شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

والمطّرد كقولك : «بكم درهم اشتريت هذا»؟ فدرهم : مجرور بمن محذوفة عند سيبويه والخليل ، وبالإضافة عند الزجّاج ؛ فعلى مذهب سيبويه والخليل يكون الجار قد حذف وأبقى عمله ، وهذا مطّرد عندهما فى مميز «كم» الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجرّ.

* * *

__________________

الشاهد فيه : فى هذا البيت عدة شواهد للنحاة : أولها وثانيها فى قوله : «كريمة» حيث جر هذه الكلمة برب محذوفة بعد الواو ، وحيث ألحق التاء الدالة على المبالغة لصيغة فعيل ، وهذا نادر ، والكثير أن تلحق صيغة فعال ـ كعلامة ونسابة ـ أو صيغة مفعال ـ كمهذارة ـ أو صيغة فعول ـ كفروقة ـ وثالثها ، وهو المراد هنا ، قوله : «فارتقى الأعلام» حيث جر قوله : «الأعلام» بحرف جر محذوف ، كما بيناه فى الإعراب ، وذلك شاذ. ورابعها : فى قوله : «قيس» حيث منعه الصرف وجره بالفتحة نيابة عن الكسرة ، فإن أردت به اسم القبيلة فهو ممنوع من الصرف قياسا للعلمية والتأنيث المعنوى ، وإن أردت به علم مذكر كأبى القبيلة كان منعه من الصرف شاذا ، وهو ـ مع شذوذه ـ مما له نظائر فى شعر العرب ، ومن نظائره قول الأخطل :

طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت

بشبيب غائلة النّفوس غرور

فقد منع «شيب» من الصرف وليس فيه علتان ، ومثله قول الآخر :

قالت أميمة : ما لثابت شاخصا

عارى الأشاجع ناحلا كالمنصل

٤١

الإضافة

نونا تلى الإعراب أو تنوينا

ممّا تضيف احذف كطور سينا (١)

والثّانى اجرر ، وانو «من» أو «فى» إذا

لم يصلح الّا ذاك ، واللّام خذا (٢)

لما سوى ذينك ، واخصص أوّلا

أو أعطه التّعريف بالّذى تلا (٣)

__________________

(١) «نونا» مفعول به تقدم على عامله ، وهو قوله احذف الآتى «تلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى نون ، والجملة فى محل نصب صفة لقوله نونا «الإعراب» مفعول به لتلى «أو» عاطفة «تنوينا» معطوف على قوله نونا «مما» جار ومجرور متعلق باحذف «تضيف» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة لا محل لها صلة «ما» المجرورة محلا بمن «احذف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «كطور سينا» الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كطور ، وطور مضاف وسينا : مضاف إليه ، وهو مقصور من ممدود.

(٢) «الثانى» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله اجرر «اجرر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانو» كذلك «من» قصد لفظه : مفعول به لا نو «أو» عاطفة «فى» معطوف على من «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «لم» نافية جازمة «يصلح» فعل مضارع مجزوم بلم «إلا» أداة استثناء ملغاة لا عمل لها «ذاك» ذا : فاعل يصلح ، والكاف حرف خطاب ، وجملة الفعل المنفى بلم والفاعل فى محل جر بإضافة إذا إليها «واللام» مفعول مقدم لخذ «خذا» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٣) «لما» جار ومجرور متعلق بخذ فى البيت السابق «سوى» ظرف متعلق بمحذوف صلة «ما» المجرورة محلا باللام ، وسوى مضاف واسم الإشارة من «ذينك» مضاف إليه «واخصص» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أولا»

٤٢

إذا أريد إضافة اسم إلى آخر حذف ما فى المضاف : من نون تلى الإعراب ـ وهى نون التثنية ، أو نون الجمع ، وكذا ما ألحق بهما ـ أو تنوين ، وجرّ المضاف إليه ؛ فتقول : «هذان غلاما زيد ، وهؤلاء بنوه ، وهذا صاحبه».

واختلف فى الجار للمضاف إليه ؛ فقيل : هو مجرور بحرف مقدر ـ وهو اللام ، أو «من» ، أو «فى» ـ وقيل : هو مجرور بالمضاف [وهو الصحيح من هذه الأقوال].

ثم الإضافة تكون بمعنى اللام عند جميع النحويين ، وزعم بعضهم أنها تكون أيضا بمعنى «من» أو «فى» ، وهو اختيار المصنف ، وإلى هذا أشار بقوله : «وانو من أو فى ـ إلى آخره».

وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير «من» أو «فى» فالإضافة بمعنى ما تعيّن تقديره ، وإلا فالإضافة بمعنى اللام

فيتعين تقدير «من» إن كان المضاف إليه جنسا للمضاف ، نحو «هذا ثوب خزّ ، وخاتم حديد» والتقدير : هذا ثوب من خز ، وخاتم من حديد.

ويتعين تقدير «فى» إن كان المضاف إليه ظرفا واقعا فيه المضاف ، نحو «أعجبنى ضرب اليوم زيدا» أى : ضرب زيد فى اليوم ، ومنه قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) وقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(١)

__________________

مفعول به لا خصص «أو» عاطفة «أعطه» أعط : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول لأعط «التعريف» مفعول ثان لأعط «بالذى» جار ومجرور متعلق بالتعريف «تلا» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة لا محل لها صلة الذى.

(١) ومن ذلك قول الشاعر :

ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعلّ

طبّاح ساعات الكرى زاد الكسل

عند من رواه بإضافة طباخ إلى ساعات الكرى ـ ومعناه طباخ فى ساعات النوم.

٤٣

فإن لم يتعين تقدير «من» أو «فى» فالإضافة بمعنى اللام ، نحو «هذا غلام زيد ، وهذه يد عمرو» أى : غلام لزيد ، ويد لعمرو.

وأشار بقوله : «واخصص أولا ـ إلى آخره» إلى أن الإضافة على قسمين : محضة ، وغير محضة.

فالمحضة هى : غير إضافة الوصف المشابه للفعل المضارع إلى معموله.

وغير المحضة هى : إضافة الوصف المذكور ، كما سنذكره بعد ، وهذه لا تفيد الاسم [الأوّل] تخصيصا ولا تعريفا ، على ما سنبين.

والمحضة : ليست كذلك ، وتفيد الاسم الأول : تخصيصا إن كان المضاف إليه نكرة ، نحو «هذا غلام امرأة» ، وتعريفا إن كان المضاف إليه معرفة ، نحو «هذا غلام زيد».

* * *

وإن يشابه المضاف «يفعل»

وصفا ، فعن تنكيره لا يعذل (١)

كربّ راجينا عظيم الأمل

مروّع القلب قليل الحيل (٢)

__________________

(١) «إن» شرطية «يشابه» فعل مضارع ، فعل الشرط «المضاف» فاعل يشابه «يفعل» قصد لفظه : مفعول به ليشابه «وصفا» حال من قوله المضاف «فعن» الفاء لربط الشرط بالجواب ، عن : حرف جر «تنكيره» تنكير : مجرور بعن ، وتنكير مضاف والهاء مضاف إليه ، والجار والمجرور متعلق بيعذل الآتى «لا» نافية «يعذل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وجملة الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط.

(٢) «كرب» الكاف جارة لقول محذوف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى : وذلك كائن كقولك رب ـ إلخ ، ورب : حرف تقليل وجر

٤٤

وذى الإضافة اسمها لفظيّه

وتلك محضة ومعنويّة (١)

هذا هو القسم الثانى من قسمى الإضافة ، وهو غير المحضة ؛ وضبطها المصنف بما إذا كان المضاف وصفا يشبه «يفعل» ـ أى : الفعل المضارع ـ وهو : كل اسم فاعل أو مفعول ، بمعنى الحال أو الاستقبال ، أو صفة مشبهة [ولا تكون إلا بمعنى الحال].

فمثال اسم الفاعل : «هذا ضارب زيد ، الآن أو غدا ، وهذا راجينا».

ومثال اسم المفعول : «هذا مضروب الأب ، وهذا مروّع القلب».

ومثال الصفة المشبهة : «هذا حسن الوجه ، وقليل الحيل ، وعظيم الأمل».

فإن كان المضاف غير وصف ، أو وصفا غير عامل ؛ فالإضافة محضة : كالمصدر ، نحو «عجبت من ضرب زيد» واسم الفاعل بمعنى الماضى ، نحو «هذا ضارب زيد أمس».

وأشار بقوله : «فعن تنكيره لا يعذل» إلى أن هذا القسم من الإضافة ـ أعنى غير المحضة ـ لا يفيد تخصيصا ولا تعريفا ؛ ولذلك تدخل «ربّ» عليه ، وإن كان مضافا لمعرفة ، نحو «[ربّ] راجينا» وتوصف به النكرة ،

__________________

شبيه بالزائد «راجينا» راجى : اسم فاعل مجرور برب ، وراجى مضاف ، ونا : مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «عظيم» صفة لراج ، وعظيم مضاف و «الأمل» مضاف إليه «مروع» صفة ثانية لراج ، ومروع مضاف و «القلب» مضاف إليه «قليل» صفة ثالثة لراج ، وقليل مضاف و «الحيل» مضاف إليه.

(١) «وذى» اسم إشارة مبتدأ أول «الإضافة» بدل أو عطف بيان «اسمها» اسم : مبتدأ ثان ، واسم مضاف وها : مضاف إليه «لفظية» خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول «وتلك» اسم إشارة مبتدأ «محضة» خبره «ومعنوية» معطوف على محضة ، والجملة من هذا المبتدأ وخبره معطوفة على جملة المبتدأ وخبره السابقة.

٤٥

نحو قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) وإنما يفيد التخفيف ؛ وفائدته ترجع إلى اللفظ ؛ فلذلك سميت الإضافة فيه لفظية.

وأما القسم الأول فيفيد تخصيصا أو تعريفا ، كما تقدم ؛ فلذلك سميت الإضافة فيه معنوية ، وسميت محضة أيضا ؛ لأنها خالصة من نية الانفصال ، بخلاف غير المحضة ؛ فإنها على تقدير الانفصال ، تقول : «هذا ضارب زيد الآن» على تقدير «هذا ضارب زيدا» ومعناهما متّحد ، وإنما أضيف طلبا للخفة.

* * *

ووصل «أل» بذا المضاف مغتفر

إن وصلت بالثّان : كـ «الجعد الشّعر» (١)

أو بالّذى له أضيف الثّانى

: كـ «زيد الضّارب رأس الجانى» (٢)

لا يجوز دخول الألف واللام على المضاف الذى إضافته محضة ؛ فلا تقول : «هذا الغلام رجل» لأن الإضافة منافية (٣) للألف واللام ؛ فلا يجمع بينهما.

__________________

(١) «ووصل» مبتدأ ، ووصل مضاف و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «بذا» جار ومجرور متعلق بوصل «المضاف» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة «مغتفر» خبر المبتدأ «إن» شرطية «وصلت» وصل : فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط ، والتاء للتأنيث ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أل «بالثان» جار ومجرور متعلق بوصلت ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(٢) «أو» عاطفة «بالذى» جار ومجرور معطوف على قوله «بالثان» فى البيت السابق «له» جار ومجرور متعلق بقوله «أضيف» الآتى «أضيف» فعل ماض مبنى للمجهول «الثانى» نائب فاعل أضيف ، والجملة لا محل لها صلة.

(٣) فى بعض النسخ «معاقبة» والمقصود لا يتغير ؛ فإن معنى المعاقبة أن كل واحدة منهما تعقب الأخرى : أى تدخل الكلمة عقبها ؛ فهما لا يجتمعان فى الكلمة ، وسيأتى يقول «لما تقدم من أنهما متعاقبان».

٤٦

وأما ما كانت [إضافته] غير محضة ـ وهو المراد بقوله «بذا المضاف» ـ أى بهذا المضاف الذى تقدّم الكلام فيه قبل هذا البيت ـ فكان القياس أيضا يقتضى أن لا تدخل الألف واللام على المضاف ؛ لما تقدم من أنهما متعاقبان (١) ، ولكن لمّا كانت الإضافة فيه على نية الانفصال اغتفر ذلك ، بشرط أن تدخل الألف واللام على المضاف إليه ، كـ «الجعد الشعر ، والضّارب الرّجل» ، أو على ما أضيف إليه المضاف إليه ، كـ «زيد الضّارب رأس الجانى».

فإن لم تدخل الألف واللام على المضاف إليه ، ولا على ما أضيف إليه [المضاف إليه] ، امتنعت المسألة ؛ فلا تقول : «هذا الضّارب رجل» [ولا «هذا الضّارب زيد»] ولا «هذا الضارب رأس جان».

هذا إذا كان المضاف غير مثنى ، ولا مجموع جمع سلامة لمذكر ، ويدخل فى هذا المفرد كما مثّل ، وجمع التكسير ، نحو : «الضوارب ـ أو الضّرّاب ـ الرّجل ، أو غلام الرجل» [وجمع السلامة لمؤنث ، نحو «الضاربات الرّجل ، أو غلام الرّجل»].

فإن كان المضاف مثنى أو مجموعا جمع سلامة لمذكر كفى وجودها فى المضاف ، ولم يشترط وجودها فى المضاف إليه ، وهو المراد بقوله :

وكونها فى الوصف كاف : إن وقع

مثنّى ، او جمعا سبيله اتّبع (٢)

__________________

(١) «وكونها» كون : مبتدأ ، وها : مضاف إليه ، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه «فى الوصف» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر الكون الناقص «كاف» خبر المبتدأ «إن» شرطية «وقع» فعل ماض ، فعل الشرط ، وفيه ضمير مستتر جوازا يعود إلى المضاف فاعل «مثنى» حال من الضمير المستتر فى وقع السابق «أو» عاطفة «جمعا» معطوف على مثنى «سبيله» سبيل : مفعول مقدم على عامله وهو قوله اتبع الآتى ، وسبيل مضاف والهاء مضاف إليه «اتبع» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا

٤٧

أى : وجود الألف واللام فى الوصف المضاف إذا كان مثنى ، أو جمعا اتّبع سبيل المثنى ـ أى : على حدّ المثنى ، وهو جمع المذكر السالم ـ يغنى عن وجودها فى المضاف إليه ؛ فتقول : «هذان الضاربا زيد ، وهؤلاء الضّاربو زيد» (١) وتحذف النون للاضافة.

* * *

ولا يضاف اسم لما به اتّحد

معنى ، وأوّل موهما إذا ورد (٢)

__________________

تقديره هو يعود على قوله جمعا ، والجملة فى محل نصب صفة لقوله جمعا ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام ، ويجوز أن تقرأ «أن» بفتح الهمزة على أنها مصدرية ؛ فهى وما بعدها فى تأويل مصدر فاعل لكاف ، أو بكسر الهمزة على أنها شرطية ، وشرطها قوله «وقع» كما سبق تقريره ، والجواب محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(١) ومن شواهد ذلك قول عنترة بن شداد العبسى فى معلقته :

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر

للحرب دائرة على ابنى ضمضم

الشاتمى عرضى ولم أشتمهما

والنّاذرين إذا لم القهما دمى

وقول الآخر :

إن يغنيا عنّى المستوطنا عدن

فإنّنى لست يوما عنهما بغنى

(٢) «لا» نافية «يضاف» فعل مضارع مبنى للمجهول «اسم» نائب فاعل «لما» جار ومجرور متعلق بقوله «يضاف» السابق «به» جار ومجرور متعلق بقوله «اتحد» الآتى «اتحد» فعل ماض ، وفى قوله «اتحد» ضمير مستتر يعود على ما الموصولة فاعل ، والجملة لا محل لها صلة «معنى» منصوب على التمييز أو على نزع الخافض «وأول» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «موهما» مفعول به لأول «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان «ورد» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها ، وجوابها محذوف يدل عليه سابق الكلام.

٤٨

المضاف يتخصّص بالمضاف إليه ، أو يتعرّف به ؛ فلا بد من كونه غيره ؛ إذ لا يتخصّص الشىء أو يتعرف بنفسه ، ولا يضاف اسم لما به اتّحد فى المعنى : كالمترادفين وكالموصوف وصفته ؛ فلا يقال : «قمح برّ» ولا «رجل قائم» وما ورد موهما لذلك مؤوّل ، كقولهم «سعيد كرز» فظاهر هذا أنه من إضافة الشىء إلى نفسه ؛ لأن المراد بسعيد وكرز [فيه] واحد ؛ فيؤوّل الأول بالمسمى ، والثانى بالاسم ؛ فكأنه قال : جاءنى مسمّى كرز ، أى : مسمى هذا الاسم ، وعلى ذلك يؤوّل ما أشبه هذا من إضافة المترادفين ، كـ «يوم الخميس». وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته ، فمؤوّل على حذف المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة ، كقولهم : «حبّة الحمقاء ، وصلاة الأولى» ، والأصل : حبّة البقلة الحمقاء ، وصلاة السّاعة الأولى ؛ فالحمقاء : صفة للبقلة ، لا للحبة ، والأولى صفة للساعة ، لا للصلاة ، ثم حذف المضاف إليه ـ وهو البقلة ، والساعة ـ وأقيمت صفته مقامه ، فصار «حبة الحمقاء ، وصلاة الأولى» فلم يضف الموصوف إلى صفته ، بل إلى صفة غيره.

 ...

وربّما أكسب ثان أوّلا

تأنيثا ان كان لحذف موهلا (١)

قد يكتسب المضاف المذكّر من المؤنث المضاف إليه التأنيث ، بشرط أن يكون المضاف صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ويفهم منه ذلك

__________________

(١) «وربما» رب : حرف تقليل وجر شبيه بالزائد ، وما : كافة «أكسب» فعل ماض «ثان» فاعل أكسب «أولا» مفعول أول لأكسب «تأنيثا» مفعول ثان لأكسب ، «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه «لحذف» جار ومجرور متعلق بقوله موهلا الآتى «موهلا» خبر كان ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

٤٩

المعنى ، نحو «قطعت بعض أصابعه» فصحّ تأنيث «بعض» لإضافته إلى أصابع وهو مؤنث ؛ لصحة الاستغناء بأصابع عنه ؛ فتقول : «قطعت أصابعه» ومنه قوله :

(٢٢٣) ـ

مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرّياح النّواسم

فأنّث المرّ لإضافته إلى الرياح ، وجاز ذلك لصحة الاستغناء عن المرّ بالرياح ، نحو «تسفّهت الرّياح».

وربما كان المضاف مؤنثا فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه ، بالشرط

__________________

٢٢٣ ـ هذا البيت لذى الرمة غيلان بن عقبة.

اللغة : «اهتزت» مالت ، واضطربت «تسفهت» من قولهم : تسفهت الرياح الغصون ؛ إذا أمالتها وحركتها «النواسم» جمع ناسمة ، وهى الرياح اللينة أول هبوبها ، وأراد من الرماح الأغصان.

المعنى : يقول : إن هؤلاء النسوة قد مشين فى اهتزاز وتمايل ، فهن يحاكين رماحا ـ أى غصونا ـ مرت بها ريح فأمالتها.

الإعراب : «مشين» فعل وفاعل «كما» الكاف جارة ، وما : مصدرية «اهتزت» اهتز : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «رماح» فاعل اهتزت ، و «ما» المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لموصوف محذوف ، أى : مشين مشيا كائنا كاهتزاز ـ إلخ «تسفهت» تسفه : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «أعاليها» أعالى : مفعول به لتسفه ، وأعالى مضاف وها : مضاف إليه «مر» فاعل تسفهت ، ومر مضاف ، و «الرياح» مضاف إليه «النواسم» صفة للرياح.

الشاهد فيه : قوله «تسفهت ... مر الرياح» حيث أنث الفعل بتاء التأنيث مع أن فاعله مذكر ـ وهو قوله مر ـ والذى جلب له ذلك إنما هو المضاف إليه ، وهو الرياح.

٥٠

الذى تقدم ، كقوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فـ «رحمة» : مؤنث ، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى «الله» تعالى.

فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث ؛ فلا تقول : «خرجت غلام هند» إذ لا يقال «خرجت هند» ويفهم منه خروج الغلام.

* * *

وبعض الاسماء يضاف أبدا

وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا (١)

من الأسماء ما يلزم الإضافة ، وهو قسمان :

أحدهما : ما يلزم الإضافة لفظا ومعنى ؛ فلا يستعمل مفردا ـ أى : بلا إضافة ـ وهو المراد بشطر البيت ، وذلك نحو «عند ، ولدى ، وسوى ، وقصارى الشىء ، وحماداه : بمعنى غايته».

والثانى : ما يلزم الإضافة معنى دون لفظ ، [نحو «كلّ ، وبعض ، وأىّ] ؛ فيجوز أن يستعمل مفردا ـ أى : بلا إضافة ـ وهو المراد بقوله : «وبعض ذا» أى : وبعض ما لزم الإضافة [معنى] قد يستعمل مفردا لفظا ، وسيأتى كلّ من القسمين.

* * *

__________________

(١) «وبعض» مبتدأ «الاسماء» مضاف إليه «يضاف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «أبدا» منصوب على الظرفية «وبعض» مبتدأ ، وبعض مضاف و «ذا» اسم إشارة : مضاف إليه «قد» حرف تقليل «يأت» فعل مضارع ، وقد حذف لامه ـ وهى الياء ـ ضرورة ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «لفظا» منصوب على التمييز ، أو بإسقاط الخافض ، وعلى هذين يكون قوله «مفردا» حالا من الضمير المستتر فى قوله «يأتى» ويجوز أن يكون قوله «لفظا» هو الحال ، ويكون قوله «مفردا» نعتا له.

٥١

وبعض ما يضاف حتما امتنع

إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع (١)

كوحد ، لبّى ، ودوالى ، سعدى ،

وشذّ إيلاء «يدى» للبّى (٢)

من اللازم للإضافة لفظا مالا يضاف إلا إلى المضمر ، وهو المراد هنا ، نحو «وحدك» أى : منفردا ، و «لبّيك» أى : إقامة على إجابتك بعد إقامة ، و «دواليك» أى : إدالة بعد إدالة ، و «سعديك» أى : إسعادا بعد إسعاد ، وشذّ إضافة «لبّى» إلى ضمير الغيبة ، ومنه قوله :

(٢٢٤) ـ

إنّك لو دعوتنى ودونى

زوراء ذات مترع بيون

. لقلت لبّيه لمن يدعونى.

__________________

(١) «بعض» مبتدأ ، وبعض مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «يضاف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة «حتما» مفعول مطلق لفعل محذوف «امتنع» فعل ماض «إيلاؤه» إيلاء : فاعل امتنع ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ ، وإيلاء مضاف والضمير مضاف إليه ، من إضافة المصدر إلى مفعوله الأول «اسما» مفعول ثان لإيلاء «ظاهرا» نعت لقوله اسما «حيث» ظرف متعلق بامتنع «وقع» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بعض ما يضاف ، والجملة فى محل جر بإضافة «حيث» إليها.

(٢) «كوحد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف «لى ، ودوالى سعدى» معطوفات على «وحد» بعاطف محذوف من بعضها «وشذ» فعل ماض «إيلاء» فاعل شذ ، وإيلاء مضاف و «يدى» مضاف إليه «للبى» جار ومجرور متعلق بإيلاء على أنه مفعوله الثانى ، ومفعوله الأول المضاف إليه.

٢٢٤ ـ هذه الأبيات من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «زوراء» ـ بفتح فسكون ـ الأرض البعيدة الأطراف «مترع» ممتد «بيون» بزنة صبور ـ البئر البعيدة القعر ، وقيل : هى الواسعة الجالين ، وقيل : التى لا يصيبها رشاؤها ، وقيل : الواسعة الرأس الضيقة الأسفل «لبيه» فى هذا اللفظ التفات من الخطاب إلى الغيبة ، والأصل أن يقول : لقلت لك لبيك.

٥٢

وشذّ إضافة «لبّى» إلى الظاهر ، أنشد سيبويه :

(٢٢٥) ـ

دعوت لما نابنى مسورا

فلبّى ، فلبّى يدى مسور

__________________

المعنى : يقول : إنك لو ناديتنى وبيننا أرض بعيدة الأطراف ، واسعة الأرجاء ، ذات ماء بعيد الغور ؛ لأجبتك إجابة بعد إجابة ، يريد أنه لا تعوقه عن إجابته صعاب ولا شدائد.

الإعراب : «إنك» إن : حرف توكيد ونصب ، والكاف ضمير المخاطب اسمه «لو» شرطية غير جازمة «دعوتنى» دعا : فعل ماض ، وضمير المخاطب فاعله ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والجملة شرط «لو» «ودونى» الواو للحال ، دون : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ودون مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «زوراء» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب حال «ذات» صفة لزوراء ، وذات مضاف و «مترع» مضاف إليه «بيون» صفة لمترع «لقلت» اللام واقعة فى جواب لو ، قلت : فعل وفاعل ، والجملة جواب «لو» وجملة الشرط والجواب فى محل رفع خبر «إن» فى أول الأبيات.

الشاهد فيه : قوله «لبيه» حيث أضاف «لبى» إلى ضمير الغائب ، وذلك شاذ ، وقد أنشد سيبويه (١ / ١٧٦) البيت التالى لهذا البيت (رقم ٢٢٥) للاستدلال به على أن «لبيك» مثنى ، وليس اسما مفردا بمنزلة لدى والفتى ، ووجه الاستدلال أن الشاعر أثبت الياء مع الإضافة للظاهر كما تثبتها فى إضافة المثنى نحو «غلامى زيد ، وكتابى بكر» ولو كان مفردا لقال «لبى يدى» بالألف ، كما تقول : لدى زيد ، وفتى العرب ، وسيوضحه الشارح أتم توضيح.

(٢٢٥) ـ هذا البيت من شواهد سيبويه التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «لما نابنى» نزل بى من ملمات الدهر «مسورا» بزنة درهم ـ اسم رجل «لبى» أجاب دعائى وأغاثنى.

الإعراب : «دعوت» فعل وفاعل «لما» اللام للتعليل ، ما اسم موصول مبنى على السكون فى محل جر باللام ، والجار والمجرور متعلق بدعوت «نابنى» ناب : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «مسورا» مفعول به لدعوت «فلبى»

٥٣

كذا ذكر المصنف ، ويفهم من كلام سيبويه أن ذلك غير شاذ فى «لبّى» ، و «سعدى».

ومذهب سيبويه أن «لبّيك» وما ذكر بعده مثنّى ، وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف ، وأن تثنيته المقصود بها التكثير ؛ فهو على هذا ملحق بالمثنى ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أى : كرّات ، فـ «كرّتين» : ليس المراد به مرتين فقط ؛ لقوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أى : مزدجرا وهو كليل ، ولا ينقلب البصر مزدجرا كليلا من كرتين فقط ؛ فتعين أن يكون المراد بـ «كرّتين» التكثير ، لا اثنين فقط ، وكذلك «لبّيك» معناه إقامة بعد إقامة كما تقدم ؛ فليس المراد الاثنين فقط ، وكذا باقى أخواته ، على ما تقدم فى تفسيرها.

ومذهب يونس أنه ليس بمثنى ، وأن أصله لبّى ، وأنه مقصور ، قلبت ألفه ياء مع المضمر ، كما قلبت ألف «لدى ، وعلى» مع الضمير ، فى «لديه» ، و «عليه».

وردّ عليه سيبويه بأنه لو كان الأمر كما ذكر لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء ،

__________________

الفاء عاطفة ، لبى : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مسور ، والجملة معطوفة على جملة «دعوت مسورا» وقوله «فلبى يدى مسور» الفاء للتعليل ، ولبى : مصدر منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف ، وهو مضاف ويدى مضاف إليه ، ويدى مضاف ، و «مسور» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «فلبى يدى مسور» حيث أضاف «لبى» إلى اسم ظاهر ، وهو قوله «يدى» شذوذا ، وفيه دليل على أن «لبيك» مثنى كما ذهب إليه سيبويه ، وليس مفردا مقصورا كالفتى كما ذهب إليه يونس بن حبيب ، وقد بينا ذلك فى شرح الشاهد السابق ، وبينه الشارح.

٥٤

كما لا تنقلب ألف «لدى» و «على» ؛ فكما تقول : «على زيد» و «لدى زيد» كذلك كان ينبغى أن يقال : «لبّى زيد» لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الألف ياء ؛ فقالوا :

* فلبّى يدى مسور* [٢٢٥]

فدلّ ذلك على أنه مثنّى ، وليس بمقصور كما زعم يونس.

* * *

وألزموا إضافة إلى الجمل

«حيث» و «إذ» وإن ينوّن يحتمل (١)

إفراد إذ ، وما كإذ معنى كإذ

أضف جوازا نحو «حين جانبذ» (٢)

من اللازم للاضافة : ما لا يضاف إلا إلى الجملة ، وهو : «حيث ، وإذ ، وإذا».

فأما «حيث» فتضاف إلى الجملة الاسمية ، نحو «اجلس حيث زيد جالس» (٣)

__________________

(١) «وألزموا» الواو عاطفة ، الزموا : فعل وفاعل «إضافة» مفعول ثان مقدم على المفعول الأول «إلى الجمل» جار ومجرور متعلق بإضافة ، أو بمحذوف صفة له «حيث» قصد لفظه : مفعول أول لألزموا «وإذ» معطوف على حيث «وإن» شرطية «ينون» فعل مضارع مبنى للمجهول ، فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «إذ» وقوله «يحتمل» فعل مضارع مبنى للمجهول ، جواب الشرط.

(٢) «إفراد» نائب فاعل يحتمل فى البيت السابق ، وإفراد مضاف ، و «إذ» قصد لفظه : مضاف إليه «وما» اسم موصول : مبتدأ «كإذ» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «معنى» تمييز ، أو منصوب بإسقاط الخافض «كإذ» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «أضف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جوازا» مفعول مطلق «نحو» خبر مبتدأ محذوف : أى وذلك نحو ، وما بعده جملة فى محل جر بإضافة نحو إليها.

(٣) وإذا أضيفت «حيث» إلى جملة اسمية فالأحسن ألا يكون الخبر فيها فعلا ،

٥٥

وإلى الجملة الفعلية ، نحو «اجلس حيث جلس زيد» أو «حيث يجلس زيد» وشذّ إضافتها إلى مفرد كقوله :

(٢٢٦) ـ

أما ترى حيث سهيل طالعا

[نجما يضىء كالشّهاب لامعا]

__________________

نحو «جلست حيث زيد حبسته» أو «جلست حيث زيد نهبنه» فإذا أردت أن يكون هذان المثالان غير قبيحين فانصب الاسم لتكون حيث مضافة إلى جملة فعلية.

٢٢٦ ـ البيت أحد الشواهد المجهول قائلها.

اللغة : «سهيل» نجم تنضج الفواكه عند طلوعه وينقضى القيظ «الشهاب» شعلة النار.

الإعراب : نريد أن نذكر لك أن للنحويين فى إعراب هذا البيت تكلفات عسيرة القبول وتمحلات لا تخلو عن وهن ، وهاك إعرابه ، وسنذكر لك فى أثنائه إشارات إلى بعض الوجوه التى قالوها لتعلم ما قلناه لك «أما» الهمزة للاستفهام ، ما : نافية ، أو الكلمة كلها أداة استفتاح «ترى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حيث» مفعول به مبنى على الضم فى محل نصب ، وحيث مضاف و «سهيل» مضاف إليه «طالعا» قيل : هو حال من سهيل ، ومجىء الحال من المضاف إليه ـ مع كونه قليلا ـ قد ورد فى الشعر ، وهذا منه ، وقيل : هو حال من «حيث» والمراد بحيث هنا مكان خاص مع أن وضعه على أنه اسم مكان مبهم ، و «نجما» منصوب على المدح بفعل محذوف «يضىء» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل نصب صفه لنجم «كالشهاب» جار ومجرور متعلق بيضىء «لامعا» حال مؤكدة.

الشاهد فيه : قوله «حيث سهيل» فإنه أضاف «حيث» إلى اسم مفرد ، وذلك شاذ عند جمهرة النحاة ، وإنما تضاف عندهم إلى الجملة ، وقد أجاز الكسائى إضافة «حيث» إلى المفرد ، واستدل بهذا البيت ونحوه ، واعلم أنه يروى هكذا :

* أما ترى حيث سهيل طالع*

يرفع «سهيل» على أنه مبتدأ ، ورفع «طالع» على أنه خبره ، و «حيث»

٥٦

وأما «إذ» فتضاف أيضا إلى الجملة الاسمية (١) ، نحو «جئتك إذ زيد قائم» ، وإلى الجملة الفعلية ، نحو : «جئتك إذ قام زيد» ، ويجوز حذف الجملة المضاف إليها ، ويؤتى بالتنوين عوضا عنها ، كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) وهذا معنى قوله : «وإن ينوّن يحتمل إفراد إذ» أى : وإن ينون «إذ» يحتمل إفرادها ، أى : عدم إضافتها لفظا ؛ لوقوع التنوين عوضا عن الجملة المضاف إليها.

وأما «إذا» فلا تضاف إلا إلى جملة فعلية ، نحو «آتيك إذا قام زيد» ، ولا يجوز إضافتها إلى جملة اسمية ؛ فلا تقول «آتيك إذا زيد قائم» خلافا لقوم ، وسيذكرها المصنف.

وأشار بقوله : «وما كإذ معنى كإذ» إلى أنّ ما كان مثل «إذ» ـ فى كونه ظرفا ماضيا غير محدود ـ يجوز إضافته إلى ما تضاف إليه «إذ» من [الجملة ، وهى] الجمل الاسمية والفعلية ، وذلك نحو «حين ، ووقت ، وزمان ، ويوم» ؛ فتقول : «جئتك حين جاء زيد ، ووقت جاء عمرو ، وزمان قدم بكر ، ويوم خرج خالد» وكذلك تقول : «جئتك حين زيد قائم» ، وكذلك الباقى.

وإنما قال المصنف : «أضف جوازا» ليعلم أن هذا النوع ـ أى ما كان مثل «إذ» فى المعنى ـ يضاف إلى ما يضاف إليه «إذ» ـ وهو الجملة ـ جوازا ، لا وجوبا.

__________________

مضافة إلى الجملة ؛ فلا شاهد فيه حينئذ ، ولكن يبقى أن القوافى منصوبة كما ترى فى البيت التالى له.

(١) ويحسن أن تكون الجملة الاسمية التى تضاف إليها إذ غير ماضوية العجز ـ بأن يكون الخبر اسما كمثال الشارح ، أو فعلا مضارعا نحو «جئت إذ زيد يقرأ».

٥٧

فإن كان الظرف غير ماض ، أو محدودا ، لم يجر مجرى «إذ» بل يعامل غير الماضى ـ وهو المستقبل ـ معاملة «إذا» فلا يضاف إلى الجملة الاسمية ، بل إلى الفعلية ؛ فتقول : «أجيئك حين يجىء زيد» ولا يضاف المحدود إلى جملة ، وذلك نحو «شهر ، وحول» بل لا يضاف إلا إلى مفرد ، نحو «شهر كذا ، وحول كذا».

* * *

وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا

واختر بنا متلوّ فعل بنيا (١)

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ، ومن بنى فلن يفنّدا (٢)

__________________

(١) «وابن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «أو» عاطفة «أعرب» فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعل «ما» اسم موصول تنازعه الفعلان قبله «كإذ» متعلق بقوله «أجريا» الآتى «قد» حرف تحقيق «أجريا» أجرى : فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها صلة ، والألف للاطلاق «واختر» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بنا» مقصور للضروره : مفعول به لاختر ، وبنا مضاف و «متلو» مضاف إليه ، ومتلو ومضاف و «فعل» مضاف إليه ، وجملة «بنيا» من الفعل ونائب الفاعل المستتر فيه فى محل جر صفة لفعل.

(٢) «قبل» ظرف متعلق بقوله «أعرب» الآتى ، وقبل مضاف و «فعل» مضاف إليه «معرب» صفة لفعل «أو» عاطفة «مبتدا» معطوف على فعل «أعرب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ومن» اسم موصول مبتدأ ، وجملة «بنى» وفاعله المستتر فيه جوازا لا محل لها صلة ، وجملة «فلن يفندا» من الفعل المضارع المبنى للمجهول المنصوب بلن ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو الاسم الموصول ، والفاء زائدة فى خبر الموصول لشبهه بالشرط.

٥٨

تقدّم أن الأسماء المضافة إلى الجملة على قسمين : أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما ، والثانى : ما يضاف إليها جوازا.

وأشار فى هذين البيتين إلى أنّ ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الإعراب والبناء ، سواء أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بماض ، أو جملة فعلية صدّرت بمضارع ، أو جملة اسمية ، نحو «هذا يوم جاء زيد ، ويوم يقوم عمرو ، أو يوم بكر قائم». وهذا مذهب الكوفيين ، وتبعهم الفارسىّ والمصنف ، لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بماض البناء ، وقد روى بالبناء والإعراب قوله :

(٢٢٧) ـ

* على حين عاتبت المشيب على الصّبا*

__________________

٢٢٧ ـ هذا صدر بيت للنابغة الذبيانى ، وعجزه قوله :

* فقلت : ألمّا أصح والشّيب وازع؟ *

اللغة : «عاتبت» لمت فى تسخط «الصبا» ـ بكسر الصاد ـ اسم للصبوة ، وهى الميل إلى هوى النفس واتباع شهواتها «المشيب» هو ابيضاض المسود من الشعو ، وقد يراد به الدخول فى حده «أصح» فعل مضارع مأخوذ من الصحو ، وهو زوال السكر «وازع» زاجر ، كاف ، ناه.

الإعراب : «على» حرف جر ، ومعناه هنا الظرفية «حين» يروى بالجر معربا ، ويروى بالفتح مبنيا ، وهو المختار ، وعلى كل حال هو مجرور بعلى لفظا أو محلا ، والجار والمجرور يتعلق بقوله «كفكف» فى بيت سابق ، وهو قوله :

فكفكفت منّى دمعة فرددتها

على النّحر منها مستهلّ ودامع

«عاتبت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «حين» إليها «المشيب» مفعول به لغاتبت «على الصبا» جار ومجرور متعلق بعاتبت «فقلت» فعل وفاعل ، والجملة معطوفة بالفاء على جملة عاتبت «ألما» الهمزة للانكار ، لما : نافية جازمة وفيها معنى توقع حصول مجزومها «أصح» فعل مضارع مجزوم بلما ، وعلامة جزمه حذف حرف

٥٩

بفتح نون «حين» على البناء ، وكسرها على الإعراب.

وما وقع قبل فعل معرب ، أو قبل مبتدأ ؛ فالمختار فيه الإعراب ، ويجوز البناء ، وهذا معنى قوله : «ومن بنى فلن يفنّدا» أى : فلن يغلّط ، وقد قرىء فى السبعة : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) بالرفع على الإعراب ، وبالفتح على البناء ، هذا ما اختاره المصنف.

ومذهب البصريين أنه لا يجوز فيما أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بمضارع ، أو إلى جملة اسمية ، إلا الإعراب ، ولا يجوز البناء إلا فيما أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بماض.

هذا حكم ما يضاف إلى الجملة جوازا ، وأما ما يضاف إليها وجوبا فلازم للبناء ؛ لشبهه بالحرف فى الافتقار إلى الجملة ، كحيث ، وإذ ، وإذا.

* * *

وألزموا «إذا» إضافة إلى

جمل الافعال ، كـ «هن إذا اعتلى» (١)

__________________

العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «والشيب وازع» الواو الحال ، والجملة بعدها مبتدأ وخبر فى محل نصب حال.

الشاهد فيه : قوله «على حين» فإنه يروى بوجهين : بجر «حين» وفتحه ، وقد بينا ذلك فى الإعراب ؛ فدل ذلك على أن كلمة «حين» إذا أضيفت إلى مبنى كما هنا جاز فيها البناء ؛ لأن الأسماء المبهمة التى تجب إضافتها إلى الجملة إذا أضيفت إلى مبنى فقد تكتسب البناء منه ، كما أن المضاف قد يكتسب التذكير أو التأنيث من المضاف إليه ، ويجوز فيها الإعراب على الأصل.

(١) «وألزموا» فعل وفاعل «إذا» قصد لفظه : مفعول أول لألزم «إضافة» مفعول ثان لألزموا «إلى جمل» جار ومجرور متعلق بقوله إضافة أو بمحذوف صفة له وجمل مضاف ، و «الأفعال» مضاف إليه «كهن» الكاف جارة لقول محذوف ، هن :

٦٠