.

٥٧٠

ولا فرق فى ذلك بين المتصلة والمنفصلة ، ويجمعهما قوله «من بتّ انبذا» أى : من قطعك فألقه عن بالك واطرحه ، وألف «انبذا» مبدلة من نون التوكيد الخفيفة.

* * *

فصل

لساكن صحّ انقل التّحريك من

ذى لين آت عين فعل كأبن (١)

إذا كانت عين الفعل ياء أو واوا متحركة ، وكان ما قبلها ساكنا صحيحا ـ وجب نقل حركة العين إلى الساكن قبلها ، نحو : يبين ويقوم ، والأصل يبين ويقوم ـ بكسر الياء ، وضم الواو ـ فنقلت حركتهما إلى الساكن قبلهما ـ وهو الباء ، والقاف ـ وكذلك فى «أبن» (٢).

فإن كان الساكن غير صحيح لم تنقل الحركة ، نحو : بايع وبيّن وعوق (٣).

* * *

__________________

(١) «لساكن» جار ومجرور متعلق بقوله «انقل» الآتى «صح» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر صفة لساكن «انقل» فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر وجوبا هو فاعل «التحريك» مفعول به لانقل «من ذى» جار ومجرور متعلق بانقل ، وذى مضاف و «لين» مضاف إليه «آت» نعت للين ، أو لذى لين ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله «عين» حال من الضمير المستتر فى آت ، وعين مضاف و «فعل» مضاف إليه «كأبن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف.

(٢) أصل «أبن» أبين كأكرم ، نقلت حركة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها ـ وهو الباء الموحدة ـ فالتقى ساكنان : الياء التى نقلت حركتها ، والنون الساكنة للبناء ؛ فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين.

(٣) ومثال ذلك من يائى العين : زين ، ولين ، وطين ، وعين ، وتيم ، وخيم ،

٥٧١

ما لم يكن فعل تعجّب ، ولا

كابيضّ أو أهوى بلام علّلا (١)

أى : إنما تنقل حركة العين إلى الساكن الصحيح قبلها إذا لم يكن الفعل للتعجب ، أو مضاعفا ، أو معتلّ اللام ؛ فإن كان كذلك فلا نقل ، نحو : ما أبين الشىء وأبين به ، وما أقومه أقوم به ، ونحو : ابيضّ واسودّ ، ونحو : أهوى.

* * *

ومثل فعل فى ذا الاعلال اسم

ضاهى مضارعا وفيه وسم (٢)

يعنى أنه يثبت للاسم الذى يشبه الفعل المضارع ـ فى زيادته فقط ، أو فى وزنه فقط ـ من الإعلال بالنقل ما يثبت للفعل.

__________________

ومن واوى العين : شوق ، وكور ، وروع ، وحول ، وهون ، وروق ، وسوف ، ولون ، وكون ، وهوم ، وحوم ، ونظير هذا : تعاون ، وتعاور ، وتقاولوا ، وتباين ، وتبايعوا.

(١) «ما» مصدرية ظرفية «لم» نافية جازمة «يكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، واسمه ضمير مستتر فيه «فعل» خبر يكن ، وفعل مضاف و «تعجب» مضاف إليه «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة «كأبيض» معطوف على خبر يكن «أو» عاطفة «أهوى» معطوف على أبيض «بلام» جار ومجرور متعلق بقوله علل الآتى «عللا» علل : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والألف للاطلاق ، والجلة فى محل جر صفة لأهوى.

(٢) «ومثل» مبتدأ ، ومثل مضاف و «فعل» مضاف إليه «فى ذا» جار ومجرور متعلق بمثل ؛ لما فيه من معنى المماثلة «الإعلال» بدل من اسم الإشارة ، أو عطف بيان عليه ، أو نعت له «اسم» خبر المبتدأ الذى هو قوله مثل ، وجملة «ضاهى مضارعا» فى محل رفع نعت لاسم ، وجملة «وفيه وسم» من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر فى محل نصب حال رابطها الواو.

٥٧٢

فالذى أشبه المضارع فى زيادته فقط تبيع ، وهو مثال تحلىء من البيع ، الأصل تبيع ـ بكسر التاء وسكون الباء ـ فنقلت حركة الياء إلى الباء فصار تبيع.

والذى أشبه المضارع فى وزنه فقط مقام ، والأصل مقوم ؛ فنقلت حركة الواو إلى القاف ، ثم قلبت الواو ألفا لمجانسة الفتحة.

فإن أشبهه فى الزيادة والزّنة ؛ فإما أن يكون منقولا من فعل ، أولا ، فإن كان منقولا منه أعلّ كيزيد ، وإلا صحّ كأبيض وأسود.

* * *

ومفعل صحّح كالمفعال

وألف الإفعال واستفعال (١)

أزل لذا الإعلال ، والتّا الزم عوض ،

وحذفها بالنّقل ربّما عرض (٢)

__________________

(١) «ومفعل» مبتدأ «صحح» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مفعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «كالمفعال» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى «صحح» السابق «وألف» مفعول تقدم على عامله وهو قوله «أزل» فى البيت الآتى ، وألف مضاف و «الإفعال» مضاف إليه «واستفعال» معطوف على الإفعال.

(٢) «أزل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لذا» جار ومجرور متعلق بأزل «الإعلال» بدل من ذا أو عطف بيان عليه أو نعت له «والتا» قصر للضرورة : مفعول مقدم لالزم «الزم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «عوض» حال من التاء ، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة «وحذفها» الواو عاطفة ، حذف : مبتدأ ، وحذف مضاف والضمير العائد إلى التاء مضاف إليه «بالنقل» جار ومجرور متعلق بقوله عرض الآتى ، ويروى بعد ذلك «نادرا» وهو حال من الضمير المستتر فى قوله «عرض» الآتى ، ويروى مكانه «ربما» وهو مركب من رب الذى هو حرف تقليل ، وما الكافة «عرض» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذفها ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو حذف.

٥٧٣

لما كان مفعال غير مشبه للفعل استحقّ التصحيح كمسواك ، وحمل أيضا مفعل عليه ؛ لمشابهته له فى المعنى ، فصحح كما صحح مفعال كمقول ومقوال (١).

وأشار بقوله «وألف الإفعال واستفعال أزل ـ إلى آخره» إلى أن المصدر إذا كان على وزن إفعال أو استفعال ، وكان معتلّ العين ، فإن ألفه تحذف لا لبقائها ساكنة مع الألف المبدلة من عين المصدر ، وذلك نحو إقامة واستقامة ، وأصله إقوام واستقوام ، فنقلت حركة العين إلى الفاء ، وقلبت الواو ألفا لمجانسة الفتحة قبلها ، فالتقى الفان ، فحذفت الثانية منهما ، ثم عوّض منها تاء التأنيث ، فصار إقامة واستقامة ، وقد تحذف هذه التاء كقولهم : أجاب إجابا ، ومنه قوله تعالى : (وَأَقامَ الصَّلاةَ)(٢).

__________________

(١) اعلم أولا أن وزن المفعال أصل فى تصحيح ما عينه واو أو ياء مفتوحان وقبلهما ساكن صحيح ؛ لأنه لم يشبه الفعل لا فى الزيادة ولا فى الزنة ، ولأنه لو نقلت حركة الحرف المعتل فيه إلى الساكن الصحيح قبله لم يجز قلب الواو والياء ألفا فيه ؛ لوجود ألف بعدها.

ثم اعلم أن العلماء يختلفون فى مفعل ـ بغير ألف ـ فمنهم من يقول : حمل على مفعال ؛ لأنه أشبهه فى اللفظ والمعنى ، أما مشابهته لفظا فلأنه لا فرق بينهما لفظا إلا بزيادة الألف وهى إشباع للفتحة ، وأما مشابهته معنى ؛ فإن كل واحد منهما يأتى اسم آلة كمخيط ومخياط ، ويأتى صيغة مبالغة كمقول ومقوال ، وهذا هو الذى ذكره الشارح ، ومن العلماء من يقول : إن مفعلا هو نفس مفعال غاية ما فى الباب أن الألف حذفت منه.

(٢) وقد ورد تصحيح إفعال واستفعال وفروعهما فى ألفاظ ، منها قولهم : أعول إعوالا ، وأغيمت السماء إغياما ، واستحوذ عليه استحواذا ، وأغيلت المرأة ولدها إغيالا ، واستغيل الصى استغيالا ، وأسود الرجل إسوادا ، إذا ولد له السادة أو السود ، وذلك كله شاذ عن القياس عند النحاة.

٥٧٤

وما لإفعال ـ من الحذف ، ومن

نقل فمفعول به أيضا قمن (١)

نحو مبيع ومصون ، وندر

تصحيح ذى الواو ، وفى ذى اليا اشتهر (٢)

إذا بنى مفعول من الفعل المعتل العين ـ بالياء أو الواو ـ وجب فيه ما وجب فى إفعال واستفعال من النقل والحذف ؛ فتقول فى مفعول من باع وقال : «مبيع ومقول» والأصل مبيوع ومقوول ، فنقلت حركة العين إلى الساكن قبلها ، فالتقى ساكنان : العين ، وواو مفعول ، فحذفت واو مفعول ، فصار مبيع ومقول ـ وكان حقّ مبيع أن يقال فيه : مبوع (٣) ، لكن قلبوا الضمة كسرة لتصح الياء ، وندر التصحيح فيما عينه واو ، قالوا : ثوب مصوون ،

__________________

(١) «ما» اسم موصول : مبتدأ أول «لإفعال» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «من الحذف» متعلق بما تعلق به ما قبله «ومن نقل» معطوف على قوله من الحذف «فمفعول» الفاء زائدة ، ومفعول : مبتدأ ثان «به» جار ومجرور متعلق بقوله قمن الآتى «أيضا» مفعول مطلق لفعل محذوف «قمن» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

(٢) «نحو» خبر مبتدأ محذوف ، ونحو مضاف و «مبيع» مضاف إليه «ومصون» معطوف على مبيع «وندر» الواو عاطفة ، وندر : فعل ماض «تصحيح» فاعل ندر وتصحيح مضاف و «ذى» مضاف إليه ، وذى مضاف و «الواو» مضاف إليه «وفى ذى» جار ومجرور متعلق بقوله «اشتهر» الآتى ، وذى مضاف و «اليا» مضاف إليه «اشتهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على تصحيح.

(٣) لأنه بعد أن حذفت واو المفعول صارت الباء مضمومة وبعدها ياء ساكنة ، والأصل أنه إذا وقعت الياء الساكنة بعد ضمة قلبت واوا إن كان ما هى فيه مفردا كما حصل فى موقن وموسر ، وأصلهما ميقن وميسر ، وفعلهما أيقن وأيسر ، لكنهم لم يفعلوا ذلك هنا وقلبوا ضمة الباء كسرة لتسلم الياء ؛ ليظهر الفرق بين الواوى واليائى.

٥٧٥

والقياس مصون ، ولغة تميم تصحيح ما عينه ياء ؛ فيقولون : مبيوع ، ومخيوط ، ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى : «وندر تصحيح ذى الواو ، وفى ذى اليا اشتهر» (١).

* * *

__________________

(١) أصل مبيع مبيوع ؛ فنقلت ضمة الياء إلى الباء الساكنة قبلها ، فالتقى ساكنان : الياء ، والواو ، وإلى هنا يتفق سيبويه والأخفش ، ثم اختلفوا فى المحذوف من الساكنين أهو الياء التى هى عين الكلمة ، أم هو الواو الزائدة فى صيغة المفعول؟ فقال سيبويه : حذفت واو مفعول ، وقال الأخفش : حذفت عين الكلمة ، فأما الأخفش فزعم أن واو مفعول دالة على اسم المفعول ، وما جىء به للدلالة على معنى لا يحذف ، وزعم أن المعهود حذف أول الساكنين لا ثانيهما ، والذى نرجحه هنا هو مذهب سيبويه ، ونستدل على ذلك بأنه لو كانت المحذوفة عين الكلمة لم يختلف الواوى واليائى لكنا رأيناهم يقولون فى الواوى مقول ومصون ومدوف ، وفى اليائى : مبيع ومعين ومعيب ، ودعوى أن واو مفعول قلبت ياء فى اليائى دعوى لا يقوم عليها دليل ، فوق أنها تنقض ما احتج به الأخفش من أن واو مفعول دالة على اسم المفعول ، والجواب عما ذكره الأخفش : أما قوله «إن واو مفعول دالة على صيغة اسم المفعول فلا يجوز أن تحذف» فالجواب عنه من وجهين ، أولهما : أنا لا نسلم أن الواو هى الدالة على معنى اسم المفعول ، بدليل أن اسم المفعول من المزيد فيه مشتمل على الميم دون الواو ، وذلك نحو مكرم ومستعان به ، وثانيهما : أنا إن سلمنا أن للواو مدخلا فى الدلالة على المعنى فلا نسلم أنه لا يجوز حذفها ؛ لأن محل ذلك أن لو لم يكن فى الصيغة ما يدل على المعنى غيرها ، فأما هنا فإن حذفت الواو بقيت الميم دالة على المعنى ، وأما قوله : «إن الذى يحذف هو أول الساكنين كما فى نحو قل وبع وقاض ومعنى» فالجواب عنه أنا لا نسلم أن هذا مطرد فى كل ساكنين يلتقيان ، بل هذا خاص بما إذا كان أول الساكنين معتلا ، وثانيهما صحيحا كما فى الأمثلة التى ذكرها ، فأما إذا كان الساكنان جميعا معتلين ـ كما فى الذى نحن بصدده ـ فلا يلزم حذف الأول منهما.

٥٧٦

وصحّح المفعول من نحو عدا

وأعلل ان لم تتحرّ الأجودا (١)

إذا بنى مفعول من فعل معتلّ اللام ، فلا يخلو : إما أن يكون معتلا بالياء أو بالواو.

فإن كان معتلا بالياء وجب إعلاله بقلب واو مفعول ياء وإدغامها فى لام الكلمة ، نحو مرمىّ ـ والأصل ـ مرموى ، فاجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ؛ فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء ـ وإنما لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا هنا لأنه قد تقدم ذكره.

وإن كان معتلا بالواو ، فالأجود التصحيح ، إن لم يكن الفعل على فعل ، نحو «معدوّ» من عدا ، ولهذا قال المصنف : «من نحو عدا» ، ومنهم من يعلّ ، فيقول : معدىّ (٢) ، فإن كان الواوىّ على فعل ، فالصحيح الإعلال ؛ نحو : «مرضىّ» من رضى ؛ قال الله تعالى : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) والتصحيح قليل ؛ نحو مرضوّ.

* * *

__________________

(١) «وصحح» فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر وجوبا فاعل «المفعول» مفعول به لصحح «من نحو» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من المفعول ، ونحو مضاف و «عدا» قصد لفظه : مضاف إليه «وأعلل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «تتحر» فعل مضارع ، مجزوم بلم ، وعلامة جزمه حذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة لم تتحر فعل الشرط «الأجودا» مفعول به لتتحر ، والألف للاطلاق ، وجواب الشرط محذوف لدلالة سابق الكلام عليه ، وتقدير الكلام : إن لم تتحر الأجود فأعلل.

(٢) ومن الإعلال قول الشاعر :

لقد علمت عرسى مليكة أنّنى

أنا اللّيث : معديّا عليه ، وعاديا

٥٧٧

كذاك ذا وجهين جا الفعول من

ذى الواو لام جمع او فرد يعنّ (١)

إذا بنى اسم على فعول ، فإن كان جمعا ، وكانت لامه واوا ـ جاز فيه وجهان : التصحيح ، والإعلال ، نحو : عصىّ ودلىّ ، فى جمع عصا ودلو ، وأبوّ ، ونجوّ ، جمع أب ونجو (٢) ، والإعلال أجود من التصحيح فى الجمع (٣) ، وإن

__________________

(١) «كذاك» كذا : جار ومجرور متعلق بقوله «جاء» الآتى ، والكاف حرف خطاب «ذا» بمعنى صاحب : حال من الفعول وذا مضاف و «وجهين» مضاف إليه «جا» قصر للضروره : فعل ماض «الفعول» فاعل جاء «من ذى» جار ومجرور متعلق بجاء ، أو بمحذوف حال من الفعول ، وذى مضاف و «الواو» مضاف إليه «لام» حال من الواو ، ولام مضاف و «جمع» مضاف إليه «أو» عاطفة «فرد» معطوف على جمع «يعن» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فرد ، والجملة فى محل جر نعت لفرد ، ومعنى يعن يبدو ويظهر.

(٢) أما عصى فأصله الأصيل عصوو ـ بضم العين والصاد ـ فقلبت الواو المتطرفة ياء تخلصا من ثقل اجتماع واوين فى آخر الكلمة مع ضمة قبلهما ، فصار عصوى ، ثم اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء فصار عصى ـ بضمتين وياء مشددة ـ فقلبت ضمة الصاد كسرة لتناسب الياء ، ثم يجوز لك أن تقلب ضمة العين كسرة للتناسب ويجوز أن تبقيها ، وأما دلى فأصلها دلوو ، ثم دلوى ، ثم دلى ، وبيانه كما سبق ، وأما أبو فظاهر ، وأما نجو فيجوز أن يكون بالجيم على أنه جمع نجو ، وهو السحاب الذى أهراق ماءه ، ويجوز أن يكون بالحاء المهملة على أنه جمع نحو ، بمعنى الجهة ، وقد حكى سيبويه : إنكم لتطيرون فى نحو كثيرة ، ومعناه إنكم لتسيرون فى أنحاء وجهات كثيرة مختلفة.

(٣) ظاهر عبارة الناظم التسوية بين الجمع والمفرد فى جواز الوجهين فى كل منهما ولهذا بادر الشارح ببيان الفرق بين المفرد والجمع ، وقد قال ابن مالك نفسه فى كتابه الكافية الشافية الذى اختصر منه الألفية :

ورجّح الإعلال فى الجمع ، وفى

مفرد التّصحيح أولى ما قفى

٥٧٨

كان مفردا جاز فيه وجهان : الإعلال ، والتصحيح ، والتصحيح أجود ، نحو علا علوّا ، وعتا عتوّا ، ويقلّ الإعلال نحو «قساقسيّا» ـ أى قسوة ـ.

* * *

وشاع نحو نيّم فى نوّم

ونحو نيّام شذوذه نمى (١)

إذا كان فعّل جمعا لما عينه واو جاز تصحيحه وإعلاله ، إن لم يكن قبل لامه ألف ، كقولك فى جمع صائم : صوّم وصيّم ، وفى جمع نائم : نوّم ونيّم.

فإن كان قبل اللام ألف وجب التصحيح ، والإعلال شاذ ، نحو «صوّام» ، و «نوّام» ومن الإعلال قوله :

(٣٥٩) ـ

* فما أرّق النّيّام إلا كلامها*

* * *

__________________

هذا ولم يذكر الناظم ولا الشارح شرط جواز الوجهين فى فعول ، وشرطه ألا يكون فعله من باب قوى ، فإن كان الفعل من باب قوى وجب فيه الإعلال.

(١) «وشاع» فعل ماض «نحو» فاعل شاع ، ونحو مضاف و «نيم» مضاف إليه «فى نوم» جار ومجرور متعلق بشاع ، أو بمحذوف حال من نيم «ونحو» مبتدأ أول ، ونحو مضاف و «نيام» مضاف إليه «شذوذه» شذوذ : مبتدأ ثان ، وشذوذ مضاف والهاء مضاف إليه «نمى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

٣٥٩ ـ هذا عجز بيت لأبى الغمر الكلابى ، وصدره قوله :

* ألا طرقتنا ميّة بنة منذر*

اللغة : «طرقتنا» جاءتنا ليلا «أرق» أسهد ، وأطار النوم عن الأجفان «النيام» جمع نائم ، وستعرف ما فيه ، والمعنى أوضح من أن يشار إليه

٥٧٩

فصل

ذو اللّين فاتا فى افتعال أبدلا

وشذّ فى ذى الهمز نحو ائتكلا (١)

إذا بنى افتعال وفروعه من كلمة فاؤها حرف لين ـ وجب إبدال حرف اللين تاء نحو : اتّصال ، واتّصل ، ومتّصل ـ والأصل فيه : اوتصال ، واوتصل ، وموتصل (٢) ، فإن كان حرف اللين بدلا من همزة لم يجز إبداله تاء ؛

__________________

الإعراب : «ألا» أداة تنبيه «طرقتنا» طرق : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، ونا : مفعول به لطرق «مية» فاعل طرق «ابنة» نعت لمية ، وابنة مضاف و «منذر» مضاف إليه «فما» الفاء عاطفة ، وما : نافية «أرق» فعل ماض «النيام» مفعول به لأرق «إلا» أداة استثناء ملغاة «كلامها» كلام : فاعل أرق ، وكلام مضاف وها : مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «النيام» فى جمع نائم ، حيث أعل بقلب الواو ياء ، وكان قياسه «النوام» بالتصحيح ، وهو الأكثر استعمالا فى كلام العرب ، ومن ذلك قول الشاعر :

ألا أيّها النّوّام ويحكم هبّوا

أسائلكم هل يقتل الرّجل الحبّ

(١) «ذو» مبتدأ ، وذو مضاف و «اللين» مضاف إليه «فا» قصر للضرورة : حال من الضمير المستتر فى قوله «أبدلا» الآتى «تا» قصر للضرورة أيضا : مفعول ثان لأبدل «فى افتعال» جار ومجرور متعلق بأبدل ، أو بمحذوف نعت لتا «أبدلا» أبدل : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وهو المفعول الأول ، وقد تقدم المفعول الثانى ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «وشذ» فعل ماض «فى ذى» جار ومجرور متعلق بشذ ، وذى مضاف و «الهمز» مضاف إليه «نحو» فاعل شذ ، ونحو مضاف و «اثنكلا» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) قد مثل الشارح لما كان حرف اللين فيه واوا ، فأما مثال اليائى فقولك من يسر : اتسر يتسر اتسارا فهو متسر ، وههنا أمران : الأول : أن سبب قلب الواو

٥٨٠