شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

إذا عطف على المستغاث مستغاث آخر : فإما أن تتكرر معه «يا» أولا.

فإن تكررت لزم الفتح ، نحو «يا لزيد ويا لعمرو لبكر».

وإن لم تتكرر لزم الكسر ، نحو «يا لزيد ولعمرو لبكر» كما يلزم كسر اللام مع المستغاث له ، وإلى هذا أشار بقوله : «وفى سوى ذلك بالكسر ائتيا» أى : وفى سوى المستغاث والمعطوف عليه الذى تكررت معه «يا» اكسر اللام وجوبا ؛ فتكسر مع المعطوف الذى لم تتكرر معه «يا» ومع المستغاث له.

* * *

ولام ما استغيث عاقبت ألف

ومثله اسم ذو تعجّب ألف (١)

تحذف لام المستغاث ، ويؤتى بألف فى آخره عوضا عنها ، نحو «يا زيدا لعمرو» ومثل المستغاث المتعجّب منه ، نحو «يا للدّاهية» و «يا للعجب» فيجر بلام مفتوحة كما يجر المستغاث ، وتعاقب اللام فى الاسم المتعجّب منه ألف ؛ فتقول : «يا عجبا لزيد» (٢).

__________________

جار ومجرور متعلق بائتيا أيضا «ائتيا» فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(١) «ولام» مبتدأ ، ولام مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «استغيث» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «عاقبت» عاقب : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى لام ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «ألف» مفعول به لعاقبت ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة «ومثله» مثل : خبر مقدم ، والهاء مضاف إليه «اسم» مبتدأ مؤخر «ذو» صفة لاسم ، وذو مضاف و «تعجب» مضاف إليه «ألف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى تعجب ، والجملة فى محل جر صفة لتعجب.

(٢) ومنه قول امرىء القيس بن حجر الكندى :

ويوم عقرت للعذارى مطيّتى

فيا عجبا من كورها المتحمّل

٢٨١

النّدبة

ما للمنادى اجعل لمندوب ، وما

نكّر لم يندب ، ولا ما أبهما (١)

ويندب الموصول بالّذى اشتهر

كـ «بئر زمزم» يلى «وا من حفر» (٢)

المندوب هو : المتفجّع عليه ، نحو «وا زيداه» ، والمتوجّع منه ، نحو «وا ظهراه».

ولا يندب إلا المعرفة ، فلا تندب النكرة ؛ فلا يقال : «وا رجلاه» ، ولا المبهم : كاسم الإشارة ، نحو «وا هذاه» ولا الموصول ، إلا إن كان خاليا من «أل» واشتهر بالصلة ، كقولهم «وا من حفر بئر زمزماه».

* * *

__________________

(١) «ما» اسم موصول : مفعول أول تقدم على عامله ، وهو قوله «اجعل» الآتى «للمنادى» جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول «اجعل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «لمندوب» جار ومجرور متعلق باجعل ، وهو مفعوله الثانى «وما» اسم موصول : مبتدأ «نكر» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة «لم» نافية جازمة «يندب» فعل مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى ما الواقعة مبتدأ نائب فاعل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «ولا» الواو عاطفة ، لا : نافية «ما» اسم موصول : معطوف على «مانكر» وجملة «أبهما» مع نائب فاعله المستتر فيه لا محل لها صلة الموصول.

(٢) «ويندب» فعل مضارع مبنى للمجهول «الموصول» نائب فاعل ليندب «بالذى» جار ومجرور متعلق بيندب «اشتهر» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى ، والجملة لا محل لها صلة «كبئر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف ، وقد حكى «بئر» لأنه فى الأصل مفعول به ، وبئر مضاف و «زمزم» مضاف إليه «يلى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بئر زمزم ، والجملة فى محل نصب حال من وا من حفر «وا من حفر» مفعول به ليلى على الحكاية.

٢٨٢

ومنتهى المندوب صله بالألف

متلوّها إن كان مثلها حذف (١)

كذاك تنوين الّذى به كمل

من صلة أو غيرها ، نلت الأمل (٢)

يلحق آخر المنادى المندوب ألف ، نحو «وا زيدا لا تبعد» ويحذف ما قبلها إن كان ألفا ، كقولك : «وا موساه» فحذف ألف «موسى» وأتى بالألف للدلالة على الندبة ، أو كان تنوينا فى آخر صلة أو غيرها ، نحو «وا من حفر بئر زمزماه» ونحو «يا غلام زيداه».

* * *

والشّكل حتما أوله مجانسا

إن يكن الفتح بوهم لابسا (٣)

__________________

(١) «ومنتهى» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده ، ومنتهى مضاف و «المندوب» مضاف إليه «صله» صل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به «بالألف» جار ومجرور متعلق بصل «متلوها» متلو : مبتدأ ، ومتلو مضاف وها مضاف إليه «إن» شرطية «كان» فعل ماض ناقص فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه «مثلها» مثل : خبر كان ، ومثل مضاف وها : مضاف إليه «حذف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى متلوها ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجواب الشرط محذوف تدل عليه جملة الخبر.

(٢) «كذاك» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «تنوين» مبتدأ مؤخر ، وتنوين مضاف و «الذى» اسم موصول : مضاف إليه «به» جار ومجرور متعلق بكمل الآتى «كمل» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة لا محل لها صلة الذى «من صلة» بيان الذى «أو غيرها» معطوف على صلة ، وغير مضاف وها : مضاف إليه «نلت الأمل» نال : فعل ماض ، وفاعله تاء المخاطب ، والأمل : مفعول به.

(٣) «والشكل» مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده «حتما» مفعول مطلق لفعل محذوف أيضا ، أو هو حال من هاء أوله «أوله» أول : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به لأول «مجانسا» مفعول ثان لأول «إن» شرطية «يكن» فعل مضارع ناقص فعل الشرط «الفتح» اسم يكن

٢٨٣

إذا كان آخر ما تلحقه ألف الندبة فتحة لحقته ألف الندبة من غير تغيير لها ، فتقول : «وا غلام أحمداه» وإن كان غير ذلك وجب فتحه ، إلا إن أوقع فى لبس ؛ فمثال ما لا يوقع فى لبس قولك فى «غلام زيد» : «واغلام زيداه» ، وفى «زيد» : «وا زيداه» ، ومثال ما يوقع فتحه فى لبس : «واغلامهوه ، واغلامكيه» وأصله «واغلامك» بكسر الكاف «واغلامه» بضم الهاء ، فيجب قلب ألف الندبة : بعد الكسرة ياء ، وبعد الضمة واوا : لأنك لو لم تفعل ذلك وحذفت الضمة والكسرة وفتحت وأتيت بألف الندبة ، فقلت : «واغلامكاه ، واغلامهاه» لا لتبس المندوب المضاف إلى ضمير المخاطبة بالمندوب المضاف إلى ضمير المخاطب ، والتبس المندوب المضاف إلى ضمير الغائب بالمندوب المضاف إلى ضمير الغائبة ، وإلى هذا أشار بقوله : «والشكل حتما ـ إلى آخره» أى : إذا شكل آخر المندوب بفتح ، أو ضم ، أو كسر ، فأوله مجانسا له من واو أو ياء إن كان الفتح موقعا فى لبس ، نحو «واغلامهوه ، واغلامكيه» وإن لم يكن الفتح موقعا فى لبس فافتح آخره ، وأوله ألف الندبة ، نحو «وا زيداه ، وواغلام زيداه».

* * *

وواقفا زدهاء سكت ، إن ترد

وإن تشأ فالمدّ ، والها لا تزد (١)

__________________

«بوهم» جار ومجرور متعلق بقوله لابسا الآتى «لابسا» خبر يكن ، وجواب الشرط محذوف

(١) «وواقفا» حال من فاعل «زد» الآتى «زد» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «هاء» مفعول به لزد ، وهاء مضاف و «سكت» مضاف إليه «إن» شرطية «ترد» فعل مضارع ، فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ومفعوله محذوف ، وجواب الشرط محذوف أيضا «وإن» شرطية «تشأ» فعل مضارع فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت

٢٨٤

أى : إذا وقف على المندوب لحقه بعد الألف هاء السكت ، نحو : «وازيداه» ، أو وقف على الألف ، نحو : «وازيدا» ولا تثبت الهاء فى الوصل إلا ضرورة ، كقوله :

(٣١٤) ـ

ألا يا عمرو عمراه

وعمرو بن الزّبيراه

* * *

__________________

«فالمد» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، المد : مبتدأ ، وخبره محذوف ، أى فالمد واجب ، مثلا ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «والها» قصر للضرورة : مفعول مقدم على عامله ، وهو قوله «لا تزد» الآتى «لا» ناهية «تزد» فعل مضارع مجزوم بلا ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

٣١٤ ـ البيت من الشواهد التى لم نقف على نسبتها لقائل معين ، وعمرو المندوب هو عمرو بن الزبير بن العوام ، وكان أخوه عبد الله بن الزبير بن العوام قد سجنه أيام ولايته على الحجاز ، وعذبه بصنوف من التعذيب حتى مات فى السجن.

الإعراب : «ألا» أداة استفتاح «يا» حرف نداء وندبة «عمرو» منادى مندوب مبنى على الضم فى محل نصب «عمراه» توكيد لفظى للمنادى المندوب ، ويجوز أن يتبع لفظه أو محله ، فهو مرفوع بضمة أو منصوب بفتحة منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المأتى بها لأجل مناسبة ألف الندبة ، والألف زائدة لأجل الندبة لأنها تستدعى مد الصوت ، والهاء للسكت «وعمرو» معطوف على عمرو الأول «ابن» صفة له ، وابن مضاف و «الزبيراه» مضاف إليه ، مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة التى تستوجبها الألف المزيدة للندبة ، والهاء للسكت.

الشاهد فيه : قوله «عمراه» حيث زيدت الهاء ـ التى تجتلب للسكت ـ فى حالة الوصل ضرورة.

ونظير هذا البيت قول الراجز :

يا مرحباه ، بحمار ناجيه

إذا أتى قرّبته للسّانيه

وقول مجنون ليلى :

فقلت : أيا ربّاه ، أوّل سؤلتى

لنفسى ليلى ، ثمّ أنت حسيبها

٢٨٥

وقائل : وا عبديا ، وا عبدا

من فى النّدا اليا ذا سكون أبدى (١)

أى : إذا ندب المضاف إلى ياء المتكلم على لغة من سكّن الياء قيل فيه : «وا عبديا» بفتح الياء ، وإلحاق ألف الندبة ، أو «يا عبدا» ، بحذف الياء ، وإلحاق ألف الندبة.

وإذا ندب على لغة من يحذف [الياء] أو يستغنى بالكسرة ، أو يقلب الياء ألفا والكسرة فتحة ويحذف الألف ويستغنى بالفتحة ، أو يقلبها ألفا ويبقيها قيل : «وا عبدا» ليس إلا.

وإذا ندب على لغة من يفتح الياء يقال «وا عبديا» ليس إلا.

فالحاصل : أنه إنما يجوز الوجهان ـ أعنى «وا عبديا» و «وا عبدا» ـ على لغة من سكّن الياء فقط ، كما ذكر المصنف.

* * *

__________________

(١) «وقائل» خبر مقدم ، وفيه ضمير مستتر هو فاعله «وا عبديا» مفعول به لقائل «وا عبدا» معطوف على المفعول «من» اسم موصول : مبتدأ مؤخر «فى الندا» جار ومجرور متعلق بقوله «أبدى» الآتى «اليا» قصر للضرورة : مفعول مقدم لأبدى «ذا» حال من الياء ، وذا مضاف و «سكون» مضاف إليه «أبدى» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة لا محل لها صلة «من» الموصولة الواقعة مبتدأ ، وتقدير البيت : ومن أبدى الياء ـ أى أظهرها ـ ساكنة فى النداء قائل : وا عبديا ، أو وا عبدا.

٢٨٦

التّرخيم

ترخيما احذف آخر المنادى

كياسعا ، فيمن دعا سعادا (١)

الترخيم فى اللغة : ترقيق الصوت ، ومنه قوله :

(٣١٥) ـ

لها بشر مثل الحرير ، ومنطق

رخيم الحواشى : لا هراء ، ولا نزر

__________________

(١) «ترخيما» مفعول مطلق عامله احذف الآتى ، لأنه بمعناه كقعدت جلوسا «احذف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «آخر» مفعول به لا حذف ، و «آخر» مضاف و «المنادى» مضاف إليه «كياسعا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف «فيمن» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «كياسعا» السابق «دعا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة «سعادا» مفعول به لدعا ، والجملة لا محل لها صلة من المجرورة محلا بفى.

٣١٥ ـ البيت لذى الرمة غيلان بن عقبة صاحب مية من قصيدته التى مطلعها :

ألا يا اسلمى يا دارمىّ على البلى

ولا زال منهلّا بجرعائك القطر

اللغة : «بشر» هو ظاهر الجلد «منطق» هو الكلام الذى يختلب الألباب «رخيم» سهل ، رقيق «الحواشى» الجوانب والأطراف ، وهو جمع حاشية ، والمراد أن حديثها كله رقيق عذب «هراء» بزنة غراب ـ أى كثير ذو فضول «نزر» قليل.

المعنى : يصفها بنعومة الجلد وملاسته ، وبأنها ذات كلام عذب ، وحديث رقيق ، وأنها لا تكثر فى كلامها حتى يملها سامعها ، ولا تقتضبه اقتضابا حتى يحتاج سامعها فى تفهم المعنى إلى زيادة.

الإعراب : «لها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «بشر» مبتدأ مؤخر «مثل» نعت لبشر ، ومثل مضاف و «الحرير» مضاف إليه «ومنطق» معطوف على بشر «رخيم» نعت لمنطق ، ورخيم مضاف و «الحواشى» مضاف إليه «لا» نافية «هراء» نعت ثان لمنطق «ولا» الواو عاطفة ، ولا : زائدة لتأكيد النفى «نزر» معطوف على هراء.

الشاهد فيه : قوله «رخيم الحواشى» حيث استعمل كلمة «رخيم» فى معنى الرقة ، وذلك يدل على أن الترخيم فى اللغة ترقيق الصوت.

٢٨٧

أى : رقيق الحواشى ، وفى الاصطلاح : حذف أواخر الكلم فى النداء ، نحو «يا سعا» والأصل «يا سعاد».

* * *

وجوّزنه مطلقا فى كلّ ما

أنّت بالها ، والّذى قد رخّما (١)

بحذفها وفّره بعد ، واحظلا

ترخيم ما من هذه الها قد خلا (٢)

إلّا الرّباعىّ فما فوق ، العلم ،

دون إضافة ، وإسناد متمّ (٣)

__________________

(١) «وجوزنه» الواو عاطفة ، جوز : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به لجوز «مطلقا» حال من المفعول به «فى كل» جار ومجرور متعلق يجوز ، وكل مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «أنث» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول «بالها» جار ومجرور متعلق بأنث «والذى» اسم موصول : مفعول به لفعل محذوف يفسره قوله «وفره» فى البيت الآتى «قد» حرف تحقيق ، وجملة «رخما» من الفعل ونائب الفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) «بحذفها» الجار والمجرور متعلق برخما فى البيت السابق ، وحذف مضاف ، وها مضاف إليه «وفره» وفر : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول به لوفر «بعد» ظرف متعلق بوفر ، مبنى على الضم فى محل نصب «واحظلا» الواو عاطفة ، احظل : فعل أمر مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «ترخيم» مفعول به لاحظل ، وترخيم مضاف و «ما» اسم موصول : مضاف إليه «من هذه» الجار والمجرور متعلق بقوله «خلا» الآتى «الها» بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه أو نعت له «قد» حرف تحقيق «خلا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول.

(٣) «إلا» أداة استثناء «الرباعى» منصوب على الاستثناء «فما» الفاء عاطفة ،

٢٨٨

لا يخلو المنادى من أن يكون مؤنثا بالهاء ، أولا ؛ فإن كان مؤنثا بالهاء جاز ترخيمه مطلقا ، أى : سواء كان علما ، كـ «فاطمة» أو غير علم ، كـ «جارية» زائدا على ثلاثة أحرف كما مثل ، أو [غير زائد] على ثلاثة أحرف ، كـ «شاة» فتقول : «يا فاطم ، ويا جارى (١) ، ويا شا» ومنه قولهم «يا شا ادجنى (٢)» ، [أى : أقيمى] بحذف تاء التأنيث للترخيم ، ولا يحذف منه بعد ذلك شىء آخر ، وإلى هذا أشار بقوله : «وجوّزنه» إلى قوله «بعد».

وأشار بقوله : «واحظلا ـ إلخ» إلى القسم الثانى ، وهو : ما ليس مؤنثا بالهاء ، فذكر أنه لا يرخّم إلا [بثلاثة] بشروط :

الأول : أن يكون رباعيّا فأكثر.

الثانى : أن يكون علما.

الثالث : أن لا يكون مركبا : تركيب إضافة ، ولا إسناد.

وذلك كـ «عثمان ، وجعفر» ؛ فتقول : «يا عثم ، ويا جعف».

وخرج ما كان على ثلاثة أحرف ، كـ «زيد ، وعمرو» وما كان [على أربعة أحرف] غير علم ، كـ «قائم ، وقاعد» ، وما ركّب تركيب إضافة ، كـ «عبد شمس» وما ركّب تركيب إسناد ، نحو «شاب قرناها» ؛ فلا يرخّم شىء من هذه.

__________________

ما : اسم موصول معطوف على الرباعى «فوق» ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من الرباعى ، ودون مضاف و «إضافة» مضاف إليه «وإسناد» معطوف على إضافة «متم» نعت لإسناد.

(١) ومن شواهد ترخيم «جارية» قول الشاعر :

جارى لا تستنكرى عذيرى

سيرى وإشفاقى على يعيرى

(٢) تقول : دجنت الشاة فى البيت تدجن دجونا ـ بوزن قعد يقعد قعودا ـ إذا أقامت فلم تبرح ، وألفته فلم تسرح مع الغنم ، وشا : أصلها شاة ، فرخم بحذف التاء.

٢٨٩

وأمّا ما ركّب تركيب مزج فيرخّم بحذف عجزه ، وهو مفهوم من كلام المصنف ؛ لأنه لم يخرجه ؛ فتقول فيمن اسمه «معدى كرب» : «يا معدى».

* * *

ومع الآخر احذف الّذى تلا

إن زيد لينا ساكنا مكمّلا (١)

أربعة فصاعدا ، والخلف ـ فى

واو وياء بهما فتح ـ قفى (٢)

أى : يجب أن يحذف مع الآخر ما قبله إن كان زائدا ليّنا ، أى : حرف لين ، ساكنا ، رابعا فصاعدا ، وذلك نحو «عثمان ، ومنصور ، ومسكين» ؛ فتقول : «يا عثم ، ويا منص ، ويا مسك» ؛ فإن كان غير زائد ، كمختار ، أو غير لين ، كقمطر ، أو غير ساكن ، كقنوّر ، أو غير رابع كمجيد ـ لم يجز

__________________

(١) «ومع» ظرف متعلق باحذف الآتى ، ومع مضاف و «الآخر» مضاف إليه «احذف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الذى» اسم موصول : مفعول به لا حذف ، وجملة «تلا» وفاعله المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى لا محل لها صلة الذى «إن» شرطية «زيد» فعل ماض مبنى للمجهول فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذى تلا «لينا» حال من نائب الفاعل «ساكنا» نعت له «مكملا» نعت لقوله «لينا» أيضا ، وفيه ضمير مستتر فاعله ، لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل.

(٢) «أربعة» مفعول به لمكمل فى البيت السابق «فصاعدا» الفاء عاطفة ، صاعدا : حال من فاعل فعل محذوف : أى فذهب عدد الحروف صاعدا «والخلف» مبتدأ «فى واو» جار ومجرور متعلق بالخلف «وياء» معطوف على واو «بهما» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «فتح» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ والخبر فى محل جر صفة لواو وياء «قفى» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخلف ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ وهو الخلف.

٢٩٠

حذفه ؛ فتقول : يا مختا ، [ويا قمط ،] ويا قنوّ ، ويا مجى (١) ، وأما فرعون ونحوه ـ وهو ما كان قبل واوه فتحة ، أو قبل يائه فتحة ، كغرنيق ـ ففيه خلاف ؛ فمذهب الفرّاء والجرمى أنهما يعاملان معاملة مسكين ومنصور ؛ فتقول ـ عندهما ـ يا فرع ، ويا غرن ، ومذهب غيرهما من النحويين عدم جواز ذلك ؛ فتقول ـ عندهم ـ يا فرعو ، ويا غرنى.

* * *

والعجز احذف من مركّب ، وقلّ

ترخيم جملة ، وذا عمرو نقل (٢)

تقدّم أن المركب تركيب مزج يرخّم ، وذكر هنا أن ترخيمه يكون بحذف عجزه ؛ فتقول فى «معدى كرب» : يا معدى ، وتقدّم أيضا أن المركّب تركيب إسناد لا يرخّم ، وذكر هنا أنه يرخم قليلا ، وأن عمرا ـ يعنى سيبويه ، وهذا اسمه ، وكنيته : أبو بشر ، وسيبويه : لقبه ـ نقل ذلك عنهم ، والذى نصّ عليه سيبويه فى باب الترخيم أن ذلك لا يجوز ،

__________________

(١) ونظير ذلك قول أوس بن حجر ، وهو من شواهد سيبويه :

تنكّرت منّا بعد معرفة لمى

وبعد التّصافى والشّباب المكرّم

أراد يا لميس ، فحذف السين ، ووفر ما بعدها من الحذف ، ومثله قول يزيد بن مخرم :

فقلتم : تعال يا يزى بن مخرّم ،

فقلت لكم : إنّى حليف صداء

(٢) «والعجز» مفعول مقدم لا حذف «احذف» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «من مركب» جار ومجرور متعلق باحذف «وقل» فعل ماض «ترخيم» فاعل قل ، وترخيم مضاف و «جملة» مضاف إليه «وذا» اسم إشارة : مبتدأ أول «عمرو» مبتدأ ثان ، وجملة «نقل» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول ، والعائد ضمير محذوف كان أصله مفعولا لنقل : أى وهذا عمرو نقله ، وعمرو : اسم سيبويه شيخ النحاة كما سيقول الشارح.

٢٩١

وفهم المصنف عنه من كلامه فى بعض أبواب النسب جواز ذلك ؛ فتقول فى «تأبّط شرّا» : «يا تأبّط».

* * *

وإن نويت ـ بعد حذف ـ ما حذف

فالباقى استعمل بما فيه ألف (١)

واجعله ـ إن لم تنو محذوفا ـ كما

لو كان بالآخر وضعا تمّما (٢)

فقل على الأوّل فى ثمود : «يا

ثمو» ، و «يا ثمى» على الثّانى بيا (٣)

__________________

(١) «وإن» شرطية «نويت» نوى : فعل ماض فعل الشرط ، وتاء المخاطب فاعله «بعد» ظرف متعلق بنويت ، وبعد مضاف و «حذف» مضاف إليه «ما» اسم موصول : مفعول به لنويت ، وجملة «حذف» ونائب فاعله المستتر فيه لا محل لها صلة «فالباقى» الفاء واقعة فى جواب الشرط ، الباقى : مفعول مقدم لاستعمل «استعمل» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم جواب الشرط «بما» جار ومجرور متعلق باستعمل «فيه» جار ومجرور متعلق بألف «ألف» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالباء.

(٢) «واجعله» اجعل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء مفعول أول لاجعل «إن» شرطية «لم» نافية جازمة «تنو» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل جزم فعل الشرط محذوفا» مفعول به لتنو «كما» الكاف جارة ، ما : زائدة «لو» مصدرية «كان» فعل ماض ناقص ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «الباقى» فى البيت السابق «بالآخر» جار ومجرور متعلق بقوله تمما الاتى «وضعا» منصوب بنزع الخافض ، أو على التمييز «تمما» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة فى محل نصب خبر كان ، و «لو» وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والكاف ومجرورها متعلق باجعله فى أول البيت ، وهو فى موضع نصب ، لأنه المفعول الثانى.

(٣) «فقل» الفاء للتفريع ، قل : فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره

٢٩٢

يجوز فى المرخّم لغتان ؛ إحداهما : أن ينوى المحذوف منه ، والثانية : أن لا ينوى ، ويعبر عن الأولى بلغة من ينتظر الحرف ، وعن الثانية بلغة من لا ينتظر الحرف.

فإذا رخّمت على لغة من ينتظر تركت الباقى بعد الحذف على ما كان عليه : من حركة ، أو سكون ؛ فتقول فى «جعفر» : «يا جعف» وفى «حارث» : «يا حار» (١) ، وفى «قمطر» : «يا قمط».

وإذا رخّمت على لغة من لا ينتظر عاملت الآخر بما يعامل به لو كان هو آخر الكلمة وضعا ؛ فتبنيه على الضم ، وتعامله معاملة الاسم التامّ ؛ فتقول : «يا جعف ، ويا حار ، ويا قمط» بضم الفاء والراء والطاء.

وتقول فى «ثمود» على لغة من ينتظر الحرف : «يا ثمو» بواو ساكنة ، وعلى لغة من لا ينتظر تقول : «يا ثمى» فتقلب الواو ياء والضمة كسرة ؛ لأنك تعامله معاملة الاسم التامّ ، ولا يوجد اسم معرب آخره واو قبلها ضمة إلا ويجب قلب الواو ياء والضمة كسرة.

* * *

__________________

أنت «على الأول» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل «قل» أى : جاريا على الأول «فى ثمو» جار ومجرور متعلق بقل «يا ثمو» قصد لفظه : مفعول به لقل ، وهو مقول القول «ويا» حرف نداء «ثمى» منادى مبنى على ضم مقدر على آخره فى محل نصب ، وجملة النداء فى محل نصب مقول قول محذوف لدلالة الأول عليه «على الثانى» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل القول المحذوف «بيا» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «يا ثمى».

(١) ومن ذلك قول الشاعر :

يا حار لا أرمين منكم بداهية

لم يلقها سوقة قبلى ولا ملك

وقول امرىء القيس بن حجر الكندى :

أحار ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين فى حبىّ مكلّل

٢٩٣

والتزم الأوّل فى كمسلمه

وجوّز الوجهين فى كمسلمه (١)

إذا رخّم ما فيه تاء التأنيث ـ للفرق بين المذكر والمؤنث ، كمسلمة ـ وجب ترخيمه على لغة من ينتظر الحرف ؛ فتقول : «يا مسلم» بفتح الميم ، ولا يجوز ترخيمه على لغة من لا ينتظر [الحرف] ؛ فلا تقول : «يا مسلم» ـ بضم الميم ـ لئلا يلتبس بنداء المذكر.

وأما ما كانت فيه التاء لا للفرق ، فيرخم على اللغتين ؛ فتقول فى «مسلمة» علما : «يا مسلم» بفتح الميم وضمها.

* * *

ولاضطرار رخّموا دون ندا

ما للنّدا يصلح نحو أحمدا (٢)

قد سبق أن الترخيم حذف أواخر الكلم فى النداء ، وقد يحذف للضرورة آخر الكلمة فى غير النداء ، بشرط كونها صالحة للنداء ، كـ «أحمد» ومنه قوله :

__________________

(١) «والتزم» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الأول» مفعول به لالتزم «فى» حرف جر «كمسلمة» الكاف اسم بمعنى مثل مبنى على الفتح فى محل جر بفى ، والجار والمجرور متعلق بالتزم ، والكاف الاسمية مضاف ومسلمة : مضاف إليه «وجوز» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الوجهين» مفعول به لجوز «فى كمسلمة» مثل السابق.

(٢) «ولاضطرار» الواو عاطفة ، لاضطرار : جار ومجرور متعلق بقوله «رخموا» الآتى «رخموا» فعل وفاعل «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من «ما» الآتى ، ودون مضاف و «ندا» قصر للضرورة : مضاف إليه «ما» اسم موصول : مفعول به لرخموا «للندا» جار ومجرور متعلق بيصلح الآتى «يصلح» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما ، والجملة لا محل لها صلة «نحو» خبر لمبتدأ محذوف : أى وذلك نحو ، ونحو مضاف و «أحمدا» مضاف إليه.

٢٩٤

(٣١٦) ـ

لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره

طريف بن مال ليلة الجوع والخصر

أى : طريف بن مالك.

* * *

__________________

٣١٦ ـ البيت لامرىء القيس بن حجر الكندى.

اللغة : «تعشو» ترى ناره من بعيد فتقصدها «الخصر» بالتحريك ـ شدة البرد.

المعنى : يمدح طريف بن مالك بأنه رجل كريم ، وأنه يوقد النيران ليلا ليراها السائرون فيقصدوا نحوها ، ويفعل ذلك إذا نزل القحط بالناس واشتد البرد ، وهو الوقت الذى يضن فيه الناس ويبخلون ، وهو إن فعل ذلك فى هذا الوقت فهو فى غيره أولى بأن يفعله.

الإعراب : «لنعم» اللام للتوكيد ، نعم : فعل ماض دال على إنشاء المدح «الفتى» فاعل نعم «تعشو» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والجملة فى محل نصب حال من فاعل نعم «إلى ضوء» جار ومجرور متعلق بتعشو ، وضوء مضاف ونار من «ناره» مضاف إليه ، ونار مضاف والهاء مضاف إليه «طريف» خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، أى هو طريف ، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره جملة «نعم الفتى» على ما تقدم فى إعراب المخصوص بالمدح أو الذم «ابن» نعت لطريف ، وابن مضاف و «مال» مضاف إليه ، وأصله مالك ، فحذف آخره ضرورة «ليلة» ظرف زمان متعلق بتعشو ، وليلة مضاف و «الجوع» مضاف إليه «والخصر» معطوف على الجوع.

الشاهد فيه : قوله «مال» حيث رخم من غير أن يكون منادى ، مع اختصاص الترخيم فى اصطلاح النحاة بالمنادى ، وارتكب هذا للاضطرار إليه ، والذى سهل هذا صلاحية الاسم للنداء.

هذا ، وفى الشعر العربى حذف بعض الكلمة بكل حال ، وإن لم تكن صالحة للنداء ، للضرورة ، كحذف بعض الضمير وبعض الحرف وبعض الاسم المقرون بأل ، وكل هذه الأنواع لا تصلح للنداء ؛ فمن ذلك قول لبيد بن ربيعة :

٢٩٥

 ................................................................

__________________

درس المنا بمتالع فأبان

فتقادمت ، فالحبس فالسّوبان

أراد «درس المنازل» فحذف حرفين من الكلمة ، ومثله قول العجاج وهو الشاهد رقم ٢٦٢ السابق فى إعمال اسم الفاعل :

* قواطنا مكّة من ورق الحمى*

أراد «الحمام» فاقتطع بعض الكلمة للضرورة ، وأبقى بعضها ؛ لدلالة المبقى على المحذوف منها ، وبناها بناء يدودم ، وجبرها بالإضافة ، وألحقها الياء فى اللفظ لوصل القافية ، ومثله قول خفاف بن ندبة السلمى :

كنواح ريش حمامة نجديّة

ومسحت باللّثتين عصف الإثمد

أراد «كنواحى» فحذف الياء فى الإضافة ضرورة ، تشبيها لها بها فى حال الإفراد والتنوين وحال الوقف ، ومنه قول النجاشى :

فلست بآتيه ولا أستطيعه

ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل

أراد «ولكن اسقنى» فحذف النون من «ولكن» لاجتماع الساكنين ، ضرورة ؛ ليستقيم له الوزن ، ولو أنه جاء به على الوجه المقيس فى العربية لأبقى النون وحركها بالكسر ؛ ليتخلص من التقاء الساكنين ، ولكنه شبهها بحروف المد واللين إذا سكنت وسكن ما بعدها ، ومثله قول مالك بن خريم الهمدانى :

فإن يك غثّا أو سمينا فإنّنى

سأجعل عينيه لنفسه مقنعا

أراد «لنفسهى» ـ بإشباع هاء الضمير ـ فحذف الياء ضرورة فى الوصل تشبيها بها فى الوقف ، ومثل ذلك كثير فى شعر العرب ، وهو ـ مع كثرته ـ باب لا يحتمله إلا الشعر ، وانظر ما ذكرناه فى شرح الشاهد رقم ٣١ فى باب الموصول

٢٩٦

الاختصاص

ألاختصاص : كنداء دون يا

ك «أيّها الفتى» بإثر «ارجونيا» (١)

وقد يرى ذا دون «أىّ» تلو «أل»

كمثل «نحن العرب أسخى من بذل» (٢)

الاختصاص (٣) يشبه النداء لفظا ، ويخالفه من ثلاثة أوجه :

__________________

(١) «الاختصاص» مبتدأ «كنداء» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «دون» ظرف متعلق بمحذوف نعت لنداء ، ودون مضاف و «يا» قصد لفظه : مضاف إليه «كأيها» الكاف جارة لقول محذوف ـ كما عرفت مرارا ـ وأى : مبنى على الضم فى محل نصب بفعل واجب الحذف ، وها : حرف تنبيه «الفتى» نعت لأى «بإثر» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من أيها ، وإثر مضاف ، و «ارجونيا» قصد لفظه : مضاف إليه.

(٢) «وقد» حرف تقليل «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول «ذا» اسم إشارة : نائب فاعل يرى «دون» ظرف متعلق بمحذوف حال من نائب الفاعل ، ودون مضاف و «أى» مضاف إليه «تلو» مفعول ثان ليرى ، وتلو مضاف و «أل» قصد لفظه : مضاف إليه «كمثل» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، أى وذلك كائن كمثل «نحن» ضمير منفصل مبتدأ «العرب» مفعول به لفعل محذوف وجوبا ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله ومفعوله لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره «أسخى» خبر المبتدأ ، وأسخى مضاف و «من» اسم موصول مضاف إليه ، وجملة «بذل» من الفعل وفاعله المستتر فيه لا محل لها صلة.

(٣) لم يذكر الشارح ـ رحمه الله! ـ تعريف الاختصاص ، ولا الباعث عليه ، فأما تعريفه فهو فى اللغة مصدر «اختص فلان فلانا بكذا» أى قصره عليه ، وهو فى الاصطلاح «قصر حكم مسند لضمير على اسم ظاهر معرفة ، يذكر بعده ، معمول

٢٩٧

أحدها : أنه لا يستعمل معه حرف نداء.

والثانى : أنه لا بدّ أن يسبقه شىء.

والثالث : أن تصاحبه الألف واللام.

وذلك كقولك : «أنا أفعل كذا أيها الرّجل ، ونحن العرب أسخى النّاس» ، وقوله صلى الله عليه وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة».

وهو منصوب بفعل مضمر ، والتقدير : «أخصّ العرب ، وأخصّ معاشر الأنبياء».

* * *

__________________

لأخص ، محذوفا وجوبا».

وأما الباعث عليه فأحد ثلاثة أمور :

الأول : الفخر ، نحو «على أيها الكريم يعتمد».

والثانى : التواضع ، نحو «أنا أيها العبد الضعيف مفتقر إلى عفو الله».

والثالث : بيان المقصود بالضمير ، نحو «نحن العرب أقرى الناس للضيف».

ومن شواهده قول الشاعر :

نحن بنى ضبّة أصحاب الجمل

ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل

وقد يكون منه :

نحن بنات طارق

نمشى على النّمارق

وذلك إذا نصبت «بنات» بالكسرة نيابة عن الفتحة ، فإن رفعته كان خبر المبتدأ ، ولم يكن من هذا الباب.

٢٩٨

التّحذير ، والإغراء

«إيّاك والشّرّ» ونحوه ـ نصب

محذّر ، بما استتاره وجب (١)

ودون عطف ذا لإيّا انسب ، وما

سواه ستر فعله لن يلزما (٢)

إلّا مع العطف ، أو التّكرار ،

ك «الضّيغم الضّيغم يا ذا السّارى» (٣)

__________________

(١) «إياك والشر» قصد لفظه : مفعول مقدم على عامله ـ وهو قوله نصب ـ «ونحوه» الواو عاطفة ، نحو : معطوف على المفعول به ، ونحو مضاف والهاء مضاف إليه «نصب» فعل ماض «محذر» فاعل نصب «بما» جار ومجرور متعلق بنصب «استتاره» استتار : مبتدأ ، واستتار مضاف والهاء مضاف إليه ، وجملة «وجب» من الفعل والفاعل المستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى استتاره فى محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالباء.

(٢) «ودون» ظرف متعلق بانسب الآتى ، ودون مضاف و «عطف» مضاف إليه «ذا» اسم إشارة مفعول به مقدم لانسب «لإيا» جار ومجرور متعلق بانسب «انسب» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وما» اسم موصول مبتدأ أول «سواه» سوى : ظرف متعلق بمحذوف صلة ما الموصولة ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه «ستر» مبتدأ ثان ، وستر مضاف وفعل من «فعله» مضاف إليه ، وفعل مضاف والضمير مضاف إليه «لن» نافية ناصبة «يلزما» فعل مضارع منصوب بلن ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره يعود إلى ستر فعله ، والألف للاطلاق ، والجملة من الفعل المضارع وفاعله فى محل رفع خبر المبتدأ الثانى ، وجملة المبتدأ الثانى وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ الأول.

(٣) «إلا» أداة استثناء ملغاة «مع» ظرف يتعلق بيلزم فى البيت السابق ، ومع مضاف و «العطف» مضاف إليه «أو» عاطفة «التكرار» معطوف على العطف «كالضيغم» الكاف جارة لقول محذوف ، الضيغم : منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره احذر «الضيغم» توكيد للأول «يا» حرف نداء «ذا» اسم إشارة : منادى مبنى على ضم مقدر في محل نصب «السارى» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة.

٢٩٩

التحذير : تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه.

فإن كان بإياك وأحواته ـ وهو إياك ، وإياكما ، وإياكم ، وإياكنّ ـ وجب إضمار الناصب : سواء وجد عطف أم لا ؛ فمثاله مع العطف : «إيّاك والشّرّ» فـ «إياك» : منصوب بفعل مضمر وجوبا ، والتقدير : إياك أحذّر ، ومثاله بدون العطف : «إياك أن تفعل كذا» أى : إياك من أن تفعل كذا.

وإن كان بغير «إياك» وأخواته ـ وهو المراد بقوله : «وما سواه» ـ فلا يجب إضمار الناصب ، إلا مع العطف ، كقولك : «ماز رأسك والسّيف» أى : يا مازن ق رأسك واحذر السيف ، أو التكرار ، نحو «الضّيغم الضّيعم» أى : احذر الضيغم ؛ فإن لم يكن عطف ولا تكرار جاز إضمار الناصب وإظهاره ، نحو «الأسد» أى : احذر الأسد ؛ فإن شئت أظهرت ، وإن شئت أضمرت.

* * *

وشذّ «إيّاى» ، و «إيّاه» أشذّ

وعن سبيل القصد من قاس انتبذ (١)

حقّ التحذير أن يكون للمخاطب ، وشذ مجيئه للمتكلم فى قوله : «إيّاى وأن يحذف أحدكم الأرنب (٢)» وأشذّ منه مجيئه للغائب فى قوله : «إذا بلغ الرجل

__________________

(١) «شذ» فعل ماض «إياى» مقصود لفظه : فاعل شذ «وإياه» مقصود لفظه أيضا : مبتدأ «أشذ» خبر المبتدأ «وعن سبيل» جار ومجرور متعلق بانتبذ الآتى ، وسبيل مضاف ، و «القصد» مضاف إليه «من» اسم موصول : مبتدأ ، وجملة «قاس» وفاعله المستتر فيه لا محل لها صلة ، وجملة «انتبذ» وفاعله المستتر فيه فى محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) هذا أثر عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ، وهو بنمامه «لتذك لكم الأسل والرماح ، وإياى وأن يحذف أحدكم الأرنب» ويحذف : أى يرمى بنحو حجر ، والأسل : كل مادق من الحديد كالسيف والسكين ، والرماح : جمع رمح ، وهو آلة من آلات الحرب معروفة ، يأمرهم بأن يذبحوا بالأسل وبالرماح ، وينهاهم أن يحذفوا الأرنب ونحوه بنحو حجر.

٣٠٠