شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

فـ «أرضيه» : منصوب «بأن» محذوفة جوازا بعد الفاء ؛ لأن قبلها اسما صريحا ـ وهو «توقّع» ـ وكذلك قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) فـ «يرسل» : منصوب بـ «أن» الجائزة الحذف ، لأن قبله «وحيا» وهو اسم صريح.

فإن كان الاسم غير صريح ـ أى : مقصودا به معنى الفعل ـ لم يجز النصب ، نحو «الطائر فيغضب زيد الذباب» فـ «يغضب» : يجب رفعه ، لأنه معطوف على «طائر» وهو اسم غير صريح ؛ لأنه واقع موقع الفعل ، من جهة أنه صلة لأل ، وحقّ الصلة أن تكون جملة ، فوضع «طائر» موضع «يطير»

__________________

والمعروف «أوثر» أفضل ، وأرجح «إترابا» مصدر أترب الرجل ، إذا استغنى «ترب» هو الفقر والعوز ، وأصله لصوق اليد بالتراب.

المعنى : يقول : لو لا أننى أرتقب أن يتعرض لى ذو حاجة فأقضيها له ما كنت أفضل الغنى على الفقر ، وللعلامة الصبان ـ وتبعه العلامة الخضرى ـ هنا زلة سببها عدم الوقوف على معانى الكلمات كما ذكرنا ، وتقليد من سبقه ، والله يغفر لنا وله ، ويتجاوز عنا وعنه.

الإعراب : «لو لا» حرف يقتضى امتناع الجواب لوجود الشرط «توقع» مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، وتقدير الكلام : لو لا توقع معتر موجود ، وتوقع مضاف و «معتر» مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله «فأرضيه» الفاء عاطفة ، أرضى : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الفاء العاطفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والهاء مفعوله «ما» نافية «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «أوثر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل نصب خبر كان ، وجملة كان واسمه وخبره جواب لو لا «إترابا» مفعول به لأوثر «على ترب» جار ومجرور متعلق بأوثر.

الشاهد فيه : قوله «فأرضيه» حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا بعد الفاء العاطفة التى تقدم عليها اسم صريح ، وهو قوله «توقع».

٣٦١

 ـ والأصل «الذى يطير» ـ فلما جىء بأل عدل عن الفعل [إلى اسم الفاعل] لأجل أل ؛ لأنها لا تدخل إلا على الأسماء.

* * *

وشذّ حذف «أن» ونصب ، فى سوى

ما مرّ ، فاقبل منه ما عدل روى (١)

لما فرغ من ذكر الأماكن التى ينصب فيها بـ «أن» محذوفة ـ إما وجوبا ، وإما جوازا ـ ذكر أنّ حذف «أن» والنّصب بها فى غير ما ذكر شاذ لا يقاس عليه ، ومنه قولهم : «مره يحفرها» بنصب «يحفر» أى : مره أن يحفرها ، ومنه [قولهم] «خذ اللّصّ قبل يأخذك» أى : قبل أن يأخذك ، ومنه قوله :

(٣٣٣) ـ

ألا أيّهذا الزّاجرى أحضر الوغى

وأن أشهد الّلذّات ، هل أنت مخلدى؟

فى رواية من نصب «أحضر» أى : أن أحضر.

* * *

__________________

(١) «وشذ» فعل ماض «حذف» فاعل شذ ، وحذف مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «ونصب» معطوف على حذف «فى سوى» جار ومجرور متعلق بنصب ، وسوى مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «مر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «ما» الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «فاقبل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «منه» جار ومجرور متعلق باقبل «ما» اسم موصول : مفعول به لاقبل «عدل» مبتدأ «روى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عدل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الموصول الواقع مفعولا به لاقبل ، والعائد ضمير منصوب بروى ، والتقدير : فاقبل الذى رواه عدل.

٣٣٣ ـ هذا البيت من معلقة طرفة بن العبد البكرى.

اللغة : «الزاجرى» الذى يزجرنى ، أى : يكفنى ويمنعنى «الوغى» القتال والحرب ، وهو فى الأصل : الجلبة والأصوات «مخلدى» أراد هل تضمن لى الخلود

٣٦٢

 .......................................................................

__________________

ودوام البقاء إذا أحجمت عن القتال ومنازلة الأقران؟ ينكر ذلك على من ينهاه عن اقتحام المعارك ، ويأمره بالقعود والإحجام.

الإعراب : «ألا» أداة تنبيه «أيهذا» أى : منادى بحرف نداء محذوف ، وها : حرف تنبيه ، وذا : اسم إشارة نعت لأى ، مبنى على السكون فى محل رفع «الزاجرى» الزاجر : بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة ، والزاجر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله «أحضر» فعل مضارع منصوب بأن محذوفة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، و «أن» المحذوفة وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف : أى يزجرنى عن حضور الوغى «الوغى» مفعول به لأحضر «وأن» مصدرية «أشهد» فعل مضارع منصوب بأن المصدرية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «اللذات» مفعول به لأشهد «هل» حرف استفهام «أنت» مبتدأ «مخلدى» مخلد : خبر المبتدأ ، ومخلد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله.

الشاهد فيه : قوله «أحضر» حيث نصب الفعل المضارع بأن محذوفة فى غير موضع من المواضع التى سبق ذكرها ، وإنما سهل ذلك وجود «أن» ناصبة لمضارع آخر فى البيت ـ وذلك فى قوله «وأن أشهد اللذات» ـ.

واعلم أن البيت يروى بوجهين فى قوله : «أحضر» أحدهما رفعه ، وهى رواية البصريين وعلى رأسهم سيبويه رحمه الله ، وثانيهما نصبه ، وهى رواية الكوفيين.

قال الأعلم الشنتمرى : «والشاهد فى البيت ـ عند سيبويه ـ رفع «أحضر» لحذف الناصب وتعريه منه ، والمعنى لأن أحضر الوغى ، وقد يجوز النصب بإضمار «أن» ضرورة ، وهو مذهب الكوفيين» ا ه.

واعلم أيضا أن النحاة يختلفون فى جواز حذف أن المصدرية مع بقاء الحاجة إلى السبك ـ سواء أرفعت المضارع بعد حذفها ، أم أبقيته على نصبه ـ فذهب الأخفش إلى جواز الحذف ، وجعل منه قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) جعل «أعبد» مسبوكا بأن المصدرية محذوفة ، والمصدر مجرورا بحرف جر محذوف : أى بالعبادة ، ومنه قولهم «تسمع بالمعيدى خير من أن تراه» : أى سماعك ، وذهب أكثر النحاة إلى أن ذلك لا يسوغ فى السعة ، فلا يخرج عليه القرآن الكريم.

٣٦٣

عوامل الجزم

بلا ولام طالبا ضع جزما

فى الفعل ، هكذا بلم ولمّا (١)

واجزم بإن ومن وما ومهما

أىّ متى أيّان أين إذ ما (٢)

وحيثما أنّى ، وحرف إذ ما

كإن ، وباقى الأدوات أسما (٣)

الأدوات الجازمة للمضارع على قسمين :

أحدهما : ما يجزم فعلا واحدا ، وهو اللام الدالة على الأمر ، نحو «ليقم زيد» ، أو على الدعاء ، نحو (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) و «لا» الدالة على النهى ، نحو قوله تعالى : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) أو على الدعاء ، نحو (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) و «لم» و «لما» وهما للنفى ، ويختصان بالمضارع ، ويقلبان معناه إلى المضىّ ، نحو «لم يقم زيد ، ولمّا يقم عمرو» ولا يكون النفى بلمّا إلا متصلا بالحال.

__________________

(١) «بلا» جار ومجرور متعلق بقوله «ضع» الآتى «ولام» معطوف على «لا» «طالبا» حال من فاعل «ضع» المستتر فيه «ضع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جزما» مفعول به لضع «فى الفعل» جار ومجرور متعلق بضع «هكذا ، بلم» جاران ومجروران يتعلقان بفعل محذوف دل عليه المذكور قبله : أى ضع كذا بلم «ولما» معطوف على «لم».

(٢) «واجزم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بإن» جار ومجرور متعلق باجزم «ومن ، وما ، ومهما ، أى ، متى ، أيان ، أين ، إذما» كلهن معطوفات على «إن» بعاطف مقدر فى بعضهن ومذكور فى الباقى.

(٣) «وحيثما ، أنى» معطوفان على «إن» فى البيت السابق أيضا «وحرف» خبر مقدم «إذ ما» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر «كإن» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لحرف «وباقى» مبتدأ ، وباقى مضاف ، و «الأدوات» مضاف إليه «أسما» خبر المبتدأ ، وقصره للضرورة.

٣٦٤

والثانى : ما يجزم فعلين ، وهو «إن» نحو (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) و «من» نحو (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) و «ما» نحو (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) و «مهما» نحو (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) و «أىّ» نحو (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) و «متى» كقوله :

(٣٣٤) ـ

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

__________________

٣٣٤ ـ البيت للحطيئة ، من قصيدة يمدح فيها بغيض بن عامر ، ومطلعها :

آثرت إدلاجى على ليل حرّة

هضيم الحشا حسّانة المتجرّد

اللغة : «تعشو» أى : تجيئه على غير هداية ، قاله اللخمى عن الأصمعى ، أو تجيئه على غير بصر ثابت ، عن غيره «خير موقد» يحتمل أنه أراد الغلمان الذى يقومون على النار ويوقدونها ، يريد كثرة إكرامهم للضيفان وحفاوتهم بالواردين عليهم ، ويحتمل أنه أراد الممدوح نفسه ، وإنما جعله موقدا ـ مع أنه سيد ـ لأنه الآمر بالإيقاد ، فجعله فاعلا لكونه سبب الفعل ، كما فى قوله تعالى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) وكما فى قولهم «هزم الأمير الجيش وهو فى قصره ، وبنى الأمير الحصن» وما أشبه ذلك.

الإعراب : «متى» اسم شرط جازم يجزم فعلين ، الأول فعل الشرط ، والثانى جوابه وجزاؤه ، وهو ـ مع هذا ـ ظرف زمان مبنى على السكون فى محل نصب بتجد «تأته» تأت : فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بحذف الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعوله «تعشو» فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعل ، والجملة فى محل نصب حال من الضمير المستتر فى فعل الشرط «إلى ضوء» جار ومجرور متعلق بقوله «تعشو» السابق ، وضوء مضاف ونار من «ناره» مضاف إليه ، ونار مضاف والهاء مضاف إليه «تجد» فعل مضارع جواب الشرط وجزاؤه مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير

٣٦٥

و «أيّان» كقوله :

(٣٣٥) ـ

أيّان نؤمنك تأمن غيرنا ، وإذا

لم تدرك الأمن منّا لم تزل حذرا

__________________

مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «خير» مفعول أول لتجد ، وخير مضاف و «نار» مضاف إليه «عندها» عند : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وعند مضاف وها : مضاف إليه «خير» مبتدأ مؤخر ، وخير مضاف و «موقد» مضاف إليه ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل نصب مفعول ثان لتجد.

الشاهد فيه : قوله «متى تأته ... تجد ـ إلخ» حيث جزم بمتى فعلين ، أولهما قوله تأنه ، وهو فعل الشرط ، والثانى قوله «تجد» وهو جواب الشرط وجزاؤه ، على ما فصلناه فى الإعراب.

٣٣٥ ـ هذا البيت من الشواهد التى لم نعثر لها على نسبة إلى قائل معين.

الإعراب «نؤمنك» نعطك الأمان «حذرا» خائفا ، وجلا.

الإعراب : «أيان» اسم شرط جازم ، وهو مبنى على الفتح فى محل نصب على الظرفية «نؤمنك» نؤمن : فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، والكاف مفعول به «تأمن» فعل مضارع جواب الشرط ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعل «غيرنا» غير : مفعول به لتأمن ، وغير مضاف ونا : مضاف إليه «وإذا» ظرف تضمن معنى الشرط «لم» نافية جازمة «تدرك» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الأمن» مفعول به لتدرك ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «منا» جار ومجرور متعلق بتدرك «لم» نافية جازمة «تزل» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حذرا» خبر تزل ، وجملة «تزل حذرا» جواب «إذا».

الشاهد فيه : قوله «أيان نؤمنك تأمن ـ إلخ» حيث جزم بأيان فعلين ، أحدهما فعل الشرط ـ وهو قوله «نؤمنك» ـ والثانى جوابه وجزاؤه ـ وهو قوله «تأمن» ـ على ما بيناه فى الإعراب.

٣٦٦

و «أينما» كقوله :

(٣٣٦) ـ

* أينما الرّيح تميّلها تمل*

و «إذ ما» نحو قوله :

(٣٣٧) ـ

وإنّك إذ ما تأت ما أنت آمر

به تلف من إيّاه تأمر آتيا

__________________

٣٣٦ ـ هذا عجز بيت لكعب بن جعيل ، وصدره :

* صعدة نابتة فى حائر*

اللغة : «صعدة» بفتح الصاد وسكون العين ـ هى القناة التى تنبت مستوية ؛ فلا تحتاج إلى تقويم ولا تثقيف ، ويقولون : امرأة صعدة ، أى مستقيمة القامة مستوية ، على التشبيه بالقناة ، كما يشبهونها بغصن البان وبالخيزران «حائر» هو المكان الذى يكون وسطه مطمئا منخفضا ، وحروفه مرتفعة عالية ، وإنما جعل الصعدة فى هذا المكان خاصة لأنه يكون أنعم لها وأسد لنبتتها.

المعنى : شبه امرأة ـ ذكرها فى بيت سابق ـ بقناة مستوية لدنة قد نبتت فى مكان مطمئن الوسط ، مرتفع الجوانب ، والريح تعبث بها وتميلها ، وهى تميل مع الربح.

والبيت السابق الذى أشرنا إليه هو قوله :

وضجيع قد تعلّلت به

طيّب أردانه غير تفل

الإعراب : «أينما» أين : اسم شرط جازم يجزم فعلين ، وهو مبنى على الفتح فى محل نصب على الظرفية ، وما : زائدة «الريح» فاعل بفعل محذوف بقع فعلا للشرط ، يفسره ما بعده ، والتقدير : أينما تميلها الريح ، و «تميلها» جملته لا محل لها مفسرة للفعل المحذوف «تمل» فعل مضارع جواب الشرط ، مجزوم بالسكون ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هى يعود إلى الصعدة فاعل.

الشاهد فيه : قوله «أينما ... تميلها تمل» حيث جزم بأينما فعلين : أحدهما ـ وهو الذى يفسره قوله «تميلها» ـ فعل الشرط ، والثانى ـ وهو قوله «تمل» ـ جوابه وجزاؤه.

٣٣٧ ـ البيت من الشواهد التى لم نعثر لها على نسبة إلى قائل معين.

٣٦٧

و «حيثما» نحو قوله :

(٣٣٨) ـ

حيثما تستقم يقدّر لك الله

نجاحا فى غابر الأزمان

__________________

المعنى : يقول : إنك إذا قعلت الشىء الذى تأمر غيرك به وجدت المأمور آتيا به ، يريد أن الأمر بالمعروف لا يؤتى تمرته إلا إن كان الآمر مؤتمرا به.

الإعراب : «وإنك» إن : حرف توكيد ونصب ، والكاف اسمه «إذ ما» حرف شرط جازم ، يجزم فعلين : الأول فعل الشرط ، والثانى جوابه وجزاؤه «تأت» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بحذف الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول : مفعول به لتأت «أنت» ضمير منفصل مبتدأ «آمر» خبر المبتدأ «به» جار ومجرور متعلق بآمر ، والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «تلف» فعل مضارع جواب الشرط ، مجزوم بإذما ، وعلامة جزمه حذف الياء ، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت فاعل «من» اسم موصول : مفعول أول لتلف «إياه» ضمير منفصل : مفعول مقدم على عامله ، وذلك العامل هو قوله «تأمر» الآتى «تأمر» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة لا محل لها صلة «من» الموصولة «آتيا» مفعول ثان لتلف.

الشاهد فيه : قوله «إذ ما تأت ... تلف» حيث جزم بإذما فعلين : أحدهما ـ وهو قوله : «تأت» ـ فعل الشرط ، والثانى ـ وهو قوله : «تلف» ـ جوابه وجزاؤه.

٣٣٨ ـ البيت من الشواهد التى لم يذكر العلماء الذين اطلعنا على كلامهم لها قائلا معينا.

اللغة : «تستقم» نعتدل ، وتأخذ فى الطريق السوى «تجاحا» ظفرا بما تريد ونوالا لما تأمل «غابر» باقى.

الإعراب : «حيثما» حيث. اسم شرط جازم ، يجزم فعلين : الأول فعل الشرط ، والثانى جوابه وجزاؤه ، وهو مبنى على الضم فى محل نصب على الظرفية ، وما : زائدة «تستقم» فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «يقدر» فعل مضارع ، جواب الشرط وجزاؤه ، مجزوم وعلامة جزمه السكون «لك» جار ومجرور متعلق بيقدر «الله» فاعل يقدر

٣٦٨

و «أنّى» نحو قوله :

(٣٣٩) ـ

خليلىّ أنّى تأتيانى تأتيا

أخا غير ما يرضيكما لا يحاول

وهذه الأدوات ـ التى تجزم فعلين ـ كلّها أسماء ، إلا «إن ، وإذ ما» فإنهما حرفان ، وكذلك الأدوات التى تجزم فعلا واحدا كلّها حروف.

* * *

__________________

«نجاحا» مفعول به ليقدر «فى غابر» جار ومجرور متعلق بيقدر. وعابر مضاف و «الأزمان» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «حيثما تستقم يقدر ـ إلخ» حيث جزم بحيثما فعلين : أحدهما ـ وهو قوله «تستقم» ـ فعل الشرط ، والثانى ـ وهو قوله «يقدر» ـ جواب الشرط وجزاؤه.

٣٣٩ ـ وهذا البيت ـ أيضا ـ من الشواهد التى لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.

الإعراب : «خليلى» منادى بحرف نداء محذوف ، منصوب بالياء المفتوح ما قبلها ، لأنه مثنى ، وهو مضاف وياء المتكلم المدغمة فى ياء التثنية مضاف إليه «أنى» اسم شرط جازم يجزم فعلين : الأول فعل الشرط ، والثانى جوابه وجزاؤه ، وهو ظرف مبنى على السكون فى محل نصب بجواب الشرط الذى هو تأتيا الثانى «تأتيانى» تأتيا : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بحذف النون ، وألف الاثنين فاعل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به «تأتيا» فعل مضارع ، جواب الشرط ، مجزوم بحذف النون ، وألف الاثنين فاعل «أخا» مفعول به لتأتيا منصوب بالفتحة الظاهرة «غير» مفعول تقدم على عامله ـ وهو قوله «لا يحاول» الآتى ـ وغير مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «يرضيكما» يرضى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما الموصولة ، والضمير البارز المتصل مفعول به ليرضى ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «لا» نافية «يحاول» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله «أخا» السابق ، والجملة فى محل نصب صفة لقوله أخا.

٣٦٩

فعلين يقتضين : شرط قدّما

يتلو الجزاء ، وجوابا وسما (١)

يعنى أن هذه الأدوات المذكورة فى قوله : «واجزم بإن ـ إلى قوله : وأنّى» يقتضين جملتين : إحداهما ـ وهى المتقدمة ـ تسمى شرطا ، والثانية ـ وهى المتأخرة ـ تسمى جوابا وجزاء ، ويجب فى الجملة الأولى أن تكون فعلية ، وأما الثانية فالأصل فيها أن تكون فعلية ، ويجوز أن تكون اسمية ، نحو : «إن جاء زيد أكرمته ، وإن جاء زيد فله الفضل».

* * *

وماضيين ، أو مضارعين

تلفيهما ـ أو متخالفين (٢)

__________________

الشاهد فيه : قوله «أتى تأنياتى تأتيا ـ إلخ» حيث جزم بأنى فعلين : أحدهما ـ وهو قوله «تأتيانى» ـ فعل الشرط ، والثانى ـ وهو قوله «تأتيا» ـ جواب الشرط وجزاؤه.

ولا يقال إنه قد اتحد الشرط والجواب ؛ لأن الجواب هنا هو الفعل مع متعلقاته وهى المفعول به ولواحقه ، فأما الشرط فهو مطلق الإتيان.

(١) «فعلين» مفعول مقدم على عامله ـ وهو قوله «يقتضين» ـ «يقتضين» فعل مضارع مبنى على السكون لاتصاله بنون النسوة العائدة على الأدوات السابقة ، ونون النسوة فاعل «شرط» مبتدأ ، وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لوقوعه فى معرض التفصيل «قدما» قدم : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شرط ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «يتلو» فعل مضارع «الجزاء» فاعل يتلو «وجوابا» مفعول ثان تقدم على عامله ـ وهو قوله «وسم» الآتى ـ «وسما» وسم : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى قوله الجزاء ، وهو المفعول الأول.

(٢) «وماضيين» مفعول ثان تقدم على عامله ـ وهو قوله «تلفيهما» الآتى

٣٧٠

إذا كان الشرط والجزاء جملتين (١) فعليّتين فيكونان على أربعة أنحاء :

الأول : أن يكون الفعلان ماضيين ، نحو «إن قام زيد قام عمرو» ويكونان فى محل جزم ، ومنه قوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ).

والثانى : أن يكونا مضارعين ، نحو «إن يقم زيد يقم عمرو» ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ).

والثالث : أن يكون الأول ماضيا والثانى مضارعا ، نحو «إن قام زيد يقم عمرو» ومنه قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها).

والرابع : أن يكون الأول مضارعا ، والثانى ماضيا ، وهو قليل ، ومنه قوله :

(٣٤٠) ـ

منّ يكدنى بسيّىء كنت منه

كالشّجا بين حلقه والوريد

__________________

«أو» عاطفة «مضارعين» معطوف على قوله «ماضيين» السابق «تلفيهما» تلفى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والضمير البارز المتصل مفعول تلفى الأول «أو» عاطفة «متخالفين» معطوف على قوله مضارعين.

(١) لا عذر للشارح فى قوله «جملتين» من وجهين ؛ الأول : أن الناظم قال «فعلين يقتضين» والوجه الثانى : أن الشرط لا يكون جملة ، وإنما يكون فعلا ، فأما الجواب فقد يكون فعلا وقد يكون جملة ، وجملة الجواب قد تكون فعلية وقد تكون اسمية ؛ وإذا كان الشرط فعلا ماضيا كان هذا الفعل وحده فى محل جزم كما قال الشارح نفسه.

٣٤٠ ـ هذا البيت لأبى زبيد الطائى ، من قصيدة أولها :

إنّ طول الحياة غير سعود

وضلال تأميل نيل الخلود

اللغة : «يكدنى» من الكيد ـ من باب باع ـ يخدعنى ، وبمكربى «الشجا» ما يعترض فى الحلق كالعظم «الوريد» هو الودج ، وقيل بجنبه.

المعنى : يرثى ابن أخته ، ويعدد محاسنه ، فيقول : كنت لى بحيث إن من أراد أن

٣٧١

وقوله صلى الله عليه وسلم : «من يقم ليلة القدر غفر له ما تقدّم من ذنبه» (١).

* * *

__________________

يخدعنى ويمكربى فإنك تقف فى طريقه ولا تمكنه من نيل مأربه ، كما يقف الشجا فى الحلق فيمنع وصول شىء إلى الجوف ، وكنى بذلك عن انتقامه ممن يؤذيه.

الإعراب : «من» اسم شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثانى جوابه وجزاؤه ، وهو مبنى على السكون فى محل رفع مبتدأ «يكدنى» يكد : فعل مضارع فعل الشرط ، مجزوم بالسكون ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الشرط «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، مبنى على فتح مقدر فى محل جزم جواب الشرط ، وتاء المخاطب اسمه «منه ، كالشجا» جاران ومجروران يتعلقان بمحذوف خبر كان «بين» ظرف متعلق بالخبر ، وبين مضاف وحلق من «حلقه» مضاف إليه ، وحلق مضاف والهاء مضاف إليه «والوريد» معطوف على حلقه.

الشاهد فيه : قوله «من يكدنى .. كنت ـ إلخ» حيث جزم بمن الشرطية فعلين :أحدهما ـ وهو قوله «من يكدنى» ـ فعل الشرط ، والثانى ـ وهو قوله «كنت» ـ جواب الشرط وجزاؤه ، وأولهما فعل مضارع ، وثانيهما فعل ماض ، وسنتكلم على هذه المسألة ونستدل لمثل ما ورد فى هذا البيت قريبا جدا.

(١) ذهب الجمهور إلى أن مجىء فعل الشرط مضارعا وجوابه ماضيا ، يختص بالضرورة الشعرية ، وذهب الفراء ـ وتبعه الناظم ـ إلى أن ذلك سائغ فى الكلام ، وهو الراجح عندنا ، فقد وردت منه جملة صالحة من الشواهد نثرا ونظما ، فمن النثر الحديث الذى أثره الشارح ، ومنه قول عائشة رضى الله عنها «إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك رق» ومن الشعر البيت الذى رواه الشارح ، ومنه قول قعنب بن أم صاحب :

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

منّى ، وما سمعوا من صالح دفنوا

فقد جزم بإن قوله «يسمعوا» شرطا ، وهو فعل مضارع ، وقوله «طاروا»

٣٧٢

وبعد ماض رفعك الجزا حسن

ورفعه بعد مضارع وهن (١)

أى : إذا كان الشرط ماضيا والجزاء مضارعا ـ جاز جزم الجزاء ، ورفعه ، وكلاهما حسن : فتقول : «إن قام زيد يقم عمرو ، ويقوم عمرو» ومنه قوله :

(٣٤١) ـ

وإن أناه خليل يوم مسألة

يقول : لا غائب مالى ولا حرم

__________________

جوابا وهو فعل ماض ، ويروى عجزه «وما يسمعوا من صالح دفنوا» فيكون فيه شاهد لهذه المسألة أيضا.

(١) «بعد» ظرف متعلق بقوله «حسن» الآتى ، وبعد مضاف و «ماض» مضاف إليه «رفعك» رفع : مبتدأ ، ورفع مضاف والكاف مضاف إليه ، من إضافة المصدر إلى فاعله «الجزا» قصر للضرورة : مفعول به للمصدر «حسن» خبر المبتدأ «ورفعه» رفع : مبتدأ ، ورفع مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله «بعد» ظرف متعلق بقوله «وهن» الآتى ، وبعد مضاف ، و «مضارع» مضاف إليه «وهن» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى رفعه ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

٣٤١ ـ هذا البيت لزهير بن أبى سلمى المزنى ، من قصيدة مطلعها :

قف بالدّبار التى لم يعفها القدم

بلى ، وغيّرها الأرواح والدّيم

اللغة : «خليل» أى فقير محتاج ؛ مأخوذ من الخلة ـ بفتح الخاء ـ وهى الفقر والحاجة «مسألة» مصدر سأل يسأل : أى طلب العطاء ، واسترفد المعونة ، ويروى «يوم مسغبة» والمسغبة هى الجوع «حرم» بزنة كتف ـ أى ممنوع.

المعنى يقول : إن هذا الممدوح كريم جواد ، سخى يبذل ما عنده ؛ فلو جاءه فقير محتاج يطلب نواله ويسترفد عطاءه لم يعتذر إليه بغياب ماله ولم يمنعه إجابة سؤاله.

الإعراب : «إن» حرف شرط جازم يجزم فعلين «أتاه» أتى : فعل ماض مبنى على فتح مقدر فى محل جزم فعل الشرط ، والهاء مفعوله «خليل» فاعل أتى «يوم» ظرف زمان متعلق بقوله أتاه ، ويوم مضاف و «مسألة» مضاف إليه «يقول» فعل مضارع جواب الشرط ـ وستعرف ما فيه «لا» نافية عاملة عمل ليس «غائب» اسم

٣٧٣

وإن كان الشرط مضارعا والجزاء مضارعا وجب الجزم [فبهما] ورفع الجزاء ضعيف كقوله :

(٣٤٢) ـ

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

* * *

__________________

لا مرفوع بها «مالى» مال : فاعل لغائب سد مسد خبر لا ، ومال مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفى «حرم» معطوف على غائب ، هكذا قالوا ، والأحسن عندى أن يكون حرم خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير : ولا أنت حرم ، فتكون الواو قد عطفت جملة على جملة.

الشاهد فيه : قوله «يقول» حيث جاء جواب الشرط مضارعا مرفوعا ، وفعل الشرط ماضيا ، وهو قوله «أتاه» ـ وذلك على إضمار الفاء عند الكوفيين والمبرد ، أى : إن أتاه فيقول ـ إلخ ، وهو ـ عند سيبويه ـ على التقديم والتأخير ، أى : يقول إن أتاه خليل يوم مسألة لا غائب ـ إلخ ، فيكون جواب الشرط على ما ذهب إليه محذوفا والمذكور إنما هو دليله.

٣٤٢ ـ هذا البيت من رجز لعمرو بن خثارم البجلى ، أنشده فى المنافرة التى كانت بين جرير بن عبد الله البجلى ، وخالد بن أرطاة الكلبى ، وكانا قد تنافرا إلى الأقرع ابن حابس ـ وكان عالم العرب فى زمانه ـ ليحكم بينهما ، وذلك فى الجاهلية قبل إسلام الأقرع بن حابس.

الإعراب : «يا» حرف نداء «أقرع» منادى مبنى على الضم فى محل نصب «ابن» نعت لأقرع بمراعاة محله ، وابن مضاف و «حابس» مضاف إليه «يا أقرع» وكيد للنداء الأول «إنك» إن : حرف توكيد ونصب ، والكاف اسمه «إن» شرطية «يصرع» فعل مضارع مبنى للمجهول فعل الشرط «أخوك» أخو : نائب فاعل يصرع مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة ، وأخو مضاف وكاف المخاطب مضاف إليه «تصرع» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه ، وسيبويه يجعل الجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر إن ، وجواب الشرط

٣٧٤

واقرن بفا حتما جوابا لو جعل

شرطا لإن أو غيرها ، لم ينجعل (١)

أى : إذا كان الجواب لا يصلح أن يكون شرطا وجب اقترانه بالفاء ، وذلك كالجملة الاسمية ، نحو «إن جاء زيد فهو محسن» وكفعل الأمر ، نحو «إن جاء زيد فاضربه» وكالفعلية المنفية بما ، نحو «إن جاء زيد فما أضربه» أو «لن» نحو «إن جاء زيد فلن أضربه».

فإن كان الجواب يصلح أن يكون شرطا ـ كالمضارع الذى ليس منفيّا بما ، ولا بلن ، ولا مقرونا بحرف التنفيس ، ولا بقد ، وكالماضى المتصرّف

__________________

محذوف يدل عليه خبر إن ، والكوفيون والمبرد يجعلون هذه الجملة جواب الشرط ، وجملة الشرط والجواب خبر إن.

الشاهد فيه : قوله «إن يصرع .. تصرع» حيث وقع جواب الشرط مضارعا مرفوعا ، وفعل الشرط مضارع ، وذلك ضعيف واه ، وهل يختص بالضرورة الشعرية؟. والجواب أنه لا يختص بضرورة الشعر ، وفاقا للمحقق الرضى ، بدليل وقوعه فى القرآن الكريم ، وذلك فى قراءة طلحة بن سليمان (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) برفع يدرك.

(١) «واقرن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بفا» قصر للضرورة : جار ومجرور متعلق باقرن «حتما» حال بتأويل اسم الفاعل : أى حاتما «جوابا» مفعول به لاقرن «لو» حرف شرط غير جازم «جعل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جواب ، ونائب الفاعل هذا هو مفعول جعل الأول «شرطا» مفعول ثان لجعل «لإن» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله شرطا «أو» عاطفة «غيرها» غير : معطوف على إن ، وغير مضاف وها مضاف إليه «لم» نافية جازمة «ينجعل» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جواب ، وهذه الجملة جواب لو ، ولو وشرطها وجوابها فى محل تصب صفة لقوله جوابا.

٣٧٥

الذى هو غير مقرون بقد ـ لم يجب اقترانه بالفاء ، نحو «إن جاء زيد يجىء عمرو» أو «قام عمرو».

* * *

وتخلف الفاء إذا المفاجأه

ك «إن تجد إذا لنا مكافأه» (١)

أى : إذا كان الجواب جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء ، ويجوز إقامة «إذا» الفجائية مقام الفاء ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) ولم يقيد المصنف الجملة بكونها اسمية استغناء بفهم ذلك من التمثيل ، وهو «إن تجد إذا لنا مكافأة».

* * *

والفعل من بعد الجزا إن يقترن

بالفا أو الواو بتثليث قمن (٢)

__________________

(١) «وتخلف» فعل مضارع «الفاء» مفعوله «إذا» قصد لفظه : فاعل تخلف ، وإذا مضاف و «المفاجأة» مضاف إليه من إضافة الدال إلى المدلول «كإن» الكاف جارة لقول محذوف ، إن : شرطية «تجد» فعل مضارع فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إذا» رابطة للجواب بالشرط «لنا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «مكافأة» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل جزم جواب الشرط.

(٢) «والفعل» مبتدأ «من بعد» جار ومجرور متعلق بقوله «يقترن» الآتى ، وبعد مضاف ، و «الجزا» قصر للضرورة : مضاف إليه «إن» شرطية «يقترن» فعل مضارع فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل «بالفا» قصر للضرورة : جار ومجرور متعلق بقوله يقترن «أو الواو» معطوف على الفاء «بتثليث» جار ومجرور متعلق بقوله قمن الآتى «قمن» خبر المبتدأ ـ وهو قوله «الفعل» ـ وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام.

٣٧٦

إذا وقع بعد جزاء الشرط فعل [مضارع] مقرون بالفاء أو الواو ـ جاز فيه ثلاثة أوجه : الجزم ، والرفع ، والنصب ، وقد قرىء بالثلاثة قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) بجزم «يغفر» ورفعه ، ونصبه ، وكذلك روى بالثلاثة قوله :

(٣٤٣) ـ

فإن يهلك أبو قابوس يهلك

ربيع النّاس والبلد الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش

أجبّ الظّهر ليس له سنام

__________________

٣٤٣ ـ البيتان للنابغة الذبيانى ، وقبلهما بيت يخاطب به عصاما حاجب النعمان ابن المنذر ، وهو قوله :

ألم أقسم عليك لتخبرنّى

أمحمول على النّعش الهمام؟

اللغة : «يهلك» من باب ضرب يضرب ـ فعل لازم يتعدى بالهمزة كما فى قوله تعالى (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) وبنو تميم يعدونه بنفسه «أبو قابوس» هى كنية النعمان ابن المنذر ، وقابوس : يمتنع من الصرف للعلمية والعجمة «ربيع الناس» كنى به عن الخصب والنماء وسعة العيش ورفاغته ، وجعل النعمان ربيعا لأنه سبب ذلك «البلد الحرام» كنى به عن أمن الناس وطمأنينتهم وراحة بالهم وذهاب خوفهم ، وجعل النعمان ذلك لأنه كان سببا فيه ؛ إذ أنه كان يجير المستجير ويؤمن الخائف «بذناب عيش» ذناب كل شىء ـ بكسر الذال ـ عقبه وآخره «أجب الظهر» أى : مقطوع السنام ، شبه الحياة بعد النعمان والعيش فى ظلال غيره ، وما يلاقيه الناس بعده من المشقة وصعوبة المعيشة وعسرها ، ببعير قد أضمره الهزال وقطع الإعياء والنصب سنامه ، تشبيها مضمرا فى النفس ، وطوى ذكر المشبه به ، وذكر بعض لوازمه ، وقوله «ليس له سنام» فضل فى الكلام وزيادة يدل عليها سابقه.

الإعراب : «فإن» شرطية «يهلك» فعل مضارع ، فعل الشرط «أبو» فاعل يهلك ، وأبو مضاف ، و «قابوس» مضاف إليه «يهلك» جواب الشرط «ربيع الناس» فاعل يهلك ومضاف إليه «والبلد» معطوف على ربيع «الحرام» نعت للبلد «ونأخذ» يروى بالجزم فهو معطوف على جواب الشرط ، ويروى بالرفع فالواو

٣٧٧

روى بجزم «نأخذ» ورفعه ، ونصبه.

* * *

وجزم او نصب لفعل إثرفا

أو واو ان بالجملتين اكتنفا (١)

إذا وقع بين فعل الشرط والجزاء فعل مضارع مقرون بالفاء ، أو الواو ـ جاز نصبه وجزمه ، نحو «إن يقم زيد ، ويخرج خالد ، أكرمك» بجزم «يخرج» ونصبه ، ومن النصب قوله :

__________________

للاستئناف ، والفعل مرفوع لتجرده عن العوامل التى تقتضى جزمه أو نصبه ، ويروى بالنصب فالواو حينئذ واو المعية ، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة ، وإنما ساغ ذلك ـ مع أن شرط النصب بعد واو المعية أن تكون واقعة بعد نفى ، أو استفهام ، أو نحوهما ـ لأن مضمون الجزاء لم يتحقق وقوعه ، لكونه معلقا بالشرط ؛ فأشبه الواقع بعد الاستفهام «بعده» بعد : ظرف متعلق بنأخذ ، وبعد مضاف ، وضمير الغائب مضاف إليه «بذناب» جار ومجرور متعلق بنأخذ ، وذناب مضاف و «عيش» مضاف إليه «أجب» صفة لعيش مجرورة بالكسرة الظاهرة ، وأجب مضاف ، و «الظهر» مضاف إليه «ليس» فعل ماض ناقص «له» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس مقدم «سنام» اسم ليس تأخر عن خبرها ، والجملة من ليس واسمها وخبرها فى محل جر صفة ثانية لعيش.

الشاهد فيه : قوله «ونأخذ» حيث روى بالأوجه الثلاثة ، وقد بينا ذلك مع إعراب البيتين.

(١) «وجزم» مبتدأ «أو» عاطفة «نصب» معطوف على جزم «لفعل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، أو متعلق بالمبتدأ أو بالمعطوف عليه على سبيل التنازع ، وعلى هذا يكون خبر المبتدأ إما محذوفا يفهم من السياق ، تقديره : حائز ، أو نحوه ، وإما الجملة الشرطية الآتية «إثر» ظرف متعلق بمحذوف صفة لفعل ، وإثر مضاف و «فا» قصر للضرورة : مضاف إليه «أو» عاطفة «واو» معطوف على فا «إن» شرطية «بالجملتين» جار ومجرور متعلق باكتنفا الآتى «اكتنفا» فعل ماض فعل الشرط ، وجواب الشرط محذوف.

٣٧٨

(٣٤٤) ـ

ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه

ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما

* * *

والشّرط يغنى عن جواب قد علم

والعكس قد يأتى إن المعنى فهمّ (٢)

__________________

٣٤٤ ـ البيت من الشواهد التى لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.

اللغة : «يقترب» يدنو ، ويقرب «يخضع» يستكين ، ويذل «نؤوه» ننزله عندنا «هضما» ظلما ، وضياعا لحقوقه.

الإعراب : «ومن» اسم شرط جازم يجزم فعلين ، الأول فعل الشرط ، والثانى جوابه وجزاؤه ، وهو مبنى على السكون فى محل رفع مبتدأ «يقترب» فعل مضارع فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الشرطية «منا» جار ومجرور متعلق بقوله يقترب «ويخضع» الواو واو المعية ، ويخضع : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعية لتنزيل الشرط منزلة الاستفهام ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الشرطية أيضا «نؤوه» نؤو : فعل مضارع ، جواب الشرط ، مجزوم بحذف الياء. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن ، والهاء مفعول به «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «يخش» فعل مضارع معطوف على جواب الشرط ، مجزوم بحذف الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الشرطية أيضا «ظلما» مفعول به ليخش «ما» مصدرية ظرفية «أقام» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «هضما» معطوف على قوله «ظلما».

الشاهد فيه : قوله «ويخضع» فإنه منصوب ، وقد توسط بين فعل الشرط وجوابه.

ونظير هذا البيت قول زهير بن أبى سلمى ، وهو من شواهد سيبويه :

ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة

فيثبتها فى مستوى الأرض يزلق

(١) «والشرط» مبتدأ «يغنى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الشرط ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «عن جواب» جار

٣٧٩

يجوز حذف جواب الشرط ، والاستغناء [بالشرط] عنه ، وذلك عند ما يدلّ دليل على حذفه ، نحو «أنت ظالم إن فعلت» فحذف جواب الشرط لدلالة «أنت ظالم» عليه ، والتقدير : «أنت ظالم ، إن فعلت فأنت ظالم» ، وهذا كثير فى لسانهم.

وأما عكسه ـ وهو حذف الشرط والاستغناء عنه بالجزاء ـ فقليل ، ومنه قوله :

(٣٤٥) ـ

فطلّقها فلست لها بكفء

وإلّا يعل مفرقك الحسام

__________________

ومجرور متعلق بيغنى «قد» حرف تحقيق «علم» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على جواب ، والجملة فى محل جر صفة لجواب «والعكس» مبتدأ «قد» حرف تقليل «يأتى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى العكس ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «إن» شرطية «المعنى» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده «فهم» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المعنى ، والجملة لا محل لها تفسيرية ، وجواب الشرط محذوف.

٣٤٥ ـ البيت لمحمد بن عبد الله الأنصارى المعروف بالأحوص ، من أبيات يقولها فى زوج أخت امرأته ، أو فى زوج امرأة كان يحبها ـ واسمه مطر ـ وقد تقدم بعض هذه الأبيات فى باب النداء مع الإشارة إلى حديثه ، فارجع إن شئت إلى باب النداء (ش ٣٠٧).

اللغة : «بكفء» ـ بوزان قفل ـ أى نظير مكافىء «مفرق» بكسر الراء أو فتحها ـ وسط الرأس «الحسام» السيف.

الإعراب : «فطلقها» طلق : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وها : مفعول به «فلست» الفاء تعليلية ، ليس : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «لها» جار ومجرور متعلق بقوله «كفء» الآتى «بكفء» الباء زائدة ، كفء : خبر ليس منصوب بالفتحة المقدرة «وإلا» الواو عاطفة ، إن : شرطية أدغمت فى لا

٣٨٠