شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

إعراب الفعل

ارفع مضارعا إذا يجرّد

من ناصب وجازم ، كـ «تسعد» (١)

إذا جرّد [الفعل] المضارع عن عامل النصب وعامل الجزم رفع ، واختلف فى رافعه ؛ فذهب قوم إلى أنه ارتفع لوقوعه موقع الاسم ، فـ «يضرب» فى قولك : «زيد يضرب» واقع موقع «ضارب» فارتفع لذلك ، وقيل : ارتفع لتجرّده من الناصب والجازم ، وهو اختيار المصنف.

* * *

وبلن انصبه وكى ، كذا بأن

لا بعد علم ، والّتى من بعد ظنّ (٢)

فانصب بها ، والرّفع صحّح ، واعتقد

تخفيفها من أنّ ، فهو مطّرد (٣)

__________________

(١) «ارفع» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مضارعا» مفعول به لارفع «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «يجرد» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضارع ، والجملة فى محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب الشرط محذوف ، والتقدير : إذا يجرد فارفعه «من ناصب» جار ومجرور متعلق بقوله «يجرد» السابق «وجازم» معطوف على ناصب «كتسعد» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : وذلك كائن كتسعد ، وقصد لفظ تسعد.

(٢) «بلن» جار ومجرور متعلق بانصبه «انصبه» انصب : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «وكى» معطوف على لن «كذا ، بأن» جاران ومجروران متعلقان بفعل محذوف ، يدل عليه قوله انصبه «لا» عاطفة «بعد» ظرف معطوف على ظرف آخر محذوف ، والتقدير : فانصبه بأن بعد غير علم لا بعد علم «والتى» اسم موصول : مبتدأ «من بعد» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول ، وبعد مضاف و «ظن» مضاف إليه.

(٣) «فانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة

٣٤١

ينصب المضارع إذا صحبه حرف ناصب ، وهو «لن ، أو كى ، أو أن ، أو إذن» نحو «لن أضرب ، وجئت كى أتعلّم ، وأريد أن تقوم ، وإذن أكرمك ـ فى جواب من قال لك : آتيك».

وأشار بقوله «لا بعد علم» إلى أنه إن وقعت «أن» بعد علم ونحوه ـ مما يدلّ على اليقين ـ وجب رفع الفعل بعدها ، وتكون حينئذ مخفّفة من الثقيلة ، نحو «علمت أن يقوم» (١) ، التقدير : أنّه يقوم ، فخففت أنّ ، وحذف اسمها ، وبقى خبرها ، وهذه هى غير الناصبة للمضارع ؛ لأن هذه ثنائية لفظا ثلاثية وضعا ، وتلك ثنائية لفظا ووضعا.

وإن وقعت بعد ظن ونحوه ـ مما يدل على الرّجحان ـ جاز فى الفعل بعدها وجهان :

أحدهما : النصب ، على جعل «أن» من نواصب المضارع.

الثانى : الرفع ، على جعل «أن» مخففة من الثقيلة.

فتقول : «ظننت أن يقوم ، وأن يقوم» والتقدير ـ مع الرفع ـ ظننت أنّه يقوم ، فخففت «أنّ» وحذف اسمها ، وبقى خبرها ، وهو الفعل وفاعله.

* * *

__________________

فى محل رفع خبر المبتدأ ـ وهو قوله «التى» فى البيت السابق ـ «بها» جار ومجرور متعلق بانصب «والرفع» مفعول مقدم لصحح «صحح» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «واعتقد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «تخفيفها» تخفيف : مفعول به لاعتقد ، وتخفيف مضاف وها مضاف إليه «من أن» جار ومجرور متعلق بتخفيف «فهو» الفاء للتعليل ، هو : ضمير منفصل مبتدأ «مطرد» خبر المبتدأ.

(١) ومن ذلك قول الشاعر ، وهو الشاهد رقم ١٠٧ السابق فى باب إن وأخواتها :

علموا أن يؤمّلون فجادوا

قبل أن يسألوا بأعظم سؤال

٣٤٢

وبعضهم أهمل «أن» حملا على

«ما» أختها حيث استحقّت عملا (١)

يعنى أن من العرب من لم يعمل «أن» الناصبة للفعل المضارع ، وإن وقعت بعد ما لا يدل على يقين أو رجحان (٢) ؛ فيرفع الفعل بعدها حملا على أختها «ما» المصدرية ؛ لاشتراكهما فى أنهما يقدّران بالمصدر ؛ فتقول : «أريد أن تقوم» كما تقول : «عجبت مما تفعل».

* * *

ونصبوا بإذن المستقبلا

إن صدّرت ، والفعل بعد ، موصلا (٣)

__________________

(١) «وبعضهم» بعض : مبتدأ ، وبعض مضاف والضمير مضاف إليه «أهمل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بعضهم «أن» قصد لفظه : مفعول به لأهمل ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله فى محل رفع خبر المبتدأ «حملا» منصوب على نزع الخافض ، أو حال بتأويل اسم الفاعل من الضمير المستتر فى أهمل «على ما» جار ومجرور متعلق بقوله حملا «أختها» أخت : بدل من «ما» أو عطف بيان ، وأخت مضاف وضمير الغائبة العائد إلى أن المصدرية مضاف إليه «حيث» ظرف متعلق بأهمل مبنى على الضم فى محل نصب «استحقت» استحق : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، وفاعل استحق ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى أن المصدرية «عملا» مفعول به لاستحقت ، والجملة من استحقت وفاعله ومفعوله فى محل جر بإضافة حيث إليها.

(٢) وقد قرىء بالرفع فى قوله تعالى (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ) وعلى هذا ورد قول الشاعر :

أن تقرآن على أسماء ويحكما

منّى السّلام ، وألّا تشعرا أحدا

وقول الآخر :

إنّى زعيم يا نويقة

إن نجوت من الرّزاح

أن تهبطين بلاد قو

م يرتعون من الطّلاح

(٣) «ونصبوا» فعل وفاعل «بإذن» جار ومجرور متعلق بنصبوا «المستقبلا»

٣٤٣

أو قبله اليمين ، وانصب وارفعا

إذا «إذن» من بعد عطف وقعا (١)

تقدّم أن من جملة نواصب المضارع «إذن» ولا ينصب بها إلا بشروط :

أحدها : أن يكون الفعل مستقبلا.

الثانى : أن تكون مصدّرة.

الثالث : أن لا يفصل بينها وبين منصوبها.

وذلك نحو أن يقال : أنا آتيك ؛ فتقول : «إذن أكرمك».

فلو كان الفعل بعدها حالا لم ينصب ، نحو أن يقال : أحبك ؛ فتقول : «إذن أظنك صادقا» ؛ فيجب رفع «أظن» وكذلك يجب رفع الفعل بعدها إن لم تتصدّر ، نحو «زيد إذن يكرمك» ؛ فإن كان المتقدم عليها حرف عطف جاز فى الفعل : الرفع ، والنصب ، نحو «وإذن أكرمك» ، وكذلك يجب

__________________

مفعول به لنصبوا «إن» شرطية «صدرت» صدر : فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى إذن «والفعل» الواو للحال ، والفعل : مبتدأ «بعد» ظرف مبنى على الضم فى محل نصب ، وهو متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «موصلا» حال من الضمير المستكن فى الظرف.

(١) «أو» عاطفة «قبله» قبل : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وقبل مضاف وضمير الغائب العائد إلى الفعل مضاف إليه ، ومعنى العبارة أن اليمين توسط بين إذن والفعل فوقع قبل الفعل فاصلا بينه وبين إذن «اليمين» مبتدأ مؤخر «وانصب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وارفعا» معطوف على انصب «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «إذن» فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، والتقدير : إذا وقع إذن ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «من بعد» جار ومجرور متعلق بوقع ، وبعد مضاف و «عطف» مضاف إليه «وقعا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إذن الواقع فاعلا ، والجملة لا محل لها مفسرة.

٣٤٤

رفع الفعل بعدها إن فصل بينها وبينه ، نحو «إذن زيد يكرمك» فإن فصلت بالقسم نصبت ، نحو «إذن والله أكرمك» (١).

* * *

وبين «لا» ولام جرّ التزم

إظهار «أن» ناصبة ، وإن عدم (٢)

«لا» فأن اعمل مظهرا أو مضمرا

وبعد نفى كان حتما أضمرا (٣)

كذك بعد «أو» إذا يصلح فى

موضعها «حتّى» أو «الّا» أن خفى (٤)

__________________

(١) ومن ذلك قول الشاعر :

إذن والله نرميهم بحرب

يشيب الطّفل من قبل المشيب

(٢) «وبين» ظرف متعلق بقوله «التزم» الآتى ، وبين مضاف ، و «لا» قصد لفظه : مضاف إليه «ولام» معطوف على لا ، ولام مضاف و «جر» مضاف إليه «التزم» فعل ماض مبنى للمجهول «إظهار» نائب فاعل لالتزم ، وإظهار مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه ، من إضافة المصدر لمفعوله «ناصبة» حال من أن «وإن» شرطية «عدم» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط.

(٣) «لا» قصد لفظه : نائب فاعل «عدم» فى البيت السابق «فأن» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، أن ـ قصد لفظه : مفعول مقدم لأعمل «أعمل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «مظهرا» بزنة اسم المفعول ـ حال من «أن» الواقعة مفعولا «أو مضمرا» معطوف على قوله مظهرا «وبعد» ظرف متعلق بقوله «أضمر» الآتى آخر البيت ، وبعد مضاف و «نفى» مضاف إليه ، ونفى مضاف و «كان» قصد لفظه : مضاف إليه «حتما» نعت لمصدر محذوف ، أى إضمارا حتما «أضمرا» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أن ، والألف للاطلاق.

(٤) «كذاك» جار ومجرور متعلق بقوله «خفى» الآتى فى آخر البيت ، أو متعلق بمحذوف نعت لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا لخفى ، أى : خفى خفاء مثل ذلك «بعد» ظرف متعلق بخفى ، وبعد مضاف و «أو» قصد لفظه : مضاف إليه «إذا» ظرف متعلق بخفى أيضا «يصلح» فعل مضارع «فى موضعها» الجار

٣٤٥

اختصت «أن» من بين نواصب المضارع بأنها تعمل : مظهرة ، ومضمرة.

فتظهر وجوبا إذا وقعت بين لام الجر ولا النافية ، نحو «جئتك لئلّا تضرب زيدا».

وتظهر جوازا إذا وقعت بعد لام الجر ولم تصحبها لا النافية ، نحو «جئتك لأقرأ» و «لأن أقرأ» ، هذا إذا لم تسبقها «كان» المنفية.

فإن سبقتها «كان» المنفية وجب إضمار «أن» ، نحو «ما كان زيد ليفعل» ولا تقول : «لأن يفعل» قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)

ويجب إضمار «أن» بعد «أو» المقدّرة بحتى ، أو إلّا ؛ فتقدّر بحتى إذا كان الفعل الذى قبلها [مما] ينقضى شيئا فشيئا ، وتقدّر بإلّا إن لم يكن كذلك ؛ فالأول كقوله :

(٣٢٢) ـ

لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى

فما انقادت الآمال إلّا لصابر

__________________

والمجرور متعلق بيصلح ، وموضع مضاف وها : مضاف إليه «حتى» قصد لفظه : فاعل يصلح «أو» عاطفة «إلا» معطوف على حتى «أن» قصد لفظه مبتدأ «خفى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أن ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ وهو أن.

وتقدير البيت : أن خفى خفاء مثل ذلك الخفاء بعد أو إذا كان يصلح فى موضع أو حتى أو إلا.

٣٢٢ ـ هذا البيت من الشواهد التى استشهد بها كثير من النحاة ، ولم ينسبوها إلى قائل معين.

الإعراب : «لأستسهلن» اللام موطئة للقسم ، والفعل المضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، ونون التوكيد

٣٤٦

أى : لأستسهلنّ الصّعب حتى أدرك المنى ؛ فـ «أدرك» : منصوب بـ «أن» المقدّرة بعد أو التى بمعنى حتى ، وهى واجبه الإضمار ، والثانى كقوله :

(٣٢٣) ـ

وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

__________________

حرف مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب «الصعب» مفعول به لأستسهل «أو» حرف عطف ، ومعناه هنا حتى «أدرك» فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد أو ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «المنى» مفعول به لأدرك «فما» الفاء حرف دال على التعليل ، ما : نافية ، «انقادت» انقاد : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «الآمال» فاعل انقاد «إلا» أداة استثناء ملغاة «لصابر» جار ومجرور متعلق بانقاد.

الشاهد فيه : قوله «أو أدرك» حيث نصب الفعل المضارع الذى هو قوله «أدرك» بعد أو التى بمعنى حتى ، بأن مضمرة وجوبا.

٣٢٣ ـ هذا البيت لزياد الأعجم.

اللغة : «غمزت» الغمز : جس باليد يشبه النخس «قناة» هى الرمح «قوم» رجال «كعوبها» الكعوب : جمع كعب ، وهو : طرف الأنبوبة الناشز.

المعنى : يريد أنه إذا اشتد على جانب قوم رماهم بالدواهى وقذفهم بالشدائد والأوابد وضرب ما ذكره مثلا لهذا.

الإعراب : «كنت» كان : فعل ماض ناقص ، والتاء التى للمتكلم اسمه «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط «غمزت» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «قناة» مفعول به لغمزت ، وقناة مضاف و «قوم» مضاف إليه «كسرت» فعل ماض وفاعله ، والجملة جواب إذا ، وجملتا الشرط والجواب فى محل نصب خبر كان «كعوبها» كعوب : مفعول به لكسرت ، وكعوب مضاف وها : مضاف إليه «أو» عاطفة ، وهى هنا بمعنى إلا «تستقيما» فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد أو ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى كعوب قوم.

الشاهد فيه : قوله «أو تستقيما» حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد أو التى بمعنى إلا.

٣٤٧

أى : كسرت كعوبها إلا أن تستقيم ، فـ «تستقيم» : منصوب بـ «أن» بعد «أو» واجبة الإضمار.

* * *

وبعد حتّى هكذا إضمار «أن»

حتم ، كـ «جد حتّى تسرّ ذا حزن» (١)

ومما يجب إضمار «أن» بعده : حتّى ، نحو «سرت حتّى أدخل البلد» ؛ فـ «حتى» : حرف [جر] و «أدخل» : منصوب بأن المقدّرة بعد حتى ، هذا إذا كان الفعل بعدها مستقبلا.

فإن كان حالا ، أو مؤوّلا بالحال ـ وجب رفعه ، وإليه الإشارة بقوله :

وتلو حتّى حالا او مؤوّلا

به ارفعنّ ، وانصب المستقبلا (٢)

__________________

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «إضمار» الآتى ، وبعد مضاف و «حتى» قصد لفظه : مضاف إليه «هكذا» الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فيه الخبر الآتى «إضمار» مبتدأ ، وإضمار مضاف و «أن» قصد لفظه : مضاف إليه «حتم» خبر المبتدأ «كجد» الكاف جارة لقول محذوف ، جد : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «حتى» حرف جر بمعنى كى «تسر» فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد حتى ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ذا» مفعول به لتسر ، وذا مضاف و «حزن» مضاف إليه ، والفعل المضارع الذى هو تسر فى تأويل مصدر بواسطة أن المحذوفة ، وهذا المصدر مجرور بحتى ، والجار والمجرور متعلق بجد.

(٢) «وتلو» معناه تالى ، أى واقع بعد حتى ـ مفعول مقدم على عامله وهو قوله «ارفعن» الآتى ، وتلو مضاف و «حتى» قصد لفظه : مضاف إليه «حالا» منصوب على الحالية من تلو حتى «أو مؤولا» معطوف على قوله حالا «به» جار ومجرور متعلق بقوله «مؤولا» «ارفعن» ارفع : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وانصب» فعل أمر ، وفيه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت فاعل «المستقبلا» مفعول به لانصب.

٣٤٨

فتقول : «سرت حتّى أدخل البلد» بالرفع ، إن قلته وأنت داخل ، وكذلك إن كان الدخول قد وقع ، وقصدت به حكاية تلك الحال ، نحو «كنت سرت حتّى أدخلها».

* * *

وبعد فاجواب نفى أو طلب

محضين «أن» وسترها حتم ، نصب (١)

يعنى أنّ «أن» تنصب ـ وهى واجبة الحذف ـ الفعل المضارع بعد الفاء المجاب بها نفى محض ، أو طلب محض ؛ فمثال النفى «ما تأتينا فتحدّثنا» وقد قال تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)(٢) ، ومعنى كون النفى محضا : أن يكون خالصا من معنى الإثبات ؛ فإن لم يكن خالصا منه وجب رفع ما بعد الفاء ، نحو

__________________

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «نصب» الآتى فى آخر البيت ، وبعد مضاف و «فا» قصر للضرورة : مضاف إليه ، وفا مضاف و «جواب» مضاف إليه ، وجواب مضاف و «نفى» مضاف إليه «أو طلب» معطوف على نفى «محضين» نعت لنفى وطلب «أن» قصد لفظه : مبتدأ «وسترها» الواو للحال ، ستر : مبتدأ ، وستر مضاف وها مضاف إليه «حتم» خبر المبتدأ وهو ستر ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال ، أو لا محل لها اعتراضية بين المبتدأ وخبره «نصب» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أن ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ وهو «أن» ، والتقدير : أن نصبت فى حال كون استتارها واجبا بعد فاء جواب نفى محض أو طلب محض.

(٢) ومثل الآية الكريمة ـ فى نصب المضارع المقترن بفاء السببية بعد النفى ـ قول جميل بن معمر العذرى :

فكيف ولا توفى دماؤهم دمى

ولا مالهم ذو ندهة فيدونى؟

الشاهد فى قوله «فيدونى» أى يعطوا ديتى ، فإنه منصوب بحذف النون ، وأصله «يدوننى» وقوله «ما لهم ذو ندهة» هو بفتح فسكون ـ ومعناه ذو كثرة.

٣٤٩

«ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا» (١) ، ومثال الطلب ـ وهو يشمل : الأمر ، والنهى ، والدعاء ، والاستفهام ، والعرض ، والتّحضيض ، والتمنى ـ فالأمر نحو «ائتنى فأكرمك» ومنه :

(٣٢٤) ـ

يا ناق سيرى عنقا فسيحا

إلى سليمان فنستريحا

والنهى نحو «لا تضرب زيدا فيضربك» ومنه قوله تعالى : (لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) والدعاء نحو «ربّ انصرنى فلا أخذل» ومنه :

(٣٢٥) ـ

ربّ وفّقنى فلا أعدل عن

سنن السّاعين فى خير سنن

__________________

(١) هذا الوجوب مسلم فيما إذا انتقض النفى بإلا قبل ذكر الفعل المقترن بالفاء ، كالمثال الذى ذكره الشارح ، فأما إذا وقعت «إلا» بعد الفعل نحو «ما تأتينا فتكلمنا إلا بخير» فإنه يجوز فى الفعل المقترن بالفاء وجهان : الرفع ، والنصب ، وزعم الناظم وابنه أنا يجب فيه الرفع ، وهو مردود بقول الشاعر :

وما قام منّا قائم فى نديّنا

فينطق إلّا بالّتى هى أعرف

يروى قوله «فينطق» بالرفع والنصب ، ونص سيبويه على جوازهما.

٣٢٤ ـ البيت لأبى النجم ـ الفضل بن قدامة ـ العجلى.

اللغة : «عنقا» بفتح العين المهملة والنون جميعا ـ هو ضرب من السير «فسيحا» واسع الخطى ، وأراد سريعا.

الإعراب : «يا» حرف نداء «ناق» منادى مرخم «سيرى» فعل أمر مبنى على حذف النون ، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل «عنقا» مفعول مطلق عامله سيرى ، وأصله نعت لمحذوف «فسيحا» صفة لعنق «إلى سليمان» جار ومجرور ، متعلق بسيرى «فنستريحا» الفاء للسببية ، نستريح : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية ، والألف للاطلاق ، وفى نستريح ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن.

الشاهد فيه : قوله «فنستريحا» حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية فى جواب الأمر.

٣٢٥ ـ البيت من الشواهد التى لم نقف على نسبتها لقائل معين.

٣٥٠

والاستفهام نحو «هل تكرم زيدا فيكرمك؟» ومنه قوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) والعرض نحو «ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا» ومنه قوله :

(٣٢٦) ـ

يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما

قد حدّثوك فما راء كمن سمعا؟

__________________

الإعراب : «رب» منادى بحرف نداء محذوف ، وقد حذفت ياء المتكلم اجتزاء بكسر ما قبلها «وفقنى» وفق : فعل دعاء ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «فلا» الفاء فاء السببية ، ولا : نافية «أعدل» فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «عن سنن» جار ومجرور متعلق بأعدل ، وسنن مضاف و «الساعين» مضاف إليه «فى خير» جار ومجرور متعلق بالساعين ، وخبر مضاف و «سنن» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «فلا أعدل» حيث نصب الفعل المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية فى جواب الدعاء.

٣٢٦ ـ وهذا البيت ـ أيضا ـ من الشواهد التى لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.

الإعراب : «يا» حرف نداء «ابن» منادى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وابن مضاف و «الكرام» مضاف إليه «ألا» أداة عرض «تدنو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «فتبصر» الفاء فاء السببية ، وتبصر : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ما» اسم موصول : مفعول به لتبصر ، مبنى على السكون فى محل نصب «قد» حرف تحقيق «حدثوك» فعل وفاعل ومفعول به أول ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، والعائد ضمير منصوب بحدثوا على أنه مفعول ثان له ، والتقدير : حدثوكه «فما» الفاء للتعليل ، ما : نافية «راء» مبتدأ «كمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «سمعا» ، سمع : فعل ماض ، والألف

٣٥١

والتّحضيض نحو «لو لا تأتينا فتحدّثنا» ، ومنه [قوله تعالى] : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) والتمنى نحو «ليت لى مالا فأتصدّق منه» ، ومنه قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً).

ومعنى «أن يكون الطلب محضا» أن لا يكون مدلولا عليه باسم فعل ، ولا بلفظ الخبر ؛ فإن كان مدلولا عليه بأحد هذين المذكورين وجب رفع ما بعد الفاء ، نحو «صه فأحسن إليك ، وحسبك الحديث فينام النّاس».

* * *

والواو كالفا ، إن تفد مفهوم مع ،

كلا تكن جلدا وتظهر الجزع (١)

يعنى أن المواضع التى ينصب فيها المضارع بإضمار «أن» وجوبا بعد الفاء ينصب فيها كلّها بـ «أن» مضمرة وجوبا بعد الواو إذا قصد بها المصاحبة ، نحو (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وقوله :

__________________

للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على من الموصولة المجرورة محلا بالكاف ، والجملة لا محل لها صلة «من» المجرورة محلا بالكاف.

الشاهد فيه : قوله «فتبصر» حيث نصب الفعل المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد فاء السببية فى جواب العرض.

(١) «الواو» مبتدأ «كالفا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «إن» شرطية «تفد» فعل مضارع فعل الشرط ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى الواو «مفهوم» مفعول به لتفد ، ومفهوم مضاف و «مع» مضاف إليه «كلا» الكاف جارة لقول محذوف على غرار ما سبق مرارا ، لا : ناهية «تكن» فعل مضارع ناقص مجزوم بلا الناهية ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، و «جلدا» خبر تكن «وتظهر» الواو واو المعية ، تظهر : فعل مضارع منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية وهو محل الشاهد ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الجزع» مفعول به لتظهر ، منصوب بالفتحة الظاهرة ، وسكن لأجل الوقف.

٣٥٢

(٣٢٧) ـ

فقلت ادعى وأدعو ؛ إنّ أندى

لصوت أن ينادى داعيان

وقوله :

(٣٢٨) ـ

لا تنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك ـ إذا فعلت ـ عظيم

__________________

٣٢٧ ـ البيت لدثار بن شيبان النمرى ، أحد بنى النمر بن قاسط ، من كلمة عدة أبياتها ثلاثة عشر بيتا رواها له أبو السعادات بن الشجرى فى مختاراته (ص ٦ ق ٣) فى أثناء مختار شعر الحطيئة ، والبيت من شواهد سيبويه (١ / ٤٢٦) ونسب فى الكتاب للأعشى ، وليس فى شعره ، وهو أيضا من شواهد ابن هشام فى أوضح المسالك (رقم ٥٠١) وشذور الذهب (رقم ١٥٤) وابن الأنبارى فى الإنصاف (رقم ٣٥١) وروايته «ادعى وأدع فإن أندى» كرواية ابن الشجرى ، ومجازها أن «وأدع» مجزوم بلام الأمر محذوفا : أى ادعى ولأدع ، وقبل البيت المستشهد به قوله :

تقول حليلتى لما اشتكينا :

سيدركنا بنو القرم الهجان

سيدركنا بنو القمر ابن بدر

سراج اللّيل للشّمس الحصان

اللغة : «أندى» أفعل تفضيل من الندى ـ بفتح النون مقصورا ـ وهو بعد الصوت.

الإعراب : «فقلت» فعل وفاعل «ادعى» فعل أمر ، وياء المؤنثة المخاطبة فاعل «وأدعو» الواو واو المعية ، أدعو : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «إن» حرف توكيد ونصب «أندى» اسم إن «لصوت» اللام زائدة ، وصوت : مضاف إليه «أن» مصدرية «ينادى» فعل مضارع منصوب بأن ، وأن وما عملت فيه فى تأويل مصدر مرفوع خبر إن «داعيان» فاعل ينادى ، وتقدير الكلام : إن أجهر صوت مناداة داعيين.

الشاهد فيه : قوله «وأدعو» حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعية فى جواب الأمر.

٣٢٨ ـ البيت لأبى الأسود الدؤلى ، ونسبه ياقوت (معجم البلدان ٧ / ٣٨٤) وأبو الفرج (الأغانى ١١ / ٣٩ بولاق) للمتوكل الكنانى.

٣٥٣

وقوله :

(٣٢٩) ـ

ألم أك جاركم ويكون بينى

وبينكم المودّة والإخاء؟

__________________

الإعراب : «لا» ناهية «تنه» فعل مضارع مجزوم بلا ، وعلامة جزمه حذف الألف والفتحة قبلها دليل عليها ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «عن خلق» جار ومجرور متعلق بتنه «وتأتى» الواو واو المعية ، تأتى : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد واو المعية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «مثله» مثل : مفعول به لتأتى ، ومثل مضاف والهاء مضاف إليه «عار» خبر لمبتدأ محذوف ، أى ذلك عار «عليك» جار ومجرور متعلق بعار «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط ، والجملة بعده شرط إذا ، وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله ، والجملة من الشرط وجوابه معترضة بين الصفة وموصوفها ، لا محل لها من الإعراب «عظيم» صفة لعار.

الشاهد فيه : قوله «وتأتى» حيث نصب الفعل المضارع بعد واو المعية فى جواب النهى ، بأن مضمرة وجوبا.

٣٢٩ ـ هذا البيت للحطيئة ، من قصيدة أولها فى رواية الأكثرين :

ألّا أبلغ بنى عوف بن كعب

وهل قوم على خلق سواء؟

وروى أبو السعادات ابن الشجرى فى أولها نسيبا وأوله :

ألا قالت أمامة : هل تعزّى؟

فقلت : أمام ، قد غلب العزاء

اللغة : «جاركم» يطلق الجار فى العربية على عدة معان : منها المجير ، والمستجير ، والحليف ، والناصر.

الإعراب : «ألم» الهمزة للتقرير ، ولم : نافية جازمة «أك» فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «جاركم» جار : خبر أك ، وجار مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه «ويكون» الواو واو المعية ، يكون : فعل مضارع ناقص ، منصوب بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية «بينى» بين : ظرف متعلق بمحذوف خبر يكون تقدم على اسمه ، وبين مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «وبينكم» معطوف على بينى «المودة» اسم يكون تأخر عن خبره «والإخاء» معطوف على المودة.

٣٥٤

واحترز بقوله : «إن تفد مفهوم مع» عما إذا لم تفد ذلك ، بل أردت التشريك بين الفعل والفعل ، أو أردت جعل ما بعد الواو خبرا لمبتدأ محذوف ؛ فإنه لا يجوز حينئذ النصب ، ولهذا جاز فيما بعد الواو فى قولك : «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» ثلاثة أوجه : الجزم على التشريك بين الفعلين ، نحو «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» والثانى : الرفع على إضمار مبتدأ ، نحو «لا تأكل السمك وتشرب اللّبن» أى : وأنت تشرب اللبن ، والثالث : النصب على معنى النهى عن الجمع بينهما ، نحو : «لا تأكل السمك وتشرب اللّبن» أى : لا يكن منك أن تأكل السمك وأن تشرب اللبن ، فينصب هذا الفعل بأن مضمرة.

* * *

وبعد غير النّفى جزما اعتمد

إن تسقط الفا والجزاء قد قصد (١)

يجوز فى جواب غير النفى ، من الأشياء التى سبق ذكرها ، أن تجزم إذا

__________________

الشاهد فيه : قوله «ويكون» حيث نصب الفعل المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية فى جواب الاستفهام.

ومثل هذا البيت قول صخر الغى الهذلى :

فلا تقعدنّ على زخّة

وتضمر فى القلب وجدا وخيفا

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «اعتمد» الآتى ، وبعد مضاف ، و «غير» مضاف إليه ، وغير مضاف و «النفى» مضاف إليه «جزما» مفعول مقدم لاعتمد «اعتمد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «إن» شرطية «تسقط» فعل مضارع ، فعل الشرط «الفا» قصر ضرورة : فاعل تسقط «والجزاء» الواو واو الحال ، الجزاء : مبتدأ «قد» حرف تحقيق «قصد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجزاء ، والجملة محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

٣٥٥

سقطت الفاء وقصد الجزاء ، نحو «زرنى أزرك» ، وكذلك الباقى ، وهل هو مجزوم بشرط مقدر ، أى : زرنى فإن تزرنى أزرك ، أو بالجملة قبله؟ قولان (١) ، ولا يجوز الجزم فى النفى ؛ فلا تقول : «ما تأتينا تحدّثنا».

* * *

وشرط جزم بعد نهى أن تضع

«إن» قبل «لا» دون تخالف يقع (٢)

لا يجوز الجزم عند سقوط الفاء بعد النهى ، إلا بشرط أن يصح المعنى بتقدير دخول إن [الشرطية] على لا ؛ فتقول : «لا تدن من الأسد تسلم» بجزم «تسلم» ؛ إذ يصح «إن لا تدن من الأسد تسلم» ولا يجوز الجزم فى قولك : «لا تدن من الأسد يأكلك» ؛ إذ لا يصح «إن لا تدن من الأسد يأكلك» ،

__________________

(١) ذهب الجمهور إلى أن الجازم بعد الطلب هو شرط مقدر ، وذهبوا أيضا إلى أنه يجب تقدير «إن» من بين أدوات الشرط ، وذهب قوم إلى أن الجازم هو نفس الجملة السابقة ، وهؤلاء على فريقين : فريق منهم قال : تضمنت الجملة معنى الشرط فعملت عمله كما عمل «ضربا» فى نحو قولك «ضربا زيدا» عمل اضرب حين تضمن معناه ، وفريق قال : بل العامل الجملة لكونها نائبة عن أداة الشرط ، ومن الناس من قال : الجازم لام أمر مقدرة ؛ فالأقوال أربعة عند التحقيق.

(٢) «وشرط» مبتدأ ، وشرط مضاف و «جزم» مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق بشرط أو بجزم ، وبعد مضاف و «نهى» مضاف إليه «أن» مصدرية «تضع» فعل مضارع منصوب بأن ، وسكن للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، و «أن» المصدرية وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر المبتدأ «إن» قصد لفظه : مفعول به لتضع «قبل» ظرف متعلق بتضع ، وقبل مضاف و «لا» قصد لفظه : مضاف إليه «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من «إن» السابق ، ودون مضاف و «تخالف» مضاف إليه «يقع» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تخالف ، والجملة فى محل جر نعت لتخالف.

٣٥٦

وأجاز الكسائى ذلك ، بناء على أنه لا يشترط عنده دخول «إن» على «لا» ؛ فجزمه على معنى «إن تدن من الأسد يأكلك».

* * *

والأمر إن كان بغير افعل فلا

تنصب جوابه ، وجزمه اقبلا (١)

قد سبق أنه إذا كان الأمر مدلولا عليه باسم فعل ، أو بلفظ الخبر ، لم يجز نصبه بعد الفاء (٢) ، وقد صرّح بذلك هنا ، فقال : متى كان الأمر بغير صيغة افعل ونحوها فلا ينتصب جوابه ، ولكن لو أسقطت الفاء جزمته كقولك : «صه أحسن إليك ، وحسبك الحديث ينم النّاس» وإليه أشار بقوله : «وجزمه اقبلا».

* * *

والفعل بعد الفاء فى الرّجا نصب

كنصب ما إلى التّمنّى ينتسب (٣)

__________________

(١) «والأمر» مبتدأ «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص ، فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الأمر «بغير» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «كان» وغير مضاف و «افعل» مضاف إليه «فلا» الفاء لربط الجواب بالشرط ، لا : ناهية «تنصب» فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «جوابه» جواب : مفعول به لتنصب ، وجواب مضاف والهاء مضاف إليه ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط ، وجملة الشرط وجوابه فى محل رفع خبر المبتدأ «وجزمه» الواو عاطفة أو للاستئناف ، جزم : مفعول به مقدم لقوله «اقبلا» الآتى ، وجزم مضاف والهاء مضاف إليه «اقبلا» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت

(٢) يريد «لم يجز نصب جوابه بعد الفاء» فحذف المضاف.

(٣) «والفعل» مبتدأ «بعد» ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر فى قوله «نصب» الآتى ، وبعد مضاف و «الفاء» مضاف إليه «فى الرجا» قصر للضرورة : جار ومجرور متعلق بقوله «نصب» الآتى «نصب» فعل ماض مبنى للمجهول ، وفيه

٣٥٧

أجاز الكوفيون قاطبة أن يعامل الرجاء معاملة التمنى ، فينصب جوابه المقرون بالفاء ، كما نصب جواب التمنّى ، وتابعهم المصنف ، ومما ورد منه قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) فى قراءة من نصب «أطلع» وهو حفص عن عاصم.

* * *

وإن على اسم خالص فعل عطف

تنصبه «أن» : ثابتا ، أو منحذف (١)

يجوز أن ينصب بأن محذوفة أو مذكورة ، بعد عاطف تقدم عليه اسم خالص : أى غير مقصود به معنى الفعل ، وذلك كقوله :

(٣٣٠) ـ

ولبس عباءة وتقرّ عينى

أحبّ إلىّ من لبس الشّفوف

__________________

ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل نائب فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «كنصب» جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتا لمصدر محذوف : أى نصب نصبا كائنا كنصب ـ إلخ ، ونصب مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «إلى التمنى» جار ومجرور متعلق بقوله «ينتسب» الآتى «ينتسب» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة «ما» الموصولة.

(١) «إن» شرطية «على اسم» جار ومجرور متعلق بقوله «عطف» الآتى «خالص» نعت لاسم «فعل» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده ، وتقدير الكلام : وإن عطف فعل «عطف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة «تنصبه» تنصب : فعل مضارع ، جواب الشرط ، والهاء مفعول به «أن» قصد لفظه : فاعل تنصب «ثابتا» حال من «أن» «أو» عاطفة «منحذف» معطوف على قوله «ثابتا» ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.

٣٣٠ ـ البيت لميسون بنت بحدل زوج معاوية بن أبى سفيان وأم ابنه يزيد.

اللغة : «عباءة» جبة من الصوف ونحوه ، ويقال فيها عباية أيضا «تقر عينى»

٣٥٨

فـ «تقرّ» منصوب بـ «أن» محذوفة ، وهى جائزة الحذف ؛ لأن قبله اسما صريحا ، وهو لبس ، وكذلك قوله :

(٣٣١) ـ

[إنّى وقتلى سليسكا ثمّ أعقله

كالثّور يضرب لمّا عافت البقر

__________________

كناية عن سكون النفس ، وعدم طموحها إلى ما ليس فى يدها «الشفوف» جمع شف ـ بكسر الشين وفتحها ـ وهو ثوب رقيق يستشف ما وراءه.

الإعراب : «ولبس» مبتدأ ، ولبس مضاف و «عباءة» مضاف إليه «وتقر» الواو واو العطف ، تقر : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد الواو عاطفة على اسم خالص من التقدير بالفعل «عينى» عين : فاعل تقر ، وعين مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «أحب» خبر المبتدأ «إلى» جار ومجرور متعلق بأحب «من لبس» جار ومجرور متعلق بأحب أيضا ، ولبس مضاف و «الشفوف» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قولها «وتقر» حيث نصبت الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا بعد واو العطف التى تقدمها اسم خالص من التقدير بالفعل وهو لبس.

والمراد بالاسم الخالص : الاسم الذى لا تشوبه شائبة الفعلية ، وذلك بأن يكون جامدا جمودا محضا ، وقد يكون مصدرا كلبس فى هذا الشاهد ، وقد يكون اسما علما كما تقول : لو لا زيد ويحسن إلى لهلكت ، أى لو لا زيد وإحسانه إلى ، ومن هذا القبيل قول الشاعر :

ولو لا رجال من رزام أعزّة

وآل سبيع أو أسوأك علقما

أسوأك : منصوب بأن المضمرة والمعطوف عليه رجال ، وعلقم : منادى بحرف نداء محذوف.

٣٣١ ـ البيت لأنس بن مدركة الخثعمى ، وقد سقط برمته من بعض نسخ الشرح.

اللغة : «سليكا» بصيغة المصغر ـ هو سليك بن السلكة ـ بزنة همزة ، وهى أمه ـ أحد ذؤبان العرب وشذاذهم ، وكان من حديثه أنه مر ببيت من خثعم ، وأهله خلوف ، فرأى امرأة شابة بضة ، فنال منها ، فعلم بهذا أنس بن مدركة الخثعمى ، فأدركه فقتله «أعقله» مضارع عقل القتيل ، أى : أدى ديته «عافت» كرهت ، وامتنعت ، وأراد : أن البقر إذا امتنعت عن ورود الماء لم يضربها راعيها لأنها ذات

٣٥٩

فـ «أعقله» : منصوب بـ «أن» محذوفة ، وهى جائزة الحذف ؛ لأن قبله اسما صريحا ، وهو «قتلى» ، وكذلك قوله] :

(٣٣٢) ـ

لو لا توقّع معترّ فأرضيه

ما كنت أوثر إترابا على ترب

__________________

لبن ، وإنما يضرب الثور لتفزع هى فتشرب ، ويقال : الثور فى هذا الكلام نبت من نبات الماء ، تراه البقر حين ترد الماء فتعاف الورود ، فيضربه البقار ؛ لينحيه عن مكان ورودها حتى ترد ، انظر حيوان الجاحظ (١ / ١٨) والأول أشهر وأعرف ، ووقع فى شعر الأعشى ما يبينه ، وقال الهيبان الفقيمى وعبر عن الثور باليعسوب على التشبيه :

كما ضرب اليعسوب أن عاف باقر

وما ذنبه إن عافت الماء باقر

المعنى : بشبه نفسه إذ قتل سليكا ثم وداه ـ أى : أدى ديته ـ بالثور يضربه الراعى لتشرب الإناث من البقر ، والجامع فى التشبيه بينهما تلبس كل منهما بالأذى لينتفع سواه.

الإعراب : «إنى» إن : حرف توكيد ونصب ، وياء المتكلم اسمه «وقتلى» الواو عاطفة ، قتل : معطوف على اسم إن ، وقتل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله «سليكا» مفعول به لقتل «ثم» حرف عطف «أعقله» أعقل : فعل مضارع منصوب بأن محذوفة جوازا ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والهاء مفعول به «كالثور» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن «يضرب» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الثور ، والجملة فى محل نصب حال من الثور «لما» حرف ربط «عافت» عاف : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «البقر» فاعل عاف.

الشاهد فيه : قوله «ثم أعقله» حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا بعد ثم التى للعطف ، بعد اسم خالص من التقدير بالفعل ، وهو القتل.

والاسم الخالص من التقدير بالفعل هو الاسم الجامد ، سواء أكان مصدرا كما فى هذا البيت وبيت ميسون بنت بحدل (رقم ٣٣٠) والبيت الآتى (رقم ٣٣٢) ، أم كان غير مصدر ، كما قد ذكرنا لك ذلك واستشهدنا له فى شرح البيت السابق.

٣٣٢ ـ البيت من الشواهد التى لم نقف على نسبتها إلى قائل معين.

اللغة : «توقع» انتظار ، وارتقاب «معتر» هو الفقير الذى يتعرض للجدى

٣٦٠