شرح ابن عقيل - ج ٢

محمّد محيى الدين عبد الحميد

شرح ابن عقيل - ج ٢

المؤلف:

محمّد محيى الدين عبد الحميد


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العلوم الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
الجزء ١ الجزء ٢

وزائدة : قياسا (١) ، نحو «لزيد ضربت» ومنه قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) وسماعا ، نحو «ضربت لزيد».

وأشار بقوله : «والظرفية استبن ـ إلى آخره» إلى معنى الباء و «فى» ؛ فذكر أنهما اشتركا فى إفادة الظرفية ، والسببية ؛ فمثال الباء للظرفية قوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) أى : وفى الليل ، ومثالها للسببية قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ، وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) ومثال «فى» للظرفية قولك «زيد فى المسجد» وهو الكثير فيها ، ومثالها للسببية قوله صلى الله عليه وسلم : «دخلت امرأة النّار فى هرّة حبستها ؛ فلا هى أطعمتها ، ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض» (٢).

* * *

__________________

(١) زيادة اللام على ضربين ؛ الأول : زيادتها لمجرد التأكيد ـ وذلك إذا اتصلت بمعمول فعل ، وقد تقدم الفعل على المعمول المقترن باللام ـ كقول ابن ميادة الرماح ابن أبرد :

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكا أجار لمسلم ومعاهد

والزيادة الثانية لتقوية عامل ضعف عن العمل بأحد سببين ؛ أحدهما : أن يقع العامل متأخرا ، نحو قوله تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) وقوله سبحانه : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) وثانيهما. أن يكون العامل فرعا فى العمل : إما لكونه اسم فاعل نحو قوله تعالى (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) وإما لكونه صيغة مبالغة نحو قوله سبحانه (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).

(٢) خشاش الأرض : هوامها وحشراتها ، الواحدة خشاشة ، وفى رواية فى الحديث «حشيش الأرض» وفى رواية ثالثة «حشيشة الأرض» ـ بحاء مهملة ـ وهو يابس النبات ، وهو وهم. قاله ابن الأثير.

٢١

بالبا استعن ، وعدّ ، عوّض ، ألصق

ومثل «مع» و «من» و «عن» ها انطق (١)

تقدم أن الباء تكون للظرفية وللسببية ، وذكر هنا أنها تكون للاستعانة ، نحو «كتبت بالقلم ، وقطعت بالسكين» وللتعدية ، نحو «ذهبت بزيد» ومنه قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وللتعويض ، نحو : «اشتريت الفرس بألف درهم» ومنه قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) وللالصاق ، نحو «مررت بزيد» وبمعنى «مع» نحو «بعتك الثوب بطرازه» أى : مع طرازه ، وبمعنى «من» كقوله :

* شربن بماء البحر* (٢)

[١٩٨]

أى : من ماء البحر ، وبمعنى «عن» نحو (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ) أى : عن عذاب ، وتكون الباء ـ أيضا ـ للمصاحبة ، نحو (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [أى : مصاحبا حمد ربك].

* * *

على للاستعلا ، ومعنى «فى» و «عن»

بعن تجاوزا عنى من قد فطن (٣)

__________________

(١) «بالبا» قصر للضرورة : جار ومجرور متعلق بقوله «استعن» الآتى «استعن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «وعد ، عوض ، ألصق» معطوفات على استعن بحرف عطف محذوف «ومثل» حال من «ها» فى قوله «بها» الآتى ، ومثل مضاف و «مع» مضاف إليه «ومن ، وعن» معطوفان على «مع» السابق «بها» جار ومجرور متعلق بانطق الآتى «انطق» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) هذه قطعة من بيت هو الشاهد رقم ١٩٨ وقد سبق أول باب حروف الجر

(٣) «على» قصد لفظه : مبتدأ «للاستعلا» قصر للضرورة : جار ومجرور متعلق بمحذوف

٢٢

وقد تجى موضع «بعد» و «على»

كما «على» موضع «عن» قد جعلا (١)

تستعمل «على» للاستعلاء كثيرا ، نحو «زيد على السّطح» وبمعنى «فى» نحو قوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) أى : فى حين غفلة ، وتستعمل «عن» للمجاوزة كثيرا ، نحو : «رميت السّهم عن القوس» وبمعنى «بعد» نحو قوله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أى : بعد طبق ، وبمعنى «على» نحو قوله :

(٢٠٨) ـ

لاه ابن عمّك لا أفضلت فى حسب

عنّى ، ولا أنت ديّانى فتخزونى

__________________

خبر المبتدأ «ومعنى» معطوف على الاستعلاء ، ومعنى مضاف ، و «فى» قصد لفظه : مضاف إليه و «عن» معطوف على «فى» السابق «بعن» جار ومجرور متعلق بقوله «عنى» الآتى ، «تجاوزا» مفعول به مقدم على عامله وهو قوله «عنى» الآتى «عنى» فعل ماض «من» اسم موصول فاعل عنى «قد» حرف تحقيق «فطن» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من الموصولة ، والجملة لا محل لها صلة الموصول ، أى : وعنى الذى تحققت فطنته تجاوزا بعن.

(١) «وقد» حرف تقليل «تجى» فعل مضارع ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هى يعود إلى «عن» فى البيت السابق فاعل «موضع» ظرف متعلق بتجىء ، وموضع مضاف ، و «بعد» قصد لفظه : مضاف إليه «وعلى» معطوف على بعد «كما» الكاف جارة ، ما : مصدرية «على» قصد لفظه : مبتدأ «موضع» ظرف متعلق بقوله «جعلا» الآتى ، وموضع مضاف ، و «عن» قصد لفظه : مضاف إليه «قد» حرف تحقيق «جعلا» جعل : فعل ماض مبنى للمجهول ، وفيه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «على» نائب فاعل ، والألف للاطلاق ، والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر المبتدأ الذى هو على المقصود لفظه.

٢٠٨ ـ البيت لذى الإصبع ـ حرثان بن الحارث بن محرث ـ العدوانى ، من كلمة له مطلعها قوله :

٢٣

أى : لا أفضلت فى حسب علىّ ، كما استعملت «على» بمعنى «عن» فى قوله :

__________________

يا من لقلب طويل البثّ محزون

أمسى تذكّر ريّا أمّ هارون

أمسى تذكّرها من بعد ما شحطت

والدّهر ذو غلظة حينا وذو لين

اللغة : «أفضلت» زدت «ديانى» الديان : القاهر المالك للأمور الذى يجازى عليها ، فلا يضيع عنده خير ولا شر «تخزونى» تسومنى الذل وتقهرنى.

المعنى : لله ابن عمك ، فلقد ساواك فى الحسب ، وشابهك فى رفعة الأصل وشرف المحتد ، فما من مزية لك عليه ، ولا فضل لك فتفخر به عليه ، ولا أنت مالك أمره والمدبر لشؤونه ، فتقهره وتذله.

الإعراب : «لاه» أصل هذه الكلمة «لله» فهى جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، ثم حذف لام الجر وأبقى عمله شذوذا فصار «الله» ثم حذف أداة التعريف ؛ فصار كما ترى «ابن» مبتدأ مؤخر ، وابن مضاف ، وعم من «عمك» مضاف إليه ، وعم مضاف والكاف مضاف إليه «لا» نافية «أفضلت» أفضل : فعل ماض ، والتاء ضمير المخاطب فاعل «فى حسب» جار ومجرور متعلق بأفضلت «عنى» مثله «ولا» الواو عاطفة ، لا : زائدة لتأكيد النفى «أنت» ضمير منفصل مبتدأ «ديانى» ديان : خبر المبتدأ ، وديان مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، من إضافة الوصف إلى مفعوله «فتخزونى» الفاء عاطفة ، تخزونى : فعل مضارع ، والنوى للوقاية ، والياء مفعول به ، والفاعل ضمير مستتر ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فأنت تخزونى ، وجملة المبتدأ والخبر معطوفة بالفاء على جملة المبتدأ والخبر السابقة ، وتقدير الكلام : ولا أنت ديانى فأنت تخزونى.

الشاهد فيه : قوله «عنى» فإن «عن» هنا بمعنى «على» ، والسر فى ذلك أن «أفضل» بمعنى زاد فى الفضل إنما يتعدى بعلى.

ومثل ما ورد فى صدر هذا البيت ـ من قوله «لاه ابن عمك» ـ قول عمر بن أبى ربيعة المخزومى (البيت ١٧ من القطعة ٢٣ من ديوانه بشرحنا) :

قلت : كلّا ، لاه ابن عمّك ، بل خفنا

أمورا كنّا بها أغمارا

٢٤

(٢٠٩) ـ

إذا رضيت علىّ بنو قشير

لعمر الله أعجبنى رضاها

أى : إذا رضيت عنى.

* * *

شبّه بكاف ، وبها التّعليل قد

يعنى ، وزائدا لتوكيد ورد (٢)

تأتى الكاف للتشبيه كثيرا ، كقولك : «زيد كالأسد» ، وقد تأتى

__________________

٢٠٩ ـ البيت للقحيف العقيلى ، من كلمة يمدح فيها حكيم بن المسيب القشيرى ، ومن هذه القصيدة قوله فى حكيم المذكور :

تنضّيت القلاص إلى حكيم

خوارج من تبالة أو مناها

فما رجعت بخائبة ركاب

حكيم بن المسيّب منتهاها

اللغة : «قشير» بزنة ـ التصغير ـ هو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

الإعراب : «إذا» ظرف للزمان المستقبل تضمن معنى الشرط «رضيت» رضى : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «على» جار ومجرور متعلق برضى «بنو» فاعل رضى ، وبنو مضاف و «قشير» مضاف إليه ، والجملة من الفعل وفاعله فى محل جر بإضافة «إذا» إليها «لعمر» اللام للابتداء ، عمر : مبتدأ ، وخبره محذوف وجوبا ، والتقدير لعمر الله قسمى ، وعمر مضاف و «الله» مضاف إليه «أعجبنى» أعجب : فعل ماض ، والنون للوقاية ، والياء مفعول به «رضاها» رضا : فاعل أعجب ، والضمير مضاف إليه ، وأنثه مع أن مرجعه مذكر وهو «بنو قشير» لتأولهم بالقبيلة ، وجملة «أعجبنى رضاها» لا محل لها من الإعراب جواب «إذا».

الشاهد فيه : قوله «رضيت على» فإن «على» فيه بمعنى «عن» ويدلك على ذلك أن «رضى» إنما يتعدى بعن كما فى قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) ، وقد حمل الشاعر «رضى» على ضده وهو «سخط» فعداه بالحرف الذى يتعدى به ضده وهو «على» وليس فى ذلك ما تنكره ، فإن العرب تحمل الشىء على ضده كما تحمله على نظيره.

(١) «شبه» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «بكاف»

٢٥

للتعليل ، كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) أى : لهدايته إياكم ، وتأتى زائدة للتوكيد ، وجعل منه قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أى ليس مثله شىء ، ومما زيدت فيه قول رؤبة :

(٢١٠) ـ

* لواحق الأقراب فيها كالمقق*

أى : فيها المقق ، أى : الطّول ، وما حكاه الفراء أنه قيل لبعض العرب : كيف تصنعون الأفط؟ فقال : كهيّن ، أى : هينا.

__________________

متعلق بشبه «وبها» متعلق بقوله : «يعنى» الآتى «التعليل» مبتدأ «قد» حرف تقليل «يعنى» فعل مضارع مبنى المجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على التعليل ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «وزائدا» حال من فاعل «ورد» الآتى «لتوكيد» جار ومجرور متعلق بزائد «ورد» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الكاف.

٢١٠ ـ هذا الشاهد من أرجوزة لرؤبة بن العجاج.

اللغة : «لواحق» جمع لاحقة ، وهى التى ضمرت وأصابها الهزال «الأقراب» جمع قرب ـ بضم فسكون ، أو بضمتين ـ وهى الخاصرة «المقق» بفتح الميم والقاف ـ الطول ، وقال الليث : هو الطول الفاحش فى دقة.

المعنى : يريد أن هذه الأتن ـ التى يصفها ـ خماص البطون ، قد أصابها الهزال وانتابها الضمور ، وأن فيها طولا.

الإعراب : «لواحق» خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هى لواحق ، أو نحوه ، ولواحق مضاف ، و «الأقراب» مضاف إليه «فيها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «كالمقق» الكاف زائدة ، المقق : مبتدأ مؤخر.

الشاهد فيه : قوله «كالمقق» حيث وردت الكاف زائدة غير دالة على معنى من المعانى التى تستعمل فيها ، ودليل زيادتها شيئان ؛ الأول : أن المعنى الذى أراده الشاعر لا يتم إلا على طرحها من الكلام وحذفها ، والثانى : أن بقاءها ذات معنى من المعانى التى ترد لها يفسد الكلام ويخل به ، ألست ترى أنك لا تقول : فى هذا الشىء كالطول ، وإنما تقول فى هذا الشىء طول ، فافهم هذا فإنه يفيدك.

٢٦

واستعمل اسما ، وكذا «عن» و «على»

من أجل ذا عليهما من دخلا (١)

استعمل الكاف اسما قليلا ، كقوله :

(٢١١) ـ

أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط

كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل

__________________

وتخريج البيت على زيادة الكاف هو تخريج جماعة من النحاة : منهم الرضى فى شرح الكافية ، وابن عصفور ، وأبو الفتح بن جنى فى سر الصناعة ، وأبو على الفارسى فى البغداديات ، وابن السراج فى الأصول ، وقد حمل أبو على على زيادة الكاف قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقوله سبحانه : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) قال : تقدير الكلام أرأيت الذى حاج إبراهيم فى ربه ، أو الذى مر على قرية.

(١) «واستعمل» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الكاف فى البيت السابق «اسما» حال من نائب الفاعل «وكذا» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «عن» قصد لفظه : مبتدأ مؤخر و «على» معطوف على عن «من أجل» جار ومجرور متعلق بدخل أيضا «من» قصد لفظه : مبتدأ «دخلا» دخل : فعل ماض ، والألف للاطلاق ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ.

٢١١ ـ هذا البيت للأعشى ميمون بن قيس ، من قصيدته اللامية المشهورة التى مطلعها :

ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل؟

اللغة : «شطط» هو الجور ، والظلم ، ومجاوزة الحد «الفتل» بضمتين ـ جمع فتيلة ، وأراد بها فتيلة الجراح.

المعنى : لا ينهى الجائرين عن جورهم ، ولا يردع الظالمين عن ظلمهم ، مثل الطعن البالغ الذى ينفذ إلى الجوف فيغيب فيه ، وأراد أنه لا يكفهم عن ظلمهم سوى الأخذ بالشدة.

الإعراب : «أتنتهون» الهمزة للاستفهام الإنكارى ، تنتهون : فعل وفاعل

٢٧

فالكاف : اسم مرفوع على الفاعلية ، والعامل فيه «ينهى» ، والتقدير : ولن ينهى ذوى شطط مثل الطعن ، واستعملت «على ، وعن» اسمين عند دخول «من» عليهما ، وتكون «على» بمعنى «فوق» و «عن» بمعنى «جانب» ، ومنه قوله :

(٢١٢) ـ

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ ، وعن قيض بزيزاء مجهل

__________________

«ولن» نافية ناصبة «ينهى» فعل مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف «ذوى» مفعول تقدم على الفاعل ، وذوى مضاف و «شطط» مضاف إليه «كالطعن» الكاف اسم بمعنى مثل فاعل ينهى ، والكاف مضاف ، والطعن مضاف إليه «يذهب» فعل مضارع «فيه» جار ومجرور متعلق بيذهب «الزيت» فاعل يذهب «والفتل» معطوف على الزيت ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل جر صفة للطعن ، أو فى محل نصب حال منه ؛ وذلك لأنه اسم محلى بأل الجنسية ، وانظر شرح الشاهد رقم ٢٨٦.

الشاهد فيه : قوله «كالطعن» فإن الكاف فيه اسم بمعنى «مثل» وهى فاعل لقوله «ينهى» وقد أوضحنا ذلك فى إعراب البيت.

٢١٢ ـ البيت لمزاحم العقيلى ، يصف القطاة ، من قصيدة له مطلعها قوله :

خليلىّ عوجانى على الرّبع نسأل

متى عهده بالظّاعن المتحمّل

وقبل بيت الشاهد قوله :

أذلك أم كدريّة ظلّ فرخها

لقى بشرورى كاليتيم المعيّل

اللغة : «غدت» هنا بمعنى «صار» فلا يختص بزمان دون زمان ، كما تقول : «غدا على أميرا» أى : صار على أميرا ؛ فلو لم يكن بمعنى «صار» اختص حدوث معناه بزمان الغداة «من عليه» أراد من فوقه ؛ فعلى هنا اسم ، ولذلك دخل عليه حرف الجر «ظمؤها» بكسر الظاء وسكون الميم ـ زمان صبرها عن الماء «تصل» تصوت وإنما يصوت حشاها ، فجعلها إذا صوت حشاها فقد صوتت «قيض» بفتح

٢٨

أى : غدت من فوقه ، وقوله :

(٢١٣) ـ

ولقد أرانى للرّماح دريئة

من عن يمينى تارة وأمامى

أى : من جانب يمينى.

 ...

__________________

القاف وسكون الياء ـ قشر البيضة الأعلى «زيزاء» بزاى مفتوحة أو مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة فزاى ثانية ـ هو ما ارتفع من الأرض «المجهل» الذى ليس له أعلام يهتدى بها.

المعنى : يقول : إن هذه القطاة انصرفت من فوق فرخها بعد ما تمت مدة صبرها عن الماء ، حال كونها تصوت أحشاؤها لعطشها بسبب بعد عهدها بالماء ، وطارت عن بيضها الذى وضع بمكان مرتفع خال من الأعلام التى يهتدى بها.

الإعراب : «غدت» غدا : فعل ماض ناقص ، والتاء للتأنيث ، واسمه ضمير مستتر يعود إلى «كدرية» فى بيت سابق أنشدناه لك «من» حرف جر «عليه» على : اسم بمعنى فوق مجرور محلا بمن ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر غدت ، وعلى مضاف وضمير الغائب العائد إلى فرخها مضاف إليه «بعد» ظرف متعلق بغدت «ما» مصدرية «تم» فعل ماض «ظمؤها» ظمء : فاعل تم ، وظمء مضاف والضمير مضاف إليه «تصل» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل نصب حال «وعن قيض» جار ومجرور معطوف على قوله «من عليه» فهو من متعلقات غدت أيضا «بزيزاء» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقيض «مجهل» صفة لزيزاء.

الشاهد فيه : قوله «من عليه» حيث ورد «عن» اسما بمعنى فوق ؛ بدليل دخول حرف الجر عليه ، كما أوضحناه لك.

٢١٣ ـ البيت لقطرى بن الفجاءة ، من أبيات سبق أحدها فى باب الحال من هذا الكتاب (هو الشاهد رقم ١٨٦).

اللغة : «دريئة» هى حلقة يرمى فيها المتعلم ويطعن للتدرب على إصابة الهدف ، وأراد بهذه العبارة أنه جرىء على اقتحام الأهوال ومنازلة الأبطال وقراع الخطوب ،

٢٩

و «مذ ، ومنذ» اسمان حيث رفعا

أو أوليا الفعل : كـ «جئت مذ دعا» (١)

وإن يجرّا فى مضىّ فكمن

هما ، وفى الحضور معنى «فى» استبن (٢)

__________________

وأنه ثابت عند اللقاء لا يجبن ولا يولى ولا ينهزم ، ولو أن الأعداء قصدوا إليه وتناولته رماحهم من كل جانب ، وذكر اليمين والأمام وحدهما ـ وترك اليسار والظهر ـ لأنه يعلم أن اليسار كاليمين ، وأن الظهر قد جرت العادة ألا يمكن الفارس منه أحدا.

الإعراب : «أرانى» أرى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا ، والنون للوقاية ، والياء مفعول أول «للرماح» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من قوله «دريئة ، الآتى «دريئة» مفعول ثان لأرى ، وأرى هنا علمية ، ومن أجل هذا صح أن يكون فاعلها ومفعولها ضميرين لمسمى واحد وهو المتكلم ، وذلك من خصائص أفعال القلوب ، فلو جعلتها بصرية لزمك أن تقدر مضافا محذوفا ، وأصل الكلام عليه : أرى نفسى «من» حرف جر «عن» اسم بمعنى جانب مجرور المحل بمن ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام : أى تجيئنى من جهة يمينى ـ إلخ ، وعن مضاف ، ويمين من «يمينى» مضاف إليه ، ويمين مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «تارة» منصوب على الظرفية ، ويروى فى مكانه «مرة» وقوله «وأمامى» معطوف على يمينى.

الشاهد فيه : قوله «من عن» حيث استعمل «عن» اسما بمعنى «جهة» ودليل ذلك أنه أدخل عليه حرف الجر ، وقد بينا لك ذلك فى إعراب البيت.

(١) «ومذ» قصد لفظه : مبتدأ «ومنذ» معطوف عليه «اسمان» خبر المبتدأ «حيث» ظرف متعلق بمحذوف صفة لمذ ومنذ «رفعا» فعل وفاعل ، والجملة فى محل جر بإضافة «حيث» إليها «أو» عاطفة «أوليا» أولى : فعل ماض مبنى للمجهول ، وألف الاثنين نائب فاعل ، وهو المفعول الثانى «الفعل» مفعول أول لأولى ؛ لأنه هو الفاعل فى المعنى «كجئت» الكاف جارة لقول محذوف ، جئت : فعل وفاعل «مذ» ظرف متعلق بجئت «دعا» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، والجملة فى محل جر بإضافة مذ إليها.

(٢) «وإن» شرطية «يجرا» فعل مضارع فعل الشرط. وألف الاثنين فاعل «فى مضى» جار ومجرور متعلق ييجرا «فكمن» الفاء لربط الجواب بالشرط ، كمن :

٣٠

تستعمل «مذ ، ومنذ» اسمين إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا ، أو وقع بعدهما فعل ؛ فمثال الأول «ما رأيته مذ يوم الجمعة» أو «مذ شهرنا» فـ «مذ» : [اسم] مبتدأ خبره ما بعده ، وكذلك «منذ» ، وجوّز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما ، ومثال الثانى «جئت مذ دعا» فـ «مذ» : اسم منصوب المحل على الظرفية ، والعامل فيه «جئت».

وإن وقع ما بعدهما مجرورا فهما حرفا جر : بمعنى «من» إن كان المجرور ماضيا ، نحو «ما رأيته مذ يوم الجمعة» أى : من يوم الجمعة ، وبمعنى «فى» إن كان حاضرا ، نحو «ما رأيته مذ يومنا» أى : فى يومنا.

* * *

وبعد «من وعن وباء» زيد «ما»

فلم يعق عن عمل قد علما (١)

تزاد «ما» بعد «من ، وعن» والباء ؛ فلا تكفّها عن العمل ، كقوله

__________________

جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم «هما» ضمير منفصل مبتدأ مؤخر «وفى الحضور» جار ومجرور متعلق بقوله «استبن» الآتى «معنى» مفعول مقدم لاستبن ، ومعنى مضاف و «فى» قصد لفظه : مضاف إليه «استبن» فعل أمر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(١) «وبعد» ظرف متعلق بقوله «زيد» الآتى ، وبعد مضاف ، و «من» قصد لفظه : مضاف إليه «وعلى ، وباء» معطوفان على «من» «زيد» فعل ماض مبنى للمجهول «ما» قصد لفظه : نائب فاعل زيد «فلم» نافية جازمة «يعق» فعل مضارع مجزوم بلم ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما «عن عمل» جار ومجرور متعلق بيعق «قد» حرف تحقيق «علما» علم : فعل ماض مبنى للمجهول ، والألف للاطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عمل ، والجملة فى محل جر صفة لعمل.

٣١

تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) وقوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) وقوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ).

* * *

وزيد بعد «ربّ ، والكاف» فكف

وقد تليهما وجرّ لم يكف (١)

تزاد «ما» بعد «الكاف ، وربّ» فتكفّهما (٢) عن العمل ، كقوله :

(٢١٤) ـ

فإنّ الحمر من شرّ المطايا

كما الحبطات شرّ بنى تميم

__________________

(١) «وزيد» فعل ماض مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على «ما» فى البيت السابق «بعد» ظرف متعلق بزيد ، وبعد مضاف و «رب» قصد لفظه : مضاف إليه «والكاف» معطوف على رب «فكف» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما «وقد» حرف تقليل «يليهما» بلى : فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه يعود على ما ، والضمير البارز المتصل مفعول به «وجر» الواو واو الحال ، جر : مبتدأ «لم» نافية جازمة «يكف» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى جر ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ ، والجملة من المبتدأ وخبره فى محل نصب حال.

(٢) أنت تعلم أن حرف الجر يدخل على اسم مفرد ـ أى غير جملة ـ فيجره ؛ فالكف : هو أن تحول «ما» بين رب والكاف وبين ما يقتضيه كل حرف منهما ، وهو الدخول على الاسم المفرد وجره ، وذلك بأن تهيئهما للدخول على الجمل ، اسمية كانت أو فعلية ؛ فأما دخولهما على الجمل الاسمية فقد استشهد له الشارح (ش ٢١٤ و٢١٥) وأما دخولهما على الجمل الفعلية فمنه قول جذيمة الأبرش :

ربّما أوفيت فى علم

ترفعن ثوبى شمالات

ومنه قول رؤبة بن العجاح فى أحد تخريجاته :

* لا تشتم النّاس كما لا تشتم*

٢١٤ ـ البيت لزياد الأعجم ، وهو أحد أبيات ثلاثة ، وقبله :

وأعلم أنّنى وأبا حميد

كما النّشوان والرّجل الحليم

٣٢

وقوله :

(٢١٥) ـ

ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيج بينهنّ المهار

__________________

أريد حباءه ويريد قتلى

وأعلم أنّه الرّجل اللّئيم

والبيتان مرفوعا القافية كما ترى ، وبيت الشاهد مجرورها ، ففيه الإقواء.

اللغة : «النشوان» أصله السكران ، وأراد به لازمه ، وهو الذى يعيب كثيرا ويقول ما لا يحتمل ، بدليل ذكر الحليم فى مقابلته «الحليم» ذو الأناة الذى يحتمل ما يثقل على النفس ويشق عليها «حباءه» بكسر الحاء ـ وهو العطية «الحمر» جمع حمار ، ويروى «فإن النيب من شر المطايا» والنيب : جمع ناب ، وهى الناقة المسنة «المطايا» جمع مطية ، وهى ـ هنا ـ الدابة مطلقا ، سميت بذلك لأنها تمطو فى سيرها ، أى : تسرع ، أو لأنك تركب مطاها : أى ظهرها «الحبطات» بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة ـ هم بنو الحارث بن عمرو بن تميم ، وكان أبوهم الحارث بن عمرو فى سفر فأكل أكلا انتفخ منه بطنه فمات فصار بنو تميم يعيرون بالطعام ، وانظر إلى قول الشاعر :

إذا ما مات ميت من تميم

فسرّك أن يعيش فجىء بزاد

الإعراب : «فإن» حرف توكيد «الحمر» اسم إن «من شر» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن ، وشر مضاف ، و «المطايا» مضاف إليه «كما» الكاف حرف جر ، ما : كافة «الحبطات» مبتدأ «شر» خبر المبتدأ ، وشر مضاف ، و «بنى» مضاف إليه ، وبنى مضاف ، و «تميم» مضاف إليه.

الشاهد فيه : قوله «كما الحبطات» حيث زيدت «ما» بعد الكاف فمنعتها من جر ما بعدها ، ووقع بعدها جملة من مبتدأ وخبر ، وقد وضح ذلك فى إعراب البيت.

٢١٥ ـ البيت لأبى دواد الإيادى.

اللغة : «الجامل» القطيع من الإبل مع رعائه وأربابه «المؤبل» ـ بزنة المعظم ـ المتخذ للقنية ، وتقول : إبل مؤبلة ، إذا كانت متخذة للقنية «عناجيج» جمع عنجوج ، وهو من الخيل الطويل العنق «المهار» جمع مهر ـ والواحدة بهاء ـ وهو ولد الفرس.

٣٣

وقد تزاد بعدهما ولا تكفّهما عن العمل ، وهو قليل ، كقوله :

(٢١٦) ـ

ماوىّ يا ربّتما غارة

شعواء ، كاللّذعة بالميسم

__________________

المعنى : يقول : إنه ربما وجد فى قومه القطيع من الإبل المعد للقنية ، وجياد الخيل الطويلة الأعناق التى بينها أولادها.

الإعراب : «ربما» رب : حرف تقليل وجر شبيه بالزائد ، ما زائدة كافة «الجامل» مبتدأ «المؤبل» صفة للجامل «فيهم» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «وعناجيج» الواو عاطفة ، وعناجيج : مبتدأ ، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله ، والتقدير : وعناجيج فيهم ، مثلا «بينهن» بين : ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ، وبين مضاف والضمير مضاف إليه «المهار» مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ والخبر فى محل رفع صفة لقوله «عناجيج» السابق ، وهى التى سوغت الابتداء بالنكرة.

الشاهد فيه : قوله «ربما الجامل فيهم» حيث دخلت «ما» الزائدة على «رب» فكفتها عن عمل الجر فيما بعدها ، وسوغت دخولها على الجملة الابتدائية ، ودخول رب المكفوفة على الجمل الاسمية شاذ عند سيبويه ؛ لأنها عنده حينئذ نختص بالجمل الفعلية ، وعند أبى العباس المبرد لا تخص رب المكفوفة بجملة دون جملة ؛ فليس فى البيت شذوذ عنده.

٢١٦ ـ البيت لضمرة النهشلى.

اللغة : «غارة» هو اسم من أغار القوم ، أى : أسرعوا فى السير للحرب «شعواء» منتشرة متفرقة «اللذعة» مأخوذ من لذعته النار ، أى : أحرقته «الميسم» ما يوسم به البعير بالنار : أى يعلم ليعرف ، وكان لكل قبيلة وسم مخصوص يطبعونه على إبلهم لتعرف.

الإعراب : «ماوى» منادى مرخم ، وحرف النداء محذوف ، وأصله «يا ماوية» «يا» حرف تنبيه «ربتما» رب : حرف تقليل وجر شبيه بالزائد ، والتاء لتأنيث اللفظ ، وما : زائدة غير كافة هنا «غارة» مبتدأ ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد «شعواء» صفة لغارة

٣٤

وقوله :

(٢١٧) ـ

وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما النّاس مجروم عليه وجارم

* * *

وحذفت «ربّ» فجرّت بعد «بل»

والفا ، وبعد الواو شاع ذا العمل (٣)

__________________

«كاللذعة» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لغارة «بالميسم» جار ومجرور متعلق باللذعة ، وخبر المبتدأ جملة «ناهبتها» فى بيت آخر ، وهو قوله :

ناهبتها الغنم على طيّع

أجرد كالقدح من السّاسم

الشاهد فيه : قوله «ربتما غارة» حيث دخلت «ما» الزائدة ـ التى من شأنها أن تكف حرف الجر عن عمل الجر ـ على «رب» فلم تكفها عن عمل الجر فى لفظ ما بعدها.

٢١٧ ـ البيت لعمرو بن براقة الهمدانى ، من كلمة مطلعها :

تقول سليمى : لا تعرّض لتلفة

وليلك عن ليل الصّعاليك نائم

المعنى : إننا نعين حليفنا ونساعده على عدوه ، مع أنّنا نعلم أنه كسائر الناس يجنى ويجنى عليه.

الإعراب : «ننصر» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن «مولانا» مولى : مفعول به لننصر ، ومولى مضاف والضمير مضاف إليه «ونعلم» فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر فيه «أنه» أن : حرف توكيد ونصب ، والهاء اسمه «كما» الكاف جارة ، ما : زائدة «الناس» مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر «أن» وجملة «أن» واسمها وخبرها سدت مسد مفعولى «نعلم» «مجروم» خبر ثان لأن ، وهو اسم مفعول ؛ فقوله «عليه» واقع موقع نائب الفاعل «وجارم» معطوف على «مجروم».

الشاهد فيه : قوله «كما الناس» حيث زيدت «ما» بعد الكاف ، ولم تمنعها من عمل الجر فى الاسم الذى بعدها.

(١) «وحذفت» الواو عاطفة أو للاستئناف ، حذف : فعل ماض مبنى للمجهول ،

٣٥

لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله ، إلا فى «ربّ» بعد الواو ، وفيما سنذكره ، وقد ورد حذفها بعد الفاء ، و «بل» قليلا ؛ فمثاله بعد الواو قوله :

* وقاتم الأعماق خاوى المخترقن* (١)

ومثاله بعد الفاء قوله :

(٢١٨) ـ

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذى تمائم محول

__________________

والتاء للتأنيث «رب» قصد لفظه : نائب فاعل «فجرت» الفاء حرف عطف ، وجر : فعل ماض ، والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هى يعود إلى رب «بعد» ظرف متعلق بجرت ، وبعد مضاف و «بل» قصد لفظه : مضاف إليه «والفا» قصر للضرورة : معطوف على «بل» و «بعد» ظرف متعلق بقوله «شاع» الآتى ، وبعد مضاف ، و «الواو» مضاف إليه «شاع» فعل ماض «ذا» اسم إشارة فاعل شاع «العمل» بدل أو عطف بيان أو نعت لاسم الإشارة : أى وشاع هذا العمل بعد الواو.

(١) تقدم شرح هذا البيت فى أول الكتاب ، فانظره هناك ، وهو الشاهد رقم ٣ والشاهد فيه هنا قوله «وقاتم» حيث جر بعد الواو برب المحذوفة.

ونظير هذا البيت ـ فى الجر برب محذوفة بعد الواو ـ قول امرىء القيس :

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علىّ بأنواع الهموم ليبتلى

٢١٨ ـ البيت لامرىء القيس بن حجر الكندى ، من معلقته المشهورة ، وقبل هذا البيت قوله :

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة

فقالت : لك الويلات ، إنّك مرجلى

تقول ، وقد مال الغبيط بنا معا :

عقرت بعيرى يا امرأ القيس فانزل

فقلت لها : سيرى ، وأرخى زمامه

ولا تبعدينى عن جناك المعلّل

اللغة : «طرقت» جئت ليلا «تمائم» جمع تميمة ، وهى التعويذة تعلق على الصبى

٣٦

ومثاله بعد «بل» قوله :

(٢١٩) ـ

بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتّانه وجهرمه

__________________

لتمنعه العين فى زعمهم «محول» اسم فاعل من «أحول الصبى» إذا أتى عليه من مولده عام.

الإعراب : «فمثلك» مثل : مفعول مقدم على عامله وهو قوله «طرقت» الآتى منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ، وهو «رب» المحذوفة ، ومثل مضاف والكاف مضاف إليه «حبلى» بدل من الكاف فى «مثلك» «قد» حرف تحقيق «طرقت» فعل وفاعل «ومرضع» معطوف على حبلى ، وهو يروى بالجر تابعا على اللفظ ، وبالنصب تابعا على الموضع «فألهينها» الفاء عاطفة ، ألهيتها : فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة معطوفة على جملة «قد طرقت» «عن ذى» جار ومجرور متعلق بألهى ، وذى مضاف و «تمائم» مضاف إليه «محول» صفة لذى تمائم.

الشاهد فيه : قوله «فمثلك» حيث جر برب المحذوفة بعد الفاء.

٢١٩ ـ البيت لرؤبة بن العجاج.

اللغة : «بلد» يذكر ويؤنث ، والتذكير أكثر «الفجاج» جمع فج ، وهو الطريق الواسع «قتمه» أصله قتامه ، والقتام هو الغبار ، فخففه بحذف الألف «جهرمه» الجهرم ـ بزنة جعفر ـ هو البساط نفسه ، وقيل : أصله جهرميه ـ بياء نسبة مشددة ـ نسبة إلى جهرم ، وهو بلد بفارس ، فحذف ياء النسبة.

المعنى : يصف نفسه بالقدرة على الأسفار وتحمل المشاق والصعوبات ، ويشير إلى أن ناقته قوية على قطع الطرق الوعرة والمسالك الصعبة.

الإعراب : «بل» حرف دال على الإضراب والانتقال «بلد» مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ، وهو رب المحذوفة بعد «بل» «ملء» مبتدأ ثان ، وملء مضاف و «الفجاج» مضاف إليه «قتمه» قتم : خبر المبتدأ الثانى ، وقتم مضاف والضمير مضاف إليه ، ويجوز العكس ، والجملة فى محل رفع صفة لبلد «لا» نافية «يشترى» فعل مضارع مبنى للمجهول «كتانه» كتان : نائب فاعل ليشترى ، وكتان مضاف وضمير الغائب

٣٧

والشائع من ذلك حذفها بعد الواو ، وقد شذّ الجرّ بـ «ربّ» محذوفة من غير أن يتقدمها شىء ، كقوله :

(٢٢٠) ـ

رسم دار وقفت فى طلله

كدت أقضى الحياة من جلله

* * *

__________________

العائد إلى بلد مضاف إليه «وجهرمه» معطوف على «كتانه» والجملة فى محل رفع نعت لبلد ، وخبر المبتدأ الواقع بعد بل والمجرور لفظه برب المحذوفة هو قوله «كلفته عيدية» وهذا الخبر قد وقع فى بيت بعد بيت الشاهد بتسعة أبيات ، وذلك فى قوله :

كلّفته عيديّة تجشّمه

كأنّها ، والسّير ناج سوّمه

قياس بار نبعه ونشمه

تنجو إذا السّير استمرّ وذمه

الشاهد فيه : قوله «بل بلد» حيث جر «بلد» برب المحذوفة بعد «بل».

٢٢٠ ـ البيت لجميل بن معمر العذرى.

اللغة : «الرسم» ما لصق بالأرض من آثار الديار كالرماد ونحوه «والطلل» ما شخص وارتفع من آثارها كالوتد ونحوه «من جلله» له معنيان : أحدهما أن يكون من قولهم «فعلت هذا من جلل كذا» والمعنى : فعلته من عظمه فى نفسى ، حكاه أبو على القالى ، الثانى : أن يكون من قولهم : «فعلت كذا من جللك وجلالك» ، والمعنى من أجلك ، وبسببك.

الإعراب : «رسم» مبتدأ ، مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتعال المحل بالحركة التى اقتضاها حرف الجر الشبيه بالزائد المحذوف مع بقاء عمله ، ورسم مضاف ، و «دار» مضاف إليه «وقفت» فعل وفاعل «فى طلله» الجار والمجرور متعلق بوقفت ، وطلل مضاف والضمير مضاف إليه ، والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع صفة لرسم «كدت» كاد : فعل ماض ناقص ، والتاء اسمه «أقضى» فعل مضارع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا «الحياة» مفعول به لأقضى ، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله فى محل نصب خبر «كاد» وجملة «كاد» واسمه وخبره فى محل رفع خبر المبتدأ.

٣٨

وقد يجرّ بسوى ربّ ، لدى

حذف ، وبعضه يرى مطّردا (١)

الجرّ بغير «ربّ» محذوفا على قسمين : مطّرد ، وغير مطرد.

فغير المطرد ، كقول رؤبة لمن قال له «كيف أصبحت؟» : «خير والحمد لله» التقدير : على خير ، وقول الشاعر :

(٢٢١) ـ

إذا قيل : أىّ النّاس شرّ قبيلة؟

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

__________________

الشاهد فيه : قوله «رسم دار» ـ فى رواية الجر ـ حيث جر قوله «رسم» برب محذوفا من غير أن يكون مسبوقا بأحد الحروف الثلاثة : الواو ، والفاء ، وبل ، وذلك شاذ.

(١) «وقد» حرف تقليل «يجر» فعل ماض مبنى للمجهول «بسوى» جار ومجرور واقع موقع نائب الفاعل ليجر ، وسوى مضاف و «رب» قصد لفظه : مضاف إليه «لدى» ظرف بمعنى عند متعلق بيجر ، ولدى مضاف و «حذف» مضاف إليه «وبعضه» بعض مبتدأ ، والهاء مضاف إليه «يرى» فعل مضارع مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا ، وهو المفعول الأول «مطردا» مفعول ثان ليرى ، والجملة من الفعل المبنى للمجهول ونائب فاعله ومفعوليه فى محل رفع خبر المبتدأ.

٢٢١ ـ البيت من قصيدة للفرزدق يهجو فيها جريرا.

اللغة : «قبيلة» واحدة قبائل العرب «كليب» ـ بزنة التصغير ـ أبو قبيلة جرير ، والباء فى قوله : «بالأكف» للمصاحبة بمعنى «مع» أى : أشارت الأصابع مع الأكف ، أو الباء على أصلها والكلام على القلب ، وكأنه أراد أن يقول : أشارت الأكف بالأصابع ، فقلب.

المعنى : إن لؤم كليب وارتكاسها فى الشر أمر مشهور لا يحتاج إلى التنبيه إليه ، فإنه لو سأل سائل عن شر قبيلة فى الوجود لبادر الناس إلى الإشارة إلى كليب.

الإعراب : «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط «قيل» فعل ماض مبنى للمجهول «أى» اسم استفهام مبتدأ ، وأى مضاف و «الناس» مضاف إليه «شر» أفعل تفضيل حذفت همزته تخفيفا لكثرة الاستعمال ، وهو خبر المبتدأ ،

٣٩

أى : أشارت إلى كليب ، وقوله :

(٢٢٢) ـ

وكريمة من آل قيس ألفته

حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام

أى : فارتقى إلى الأعلام.

__________________

وشر مضاف و «قبيلة» مضاف إليه ، والجملة من المبتدأ وخبره نائب فاعل قيل «أشارت» أشار : فعل ماض ، والتاء للتأنيث «كليب» مجرور بحرف جر محذوف ، والتقدير : إلى كليب ، والجار والمجرور متعلق بأشارت «بالأكف» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الأصابع تقدم عليه «الأصابع» فاعل أشارت.

الشاهد فيه : قوله «أشارت كليب» حيث جر قوله «كليب» بحرف جر محذوف ، كما بيناه فى الإعراب ، والجر بالحرف المحذوف ـ غير ما سبق ذكره ـ شاذ.

٢٢٢ ـ هذا البيت من الشواهد التى لا يعلم قائلها.

اللغة : «كريمة» صفة لموصوف محذوف ، أى : رجل كريمة ، والناء فيه للمبالغة لا للتأنيث ؛ بدليل تذكير الضمير فى قوله «ألفته» ولا يقال : إنه استعمل صيغة فعيلة فى المبالغة ، وليست من صيغها ؛ لأنا نقول : الصيغ المشهورة هى الصيغ القياسية ، أما السماعى فلا حصر له «ألفته» بفتح اللام ـ من باب ضرب ـ أى : أعطيته ألفا ، أو بكسر اللام ـ من باب علم ـ أى : صرت أليفه «تبذخ» تكبر وعلا «الأعلام» جمع علم ، وهو ـ بفتح العين واللام جميعا ـ الجبل.

الإعراب : «وكريمة» الواو واو رب «كريمة» مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد «من آل» جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لكريمة ، وآل مضاف ، و «قيس» مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث المعنوى لأنه اسم للقبيلة «ألفته» فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «حتى» ابتدائية «تبذخ» فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا «فارتقى» الفاء عاطفة ، ارتقى : فعل ماض ، وفيه ضمير مستتر فاعل ، والجملة معطوفة على جملة «تبذخ» السابقة «الأعلام» مجرور بحرف جر محذوف ، أى : إلى الأعلام ، والجار والمجرور متعلق بقوله ارتقى.

٤٠